رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

نقد المقاومة حق أريد به باطل!

من لم يعتد على التعددية ينتقد ظهور بعض الآراء المختلفة مع المقاومة في غزة، رغم أن هذا الأمر طبيعي وصحي، بل ويدل على احترام حركة المقاومة للرأي والرأي الآخر، وعلى كذب من يروج أنها حركة إرهابية تحكم غزة بالنار والحديد. وهو بالتأكيد تشويه مقصود ومتعمد ساهمت به «إسرائيل» وأعوانها في المنطقة بهدف إضافة نوع من الشرعية على الاعتداءات الصهيونية باعتبارها نوعا من التحرير العكسي للشعب الفلسطيني في غزة من هيمنة المقاومة! حدث هذا دائما، في السلم النسبي وفي الحرب، وبأساليب كثيرة عبر أدوات مختلفة، وفي سياق العدوان الراهن على غزة وأهلها، عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، ورغم أن معظم اهل غزة، مع ما قاسوه، كانوا يعرفون جيدا عدوهم الحقيقي ويبدون حتى في أشد المواقف التي مروا بها وأصعبها، رضاهم التام عن المقاومة ومنتسبيها واستعدادهم لتحمل المزيد من المصاعب في سبيل نجاح تلك المقاومة، ظهرت مؤخرا بعض المقاطع التلفزيونية لبعض الأفراد المكلومين بفقدان أبنائهم أو أفراد آخرين من عوائلهم بسبب القصف الصهيوني، وهم يتحدثون بعصبية وانفعال كبيرين تحت تأثير الصدمة العنيفة منتقدين حركة المقاومة الاسلامية حماس، ومبدين اختلافهم معها في أسلوب إدارتها للحرب مع الصهاينة وأمور أخرى. وبالتأكيد فإن هذا من حقهم الخالص فلا مزايدة على من يواجه العدوان مباشرة ولا انتقاص من حرية أي إنسان في إبداء رأيه ووجهة نظره فيمن يدير شؤونه العامة. صحيح أن هناك من يرى بأن الوقت ليس مناسبا لانتقادات توجه لحماس بعز المعركة وأن من الترف مناقشة أسلوب إدارتها لغزة في الوقت الذي يواجه فيه القطاع أعتى عدوان صهيوني لم يبق ولم يذر إلا القليل من معالمها ومبانيها ومرافقها، لكن أهل غزة أدرى بشعابها السياسية والعسكرية والاجتماعية أيضا. ‏المشكلة أن بعض القنوات الإخبارية (العربية) المشبوهة والتي يعرف كثيرون أجنداتها وأهدافها المضادة لأي توجه عربي شعبي، احتفت بهذه الآراء، وهي قليلة جدا بل نادرة، وكأنها عار أو عيب أو أنها ستسحب الشرعية من تحت أقدام المقاومة، متناسين الأغلبية ورأيها في المقاومة وهو رأي معلن بقوة دائما! والمضحك ان هذه القنوات تعتقد أنها من خلال نشرها لتلك الآراء التي من الواضح انها اجتهدت كثيرا في البحث عنها وإبرازها قد تستطيع تفكيك شرعية المقاومة وتغيير مكانتها في نفوس الفلسطينيين في الداخل والخارج. وهذا بالتأكيد لا يدل إلا على جهل تلك القنوات ومن خلفها لا بطبيعة الشخصية الفلسطينية التي تربت على التعددية السياسية رغم التوحد حول اسم فلسطين وحسب، بل أيضا بخاصية من خواص أي حركة تحرر حقيقية تضم تحت أجنحتها بالضرورة كل احتلال لصالح الهدف النهائي العام! إن حركة المقاومة في غزة، مثل أي حركة سياسية أو تنظيم مماثل، لديها تنوع في الآراء والتوجهات بين أعضائها. وينبغي أن نتذكر أنها تمثل مجموعة واسعة من الأفراد الذين يشتركون في التصور العام للقضايا والأهداف، ولكنهم قد يختلفون في الطرق التي يرونها أنسب لتحقيق تلك الأهداف. وهذا التنوع الداخلي يعكس الواقع السياسي والاجتماعي المعقد الذي تعيشه المنطقة. علاوة على ذلك، يجب أن ندرك أن الرأي العام في غزة ليس موحدًا تمامًا فعلا، وأن هناك تنوعًا في الآراء والتوجهات داخل المجتمع الفلسطيني عموما. فهناك من يؤيد حركة المقاومة بكل تصرفاتها وآرائها، وهناك من يعارضها أو ينتقدها. وهذا التنوع في الرأي يعكس النقاش الحي والديمقراطية الداخلية التي تميز المجتمعات المثقفة والواعية بحقوقها ومكتسباتها حتى وهي تعاني من الاحتلال، كالمجتمع الفلسطيني، ما يجعلنا نتأكد أن محاولات تلك القنوات العربية المنحازة ضد الحق الفلسطيني خدمة للسياسات الصهيونية، بعرضها لبعض الآراء الفلسطينية ضد المقاومة ما هي الا حق أريد به باطل في الوقت الحرج!

1200

| 11 ديسمبر 2023

لماذا السياسات الثقافية؟

راق لي أن يخصص منتدى دراسات الخليج الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة مطلع هذا الأسبوع، مساراً للحديث عن السياسات الثقافية في المنطقة. وعاما بعد عام يثبت منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، بصيرته الثاقبة في اقتناص موضوعات غير مطروحة مسبقا رغم حاجتنا الماسة للتفكير الجدي بها وفق المتغيرات العالمية السريعة جدا والتي تكاد تصل إلى حد وصفها بالانقلابات الثقافية والفكرية. وهنا تكمن أهمية وجود المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وغيره من المراكز البحثية المشابهة في المنطقة والتي تعتبر تقليدا مؤسسيا جديدا لم تعتد المنطقة الخليجية التعامل معه بجدية قبل ثلاثين عاما بسياق واقع نمت فيه الأفكار السياسية في بيئة تشجع على الفردية وأحيانا العشوائية. ورغم أن هذه الدورة هي الدورة العاشرة من منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية إلا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أن ما تراكم من نجاحات له تشير إلى سياسته الجدية في تكوين إرث بحثي بمستوى عالمي لمنطقة الخليج والجزيرة العربية على صعيد الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما أصبحنا نعايشه في كل ما قدمه المنتدى من إسهامات آخرها الندوة التي انتهت أعمالها مساء أمس الأحد. تعد السياسات الثقافية عادة أداة قوية وضرورية في تحقيق التنمية الشاملة وصون التراث الثقافي. وتتمثل أهميتها في تعزيز التفاعل الثقافي والتعاون الدولي، وتشجيع الإبداع والابتكار، وتعزيز هوية الدولة وتعزيز الانتماء الوطني، إذ يتم تنفيذ هذه السياسات من خلال توجيه الاستثمار في الثقافة والفنون وتعزيز الوعي الثقافي في المجتمع. وفي ندوات المسار حاول المنتدون استكشاف أهمية فكرة السياسات الثقافية في دول الخليج ودورها في تعزيز التنمية المستدامة والحفاظ على التراث الثقافي الغني للمنطقة، بالإضافة إلى إثبات دورها الحاسم في تحقيق التنمية المستدامة من خلال دعم القطاع الثقافي والفنون، إذ توفر فرص العمل وتعزيز الابتكار وتنمية المهارات. كما يساهم الاستثمار في الثقافة في تنمية البنية التحتية الثقافية، مثل إنشاء المتاحف والمراكز الثقافية والمسارح، وبناء قدرات الفنانين والمبدعين المحليين عادة. ومن أفضل أدوار السياسات الثقافية أنها تعمل كمحفز للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتعزز التنمية المستدامة على الصعيد الثقافي وتعيد النمو الاقتصادي. لكن من الواضح، بعد أن استمعت لجميع المشاركين في المنتدى أن دول الخليج تواجه تحديات متنوعة في تحقيقها على أرض الواقع. على صعيد الحفاظ على المباني التاريخية والمواقع الأثرية والتراث اللغوي والفلكلور والحرف التقليدية، وإن كانت بعض دول المنطقة انتبهت مبكرا لتلك التحديات وأصبحت مواجهتها جزءا من السياسة العامة للدولة. من خلال تعزيز الوعي الثقافي وتجويد التعليم، بما في ذلك برامج التعليم الثقافي في المدارس والجامعات. بالإضافة إلى ذلك، تعزز السياسات الثقافية الوصول إلى الفنون والثقافة للشباب والمجموعات من ذوي الاحتياجات الخاصة، مما يعزز التنمية الشاملة والمشاركة الاجتماعية. ورغم الاختلافات بين أفكار المشاركين في المنتدى في مساره الثقافي أجمعوا على تبني فكرة تقول إن السياسات الثقافية تعمل على تعزيز الهوية الوطنية وتعزيز التواصل الثقافي بين دول الخليج والعالم. ومن الواضح أن تلك دراسة تلك السياسات ورصدها وتطويرها وتبادل الأفكار الكامنة فيها مع ما يقابلها لدى الآخرين في العالم أصبحت ضرورة ملحة في دول الخليج العربية. وأنا أظن أن الدول الخليجية الستة في طريقها لتحقيق ذلك بوجود جيل شاب انتبه لهذا السياق كما اتضح من خلال استعراض أسماء المشاركين والمشاركات في المنتدى من الشباب العربي والخليجي تحديدا.

1863

| 04 ديسمبر 2023

هدنة بطعم الانتصار

أخيرا.. فرح مؤقت وصغير في سياق الآلام التي تعيشها غزة. وغزة التي تعرف كيف تعيش الحزن تعرف أيضا كيف تعيش الفرح ولو لأيام معدودات، لكنها كافية جدا على الأقل لإعلان أنها ما زالت على قيد الحياة من دون التخلي عن مبدأ أو الانهزام أمام القوة الغاشمة بسمتها الصهيوني. صحيح أن الحرب ما زالت تنوخ بظلالها على الحياة في القطاع كله، وأن شبح الموت يحيط بكل الأمكنة أشلاء ودماء، وأن الفقد أصبح هو العنوان الكبير في حياة الفلسطينيين مجددا، إلا أن الفرح الصغير صار كبيرا ما دام الفلسطيني قادرا كعادته على الانبثاق من بين رماد الواقع الأسود ليصنع واقعه الجديد انتصارا حقيقيا على الاحتلال بكل أشكاله. احتاج الأمر تسعة وأربعين يوما قبل أن تكون الهدنة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الكيان الصهيوني حقيقة. لقد نجحت أخيرا جهود الوسطاء الشاقة والمستمرة، في حصد ثمار صمود المقاومة الباسلة وصبر الشعب الفلسطيني في غزة ليرضخ الصهاينة أخيرا ويوافقوا على هدنة لمدة أربعة أيام فقط. من المفترض ان موعد نشر هذا المقال سيكون هو اليوم الأخير من أيام الهدنة التي شهدنا في ساعاتها الأولى عودة مجموعة كبيرة من الأسرى الفلسطينيين بمقابل الإفراج عن عدد أقل من الأسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية، ما أشعر العالم كله بانفراجة حقيقية منتظرة منذ يوم السابع من أكتوبر الماضي. صحيح أنها هدنة قصيرة جدا بقياساتنا العادية ولكنها قابلة للتمديد، وهي تبدو كافية لأن يستعيد أهل غزة أنفاسهم بعد أن عاشوا تحت وطأة القصف المستمر ليلا ونهارا طوال تسعة وأربعين يوما، كما أنها توكيد كان لا بد منه لإعلان قوة المقاومة الجبارة، والتي احتملت حربا غير متكافئة في العدة والعتاد والعدد والتكوين لصالح الصهاينة، بشكل غير مسبوق على هذا النحو في تاريخ المواجهات العربية الصهيونية منذ الاحتلال في عام 1948 وحتى الآن. وهذا يعني أن الحكومة «الإسرائيلية» التي رفضت في البداية وبإصرار كبير أي حديث عن هدنة محتملة أو فكرة لتبادل الأسرى، رضخت أخيرا للأمر الذي فرضته قوة المقاومة ونفسها الطويل. لقد يئس الصهاينة من الوصول الى أسراهم عبر القصف المستمر ومحاولة التهجير وهدم البيوت والمنشآت العامة والخاصة والمدارس والمساجد بل وحتى اقتحام المستشفيات وارتكاب المجازر فيها، فكان لا بد لهم من الاعتراف بأنهم غير قادرين على تتمة الأمر كما كانوا يحلمون ويخططون. وأن أسراهم سيعودون لهم فقط إذا قررت المقاومة ذلك بعد عودة ما يقرب من ثلاثة أضعافهم من الأسرى الفلسطينيين من الرجال والنساء والأطفال في السجون والمعتقلات الإسرائيلية. كما أن شروط دخول الشاحنات المحملة بأطنان من المساعدات والتي كانت في محطة الانتظار المصرية عبر بوابة رفح الى القطاع شرط آخر لم يكن يتحقق بهذه السرعة، ووفقا لاحتياجات أهل غزة لولا صمودهم ومقاومتهم وصبرهم. ولذلك فهذه الهدنة هي جائزتهم الصغيرة المستحقة على ما كابدوا طوال ما يقرب من خمسين يوما، وفرصتهم للأخذ بالأسباب على سبيل مواصلة الحياة والمقاومة والبقاء في أراضيهم، بدلا مما كان يخطط لهم من تهجير قسري الى بلدان أخرى. على أن هذا ليس كل ما تحقق للمقاومة في هدنة الأيام الأربعة وحسب، فقد فرضت نفسها كقوة حقيقية لا يمكن تجاوزها في أي مفاضات تخص مستقبل هذا القطاع كما كان يظن الصهاينة وحلفاؤهم في بداية الحرب عندما كان الحديث يدور، بغرور، عن مستقبل غزة بعد القضاء على المقاومة. أما وقد تحققت الهدنة بمفاوضات مباشرة مع المقاومة نفسها وبشروطها وبتوقيتها أيضا، فهو دليل جديد على أن هناك ما هو أكبر من هذه الهدنة قد تحقق بفضل الصمود والتصدي، وأن ثمار السابع من أكتوبر لم تحصدها المقاومة ولا الشعب الفلسطيني بعد، فهي نصر حقيقي أعلن عنه لتبدأ مرحلة جديدة بعده من دون إحصاء مكاسبه على الأرض حتى الآن!.

861

| 27 نوفمبر 2023

عن حرية الرأي نتحدث!

معظم منصات السوشيال ميديا المهمة معهم، باستثناء منصتي إكس(تويتر) وتيكتوك، ومع هذا لم يتحملوا، بعض المحتوى الحقيقي بشأن ما يجري في غزة والذي يشارك بكتابته وصناعته أفراء مستقلون، فبدؤوا بشن حملات على المنصتين لقتل المحتوى المساند للفلسطينيين. ‏عن حرية الرأي كما يفهمها الغرب أتحدث! وهي حرية لطالما صدعوا رؤوسنا بها حتى صدقناها، وصدقنا أنهم النموذج المثالي لاحترام الرأي والرأي الآخر، ما دمنا لسنا المعنيين بما تتناوله من قضايا، أما وقد أصبحنا نحن القضية ونحن المادة المقصودة، فسرعان ما اكتشفنا أنها حرية خاصة جدا، مفصلة وفقاً لمقاساتهم وقياساتهم هم وحدهم، ولا ينبغي أن تتعدى المقاسات ولا أن تتجاوز القياسات. فإن فعلت ذلك ولو لمرة واحدة، وبسبب حجم ما انكشف من الحقيقة، فلا بد من خطاب جديد للشذيب والتهذيب وإعادة تعريف المصطلحات كما يناسبهم ويليق بإنسانهم الغربي الأبيض فقط!. الضغوط التي مورست ضد منصة تيكتوك منذ بداية طوفان الأقصى وتمارس الآن ضد منصة إكس وصاحبها إيلون ماسك تبين لنا مقدار الأثر الذي تركه ويتركه المتابعون المحايدون المستخدمون لمنصات التواصل الاجتماعي لصالح القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية حق ضد الباطل. وهو ما سبب رعباً للصهاينة الذين اعتمدوا كثيرا على رواج سرديتهم الكاذبة والمزيفة طوال عقود من الزمن بواسط الإعلام المنحاز والمسيطر عليه من قبلهم. وكان لا بد من صدى لهذا الرعب من حكومات أمريكا والغرب، وهو ما عبرت عنه تلك الحكومات من رفض لسلوك الجماهير الذي حاصرهم في ديارهم ليس على وسائل التواصل الاجتماعي وحسب ولكن أيضا على الأرض في مسيرات ومظاهرات يومية ترفع فيها الأعلام الفلسطينية كما لم يحدث بهذا الحجم في الماضي أبدا. إيلون ماسك نشر بيانا قبل يومين على حسابه في إكس طالب فيه جمهور المنصة أن يسانده من أجل حرية التعبير عن الرأي في المنصة الشهيرة، بعد حملة مقاطعة الإعلانات فيها والتي شنتها ضده شركات كثيرة بضغط من اللوبي الصهيوني في الغرب. قال ماسك في بيانه إن المقاطعة التي يتعرض لها ساهمت بهدم فكرة حرية التعبير، خاصة أنها قائمة على رؤيتهم لمنصة إكس التي أصبحت تهدد سرديات اجتهدوا من خلالها بأدلجة الجماهير كما يرغبون. ورغم أن ماسك أكد أنه لن يخضع لهذا التهديد المباشر لسياسة إكس، وأنه سيبقى مؤمنا بحرية التعبير وأهمية الحفاظ عليها، الا أننا لا نعلم إن كان ذلك سيستمر طويلا أم أنه سيغير رأيه في نهاية المطاف، بالنظر لقوة الشركات المقاطعة له، وما تمثله إعلاناتها من دعم لاستمرارية المنصة شبه المجانية. ليست الشركات الخاصة وحدها من تصدت لمهمة مصادرة حرية الرأي من منصة إكس، فحتى بعض الأجهزة والمؤسسات والمنظمات الرسمية فعلت ذاك بكل وقاحة. المفوضية الأوروبية على سبيل المثال طلبت من أجهزتها تعليق حملاتها الإعلانية المخطط نشرها على منصة إكس أيضا، وبنفس الحجة، وهي الزعم بأن المنصة تنشر خطاب كراهية! والمنظمة تعني بخطاب الكراهية تغريدات المستخدمين المساندين لغزة، أما ما يفعله وينشره الكيان الصهيوني من قتل ودمار وقصف لم يسلم منها حتى الأطفال الخدج في حاضناتهم فهو، برأيهم، خطاب محبة وسلام.. وأي سلام!. البيت الأبيض بدوره، وجد فسحة من الوقت في زحام الأحداث المسؤول عنها في الكرة الأرضية بأسرها، ليدين به إيلون ماسك ومنصته بسبب ما سماه «الترويج البغيض لمعاداة السامية»، وهي التهمة الجاهزة أو العفريت الذي يستحضره الغرب ليتهموا به غيرهم كلما أعياهم البحث عن تهمة لأي خصم يعكر صفو كيانهم الصهيوني المدلل!. الغريب أنهم وجدوا فعلا من يصدق كذبهم المفضوح هذا تحت الشعار القديم المكشوف زيفه ذاته، وهو شعار احترام الرأي والرأي الآخر، أما الأغرب فهو أن كثيرا ممن صدقهم أو انساق وراء دعاياتهم الكاذبة هم ممن ينتمون لنا، أي أولئك الذين بلغ من تصهينهم أنهم أصبحوا لا يرون إلا بعيون الصهاينة. ولا يسمعون إلا بآذانهم. لكن الحمد لله أنهم منكشفون جدا، لنا ولهم!.

630

| 20 نوفمبر 2023

هل هي عودة الوعي بالحالة الفلسطينية؟

يبدو أن العالم احتاج شهرا كاملا ليستوعب ما حدث وما يحدث في غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي. شهر من القتل والقصف والدمار الشامل الذي طال كل شيء تقريبا في قطاع غزة على يد الصهاينة كان كافيا ليستيقظ العالم من غيبوبته التي رأى فيها المقاومة وكأنها الشيطان الرجيم الذي تسبب بهذه الحرب كما صورت له البروباغندا الصهيونية. في البداية كان الجميع ضد غزة مساندا للكيان الصهيوني فيما اعتبروه محنته بعد أن قامت حماس بالهجوم على المستوطنات. كان المشهد يوم السابع من أكتوبر مفاجئا وغريبا ما جعل الكثيرين يتعاطفون مع الصهاينة وهو يرون سكان المستوطنات إما قتلى أو مصابين أو أسرى بأيدي المقاومين الفلسطينيين. وما ضاعف من غرابة المشهد وقسوته على هؤلاء أنهم كانوا يرونه لأول مرة في حياتهم، خاصة وأن الإعلام الصهيوني أولا ثم الغربي المنحاز قدم لهم ذلك المشهد مقتصا من سياقه التاريخي الذي يبدأ بتاريخ احتلال فلسطين. وبالتالي كان من الصعب فهم القصة كلها منذ البداية. لكن حكومة نتنياهو أعادت شرح القضية في سياقها التاريخي الحقيقي من دون أن تعي ذلك أو تقصده، من خلال عنفها غير المسبوق في قصف غزة واستهداف كل شيء فيها. المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والشوارع والملاجئ والبيوت، بل حتى المناطق التي قالت إنها ستكون آمنة لتشجيع سكان مدينة غزة على النزوح إليها. عنف القصف وغطرسته مقابل التعامل الفلسطيني معه بذلك الصبر النبيل والشجاعة في المواجهة الأخلاقية كانا عاملا حاسما في بدء التحول لدى كثيرين حول العالم. المسألة إذن لم تكن هجوما من المقاومة الفلسطينية على المستوطنين الآمنين في بيوتهم كما قالت الدعاية الصهيونية، بل كانت ردا على عقود طويلة من الاحتلال والقتل والتهجير وسرقة البيوت والتجويع والحرمان من كل شيء تقريبا في فلسطين المحتلة، أما غزة تحديدا فقد تحولت منذ عقد ونصف الى سجن كبير يعيش فيها أهلها بلا أي منفذ طبيعي لهم على العالم، محاطين بمستوطنات يسكنها صهاينة مسلحون أتوا من كل بقاع العالم لمجرد أنهم يهود مؤمنون بفكرة الصهيونية العنصرية، فسكنوا في تلك المستوطنات متربصين بمن هم داخل السجن الكبير موجهين أسلحتهم نحوهم ليلا ونهارا لاصطيادهم على سبيل التسلية أحيانا وحسب!. هكذا بدأت تتضح ملامح الصورة الحقيقية التي رسمت بدماء الصغار والكبار وهي تسيل على أرض غزة طوال شهر كامل قبل أن تبدأ ملامح التحول في تلقي الرسائل الفلسطينية الموجهة لشعوب العالم بعيدا عن حكوماته في أغلب الأحوال. المظاهرات في بريطانيا وفي كندا وفي أمريكا وفي فرنسا أصبحت في الأيام القليلة الماضية هي الأضخم عالميا في مساندة الحق الفلسطيني، رغم أن حكومات هذه الدول من أشد المساندين لحكومة الكيان الصهيوني والداعين لاستمرار القصف على غزة. فنانون كثيرون من نجوم هوليود بدؤوا يرفعون أصواتهم عالية في سبيل وقف القصف وتهجير أهالي غزة من بيوتهم على الأقل. ورياضيون وجماهير استغلوا وجودهم في الملاعب ليرفعوا اسم فلسطين وعلمها وينادون بوقف القتال. مشاهير في وسائل التواصل الاجتماعي ذهبوا أبعد من ذلك فبدؤوا في التعرف على الثقافة الإسلامية التي أنتجت هذا النوع من التسليم بالموت انتظارا لما بعده من حياة أبدية. القضية الفلسطينية كلها أصبحت حاضرة في الذهن ومحلا للتساؤلات. لماذا يبدو الفلسطيني بهذا التسليم وهو يحمل جثامين صغاره ذهابا الى المقبرة؟ لماذا تخرج الأم الفلسطينية متعالية على آلامها وجراحاتها لتقول للعالم إنها رغم كل شيء راضية بقضاء الله وقدره؟ لماذا يتمسك الفلسطيني بأرضه الى هذا الحد الذي يفضل معه الموت على اللجوء أو الهجرة أحيانا؟ ولماذا تساند أمريكا المحتلين الصهاينة ضد أصحاب الأرض؟ لم تتوقف الحرب بعد، وقوافل الموت ما زالت تسير نحو مصائرها في معركة الحق والباطل، لكن الوعي الجديد جدير بالوقوف عنده حصادا لثمرة من ثمرات الحرب، فهل هي بداية لعودة الوعي بالحالة الفلسطينية؟.

435

| 13 نوفمبر 2023

أمهات غزة.. السمو في الموت المشتهى

وما زلنا في نشرة أخبار فلسطين من غزة. مضى ما شهر على بدء معركة طوفان الأقصى، وما زالت المعركة مستمرة في غزة بل وفي فلسطين كلها. وما زلنا نعيش دور المتفرجين على ما يحدث هناك، رغم أننا وعلى البعد جزء لا يتجرأ مما يحدث. فالمقاومة في غزة تقوم بالأدوار كلها بالنيابة عنا. تقاتل وتدافع وتحرر وتصور وتوثق وتحاول أن تتواصل مع العالم كله بمعجزات لا يعرف أسرارها سوى الشعب الفلسطيني الجبار. والمقاومة تقوم بكل ذلك بعفوية القادرين على الفعل في اللحظة المناسبة الواثقين من أنفسهم ومن قدرتهم على الصمود لآخر نفس، وبأسلوبهم الخاص في العيش على حافة الخطر لأنهم ببساطة لا يرونه خطرا بقدر ما يرونه الأسلوب الوحيد للعيش في غزة بعزة وكرامة. إنها مقاومة غزة كما عرفها العالم منذ أن أصبحت غزة عنوانا للمقاومة في العالم كله. لا أعني المقاومة المسلحة وكتائب القسام وحدها، بل إن كل ما ومن في غزة مقاوم بدرجة أو بأخرى. الكبار والصغار، والمقاتلون المدربون على حمل السلاح، والآخرون في بيتهم ومقرات أعمالهم ومدارسهم ومساجدهم وكنائسهم والشوارع والحقول. في كل مكان في غزة الناس مقاومون على سبيل الأمل العظيم. ذلك أن أهل غزة يجيدون ممارسة الأمل كما يجيدون المقاومة، ويجيدون الحياة كما يقبلون على الموت عندما يكون لا بد منه في الطريق الى الحرية. أتابع المقاطع التي تصور في غزة، ونتشاركها كما نتشارك حياة تبدو عادية بالنسبة لهم ولكنها ليست كذلك. يتناولون إفطارهم تحت وابل من القنابل الفسفورية، ويرتبون بيوتهم وغرفهم التي ستهدم بعد قليل فوق رؤوسهم فينجو منهم من ينجو ويقضي نحبه تحت الأنقاض من يذهب شهيدا. أتابع مقاطع الصغار فينخلع قلبي كلما ارتجف أحدهم صامتا أمام الكاميرا قبل أن يعي ما يحدث أمامه في عالم لا يراه إلا طفلا مهيئا للموت!. أتابع مقاطع الأمهات الفلسطينيات تحديدا، ويأسرني فيهن هذا الثبات العجيب. قبل قليل رأيت مقطعا لسيدة من غزة وهي تحكي عن ابنها الذي استشهد قبل ساعات فقط. تحكي بثابت لا يشبه أي ثبات آخر كيف كان بطلا لآخر لحظة، وأن زملاءه الذين رافقوه في مهمته النضالية حكوا لها تفاصيل مهمته الأخيرة. قالت إنه كان دائما متشوقا للحظة استشهاده وكان يتوقع أنه سيكون بلا قبر بل إن أسماك البحر ستلتهم جسده، لأنه كان يعمل في القوة البحرية، فلا بد إذن أنه سيموت في البحر. لم تخبرنا السيدة التي كانت تواجه عدسة الكاميرا لتوثق دقائق استشهاد فلذة كبدها إن كان فعلا قد استشهد في البحر أم في البر لكنها كانت تردد «الحمد لله» كثيرا لأنه كان مقاتلا شرسا كما وصفته وأنه مات شهيدا كما اشتهى. مقاطع أخرى كثيرة لسيدات فقدن أبناءهن أو أزواجهن أو بيوتهن ولكنهن رغم الألم والحسرة في القلوب، كن صابرات غير معترضات على قضاء الله وقدره، بل كن فخورات بأنهم ذهبوا في سبيل الله ودفاعا عن فلسطين كلها، فأعرف من الذي يربي أبطال المقاومة في غزة بهذه الروح المتأبية على الهزيمة. هذه المشاهد كانت بالنسبة لي أقسى كثيرا من مشاهد الجثث المقطعة والمحترقة بنيران الصهاينة، وحتى إنها أشد قسوة من مشاهد الأطفال وهم يرتجفون من الهلع وقد غطت الدماء وجوههم. ففي ذلك الحزن الشفيف الذي لا يريد أن يتبدى للآخرين عبر كلمات الامهات، مواربة نوع من القسوة على من يراه. وكلنا نراه يوميا على الشاشات بمنتهى العجز عن الفعل الحقيقي. الأمهات اللواتي يذهب أبناؤهن إلى الموت المشتهى استشهادا في سبيل ما يؤمنون به، لا يكذبن أبدا. يتألمن ويحزنّ وتذوب أكبادهن كمدا، لكن هذا لا يكسر فيهن الرغبة في العلو والسمو حتى حدود السماء. وهذا أحد أسرار الأمهات في غزة، بل وفي فلسطين كلها.

1077

| 06 نوفمبر 2023

ماذا يريد أدرعي وكوهين؟

لماذا توجد حسابات للصهاينة في منصة إكس (تويتر سابقا) وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي، رسمية وغير رسمية، باللغة العربية؟ لماذا يحرص أفيخاي أدرعي وإيدي كوهين وغيرهما على التواجد الكثيف بيننا في تلك المنصات يتجاذبون أطراف الحديث ويحاولون استخدام الثقافة العربية في الكتابة والتواصل بل أنهم لا يتورعون من اللجوء إلى كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وغيرها لتدعيم وجهات نظرهم؟ لماذا توجد حسابات رسمية موثقة باللغة الغربية لكثير من المسؤولين الصهاينة لتخاطبنا بلغتنا؟ ولماذا يهتم الصهاينة بهذه الحسابات ويحاولون تنمية محتواها ونشرها بين العرب بغض النظر عن ردود الفعل عليهم فيها من قبل مستخدمي وسائل التواصل العرب وتعليقاتهم وشتائمهم القاسية لهذه الحسابات؟ لا يمكن أن تكون تلك الحسابات التي تدار باحتراف لا يخفى على أحد، قد وجدت بشكل عفوي، أو أنها اجتهاد شخصي من قبل أصحابها، بل هي موجودة في سياق حرب إعلامية ونفسية يواجهنا بها الصهاينة في أحد أهم ميادين التعبير الحر عن الرأي، حتى تساهم بتوجيه الرأي العام العربي كما تريد ووفقاً لأجندات الصهاينة المعلنة والخفية بأبسط الطرق وأرخصها وأيسرها وأكثرها انتشاراً وعصرية، طبعا بالإضافة إلى الطرق التقليدية الأخرى. ‏حسناً.. لماذا نتبرع نحن العرب بمساعدة تلك الحسابات إذن في تنفيذ مهمتها، من حيث لا نريد ولا ندري، عبر المتابعة وإعادة النشر والتعليق؟ كثيرون منا يفعلون ذلك وهم يعتقدون أنهم يقدمون خدمة لقضيتنا المركزية، فيكيلون الشتائم والتعليقات الساخرة والردود الجدية على ما يقوله هؤلاء الصهاينة في حساباتهم، لكن هذا كله للأسف يساهم في توسيع رقعة نفوذ تلك الحسابات الخفي بيننا. ولذلك هم لا يهتمون بردود الفعل ولا بالتعليقات المسيئة لهم خاصة وأنهم مدربون ليس على تقبلها وحسب بل على استدراجها أيضا لإثارة المزيد من البلبلة وتطبيع العلاقات الشخصية بينهم وبين العرب بطريقة مباشرة وغير مباشرة. لقد وصل الحال ببعض العرب أنهم أصبحوا يستمرئون الحديث مع هؤلاء بشكل ودي وطبيعي، وهو ما يحقق أحد أهم أهداف الدولة الصهيونية في تفكيك القوة الشعبية العربية والتي كثيرا ما اعترفوا أنها عقبة بل هي العقبة الأولى أمامهم في طريقهم نحو التطبيع مع كثير من الأنظمة العربية. ومن الأسباب المحتملة الأخرى لوجود هذه الحسابات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة لترويج الأفكار والمواقف الصهيونية وتعزيز صورة «إسرائيل» في الوطن العربي، من طريق نشر المعلومات والمقالات التي تدعم وجهات نظرهم، والتعليق على المنشورات والمشاركة في المناقشات لتعزيز وجهات نظرهم والتأثير على الرأي العام. لذلك كله ينبغي إهمال هذه الحسابات تماماً وعدم متابعتها ولا التعليق أو الرد عليها، والتركيز بدلاً من ذلك على التواصل مع الأشخاص الذين يشاركون آراء مختلفة والمشاركة في المناقشات الهادفة التي تساهم في توسيع آفاق الفهم والتفاهم المتبادل بين الأفراد. لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من أهم الوسائل التي يتم استخدامها للتأثير على الرأي العام وتوجيهه. وبالتالي، يجب أن نكون حذرين، في استخدامها لمعاركنا المصيرية، وأن نحرص على ممارسة التفكير النقدي والانتقائي في مواجهة سيل المعلومات التي نتلقاها عبر مختلف الحسابات عموما فما بالك ونحن نعرف أنها حسابات عدو معلن لنا؟ في حرب غزة هذه الأيام، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا محوريا في التعريف بالسردية الفلسطينية في ظل انحياز واضح من قبل الاعلام التقليدي للسردية الصهيونية وبالتالي فلا ينبغي أبدا التساهل في تلك الوسائل ولا التنازل عن ممكناتها المهمة جدا بالنسبة لنا لصالح خصومنا لمجرد أنهم يجيدون الكتابة فبها بلغتنا العربية.

1098

| 30 أكتوبر 2023

الفلسطيني.. وحيداً!

في كل مرة تتعرض فيها غزة لهجوم صهيوني يحاول ألا يبقي عليها ولا يذر، أن يقتلعها ويمحو آثارها، أن يقتلها وأهلها، باعتبارها رمزا حياً لكل فلسطين المحتلة وأملاً في فلسطين الحرة، تفاجئ هذه المدينة الصامدة عدوها كما تفاجئ العالم كله، فتخرج ثانية من بين الرماد لتعلن أنها حية، لأنها ببساطة غير قابلة للموت. عندما قال الاعلامي المصري باسم يوسف في مقابلته الأخيرة مع الاعلامي البريطاني بيرس مورغان، على سبيل السخرية السوداء بأن الفلسطيني لا يموت حتى وإن ادعى ذلك، فإنه كان يشير إلى طبيعة الفلسطيني التاريخية الخاصة التي اكتسبها من سنوات نضاله الطويلة في الداخل المحتل وفي الخارج كله، وإلى موهبته الفطرية في المقاومة لا على صعيد حمل السلاح دفاعاً عن وجوده وحسب بل أيضا على صعيد مقاومة الموت بكل صوره وأشكاله. إنه لا يموت فعلا، هكذا انتبهنا جميعا وبعد كل هذه السنوات الطويلة من الاحتلال والتهجير والقتل المباشر. يسلم الروح لبارئها ويغمض عينيه ويشيع شهيدا. لكنه لا يموت. أي أنه لا ينتهي. لأنه يملك حلما عظيما يبقيه حيا على قيد الأمل والعمل دائما. وهو المتناسل من بعضه البعض جيلا بعد جيل، إذ يتجدد عند كل منعطف تمر به القضية لتعيد تشكيل نفسها بأسلوب مختلف لكن الهدف واحد؛ فلسطين الحرة. نعم.. الصواريخ والقذائف الصهيونية التي تدك غزة ليل نهار، حيث لم يسلم منها بيت ولا شارع ولا مدرسة ولا مستشفى ولا مسجد ولا كنيسة، خلفت وراءها الكثير من الدماء والأشلاء والصرخات والبكاء والأسى والدمار، وهو ما رآه العالم كله على الهواء مباشرة، لكن هذا لا يعني النهاية ولا يعني الموت ما دامت كلمة فلسطين باقية. فوراء كل قصة من قصص الموت الكثيرة هناك، كما نتلقاها محن البعيدين عنها بالجغرافيا المتماهين معها حلما ودما ووجودا، أسرار نعرف بعضها بقدر معرفتنا بالطبيعة الفلسطينية التي اكتسبت خصائصها النفسية طوال سنوات الاحتلال والنضال، ونجهل بعضها الآخر بقدر قدرة تلك الطبيعة الفلسطينية على التجدد دائما وعلى ابتكار ما يلزم من أدوات واستراتيجيات تساعد الفلسطيني على الصمود والبقاء وإن كان وحيدا. والفلسطيني بالفعل وحيد. صحيح أننا كعرب وكمسلمين وكمؤمنين بالحق من البشر الآخرين نتعاطف معه واحتفظنا بحرارة هذا التعاطف على مدى ما يقرب من ثمانية عقود من الزمن، إلا أنه في مجمله وفي أغلبه يبقى مجرد تعاطف على البعد غالبا. فقدر الفلسطيني في غزة وعموم فلسطين المحتلة أنه يواجه مأساته منفردا، وهو يعرف ذلك تماما ويتعامل وفق معطياته في كل مرة كان عليه ان يواجه الموقف بإلحاح ومن جديد. في حرب غزة الأخيرة، والتي ما زلنا نعيش فصولها الموجعة، مراقبين لها عن قرب عبر الشاشات، ومشاركين فيها على البعد بالتفاعل النفسي والإعلامي وفق قدراتنا الشخصية وبما نملك من وسائل وأدوات، يتقدم الفلسطيني إلى موته المعلن وحياته السرية وحده بمواجهة الآلة العسكرية الصهيونية القاتلة. يتقدم بذات الإصرار الأول، وذات الإرادة القديمة، وذات الحلم المتجدد. ورغم أن النتيجة في الحسابات المباشرة كانت دائما محسومة لصالح العدو المحتل، لأنه يبقى محتلاً لفلسطين، إلا أن هناك حسابات أخرى يعرفها الفلسطيني، كما يعرفها عدوه الصهيوني، تجعله يستمر في التقدم إلى ساحات الموت بطمأنينة العارف بالمصير الأخير. نعم. يتقدم وحيداً أعزل إلا من فلسطين كما يراها أبداً.

654

| 23 أكتوبر 2023

يكذبون.. لتجميل إسرائيل!

لا حقيقة كاملة ولا خالصة في الإعلام، هناك دائما نقصان أو إضافة قادران على تغيير جوهر الحقيقة، وتجييرها لصالح أعدائها والمتضررين منها. هذا ما يتفق عليه كثيرون ممن عملوا في هذا المجال او من المتابعين له عن قرب. لكن الجديد أن كثيرا من وسائل الاعلام لم تكتف بانتقاص حجم الحقيقة او تغيير عنوانها وموضوعها بل ذهبت إلى أبعد من ذلك لتغيير الحقيقة كلها واستبدال النقيض بها مهما كان قاسيا او موجعا. وعندما لا تجد بديلا جاهزا أمامها لا تمانع في صناعته بهيئة كذبة او إشاعة بمواصفات عاطفية مثيرة للكثير من الدموع والدماء البريئة أيضا. في أحداث غزة الأخيرة، والعدوان الصهيوني على أهلها، انكشف الإعلام الغربي، والذي طالما آمن كثيرون به كمثال على الحياد والموضوعية والعدالة في التغطيات ونقل الأخبار وما وراءها، على حقيقته المستترة، وأظهر عجزا واضحا في الاستمرار بتمثيل دور المحايد مادامت «اسرائيل» الصهيونية تمثل أحد طرفي المعادلة! لقد اتضح الآن وبما لا يدع مجالا لشك أحد من المتابعين أنه إعلام كاذب ظالم ومزيف. ومع أن ما يبديه من انحياز واضح فاضح أقل بكثير مما تبديه وسائل إعلامية عربية وغير عربية في البلدان غير الامريكية والاوربية، الا أن المهم هنا هو مقدار الاثر وعمق الجرح. فقد صدق العالم لسنوات طويلة خدعة الاعلام الحر المحايد والذي يحتفي بالرأي والرأي الآخر، لإلحاح الخدعة وإتقان تنفيذها، وبالتالي فإن أي كذبة أو إشاعة يروجها هذا الاعلام على انها حقيقة سيكون من الصعب دحضها لاحقا من قبل المعنيين بالامر والقريبين منه، والعكس صحيح بالنسبة لإعلام دول ما يسمى بالعالم الثالث التي، ونتيجة سمعة تاريخية تتعلق بخضوعها لأنظمة حكم غير ديمقراطية في بلدانها، سيكون من الصعب عليها ترويج الحقيقة كما تراها وكما هي بالفعل. اذ سيتذكر الناس دائما تاريخها الطويل مع الحقيقة الناقصة لصالح الانظمة الديكتاتورية الحاكمة، مهما اجتهد مراسلوها وكتاب الرأي فيها! لكن يبدو أن أحداث غزة الاخيرة لم تكتف بتمهيد الطريق لقلب الصور النمطية في ما يتعلق بموازين القوى بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين وحسب ولا بكشف المستور في أروقة صحف وتلفزيونات ووكالات أنباء أمريكا والغرب فقط، بل بدأت بفرز المواقف والأخبار والمادة كلها بأسلوبها الفريد في الفضح! كذبة رؤوس أطفال الصهاينة المقطوعة بأيدي رجال المقاومة الفلسطينية، في أذهان من رددها من هذه الوسائل الاعلامية الغربية على سبيل المثال كانت فاقعة الى الدرجة التي لم يتحمل أحد استمرارها أكثر من يوم واحد فقط، قبل ان يصحو العالم كله ليكتشف أن هذه الكذبة الكبيرة الحقيرة التي شارك بصناعتها وترويجها الرئيس الأمريكي بنفسه، في سابقة خطيرة، مجرد كذبة اعتذر منها بعضهم على استحياء حفظاً لماء الوجه وتمهيدا كما يبدو للمزيد من الكذبات، بعد أن أدت مفعولها الإعلامي عالميا وحققت الهدف الصارخ منها. ومثلها كذبات كثيرة بعضها انكشف ما أجبر صُناعها ومروجيها على الاعتذار الاضطراري الخجول عنها، وبعضها لم ينكشف بعد. والغريب أن هناك من بقي مصراً على استخدام تلك الكذبة بل والدفاع عنها واعتبارها حقيقة لا تقبل النقاش واتخاذها قاعدة لبناء مواقف أخلاقية عليه، حتى بعد انكشافها وتخلي صناعها عنها! فإذا كان هناك من يكذب ليتجمل يبدو أن هؤلاء يكذبون ليجملون الصهاينة! وتواتر مثل هذه الأخبار حري به أن يشككنا بكل خبر نقرأه أو نراه في مثل هذه الوسائل ما دام يصب في صالح الهدف السياسي العام بالنسبة لهم. فما زال الإعلام سلاح يسهل فساده وإفساده في واقع يعج بالكذب والزيف والخداع في السياسة والإعلام!

1974

| 16 أكتوبر 2023

المقاومة.. طوفان غير مسبوق!

تحرير فلسطين ليس مجرد حلم مستحيل، ولا عنوان قصيدة أو خيال شاعر، بل هو واقع تأخر تحققه قليلا، أو ربما كثيرا. الزمن لا يقاس عندما يتعلق الأمر بتحرير الأوطان، بالسنوات بل اللحظات، وقد مر الشعب الفلسطيني بواقع الاحتلال في كل لحظاته منذ عام 1948 حتى الآن، لكنه لم ينس فلسطين أبدا، وطنا وحلما وقضية. لقد بقيت القضية الفلسطينية حية في نفوس الشعب الفلسطيني برواية مستمرة جيلا بعد جيل، وحربا بعد حرب وقصة بعد قصة، وغصة بعد غصة، وأغنية بعد أغنية، وقصيدة بعد قصيدة، ودعاء سرمديا في صلوات الليل والنهار، لكن المحتل خسر رهانه القديم الذي كان يتكئ على موت الكبار ونسيان الصغار. نعم.. لقد مات الكبار بعد أن زرعوا في نفوس صغارهم الإيمان بحتمية التحرير، وكبر الصغار ليقاوموا وينتفضوا مرة بعد أخرى، وإن كان الحجر وحده السلاح والوسيلة، وبقي الحلم مشتعلا بالنصر القادم بالضرورة ولو بعد حين. في عملية طوفان الأقصى الأخيرة، كان هناك واقع جديد قد تشكل رغم أنف المحللين العسكريين وأرقامهم وخرائطهم وجداول موازين القوى المفروشة أمامهم، ذلك أن الفلسطيني اعتاد أن يكون هو الاستثناء في كل واقع سياسي متخم بالخيبة والخذلان، وخصوصا بعد أن أصبح التطبيع العربي، بخطواته المتسارعة وعلنيته المفضوحة، مع الكيان الصهيوني أوسع رقعة وأقرب موعدا من أي ظرف سابق في المكان والزمان. لكن المطبعين قبل الصهاينة أصيبوا هذه المرة بخيبة أمل عظيمة وهم يرون الجيش الذي كانوا يريدون الاحتماء به من خوفهم القابع في نفوسهم السقيمة، ثمناً بخساً للتطبيع، وقد مزقته المقاومة بأسلحتها البسيطة أشلاء وفرقت جمعه وزرعت بين أفراده الخوف والقلق. ببساطة.. كشفت المقاومة الفلسطينية في غزة وبقية مدن فلسطين جيش الاحتلال على حقيقته التي اجتهد الصهاينة ومناصروهم من القريبين والبعيدين في إخفائها طويلا، بالتزييف والكذب والدعايات الأسطورية المستمرة. وربما لهذا كان حجم المفاجأة التي أصيب بها العالم كله، حتى من بين المناصرين للقضية الفلسطينية، عندما أصبحوا يوم السابع من أكتوبر الجاري على أخبار تدمير أسطورة الجيش الصهيوني وقتل وجرح وأسر كثير من أفراده ضخما. فبقدر التوقعات كانت المفاجأة العكسية. وهذا يعني مرة أخرى أن الفئة القليلة يمكن فعلا أن تنتصر على الفئة الكثيرة إن آمنت بحقها أولاً وأصرت على الحصول عليه بإرادة قوية وعزيمة لا تلين، والأرقام التي اضطر العدو لإعلانها أخيرا تفضح المستور من زيف الدعايات، فعدد القتلى غير مسبوق، وعدد الجرحى غير مسبوق، وعدد الأسرى غير مسبوق، وحجم الخسائر في الأسلحة والعتاد غير مسبوق، والروح المعنوية في انحدار عبرت عنه المشاهد والصور والكلمات في وسائل إعلام العدو نفسه. ولم يجد إعلام إصدقاء الصهاينة من المطبعين العرب سوى محاولات فاشلة لتجميل الهزيمة الصهيونية والادعاء أنها هزيمة مؤقتة وأن «إسرائيل» سترد بقوة هذه المرة. وكأن إسرائيل لم تفعل ذلك دائما أو أنها قد ادخرت قوتها يوما ما ضد الفلسطينيين العزل حتى بلا سبب مباشر! صحيح أن الصهاينة بمساعدة حلفائهم من قوى العالم الكبرى سيردون على مفاجأة غزة، كما اعتادوا وكما توعدوا، ولكن الفلسطيني يعرف هذا وجربه وعاشه لعقود طويلة، فقد تهدم بيته فوق رأسه واعتقل وتشرد واستشهد مرات ومرات قبل أن يعود كالعنقاء لذات الحلم بوطن حر اسمه فلسطين وعاصمته القدس. ولأنه يعرف الطريق جيدا فلن يهتم بما يحاك ضده من مؤامرات. المهم أنه سينتصر أخيرا.. فهو وعد الله، والفلسطيني مؤمن بهذا الوعد، ونحن أيضا مؤمنون!.

966

| 09 أكتوبر 2023

ترجموا.. لتعارفوا!

ماذا لو لم يبتكر البشر فكرة الترجمة بين اللغات المختلفة؟ كيف يمكننا التواصل مع بعضنا البعض ونحن لا نملك لسانا مشتركا، رغم أن الله خلقنا شعوبا وقبائل بألسنة مختلفة لنتعارف؟ أي قيمة يمكن أن ندركها للترجمة في عالم يعج باللغات واللهجات، أحيانا حتى في البلد الواحد أو الثقافة الواحدة؟ حضرت قبل أيام، عن بعد، ندوة نظمتها ودعت إليها جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي عبر تقنية الزوم، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للترجمة، ورغم أن الندوة التي شارك فيها خمسة مترجمين عربا وأجانب جمعتهم اللغة العربية على ضفافها نقلا منها وإليها، عقدت تحت عنوان «تجارب في الترجمة»، إلا أن الحديث الذي امتد لساعتين تجاوز تلك التجارب الشخصية الشيقة الى عمق الفكرة ومستقبلها أيضا، وهو مما شجع جمهور الندوة الذي بلغ 170 مهتما من مختلف دول العالم، على البقاء في سياقها حتى النهاية، متفاعلا بالنقاشات والأسئلة والاستفسارات والأفكار الإضافية، ما يلقي الضوء على أهمية الترجمة فعلا في العالم الراهن، وازدياد عدد المهتمين بها. تعد الترجمة من أقدم الفنون المعروفة للإنسان، فقد بدأت منذ آلاف السنين عندما بدأ البشر في التفاعل والتواصل مع بعضهم البعض. ومنذ ذلك الحين، أصبحت عنصرًا حاسمًا في التواصل الدولي والثقافي، إذ كانت دائما تلعب دورًا حيويًا في بناء الفهم المشترك وتعزيز السلام والتعاون الدولي، فهي تساعد في نقل الأفكار والمفاهيم من لغة إلى أخرى، مما يمكن الأفراد من فهم واستيعاب ثقافات متنوعة وإطلاعهم على أفكار ومعلومات جديدة. ومن خلالها، أصبح بالإمكان الوصول إلى الأدب والفلسفة والعلوم والتكنولوجيا ومختلف المجالات الأخرى المتاحة في لغات أخرى، كما أنها تلعب دورًا بارزًا في بناء الأفكار المشتركة بين الثقافات والمجتمعات، عبر تبادل الأفكار والتجارب والرؤى، وبالتالي يمكن تعزيز التفاهم والتعاون العابر للحدود. إنها عملية ثقافية ديناميكية تساهم في تكوين هوية جماعية تتجاوز القيود اللغوية والثقافية. ومع تطور التكنولوجيا والاتصالات، يبدو مستقبل الترجمة مفتوحا على آفاق جديدة لا يمكن التنبؤ بها في الوقت الحاضر. فالتكنولوجيا الحديثة أصبحت تقدم أدوات ترجمة آلية تساعد في تسهيل عملية الترجمة وتحسين كفايتها، كما أن التطبيقات الآلية والذكاء الاصطناعي وغيرهما من حلول تقنية جديدة في ميدان اللغات، تبشر بتطوير فكرة الترجمة، مما يساهم في تعزيز التواصل العابر للغات، وإن كانت كل التقنيات في هذا الحقل ما زالت، بحاجة الى التدخل الإنساني بشكل واع. كما ينبغي علينا ملاحظة أن الترجمة الآلية لا تزال تواجه تحديات مثل فهم الدقة الثقافية والتواصل اللغوي الدقيق. فاللغات ليست مجرد نظام للكلمات، بل تحمل قواعد وثقافات ومعاني خاصة بها. وهذا يعني أن حاجة العالم للمترجمين ملحة، وعليه أن ينتبه للتحديات التي يواجهها هؤلاء في التعامل مع تعدد اللغات والثقافات، والتأقلم مع المصطلحات والتعبيرات الجديدة في المجالات العلمية والإنسانية المستجدة. وهذا يعني أن تعزيز التعليم والتدريب في مجال الترجمة أصبح أمرًا حاسمًا لتطوير المهارات وتعزيز جودة الترجمة، وهو مما يحتم تعزيز البحث والتطوير في ذلك المجال، وتوفير الموارد والدعم اللازمين للمترجمين والمؤسسات التي تعنى بذلك، من أجل بناء مستقبل أفضل يعزز التفاهم والتعاون العالمي بين الشعوب ويحفظ للترجمة مكانتها وللمترجمين شغفهم في وصل الشعوب بهمزة اللغة الساحرة.

726

| 02 أكتوبر 2023

خيبة فردية وخذلان جماعي!

أصعب ما نواجهه عند شعورنا بالخيبة من شخص ما في موقف ما، هو عدم استطاعتنا حصر ذلك الشعور بذلك الشخص وحده. غالباً ما تتسرب المرارة التي سنشعر بها، لكل من نعرف ونحب معاً. حتى وإن أدعينا أننا لا نفعل أو لا نريد أن نفعل. مفاجأة الاكتشاف المرير غالباً ما تكون أقوى من محاولة فصل المشاعر عن بعضها البعض، وفرزها وتوزيعها على من حولنا من معارفنا وأحبائنا المشتركين كل وفق أفعاله ومشاعره تجاهنا. فجأة نضعهم جميعاً في سلة واحدة، ونراهم كلهم في فريق واحد يتعاونون على خداعنا وخيانتنا وتعميق شعورنا بالخيبة الفردية ليكون الخذلان جماعيا، وربما هذا ما يفسر لنا رفض أي مساعدة من الأصدقاء المشتركين عند وقوع أي مشكلة لنا مع أحدهم، فهم، من وجهة نظرنا في تلك اللحظة ليسوا سوى متآمرين أو على الأقل منحازين مع الآخر ضدنا!. هل يحدث هذا مع الجميع أو يحدث معي وحدي؟ أظن أنه يحدث مع الجميع لكن قلة قليلة منا هي التي تعترف بذلك. ربما لأن الكثيرين يسهل عليهم الاعتراف بالخيبة الفردية لكن من العسير عليهم أن يعترفوا بالخذلان الجماعي، ولا يودون مواجهة المشكلة بحجم ما يعانونه منها. أعرف ذلك لأنني أنا أيضا كنت أفعل ذلك، كثيرا ما فعلته، ولم أعرف أنني فعلته إلا بعد أن غادرته. أي بعد أن قررت في آخر حادثة خيبة واجهتها أن أواجه معها شعوري بالخذلان الجماعي من كل الذين يسكنون تلك السلة، ويعرفون بعضهم بعضا باعتبارهم أصدقائي. نعم.. نحن أصدقاء بقدر وفائنا المتبادل لبعضنا البعض، فإن خذل أحدنا الآخر علينا أن نتنازل عن تلك الفكرة النبيلة الجميلة التي جمعتنا في سلة واحدة للصداقة. لكن.. لماذا يحدث هذا؟ لماذا لا أستطيع التعامل مع الآخرين كل على حدة عندما يتعلق الأمر بالخيبة والخذلان والخيانات مهما كان حجمها أو قسوتها؟ سؤال يلح عليّ كثيرا، وأفكر فيه على سبيل المقاومة، ومحاولة العودة الفاشلة إلى مرحلة الادعاء بالتجاهل والمضي قدما بسلام في طريق الحياة وفرصها الكثيرة في الصداقة والحب والتعارف. هل لأنني أقدس فكرة الصداقة كثيرا أشعر بذلك؟ هل لأن الخيبة والخذلان ليست مجرد أحاسيس عابرة، بل هي تجارب عاطفية ترسخت في ذاكرتي وتؤثر على ثقتي بالآخرين وعلاقاتي الاجتماعية والحياة كلها؟ هل لأن صداقاتي وعلاقاتي الشخصية مميزة جدا طوال عمري، فإن واجهت أي خيانة أو خذلان من أحد مكوناتها أشعر أنني أقترب من لحظة موت حقيقي لأنني غير قادرة على تجاوز الحدث بسلامة مهما ادعيت ذلك؟ ربما.. وربما أيضا أن التقدم في العمر، الذي أصبحت أشعر بوطأته أكثر من أي وقت آخر هذه الأيام، ساهم أيضا في رغبتي بالمواجهة الذاتية. وجعلني أؤمن بضرورة توكيد إيماني بأننا جميعًا بشر نخطئ ونتعلم من أخطائنا. فليس هناك صداقة أو علاقة مثالية، وقد تحدث الخيبة والخذلان في أحيان كثيرة من دون قصد الأذى. ولذلك فالأهم هو أن نكون صامدين ومتفائلين، وأن نواجه تلك التجارب بشجاعة وحكمة، فالقدرة على التعافي والنمو من خلال تجارب الخيبة الفردية والخذلان الجماعي تجعلنا أقوى وأكثر وعيًا بأنفسنا وبالعلاقات التي نبنيها، وهو ما يستلزم منا الصبر والتفكير العميق والعمل على نمونا الشخصي. وعليه فيمكن لهذه التجارب أن تكون مؤلمة وصعبة، لكنها تمنحنا في النهاية الفرصة للتعلم والتطور. إنها جزء لا يتجزأ من تجربة الحياة، ومن خلال التأمل والعمل الداخلي يمكننا أن نتجاوزها ونعيش حياة أكثر توازنًا وسعادة.. والحياة كلها مجموعة من التجارب.

1314

| 25 سبتمبر 2023

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

4791

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3483

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

2865

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...

2670

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2595

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1434

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
ملف إنساني على مكتب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة

في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...

1407

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1038

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

963

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

837

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
دور معلم الفنون في مدارس قطر

في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...

807

| 17 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يحلّق من جديد

في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...

765

| 17 أكتوبر 2025

أخبار محلية