رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا أفهم خيبة الأمل التي رأيتها في ردود فعل كثيرين من مناصري القضية الفلسطينية بعد صدور حكم محكمة العدل الدولية بالقضية التي رفعتها جنوب افريقيا على اسرائيل قبل أيام. هل كانوا ينتظرون مثلا ان المحكمة ستحكم بزوال هذا الكيان المسمى «إسرائيل» من على وجه الأرض؟ أم إنها ستحكم بإلقاء الصهاينة في بحر غزة؟ هل كانوا يتوقعون أن كل أحلامنا بتحرير فلسطين ستتحقق فجأة وبجلسة واحدة لمحكمة العدل الدولية؟ المحكمة لم تصدر حكمها على الدعوة الأساسية بعد، وربما سيتطلب الأمر شهوراً أو حتى سنوات قبل أن يصدر الحكم النهائي، وستكون حكومة الكيان طوال هذه الشهور أو السنوات متهمة رسمياً ودائماً أمام المجتمع الدولي حتى وإن استمرت في عدوانها، وسيعيش أنصارها في كل مكان بشك دائما تجاهها ككيان وكوجود وكسياسة أيضا. ويكفي أن الخطوة التي أقدمت عليها حكومة جنوب أفريقيا برفع الدعوى على دولة الاحتل دعوة غير مسبوقة لجهة اتهامها بجريمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، ويكفي أن المحكمة أخذت الدعوى على محمل الجد لأقصى حد ممكن رغم ضغوطات الدول الكبرى الداعمة للاحتلال الصهيوني وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني أن الحكومة الإسرائيلية حتى لو نجت في النهاية من الأحكام التي نتمناها تكون قد مرت بأطول وأوثق مرحلة انكشاف تاريخي رسمي عالمي موثق لكل جرائمها تاريخيا في فلسطين. ثم إن الحكم الذي صدر قبل أيام كان يتعلق بالشق العاجل من الدعوى فقط، وهو المتعلق بمطالبة الاحتلال باتخاذ كافة التدابير التي نصت عليها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. وهذا وفقا لمعظم القراءات القانونية أتى لصالح فلسطين والمقاومة الفلسطينية في غزة، ولا أدل على ذلك وتوكيده أفضل من بيان المقاومة الذي أصدرته فور صدور الحكم، إذ قالت المقاومة في بيانها إنها «ترحب بقرار محكمة العدل الدولية الذي أثبت الاتهام لكيان الاحتلال بتهمة الإبادة الجماعية، ويطالب فيه جيش الاحتلال بحماية المدنيين ورفع الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة واحترام واجباته كقوة احتلال في إطار القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني». وشددت على أن «القرار يعني إيقاف أشكال العدوان كافة على شعبنا الفلسطيني في غزة». ولأن المحكمة قالت في حكمها الذي أصدرته بأغلبية ساحقة إن على إسرائيل أن تتخذ كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، فهذا يعني أنها أكدت بشكل لا لبس فيه على اعتبار ما ترتكبه إسرائيل في غزة إبادة جماعية، وأنها تقر بحق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال هذه الإبادة، وأن الشروط متوفرة لفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل، وأن على إسرائيل الالتزام بتجنب كل ما يتعلق بالقتل والاعتداء والتدمير بحق سكان غزة، وأن تضمن توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة في القطاع بشكل فوري، ووفقا للحكم يتعين على حكومة الاحتلال أن ترفع تقريرا إلى المحكمة في غضون شهر بشأن كل التدابير المؤقتة. لطالما نظرت اسرائيل للمجتمع الدولي نظرة دونية ضاربة بكل القرارات الأممية عرض الحائط ودائما بمساندة أمريكا ومعظم أوروبا، ولطالما اعتبرت اسرائيل نفسها فوق كل قانون، لكن الوضع اختلف هذه المرة خاصة وان الدعوة رفعتها دولة جنوب افريقيا وليس دولة عربية، ما يعني تأكيدا إضافيا على أن فلسطين في وجدان العالم كله وأنها ليست قضية إقليمية بخلفية جغرافية وثقافية ودينية معينة. ثم من قال إن المقاومة على أرض غزة كانت نتنتطر أو تتوقع مساراً كهذا المسار القضائي المفاجئ؟ ما زالت المعركة مستمرة، وخطوة جنوب أفريقيا أتت هدية مفاجئة لم يكن يتوقعها أشد المناصرين للقضية تفاؤلاً بدور دولي في الحل.. فلماذا الشعور بالخيبة؟.
471
| 29 يناير 2024
لماذا احتاج الناس للمتاحف الوطنية حتى أصبحت أحد أهم عناصر الثقافات وحواضنها بما تحتويه من مقتنيات متنوعة؟ علاوة على أنها موارد ثمينة للتعليم والبحث والترفيه، حيث يمكن لزوارها استكشاف الماضي والاستمتاع بتجارب تعليمية وتثقيفية من خلال التعاطي المباشر معها، فهي أيضا خزائن سحر مفتوحة للذكريات المعتقة، حيث تلامس وجداننا بالكثير من مشاعر الشجن والحنين. في الوقت الذي كانت البيوت الخليجية، في سبعينيات القرن الماضي، تحاول أن تنزع عنها أثوابها التقليدية القديمة وترتدي الأزياء الحديثة العابقة برائحة النفط والثروة في كل شيء تقريبا، كان هناك من يحاول أن يستبقي بعض العبق الأثير في خزائن السحر المعتق زاداً للمستقبل. لم نكن نعلم أن الزمن سيمضي في غمضة عين، وأن ما كان عبئاً علينا وعلى بيوتنا القديمة سيكون ذات يوم آت تذكرة المستقبل كله. قبل سنوات قليلة كانت السيدة هيا العجمي تحاول استبقاء ما فر من دفاتر الأيام العتيقة، وتسترجع ذكريات الماضي بمفرداته وأدواته وأزيائه وأوراقه الصفراء المهترئة وكل ما علق بالذاكرة من ذلك الماضي المضمخ بالحنين، فبدأت بجمع كل ما استطاعت جمعه من مقتنيات شخصية من بيت عائلتها ثم بيوت الصديقات والمعارف قبل أن تنتقل للمرحلة الثانية بشراء كل تستطيع الوصول إليه من داخل وخارج الكويت من مقتنيات عتيقة. عندما وجدت هيا أن باستطاعتها رسم ملامح الماضي بما تبقى لها من ذكريات عقدت النية وأعدت العدة لتبدأ مشروعها الثقافي التراثي التاريخي النادر. قررت أن تقتطع جزءا من بيتها ليكون متحفاً باسم؛ متحف بيت هيا الذي أصبح أحد معالم مدينة الجهراء في الكويت منذ افتتاحه في عام 2021. وهيا.. السيدة التي تنتمي لبيئة بدوية محافظة ما زالت تعيش ما تبقى لها من طيوف البداوة على هامش المدنية المعاصرة لم تكن لتنجح في مشروعها الكبير، كأول امرأة كويتية تؤسس متحفا، لولا أنها تملك إرادة حديدية ساعدتها في إقناع أسرتها بالمشروع الذي يعتبر الأول من نوعه في الكويت. واليوم أصبح الحلم حقيقة، وتحولت الحكايات إلى واقع ترويه كل محتويات المتحف الأنيق. قطع أثاث وأدوات زينة وأوان منزلية وكتب مدرسية، بالإضافة إلى أزياء نسائية منوعة وقطع من السدو ومفروشات تقليدية ومطرزات أنيقة بنقشات تراثية ومشغولات يدوية أنيقة تكاد تنطق بتعب أيادي النساء اللواتي اشتغلن بها لتصبح جزءا من التاريخ من دون أن يكون ذلك في مخططاتهن عندما عملن بها. عندما كنت أقلب تلك الأشياء بين يدي وأتلمسها بأصابعي، أثناء زيارتي للمتحف قبل أيام، كنت أغالب عبرتي التي فاجأتني مجللة بذكريات طفولتي بين حكايات الأفراح والأحزان. تاريخ شبه مسكوت عنه لنساء البادية وقد تحولن من الصحراء إلى المدينة فجأة فوجدن أنفسهن أمام تحدٍ جديد وكبير وعليهن اجتيازه؛ أن ينجحن في التحول وأن يكنَّ على قدر ما فرضته عليهن المدينة ذات البيوت المغلقة من مصاعب. نجحت نساء البادية في التحول السلس واجتزن التحدي الكبير من دون أن يلتفت إلى نجاحاتهن الكبيرة تلك أحد ممن حولهن، لأسباب تتعلق بطبيعة المدن العامة غالبا. عندما أخذتني راعية المتحف وصاحبته في جولة سريعة بين أروقته، برفقة بنات شقيقها المدركات لجمال المهمة وسحرها، للوقوف على كل محتوياته لم تكن تعلم أنها كانت تأخذني إلى ذاتي التي نسيتها هناك على حافة بدايات الثمانينيات من القرن العشرين منطلقة نحو مستقبل غامض! كانت هيا تشرح لي بأسلوبها الشفيف وكلماتها المفعمة بعبق اللهجة العجمية الساحرة، تفاصيل كل قطعة ومن أين حصلت عليها وكم كلفها الأمر من جهد ومال، وكنت أفكر لحظتها بتفاصيل حياتي ومحطاتها المهمة وكم كلفني الأمر من جهد ومشاعر لا لأصل، ولكن لأستمر في الرحلة! شكراً هيا.. فما كنت لأعيش تلك التجربة الثرية لولا متحف بيتك الأنيق.
975
| 22 يناير 2024
الدرس العظيم قدمته دولة جنوب أفريقيا يوم الخميس الماضي على لسان رئيسها سيريل رامافوزا: «لم أشعر قطّ بالفخر الذي أشعر به اليوم. يقول البعض إن الخطوة التي اتخذناها محفوفة بالمخاطر، نحن بلد صغير ولدينا اقتصاد صغير، قد يهاجموننا، لكننا سنظل متمسكين بمبادئنا. ولن نكون أحراراً ما لم يتحرر الشعب الفلسطيني». وهذا درس نادر على صعيد العلاقات بين الدول ولكنه ليس كذلك بالنسبة للنضالات الوطنية. ولجنوب أفريقيا تاريخ مشرف في النضال ضد واحد من أبشع الأنظمة العنصرية في التاريخ، إذ خاضت معركتها على مدى عقود من الزمن مستخدمة كل الوسائل والأساليب في سبيل تحررها. خرجت جنوب أفريقيا من المعركة أخيراً ليس منتصرة وحسب، ولكن أيضا متسامية على جراحاتها الإنسانية الشخصية والعامة. لم تضيع من وقتها دقيقة واحدة بالانتقام، أو العودة إلى الوراء بل مضت مسرعة إلى تضميد الجرح العميق وإعادة بناء الدولة على أنقاض العنصرية البغيضة بالمزيد من الإصرار على التمسك بالمساواة بين جميع أفراد الشعب، حتى أولئك الذين كانوا أدوات العنصرية وجنودها. ويبدو أن هذا التسامي الإنساني الدولي النادر في السياسة قادها للمزيد من الاهتمام بالمضطهدين بكل مكان، وجعلها تصر على الالتفاف لكل الشعوب التي تتماهى بشكل أو بآخر مع تجربتها في المعاناة من الاضطهاد العنصري، وعلى رأس تلك الشعوب الشعب الفلسطيني، فتعاطف جنوب أفريقيا مع فلسطين قديم تشهد عليه مواقف زعيمها التاريخي العظيم نيلسون مانديلا في كل فرصة أتيحت له في الدفاع عن حرية فلسطين. خطوة جنوب أفريقيا الأخيرة، غير المسبوقة والمفاجئة للعالم كله، بجرجرة حكومة الكيان الصهيوني إلى محكمة العدل الدولية رغم أنفها تأتي إذن في سياق تاريخها المشرف على هذا الصعيد وكقيمة مضافة لمعركتها الخالدة والأزلية ضد العنصرية، وهذا ما حدث. عندما أعلنت حكومة كيب تاون نيتها رفع دعوى ضد الكيان الصهيوني قبل أسابيع قليلة، لم يدرك كثيرون مدى جديتها في الأمر، واعتبروه تصريحاً سيذهب كغيره أدراج الرياح، لكن أحفاد مانديلا فعلوها، فأدخلوا بلادهم التاريخ من أنبل أبوابه. فهم ليسوا عربا وليسوا مسلمين وليسوا جيرانا لفلسطين ومع هذا انتصروا لها انتصارا للإنسانية في معناها السامي. وما زاد من قيمة هذا الانتصار أن جنوب أفريقيا لم تتعامل معه شكلياً أو استعراضيا لتضيفه إلى سيرتها الذاتية وحسب بل تعاملت مع القضية بمنتهى الجدية والاحتراف، فقد استعد فريقها القانوني جيدا لمعركته القضائية ليس لأن الأدلة على ارتكاب دولة الكيان الصهيوني لجريمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة كثيرة ومتوفرة وهي جريمة حية ومستمرة وما زال العالم يشاهدها على الهواء مباشرة وحسب، ولكن أيضا لأنهم ينتمون لبلد لديها خبرة تاريخية متراكمة في هذا النوع من القضايا، وهم فعلا كسبوا نصف القضية بمجرد أن أرغموا الحكومة الإسرائيلية على الذهاب للمحكمة، وهي التي كانت تهرب دائما من أي إجراء قضائي دولي متكئة على مساندة الحكومات الأمريكية لها في كل رفض. هذه المرة لم تجد بدا من الخضوع لإجراءات المحاكمة الدولية أمام المجتمع الدولي كله، ومحاولة الدفاع عن نفسها والرد على الاتهامات المدعمة بالأدلة والصور والتصريحات التي كالها لها فريق جنوب أفريقيا. ورغم أن المحكمة لم تصدر حكمها بعد، أي حتى ساعة كتابة هذا المقال، إلا أن المهم هو تحقق الخطوة الأولى والتي أكدت أن شعوب العالم يمكن أن تعيش بسلام لو سادت فكرة العدالة بين الجميع. أما أن يعربد الطرف الأقوى ضد صاحب الأرض والحق، بمساندة الفيتو الأمريكي، فهذا لا يعبر سوى عن شريعة الغاب!
435
| 15 يناير 2024
الإعلام يتغير ولكنه لا يموت، ذلك أنه حاجة بشرية ملحة تتنوع أدواتها بتطور الزمن وتنوع اهتماماتهم تصاعديا. لكن المحتوى، كما يقال دائما، هو الملك، وبالتالي فالمتابع هو من يتحكم بصعود أو هبوط أي فكرة أو منصة إعلامية وفق حاجته إليها ومناسبتها لظروفه. انتهيت قبل قليل من جولتي الأسبوعية على أهم منصات البودكاست التي أتابعها، بجرعة جمالية أضيفت لحصيلة وافرة من المعلومات، باعتبار البودكاست أصبح أحد أهم مصادري الإعلامية والثقافية مؤخرا. منذ ثلاث سنوات تقريبا وأنا حريصة على هذه الجولة الأسبوعية التي أنتقي فيها حلقة أو حلقتين، حسب توفر الوقت، لأتابعها، ولعل هذه العادة تحديدا هي ما جعلتني أنفر تدريجيا من متابعة برامج التلفزيون، ما عدا الإخباريات التي لا مفر منها ولا مهرب خاصة في أيام الحروب والأحداث المؤسفة، وما أكثرها في واقعنا العربي. أصبح البودكاست يوفر لي خيارات عديدة في المادة والوقت والنوعية لا تتوفر في التلفزيون. وأعرف أن كثيرين مثلي أصبحوا من متابعي عالم البودكاست بعد انتشاره في السنوات القليلة الماضية لذات الأسباب تقريبا. ورغم أن برامج البودكاست ظهرت منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، لكنها البداية، كانت مقتصرة على الهواة الذين أنشأوا برامجهم الخاصة ونشروها عبر الإنترنت ليحظوا بقليل من المتابعين وكثير من المشككين لجدوى ما يفعلونه في ظل هيمنة الفضائيات التلفزيونية في تلك الأيام. لكن مع تطور تكنولوجيا الإنترنت وانتشار الهواتف الذكية بين أيادي الناس جميعا تقريبا، أصبح بإمكان أي شخص إنشاء بودكاست وبثه للعالم، ما جعل من هذه البرامج واحدة من الوسائل الفعّالة لنشر المعرفة والمحتوى الصوتي المتنوع للدرجة التي قد لا تخطر على بال صناع البرامج التلفزيونية التقليدية، حيث تتيح للمستمعين الاستماع إلى مواضيع تهمهم وتطور مهاراتهم في المجالات المختلفة في أوقاتهم المناسبة لهم وبشكل تفصيلي موسع. كما أنها توفر فرصًا للمضيفين والخبراء في مجالات مختلفة للتواصل مع جمهور أوسع وبناء شبكة من المتابعين. ومن هنا ظهرت أهمية هذه المنصة التي أعاد الناس اكتشافها في ظل حاجاتهم المتزايدة لمنصات إعلامية يساهمون في وضع خياراتها الخاصة على صعيد المحتوى والوقت الذي يقدم فيه هذا المحتوى وفقا لظروفهم اليومية. وتشير التوقعات الاقتصادية والإعلامية المبنية على إحصائيات دقيقة إلى أن مستقبل البودكاست واعد ومشرق في السنوات القليلة القادمة على الأقل، أي قبل اكتشاف وسائل توفر للبشر حريات أكبر مما توفرها منصات البودكاست في شكلها الراهن. وحتى ذلك الحين يتوقع أن يستمر انتشار البودكاست وارتفاع شعبيته بفضل التقنيات المتطورة وسهولة الوصول إلى محتواه. وهو ما جعل كثيرا من الشركات والمؤسسات الإعلامية تلتفت إليه للاستفادة منه كوسيلة للتسويق والنشر، وكفرصة للتواصل المباشر مع الجمهور وبناء علاقات وثيقة معهم. بالإضافة إلى الجانب الترفيهي والتثقيفي العام فيه. ورغم الإقبال العربي العام على هذه الوسيلة الإعلامية الصاعدة إلا أنه ما زال في بداياته، وما زالت المحاولات محدودة مع استثناءات قليلة تعدت مرحلة البدايات لتحتل مكانتها في خريطة البودكاست العالمي بحلقات لافتة وعناوين مميزة وقضايا غير مطروقة في الإعلام التقليدي. ورغم أنني ضد أي رقابة من أي نوع على المحتوى الإعلامي، في منصات البودكاست وغيرها، إلا أن هذا لا يعني قبول الرداءة بحجة التحديث الإعلامي والتجريب الشبابي، كل من يقبل على تجارب مواجهة الجمهور ومخاطبته ينبغي عليه أولاً احترام القيمة الجماهيرية بتجويد عمله الإعلامي على الصعيدين الموضوعي والفني، وأيضا توقع النقد وتقبله، وهذه أحد أهم مبادئ العمل الإعلامي منذ أن عرف الإنسان معنى الإعلام ومدى حاجته إليه.
420
| 08 يناير 2024
نودع سنة ثقيلة مضت من أعمارنا، وككل سنة تمضي نحاول أن نحصي فيها مباهجنا وخسائرنا لولا أننا هذه المرة تحديدا كنا غير مضطرين لهذا الإحصاء.. فالنتيجة تمر أمامنا على شاشات التلفزيونات والهواتف الصغيرة بهيئة عواجل إخبارية ومشاهد مفجعة لا نكاد نصدقها لفرط قسوتها ودمويتها، لولا أننا اعتدنا عليها ولولا أنها قريبة جدا منا من خلال أصدقاء أو زملاء أو أقرباء نعرفهم ويعرفوننا، ذهبوا أو ذهب أقرباؤهم شهداء وتركوا لنا فيوض الحزن والحسرات! سنة ثقيلة مضمخة بدماء الأبرياء في غزة التي سالت بغزارة على مدى الشهور الثلاثة الأخيرة تحت أنظار العالم كله، ولعلها الحرب الأولى في التاريخ التي تبدأ وتستمر على الهواء مباشرة لحظة بلحظة، فالقتل والقصف والهدم والإنقاذ وكل تفاصيل تلك الحرب يحدث أمامنا مباشرة، مما يضاعف من شعورنا بالعجز. وصحيح أن العالم كله شاهد على ما يحدث لكن لا أريد أن أقول إن أحداً في هذا العالم لم يحرك ساكناً من أجل وقف القصف وإطلاق النار، فهذا غير صحيح في معناه المباشر. كثيرون بادروا بمحاولة التدخل، وكثيرون صرخوا بضرورة وقف الحرب، وكثيرون خرجوا للشوارع وتظاهروا تضامناً مع غزة وأهلها، وكثيرون كتبوا وعبروا عن غضبهم من الغطرسة الصهيونية وكثيرون سارعوا لجمع التبرعات حتى وهم غير متأكدين إن كانت ستصل لأهل غزة أم لا، لكن للأسف أن القرار لم يكن بيدهم، بل بيد حكومات غربية على رأسها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لم تخجل، على لسان رئيسها مرات وعلى لسان وزير خارجيتها مرات أخرى من إعلان موقفها الصريح المؤيد للدولة الصهيونية المشجع لها في استمرار العدوان، حتى أنها زايدت أحيانا حتى على بعض المسؤولين في الحكومة الصهيونية بتشديد الرفض لوقف إطلاق النار، بل إنها استخدمت حق النقض / الفيتو أكثر من مرة في مجلس الأمن رفضا لأي قرار من شأنه وقف القصف على غزة أو وقف الحرب عموماً. ولم تكتف حكومة الولايات المتحدة بذلك، بل لم تتردد من المشاركة فعليا في الحرب على غزة بإرسال الخبراء والأسلحة والذخائر لجيش المحتل! هكذا بكل وقاحة تكشر القوة الظالمة عن أنيابها في وجه الحق والعدالة. وهكذا بكل عنجهية تخبر العالم أن رأيه كله وبأغلبية دوله وشعوبه وحكوماته غير مهم بالنسبة لها ما دام ضد الكيان الصهيوني، ولتذهب أفكار مثل الديمقراطية والأغلبية وحقوق الإنسان واحترام الرأي الآخر إلى الجحيم! وهكذا مرة أخرى نتأكد أن قضية فلسطين يمكن أن تحل بيوم واحد لولا قوى الشر العالمية التي تساند الصهاينة في احتلالهم بعد أن ساندتهم وشجعتهم بإقامة دولتهم قبل أكثر من سبعة عقود تقريبا على أرض لا يملكونها في يوم من الأيام. وهكذا سنة بعد سنة وقضمة بعد أخرى من أرض فلسطين نصل إلى راهن مكشوف على كل الاحتمالات. ورغم أن الاحتلال هو الاحتمال الذي أصبح واقعا ثقيلا ومستمرا في فلسطين إلا أن هذا لا يعني أنه الاحتمال الوحيد الذي أصبح واقعا في ظل وجود مقاومة بدأت منذ اليوم الأول للاحتلال وها نشهد عليها وقد وصلت إلى قمة معطياتها. وما تحقق لهذه المقاومة في طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر الماضي دليل أكيد على أن المقاومة ستكون، عاجلا أو آجلا هي الحقيقة الوحيدة في أرض فلسطين وحتى التحرير بإذن الله. صحيح أن سنة 2023 سنة ثقيلة وها هي قد مضت بعد أن تركت بصماتها على أرض فلسطين، وغزة تحديدا، بركام البيوت وأنقاضها ودماء وأشلاء أهلها إلا ما ساهم بتقبلنا لها باعتبارها السنة الكاشفة أنها شهدت فضيحة العدو وأمريكا من ورائه والتي لولاها لما كان لهذا الاحتلال الهش أن يبقى بمفرده دقيقة إضافية واحدة على أرض فلسطين!
633
| 01 يناير 2024
يباغتنا سؤال الجدوى دائما ونحن في خضم محاولاتنا الفردية في نصرة أي قضية عامة نؤمن بها. ما جدوى ما نفعله نحن الذين لا نملك شيئا سوى كلماتنا وآرائنا وأصواتنا الضعيفة التي لا يسمعها أحد وإن سمعها فلن يهتم بها؟ نضعف أحيانا أمام هذا السؤال فنتراخى ونكاد نتوقف عن محاولاتنا لولا إشارات يلوح لنا بها القدر أحيانا لمصدر للالهام ووقود للاستمرار. في لحظة من لحظات الضعف التي كدت أن أستسلم فيها لليأس أمام سؤال الجدوى مما نكتبه عما يحدث في غزة منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، لفت انتباهي مقطع من المقاطع الكثيرة التي تزدحم بها وسائل التواصل الاجتماعي لاعتصامات ومظاهرات ومسيرات تضامن مع اهل غزة في مدن عالمية كثيرة؛ مشهد امرأة بريطانية تبلغ من العمر 87 عامًا، كما كتب في الخبر المرفق مع المقطع المصور، تقف بمفردها أمام فرع لأحد المطاعم العالمية الشهيرة الداعمة للكيان الصهيوني، حاملة لافتة تعبر فيها عن تضامنها مع أهل غزة في أجواء لندن المثلجة. فكرت بتلك المرأة البريطانية التي نجت من الدعاية الغربية ضد السردية الفلسطينية واكتشفت كما يبدو أنها، بوجودها الإنساني الراهن، شاهدة على جرائم دولة الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني. لكن ما الذي دفع تلك المرأة المسنة لاتخاذ مثل هذا الموقف؟ هل تعتقد أن وقوفها، بمفردها، في الشارع، سيغير وجهة نظر المسؤولين في بلدها بشأن القضية التي تؤمن بها؟ هل تظن أن لافتتها يمكن أن تحدث فارقًا لدى من يقرأها من المارة؟ هل ترى أن هناك جدوى بخروجها من بيتها الدافئ لتتضامن من شعب بعيد عنها جغرافياً وثقافياً ودينياً رغم أنها ليست مسؤولة بكيانها الفردي أدنى مسؤولية عما يحدث له؟ لا شك في أن التضامن مع الآخر في محنته قوة تنبع من التعاطف والرحمة والإيمان القوي بالعدالة. وعندما نقرر أن نتضامن مع أحد ما في أي قضية من القضايا، فإننا نؤكد على إيماننا الإنساني المشترك بالحق وبأهمية مساندة الآخر عندما يحرم من أي حق من حقوقه. وتصرف المرأة البريطانية هو شهادة على روح الفرد العنيدة القادرة على أن تتخذ موقفًا بناءً على مبادئها بغض النظر عن الصعوبات المتوقعة أو عن جدوى الموقف في ظل النتائج المحتملة له! وعلى الرغم من أنه قد يكون من الصعب قياس الأثر الفوري لمثل هذا التصرف، إلا أنه مهم على أكثر من صعيد لعل آخرها الصعيد المباشر في نصرة القضية الفلسطينية بمستواها الإنساني ومساندة أهلها في غزة. فهو أولاً وعلى سبيل المثال سيبدو كمصدر إلهام للآخرين الذين قد يشاركون تلك السيدة في الإيمان نفسه بأهمية مساندة أهل غزة والظلم الواقع عليهم من قبل الكيان الصهيوني، ولكنهم ترددوا في التعبير عنه لشعورهم، كل على حدة، أنهم لوحدهم وأن لا جدوى من تضامنهم الفردي بهذا الشكل، مما سيشجعهم على الخروج بالطريقة ذاتها أو بطريقة أخرى للتعبير عن المبدأ ذاته! كما أن هذا النوع من التضامن يمكن أن يكون له تأثير حقيقي، رغم فرديته وأحيانا بسببها، على الرأي العام، فصورة امرأة مسنة تقف وحيدة، ثابتة في معتقداتها لنصرة قضية بعيدة لابد أنها ستفتح حوارات متنوعة حول الأمر كله، خاصة وأنها ستبدو صورة مثالية لصناعة الإعلام بكل أشكاله، وهذا هو نفسه ما جعل اللقطة أكثر انتشارا من لقطات كثيرة لمظاهرات جماعية خرجت لنفس الهدف! وعلى الرغم من أن تصرف فرد واحد قد لا يؤدي بمفرده إلى تغيير جذري، إلا أنه يسهم في رسم الطريق لذلك التغيير. فمن خلال الجهود التكاملية للأفراد، سواء كانوا يعملون بمفردهم أو في مجموعات صغيرة، يتم غالبًا بدء التغيير الحقيقي. والتاريخ أظهر لنا أن الحركات الاجتماعية غالبًا ما تنشأ من شجاعة وعزيمة عدد قليل من الأفراد الذين يرفضون قبول الوضع الحالي. إنه إذن أثر الفراشة الذي لا يرى ولا يزول، وهو على الأقل الوسيلة الوحيدة لإقناعنا بعدم الاستسلام لسؤال الجدوى وإن كنا، كل على حدة، وحيدين!
585
| 25 ديسمبر 2023
«أنا أكاديمي، وإذا هاجم جنود الاحتلال بيتي، فإني سألقي عليهم القلم.. ولو كان آخر شيء أفعله»! وهذا ما فعله الشاعر الفلسطيني رفعت العرعير الذي رثى نفسه قبل استشهاده بقليل ليس لأنه استشعر قرب اللحظة الأخيرة وسط موات جماعي عام وحسب ولكن أيضا لأنه بهذا الرثاء الشعري الشفيف في قصيدة اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي في العالم كله يشير إلى مأساة غزة مع الاحتلال. ورثاء النفس ليس غريبا، على غرائبيته الوجودية، في ديوان الشعر العربي، فكثيرون فعلوا ذلك قبيل اللحظات الأخيرة، أشهرهم مالك بن الريب.. وحيداً في مفازته البعيدة القديمة حيث الموت هو عنوان كل شيء وحيث الفقد الذاتي هو الأسلوب الوحيد لمقاومة الانهيار! فعلها رفعت العرعير رحمه الله في سياق الحرب الدامية التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزة منذ أكثر من شهرين. رثى نفسه وكأنه يرثى شعبا كاملا قرر المقاومة في سبيل تحرره الشخصي بتحرير وطنه. ورفعت العرعير، الفلسطيني المولود في قطاع غزة أكاديمي وشاعر باللغة الإنجليزية وإعلامي أيضا، وهو المؤسس والمشرف على قسم الإعلام الاجتماعي في المركز الفلسطيني للإعلام، وكان من بين المؤسسين لمشروع «نحن لسنا أرقاما» إشارة إلى شهداء الحرب الراهنة من الفلسطينيين الذين لا تذكرهم وسائل الإعلام العالمية في الغالب إلا كأرقام متجاهلة تفاصيل يومياتهم المنتهية على خط الموت تحت القصف الصهيوني. في السابع من ديسمبر 2023، ارتقى رفعت العرعير شهيدا جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، واستشهد معه شقيقه وشقيقته وأربعة من أولادها ليضافوا إلى تلك الأرقام التي تتناقلها وسائل الإعلام بذلك الحياد البارد المُدّعى، لكنه ألقى أثناء ذلك قصيدته في وجوه الصهاينة قبل النهاية المعتادة، فذهب الشاعر وبقيت القصيدة. يقول العرعير في ترجمة قصيدته التي كتبها أصلاً باللغة الإنجليزية، ورسم فيها واقعا فلسطينيا قديما يتجدد مع الاحتلال صباح كل يوم، كنبوءة موت مؤكد في ظل واقع فلسطيني بائس؛ «إذا كان لا بدّ أن أموت فلا بد أن تعيش أنت لتروي حكايتي لتبيع أشيائي وتشتري قطعة قماش وخيوطاً (فلتكن بيضاء وبذيلٍ طويل) كي يُبصر طفلٌ في مكان ما من غزّة وهو يحدّق في السماء منتظراً أباه الذي رحل فجأة دون أن يودّع أحداً ولا حتى لحمه أو ذاته يبصر الطائرة الورقية طائرتي الورقية التي صنعتَها أنت تحلّق في الأعالي ويظنّ للحظة أن هناك ملاكاً يعيد الحب إذا كان لا بد أن أموت فليأتِ موتي بالأمل فليصبح حكاية». وسرعان ما اجتاحت القصيدة العالم كله تقريبا بروحها الشفيفة وموضوعها الإنساني المرهف رغم أنها منبعثة من تحت القصف وركام البيوت المهدمة على رؤوس أهلها، والموزونة على وقع أصوات القنابل والصواريخ! لقد عرف العرعير كيف يبقى في قلب قصيدته المكتنزة بالأمل، رغم موضوعها الدامي، ويصبح موته حكاية خالدة. في واحد من تصريحاته الصحفية اللافتة والذكية قال العرعير: «عندما نكتب عن الشهداء، يجب أن نذكر أن الاحتلال قتلهم. يجب أن لا نترك الفعل للمجهول». ونحن سنفعل ذلك الآن؛ نعم.. لقد قتل الاحتلال الصهيوني رفعت العرعير.. مع سبق الإصرار والترصد، لكن هذا الاحتلال الغبي رغم ذلك لم ينجح في إنهاء الحكاية. فقد بقيت القصيدة وبقي الأمل!
1773
| 18 ديسمبر 2023
من لم يعتد على التعددية ينتقد ظهور بعض الآراء المختلفة مع المقاومة في غزة، رغم أن هذا الأمر طبيعي وصحي، بل ويدل على احترام حركة المقاومة للرأي والرأي الآخر، وعلى كذب من يروج أنها حركة إرهابية تحكم غزة بالنار والحديد. وهو بالتأكيد تشويه مقصود ومتعمد ساهمت به «إسرائيل» وأعوانها في المنطقة بهدف إضافة نوع من الشرعية على الاعتداءات الصهيونية باعتبارها نوعا من التحرير العكسي للشعب الفلسطيني في غزة من هيمنة المقاومة! حدث هذا دائما، في السلم النسبي وفي الحرب، وبأساليب كثيرة عبر أدوات مختلفة، وفي سياق العدوان الراهن على غزة وأهلها، عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، ورغم أن معظم اهل غزة، مع ما قاسوه، كانوا يعرفون جيدا عدوهم الحقيقي ويبدون حتى في أشد المواقف التي مروا بها وأصعبها، رضاهم التام عن المقاومة ومنتسبيها واستعدادهم لتحمل المزيد من المصاعب في سبيل نجاح تلك المقاومة، ظهرت مؤخرا بعض المقاطع التلفزيونية لبعض الأفراد المكلومين بفقدان أبنائهم أو أفراد آخرين من عوائلهم بسبب القصف الصهيوني، وهم يتحدثون بعصبية وانفعال كبيرين تحت تأثير الصدمة العنيفة منتقدين حركة المقاومة الاسلامية حماس، ومبدين اختلافهم معها في أسلوب إدارتها للحرب مع الصهاينة وأمور أخرى. وبالتأكيد فإن هذا من حقهم الخالص فلا مزايدة على من يواجه العدوان مباشرة ولا انتقاص من حرية أي إنسان في إبداء رأيه ووجهة نظره فيمن يدير شؤونه العامة. صحيح أن هناك من يرى بأن الوقت ليس مناسبا لانتقادات توجه لحماس بعز المعركة وأن من الترف مناقشة أسلوب إدارتها لغزة في الوقت الذي يواجه فيه القطاع أعتى عدوان صهيوني لم يبق ولم يذر إلا القليل من معالمها ومبانيها ومرافقها، لكن أهل غزة أدرى بشعابها السياسية والعسكرية والاجتماعية أيضا. المشكلة أن بعض القنوات الإخبارية (العربية) المشبوهة والتي يعرف كثيرون أجنداتها وأهدافها المضادة لأي توجه عربي شعبي، احتفت بهذه الآراء، وهي قليلة جدا بل نادرة، وكأنها عار أو عيب أو أنها ستسحب الشرعية من تحت أقدام المقاومة، متناسين الأغلبية ورأيها في المقاومة وهو رأي معلن بقوة دائما! والمضحك ان هذه القنوات تعتقد أنها من خلال نشرها لتلك الآراء التي من الواضح انها اجتهدت كثيرا في البحث عنها وإبرازها قد تستطيع تفكيك شرعية المقاومة وتغيير مكانتها في نفوس الفلسطينيين في الداخل والخارج. وهذا بالتأكيد لا يدل إلا على جهل تلك القنوات ومن خلفها لا بطبيعة الشخصية الفلسطينية التي تربت على التعددية السياسية رغم التوحد حول اسم فلسطين وحسب، بل أيضا بخاصية من خواص أي حركة تحرر حقيقية تضم تحت أجنحتها بالضرورة كل احتلال لصالح الهدف النهائي العام! إن حركة المقاومة في غزة، مثل أي حركة سياسية أو تنظيم مماثل، لديها تنوع في الآراء والتوجهات بين أعضائها. وينبغي أن نتذكر أنها تمثل مجموعة واسعة من الأفراد الذين يشتركون في التصور العام للقضايا والأهداف، ولكنهم قد يختلفون في الطرق التي يرونها أنسب لتحقيق تلك الأهداف. وهذا التنوع الداخلي يعكس الواقع السياسي والاجتماعي المعقد الذي تعيشه المنطقة. علاوة على ذلك، يجب أن ندرك أن الرأي العام في غزة ليس موحدًا تمامًا فعلا، وأن هناك تنوعًا في الآراء والتوجهات داخل المجتمع الفلسطيني عموما. فهناك من يؤيد حركة المقاومة بكل تصرفاتها وآرائها، وهناك من يعارضها أو ينتقدها. وهذا التنوع في الرأي يعكس النقاش الحي والديمقراطية الداخلية التي تميز المجتمعات المثقفة والواعية بحقوقها ومكتسباتها حتى وهي تعاني من الاحتلال، كالمجتمع الفلسطيني، ما يجعلنا نتأكد أن محاولات تلك القنوات العربية المنحازة ضد الحق الفلسطيني خدمة للسياسات الصهيونية، بعرضها لبعض الآراء الفلسطينية ضد المقاومة ما هي الا حق أريد به باطل في الوقت الحرج!
1227
| 11 ديسمبر 2023
راق لي أن يخصص منتدى دراسات الخليج الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة مطلع هذا الأسبوع، مساراً للحديث عن السياسات الثقافية في المنطقة. وعاما بعد عام يثبت منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، بصيرته الثاقبة في اقتناص موضوعات غير مطروحة مسبقا رغم حاجتنا الماسة للتفكير الجدي بها وفق المتغيرات العالمية السريعة جدا والتي تكاد تصل إلى حد وصفها بالانقلابات الثقافية والفكرية. وهنا تكمن أهمية وجود المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وغيره من المراكز البحثية المشابهة في المنطقة والتي تعتبر تقليدا مؤسسيا جديدا لم تعتد المنطقة الخليجية التعامل معه بجدية قبل ثلاثين عاما بسياق واقع نمت فيه الأفكار السياسية في بيئة تشجع على الفردية وأحيانا العشوائية. ورغم أن هذه الدورة هي الدورة العاشرة من منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية إلا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أن ما تراكم من نجاحات له تشير إلى سياسته الجدية في تكوين إرث بحثي بمستوى عالمي لمنطقة الخليج والجزيرة العربية على صعيد الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما أصبحنا نعايشه في كل ما قدمه المنتدى من إسهامات آخرها الندوة التي انتهت أعمالها مساء أمس الأحد. تعد السياسات الثقافية عادة أداة قوية وضرورية في تحقيق التنمية الشاملة وصون التراث الثقافي. وتتمثل أهميتها في تعزيز التفاعل الثقافي والتعاون الدولي، وتشجيع الإبداع والابتكار، وتعزيز هوية الدولة وتعزيز الانتماء الوطني، إذ يتم تنفيذ هذه السياسات من خلال توجيه الاستثمار في الثقافة والفنون وتعزيز الوعي الثقافي في المجتمع. وفي ندوات المسار حاول المنتدون استكشاف أهمية فكرة السياسات الثقافية في دول الخليج ودورها في تعزيز التنمية المستدامة والحفاظ على التراث الثقافي الغني للمنطقة، بالإضافة إلى إثبات دورها الحاسم في تحقيق التنمية المستدامة من خلال دعم القطاع الثقافي والفنون، إذ توفر فرص العمل وتعزيز الابتكار وتنمية المهارات. كما يساهم الاستثمار في الثقافة في تنمية البنية التحتية الثقافية، مثل إنشاء المتاحف والمراكز الثقافية والمسارح، وبناء قدرات الفنانين والمبدعين المحليين عادة. ومن أفضل أدوار السياسات الثقافية أنها تعمل كمحفز للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتعزز التنمية المستدامة على الصعيد الثقافي وتعيد النمو الاقتصادي. لكن من الواضح، بعد أن استمعت لجميع المشاركين في المنتدى أن دول الخليج تواجه تحديات متنوعة في تحقيقها على أرض الواقع. على صعيد الحفاظ على المباني التاريخية والمواقع الأثرية والتراث اللغوي والفلكلور والحرف التقليدية، وإن كانت بعض دول المنطقة انتبهت مبكرا لتلك التحديات وأصبحت مواجهتها جزءا من السياسة العامة للدولة. من خلال تعزيز الوعي الثقافي وتجويد التعليم، بما في ذلك برامج التعليم الثقافي في المدارس والجامعات. بالإضافة إلى ذلك، تعزز السياسات الثقافية الوصول إلى الفنون والثقافة للشباب والمجموعات من ذوي الاحتياجات الخاصة، مما يعزز التنمية الشاملة والمشاركة الاجتماعية. ورغم الاختلافات بين أفكار المشاركين في المنتدى في مساره الثقافي أجمعوا على تبني فكرة تقول إن السياسات الثقافية تعمل على تعزيز الهوية الوطنية وتعزيز التواصل الثقافي بين دول الخليج والعالم. ومن الواضح أن تلك دراسة تلك السياسات ورصدها وتطويرها وتبادل الأفكار الكامنة فيها مع ما يقابلها لدى الآخرين في العالم أصبحت ضرورة ملحة في دول الخليج العربية. وأنا أظن أن الدول الخليجية الستة في طريقها لتحقيق ذلك بوجود جيل شاب انتبه لهذا السياق كما اتضح من خلال استعراض أسماء المشاركين والمشاركات في المنتدى من الشباب العربي والخليجي تحديدا.
1914
| 04 ديسمبر 2023
أخيرا.. فرح مؤقت وصغير في سياق الآلام التي تعيشها غزة. وغزة التي تعرف كيف تعيش الحزن تعرف أيضا كيف تعيش الفرح ولو لأيام معدودات، لكنها كافية جدا على الأقل لإعلان أنها ما زالت على قيد الحياة من دون التخلي عن مبدأ أو الانهزام أمام القوة الغاشمة بسمتها الصهيوني. صحيح أن الحرب ما زالت تنوخ بظلالها على الحياة في القطاع كله، وأن شبح الموت يحيط بكل الأمكنة أشلاء ودماء، وأن الفقد أصبح هو العنوان الكبير في حياة الفلسطينيين مجددا، إلا أن الفرح الصغير صار كبيرا ما دام الفلسطيني قادرا كعادته على الانبثاق من بين رماد الواقع الأسود ليصنع واقعه الجديد انتصارا حقيقيا على الاحتلال بكل أشكاله. احتاج الأمر تسعة وأربعين يوما قبل أن تكون الهدنة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الكيان الصهيوني حقيقة. لقد نجحت أخيرا جهود الوسطاء الشاقة والمستمرة، في حصد ثمار صمود المقاومة الباسلة وصبر الشعب الفلسطيني في غزة ليرضخ الصهاينة أخيرا ويوافقوا على هدنة لمدة أربعة أيام فقط. من المفترض ان موعد نشر هذا المقال سيكون هو اليوم الأخير من أيام الهدنة التي شهدنا في ساعاتها الأولى عودة مجموعة كبيرة من الأسرى الفلسطينيين بمقابل الإفراج عن عدد أقل من الأسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية، ما أشعر العالم كله بانفراجة حقيقية منتظرة منذ يوم السابع من أكتوبر الماضي. صحيح أنها هدنة قصيرة جدا بقياساتنا العادية ولكنها قابلة للتمديد، وهي تبدو كافية لأن يستعيد أهل غزة أنفاسهم بعد أن عاشوا تحت وطأة القصف المستمر ليلا ونهارا طوال تسعة وأربعين يوما، كما أنها توكيد كان لا بد منه لإعلان قوة المقاومة الجبارة، والتي احتملت حربا غير متكافئة في العدة والعتاد والعدد والتكوين لصالح الصهاينة، بشكل غير مسبوق على هذا النحو في تاريخ المواجهات العربية الصهيونية منذ الاحتلال في عام 1948 وحتى الآن. وهذا يعني أن الحكومة «الإسرائيلية» التي رفضت في البداية وبإصرار كبير أي حديث عن هدنة محتملة أو فكرة لتبادل الأسرى، رضخت أخيرا للأمر الذي فرضته قوة المقاومة ونفسها الطويل. لقد يئس الصهاينة من الوصول الى أسراهم عبر القصف المستمر ومحاولة التهجير وهدم البيوت والمنشآت العامة والخاصة والمدارس والمساجد بل وحتى اقتحام المستشفيات وارتكاب المجازر فيها، فكان لا بد لهم من الاعتراف بأنهم غير قادرين على تتمة الأمر كما كانوا يحلمون ويخططون. وأن أسراهم سيعودون لهم فقط إذا قررت المقاومة ذلك بعد عودة ما يقرب من ثلاثة أضعافهم من الأسرى الفلسطينيين من الرجال والنساء والأطفال في السجون والمعتقلات الإسرائيلية. كما أن شروط دخول الشاحنات المحملة بأطنان من المساعدات والتي كانت في محطة الانتظار المصرية عبر بوابة رفح الى القطاع شرط آخر لم يكن يتحقق بهذه السرعة، ووفقا لاحتياجات أهل غزة لولا صمودهم ومقاومتهم وصبرهم. ولذلك فهذه الهدنة هي جائزتهم الصغيرة المستحقة على ما كابدوا طوال ما يقرب من خمسين يوما، وفرصتهم للأخذ بالأسباب على سبيل مواصلة الحياة والمقاومة والبقاء في أراضيهم، بدلا مما كان يخطط لهم من تهجير قسري الى بلدان أخرى. على أن هذا ليس كل ما تحقق للمقاومة في هدنة الأيام الأربعة وحسب، فقد فرضت نفسها كقوة حقيقية لا يمكن تجاوزها في أي مفاضات تخص مستقبل هذا القطاع كما كان يظن الصهاينة وحلفاؤهم في بداية الحرب عندما كان الحديث يدور، بغرور، عن مستقبل غزة بعد القضاء على المقاومة. أما وقد تحققت الهدنة بمفاوضات مباشرة مع المقاومة نفسها وبشروطها وبتوقيتها أيضا، فهو دليل جديد على أن هناك ما هو أكبر من هذه الهدنة قد تحقق بفضل الصمود والتصدي، وأن ثمار السابع من أكتوبر لم تحصدها المقاومة ولا الشعب الفلسطيني بعد، فهي نصر حقيقي أعلن عنه لتبدأ مرحلة جديدة بعده من دون إحصاء مكاسبه على الأرض حتى الآن!.
864
| 27 نوفمبر 2023
معظم منصات السوشيال ميديا المهمة معهم، باستثناء منصتي إكس(تويتر) وتيكتوك، ومع هذا لم يتحملوا، بعض المحتوى الحقيقي بشأن ما يجري في غزة والذي يشارك بكتابته وصناعته أفراء مستقلون، فبدؤوا بشن حملات على المنصتين لقتل المحتوى المساند للفلسطينيين. عن حرية الرأي كما يفهمها الغرب أتحدث! وهي حرية لطالما صدعوا رؤوسنا بها حتى صدقناها، وصدقنا أنهم النموذج المثالي لاحترام الرأي والرأي الآخر، ما دمنا لسنا المعنيين بما تتناوله من قضايا، أما وقد أصبحنا نحن القضية ونحن المادة المقصودة، فسرعان ما اكتشفنا أنها حرية خاصة جدا، مفصلة وفقاً لمقاساتهم وقياساتهم هم وحدهم، ولا ينبغي أن تتعدى المقاسات ولا أن تتجاوز القياسات. فإن فعلت ذلك ولو لمرة واحدة، وبسبب حجم ما انكشف من الحقيقة، فلا بد من خطاب جديد للشذيب والتهذيب وإعادة تعريف المصطلحات كما يناسبهم ويليق بإنسانهم الغربي الأبيض فقط!. الضغوط التي مورست ضد منصة تيكتوك منذ بداية طوفان الأقصى وتمارس الآن ضد منصة إكس وصاحبها إيلون ماسك تبين لنا مقدار الأثر الذي تركه ويتركه المتابعون المحايدون المستخدمون لمنصات التواصل الاجتماعي لصالح القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية حق ضد الباطل. وهو ما سبب رعباً للصهاينة الذين اعتمدوا كثيرا على رواج سرديتهم الكاذبة والمزيفة طوال عقود من الزمن بواسط الإعلام المنحاز والمسيطر عليه من قبلهم. وكان لا بد من صدى لهذا الرعب من حكومات أمريكا والغرب، وهو ما عبرت عنه تلك الحكومات من رفض لسلوك الجماهير الذي حاصرهم في ديارهم ليس على وسائل التواصل الاجتماعي وحسب ولكن أيضا على الأرض في مسيرات ومظاهرات يومية ترفع فيها الأعلام الفلسطينية كما لم يحدث بهذا الحجم في الماضي أبدا. إيلون ماسك نشر بيانا قبل يومين على حسابه في إكس طالب فيه جمهور المنصة أن يسانده من أجل حرية التعبير عن الرأي في المنصة الشهيرة، بعد حملة مقاطعة الإعلانات فيها والتي شنتها ضده شركات كثيرة بضغط من اللوبي الصهيوني في الغرب. قال ماسك في بيانه إن المقاطعة التي يتعرض لها ساهمت بهدم فكرة حرية التعبير، خاصة أنها قائمة على رؤيتهم لمنصة إكس التي أصبحت تهدد سرديات اجتهدوا من خلالها بأدلجة الجماهير كما يرغبون. ورغم أن ماسك أكد أنه لن يخضع لهذا التهديد المباشر لسياسة إكس، وأنه سيبقى مؤمنا بحرية التعبير وأهمية الحفاظ عليها، الا أننا لا نعلم إن كان ذلك سيستمر طويلا أم أنه سيغير رأيه في نهاية المطاف، بالنظر لقوة الشركات المقاطعة له، وما تمثله إعلاناتها من دعم لاستمرارية المنصة شبه المجانية. ليست الشركات الخاصة وحدها من تصدت لمهمة مصادرة حرية الرأي من منصة إكس، فحتى بعض الأجهزة والمؤسسات والمنظمات الرسمية فعلت ذاك بكل وقاحة. المفوضية الأوروبية على سبيل المثال طلبت من أجهزتها تعليق حملاتها الإعلانية المخطط نشرها على منصة إكس أيضا، وبنفس الحجة، وهي الزعم بأن المنصة تنشر خطاب كراهية! والمنظمة تعني بخطاب الكراهية تغريدات المستخدمين المساندين لغزة، أما ما يفعله وينشره الكيان الصهيوني من قتل ودمار وقصف لم يسلم منها حتى الأطفال الخدج في حاضناتهم فهو، برأيهم، خطاب محبة وسلام.. وأي سلام!. البيت الأبيض بدوره، وجد فسحة من الوقت في زحام الأحداث المسؤول عنها في الكرة الأرضية بأسرها، ليدين به إيلون ماسك ومنصته بسبب ما سماه «الترويج البغيض لمعاداة السامية»، وهي التهمة الجاهزة أو العفريت الذي يستحضره الغرب ليتهموا به غيرهم كلما أعياهم البحث عن تهمة لأي خصم يعكر صفو كيانهم الصهيوني المدلل!. الغريب أنهم وجدوا فعلا من يصدق كذبهم المفضوح هذا تحت الشعار القديم المكشوف زيفه ذاته، وهو شعار احترام الرأي والرأي الآخر، أما الأغرب فهو أن كثيرا ممن صدقهم أو انساق وراء دعاياتهم الكاذبة هم ممن ينتمون لنا، أي أولئك الذين بلغ من تصهينهم أنهم أصبحوا لا يرون إلا بعيون الصهاينة. ولا يسمعون إلا بآذانهم. لكن الحمد لله أنهم منكشفون جدا، لنا ولهم!.
636
| 20 نوفمبر 2023
يبدو أن العالم احتاج شهرا كاملا ليستوعب ما حدث وما يحدث في غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي. شهر من القتل والقصف والدمار الشامل الذي طال كل شيء تقريبا في قطاع غزة على يد الصهاينة كان كافيا ليستيقظ العالم من غيبوبته التي رأى فيها المقاومة وكأنها الشيطان الرجيم الذي تسبب بهذه الحرب كما صورت له البروباغندا الصهيونية. في البداية كان الجميع ضد غزة مساندا للكيان الصهيوني فيما اعتبروه محنته بعد أن قامت حماس بالهجوم على المستوطنات. كان المشهد يوم السابع من أكتوبر مفاجئا وغريبا ما جعل الكثيرين يتعاطفون مع الصهاينة وهو يرون سكان المستوطنات إما قتلى أو مصابين أو أسرى بأيدي المقاومين الفلسطينيين. وما ضاعف من غرابة المشهد وقسوته على هؤلاء أنهم كانوا يرونه لأول مرة في حياتهم، خاصة وأن الإعلام الصهيوني أولا ثم الغربي المنحاز قدم لهم ذلك المشهد مقتصا من سياقه التاريخي الذي يبدأ بتاريخ احتلال فلسطين. وبالتالي كان من الصعب فهم القصة كلها منذ البداية. لكن حكومة نتنياهو أعادت شرح القضية في سياقها التاريخي الحقيقي من دون أن تعي ذلك أو تقصده، من خلال عنفها غير المسبوق في قصف غزة واستهداف كل شيء فيها. المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والشوارع والملاجئ والبيوت، بل حتى المناطق التي قالت إنها ستكون آمنة لتشجيع سكان مدينة غزة على النزوح إليها. عنف القصف وغطرسته مقابل التعامل الفلسطيني معه بذلك الصبر النبيل والشجاعة في المواجهة الأخلاقية كانا عاملا حاسما في بدء التحول لدى كثيرين حول العالم. المسألة إذن لم تكن هجوما من المقاومة الفلسطينية على المستوطنين الآمنين في بيوتهم كما قالت الدعاية الصهيونية، بل كانت ردا على عقود طويلة من الاحتلال والقتل والتهجير وسرقة البيوت والتجويع والحرمان من كل شيء تقريبا في فلسطين المحتلة، أما غزة تحديدا فقد تحولت منذ عقد ونصف الى سجن كبير يعيش فيها أهلها بلا أي منفذ طبيعي لهم على العالم، محاطين بمستوطنات يسكنها صهاينة مسلحون أتوا من كل بقاع العالم لمجرد أنهم يهود مؤمنون بفكرة الصهيونية العنصرية، فسكنوا في تلك المستوطنات متربصين بمن هم داخل السجن الكبير موجهين أسلحتهم نحوهم ليلا ونهارا لاصطيادهم على سبيل التسلية أحيانا وحسب!. هكذا بدأت تتضح ملامح الصورة الحقيقية التي رسمت بدماء الصغار والكبار وهي تسيل على أرض غزة طوال شهر كامل قبل أن تبدأ ملامح التحول في تلقي الرسائل الفلسطينية الموجهة لشعوب العالم بعيدا عن حكوماته في أغلب الأحوال. المظاهرات في بريطانيا وفي كندا وفي أمريكا وفي فرنسا أصبحت في الأيام القليلة الماضية هي الأضخم عالميا في مساندة الحق الفلسطيني، رغم أن حكومات هذه الدول من أشد المساندين لحكومة الكيان الصهيوني والداعين لاستمرار القصف على غزة. فنانون كثيرون من نجوم هوليود بدؤوا يرفعون أصواتهم عالية في سبيل وقف القصف وتهجير أهالي غزة من بيوتهم على الأقل. ورياضيون وجماهير استغلوا وجودهم في الملاعب ليرفعوا اسم فلسطين وعلمها وينادون بوقف القتال. مشاهير في وسائل التواصل الاجتماعي ذهبوا أبعد من ذلك فبدؤوا في التعرف على الثقافة الإسلامية التي أنتجت هذا النوع من التسليم بالموت انتظارا لما بعده من حياة أبدية. القضية الفلسطينية كلها أصبحت حاضرة في الذهن ومحلا للتساؤلات. لماذا يبدو الفلسطيني بهذا التسليم وهو يحمل جثامين صغاره ذهابا الى المقبرة؟ لماذا تخرج الأم الفلسطينية متعالية على آلامها وجراحاتها لتقول للعالم إنها رغم كل شيء راضية بقضاء الله وقدره؟ لماذا يتمسك الفلسطيني بأرضه الى هذا الحد الذي يفضل معه الموت على اللجوء أو الهجرة أحيانا؟ ولماذا تساند أمريكا المحتلين الصهاينة ضد أصحاب الأرض؟ لم تتوقف الحرب بعد، وقوافل الموت ما زالت تسير نحو مصائرها في معركة الحق والباطل، لكن الوعي الجديد جدير بالوقوف عنده حصادا لثمرة من ثمرات الحرب، فهل هي بداية لعودة الوعي بالحالة الفلسطينية؟.
447
| 13 نوفمبر 2023
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
4245
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
1980
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1773
| 04 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1431
| 06 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1164
| 04 ديسمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
1149
| 03 ديسمبر 2025
لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...
909
| 03 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...
747
| 09 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
663
| 05 ديسمبر 2025
تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...
639
| 04 ديسمبر 2025
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...
573
| 08 ديسمبر 2025
شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...
564
| 07 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية