رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

على أبواب الجامعة: صراع عائلي خفي!

تعيش كثير من الأسر هذه الأيام اختبارا حقيقيا يواجهونه مع أبنائهم من خريجي الثانوية العامة، يتمثل باختيار الجامعة المناسبة والتخصص المناسب لأبنائهم. تحدثني صديقتي أنها ومنذ أن ظهرت نتيجة ابنها في الثانوية العامة متفوقا وبنسبة تؤهله للدراسة في تخصصات كثيرة، وهي في صراع معه ومع والده وأحيانا مع إخوته وبقية أفراد العائلة من أجداد وجدات وأعمام وعمات وأخوال وخالات، لاختيار التخصص المناسب له. قلت لها ولماذا كل هذا؟ لا تتركون له الخيار ما دام متفوقا؟ وما علاقة كل هؤلاء به؟ أفهم أن يبدوا اقتراحاتهم ونصائحهم، لكن الاختيار له وربما بتدخل أكبر منك أنت ووالده فقط. قالت إنه يريد اختيار تخصص لا نرى أنا ووالده أن له مستقبلا بسوق العمل، وهو ما جعل الصراع يحتدم بيننا فلم نستطع أن نقنعه بخياراتنا ولم يستطع أن يقنعنا بما اختار. ولأنني لم أستطع بدوري أن أقنع صديقتي بأن تترك الخيار لابنها حتى يكون مسؤولا عنه، فقد وجدتني أفكر أن أوجه محاولتي لابنها ومن هم في وضعه! اختيار التخصص الجامعي المناسب هو قرار حيوي يؤثر بشكل كبير على مستقبل الفرد الوظيفي والشخصي. فعندما تقرر التخصص في مجال معين، فإنك تستثمر وقتك وجهودك ومواردك المالية في تطوير مهارات ومعرفة تخصصية محددة. ومن هنا تأتي أهمية اختيار التخصص الجامعي المناسب، فهو يساعدك على تحقيق التوافق بين مهاراتك واهتماماتك وفرص العمل المتاحة. ولا بد من التذكير ببعض النقاط التي تبرز أهمية اختيار التخصص الجامعي المناسب، أهمها تحقيق الرضا الشخصي، فعندما تدرس مجالًا يثير اهتمامك ويتوافق مع شغفك، فإنك تزيد فرصة الاستمتاع بالدراسة وتحقيق النجاح فيها. إن العمل في مجال تخصصك المفضل يمنحك الرضا الشخصي والإشباع الذي لا يمكن أن يحققه عمل لا يتناسب مع اهتماماتك ومهاراتك. كما ينبغي التفكير بفرص العمل والتوظيف بعد الدراسة، ولذلك فاختيار التخصص الصحيح يعتبر مفتاحًا للحصول على فرص العمل المناسبة في المستقبل. فبعض التخصصات تشهد طلبًا متزايدًا في سوق العمل، في حين قد تكون بعض التخصصات أقل توظيفًا. ومن خلال دراسة التوجهات السوقية وفهم احتياجات سوق العمل، يمكنك اختيار تخصص يتماشى مع فرص العمل المتاحة وتوقعات النمو المستقبلية. وما ينبغي الانتباه له تطوير المهارات الخاصة، فكل تخصص جامعي يوفر لك فرصة لاكتساب وتطوير مهارات محددة. واختيار التخصص الصحيح يسمح لك بتطوير قدراتك ومهاراتك الفنية والعملية في المجال الذي ترغب في العمل به. قد تكون هذه المهارات محاسن تميزك عند التنافس على فرص العمل وقد تساهم في نجاحك المستقبلي. والجامعة عادة فرصة لاستكشاف مجالات مختلفة واهتمامات جديدة، لذلك فيمكنك الاستفادة من هذا الوقت لتوسيع آفاقك وتجربة مختلف التخصصات قبل اتخاذ قرار نهائي. لكن هذا الاهتمام الشخصي باختيار التخصص لا ينبغي أن يكون على حساب الرضا الاجتماعي والعائلي، فقد يكون اختيار التخصص المناسب مرتبطًا بتوقعات العائلة والمجتمع المحيط بك. وقد يتعارض اختيار تخصص غير مرغوب به من قبل العائلة مع اهتماماتك ورغباتك الشخصية. ومع ذلك، فإن اتخاذ قرار مستقل يعكس شغفك وقدراتك يمكن أن يؤدي إلى الرضا الاجتماعي والعائلي على المدى الطويل. ولكن لأن اختيار التخصص الجامعي هو قرار شخصي وفريد لكل فرد. ينبغي الاستماع إلى نصائح الآخرين والاستفادة من الخبرات والمعلومات المتاحة، رغم أن الغلبة ستكون دائما للحدس والتمييز الشخصي. أما صديقتي العزيزة فستعجب لاحقا بتخصص ابنها إن أبدع فيه لاحقا لأن العبرة دائما في النتائج والأمهات يعشن نتائج نجاح الأبناء بغض النظر عن نوعه!

1077

| 14 أغسطس 2023

أطفال مُختطفون.. ثمن الهجرة الباهظ

أي ثمن يدفعه اللاجئ أو المهاجر الذي يترك بلده مضطرا أو مختارا ليعيش في بلاد أخرى تفرض عليه قيمها الخاصة في أدق تفاصيل حياته وخصوصا في طريقة تربيته لأطفاله؟ لا شك أنه ثمن باهظ ولا يساوي أحيانا المميزات التي يحصل عليها جراء الهجرة واللجوء في أغلب الأحيان. والمؤلم أن الضحية الذي يحسب أنه نجا بانتقاله إلى بلد آخر، لا يكتشف الحقيقة إلا بعد سنوات من محاولة الاندماج في مجتمعات لا تمت لقيمه الأخلاقية أو الدينية وما نشأ عليه بصلة. فتبدأ المعضلة لدى الجيل الأول وهو يفكر فيما ستؤول إليه أمور الجيل الثاني المتمثل بأبنائه أو الثالث المتمثل بأحفاده. هذا بالتأكيد لا يعني استهانة بأسباب الهجرة واللجوء أو حالة الاضطرار لها في كثير من بلداننا العربية والإسلامية، فأنا أعرف أن المرء لا يضطر لهما غالبا إلا وقد نفد صبره وقدرته على المقاومة في وطنه لأسباب كثيرة. ومع هذا فهو يذهب للغربة محملا بأحلامه المؤجلة لعله يجد بيئة صالحة ليحققها فيها. ورغم أن كثيرا من اللاجئين والمهاجرين قد نجحوا في ذلك، إلا أن هناك الكثير أيضا مما نغص عليهم ذلك النجاح، ومن أهم المنغصات نشوء أبنائهم في بيئة غريبة عما تعودوه ويتمنونه لهم من قيم تربوية وتقاليد مجتمعية خصوصا على صعيد العلاقة بالعائلة، بل إن الثمن الأكبر أحيانا يكون الأبناء أنفسهم الذين تفصلهم السلطات عن أسرهم بحجج كثيرة اتكاء على قوانينها الخاصة على هذا الصعيد. توجع قلبي، على سبيل المثال هذه الأيام، مشاهد الأطفال وهم ينتزعون من أحضان أمهاتهم وآبائهم اللاجئين أو المهاجرين في بعض البلدان الإسكندنافية، لتربيتهم بعيدا عن هؤلاء الأمهات والآباء، بحجة عدم استحقاقهم لذلك، وأنهم غير أمينين على تربيتهم بما يتوافق ومعايير تلك الدول في تربية الأطفال وحقوق الإنسان ككل. الموضوع غريب فعلا بالنسبة لنا نحن الذين لم نعايش التجربة عن قرب، ويكاد لا يصدق لولا أننا نشاهد بعض التقارير الإنسانية التي اشتعلت في السنوات الأخيرة بوسائل التواصل الاجتماعي، وتظهر أمهات وآباء، عربا ومسلمين، ومن دول العالم الثالث أيضا، يشعرون بالندم الشديد على الهجرة أو اللجوء في تلك البلدان البعيدة التي صادرت أطفالهم منهم بحجج مختلفة، وهم الذين تركوا بلدانهم الأصلية في البلاد العربية أو الإسلامية الأخرى بحثا عن مستقبل أفضل لأبنائهم في التعليم والعيش الكريم. رأيت مثلا مقطعا لإحدى الأمهات العراقيات تبكي فيه بحسرة وحرقة على ابنتها التي «صادروها» منها وهي طفلة صغيرة ولم يعيدوها إليها إلا بعد أن كبرت وبلغت الثامنة عشرة من العمر، فاكتشفت الأم أنها لم تعد ابنتها التي تعرفها بل تحولت إلى كائن غريب، بثقافة مختلفة وقيم اجتماعية وتربوية تجاوزت فيها حتى القيم الأسرية المقبولة في المجتمعات الأوروبية التقليدية. رأيت أيضا مقطعا آخر لأب وأم سوريين يبكيان دما بعد «مصادرة أبنائهم منهم ومنعوا من التواصل معهم فقط لأنهم، وفقا للسلطات الاجتماعية في ذلك البلد غير مؤهلين لتربية الأبناء»! أما الحكاية التي أثارت العالم كله خاصة بعد أن حولتها بطلتها إلى كتابة يحكي القصة من البداية للنهاية، فهي لامرأة هندية كانت أكثر شجاعة من غيرها من الأمهات المهاجرات. فرغم أن السلطات في ذلك البلد الإسكندنافي قد صادرت طفليها الصغيرين منها بحجة أنها غير مؤتمنة على تربيتهما بما يناسب المجتمع الجديد، إلا أنها لم تسكت ولم ترضخ للأمر الواقع، حتى بعد أن تركها زوجها، والد الطفلين، خوفا على تأثر ملفه لطلب الجنسية مما تثيره زوجته من زوابع في سبيل استعادة طفليهما. لقد قاتلت تلك المرأة بقوة وبصبر ولم تتصالح مع فكرة أن يتربى فلذتا كبدها بعيدا عنها فقط لأنها كانت تربيهما كما تعتقد أنها التربية الصحيحة كأن تناولهما طعامهما بيدها لا بالشوكة والسكين، أو تسمح لهما بالنوم معها على السرير متدثرين بحنانها، أو غيرها من تصرفات لم تعجب مراقبات الخدمة الاجتماعية. حكايتها مثيرة جدا كما روتها في كتاب تحول لاحقا إلى فيلم وثائقي، يستطيع من يشاهده أن يتأكد من طعم المستقبل المر في تلك البلدان التي يهاجر إليها المضطرون فلا يجدوا سوى أحلام تحقق بمقاسات المكان الجديد واشتراطاته وحسب!

765

| 07 أغسطس 2023

لقطة تحرش نوعي!

أعرف أن كثيرين مثلي شعروا بالغضب والقرف والاشمئزاز من لقطة تحرش نوعي في مقطع فيديو قصير انتشر في الأيام القليلة الماضية، وفيه يبدو رجل عربي طاعن في السن يتحرش بسيدة أجنبية جلست بالقرب منه، وسط ضحكات الحاضرين من الرجال ومن بينهم مصور المقطع. لا أعرف مناسبة التصوير الذي اقتطع منه هذا المشهد في مجلس رجال خليجي تقليدي، أما السيدة فمن الواضح أنها ضيفة على المكان لهدف ما، فلم نعتد على وجود النساء في مجالس الرجال التقليدية إلا لأسباب معينة وطارئة. لذلك فقد تضاعف حجم المفارقة في فعل تحرش يقوم به مسن ضد سيدة تواجدت في المكان بصورة طارئة، فقد كان من الأولى أن ينضبط المجلس أكثر من المعتاد بوجود الضيوف ومنهم هذه السيدة الأجنبية، وهذا ما اعتدنا عليه في الأحوال والظروف المشابهة، ولكن الغريب أن حركة التحرش القميئة والواضحة والتي بلغت مداها الأعلى قياسا لطبيعة المكان وسن الرجل المتحرش، أثارت ضحك الحاضرين بدلا من غضبهم الشديد، فتحولت الحادثة لمناسبة ترفيهية لهم، إذ ارتفعت ضحكاتهم المستثارة بفعل الواقعة، بل إن بعضهم حاول تبرير الحركة المقززة فصاح قائلا «شيبة.. شيبة»، أي أن الرجل المتحرش كبير بالسن وبالتالي فلا ينبغي لومه على ما أقدم عليه. ويبدو أن مما ساعد على تقبل هذا الأمر المشين واعتباره عنصرا كوميديا في جلسة رجال تقليدية أن السيدة أجنبية، وهذا يعني أن جسدها مباح للآخرين وفقا لعقلية هذا المسن، وأن المرأة التي نشأ على ضرورة حمايتها واتخاذ ما يلزم للمساهمة بسترها، هي المرأة التي تخصه أو تنتمي لثقافته وبيئته وحسب! ما هذا؟ وإلى أين وصل بنا الأمر لنحتفي بمثل هذه التصرفات الغريبة والجديدة عن ثقافتنا العامة وخصوصا في محيط كبار السن، عبر تصويرها ونشر التصوير في وسائل التواصل الاجتماعي؟ لماذا لم يحذف المصور المقطع بدلا من نشره وهو يعلم أن كل ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي لا يستطيع أحد لاحقا التراجع عنه أو شرح ظروف تصويره للمرة الأولى؟ لماذا لم يشتعل غضب الحاضرين ضد هذا المتحرش الوقح بالقدر الذي يناسب حجم فعلته الشنعاء؟. صحيح أن الحدث نفسه جريمة ليس ضد السيدة وحسب بل ضد قيم المجالس العربية وطبيعتها في التعامل مع النساء عموما، وهو أيضا ضد قيمة العائلة التي تحتفي بالمسنين وتراهم رمزا للحكمة والمحافظة والأخلاق، وتقدمهم باعتبارهم أمثلة حية لما يمكن أن تتعلمه الأجيال الجديدة من القيم الموروثة. الغريب أنني قرأت كثيرا من التعليقات على المقطع حيث نشر مرات كثيرة، يبرر فيها أصحابها، في كل مرة، ما حدث أيضا وكأنه مجرد نكتة ينبغي أن نضحك عليها ونمررها لأنها لا تستحق النقاش أو الانتقاد، فهي مجرد نكتة عابرة، وبعضهم لام الضحية التي سمحت لنفسها أن تجلس في مجلس الرجال، رغم أن من الواضح أنها مدعوة ولهدف معين أو على الأقل هم يعلمون مسبقا بوجودها وقد سمحوا لها بذلك ورحبوا فيها بينهم، و لكن تبرير التحرش بها فقط لأنها سيدة تتواجد في مكان غير مخصص لها تقليديا، ينبغي أن يتيح لهؤلاء الرجال أن يتحولوا إلى وحوش للاعتداء على جسدها والحط من كرامتها، أما الفريق الثالث من المتعاطفين مع الجاني ضد الضحية فقد قللوا من حجم ما حدث لأنها أجنبية وليست عربية أو مسلمة، وأن هذا الأمر من المعتاد في الغرب! وبالتالي فلا يجب أن يكون رد الفعل عليه مثل رد الفعل على التحرش بسيدة عربية أو مسلمة، أما أغرب تبرير غير مباشر فهو أن المقطع هدفه الشهرة والمشاهدات ولا ينبغي أن نحمله أكثر مما يحتمل!، لكن من الواضح أننا لم نعد نحتمل أكثر مما احتملنا حتى الآن مما تقذفه في وجوهنا يوميا وسائل التواصل الاجتماعي من انحدار تجاوز كل الحدود ولا ندري متى أو كيف سيقف.

1047

| 31 يوليو 2023

حكاية بوراك.. رفاهية النقاش وأهمية القضية!

فوجئت ببعض الردود المسفهة لتغريدة كتبتها ونشرتها في حسابي على منصة تويتر قبل أيام تعليقا على خبر يتعلق بالطاهي التركي الشهير بوراك. صحيح أنني أتلقى الكثير من الردود الخارجة أحيانا عن منطق التعليق السريع في تويتر منذ أن عرفت عالم وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنني لا أكف عن الدهشة من شغف بعض المتابعين بمحاولة تسفيه كل ما لا يعجبه أو ما لا يفهمه أو حتى ما لا يهمه. لكنه على أية حال عالم وسائل التواصل الاجتماعي الغريب، والذي يمكننا أن نعتبره بيئة لدراسة السلوك البشري بأسرع الطرق وأيسرها!. يقول الخبر الذي تناقلته بعض الصحف ووكالات الأنباء إن بوراك رفع قضية على والده يتهمه فيها ببيع جميع المطاعم التي يمتلكها الابن في تركيا وخارج تركيا، وانه بوراك لم يعد يملك ولو مطعما واحدا يحمل اسمه الشهير في عالم المطاعم العالمية. تساءلت في تغريدتي إن كان الأمر يبدو طبيعيا وأن من المقبول أن يرفع الابن قضية على والده، متهما إياه بالاحتيال عليه وسلبه ممتلكاته من المطاعم، أم إن سلوكا كهذا من الابن يمكننا إدراجه في باب العقوق، من دون أن أبدي رأيي الشخصي، لأنني أردت أن أكون محايدة وموضوعية لضمان الحصول على آراء غير متأثرة بصيغة السؤال. ورغم أن معظم الردود انحازت الى بوراك وتعاطفت معه، باعتبار ان الأب المحتال هو العاق في هذه الحالة، مع أننا جميعا لا نعرف تفاصيل الخبر على وجه اليقين، وأن ما نشر لا يكاد يشي إلا بالقليل من المعلومات، إلا أن هناك فئة فضلت أن تلوم الابن على موقفه وتصفه بالعقوق، مستندة الى مكانة الوالدين العليا وفقا لتعاليم الدين الإسلامي، وأن الابن في الإسلام هو وماله لأبيه، فما قيمة مطاعم أو محلات أمام رضا الوالدين؟ وما تساوي مثل هذه الأمور الدنيوية مقارنة لها بالحالة الإيمانية التي وضعها الإسلام معيارا لعلاقة الآباء بالأبناء، بل إنه يفرض على الابن وفقا لهذه المعيارية الإيمانية أن يعامل الأبناء آباءهم بالحسنى حتى وإن كانوا مشركين!. من الواضح أنني اردت أن أتخذ من ذلك الخبر، الذي قد يبدو عابرا في مسار الاخبار الكبيرة الكثيرة التي تحيط بنا أفرادا ودولا هذه الأيام، مثالا على ما يحيط بعلاقة الأبناء بالآباء من تحديات كبيرة، تستحق أن نعيد النظر فيها بين فترة وأخرى، وأن نحاول أن نعيد ترتيب الأولويات في تلك العلاقة وفقا لمعطيات كثيرة، إلا أن هناك من رأى في الموضوع كله مجرد تفاهة لا تليق أن ينشغل بها أحد يدعي أنه مهتم بالقضايا الكبرى. وفي هذا التسفيه لقضايا من هذا النوع يكمن جانب كبير من سبب المشكلة أو المشاكل العائلية، وهو تجاهلها بحجة أنها تافهة أو أنها محسومة مسبقا. وهذا غير دقيق. صحيح أننا ننتمي لثقافة إنسانية وإسلامية تجل مكانة الوالدين وتضعهما في المقام الأعلى في سلم العلاقات الإنسانية التي يملكها المرء إلا أن هذا غير كاف في ظل واقع معقد أضفى على العلاقات بين البشر المزيد من التعقيد، ولا بد من نقاشات مستمرة تستثمر فيها كل النماذج الحية في علاقات الآباء بالأبناء. ورغم أننا لن نصل لنتائج حاسمة على هذا الصعيد ككل مرة نناقش فيها قضايا إنسانية تبدو فيها كل حالة مختلفة عن الأخرى، إلا أن النقاشات المستمرة ستصل بنا الى مساحة من التفاهم والتوافق على أن لكل حالة خصوصيتها، وأننا لا يمكن أن نخضعها للنتائج الجماعية النهائية، وأن تلك النتائج النهائية التي وصلتنا عبر الزمن بهيئة نصائح أو تعاليم دينية أو غيرها يمكن كسرها في تلك الحالات الخاصة. الموضوع كله نقاش يبدأ ولا ينتهي، لأنه يتجدد مع كل حالة جديدة يمكن أن نتخذها نموذجا جيدا للنقاش. وبالتالي لا ينبغي لأحد أن يصفه بالتفاهة لمجرد أنه يتعلق بطاهٍ شهير تنتشر مطاعمه الفخمة في مدن كثيرة وسط ملايين الجياع حول العالم.

1161

| 24 يوليو 2023

الكاتب الذي لا تحتمل خفته!

.. ورحل الكائن الذي لا تحتمل خفته. المواطن العالمي الذي كانت حياته، في الواقع وفي الكتابة أيضا اختبارا ناجحا لتحدي ثنائية الجنسية والوطن. رحل قبل أيام ميلان كونديرا، الكاتب التشيكي الفرنسي الشهير بانشغالاته الفلسفية والوجودية، في الثالث عشر من يوليو الجاري عن عمر يناهز الرابعة والتسعين عامًا تاركا وراءه إرثا من الأفكار الحية، والتي لا يمكن أن تموت ما بقي الإنسان منشغلا بهويته وكينونته على هذه الأرض. بدأت مسيرة كونديرا الأدبية في الخمسينيات من القرن الماضي بالشعر وبعد ذلك بالمسرح. ولكن المفارقة أن الرواية هي التي جعلت منه الكاتب ذائع الصيت العالم كله. ومن أبرزها: «المزحة» و»كتاب الضحك والنسيان» و»خفة الكائن الذي لا تحتمل» و»الهوية»، و»الحياة في مكان آخر»، وغيرها من العناوين التي تشي بالمعنى الذي بقي يلاحقه الكاتب عبر الكلمات منذ أن وعى قوتها وسحرها على البشر. تميز أسلوب كونديرا في الكتابة بعمقه الفكري وأبعاده الفلسفية التي كان يعبر عنها بسهولة امتنعت على كثير من أصحاب الرؤى الفلسفية العميقة. وغالبًا ما استكشفت رواياته طبيعة الوجود البشري، وتعقيد العلاقات الإنسانية، وتأثير الاضطرابات السياسية والاجتماعية على الأفراد. لقد كان بارعًا في الشكل الأدبي الذي اختاره ليكون وعاءه الفكري، حيث استخدم مجموعة من التقنيات لنقل أفكاره عبر الرواية، بما في ذلك تعدد الرواة، في مزيج من الحقيقة والخيال. وربما يتفق معظم قراء كونديرا على أن رواية «الكائن الذي لا تحمل خفته» هي أكثر أعمال كونديرا شهرة، وهي الرواية التي قادتني وكثيرين مثلي إلى استكشاف موضوعات شائكة تراوحت ما بين الحب والجسد والسياسة ومعنى الحياة على خلفية قراءته الدقيقة لأحداث ربيع براغ في العام 1968، وهي الرواية التي كما يبدو قذفت به إلى غربته الطويلة بعيدا عن وطن لا يسامح! فقد طرد يومها من الحزب الشيوعي لتشيكوسلوفاكيا وكان السبب المباشر والمعلن للطرد انتقاداته للتدخل السوفياتي في بلاده، وبعدها جُرد من جنسيته وحظرت أعماله من التداول، وبعدها بسنوات أجبر على الهجرة إلى فرنسا في العام 1975، حيث عاش بقية حياته إلى أن رحل أخيرا قبل أيام بعد أن تحول إلى مواطن عالمي لم يفضل العودة إلى وطنه بعد انتهاء الشيوعية في العام 1989. بالإضافة إلى إنجازاته الأدبية، كان كونديرا موسيقيًا بارعاً ولم يفقد شغفه بالموسيقى الذي ترجمه بهيئة مقالات نشرها في أكثر من مطبوعة، حتى ليظن المتابع لما يكتبه هذا الكائن المرهف أنه لو لم يكن روائيا لكان قائدا موسيقيا يلوح بعصاته الصغيرة ما يرسم فيه لوحة للعالم المتخيل في رأسه. تُرجمت أعمال كونديرا إلى أكثر من أربعين لغة، وهو ما ساهم بتكوين تصور عام عنه باعتباره مواطنا عالميا يستلهم شخصياته من ألم الإنسان بغض النظر عن جنسه أو جنسيته أو ثقافته أو بيئته أو دينه. وعندما اضطر كونديرا للبدء من جديد ككاتب يكتب بلغة أجنبية، بعد أن هجر إلى فرنسا، لم يجد صعوبة كبيرة في التأقلم مع وضعه الجديد ولغته الجديدة، ذلك أن قضيته لم تختلف باختلاف اللغة وأفكاره لم تتبدل بتبدل المكان، بل إن المنفى سمح له باستكشاف موضوعات الغربة والهوية وتجربة العيش بين عالمين في كتاباته. ربما كان أحد أهم تأثيرات نفي كونديرا على كتاباته هو الطريقة التي سمحت له بتطوير أسلوبه الأدبي الفريد. سمحت الكتابة بالفرنسية لكونديرا بتجربة تقنيات السرد وأنماط الكتابة المختلفة التي ربما لم يتمكن من استكشافها باللغة التشيكية. كما أنه اعتمد على التقاليد الأدبية الفرنسية، حيث قام بدمج عناصر من الأدب والفلسفة الفرنسية في كتاباته. كما سمح له المنفى بالكتابة بحرية أكبر وانفتاح أوسع حول القضايا السياسية والاجتماعية، فأصبحت كتاباته سياسية بشكل أكثر صراحة، وتمكن من استكشاف تعقيدات الحياة في ظل الشيوعية بطريقة لم تكن ممكنة لو بقي في وطنه آنذاك، ولعله يريد شيئا من ذلك المعنى عندما قال؛ «إن الروايات تمنحنا فرصة للهروب الخيالي من حياة لم تكن تمنحنا أي إحساس بالرضا»!

1086

| 17 يوليو 2023

معركة ذات المطاعم!

تحدث مدون مطاعم سعودي، في مقابلة أجريت معه وبثت قبل أسبوعين تقريبا عبر منصة يوتيوب، عن الفرق بين المطاعم الكويتية والمطاعم السعودية في السنوات الأخيرة وفقاً لمعايير معينة، وأثناء حديثه قال إن الكويتيين لا ينفقون على المطاعم المحلية في بلادهم إلا بقدر محسوب، وليس كما ينفق السعوديون الذين يبالغون كثيرا في ذلك. وبغض النظر عن صحة المعلومة أو عدم صحتها، التي حاول قائلها تفسيرها اجتماعيا واقتصاديا وفق معرفته بهذا النوع من الممارسات في البلدين، فإنها كانت كافية لإشعال شرارة «معركة ذات المطاعم» بين الطرفين إذ اجتهد كل فريق منهم بتبيان أنه الأكثر إنفاقا على شراء الأكل، وأن مطاعم بلده أفضل من مطاعم بلد الفريق الآخر. صحيح أن بداية مساهمات الفريقين في المعركة كانت على سبيل التفكه والنكتة إلا أن بعضهم انحرف لاحقا فكان جادا في ما يقول ويكتب للدرجة التي استدعى فيها معطيات أخرى للعلاقة بين البلدين في محاولة للانتصار لرأيه معتقدا أن ذلك جزء من الدفاع عن وطنه وكرم مواطنيه. وقبل أن تحسم نتيجة النقاش بين الاثنين، وجدنا أنفسنا نحن المتابعين المندهشين مما يحدث بعد أن انقلب الهزل جداً، في خضم معركة أخرى من ذوات المطاعم، وهذه المرة بين المصريين واللبنانيين، وكانت شرارتها صورة لمائدة فطور عيد الأضحى المبارك في أحد المطاعم اللبنانية. كانت معظم محتويات المائدة عبارة عن لحوم نيئة أي أنها محضرة بلا طبخ كما هو معروف في المطبخ اللبناني التقليدي، ولأن معظم التعليقات المسيئة لتلك المائدة كتبها في وسائل التواصل الاجتماعي مصريون مشمئزون من شكل اللحم النيء على مائدة الطعام، فقد احتدمت الحرب بين الفريقين، وكل منهما يقول إن مطبخه هو الألذ وأطباقه هي الأشهى وبالتالي فمطاعمه هي الأنجح. ورغم طرافة المعركتين مقارنة بمعارك حقيقية تجري حاليا إلا أن دلالاتهما ليست بتلك الطرافة أو البساطة، ومن خلالها نستطيع أن نستقرئ مشهدا من مشاهد حياتنا الاستهلاكية شبه القاتلة. فالحياة الاستهلاكية المعاصرة نمط حياة يتميز بالاعتماد الشديد على المنتجات الاستهلاكية والخدمات، التي يتم شراؤها واستخدامها بشكل يومي. وتشمل هذه المنتجات والخدمات الملابس والأغذية والمشروبات والأجهزة الإلكترونية والسفر والترفيه وغيرها. ويعتبر التغيير في نمط الحياة الاستهلاكية المعاصرة من أهم التحولات الاجتماعية التي شهدتها البشرية في العقود الأخيرة، حيث أصبح الناس يقضون معظم وقتهم في المطاعم والمقاهي، بدلاً من التمتع بتناول الطعام في بيوتهم. ومن الواضح أن هذا الأسلوب الحياتي يتطلب إنفاق مبالغ كبيرة على الطعام، فعلى الرغم من أننا نمتلك القدرة على طهي الطعام في المنزل، على سبيل المثال، إلا أن الكثيرين يفضلون إنفاق مبالغ كبيرة في المطاعم، رغم عدم حاجتهم إلى ذلك، والغريب أن ذلك تحول، إلى معيار من معايير تقييم المجتمع في نمطه العصري ومدى تعبيره عن ذلك النمط. فرغم أن أنواع الأطباق وأسلوب الطهي ومقدار الإنفاق عليها كانت دائما من معطيات ثقافة أي مجتمع من المجتمعات إلا أن الحياة الاستهلاكية الجديدة، المعروضة شرطا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمعرضة بالنتيجة للمقارنة مع ما يعرضه الآخرون أصبحت نوعا من الادعاء الثقافي والاقتصادي الجديد. وهكذا تحول الطعام من كونه غذاء للجسد والصحة إلى عنصر للتباهي والإثارة بالشكل والمقدار وقيمة الإنفاق عليه. في حديث مدون المطاعم السعودي الذي تسبب ب «معركة ذات المطاعم» جانب من الإثارة التي خلقتها الحياة الاستهلاكية الجديدة، وكان من الممكن أن تكون موضوعا لنقاش من نوع آخر يتعلق بقيمة تحولات هذه الحياة ونتائجها المتوقعة علينا كلنا نحن المستهلكين، لكنها تلاشت في غبار المعركة التي لم تحسم بعد للأسف!.

1032

| 10 يوليو 2023

ثمار العنصرية بشوارع باريس!

ليس تبريراً للعنف، ولا تشجيعاً عليه في أي مكان في العالم، ولكن كان على فرنسا أن تتوقع أنها ستجني، عاجلاً أم آجلاً، بعض الثمار المرة لسياساتها التي لم تنته في العمق، رغم أن الاستعمار انتهى منذ زمن طويل بعد أن دفعت الجزائر مليون شهيد من أبنائها في سبيل استقلالها. صحيح أن سبب العنف الذي ما زال مستمرا منذ أسبوع تقريبا في العاصمة الفرنسية باريس وبعض المدن الأخرى اندلع بسبب حادث فردي عندما قتل شاب فرنسي من أصل جزائري يبلغ السابعة عشرة من عمره على يد رجل أمن فرنسي في الشارع، إلا أن ردود الفعل تعدت الحادث الفردي لتشمل تاريخاً كاملاً من العلاقة الدموية ما بين فرنسا والجزائر، ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً من مجرد عنف يقوده المهاجرون والمجنسون والفرنسيون من أصول جزائرية وأفريقية وأقليات أخرى مهمشة ردا على مقتل الشاب البريء. فالحرائق التي يشعلها هؤلاء في كل باريس هذه الأيام ليست سوى قبس من نار تشتعل في صدورهم بسبب ما يواجهونه من عنصرية فرنسية عبرت عن نفسها دائما بصياغات مختلفة وصور عديدة رغم الادعاء بعكس ذلك ومحاولات إخفاء ملامحها البشعة بأطنان من مساحيق الزينة العصرية وإخفاء رائحتها النتنة بقناني العطور الفاخرة. وما حدث ويحدث في فرنسا يمكن أن يحدث لذات الأسباب في بلدان أخرى تزدهر فيها العنصرية، ذلك أن معظم النار من مستصغر الشرر، والحوادث الفردية كثيرة، وإن استطاعت حكومة ما تجاوز إحداها لسبب أو آخر فإن هذا لن يستمر في النفوس المكتنزة بشعور الظلم والهوان طويلا. وهو ما يجعل البشر حاليا في اختبار إنساني حقيقي، فهم إما أن ينحازوا لمعناهم الإنساني الفطري وصولاً إلى العدالة والمساواة بين البشر، وإما أن يعززوا عنصريتهم ويبحثوا عما يغذيها وينميها في نفوسهم ومجتمعاتهم ما يهدد السلم كله بحروب لا تنتهي!. وعودة الى الحالة الفرنسية الحاضرة أمامنا الآن في ما نشاهده بكل وسائل الإعلام، كنموذج متكرر لثمار العنصرية المرة، نجد أن بعض العنصريين العرب على سبيل المثال منحازون للخطاب الرسمي الفرنسي، وكأن العنصرية التي يمارسونها ليل نهار في بلدانهم العربية، كل على حدة، ضد آخرين يقيمون معهم أو يشاركونهم في المواطنة غير كافية فقرروا أن يجعلوا من عنصريتهم عابرة للقارات والمحيطات، فهم يبررون قتل الشاب ذي الأصول الجزائرية على يد الشرطة الفرنسية بأن ذلك من حق الشرطة ما دامت فرنسا قد تفضلت عليه أو على أهله بالجنسية الفرنسية، ويضعون اللوم على الضحية ومجتمعها العرقي أو الديني، فيقفزون لنتيجة الشارع متجاهلين الأسباب التي أدت إلى ما يحدث عمداً! بل إنني قرأت تغريدات لبعضهم تحض على قتل المزيد من المهاجرين أو طردهم وإعادتهم قسرا إلى بلدانهم الأصلية، ما داموا مستمرين في التعبير عن غضبهم تجاه سياسات التمييز التي تمارس ضدهم، فما دامت فرنسا قد أنعمت عليهم بالمواطنة بعد هروبهم من بلدانهم الأصلية نتيجة فقر أو قهر أو بحث عن حرية، عليهم أن يقبلوا بفتات ما ترميه لهم فرنسا ويوافقوا على أن يكونوا مجرد ديكور لتكملة صورة ديمقراطيتها المدعاة. وهذا هو العجب العجاب من هؤلاء العرب! ستخفت نيران الاحتجاجات خلال الساعات أو الأيام القليلة المقبلة، وفقا لتوقعات المراقبين، ولكنها على أية حال ستخلف وراءها رمادا لابد أنه سيشوه صورة باريس باعتبارها عاصمة الفنون والآداب والموضة والتنوع الثقافي التاريخي، فلا قيمة لهذا كله أمام دم شاب بريء ذهب ضحية عنصرية تتفاقم في شوارعها!. @saadiahmufarreh saadia111@hotmail.com

1161

| 03 يوليو 2023

غواصة الموت بالإثارة.. هل من مزيد؟

مرة أخرى يواجه العالم اختبارا إنسانيا بسيطا، على فداحة النتيجة. هذه المرة كان الحادث عبارة عن رحلة مثيرة في غواصة فريدة من نوعها اسمها تايتان يستقلها خمسة من أثرياء العام متوجهين الى أعماق المحيط لاكتشاف حطام سفينة تايتانك الشهيرة والتي تحولت إلى ما يشبه الأسطورة، فينتهي بهم الأمر الى مصير من المتوقع أنه سيتحول لاحقا إلى ما يشبه الأسطورة أيضا. خبر نهاية الرحلة، التي بدأت مع بداية الأسبوع الماضي وانتهت قبيل نهايته، أصبح الآن معروفا بعد أن أعلن عن موت جميع من كان في الغواصة التي لم تصل الى هدفها، بل «انبجرت»، وهذه مفردة تشير إلى مصطلح لغوي انتشر للتو ويعني الانفجار إلى الداخل! طبعا لا أحد حتى الآن يعرف ماذا حدث داخل الغواصة قبل أن ينتهي بها الأمر الى هذه النهاية المأساوية، ورغم أن كثيرين نظروا للحادثة باعتبارها نموذجا للترف بعدة مستويات مقارنة لها بحادثة أخرى كان أبطالها سبعمائة من المهاجرين من أوطانهم إلى بلاد كانوا يعتقدون أنها ستوفر لهم فرصا أفضل للحياة عبر خيار اللجوء. لقد تزامن خبر فقدان ومن ثم انبجار غواصة تايتان بركابها الخمسة الأثرياء مع خبر غرق سفينة اللجوء بركابها الفقراء. ولأن معظم وسائل الاعلام وجمهورها قد انشغلوا بغواصة الأثرياء على حساب سفينة الفقراء، فقد بدا الأمر وكأنه انحياز عالمي للثراء على حساب الفقر، تواطأ فيه الجميع، بقصد ومن غير قصد، فحتى من رصد هذا السلوك وانتقده ساهم فيه من حيث لا يدري. لكن قراءة الخبرين بهدوء بعيدا عن العاطفة المنحازة لمن يشبه صاحبها، تشير إلى زوايا أخرى لفهم ما حدث!. فهناك مستويات كثيرة يمكن أن يقرأ فيها الاهتمام الذي حظيت به الغواصة على حساب السفينة بغض النظر عن مستوى ركابهما ماديا. إن غرق سفينة اللجوء أصبح، للأسف الشديد، من الأخبار المتكررة بين آونة وأخرى، ما جعله يفقد الكثير من جاذبيته الخبرية، فالقصص على تلك السفينة تكاد تكون قصة واحدة تكررت تفاصيلها في السنوات الأخيرة عندما اكتشف كثيرون أن طرق النجاة مما يعانونه في بلدانهم المنكوبة بالحروب الأهلية والخارجية والفقر والظلم تؤدي كلها الى الهجرة، ولأن معظم هجرات المهاجرين غير شعرية وفقا للمفهوم القانوني الحديث، فإن ظروفها غالبا ما تكون غير آمنة، وهو ما يجعلها عرضة لتلك النهايات المأساوية قبل وصول الوجهة النهائية. لقد تكررت حوادث غرق سفن اللاجئين حتى أصبحت صور جثث الأطفال منهم وهي ملقاة على شواطئ اللجوء من صور العام الشهيرة في السنوات الأخيرة. أما أن يبادر خمسة من أثرى أثرياء العالم لركوب غواصة في رحلة لم يؤكد أحد درجة الأمان فيها، كما يبدو، وأن يدفعوا مقابل ذلك ربع مليون دولار لكل منهم، وأن يحشروا أجسادهم في تلك الغواصة حشرا لعدة ساعات بهدف استكشاف، عبر شاشة صغيرة بمقدمة الغواصة، حطام سفينة غارقة قبل ما يقرب من قرن من الزمان وهي تقبع منذ ذلك الحين في قاع المحيط، فهذا هو الخبر الحقيقي في عالم الصحافة، خاصة وأن ذلك الحادث بتلك التفاصيل المثيرة فيها من الحوادث النادرة في عوالم البحر والأثرياء والإعلام والموت أيضا. أما وقد فقد الاتصال بتلك الغواصة قبل أن تصل الى وجهتها بقليل، وبقي مصيرها ومصير من فيها مجهولا لعدة أيام، وبقيت عيون العالم كله على عداد الأوكسجين المتبقي افتراضيا في الغواصة والمثبت على شاشات التلفزيونات والهواتف الذكي، والخيالات العجائبية لقصص الأثرياء الخمسة، وتخيل ما الذي يجري لهم بانتظار الموت أمام بعضهم البعض في تلك العلبة الحديدية المقفلة عليهم من الخارج، وتفاصيل أخرى كثيرة، فهي الإثارة بعينها في عالم كلما التهم المزيد من الإثارة صاح؛ هل من مزيد؟.

1320

| 26 يونيو 2023

عن بؤس النهايات!

لا أحب النهايات. كل النهايات. هكذا ببساطة ووضوح شديد أخيرا. يجب أن أعترف بهذا لنفسي على الأقل حتى لا أبحث عن حجج وأعذار لي وأنا أغادر المسرحية قبل أن يسدل الستار على آخر مشهد غير آبه بتصفيق الجمهور. وحتى لا أشعر بالحسرة وأنا أحاول تذكر عدد مشاهد النهاية التي لا أعرفها ومصائر الأبطال الذين تركتهم يصارعون أقدارهم في آخر صفحة في رواياتي المفضلة قبل أن أنسل خارجة من كل رواية أقرأها بمتعة وشغف. كم تمنيت لو أن منطق الأحداث يجعلها ببدايات محددة ونهايات مفتوحة على كل احتمالات الكون. لماذا تنتهي الحكايات والعلاقات والكتب والأفلام والأغنيات وحتى الأفراح والأحزان؟ ألا يكفي موت البشر نهاية تكفي لأن تكون هي النهاية الحقيقية واليقين الأوحد الذي يمكن أن نصدقه في حياتنا؟ أشعر بأسى حقيقي كلما اقتربت من نهاية الكتاب الذي أقرأه باستمتاع. وما أن أصل للصفحات الخمس الأخيرة حتى أجدني وقد تركت الكتاب مقاومة شوقي لمعرفة النهاية. أتركه أياما وأسابيع وأحيانا شهورا طويلة قبل أن أعود إليه لأقرأ تلك النهاية المؤجلة وكأنها مجرد بداية!. الأفلام أيضا أتركها قبل المشهد الأخير، وأحيانا أجدني وقد خفضت الصوت قبل أن ينتهي الفيلم حتى لا أتيقن من معرفة تفاصيل النهاية بدقة. أما أن كنت أشاهده في قاعة السينما مع الآخرين، فليس أمامي سوى أن أتشاغل بذكرياتي وأنا أتابع المشهد الأخير، متخيلة أحداثا لم تكن تجري أمامي وكلمات لا أسمعهم يقولونها، فلا أتحرر حتى أتجاوز كلمة النهاية بغموض ما. لا تهمني كثيرا مصائر الأبطال النهائية وأنا التي عشت معهم على الورقة أو على الشاشة بكل جوارحي، فالأهم من ذلك أن يبقوا هكذا دائما في منطقة انتظاراتي وتوقعاتي من دون يقين حقيقي. يحدث هذا أيضا في مقاطع الفيديو التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام، فما أن أفتح أحد المقاطع حتى أراقب الشريط السفلي وهو يمضي مقتربا من النهاية لأغلق المقطع قبل أن ينتهي. أما الأغاني فلا أكاد أتذكر أنني وصلت لأغنية حتى نهايتها إلا أغنيات أم كلثوم. ويحدث هذا أيضا في حياتي الشخصية للأسف. في كل علاقاتي الخاصة تقريبا كنت أتحرق شوقا لكي أصل للمشهد ما قبل الأخير فإذا وصلته عدت أدراجي من حيث بدأت تلقائيا. أما العلاقات التي أعرف أطرافها فقد كنت دائما أمضي معهم فيها بحماسة الحياة دائما قبل أن أصل نقطة النهاية في أي حكاية بقليل. لم يسبق لي أن فكرت بتفسير ما يحدث، حتى إن الأمر لم يكن ليلفت انتباهي ولم أكن أعتبره غريبا، ولماذا أخاف من بلوغ النهايات، فقد كان ما يحدث لي من طبائع الأمور، حتى عشت نهايات حيوات أشخاص أحبهم، فكان أن أصبحت تلك النهايات الحقيقية هي رعبي الذي لا أريد أن يتكرر في حكايات أقل مأساوية من مأساوية موت من أحب. في وقائع الموت الذي واجهته في سنواتي الأخيرة كثيرا وجدتني أحاول تفسير ما يحدث، لعلي أنتظر قليلا لأرى النهاية قبل أن يموت شخص آخر غير من فقدتهم بين يدي. صار واضحا أمامي أننا نعيش في دائرة واسعة جدا، وأن النهايات مجرد نقطة نسبية، فما يراه أحد نهاية يراه آخر بداية، وما كنت أخاف من بلوغه في كتاب أو مسرحية أو فيلم أو حكاية حقيقية، كنت أعيشه وأتجاوزه أحيانا من دون أن أدري، وأن النهايات مجرد كذبة كبيرة، فلا شيء ينتهي بيقين تام، ذلك أن وراء الكواليس أحداثا أخرى في سياق الفيلم، وفي جعبة الكاتب الكثير مما لم يكتبه قبل أن يضع نقطة في نهاية السطر الأخير من الرواية استعدادا للنشر. وأن الحياة أوسع بكثير من مجرد كلمة "ذا إند" على الشاشة!.

1764

| 19 يونيو 2023

الخط الأبيض من الليل: الانحياز للحرية!

هذه رواية الحب المتطرف والكراهية المتطرفة أيضا، رواية الحرية والقيد، والإبداع والادعاء، والأبيض والأسود. صحيح أن الفن ينبع أساسا من منطقة التماس بين المتناقضات، ولكن المبدع الحقيقي هو من يقتنص تلك المسافة الضيقة ويصنع منها خيطا رفيعا يمكن أن يخيط بواسطته شقوق العالم كله. وفي هذه الرواية تحديدا نجد أن مؤلفها قد نجح في تحويل ذلك الخيط إلى خط، وهو ما جعل كثيرا من القراء يقعون في فخ قراءة العنوان الملتبس، والذي يحيل في شكله الأولي الى حديث "الخيط الأبيض من الليل"، ولكنه هنا مجرد خط أبيض على صفحة سوداء تشبه الليل!. في رواية الخط الأبيض من الليل، يتناقض اللونان الأسود والأبيض فيشكلان فيما بينهما خطا واضحا ودقيقا من الإبداع الروائي الخالص والذي استطاع الكاتب خالد النصرالله أن يتعامل معه بحرفية عالية وخبرة كبيرة في الكتابة بمستويات كثيرة. فهذه ليست روايته الأولى، إذ سبقها بروايات ومجموعات قصصية وضعته في مقدمة المبدعين الكويتيين في السنوات الأخيرة، وميزته عن غيره بدأبه الكبير وحرصه الشديد على تفاصيل عمله إذ يظهر ذلك بملامح شخصياته ودقائق أمكنته ومنمنمات سرده الرفيع. في هذه الرواية تحديدا يعيد النصرالله حكاية الحرية من خلال مدقق لغوي نشأ على حب القراءة حتى المرض، ما أوصله لأن يعمل في إدارة المنشورات التي تعنى بمراجعات مخطوطات الكتب قبل السماح بنشرها، بعد التأكد من خلوها من الأفكار والكلمات والعبارات التي يمكنها أن تعكر صفو القائمين على تلك الإدارة، والذين وضعوا كل محظورات الدولة في كراسة تمثل لائحة للمنوعات، بحيث يسمح بنشر كل كتاب ينجو من تدقيق تلك الإدارة، أما من لم تكتب له النجاة فيحال الى مصيره المحتوم، بإعدامه حرقا. عمل المدقق المراقب بتلك المهنة التي جعلته يتماس تماسا مباشرا مع الممنوعات الفكرية والإبداعية، ويحكم عليها وفقا لمدونة الممنوعات الرسمية الماثلة أمامه. ولكن معنى الحرية أوسع بكثير من مجرد رواية وأبعد من ملامح شخصيات تلك الرواية. وبالتالي لا يستطيع هذا المدقق النابه سوى أن ينحاز لها وان كلفه ذلك الكثير. أعتبر نفسي من المحظوظين بقراءة تلك الرواية أكثر من مرة، كان أهمها المرة التي قرأتها فيها كعضو في لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية والتي يطلق عليها عربيا "جائزة البوكر"، ولأنني لا أستطيع إفشاء أسرار اللجنة وهي تتداول في شأن الروايات التي رشحت للقائمة الطويلة ثم للقائمة القصيرة، ورواية الخط الأبيض من الليل، منها، فأنا فقط أشير إلى أنها كانت واحدة من الروايات الإشكالية جدا في ذهنية لجنة التحكيم عموما. وهي فازت بإقبال القراء عليها لاحقا ليس بسبب وصولها الى القائمة القصيرة لتلك الجائزة المهمة وحسب، ولكن أيضا لأنها رواية تمتاز بسر يجعل قارئها في حيرة من مشاعره المتناقضة بعد قراءتها. فهي تسلمه الى التساؤلات الوجودية الكبرى حول الحرية ومعناها وضرورتها في الوجود الإنساني، بأيسر الطرق وأكثرها قدرة على استجلاب المتعة، والتشويق!. ورغم أن كثيرين رأوا في الرواية مبالغة بتوصيف الحظر الإبداعي في الراهن، وأرجعوا مقولات الكاتب الفكرية فيها إلى فترات عانى فيها الفكر الإنساني من المنع والحظر، إلا أن من يعيش عالم الكتابة والنشر، حتى في سياق ما توفره التكنولوجيا من سهولة ويسر ومجانية في نشر كل ما يمكن أن يكتبه الكتاب تقريبا، يشعر بقوة القضية التي تناقشها الرواية وأهميتها إن لم يكن هنا فهناك!. الجميل أن خالد النصر الله وهو الحريص على عدم إفلات خيوط شخصياته، وهي تتحرك في إطار ضيق في الزمان والمكان نسبيا على مدى ما يقرب من 270 صفحة فقط، لم يغفل عن جمال لغته حتى وهو يشرح أعنف القضايا في مجال الكتابة والنشر، فيمضي في سحر اللغة كما مضى مدققه الغريب الذي يميل إلى الروائيين المتمردين ويستعين بمطبعة ورثها عن أبيه، فيصير ملاحقا، تقوده رغبته وهوسه إلى نهاية مفاجئة ومريبة تاركاً خلفه رواية محفورة على جدار مخبئه"، أما خالد النصرالله فقد قادته رغبته في الكتابة وهوسه بالحرية إلى أن يرى يرسم الخط الأبيض من الليل على جدار أسود يلتف حولنا فلا يراه سوى المبدعين!.

1263

| 12 يونيو 2023

من نكون؟ سر الفوتوغرافيا وسحرها!

تسحرني فكرة الصورة الفوتوغرافية دائما، وفي كل مناسبة للتفكر فيها أجدني وقد ازددت حيرة فوق حيرتي. لا أريد التصديق أنها مجرد خيال محبوس على الورق كما هو التعريف التقليدي لها. ذلك أنها أبعد من خيال وأقل من واقع، ومع هذا فما زالت الفكرة ناقصة وستظل هكذا حتى الصورة الأخيرة! قبل أيام طلب مني صحفي كان قد أجرى معي لقاء صحفياً موسعاً مجموعة من صور شخصية لي تمثل مراحل مختلفة من حياتي لتعبر عن تفاصيل إجاباتي على أسئلته المختلفة. قال إنه يحتاج صورة تعود لأيام الطفولة وأخرى من مرحلة المراهقة والمدرسة وثالثة من الجامعة وهكذا وصولا الى أحدث صورة التقطها لي بهاتفه الذكي. وعدته بالعودة للألبومات القديمة بحثا عن الصور المطلوبة. اكتشفت أنني أملك ألبومات كثيرة بأحجام مختلفة،وسرعان ما وجدت ضالتي أو بالأحرى ضالة الصحفي، بسبب اهتمامي القديم بتنظيم تلك الألبومات وتوثيقها وتأريخها. أخرجت الصور المطلوبة ورتبتها وفقا لتاريخ كل منها، لتصويرها بهاتفي ثم إعادتها للألبومات، لكنني قبل أن أفعل ذلك وجدتني غارقة في نهر الصور الذي تدفق فجأة بين يدي. وجوه كثيرة تحاصرني لأخرجها من بين الأضابير ومن تحت رقائق الألبومات الشفافة. أعرف بالتأكيد من الذي اخترع الكاميرا لكنني أجهل مخترع فكرة الفوتوغرافيا وتصويرنا لأنفسنا عبر تجميد لحظاتنا المنتقاة في أوراق لنحتفظ بها دائما. لماذا نفعل ذلك؟ لماذا نحرص على التقاط الصور لنا وخصوصا في المناسبات المختلفة؟ في الاعراس والاعياد وحفلات التخرج وأعياد الميلاد والسفر والنزهات المميزة ؟ ما الذي يغرينا حقا لنحتفظ بملامحنا مبتسمين أو مندهشين أو غاضبين أو عابسين فنعود إليها بعد أن نفترقها لنستعيد مشاعرنا في لحظات التقاط تلك الصور؟ قلبت بعض صوري الكثيرة بدءا من تلك التي تعود لأيام المراهقة، فاكتشفت أنها كلها تقريبا قد التقطت لي في المدرسة. لا أملك صورة واحدة لي في البيت أو مع أي فرد من أفراد عائلتي وأنا في تلك المرحلة من حياتي رغم أنني يومها كنت قد حظيت بآلة تصوير ما زلت احتفظ بها حتى الآن. لماذا لم ألتقط بتلك "الكاميرا" أي صورة لي مع أشقائي أو والدتي مثلا؟ ولماذا بدلا من ذلك أمتلك ألبوما متوسط الحجم يحتوى على العديد من الصور لي مع زميلات وصديقات المرحلتين المتوسطة والثانوية ؟ لم يكن أحد من افراد عائلتي ممن كانوا يعتقدون بحرمة التصوير الفوتوغرافي ولم تكن تلك الفكرة سائدة مجتمعيا في تلك الأيام أساسا، حتى أعيد لها السبب لكن من الواضح ان أوقاتي المدرسية كانت هي أوقاتي الجميلة التي حرصت على توثيقها، وهو ما يعيدني إلى البحث مجددا عن أصل فكرة تجميد لحظاتنا السعيدة غالبا في أوراق الصور قبل أن يظهر اختراع الصور الإلكترونية التي نحتفظ بها في شاشاتنا الصغيرة. في نهر الصور الآخذ بالتدفق بين يدي الآن اكتشفت الكثير من الوجوه الغائبة بالموت أو الفراق لأسباب أخرى. ثم أنني وجدت صورا لوجوه لم أعد أعرفها ولا أدري الآن لماذا احتفظ بها وهل هي تخصني فعلا أم تخص أفرادا آخرين من عائلتي؟ فكرت للحظات أن أتخلص منها بإعدامها حرقا أو تمزيقا، ما دمت لا أعرف أصحابها، لكنني ترددت قبل أن أقرر مواصلة الاحتفاظ بها. فمن يدري؟ لعلها مهمة جدا وأن أسماء أصحابها قد سقطت في الثغرات التي تهدمت بجدار ذاكرتي في السنوات الأخيرة! أعدت الوجوه الغريبة إلى أماكنها في الأظرف والألبومات فشعرت وكأنها تنظر لي بامتنان، ما جعلني ارتاح لقراري وأواصل البحث بين كومة الألبومات عن تفاصيل حياة تشظت بين الصور وعن أسرار لم تستطع فكرة الفوتوغرافيا البوح بها.. مكتفية بما أشاعته من سحر باق!

744

| 05 يونيو 2023

التنوع الثقافي.. لتعارفوا

جمعتني قبل أيام فعالية ثقافية وجدتني محاطة فيها بعدد من السيدات والرجال مختلفي الثقافات والبيئات والعرقيات والديانات والطوائف والجنسيات أيضا. لوهلة فكرت في الأمر بعد أن لفتت نظري إليه صديقة اصطحبتها معي للفعالية، وقبلها لم أكن أنتبه. كنا جميعا مهتمين بأمر يخص الثقافة والنشر، وكان النقاش في مجمله يدور حول ذلك، ولكن كان لتنوعنا الشديد دلالات أكثر من أهمية الموضوع الذي اجتمعنا من أجله وفي سياقه. العالم على اتساعه يبدو صغيرا جدا إن فكرنا بما يجمعنا بدلا من التفكير بما نختلف حوله فيه. أدركت ذلك وأنا أراجع التوصيات التي انتهينا إليها في نهاية الفعالية لتدقيقها بنسختها العربية، في حين كانت زميلة هندية تراجع وتدقق النسخة المكتوبة باللغة الإنجليزية. في عالم يتزايد ترابطه وعولمته، لا يمكن تعريف قيمة التنوع الثقافي بشكل دقيق. ثراء وتنوع الثقافة البشرية دليل على الإبداع والذكاء والمرونة الخاصة بنا كبشر. فمن موسيقى غرب أفريقيا إلى الأدب اللاتيني في أمريكا الجنوبية، ومن فن جنوب آسيا إلى مأكولات الشرق الأوسط، يبدو العالم كمائدة طعام متنوعة الأطباق. وأهمية معرفة التنوع الثقافي والإيمان به ليس مجرد فضول أو تسلية. إنها جانب أساسي من هوية الإنسان بكل زمان ومكان، ومصدر للقوة والإلهام لنا جميعًا. حيث نفتح أنفسنا وعقولنا لأفكار جديدة وطرق مبتكرة لرؤية العالم والتعامل مع مفردات هذا الوجود، فنتعلم على سبيل المثال كيفية تقدير جمال وتعقيد الثقافات المختلفة، ونكتسب فهمًا أعمق لمكانتنا الخاصة فيها. كما أن التنوع الثقافي ضروري لبقاء وازدهار المجتمعات البشرية. فهو يساعدنا على التغلب على الصعوبات التي تواجهنا في هذه المجتمعات كالفقر والنزاعات والصراعات والتدهور البيئي، والمشكلات المتعلقة بالهوية. ويساعدنا أيضا على بناء مجتمعات أكثر صمودًا واستدامة. على سبيل المثال، فإن المعرفة البيئية التقليدية للشعوب الأصلية في جميع أنحاء العالم كانت حاسمة في الحفاظ على التنوع الحيوي ومواجهة التغير المناخي. وبالمثل، فإن تنوع اللغات والممارسات الثقافية ساعدت المجتمعات على التكيف مع التغيرات في الظروف البيئية المختلفة وتطوير حلول مبتكرة للمشاكل المعقدة. ومن المهم أيضا الإيمان بأن تنوعنا كبشر مصدر مهم للإبداع والابتكار. فعندما يجتمع الأشخاص من ثقافات مختلفة، فإنهم يجلبون معهم وجهات نظر فريدة وتجارب وطرق تفكير يمكن أن تلهم بعضهم البعض أفكارًا غير مسبوقة. ويتضح هذا في مجالات متنوعة مثل الأدب والفن، والعلوم، والتكنولوجيا، حيث أدى التعاون الثقافي المتبادل بين البشر دائما إلى اكتشافات وصياغات مبتكرة فيها. لكن على الرغم من إيجابياته المتعددة، فإن التنوع الثقافي لا يحظى دائمًا بالتقدير والاحتفاء الكافي. في كثير من الأحيان، يتمسك الناس بمفاهيم الهوية الصغيرة والثقافة الضيقة، مما يؤدي إلى التحامل والتمييز وحتى العنف الجماعي والحروب بكل أشكالها. والأمثلة على هذا الصعيد كثيرة جدا، ويكفي لأن نتلفت حولنا لنراها. ولهذا السبب، ينبغي تعزيز ثقافة الاحترام والتسامح والشمولية وتدريب الأجيال الجديدة، على الأقل، على الاعتراف بالتنوع كمصدر للقوة وليس كتهديد، والقبول بالمختلف عنا شرط أن يكون ذلك قبولا متبادلا ونديا، ومن دون أن يؤدي الى الانسحاق تحت وطأة الآخر المهيمن أو القوي. وهذا يعني أن علينا أن ندرك أن أحد أسرار خلق هذا الوجود هو ذلك التنوع والاختلاف. قال الله تعالى "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ¶ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ¶ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير). وفي هذه الأيام أحد أهم أسرار الخلق وتفسير الوجود كله.

1650

| 29 مايو 2023

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4245

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1980

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1773

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1431

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1164

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

909

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

747

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

663

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

639

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
أنصاف مثقفين!

حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...

573

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

564

| 07 ديسمبر 2025

أخبار محلية