رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عندما يقترب موسم معارض الكتب، ينتاب القراء وعشاق الثقافة شعورٌ مثيرٌ من الحماس والانتظار، فهذه المعارض تعتبر حدثًا ثقافيًا هامًا، حيث يتوافد الناس للاستمتاع بتجربة فريدة واكتشاف عالم جديد من الكتب والمعرفة، ومن خلال مشاركة دور النشر العربية بأحدث الإصدارات، تصبح هذه المعارض مناسبةً لتعزيز الثقافة وتوسيع آفاق المعرفة في المجتمع، بالإضافة إلى منافع أخرى لا يعرف لذة الانغماس في أجوائها إلا المعتاد على زيارة هذه المعارض دورياً. ومعرض الكتاب حدث سنوي ينتظره الكثيرون بشغف، حيث يُعَدُّ هذا الموسم فرصةً للقراء والمثقفين للوقوف على آخر الإصدارات العربية والعالمية، والتعرف على الكُتّاب والمؤلفين، والمشاركة في العديد من الفعاليات الثقافية المصاحبة، كما أن وجود هذه المعارض يسهم في تعزيز ثقافة القراءة وتشجيع الشباب تحديداً على الاستفادة من الكتب كمصدر رئيس للمعرفة والترفيه. ورغم أن دور النشر العربية تلعب دورًا حيويًا في معارض الكتب في بلدان الخليج، حيث تستغل هذه الفعالية لتسويق وتعريف القراء بأحدث إصداراتها، إلا أن دور النشر المحلية أصبحت تنافس الدور العربية في السنوات الأخيرة وتقدم مجموعات متنوعة من الكتب في مختلف المجالات، بما في ذلك الأدب، العلوم، الفنون، الثقافة، والتاريخ، كما توفر بيئة حيوية للقراء للاطلاع على الكتب واختيار ما يناسب اهتماماتهم ورغباتهم الثقافية. ولأننا نعيش هذه الأيام أجواء ترقب المعارض بدءا من معرض الرياض الدولي بعد أسابيع قليلة وانتهاء بمعرض الدوحة الولي في يناير المقبل مرورا بمعرض الشارقة والكويت الدوليين، فإننا، وكالعادة، نواجه سؤال الاختيار والتوصيات مما يظن فينا خيرا في مجال القراءة والكتابة والنشر. لكن وكالعادة أيضا نفشل دائما في مهمة التوصيات لسبب بسيط وهو أن القراءة ذوق شخصي بامتياز ولا تخضع غالبا للتوصيات الفردية إلا في العموميات، فعندما يختار القراء الكتب من المعارض، يتبعون مجموعة متنوعة من المعايير والاهتمامات الشخصية، وقد يتأثرون بالعناوين المعروضة، والأغلفة الجذابة، أو توصيات الأصدقاء والكتاب والإعلاميين والمؤثرين على هذا الصعيد، بالإضافة إلى المعرفة السابقة بالكتاب أو المؤلفين، فكثيرون يبحثون عن المؤلفين المفضلين لديهم ويسعون للحصول على أحدث أعمالهم، كما يمكن أن يكون لموضوعات معينة تأثير كبير في اختيار القراء للكتب من المعارض. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر معارض الكتب فرصة للتعلم والتثقيف، تقدم العديد من الفعاليات المصاحبة مثل الندوات والمحاضرات وورش العمل فرصة للمشاركة في مناقشات ثقافية وتبادل الأفكار مع الكتاب والمفكرين. يمكن للقراء أن يستفيدوا من هذه الفعاليات من خلال توسيع آفاقهم الثقافية وتطوير مهاراتهم ومعرفتهم. ورغم كل ما تشيعه أجواء المعارض من حماسة نحو الكتب ما زالت تهمة عدم القراءة توجه للشباب في بلداننا العربية رغم أن أكثر رواد تلك المعارض من شريحة الشباب والمراهقين أيضا، بغض النظر عن نوعية اختياراتهم من الكتب، فالمهم في البداية أنهم يتعلقون بهذا العالم الجميل حتى يصبح عادة من عاداتهم الحياتية، وبعدها لابد أن تتطور اختياراتهم وتنمو ذائقتهم بالمزيد من المران على صعيد القراءة. وهو ما لاحظته فعلا من خلال معايشتي لكثيرين من رواد معارض الكتب في العقدين الأخيرين من الشباب والمراهقين الذين بدأوا تجاربهم في القراءة بدايات متواضعة جدا، أثارت استياء الكثيرين، ولكن الدأب على التجربة ارتقى باختياراتهم لاحقا. ولذلك أنا متفائلة جدا لمشهد القراءة في نسختها العربية، وأحد أدلتي على ذلك تكاثر دور النشر العربية، ففي كل معرض جديد أكتشف المزيد من دور النشر الجديدة، وهذا يعني أن قطاع النشر منتعش بفضل الإقبال على القراءة، ومرة أخرى نقول بغض النظر عن نوعية هذه القراءة أو الكتب التي تطبع وتنشر، أو مستواها العام. فالمهم أن الكتاب ما زال بخير.
546
| 18 سبتمبر 2023
في أعقاب زلزال المغرب الأخير بقليل، انتشرت الكثير من الصور المؤلمة والمؤثرة لضحايا الزلزال. جثث متناثرة، ومصابون في كل مكان، وبيوت مهدمة، ودموع ودماء كثيرة. بالإضافة الى لقطات يجتهد الصحفيون والمصورون في استخراجها من سياق الموت والعويل والدماء والدمار وهو السياق المتوقع في أعقاب كل زلزال يضرب مكانا ما في العالم، لتكون من الصور المختلفة والجديدة وغير المتوقعة. هذه المرة كانت الصورة الأولى التي خرجت من السياق في لحظات الزلزال الأولى صورة مراهق يحمل شيئا ما! فقد انتشرت صورة مؤثرة لمراهق خرج من منزله بشكل مفزع هربا من الزلزال وهو لا يرتدي إلا قطعة واحدة من ملابسه الداخليه حافي القدمين، وهذا شيء متوقع ومألوف بالتأكيد، ولكن غير المتوقع أنه كان حاملا بين يديه شيئًا واحدًا فقط، وهو جهاز بلايستيشن للألعاب الإلكترونية. قد يبدو هذا المشهد غريبًا لبعض الأشخاص، خاصة أن معظم من نشر الصورة علق عليها بشكل ساخر، ولكنه في الواقع يكشف عن القيمة التي يعطيها الجيل الحالي لهذه الأشياء، التي ربما لا يرى فيها الكبار ممن غادروا مرحلة المراهقة والشباب إلا نوعا من الجنون الذي ترعرع في البيوت خلسة!. وبعيدا عن المشاهد المؤلمة والمؤثرة التي التقطت في المناطق المتضررة من الزلزال، إلا أن ذلك المشهد العابر كان مختلفا جدا باعتباره واحدا من المشاهد التي تعكس تغيرا حقيقيا في أولويات الشباب وتحولا في تصورهم للأشياء المهمة بالنسبة لهم، فهذا الجهاز الذي لا يعرفه من هو في عمري سوى أنه لعبة يتسلى بها الأطفال والمراهقون، اكتسبت قيمة حقيقية في وجودهم الإنساني، وأصبحت، وفقا للشواهد الكثيرة، تمثل لهم جانبا حقيقيا من جوانب الحياة وليس مجرد مشاهد افتراضية يشاركون في تحريكها على الشاشاة وفق ما يحلو لهم ويساهم بإثارة حماستهم فيما بينهم!. ومن الواضح أن هذا التحول في الأولويات، على صعيد الاهتمامات الترفيهية التي لم تعد مجرد ألعاب وتسال، يعكس تقدمًا تكنولوجيًا هائلاً من جهة، وتأثيرا متعاظمة لتطبيقات التكنولوجيا على حياة الأجيال الجديدة كما ينبغي أن يعيشوا هذه الحياة. فهذا المراهق الذي داهمه الزلزال وهو في بيته، كما بدا واضحا من قطعة الملابس الداخلية التي يرتديها، لم يجد شيئا يستحق أن يشاركه رحلة محاولة النجاة من مخاطر الزلزال سوى جهاز الألعاب، الافتراضية، وهنا تكمن واحدة من مفارقات المشهد. فتلك اللعبة التي نصفها بأنها افتراضية استحقت من وجهة نظر هذا المراهق وقناعته أن تكون وجودا حقيقيا يستحق النجاة من مخاطر الزلزال أكثر من أي شيء آخر كان قادرا على إنقاذه، باعتبارها واحدة من وسائله الخاصة للتعبير الفردي والتطور الشخصي في منافساته مع الآخرين الذين يشاركونه الشغف ذاته واللعب نفسه حول العالم كله!. الأمر ليس تافها إذن وهو ليس مدعاة للتندر والسخرية بقدر ما هو إشارة للجميع ينبغي تلقيها وقراءتها بدقة، لنعرف أن هذا التحول السلس في الأولويات لدى الفرد يعكس مفهوما جديدا للحياة لديه، وهو ما سيجعله يعمل لاحقا وفقا لهذا المفهوم في سبيل تحقيق كل ما يتمناه في هذه الحياة كما يفهمها هو وجيله. ولذا علينا أن نتفهم ونقدر التغيرات التي يشهدها العالم وأولويات الأجيال المختلفة بصورة أخرى تجعلنا لا نرى في صورة الشاب الذي انقذ لعبته من الزلزال صورة لافتة وغريبة في سياقها. وقد يكون من المفيد أن نبذل جهودًا لفهم الاهتمامات والقيم التي يحملها الأفراد في مجتمعنا، وأن نبني جسوراً للتواصل والتفاهم بين الأجيال المختلفة. من خلال ذلك، يمكننا تعزيز روح التسامح والتعايش في المجتمع والاستفادة من التقدم التكنولوجي والثقافي الذي يحققه الجيل الحالي.
837
| 11 سبتمبر 2023
أتساءل عن حجم خسائر الذين فقدوا إيمانهم بالأمل. أتساءل عما إذا كانوا قد أدركوا أخيرا ما خسروه لصالح العدم وحده، ومجانا! وأتساءل أيضا عن جدوى الحياة كلها إن لم يكن الأمل أحد أهم مفرداتها على الإطلاق! في عالم مليء بالتحديات والمشاكل، يبدو أن الأمل كقيمة إنسانية عالية، يتلاشى ويختفي من حياة البشر. يواجه الكثيرون تحديات صعبة وظروفًا قاسية تجعلهم يشكون في إمكانية تحقيق أحلامهم وتحقيق طموحاتهم. ومع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي ذلك إلى فقدان الأمل وانخفاض الإيمان في المستقبل. وفقدان الأمل قد ينجم عن تجارب صعبة ومآس شخصية، مثل فقدان العمل أو المواجهة المستمرة للفشل في تحقيق الأهداف، أو التماس المباشر مع الموت الذي يمتحننا في أقرب الناس إلينا، ولكن هناك أسباب أخرى أكثر شمولية منها الأحداث العالمية المدمرة، كالكوارث الطبيعية، والحروب، والأزمات الاقتصادية، أو حتى الأزمات الصحية العامة وآخرها جائحة كورونا التي اجتاحت الكرة الأرضية بأسرها وعرضت البشرية لتحدٍّ عالمي موحد لقيم إنسانية كثيرة. الخسائر دائما كثيرة على الصعيدين الفردي والجمعي، فعندما يفقد الناس الأمل، يمكن أن يعانوا من عواقب سلبية على صحتهم العقلية والجسدية، فيصابون، على سبيل المثال، بالاكتئاب والقلق وفقدان الثقة في الذات بالإضافة الى فقدان الثقة بالآخرين حولهم وخصوصا من أولئك الذين يقدمون لهم وجبة الأمل باعتبارها الوجبة المنقذة! ذلك أنهم يصبحون عرضة للشعور بالإحباط والتشاؤم، ويمكن أن يعجزوا عن الاستمتاع بالحياة وتحقيق السعادة الشخصية. إن معالجة هذه المشكلة تتطلب توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأفراد الذين يعانون من اليأس. نعم.. يجب أن يكون هناك تركيز على تعزيز الصحة العقلية وتعزيز الإيجابية في حياة الناس. ويمكن تحقيق ذلك من خلال توفير الدعم العاطفي والمشورة، سواء عن طريق الأصدقاء والعائلة أو من خلال المؤسسات الخاصة بالصحة النفسية والاستشارة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون القصص الإلهامية والنماذج الإيجابية مصدرًا للاستلهام والتشجيع. فعندما يرى الخاسرون في تحدي الأمل أمثلة حية للآخرين الذين واجهوا التحديات وتغلبوا عليها فاستعادوا شغفهم بالحياة، سيكونون أكثر استعدادا لإعادة إشعال شرارة الأمل في قلوبهم، وقد تكون التكنولوجيا أيضًا وسيلة فعالة للتواصل وتبادل القصص والخبرات، إذ يمكن للمنصات الاجتماعية والمواقع الإلكترونية أن تكون مساحات للتحفيز والتعبير عما يختلج في النفوس حيث سيجد فيها اليائسون مجتمعات يمكنهم مشاركة قصصهم معها أو مع الذين يمرون بقصص مماثلة، مما يخفف الشعور بالعزلة ويوفر بيئة داعمة للتعافي. والأمل حالة ذهنية وعاطفية تعبر عن الثقة والتفاؤل بأن الأشياء ستتحسن وستتطور في المستقبل. وهي قوة داخلية تدفع الأفراد إلى الاستمرار، حيث يمنح المرء الشعور بالحياة والدافع للسعي نحو تحقيق الأهداف والأحلام. وهو أيضا رد فعل إيجابي يولد الطاقة والتفاؤل، ويمكن أن يؤثر بشكل كبير على الصحة العقلية والجسدية، ويساعدنا على التغلب على الصعاب والمواجهة النفسية، كما يعزز قدرتنا على التكيف مع التحولات والتغيرات المتصاعدة في الحياة، فعندما يكون المرء متحمسًا ومتفائلا بشأن مستقبله، سيعمل بجد لتحويل تلك الأفكار إلى واقع. ولذلك فالأمل كقيمة ليس مجرد أمنية عابرة، أو معالجة نفسية آنية وحسب، بل هو أيضا قوة داخلية تحملنا عبر الأوقات الصعبة على أجنحة الحياة وتعيد إلينا الثقة في أن الحياة قد تحمل لنا أيامًا أفضل في فسحة العيش التي ستكون ضيقة فعلا لولا تلك الفسحة المهمة التي تسمى فسحة الأمل!
1125
| 04 سبتمبر 2023
إلى أي مدى تغلغل مشاهير التواصل الاجتماعي في حياتنا هذه الأيام؟ كيف أصبحوا تدريجيا جزءا لا يتجزأ من يوميات كثير من الأسر؟ لماذا صار ما يروجونه من سلع وأدوات وأزياء ومستحضرات تجميل وعطور وغيرها من الأمور الضرورية وغير الضرورية هي الرائجة، أو «الترند» وفقا للمصطلح الدارج في عوالمهم وحساباتهم بوسائل التواصل الاجتماعي؟ كيف أصبح أبناؤنا، بل كثير منا نحن الكبار، يشعر بالنقص الحقيقي، إن لم يلحق ذلك «الترند» فيشتري مما يروجونه من سلع ربما لا يحتاجها أحيانا وهو يعلم بل ومتأكد أنها لا تستحق السعر الذي يبيعها به هؤلاء مثلا؟ كيف تكونت لهؤلاء المشاهير، وأغلبهم من الفارغين نفسيا وثقافيا، كل هذه الهالة الكبيرة التي تجاوزوا فيها حتى المشاهير القدماء من الممثلين والمغنين والرياضيين على سبيل المثال؟ كيف أصبحوا مشاهير؟ وكيف استحقوا لقب «مؤثرين» فأمعنوا في تأثيرهم السلبي على كل من يتابعهم حتى من دون أن يشعروا بذلك أحيانا؟ ألوان وأضواء وحكايات تافهة ومعلومات مغلوطة ونميمة قميئة وأفكار سقيمة وإشاعات في كل المجالات، واستعراض للخصوصيات وأسرار البيوت، وتفاخر بالثروات والممتلكات والسفرات، وغيرها من أمور كانت الى سنوات قريبة جدا من المحرمات اجتماعيا فأصبحت بوجود هؤلاء «المشاهير» من ضرورات الحياة، يطمح إليها الشباب والفتيات، ويضغطون على أسرهم للوصول إليها. لقد أصبح هؤلاء المشاهير أكثر خطرا مما كنا نتوقعه في بدايات انتشار الظاهرة، بعد أن اكتشفوا أن شهرتهم التي هي رأس مالهم فيما هم عليه، تحتاج المزيد من الانكشاف أمام الآخرين، والمزيد من الانغماس في تصرفاتهم الغريبة في سبيل لفت نظر أكثر عدد ممكن من الناس بعد أن تكاثرت أعدادهم، وأصبحت آلياتهم القديمة في تحقيق الشهرة غير مجدية! وهكذا أصبحنا نرصد المزيد من التصرفات التي تجعلهم دائما في قلب الأحداث اليومية لنا جميعا رغما عنا دائما!. لقد أكد لنا الزخم الإعلامي والشعبي الذي أعقب الحادث المروري المأساوي لإحدى مشاهير التواصل الاجتماعي في الكويت مؤخرا، الحجم الكبير الذي احتلته ظاهرة المشاهير في حياتنا وتأثيرها السيئ من حيث ندري أو لا ندري أحيانا. لقد أودى الحادث، الذي لم تعرف ملابساته بعد، رغم بعد الأخبار غير الرسمية التي انتشرت عنه، بحياة ثلاثة شباب، في حين نجت منه المشهورة التي قبض عليها لاحقا وما زالت في طور التحقيق معها!. مأساوية الحادث لها دور كبير في حجم ما انتشر عنه من أخبار أشغلت المجتمع الكويتي بأكمله، لكن وجود مشهورة يعرفها معظم من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي ضاعف من حجم الحادث إعلاميا وشعبيا، وهو ما يثبت لنا خطورة الدور الذي يضطلع به هؤلاء المشاهير ومدى تأثيرهم علينا جميعا وعلى أبنائنا من المراهقين والمراهقات. لقد هالني مثلا أن الجميع تقريبا يعرف هذه الفتاة، ويعرف دقائق حياتها في كل شيء تقريبا، حتى أنني سمعت أطفالا لا يتعدى أكبرهم التاسعة من عمره يتحدثون عنها بتعاطف شديد لأنها وفق كلامهم، فقدت والدها مؤخرا، وأنها تمر لذلك بظروف نفسية قاسية ولذا فهم متعاطفون معها حتى وهم شبه متأكدين من مسؤوليتها عن الحادث!. بل إن هناك من تعاطف معها، رغم ذلك، فقط لأنها فتاة جميلة ومشهورة ومحبوبة من قبل متابعيها. أما من حملها المسؤولية كاملة وطالب حتى بإعدامها قبل انتهاء التحقيق والمحاكمة، وقبل حتى أن نتأكد من التفاصيل المعلنة، فقد فعل ذلك أيضا لأنها مشهورة ومعروفة وتحظى بجماهيرية بين الكثيرين، وأنها ثرية تعيش حياة بذخ ومساحة واسعة من الحرية الشخصية بما لا يشبه وضع مثيلاتها من الفتيات الكويتيات، ما جعل من ذلك الوضع مدعاة لتجريمها قبل التحقق من الجريمة!. هذا يعني أن شهرة الفتاة أصبحت هي موضوع الحكاية في تفاصيل الحادث، أما الشباب الثلاثة الذين توفاهم الله في ذلك الحادث فليسوا سوى تفصيلة صغيرة في اكتمال المشهد كله للأسف! رحمهم الله.
912
| 28 أغسطس 2023
أثار منشور كتبته الكاتبة أحلام مستغانمي مؤخرا حول رسائل بريدية تحتفظ بها من الشاعر غازي القصيبي، اهتمام كثير من القراء الذين علقوا على منشور مستغانمي في منصة إكس أو تويتر سابقا. قالت صاحبة ذاكرة الجسد في منشورها المثير والذي أرفقته بمقطع فيديو قصير استعرضت فيه أغلفة الرسائل المعنية: «أحتفظ بـ 22 رسالة للدكتور غازي القصيبي رحمه الله، كهدية متأخرة منه. وهدايا أخرى شاعرية أو طريفة أرسلها لي حسب مزاجه العاطفي أو الشعري. أحتفظ بها بما يليق بمعزته لي وثقته بي. في ذكرى رحيله عدت إليها بأسى الفقدان. كان زمن الأحبة النبلاء الكبار مقاما ومشاعر. كان رحمه الله يحتاج أن يقدم أوراق اعتماده يوميا للشعر، من أجل أن يكتب. فيتحرش بالحب أو بالكتّاب من حوله لينازلوه أو يلهموه نصا شعريا. رحمك الله أيها الفريد نبلا.. أفتقدك أيها الكبير». ربط كثير من القراء الذين علقوا على منشورها الطويل نسبيا بين ما كتبته فيه وما سبق أن كتبه القصيبي في رواية العصفورية؛ «هل أخبرتك أني أعرف غادة السمان؟ ولكنني أتجنب مراسلتها لأنها مصابة بعادة خطرة هي نشر كل ما يصلها من رسائل عاطفية»! ويبدو أن هذا الربط جاء في سياق إشارة أحلام لتلك الرسائل التي تملكها بما يشي ولو عرضيا بمضمونها ما اعتبره كثيرون بأنه اقتفاء لخطى غادة السمان التي نشرت رسائل غسان كنفاني لها في كتاب شهير. وحديث الرسائل بين الأدباء والاديبات تحديدا حديث يطول ودائما يأتي محفوفا بإحراجات تبعده من جادة الأدب لتلقي به في مهاوي الأخبار والشائعات، وهو ما جعل كل محاولة لنشر رسائل من هذا النوع مخاطرة حقيقية تواجهها الكاتبة بالذات خاصة أن معظم من أقدم على نشر هذا النوع من الرسائل في تاريخنا الحديث هن النساء وليس الرجال، لأسباب لا تكاد تخفى على من يعرف السياق الاجتماعي العام في ثقافتنا العربية على صعيد التعامل مع المرأة ومع الرجل كل على حدة فيما يتعلق بما يبوحون به عبر الرسائل مهما كان نوعها! فلأن الرجال يحظون بتسامح اجتماعي متوارث في كل ما يبوحون به شعرا ونثرا عبر الرسائل، العاطفية تحديدا، تواجه النساء بترهيب يضطرهن للاحتفاظ ببوحهن في الأدراج السرية. وهذا يعني، وياللمفارقة، أن للنساء وحدهن الحق في الكشف عن تلك الرسائل وعن أصحابها لأن الضرر يقع افتراضيا عليهن وحدهن، وبالتالي فهن من يقررن فتح باب المواجهة مع المجتمع إن أردن الكشف عن محتويات أدراجهن السرية!. ورغم أن أحلام صاغت منشورها بما يشير لعلاقة صداقة بريئة وأخوية بينها وبينه، وهي لم تنشر محتوى الرسائل التي كانت تصلها من لندن حيث كان يقيم القصيبي الى بيروت حيث تقيم هي، إلا أن إشاراتها العرضية للمحتوى كانت كافية للربط بينها وبين غادة السمان من جهة، وبين منشورها وبين امتعاض القصيبي من نشر غادة السمان لرسائل كنفاني، كما ورد على لسان بطل روايته العصفورية من جهة أخرى، وهو ما ضاعف من درجة الإثارة التي حظي بها المنشور وأعاد السؤال القديم والذي سبق أن أثاره كتاب غادة السمان عند صدوره قبل سنوات؛ هل يحق للمرسل إليه أن ينشر على الملأ رسائل خاصة من دون استئذان المرسل أو بعد موته تحديدا؟ وهل شهرة الطرفين أو أحدهما في الكتابة تساهم في التسامح مع فكرة النشر باعتبار أن هذه الرسائل بعد رحيل كاتبها تصبح ملكا لقرائه؟ ستبقى الأسئلة مفتوحة في طريقها للاهمال ما دامت فكرة الرسائل نفسها في طريقها للموت بعد أن سرقت وسائل التواصل الحديث والفوري منها رونقها القديم ومكانتها الأثيرة في النفوس والأدراج السرية.
723
| 21 أغسطس 2023
تعيش كثير من الأسر هذه الأيام اختبارا حقيقيا يواجهونه مع أبنائهم من خريجي الثانوية العامة، يتمثل باختيار الجامعة المناسبة والتخصص المناسب لأبنائهم. تحدثني صديقتي أنها ومنذ أن ظهرت نتيجة ابنها في الثانوية العامة متفوقا وبنسبة تؤهله للدراسة في تخصصات كثيرة، وهي في صراع معه ومع والده وأحيانا مع إخوته وبقية أفراد العائلة من أجداد وجدات وأعمام وعمات وأخوال وخالات، لاختيار التخصص المناسب له. قلت لها ولماذا كل هذا؟ لا تتركون له الخيار ما دام متفوقا؟ وما علاقة كل هؤلاء به؟ أفهم أن يبدوا اقتراحاتهم ونصائحهم، لكن الاختيار له وربما بتدخل أكبر منك أنت ووالده فقط. قالت إنه يريد اختيار تخصص لا نرى أنا ووالده أن له مستقبلا بسوق العمل، وهو ما جعل الصراع يحتدم بيننا فلم نستطع أن نقنعه بخياراتنا ولم يستطع أن يقنعنا بما اختار. ولأنني لم أستطع بدوري أن أقنع صديقتي بأن تترك الخيار لابنها حتى يكون مسؤولا عنه، فقد وجدتني أفكر أن أوجه محاولتي لابنها ومن هم في وضعه! اختيار التخصص الجامعي المناسب هو قرار حيوي يؤثر بشكل كبير على مستقبل الفرد الوظيفي والشخصي. فعندما تقرر التخصص في مجال معين، فإنك تستثمر وقتك وجهودك ومواردك المالية في تطوير مهارات ومعرفة تخصصية محددة. ومن هنا تأتي أهمية اختيار التخصص الجامعي المناسب، فهو يساعدك على تحقيق التوافق بين مهاراتك واهتماماتك وفرص العمل المتاحة. ولا بد من التذكير ببعض النقاط التي تبرز أهمية اختيار التخصص الجامعي المناسب، أهمها تحقيق الرضا الشخصي، فعندما تدرس مجالًا يثير اهتمامك ويتوافق مع شغفك، فإنك تزيد فرصة الاستمتاع بالدراسة وتحقيق النجاح فيها. إن العمل في مجال تخصصك المفضل يمنحك الرضا الشخصي والإشباع الذي لا يمكن أن يحققه عمل لا يتناسب مع اهتماماتك ومهاراتك. كما ينبغي التفكير بفرص العمل والتوظيف بعد الدراسة، ولذلك فاختيار التخصص الصحيح يعتبر مفتاحًا للحصول على فرص العمل المناسبة في المستقبل. فبعض التخصصات تشهد طلبًا متزايدًا في سوق العمل، في حين قد تكون بعض التخصصات أقل توظيفًا. ومن خلال دراسة التوجهات السوقية وفهم احتياجات سوق العمل، يمكنك اختيار تخصص يتماشى مع فرص العمل المتاحة وتوقعات النمو المستقبلية. وما ينبغي الانتباه له تطوير المهارات الخاصة، فكل تخصص جامعي يوفر لك فرصة لاكتساب وتطوير مهارات محددة. واختيار التخصص الصحيح يسمح لك بتطوير قدراتك ومهاراتك الفنية والعملية في المجال الذي ترغب في العمل به. قد تكون هذه المهارات محاسن تميزك عند التنافس على فرص العمل وقد تساهم في نجاحك المستقبلي. والجامعة عادة فرصة لاستكشاف مجالات مختلفة واهتمامات جديدة، لذلك فيمكنك الاستفادة من هذا الوقت لتوسيع آفاقك وتجربة مختلف التخصصات قبل اتخاذ قرار نهائي. لكن هذا الاهتمام الشخصي باختيار التخصص لا ينبغي أن يكون على حساب الرضا الاجتماعي والعائلي، فقد يكون اختيار التخصص المناسب مرتبطًا بتوقعات العائلة والمجتمع المحيط بك. وقد يتعارض اختيار تخصص غير مرغوب به من قبل العائلة مع اهتماماتك ورغباتك الشخصية. ومع ذلك، فإن اتخاذ قرار مستقل يعكس شغفك وقدراتك يمكن أن يؤدي إلى الرضا الاجتماعي والعائلي على المدى الطويل. ولكن لأن اختيار التخصص الجامعي هو قرار شخصي وفريد لكل فرد. ينبغي الاستماع إلى نصائح الآخرين والاستفادة من الخبرات والمعلومات المتاحة، رغم أن الغلبة ستكون دائما للحدس والتمييز الشخصي. أما صديقتي العزيزة فستعجب لاحقا بتخصص ابنها إن أبدع فيه لاحقا لأن العبرة دائما في النتائج والأمهات يعشن نتائج نجاح الأبناء بغض النظر عن نوعه!
1074
| 14 أغسطس 2023
أي ثمن يدفعه اللاجئ أو المهاجر الذي يترك بلده مضطرا أو مختارا ليعيش في بلاد أخرى تفرض عليه قيمها الخاصة في أدق تفاصيل حياته وخصوصا في طريقة تربيته لأطفاله؟ لا شك أنه ثمن باهظ ولا يساوي أحيانا المميزات التي يحصل عليها جراء الهجرة واللجوء في أغلب الأحيان. والمؤلم أن الضحية الذي يحسب أنه نجا بانتقاله إلى بلد آخر، لا يكتشف الحقيقة إلا بعد سنوات من محاولة الاندماج في مجتمعات لا تمت لقيمه الأخلاقية أو الدينية وما نشأ عليه بصلة. فتبدأ المعضلة لدى الجيل الأول وهو يفكر فيما ستؤول إليه أمور الجيل الثاني المتمثل بأبنائه أو الثالث المتمثل بأحفاده. هذا بالتأكيد لا يعني استهانة بأسباب الهجرة واللجوء أو حالة الاضطرار لها في كثير من بلداننا العربية والإسلامية، فأنا أعرف أن المرء لا يضطر لهما غالبا إلا وقد نفد صبره وقدرته على المقاومة في وطنه لأسباب كثيرة. ومع هذا فهو يذهب للغربة محملا بأحلامه المؤجلة لعله يجد بيئة صالحة ليحققها فيها. ورغم أن كثيرا من اللاجئين والمهاجرين قد نجحوا في ذلك، إلا أن هناك الكثير أيضا مما نغص عليهم ذلك النجاح، ومن أهم المنغصات نشوء أبنائهم في بيئة غريبة عما تعودوه ويتمنونه لهم من قيم تربوية وتقاليد مجتمعية خصوصا على صعيد العلاقة بالعائلة، بل إن الثمن الأكبر أحيانا يكون الأبناء أنفسهم الذين تفصلهم السلطات عن أسرهم بحجج كثيرة اتكاء على قوانينها الخاصة على هذا الصعيد. توجع قلبي، على سبيل المثال هذه الأيام، مشاهد الأطفال وهم ينتزعون من أحضان أمهاتهم وآبائهم اللاجئين أو المهاجرين في بعض البلدان الإسكندنافية، لتربيتهم بعيدا عن هؤلاء الأمهات والآباء، بحجة عدم استحقاقهم لذلك، وأنهم غير أمينين على تربيتهم بما يتوافق ومعايير تلك الدول في تربية الأطفال وحقوق الإنسان ككل. الموضوع غريب فعلا بالنسبة لنا نحن الذين لم نعايش التجربة عن قرب، ويكاد لا يصدق لولا أننا نشاهد بعض التقارير الإنسانية التي اشتعلت في السنوات الأخيرة بوسائل التواصل الاجتماعي، وتظهر أمهات وآباء، عربا ومسلمين، ومن دول العالم الثالث أيضا، يشعرون بالندم الشديد على الهجرة أو اللجوء في تلك البلدان البعيدة التي صادرت أطفالهم منهم بحجج مختلفة، وهم الذين تركوا بلدانهم الأصلية في البلاد العربية أو الإسلامية الأخرى بحثا عن مستقبل أفضل لأبنائهم في التعليم والعيش الكريم. رأيت مثلا مقطعا لإحدى الأمهات العراقيات تبكي فيه بحسرة وحرقة على ابنتها التي «صادروها» منها وهي طفلة صغيرة ولم يعيدوها إليها إلا بعد أن كبرت وبلغت الثامنة عشرة من العمر، فاكتشفت الأم أنها لم تعد ابنتها التي تعرفها بل تحولت إلى كائن غريب، بثقافة مختلفة وقيم اجتماعية وتربوية تجاوزت فيها حتى القيم الأسرية المقبولة في المجتمعات الأوروبية التقليدية. رأيت أيضا مقطعا آخر لأب وأم سوريين يبكيان دما بعد «مصادرة أبنائهم منهم ومنعوا من التواصل معهم فقط لأنهم، وفقا للسلطات الاجتماعية في ذلك البلد غير مؤهلين لتربية الأبناء»! أما الحكاية التي أثارت العالم كله خاصة بعد أن حولتها بطلتها إلى كتابة يحكي القصة من البداية للنهاية، فهي لامرأة هندية كانت أكثر شجاعة من غيرها من الأمهات المهاجرات. فرغم أن السلطات في ذلك البلد الإسكندنافي قد صادرت طفليها الصغيرين منها بحجة أنها غير مؤتمنة على تربيتهما بما يناسب المجتمع الجديد، إلا أنها لم تسكت ولم ترضخ للأمر الواقع، حتى بعد أن تركها زوجها، والد الطفلين، خوفا على تأثر ملفه لطلب الجنسية مما تثيره زوجته من زوابع في سبيل استعادة طفليهما. لقد قاتلت تلك المرأة بقوة وبصبر ولم تتصالح مع فكرة أن يتربى فلذتا كبدها بعيدا عنها فقط لأنها كانت تربيهما كما تعتقد أنها التربية الصحيحة كأن تناولهما طعامهما بيدها لا بالشوكة والسكين، أو تسمح لهما بالنوم معها على السرير متدثرين بحنانها، أو غيرها من تصرفات لم تعجب مراقبات الخدمة الاجتماعية. حكايتها مثيرة جدا كما روتها في كتاب تحول لاحقا إلى فيلم وثائقي، يستطيع من يشاهده أن يتأكد من طعم المستقبل المر في تلك البلدان التي يهاجر إليها المضطرون فلا يجدوا سوى أحلام تحقق بمقاسات المكان الجديد واشتراطاته وحسب!
765
| 07 أغسطس 2023
أعرف أن كثيرين مثلي شعروا بالغضب والقرف والاشمئزاز من لقطة تحرش نوعي في مقطع فيديو قصير انتشر في الأيام القليلة الماضية، وفيه يبدو رجل عربي طاعن في السن يتحرش بسيدة أجنبية جلست بالقرب منه، وسط ضحكات الحاضرين من الرجال ومن بينهم مصور المقطع. لا أعرف مناسبة التصوير الذي اقتطع منه هذا المشهد في مجلس رجال خليجي تقليدي، أما السيدة فمن الواضح أنها ضيفة على المكان لهدف ما، فلم نعتد على وجود النساء في مجالس الرجال التقليدية إلا لأسباب معينة وطارئة. لذلك فقد تضاعف حجم المفارقة في فعل تحرش يقوم به مسن ضد سيدة تواجدت في المكان بصورة طارئة، فقد كان من الأولى أن ينضبط المجلس أكثر من المعتاد بوجود الضيوف ومنهم هذه السيدة الأجنبية، وهذا ما اعتدنا عليه في الأحوال والظروف المشابهة، ولكن الغريب أن حركة التحرش القميئة والواضحة والتي بلغت مداها الأعلى قياسا لطبيعة المكان وسن الرجل المتحرش، أثارت ضحك الحاضرين بدلا من غضبهم الشديد، فتحولت الحادثة لمناسبة ترفيهية لهم، إذ ارتفعت ضحكاتهم المستثارة بفعل الواقعة، بل إن بعضهم حاول تبرير الحركة المقززة فصاح قائلا «شيبة.. شيبة»، أي أن الرجل المتحرش كبير بالسن وبالتالي فلا ينبغي لومه على ما أقدم عليه. ويبدو أن مما ساعد على تقبل هذا الأمر المشين واعتباره عنصرا كوميديا في جلسة رجال تقليدية أن السيدة أجنبية، وهذا يعني أن جسدها مباح للآخرين وفقا لعقلية هذا المسن، وأن المرأة التي نشأ على ضرورة حمايتها واتخاذ ما يلزم للمساهمة بسترها، هي المرأة التي تخصه أو تنتمي لثقافته وبيئته وحسب! ما هذا؟ وإلى أين وصل بنا الأمر لنحتفي بمثل هذه التصرفات الغريبة والجديدة عن ثقافتنا العامة وخصوصا في محيط كبار السن، عبر تصويرها ونشر التصوير في وسائل التواصل الاجتماعي؟ لماذا لم يحذف المصور المقطع بدلا من نشره وهو يعلم أن كل ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي لا يستطيع أحد لاحقا التراجع عنه أو شرح ظروف تصويره للمرة الأولى؟ لماذا لم يشتعل غضب الحاضرين ضد هذا المتحرش الوقح بالقدر الذي يناسب حجم فعلته الشنعاء؟. صحيح أن الحدث نفسه جريمة ليس ضد السيدة وحسب بل ضد قيم المجالس العربية وطبيعتها في التعامل مع النساء عموما، وهو أيضا ضد قيمة العائلة التي تحتفي بالمسنين وتراهم رمزا للحكمة والمحافظة والأخلاق، وتقدمهم باعتبارهم أمثلة حية لما يمكن أن تتعلمه الأجيال الجديدة من القيم الموروثة. الغريب أنني قرأت كثيرا من التعليقات على المقطع حيث نشر مرات كثيرة، يبرر فيها أصحابها، في كل مرة، ما حدث أيضا وكأنه مجرد نكتة ينبغي أن نضحك عليها ونمررها لأنها لا تستحق النقاش أو الانتقاد، فهي مجرد نكتة عابرة، وبعضهم لام الضحية التي سمحت لنفسها أن تجلس في مجلس الرجال، رغم أن من الواضح أنها مدعوة ولهدف معين أو على الأقل هم يعلمون مسبقا بوجودها وقد سمحوا لها بذلك ورحبوا فيها بينهم، و لكن تبرير التحرش بها فقط لأنها سيدة تتواجد في مكان غير مخصص لها تقليديا، ينبغي أن يتيح لهؤلاء الرجال أن يتحولوا إلى وحوش للاعتداء على جسدها والحط من كرامتها، أما الفريق الثالث من المتعاطفين مع الجاني ضد الضحية فقد قللوا من حجم ما حدث لأنها أجنبية وليست عربية أو مسلمة، وأن هذا الأمر من المعتاد في الغرب! وبالتالي فلا يجب أن يكون رد الفعل عليه مثل رد الفعل على التحرش بسيدة عربية أو مسلمة، أما أغرب تبرير غير مباشر فهو أن المقطع هدفه الشهرة والمشاهدات ولا ينبغي أن نحمله أكثر مما يحتمل!، لكن من الواضح أننا لم نعد نحتمل أكثر مما احتملنا حتى الآن مما تقذفه في وجوهنا يوميا وسائل التواصل الاجتماعي من انحدار تجاوز كل الحدود ولا ندري متى أو كيف سيقف.
1044
| 31 يوليو 2023
فوجئت ببعض الردود المسفهة لتغريدة كتبتها ونشرتها في حسابي على منصة تويتر قبل أيام تعليقا على خبر يتعلق بالطاهي التركي الشهير بوراك. صحيح أنني أتلقى الكثير من الردود الخارجة أحيانا عن منطق التعليق السريع في تويتر منذ أن عرفت عالم وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنني لا أكف عن الدهشة من شغف بعض المتابعين بمحاولة تسفيه كل ما لا يعجبه أو ما لا يفهمه أو حتى ما لا يهمه. لكنه على أية حال عالم وسائل التواصل الاجتماعي الغريب، والذي يمكننا أن نعتبره بيئة لدراسة السلوك البشري بأسرع الطرق وأيسرها!. يقول الخبر الذي تناقلته بعض الصحف ووكالات الأنباء إن بوراك رفع قضية على والده يتهمه فيها ببيع جميع المطاعم التي يمتلكها الابن في تركيا وخارج تركيا، وانه بوراك لم يعد يملك ولو مطعما واحدا يحمل اسمه الشهير في عالم المطاعم العالمية. تساءلت في تغريدتي إن كان الأمر يبدو طبيعيا وأن من المقبول أن يرفع الابن قضية على والده، متهما إياه بالاحتيال عليه وسلبه ممتلكاته من المطاعم، أم إن سلوكا كهذا من الابن يمكننا إدراجه في باب العقوق، من دون أن أبدي رأيي الشخصي، لأنني أردت أن أكون محايدة وموضوعية لضمان الحصول على آراء غير متأثرة بصيغة السؤال. ورغم أن معظم الردود انحازت الى بوراك وتعاطفت معه، باعتبار ان الأب المحتال هو العاق في هذه الحالة، مع أننا جميعا لا نعرف تفاصيل الخبر على وجه اليقين، وأن ما نشر لا يكاد يشي إلا بالقليل من المعلومات، إلا أن هناك فئة فضلت أن تلوم الابن على موقفه وتصفه بالعقوق، مستندة الى مكانة الوالدين العليا وفقا لتعاليم الدين الإسلامي، وأن الابن في الإسلام هو وماله لأبيه، فما قيمة مطاعم أو محلات أمام رضا الوالدين؟ وما تساوي مثل هذه الأمور الدنيوية مقارنة لها بالحالة الإيمانية التي وضعها الإسلام معيارا لعلاقة الآباء بالأبناء، بل إنه يفرض على الابن وفقا لهذه المعيارية الإيمانية أن يعامل الأبناء آباءهم بالحسنى حتى وإن كانوا مشركين!. من الواضح أنني اردت أن أتخذ من ذلك الخبر، الذي قد يبدو عابرا في مسار الاخبار الكبيرة الكثيرة التي تحيط بنا أفرادا ودولا هذه الأيام، مثالا على ما يحيط بعلاقة الأبناء بالآباء من تحديات كبيرة، تستحق أن نعيد النظر فيها بين فترة وأخرى، وأن نحاول أن نعيد ترتيب الأولويات في تلك العلاقة وفقا لمعطيات كثيرة، إلا أن هناك من رأى في الموضوع كله مجرد تفاهة لا تليق أن ينشغل بها أحد يدعي أنه مهتم بالقضايا الكبرى. وفي هذا التسفيه لقضايا من هذا النوع يكمن جانب كبير من سبب المشكلة أو المشاكل العائلية، وهو تجاهلها بحجة أنها تافهة أو أنها محسومة مسبقا. وهذا غير دقيق. صحيح أننا ننتمي لثقافة إنسانية وإسلامية تجل مكانة الوالدين وتضعهما في المقام الأعلى في سلم العلاقات الإنسانية التي يملكها المرء إلا أن هذا غير كاف في ظل واقع معقد أضفى على العلاقات بين البشر المزيد من التعقيد، ولا بد من نقاشات مستمرة تستثمر فيها كل النماذج الحية في علاقات الآباء بالأبناء. ورغم أننا لن نصل لنتائج حاسمة على هذا الصعيد ككل مرة نناقش فيها قضايا إنسانية تبدو فيها كل حالة مختلفة عن الأخرى، إلا أن النقاشات المستمرة ستصل بنا الى مساحة من التفاهم والتوافق على أن لكل حالة خصوصيتها، وأننا لا يمكن أن نخضعها للنتائج الجماعية النهائية، وأن تلك النتائج النهائية التي وصلتنا عبر الزمن بهيئة نصائح أو تعاليم دينية أو غيرها يمكن كسرها في تلك الحالات الخاصة. الموضوع كله نقاش يبدأ ولا ينتهي، لأنه يتجدد مع كل حالة جديدة يمكن أن نتخذها نموذجا جيدا للنقاش. وبالتالي لا ينبغي لأحد أن يصفه بالتفاهة لمجرد أنه يتعلق بطاهٍ شهير تنتشر مطاعمه الفخمة في مدن كثيرة وسط ملايين الجياع حول العالم.
1155
| 24 يوليو 2023
.. ورحل الكائن الذي لا تحتمل خفته. المواطن العالمي الذي كانت حياته، في الواقع وفي الكتابة أيضا اختبارا ناجحا لتحدي ثنائية الجنسية والوطن. رحل قبل أيام ميلان كونديرا، الكاتب التشيكي الفرنسي الشهير بانشغالاته الفلسفية والوجودية، في الثالث عشر من يوليو الجاري عن عمر يناهز الرابعة والتسعين عامًا تاركا وراءه إرثا من الأفكار الحية، والتي لا يمكن أن تموت ما بقي الإنسان منشغلا بهويته وكينونته على هذه الأرض. بدأت مسيرة كونديرا الأدبية في الخمسينيات من القرن الماضي بالشعر وبعد ذلك بالمسرح. ولكن المفارقة أن الرواية هي التي جعلت منه الكاتب ذائع الصيت العالم كله. ومن أبرزها: «المزحة» و»كتاب الضحك والنسيان» و»خفة الكائن الذي لا تحتمل» و»الهوية»، و»الحياة في مكان آخر»، وغيرها من العناوين التي تشي بالمعنى الذي بقي يلاحقه الكاتب عبر الكلمات منذ أن وعى قوتها وسحرها على البشر. تميز أسلوب كونديرا في الكتابة بعمقه الفكري وأبعاده الفلسفية التي كان يعبر عنها بسهولة امتنعت على كثير من أصحاب الرؤى الفلسفية العميقة. وغالبًا ما استكشفت رواياته طبيعة الوجود البشري، وتعقيد العلاقات الإنسانية، وتأثير الاضطرابات السياسية والاجتماعية على الأفراد. لقد كان بارعًا في الشكل الأدبي الذي اختاره ليكون وعاءه الفكري، حيث استخدم مجموعة من التقنيات لنقل أفكاره عبر الرواية، بما في ذلك تعدد الرواة، في مزيج من الحقيقة والخيال. وربما يتفق معظم قراء كونديرا على أن رواية «الكائن الذي لا تحمل خفته» هي أكثر أعمال كونديرا شهرة، وهي الرواية التي قادتني وكثيرين مثلي إلى استكشاف موضوعات شائكة تراوحت ما بين الحب والجسد والسياسة ومعنى الحياة على خلفية قراءته الدقيقة لأحداث ربيع براغ في العام 1968، وهي الرواية التي كما يبدو قذفت به إلى غربته الطويلة بعيدا عن وطن لا يسامح! فقد طرد يومها من الحزب الشيوعي لتشيكوسلوفاكيا وكان السبب المباشر والمعلن للطرد انتقاداته للتدخل السوفياتي في بلاده، وبعدها جُرد من جنسيته وحظرت أعماله من التداول، وبعدها بسنوات أجبر على الهجرة إلى فرنسا في العام 1975، حيث عاش بقية حياته إلى أن رحل أخيرا قبل أيام بعد أن تحول إلى مواطن عالمي لم يفضل العودة إلى وطنه بعد انتهاء الشيوعية في العام 1989. بالإضافة إلى إنجازاته الأدبية، كان كونديرا موسيقيًا بارعاً ولم يفقد شغفه بالموسيقى الذي ترجمه بهيئة مقالات نشرها في أكثر من مطبوعة، حتى ليظن المتابع لما يكتبه هذا الكائن المرهف أنه لو لم يكن روائيا لكان قائدا موسيقيا يلوح بعصاته الصغيرة ما يرسم فيه لوحة للعالم المتخيل في رأسه. تُرجمت أعمال كونديرا إلى أكثر من أربعين لغة، وهو ما ساهم بتكوين تصور عام عنه باعتباره مواطنا عالميا يستلهم شخصياته من ألم الإنسان بغض النظر عن جنسه أو جنسيته أو ثقافته أو بيئته أو دينه. وعندما اضطر كونديرا للبدء من جديد ككاتب يكتب بلغة أجنبية، بعد أن هجر إلى فرنسا، لم يجد صعوبة كبيرة في التأقلم مع وضعه الجديد ولغته الجديدة، ذلك أن قضيته لم تختلف باختلاف اللغة وأفكاره لم تتبدل بتبدل المكان، بل إن المنفى سمح له باستكشاف موضوعات الغربة والهوية وتجربة العيش بين عالمين في كتاباته. ربما كان أحد أهم تأثيرات نفي كونديرا على كتاباته هو الطريقة التي سمحت له بتطوير أسلوبه الأدبي الفريد. سمحت الكتابة بالفرنسية لكونديرا بتجربة تقنيات السرد وأنماط الكتابة المختلفة التي ربما لم يتمكن من استكشافها باللغة التشيكية. كما أنه اعتمد على التقاليد الأدبية الفرنسية، حيث قام بدمج عناصر من الأدب والفلسفة الفرنسية في كتاباته. كما سمح له المنفى بالكتابة بحرية أكبر وانفتاح أوسع حول القضايا السياسية والاجتماعية، فأصبحت كتاباته سياسية بشكل أكثر صراحة، وتمكن من استكشاف تعقيدات الحياة في ظل الشيوعية بطريقة لم تكن ممكنة لو بقي في وطنه آنذاك، ولعله يريد شيئا من ذلك المعنى عندما قال؛ «إن الروايات تمنحنا فرصة للهروب الخيالي من حياة لم تكن تمنحنا أي إحساس بالرضا»!
1077
| 17 يوليو 2023
تحدث مدون مطاعم سعودي، في مقابلة أجريت معه وبثت قبل أسبوعين تقريبا عبر منصة يوتيوب، عن الفرق بين المطاعم الكويتية والمطاعم السعودية في السنوات الأخيرة وفقاً لمعايير معينة، وأثناء حديثه قال إن الكويتيين لا ينفقون على المطاعم المحلية في بلادهم إلا بقدر محسوب، وليس كما ينفق السعوديون الذين يبالغون كثيرا في ذلك. وبغض النظر عن صحة المعلومة أو عدم صحتها، التي حاول قائلها تفسيرها اجتماعيا واقتصاديا وفق معرفته بهذا النوع من الممارسات في البلدين، فإنها كانت كافية لإشعال شرارة «معركة ذات المطاعم» بين الطرفين إذ اجتهد كل فريق منهم بتبيان أنه الأكثر إنفاقا على شراء الأكل، وأن مطاعم بلده أفضل من مطاعم بلد الفريق الآخر. صحيح أن بداية مساهمات الفريقين في المعركة كانت على سبيل التفكه والنكتة إلا أن بعضهم انحرف لاحقا فكان جادا في ما يقول ويكتب للدرجة التي استدعى فيها معطيات أخرى للعلاقة بين البلدين في محاولة للانتصار لرأيه معتقدا أن ذلك جزء من الدفاع عن وطنه وكرم مواطنيه. وقبل أن تحسم نتيجة النقاش بين الاثنين، وجدنا أنفسنا نحن المتابعين المندهشين مما يحدث بعد أن انقلب الهزل جداً، في خضم معركة أخرى من ذوات المطاعم، وهذه المرة بين المصريين واللبنانيين، وكانت شرارتها صورة لمائدة فطور عيد الأضحى المبارك في أحد المطاعم اللبنانية. كانت معظم محتويات المائدة عبارة عن لحوم نيئة أي أنها محضرة بلا طبخ كما هو معروف في المطبخ اللبناني التقليدي، ولأن معظم التعليقات المسيئة لتلك المائدة كتبها في وسائل التواصل الاجتماعي مصريون مشمئزون من شكل اللحم النيء على مائدة الطعام، فقد احتدمت الحرب بين الفريقين، وكل منهما يقول إن مطبخه هو الألذ وأطباقه هي الأشهى وبالتالي فمطاعمه هي الأنجح. ورغم طرافة المعركتين مقارنة بمعارك حقيقية تجري حاليا إلا أن دلالاتهما ليست بتلك الطرافة أو البساطة، ومن خلالها نستطيع أن نستقرئ مشهدا من مشاهد حياتنا الاستهلاكية شبه القاتلة. فالحياة الاستهلاكية المعاصرة نمط حياة يتميز بالاعتماد الشديد على المنتجات الاستهلاكية والخدمات، التي يتم شراؤها واستخدامها بشكل يومي. وتشمل هذه المنتجات والخدمات الملابس والأغذية والمشروبات والأجهزة الإلكترونية والسفر والترفيه وغيرها. ويعتبر التغيير في نمط الحياة الاستهلاكية المعاصرة من أهم التحولات الاجتماعية التي شهدتها البشرية في العقود الأخيرة، حيث أصبح الناس يقضون معظم وقتهم في المطاعم والمقاهي، بدلاً من التمتع بتناول الطعام في بيوتهم. ومن الواضح أن هذا الأسلوب الحياتي يتطلب إنفاق مبالغ كبيرة على الطعام، فعلى الرغم من أننا نمتلك القدرة على طهي الطعام في المنزل، على سبيل المثال، إلا أن الكثيرين يفضلون إنفاق مبالغ كبيرة في المطاعم، رغم عدم حاجتهم إلى ذلك، والغريب أن ذلك تحول، إلى معيار من معايير تقييم المجتمع في نمطه العصري ومدى تعبيره عن ذلك النمط. فرغم أن أنواع الأطباق وأسلوب الطهي ومقدار الإنفاق عليها كانت دائما من معطيات ثقافة أي مجتمع من المجتمعات إلا أن الحياة الاستهلاكية الجديدة، المعروضة شرطا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمعرضة بالنتيجة للمقارنة مع ما يعرضه الآخرون أصبحت نوعا من الادعاء الثقافي والاقتصادي الجديد. وهكذا تحول الطعام من كونه غذاء للجسد والصحة إلى عنصر للتباهي والإثارة بالشكل والمقدار وقيمة الإنفاق عليه. في حديث مدون المطاعم السعودي الذي تسبب ب «معركة ذات المطاعم» جانب من الإثارة التي خلقتها الحياة الاستهلاكية الجديدة، وكان من الممكن أن تكون موضوعا لنقاش من نوع آخر يتعلق بقيمة تحولات هذه الحياة ونتائجها المتوقعة علينا كلنا نحن المستهلكين، لكنها تلاشت في غبار المعركة التي لم تحسم بعد للأسف!.
1029
| 10 يوليو 2023
ليس تبريراً للعنف، ولا تشجيعاً عليه في أي مكان في العالم، ولكن كان على فرنسا أن تتوقع أنها ستجني، عاجلاً أم آجلاً، بعض الثمار المرة لسياساتها التي لم تنته في العمق، رغم أن الاستعمار انتهى منذ زمن طويل بعد أن دفعت الجزائر مليون شهيد من أبنائها في سبيل استقلالها. صحيح أن سبب العنف الذي ما زال مستمرا منذ أسبوع تقريبا في العاصمة الفرنسية باريس وبعض المدن الأخرى اندلع بسبب حادث فردي عندما قتل شاب فرنسي من أصل جزائري يبلغ السابعة عشرة من عمره على يد رجل أمن فرنسي في الشارع، إلا أن ردود الفعل تعدت الحادث الفردي لتشمل تاريخاً كاملاً من العلاقة الدموية ما بين فرنسا والجزائر، ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً من مجرد عنف يقوده المهاجرون والمجنسون والفرنسيون من أصول جزائرية وأفريقية وأقليات أخرى مهمشة ردا على مقتل الشاب البريء. فالحرائق التي يشعلها هؤلاء في كل باريس هذه الأيام ليست سوى قبس من نار تشتعل في صدورهم بسبب ما يواجهونه من عنصرية فرنسية عبرت عن نفسها دائما بصياغات مختلفة وصور عديدة رغم الادعاء بعكس ذلك ومحاولات إخفاء ملامحها البشعة بأطنان من مساحيق الزينة العصرية وإخفاء رائحتها النتنة بقناني العطور الفاخرة. وما حدث ويحدث في فرنسا يمكن أن يحدث لذات الأسباب في بلدان أخرى تزدهر فيها العنصرية، ذلك أن معظم النار من مستصغر الشرر، والحوادث الفردية كثيرة، وإن استطاعت حكومة ما تجاوز إحداها لسبب أو آخر فإن هذا لن يستمر في النفوس المكتنزة بشعور الظلم والهوان طويلا. وهو ما يجعل البشر حاليا في اختبار إنساني حقيقي، فهم إما أن ينحازوا لمعناهم الإنساني الفطري وصولاً إلى العدالة والمساواة بين البشر، وإما أن يعززوا عنصريتهم ويبحثوا عما يغذيها وينميها في نفوسهم ومجتمعاتهم ما يهدد السلم كله بحروب لا تنتهي!. وعودة الى الحالة الفرنسية الحاضرة أمامنا الآن في ما نشاهده بكل وسائل الإعلام، كنموذج متكرر لثمار العنصرية المرة، نجد أن بعض العنصريين العرب على سبيل المثال منحازون للخطاب الرسمي الفرنسي، وكأن العنصرية التي يمارسونها ليل نهار في بلدانهم العربية، كل على حدة، ضد آخرين يقيمون معهم أو يشاركونهم في المواطنة غير كافية فقرروا أن يجعلوا من عنصريتهم عابرة للقارات والمحيطات، فهم يبررون قتل الشاب ذي الأصول الجزائرية على يد الشرطة الفرنسية بأن ذلك من حق الشرطة ما دامت فرنسا قد تفضلت عليه أو على أهله بالجنسية الفرنسية، ويضعون اللوم على الضحية ومجتمعها العرقي أو الديني، فيقفزون لنتيجة الشارع متجاهلين الأسباب التي أدت إلى ما يحدث عمداً! بل إنني قرأت تغريدات لبعضهم تحض على قتل المزيد من المهاجرين أو طردهم وإعادتهم قسرا إلى بلدانهم الأصلية، ما داموا مستمرين في التعبير عن غضبهم تجاه سياسات التمييز التي تمارس ضدهم، فما دامت فرنسا قد أنعمت عليهم بالمواطنة بعد هروبهم من بلدانهم الأصلية نتيجة فقر أو قهر أو بحث عن حرية، عليهم أن يقبلوا بفتات ما ترميه لهم فرنسا ويوافقوا على أن يكونوا مجرد ديكور لتكملة صورة ديمقراطيتها المدعاة. وهذا هو العجب العجاب من هؤلاء العرب! ستخفت نيران الاحتجاجات خلال الساعات أو الأيام القليلة المقبلة، وفقا لتوقعات المراقبين، ولكنها على أية حال ستخلف وراءها رمادا لابد أنه سيشوه صورة باريس باعتبارها عاصمة الفنون والآداب والموضة والتنوع الثقافي التاريخي، فلا قيمة لهذا كله أمام دم شاب بريء ذهب ضحية عنصرية تتفاقم في شوارعها!. @saadiahmufarreh saadia111@hotmail.com
1152
| 03 يوليو 2023
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4791
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3483
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2865
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2670
| 16 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2595
| 21 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1434
| 21 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1407
| 16 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1038
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
963
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
837
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
807
| 17 أكتوبر 2025
في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...
765
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية