رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د.طه عبدالرحمن مكرماً في الدوحة بين الثغر والمرابطة

سعدت كثيراً بتكريم جائزة الدوحة للكتاب العربي‬ في دورتها التأسيسية للفيلسوف والمفكر العربي المغربي الكبير د. طه عبدالرحمن، على هامش تكريمه، رفقة نخبة من المفكرين العرب الآخرين. ‬‏في كل حواراتي معه ومع السيدة الجليلة حرمه، خلال الأيام الثلاثة المخصصة لفعالية التكريم وإطلاق الجائزة، كانت غزة هي موضوع الحديث. في واحدة من تلك الحوارات التي ألفتها رغم أنني كنت أراه عليه للمرة الأولى في حياتي، أبديت له إعجابي الشديد بمقاله عن طوفان الأقصى الذي نشر في موقع الجزيرة قبل شهرين تقريباً، فلمعت عينه بدمعة متأبية ثم ارتجفت يده التي كانت يحمل بها كتابين في تلك اللحظة. صمت قليلاً قبل أنه يقول بصوت هامس وكأنه يعتذر؛ إنه جهد المقل جداً وربما المقصر. ثم أردف: أعمل حاليا على كتابة مقال آخر أستكمل به حديثي عن غزة وطوفانها، وسينشر قريباً بإذن الله. في الندوة الرئيسة لفعالية إطلاق الجائزة تحدث طه عبد الرحمن مع تسعة من المفكرين الأجلاء الآخرين المكرمين على جهودهم كل في مجال عطائه العلمي، حيث خصص الجزء الأكبر من كلمته، التي كان ينبغي أن يتحدث فيها عن إنجازاته الفكرية، للحديث أيضا عما يحدث في غزة وربط ذلك بفكرته الفلسفية العامة والتي انطلق منها لفهم الحياة منذ هزيمة العرب الكبرى في العام 1967، باعتبارها المحفز الذي دفعه إلى عالم الفلسفة، وصولاً إلى ثنائية “الثغر والمرابطة”، إذ ربط العلاقة بين طرفي هذه الثنائية بكل ما حدث ويحدث للأمة العربية حتى الآن! وفي معظم كتب طه عبدالرحمن مثل “تجديد المنهج في تقويم التراث”، “الحق العربي في الاختلاف الفلسفي”، “الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري”، “روح الحداثة: المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية”، “روح الدين: من ضيق العَلمانية إلى سعة الائتمانية”، و”ثغور المرابطة: مقاربة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية” تتجلى فكرة تطبيق الفلسفة العامة على راهن الأمة استشرافاً لمستقبلها، وهو ما ميز هذا الفيلسوف الذي عاش ثمانين حولاً قضى معظمها في البحث عن المعنى العام للحياة من نافذة المقاربات والمقارنات المستمرة، ما بين الماضي والحاضر والتراث والحداثة، وهو ما جعل أثره الفكري والفلسفي يتجاوز محيط اللغة العربية إلى آفاق واسعة خارج خريطة العرب. واشتهرت لصاحب فكرة ثغور المرابطة المعنوية مقولات عن خطورة التطبيع مع الصهاينة، على هامش العدوان الأخير والمستمر على غزة منها قوله: «لولا التطبيع ما أقدمت دولة الاحتلال على ما أقدمت عليه، ولو أن الدول المطبعة اتخذت موقفا لتوقفت تلك الهجمات الإجرامية”، و “تخاذل الأمة يدمي القلب، خاصة تخاذل المثقفين”، و “أعتبر أن عددا كبيرا من المثقفين قد خانوا الأمانة وخانوا الثقافة”.! أما أكثر تفسيراته الفلسفية لطوفان الأقصى إثارة فهو قوله: «أن السياق الفلسطيني لطوفان الأقصى يفتح على السياق الإنساني من جانبين على الأقل؛ أحدهما، أن هذا الطوفان فيه من طوفان نوح عليه السلام نصيب، وهو «استئصال الشر من الأرض»، بحيث يتهيأ بفضله الإنسان من حيث هو كذلك ليتلقى قيما جديدة؛ والثاني أن «الأقصى» فيه من إسراء محمد عليه الصلاة والسلام نصيب، وهو «التحرر من قيود المادة»؛ فيكون «الأقصى» أو قل «المَسرى» آية دالة على تعميم القيم الجديدة على البشرية جمعاء، بحيث لا يحدُّها أي اعتبار مادي». وهو بهذا يتوسع بالفكرة من حدودها الجغرافية إلى واقعها الإنساني الأشمل والأوسع والأعمق. شكراً لجائزة الدوحة للكتاب العربي التي استحضرت هذه القامة العلمية الكبيرة وتسعة آخرين كلهم يستحقون الحفاوة والاهتمام، ليكونوا سفراء الجائزة الكبيرة بانطلاقتها الأولى، كمبادرة رفيعة المستوى تضاف إلى سجل المبادرات الثقافية الجليلة من قلب الدوحة إلى فضاء العالم.

894

| 11 مارس 2024

الذكريات وقوداً..

أي سر تحمله الذكريات لتكون وقودنا الذاتي لإكمال الرحلة وإن عبر طريق مختلف عن الطرق القديمة في خريطة الحياة؟ لم أنتبه لتلك القوة الكامنة في ذكرياتي قبل أن أكتشف قليلا من أسرارها الكثيرة وأنا أحاول الإحاطة بها عبر الاسترجاع وحده. كلما استعدت موقفاً أو حكاية أو حتى وجهاً قديماً من بين أضابير الذاكرة ليكون موضوع حديث حي مع أحدهم، بادرني باقتراح حاضر ؛ اكتبيها.. اكتبي قبل أن تنسي، وأنا أعرف أنني أنسى فعلاً، وأنني أضعت الكثير من كنوز ذاكرتي الجميلة في سنوات العمر المتصرم. وأن ما أتذكره على سبيل الحكاية أحيانا ليس سوى القليل جدا من هوامش كثيرة تذيل الحكايات الكبرى. ومع هذا ما زلت أقاوم بشدة فكرة كتابة ما تبقى في قعر الذاكرة ليكون نواة لسيرة ذاتية أعرف أنني وإن كتبتها فلن أنشرها أبداً. أعرف أن كتابة الذكريات تعد واحدة من الأعمال الأدبية التي تسمح للناس، على اختلاف ثقافاتهم ومستواهم، بتوثيق تجاربهم كما ينظرون إليها بعد مرور بعض الوقت، أي بعد أن تتعرض لاختبار الزمن وامتحان البشر، فتتصفى بعد أن تتخلص من شوائبها ولا يبقى فيها سوى ما يمكن سبكه بالكتابة. قراءاتي في كتب السير الذاتية (وهي على أية حال من أمتع قراءاتي)، كيوميات أو مذكرات أو تجارب مختلفة في الحياة، تثبت أن الصعوبة تتجاوز الكتابة لتمتد إلى القراءة أيضا، فما يظن الكاتب أنه نجح بإخفائه عن إدراك معظم القراء سرعان ما ينكشف بذاته بكلمة أو جملة أو عنوان! وقد يعتقد بعضنا أن كتابة الذكريات محصورة في المشاهير أو الكتاب المحترفين، ولكن الحقيقة أن الجميع يمكنه أن تكون له قصة ملهمة تستحق السرد، وتجربة خاصة في التوثيق وهو ما يجعلها رحلة شخصية تأخذنا في دوامة لا نهائية لاستكشاف الماضي وتسجيله بطريقة فريدة تعبر عما كون شخصياتنا كل على حدة، بغض النظر عما إذا كانت النية الأولية للنشر موجودة أم لا، فإن كتابة من هذا النوع الحميم تمنحنا فرصة للتعبير عن أنفسنا وتوثيق ماضينا بعيدا عن العواطف الآنية، والقصص، بتعبير الجاحظ، ملقاة في طريق البشر ولكن من ينتبه من أولئك الذين يظنون أن الأحداث العادية والتفاصيل الصغيرة ليست ذات قيمة في كتابة الذكريات، أنها تمثل جزءًا هامًا من التجربة الشخصية وحكاية الذات كلها.وتدوين الذكريات بكل تفاصيلها يسمح لنا بإعادة تجربة الأحداث والأماكن والأشخاص في عقولنا، ويعزز واقعية السرد بما جعلنا نستعيد الشعور بالمشاعر والتفاصيل التي رافقت تلك اللحظات. كما أنه يساعدنا في الحفاظ على الذكريات وعدم فقدانها مع مرور الوقت، حيث يمكن أن تتلاشى الذكريات مع التقدم في العمر وتغير الظروف.أما عندما نقرأ ذكريات الآخرين، فإننا نتحصل على علاقة فريدة مع تجاربهم، وهو ما يؤهلها لأن تكون الذكريات وقودًا ذاتيًا لاستكمال الرحلة المكتوبة لنا في الحياة. هل ما أكتبه الآن إذن محاولة للبدء بالكتابة؟ أم هو تبرير فاشل لعجز متوقع عندما تحين اللحظة المناسبة؟ لا أدري.. لكنني سأقنع نفسي على الأقل أن كثيرا مما كتبته في حياتي» شعرا ونثرا» إنما هو محاولات غير واعية تماما على سبيل تجربة الكتابة الذاتية، وإن بدا الأمر أحيانا بعيدا عن الذاتية. ولعبة المراوغة على أية حال هي إحدى أجمل الألعاب التي يمارسها الكاتب مع الكلمات عندما يريد أن يقول ولا يقول!

669

| 04 مارس 2024

هل أنت سعيد حقا؟!

لفت انتباهي إصرارها على التصريح، بلا مناسبة أحيانا، بأنها سعيدة جدا في حياتها، حتى أنها تخشى حسد الآخرين أو ربما غيرتهم مما ترفل به من السعادة، ومع هذا فقد كانت تبشر بسعادتها كل من اقترب منها وإن عرضاً. قالت لي في بداية جلسة استشارة كتابية طلبتها مني، إن السعادة هي مكافأة نهاية العمر التي حصلت عليها أخيرا، بعد أن مرت بتجارب مريرة في حياتها المتقلبة والتي عاشتها في أكثر من بلد، وكل مرة بتجربة مختلفة تماما في الثقافة والاهتمام والعمل. حسنا.. أنا سعيدة لأجلك أيضا، قلت لها ذلك مع خالص تمنياتي بدوام السعادة في حياتها. لكنني لم أرَ السعادة التي كانت تحدثني، كما تحدث غيري عنها، هذا هو لقائي الثالث معها، مع كثير من المكالمات الهاتفية، فأين هي السعادة يا ترى في امرأة لا أرى منها سوى هامش من حكاية منسية تعيد حكايتها كلما اكتشفت مستمعا جديدا في حلقة الناس حولها؟ عندما قرأت القصة القصيرة التي كتبتها في تجربة جديدة من تجاربها الكثيرة قلت لها إنها كاتبة موهوبة فعلا، وإن قصتها لا تحتاج سوى القليل من التدقيق اللغوي وربما عليها أن تفكر بإعادة صياغة ختامها.. اقترحت عليها جملة للختام لكنها رفضت، قالت إن الجملة المقترحة تبدو حزينة بعض الشيء، وهي امرأة سعيدة جدا، لا يجب أن يقترب الحزن مما تكتب! هل هي سعيدة جدا فعلا؟ لست متأكدة ولم يعد يعنيني الأمر، لأنني أعرف أن السعادة نسبية.. جميعنا تقريبا يعرف هذا، ويعرف ان يكون المرء سعيدا لسبب ما لا يعني أن هذا السبب سيسعد غيره أيضا، لكننا لحسن الحظ نستطيع الوصول الى تعريف مشترك يمكننا أن نوافق عليه جميعا من دون الخوض في تفاصيل كل سعادة فردية على حدة، نستطيع مثلا أن نقول إن السعادة حالة شعور إيجابية وشاملة للرضا والسرور والراحة النفسية، أما اختلافنا في تعريفاتها التطبيقية فيرجع إلى الاختلافات الفردية والثقافية والاجتماعية لكل منا. قد يرى بعض الأشخاص السعادة كمشاعر فرح فردية تحدث نتيجة تحقيق أهداف شخصية أو امتلاك أشياء مادية، في حين يرى آخرون السعادة حالة من السلام الداخلي أو القناعة والرضا أو العلاقات الاجتماعية الجيدة، أو العيش في محيط أسري دافئ.. أو التكامل مع شخص آخر في علاقة حب.. مثلا! ورغم أننا نعرف أن الكثير من العوامل التي يجعلنا الحصول عليها أو عيشها أو ممارستها سعداء، ورغم أننا نستطيع بالتجربة ومضي العمر تحديد تلك العوامل، إلا أن هذا لا يعني أننا سنكون دائما قادرين على الحصول عليها، إن لم نقرر ذلك بإرادة قوية وحرة، فتحقيق السعادة عملية شخصية تتطلب توازنًا بين الاحتياجات والرغبات الشخصية والعوامل الخارجية. قد يتضمن ذلك اتخاذ قرارات صحية وإيجابية، أو تطوير علاقتنا الاجتماعية التي نحبها، وممارسة النشاطات التي تستمتع بها، وربما العمل نحو تحقيق الأهداف الشخصية والمهنية، والتعامل بإيجابية مع التحديات والضغوطات الحياتية. هل يكفي ذلك؟ في حالات قليلة نعم يكفي، لكن معظم البشر يكتشفون وهم يطلعون على تجارب غيرهم أن مهمة الوصول الى قمة جبل السعادة عملية على بساطتها البادية عملية خاصة جدا، وعلى كل امرئ أن يكتشف الطريق السري الخاص به وهو يتسلق الجبل وحيدا.. وإن كان محاطا بالناس من حوله، قويا، وإن كان واهن العظم والعضلات، واعيا وإن غفا أحيانا على وسادة الأحلام المستحيلة.. لا يكفي أن يراك الآخرون في تلك الصورة التقليدية للسعادة كما ترسمها الأغاني والأفلام العاطفية، ولا يكفي أن تصل إلى الصفحة الأخيرة من القصة حيث ينتصر الأخيار على الأشرار بالضرورة.. عندما انتهت جلستنا في ذلك اليوم غادرتني وهي ترسم ابتسامة عريضة على وجهها الجميل.. كانت غارقة في أسى لا يكاد يخفى على من عاش الأسى عمره كله!

777

| 26 فبراير 2024

نعم.. لا تأكلها!

«هذه المسرحية تمت للواقع بصلة، وأي تشابه بين الشخصيات والواقع هو تشابه مقصود وليس صدفة فنية بحتة. آن الأوان لنواجه أنفسنا بالحقيقة.. أنت أحد أبطال هذه المسرحية، ابحث عن نفسك بينهم..». بهذه العبارات المباشرة قدم «فريق روى المسرحي» النسائي في الكويت لمسرحيته الجديدة «لا تأكلها»، وكأنه يريد أن يكسر الحاجز الوهمي ما بين العرض والمشاهد في فضاء المسرح. ذهبت قبل يومين لعرض المسرحية التي خصص جزء من ريعها لدعم إخواننا في غزة، ففوجئت قبل العرض بالأجواء التي سخرت كلها لهذا الهدف النبيل. المنظمات يرتدين الكوفية الفلسطينية، وأعلام فلسطين والكويت ترفرف في كل مكان حول المسرح. ورغم أن العرض مدته ساعة واحدة فقط، إلا أننا عشنا الحدث المتنوع، بديكوراته البسيطة والموحية بأبعاد النص، والتنويعات الإخراجية التي اعتمدت على الإضاءة الذكية والغناء والاستعراضات الجميلة، بمدة بدت لنا أطول من الساعة بكثير. وبلا ملل. فالأحداث متلاحقة والحركة سريعة، والمؤثرات الصوتية لعبت دورا كبيرا في لعبة التشويق. النص كتبته شاباتان هما آمنة الربيع وسارة المطيري، وهما اللتان تولتا مهمة الإخراج أيضا، وهذا ساهم بصنع تناغم جميل ما بين مقولات النص وتنفيذه على الخشبة بطريقة سلسة، وإن عانت قليلا من التشويش، وعدم الوصول الى المشاهد بسرعة، خاصة وأن المسرحية تنتمي كما بدا لي للمسرح التجريبي، وهو مسرح صعب بالنسبة لفرقة شابة كل أعضائها من الهواة. لكن اعتماد النص على فكرة تدور حول الوطن الذي يريد الجميع أن يأكله حياً عبر الفكر الوصولي، كما يتناهش الكيكة اللذيذة من حولها! ولأن المسرحية نسائية بالكامل، تأليفا وإخراجا وغناء وتمثيلا وإنتاجا.. وكل شيء تقريبا، فقد كان الأمر أكثر صعوبة في التنفيذ. وهو ما جعل من الأدوار الرجالية هي الحلقة الأضعف في التمثيل، فالفتيات لم يسبق لهن التعاطي مع أدوار رجالية مفرطة في ذكوريتها وفقا للنص المكتوب. وهو ما خلق ثغرة في منتصف المسرحية بعد دخول الشخصيات الرجالية، ساهمت بتحويل النص الى كوميديا غير مقصودة لذاتها في تلك المشاهد تحديدا. لكن المعالجة الموسيقية الذكية والتي اعتمدت على مؤثرات بدأت بنصوص شعرية ومسرحية وغنائية أيضا نجحت قليلا في انكشاف العرض التمثيلي. فقد بدأت المسرحية بفضاء مفتوح على «كيكة ضخمة» توسطت المسرح مع توالي مقاطع صوتية شعرية ومسرحية للشاعر محمود درويش والشاعرة د. سعاد الصباح (بصوت الباحثة ألطاف المطيري)، والفنان دريد لحام وأصوات وقصائد ومقاطع أخرى لم أميزها، في لحظتها، ولا أتذكرها الآن خاصة بغياب هاتفي الذي اعتدت تدوين كل شيء في دفتر ملاحظاته عندما أحضر عرضا مسرحيا، فهذه هي المرة الأولى في حياتي التي أحضر فيها مسرحية تحجز فيها هواتف الجمهور قبل الدخول لأن معظم المشاركات محجبات ولا يصح تصويرهن في العرض بلا حجاب. ورغم أن الفكرة هنا اعتمدت على التناص الحي ما بين هذه المقاطع المسجلة والمسرحية المعروض أمامنا مباشرة، إلا أن الربط بين الاثنين شابه بعض الخلط والتشويش بسبب الاعتماد على أفكار كثيرة في عرض ضيق جدا. أما التمثيل فعدا عن الشخصيات الرجالية كان متفوقا إلى حد مدهش، وبالذات الفتاة التي قدمت دور «صمود»، إذ بدت لي وكأنها ممثلة محترفة بتعبيراتها ورشاقة خطواتها المدروسة على الخشبة، وتنويعاتها الأدائية. وجارتها أيضا في الأداء بعض الفتيات الأخريات، ومنهن الفتاة التي قدمت معظم دورها في القاعة بعيدا عن خشبة المسرح ونجحت في ربط الخشبة بالجمهور أولا، ثم في إشغال الجمهور عن الخشبة أثناء تغيير قطع الديكور ثانيا، وإن كنت أرى أن استخدام عبارات تقليدية مثل (الفئران قادمة.. احموا الناس من الطاعون)، كان استخداما مستهلكا، ولا يناسب مسرحية تجريبية في كل مقولاتها. بقى أن أحيي هذه الفرقة المسرحية النسائية الشابة والتي قدمت لنا نموذجا لمسرح راق وجميل، ونجحت في تحشيد جمهور نسائي كبير ملأ المسرح عن آخره، وسخرت ذلك كله ليس فقط للقضية التي تناقشها المسرحية، بل لقضية أخرى تجرى فصولها في غزة الآن بالتضامن والتحفيز والتعريف أيضا.

1074

| 19 فبراير 2024

الحرب مرة أخرى..!

رغم أنه سؤال عادي جدا في خضم الأسئلة التي تصلني دائما عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلا أنني توقفت عنده قليلا قبل أن أحاول الرد. أحب الأسئلة التي تباغتني وتجعلني في حيرة من أمري وأنا أبحث في زوايا الأفكار عن الإجابة. أشعر بانتماء عتيق لعلامة السؤال بشكلها المميز ونقطتها الصغيرة المعلقة في ذيلها كفكرة خبيئة، فأعلقها كأيقونة في خواء روحي كلما فكرت بالرحلة الطويلة في الحياة، واستمر بعدها في خطواتي على مسار منحناها الجميل! تقول المتابعة في سؤالها الذي ألحقته بواحدة من تدويناتي الأخيرة في منصة إكس عما يحدث في تويتر: «متى تعودين للكتابة عن الشعر والأدب والكتب؟ لماذا تأخذك السياسة عنا نحن الذين أحببناك في عوالم الكتابة؟». من الواضح أن المتابعة تشعر بالملل من تدويناتي المستمرة عن غزة والقضية الفلسطينية عموما منذ السابع من أكتوبر الماضي، أو أنها بدأت مرحلة الاعتياد على ما يحدث فأصبح كل ما يكتب عنه مجرد تكرار. أعرف أن من حقها بصفتها قارئة متابعة لكتاباتي كما يبدو، توجيه سؤال كهذا، ولكنني نفرت من السؤال حتى لا أقول أنني شعرت بالغضب منه. اعترف أنني أصبحت أكرر كتاباتي وأفكاري وأنا أرى المشاهد تتكرر يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة. كل شيء في غزة يحيلني إليها وإلى الموت فيها. حتى الحلم بتحررها يقتلني عشرات المرات في اليوم الواحد وأنا أعيشه عجزا مستمرا. الموت متشابه في أرض غزة، ومشاعرنا توحدت وتجمدت فيها حتى تشابهت الكلمات أيضا. لكن الصمت أكثر سوءا من تكرار كل ما يقال، وإن في وصف الموت الساكن في العيون المندهشة. أعرف أن كتاباتنا عن مأساة غزة هذه الأيام لا تفعل شيئا حقيقيا، لا تنجي ولا تنقذ ولا تطعم ولا تداوي ولا تسقي، ولكنها على الأقل لا تجعلنا صامتين حيث يسعنا الكلام والكتابة والإشارة الى ما ينبغي الإشارة له. ومن يدري؟ لعلها تربت قليلا على جموع الصابرين بانتظار الفرج! لكنني لا أكتب في السياسة، قلت لها، وأنا أعرف أنها تعني كتاباتي عن غزة تحديدا فأنا تقريبا لا أكتب عن غيرها منذ شهور في حساباتي على التواصل الاجتماعي، أما وقد صار الحديث عن المآسي والحروب والشهداء والمصابين والمهجرين والجائعين والعطاشى والضائعين في خضم الموت، سياسة، فهذا مما يمكن أن يثير عجبي. هل يمكننا حقاً أن ننفصل عن السياسة ونحن نتحدث عن المآسي حولنا؟ السياسيون هم السبب الأول لتلك المآسي، هم الذي يخلقون المشاكل، ويخططون لسرقة الأوطان، ويرسمون الخرائط الجديدة قبل أن تبدأ جيوشهم بالاحتلالات وبعدها أيضا. هم الذين يحسبون الجثث والمصابين ويتباهون بالأرقام كلما زادت، وهم الذين يشاهدون الحروب على الشاشات أمامهم وكأنهم يتفرجون على أفلام عاطفية. السياسيون الذين يريدون إقناعنا أننا لا نستطيع العيش بدونهم هم سبب البلاء في كل ما حدث ويحدث. لكنهم على أية حال يبقون هم موضوعنا المفضل ونحن نحاول الانتصار لضحاياهم. وها هي غزة الشاهد الأخير، الموجع جدا، على وقاحتهم وهو يقتلون القتيل ويمشون في جنازته، بثيابهم الأنيقة وابتساماتهم الباردة وكلماتهم التي يحاولون فيها إقناع الضحية بأنه الجاني وإقناع المجني عليه بأنه القاتل. يدوسون على الدماء التي تسيل تحت أقدامهم وهم في الطريق الى اجتماعاتهم لتدبيج البيانات في الشجب والاستنكار والتنديد، وخلط الأوراق لضمان كتابتها من جديد. قلت لمتابعتي الملول أنني لا أكتب عن السياسة، لكنني أكتب عن ضحاياها وقد انحازت لاحتلال صهيوني غاشم، أما الشعر والأدب والثقافة فهي كل هذا.. أحيانا!

735

| 12 فبراير 2024

الصحافة.. الفكرة الحية دائماً

السؤال المتجدد هذه الأيام؛ هل صحيح أن الصحافة ماتت؟ أو على الأقل تحتضر؟ وأن الناس لم يعودوا بحاجتها كما كانوا في السابق؟ وأن على الصحفيين إن كانوا يريدون العيش أن يبحثوا عن مهن أخرى بدلا من الموت جوعا ضحايا للورق والحبر والمطبعة؟ أكرر في كل دورة أقدمها عن فنون الكتابة الصحفية، أن الصحافة فكرة والأفكار لا تموت، وأنها خبر ورأي والناس يحتاجون للأخبار كما يحتاجون للتعبير عن آرائهم دائما وأبدا، ولذلك فالصحافة باقية، حتى وإن تغيرت وسائلها، واختفى الحبر والورق والمطبعة. هناك دائما أفكار جديدة لمعرفة الأخبار والتعبير عن الآراء، وعلينا بالتالي الكف عن القول بأن الصحافة ماتت، وأنها تركت مكانها ومكانتها لوسائل التواصل الاجتماعي. فحتى تلك الوسائل الجديدة لا يمكنها أن تستمر بلا أفكار وأخبار وآراء وبالتالي فهي وجه جديد للصحافة. وفي الدورة الأخيرة التي قدمتها قبل أسبوع تقريبا بتنظيم وضيافة أكاديمية الأدب في رابطة الأدباء الكويتية، اكتشفت أن كثيرين يتفقون معي في الرأي حتى في جيل الشباب الذي لم يعتد على قراءة الصحف الورقية اليومية كما اعتدنا نحن. الدورة كانت بعنوان «كيف تكتب مقالة»، وهالني في البداية العدد الكبير الذي اشترك فيها، حيث اقترب من الخمسين من مختلف الشرائح والفئات وهو عدد كبير بالنسبة للدورات التي أقدمها في فن الصحافة عادة. لكن من الواضح أن السبب يعود للإعداد الجيد للدورة من قبل أكاديمية الأدب والقائمين عليها في رابطة الأدباء، بالإضافة لشغف الناس المتقد بفكرة الصحافة والكتابة، وخصوصا بعد أن أصبح الجميع تقريبا يستطيع أن يمارس المهنة، من منزله، أو بالأحرى من هاتفه الصغير! لكن الخبرة والتدريب هما المحك الحقيقي للصحفي واختبار الجودة بالإضافة الى المعرفة. ولأنها كانت دورتي الأولى عن فن من فنون الكتابة الصحفية تحديدا، بعد توقف غير قصير، انشغلت فيه بتقديم دورات الكتابة الإبداعية، فقد بدأت الدورة بسؤال المتدربين عن آخر مرة لمسوا فيها جريدة ورقية، وعن مصادرهم لمعرفة الأخبار والآراء في حياتهم اليومية. وكما توقعت وتتوقعون أنتم أيضا، كانت النتيجة. نعم.. معظمكم ومعظمهم لم يلمس صحيفة ورقية منذ أربع أو خمس سنوات، وأنهم صاروا يعتمدون الآن على وسائل التواصل الاجتماعي للاطلاع على الأخبار وأيضا قراءة المقالات. وقال أحدهم إنه ما زال مشتركا بإحدى الصحف، والصحيفة تصل إلى الصندوق المثبت بجانب باب بيته في موعدها اليومي المعتاد منذ سنوات طويلة، لكنه للأسف لا يفتح الصندوق إلا بعد أن يمتلئ بالأعداد، فيفرغه ويتخلص مما فيه، ويعود لقراءة الصحف في مواقعها الإلكترونية. وهكذا كلنا تقريبا، ما زلنا نقرأ الصحف، وما زلنا مخلصين للخبر والرأي ولكن الذي تغير هو الوسيلة فقط. أما وسائل التواصل الاجتماعي فعلى الرغم من انتشارها ومجانيتها وسرعتها في التوصيل وكثرتها وتنوعها وقوة أثرها المفترض في توجيه الرأي العام وتكوينه أيضا، ليست سوى صدى للصحافة التقليدية، ذات المصادر الحقيقية، فهي غالبا ما تنقل عنها، أو تستلهم أفكارها، ولذلك لا يمكن أن تكون صحافة مستقلة بذاتها، كما لا يمكن للصحافة التقليدية أن تمضي قدما من دون أن تعتمد على إمكانياتها وسائل التواصل الجديدة في الوصول السريع الى المتلقي. انتهت دورتنا التي استغرقت منا تسع ساعات موزعة على ثلاثة أيام، وتجدد فيها شغفنا القديم لفنون الكتابة الصحفية وتأكدنا أنه لا خوف حقيقيا على الصحافة كفكرة وكمعنى وكهدف أيضا، وما كنا نقرؤه على الورق في السابق وصرنا نقرؤه الآن على الشاشات الصغيرة لهواتفنا، سنقرؤه في الغد عبر وسائل وطرق أخرى بالتأكيد.

582

| 05 فبراير 2024

انكشاف تاريخي موثق!

لا أفهم خيبة الأمل التي رأيتها في ردود فعل كثيرين من مناصري القضية الفلسطينية بعد صدور حكم محكمة العدل الدولية بالقضية التي رفعتها جنوب افريقيا على اسرائيل قبل أيام. هل كانوا ينتظرون مثلا ان المحكمة ستحكم بزوال هذا الكيان المسمى «إسرائيل» من على وجه الأرض؟ أم إنها ستحكم بإلقاء الصهاينة في بحر غزة؟ هل كانوا يتوقعون أن كل أحلامنا بتحرير فلسطين ستتحقق فجأة وبجلسة واحدة لمحكمة العدل الدولية؟ المحكمة لم تصدر حكمها على الدعوة الأساسية بعد، وربما سيتطلب الأمر شهوراً أو حتى سنوات قبل أن يصدر الحكم النهائي، وستكون حكومة الكيان طوال هذه الشهور أو السنوات متهمة رسمياً ودائماً أمام المجتمع الدولي حتى وإن استمرت في عدوانها، وسيعيش أنصارها في كل مكان بشك دائما تجاهها ككيان وكوجود وكسياسة أيضا. ويكفي أن الخطوة التي أقدمت عليها حكومة جنوب أفريقيا برفع الدعوى على دولة الاحتل دعوة غير مسبوقة لجهة اتهامها بجريمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، ويكفي أن المحكمة أخذت الدعوى على محمل الجد لأقصى حد ممكن رغم ضغوطات الدول الكبرى الداعمة للاحتلال الصهيوني وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني أن الحكومة الإسرائيلية حتى لو نجت في النهاية من الأحكام التي نتمناها تكون قد مرت بأطول وأوثق مرحلة انكشاف تاريخي رسمي عالمي موثق لكل جرائمها تاريخيا في فلسطين. ثم إن الحكم الذي صدر قبل أيام كان يتعلق بالشق العاجل من الدعوى فقط، وهو المتعلق بمطالبة الاحتلال باتخاذ كافة التدابير التي نصت عليها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. وهذا وفقا لمعظم القراءات القانونية أتى لصالح فلسطين والمقاومة الفلسطينية في غزة، ولا أدل على ذلك وتوكيده أفضل من بيان المقاومة الذي أصدرته فور صدور الحكم، إذ قالت المقاومة في بيانها إنها «ترحب بقرار محكمة العدل الدولية الذي أثبت الاتهام لكيان الاحتلال بتهمة الإبادة الجماعية، ويطالب فيه جيش الاحتلال بحماية المدنيين ورفع الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة واحترام واجباته كقوة احتلال في إطار القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني». وشددت على أن «القرار يعني إيقاف أشكال العدوان كافة على شعبنا الفلسطيني في غزة». ولأن المحكمة قالت في حكمها الذي أصدرته بأغلبية ساحقة إن على إسرائيل أن تتخذ كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، فهذا يعني أنها أكدت بشكل لا لبس فيه على اعتبار ما ترتكبه إسرائيل في غزة إبادة جماعية، وأنها تقر بحق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال هذه الإبادة، وأن الشروط متوفرة لفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل، وأن على إسرائيل الالتزام بتجنب كل ما يتعلق بالقتل والاعتداء والتدمير بحق سكان غزة، وأن تضمن توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة في القطاع بشكل فوري، ووفقا للحكم يتعين على حكومة الاحتلال أن ترفع تقريرا إلى المحكمة في غضون شهر بشأن كل التدابير المؤقتة. لطالما نظرت اسرائيل للمجتمع الدولي نظرة دونية ضاربة بكل القرارات الأممية عرض الحائط ودائما بمساندة أمريكا ومعظم أوروبا، ولطالما اعتبرت اسرائيل نفسها فوق كل قانون، لكن الوضع اختلف هذه المرة خاصة وان الدعوة رفعتها دولة جنوب افريقيا وليس دولة عربية، ما يعني تأكيدا إضافيا على أن فلسطين في وجدان العالم كله وأنها ليست قضية إقليمية بخلفية جغرافية وثقافية ودينية معينة. ثم من قال إن المقاومة على أرض غزة كانت نتنتطر أو تتوقع مساراً كهذا المسار القضائي المفاجئ؟ ما زالت المعركة مستمرة، وخطوة جنوب أفريقيا أتت هدية مفاجئة لم يكن يتوقعها أشد المناصرين للقضية تفاؤلاً بدور دولي في الحل.. فلماذا الشعور بالخيبة؟.

465

| 29 يناير 2024

حكايات النساء بمتحف هيا

لماذا احتاج الناس للمتاحف الوطنية حتى أصبحت أحد أهم عناصر الثقافات وحواضنها بما تحتويه من مقتنيات متنوعة؟ علاوة على أنها موارد ثمينة للتعليم والبحث والترفيه، حيث يمكن لزوارها استكشاف الماضي والاستمتاع بتجارب تعليمية وتثقيفية من خلال التعاطي المباشر معها، فهي أيضا خزائن سحر مفتوحة للذكريات المعتقة، حيث تلامس وجداننا بالكثير من مشاعر الشجن والحنين. في الوقت الذي كانت البيوت الخليجية، في سبعينيات القرن الماضي، تحاول أن تنزع عنها أثوابها التقليدية القديمة وترتدي الأزياء الحديثة العابقة برائحة النفط والثروة في كل شيء تقريبا، كان هناك من يحاول أن يستبقي بعض العبق الأثير في خزائن السحر المعتق زاداً للمستقبل. لم نكن نعلم أن الزمن سيمضي في غمضة عين، وأن ما كان عبئاً علينا وعلى بيوتنا القديمة سيكون ذات يوم آت تذكرة المستقبل كله. قبل سنوات قليلة كانت السيدة هيا العجمي تحاول استبقاء ما فر من دفاتر الأيام العتيقة، وتسترجع ذكريات الماضي بمفرداته وأدواته وأزيائه وأوراقه الصفراء المهترئة وكل ما علق بالذاكرة من ذلك الماضي المضمخ بالحنين، فبدأت بجمع كل ما استطاعت جمعه من مقتنيات شخصية من بيت عائلتها ثم بيوت الصديقات والمعارف قبل أن تنتقل للمرحلة الثانية بشراء كل تستطيع الوصول إليه من داخل وخارج الكويت من مقتنيات عتيقة. عندما وجدت هيا أن باستطاعتها رسم ملامح الماضي بما تبقى لها من ذكريات عقدت النية وأعدت العدة لتبدأ مشروعها الثقافي التراثي التاريخي النادر. قررت أن تقتطع جزءا من بيتها ليكون متحفاً باسم؛ متحف بيت هيا الذي أصبح أحد معالم مدينة الجهراء في الكويت منذ افتتاحه في عام 2021. وهيا.. السيدة التي تنتمي لبيئة بدوية محافظة ما زالت تعيش ما تبقى لها من طيوف البداوة على هامش المدنية المعاصرة لم تكن لتنجح في مشروعها الكبير، كأول امرأة كويتية تؤسس متحفا، لولا أنها تملك إرادة حديدية ساعدتها في إقناع أسرتها بالمشروع الذي يعتبر الأول من نوعه في الكويت. واليوم أصبح الحلم حقيقة، وتحولت الحكايات إلى واقع ترويه كل محتويات المتحف الأنيق. قطع أثاث وأدوات زينة وأوان منزلية وكتب مدرسية، بالإضافة إلى أزياء نسائية منوعة وقطع من السدو ومفروشات تقليدية ومطرزات أنيقة بنقشات تراثية ومشغولات يدوية أنيقة تكاد تنطق بتعب أيادي النساء اللواتي اشتغلن بها لتصبح جزءا من التاريخ من دون أن يكون ذلك في مخططاتهن عندما عملن بها. عندما كنت أقلب تلك الأشياء بين يدي وأتلمسها بأصابعي، أثناء زيارتي للمتحف قبل أيام، كنت أغالب عبرتي التي فاجأتني مجللة بذكريات طفولتي بين حكايات الأفراح والأحزان. تاريخ شبه مسكوت عنه لنساء البادية وقد تحولن من الصحراء إلى المدينة فجأة فوجدن أنفسهن أمام تحدٍ جديد وكبير وعليهن اجتيازه؛ أن ينجحن في التحول وأن يكنَّ على قدر ما فرضته عليهن المدينة ذات البيوت المغلقة من مصاعب. نجحت نساء البادية في التحول السلس واجتزن التحدي الكبير من دون أن يلتفت إلى نجاحاتهن الكبيرة تلك أحد ممن حولهن، لأسباب تتعلق بطبيعة المدن العامة غالبا. عندما أخذتني راعية المتحف وصاحبته في جولة سريعة بين أروقته، برفقة بنات شقيقها المدركات لجمال المهمة وسحرها، للوقوف على كل محتوياته لم تكن تعلم أنها كانت تأخذني إلى ذاتي التي نسيتها هناك على حافة بدايات الثمانينيات من القرن العشرين منطلقة نحو مستقبل غامض! كانت هيا تشرح لي بأسلوبها الشفيف وكلماتها المفعمة بعبق اللهجة العجمية الساحرة، تفاصيل كل قطعة ومن أين حصلت عليها وكم كلفها الأمر من جهد ومال، وكنت أفكر لحظتها بتفاصيل حياتي ومحطاتها المهمة وكم كلفني الأمر من جهد ومشاعر لا لأصل، ولكن لأستمر في الرحلة! شكراً هيا.. فما كنت لأعيش تلك التجربة الثرية لولا متحف بيتك الأنيق.

951

| 22 يناير 2024

درس جنوب أفريقيا العظيم

الدرس العظيم قدمته دولة جنوب أفريقيا‬ يوم الخميس الماضي على لسان رئيسها سيريل رامافوزا: «لم أشعر قطّ بالفخر الذي أشعر به اليوم. ‏يقول البعض إن الخطوة التي اتخذناها محفوفة بالمخاطر، نحن بلد صغير ولدينا اقتصاد صغير، قد يهاجموننا، لكننا سنظل متمسكين بمبادئنا. ولن نكون أحراراً ما لم يتحرر الشعب الفلسطيني». وهذا درس نادر على صعيد العلاقات بين الدول ولكنه ليس كذلك بالنسبة للنضالات الوطنية. ولجنوب أفريقيا تاريخ مشرف في النضال ضد واحد من أبشع الأنظمة العنصرية في التاريخ، إذ خاضت معركتها على مدى عقود من الزمن مستخدمة كل الوسائل والأساليب في سبيل تحررها. خرجت جنوب أفريقيا من المعركة أخيراً ليس منتصرة وحسب، ولكن أيضا متسامية على جراحاتها الإنسانية الشخصية والعامة. لم تضيع من وقتها دقيقة واحدة بالانتقام، أو العودة إلى الوراء بل مضت مسرعة إلى تضميد الجرح العميق وإعادة بناء الدولة على أنقاض العنصرية البغيضة بالمزيد من الإصرار على التمسك بالمساواة بين جميع أفراد الشعب، حتى أولئك الذين كانوا أدوات العنصرية وجنودها. ويبدو أن هذا التسامي الإنساني الدولي النادر في السياسة قادها للمزيد من الاهتمام بالمضطهدين بكل مكان، وجعلها تصر على الالتفاف لكل الشعوب التي تتماهى بشكل أو بآخر مع تجربتها في المعاناة من الاضطهاد العنصري، وعلى رأس تلك الشعوب الشعب الفلسطيني، فتعاطف جنوب أفريقيا مع فلسطين قديم تشهد عليه مواقف زعيمها التاريخي العظيم نيلسون مانديلا في كل فرصة أتيحت له في الدفاع عن حرية فلسطين. خطوة جنوب أفريقيا الأخيرة، غير المسبوقة والمفاجئة للعالم كله، بجرجرة حكومة الكيان الصهيوني إلى محكمة العدل الدولية رغم أنفها تأتي إذن في سياق تاريخها المشرف على هذا الصعيد وكقيمة مضافة لمعركتها الخالدة والأزلية ضد العنصرية، وهذا ما حدث. عندما أعلنت حكومة كيب تاون نيتها رفع دعوى ضد الكيان الصهيوني قبل أسابيع قليلة، لم يدرك كثيرون مدى جديتها في الأمر، واعتبروه تصريحاً سيذهب كغيره أدراج الرياح، لكن أحفاد مانديلا فعلوها، فأدخلوا بلادهم التاريخ من أنبل أبوابه. فهم ليسوا عربا وليسوا مسلمين وليسوا جيرانا لفلسطين ومع هذا انتصروا لها انتصارا للإنسانية في معناها السامي. وما زاد من قيمة هذا الانتصار أن جنوب أفريقيا لم تتعامل معه شكلياً أو استعراضيا لتضيفه إلى سيرتها الذاتية وحسب بل تعاملت مع القضية بمنتهى الجدية والاحتراف، فقد استعد فريقها القانوني جيدا لمعركته القضائية ليس لأن الأدلة على ارتكاب دولة الكيان الصهيوني لجريمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة كثيرة ومتوفرة وهي جريمة حية ومستمرة وما زال العالم يشاهدها على الهواء مباشرة وحسب، ولكن أيضا لأنهم ينتمون لبلد لديها خبرة تاريخية متراكمة في هذا النوع من القضايا، وهم فعلا كسبوا نصف القضية بمجرد أن أرغموا الحكومة الإسرائيلية على الذهاب للمحكمة، وهي التي كانت تهرب دائما من أي إجراء قضائي دولي متكئة على مساندة الحكومات الأمريكية لها في كل رفض. هذه المرة لم تجد بدا من الخضوع لإجراءات المحاكمة الدولية أمام المجتمع الدولي كله، ومحاولة الدفاع عن نفسها والرد على الاتهامات المدعمة بالأدلة والصور والتصريحات التي كالها لها فريق جنوب أفريقيا. ورغم أن المحكمة لم تصدر حكمها بعد، أي حتى ساعة كتابة هذا المقال، إلا أن المهم هو تحقق الخطوة الأولى والتي أكدت أن شعوب العالم يمكن أن تعيش بسلام لو سادت فكرة العدالة بين الجميع. أما أن يعربد الطرف الأقوى ضد صاحب الأرض والحق، بمساندة الفيتو الأمريكي، فهذا لا يعبر سوى عن شريعة الغاب!

432

| 15 يناير 2024

احترموا الجمهور!

الإعلام يتغير ولكنه لا يموت، ذلك أنه حاجة بشرية ملحة تتنوع أدواتها بتطور الزمن وتنوع اهتماماتهم تصاعديا. لكن المحتوى، كما يقال دائما، هو الملك، وبالتالي فالمتابع هو من يتحكم بصعود أو هبوط أي فكرة أو منصة إعلامية وفق حاجته إليها ومناسبتها لظروفه. انتهيت قبل قليل من جولتي الأسبوعية على أهم منصات البودكاست التي أتابعها، بجرعة جمالية أضيفت لحصيلة وافرة من المعلومات، باعتبار البودكاست أصبح أحد أهم مصادري الإعلامية والثقافية مؤخرا. منذ ثلاث سنوات تقريبا وأنا حريصة على هذه الجولة الأسبوعية التي أنتقي فيها حلقة أو حلقتين، حسب توفر الوقت، لأتابعها، ولعل هذه العادة تحديدا هي ما جعلتني أنفر تدريجيا من متابعة برامج التلفزيون، ما عدا الإخباريات التي لا مفر منها ولا مهرب خاصة في أيام الحروب والأحداث المؤسفة، وما أكثرها في واقعنا العربي. أصبح البودكاست يوفر لي خيارات عديدة في المادة والوقت والنوعية لا تتوفر في التلفزيون. وأعرف أن كثيرين مثلي أصبحوا من متابعي عالم البودكاست بعد انتشاره في السنوات القليلة الماضية لذات الأسباب تقريبا. ورغم أن برامج البودكاست ظهرت منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، لكنها البداية، كانت مقتصرة على الهواة الذين أنشأوا برامجهم الخاصة ونشروها عبر الإنترنت ليحظوا بقليل من المتابعين وكثير من المشككين لجدوى ما يفعلونه في ظل هيمنة الفضائيات التلفزيونية في تلك الأيام. لكن مع تطور تكنولوجيا الإنترنت وانتشار الهواتف الذكية بين أيادي الناس جميعا تقريبا، أصبح بإمكان أي شخص إنشاء بودكاست وبثه للعالم، ما جعل من هذه البرامج واحدة من الوسائل الفعّالة لنشر المعرفة والمحتوى الصوتي المتنوع للدرجة التي قد لا تخطر على بال صناع البرامج التلفزيونية التقليدية، حيث تتيح للمستمعين الاستماع إلى مواضيع تهمهم وتطور مهاراتهم في المجالات المختلفة في أوقاتهم المناسبة لهم وبشكل تفصيلي موسع. كما أنها توفر فرصًا للمضيفين والخبراء في مجالات مختلفة للتواصل مع جمهور أوسع وبناء شبكة من المتابعين. ومن هنا ظهرت أهمية هذه المنصة التي أعاد الناس اكتشافها في ظل حاجاتهم المتزايدة لمنصات إعلامية يساهمون في وضع خياراتها الخاصة على صعيد المحتوى والوقت الذي يقدم فيه هذا المحتوى وفقا لظروفهم اليومية. وتشير التوقعات الاقتصادية والإعلامية المبنية على إحصائيات دقيقة إلى أن مستقبل البودكاست واعد ومشرق في السنوات القليلة القادمة على الأقل، أي قبل اكتشاف وسائل توفر للبشر حريات أكبر مما توفرها منصات البودكاست في شكلها الراهن. وحتى ذلك الحين يتوقع أن يستمر انتشار البودكاست وارتفاع شعبيته بفضل التقنيات المتطورة وسهولة الوصول إلى محتواه. وهو ما جعل كثيرا من الشركات والمؤسسات الإعلامية تلتفت إليه للاستفادة منه كوسيلة للتسويق والنشر، وكفرصة للتواصل المباشر مع الجمهور وبناء علاقات وثيقة معهم. بالإضافة إلى الجانب الترفيهي والتثقيفي العام فيه. ورغم الإقبال العربي العام على هذه الوسيلة الإعلامية الصاعدة إلا أنه ما زال في بداياته، وما زالت المحاولات محدودة مع استثناءات قليلة تعدت مرحلة البدايات لتحتل مكانتها في خريطة البودكاست العالمي بحلقات لافتة وعناوين مميزة وقضايا غير مطروقة في الإعلام التقليدي. ورغم أنني ضد أي رقابة من أي نوع على المحتوى الإعلامي، في منصات البودكاست وغيرها، إلا أن هذا لا يعني قبول الرداءة بحجة التحديث الإعلامي والتجريب الشبابي، كل من يقبل على تجارب مواجهة الجمهور ومخاطبته ينبغي عليه أولاً احترام القيمة الجماهيرية بتجويد عمله الإعلامي على الصعيدين الموضوعي والفني، وأيضا توقع النقد وتقبله، وهذه أحد أهم مبادئ العمل الإعلامي منذ أن عرف الإنسان معنى الإعلام ومدى حاجته إليه.

420

| 08 يناير 2024

.. لولا أمريكا !

نودع سنة ثقيلة مضت من أعمارنا، وككل سنة تمضي نحاول أن نحصي فيها مباهجنا وخسائرنا لولا أننا هذه المرة تحديدا كنا غير مضطرين لهذا الإحصاء.. فالنتيجة تمر أمامنا على شاشات التلفزيونات والهواتف الصغيرة بهيئة عواجل إخبارية ومشاهد مفجعة لا نكاد نصدقها لفرط قسوتها ودمويتها، لولا أننا اعتدنا عليها ولولا أنها قريبة جدا منا من خلال أصدقاء أو زملاء أو أقرباء نعرفهم ويعرفوننا، ذهبوا أو ذهب أقرباؤهم شهداء وتركوا لنا فيوض الحزن والحسرات! سنة ثقيلة مضمخة بدماء الأبرياء في غزة التي سالت بغزارة على مدى الشهور الثلاثة الأخيرة تحت أنظار العالم كله، ولعلها الحرب الأولى في التاريخ التي تبدأ وتستمر على الهواء مباشرة لحظة بلحظة، فالقتل والقصف والهدم والإنقاذ وكل تفاصيل تلك الحرب يحدث أمامنا مباشرة، مما يضاعف من شعورنا بالعجز. وصحيح أن العالم كله شاهد على ما يحدث لكن لا أريد أن أقول إن أحداً في هذا العالم لم يحرك ساكناً من أجل وقف القصف وإطلاق النار، فهذا غير صحيح في معناه المباشر. كثيرون بادروا بمحاولة التدخل، وكثيرون صرخوا بضرورة وقف الحرب، وكثيرون خرجوا للشوارع وتظاهروا تضامناً مع غزة وأهلها، وكثيرون كتبوا وعبروا عن غضبهم من الغطرسة الصهيونية وكثيرون سارعوا لجمع التبرعات حتى وهم غير متأكدين إن كانت ستصل لأهل غزة أم لا، لكن للأسف أن القرار لم يكن بيدهم، بل بيد حكومات غربية على رأسها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لم تخجل، على لسان رئيسها مرات وعلى لسان وزير خارجيتها مرات أخرى من إعلان موقفها الصريح المؤيد للدولة الصهيونية المشجع لها في استمرار العدوان، حتى أنها زايدت أحيانا حتى على بعض المسؤولين في الحكومة الصهيونية بتشديد الرفض لوقف إطلاق النار، بل إنها استخدمت حق النقض /‏ الفيتو أكثر من مرة في مجلس الأمن رفضا لأي قرار من شأنه وقف القصف على غزة أو وقف الحرب عموماً. ولم تكتف حكومة الولايات المتحدة بذلك، بل لم تتردد من المشاركة فعليا في الحرب على غزة بإرسال الخبراء والأسلحة والذخائر لجيش المحتل! هكذا بكل وقاحة تكشر القوة الظالمة عن أنيابها في وجه الحق والعدالة. وهكذا بكل عنجهية تخبر العالم أن رأيه كله وبأغلبية دوله وشعوبه وحكوماته غير مهم بالنسبة لها ما دام ضد الكيان الصهيوني، ولتذهب أفكار مثل الديمقراطية والأغلبية وحقوق الإنسان واحترام الرأي الآخر إلى الجحيم! وهكذا مرة أخرى نتأكد أن قضية فلسطين يمكن أن تحل بيوم واحد لولا قوى الشر العالمية التي تساند الصهاينة في احتلالهم بعد أن ساندتهم وشجعتهم بإقامة دولتهم قبل أكثر من سبعة عقود تقريبا على أرض لا يملكونها في يوم من الأيام. وهكذا سنة بعد سنة وقضمة بعد أخرى من أرض فلسطين نصل إلى راهن مكشوف على كل الاحتمالات. ورغم أن الاحتلال هو الاحتمال الذي أصبح واقعا ثقيلا ومستمرا في فلسطين إلا أن هذا لا يعني أنه الاحتمال الوحيد الذي أصبح واقعا في ظل وجود مقاومة بدأت منذ اليوم الأول للاحتلال وها نشهد عليها وقد وصلت إلى قمة معطياتها. وما تحقق لهذه المقاومة في طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر الماضي دليل أكيد على أن المقاومة ستكون، عاجلا أو آجلا هي الحقيقة الوحيدة في أرض فلسطين وحتى التحرير بإذن الله. صحيح أن سنة 2023 سنة ثقيلة وها هي قد مضت بعد أن تركت بصماتها على أرض فلسطين، وغزة تحديدا، بركام البيوت وأنقاضها ودماء وأشلاء أهلها إلا ما ساهم بتقبلنا لها باعتبارها السنة الكاشفة أنها شهدت فضيحة العدو وأمريكا من ورائه والتي لولاها لما كان لهذا الاحتلال الهش أن يبقى بمفرده دقيقة إضافية واحدة على أرض فلسطين!

618

| 01 يناير 2024

تضامن.. وإن كنت وحيدا!

يباغتنا سؤال الجدوى دائما ونحن في خضم محاولاتنا الفردية في نصرة أي قضية عامة نؤمن بها. ما جدوى ما نفعله نحن الذين لا نملك شيئا سوى كلماتنا وآرائنا وأصواتنا الضعيفة التي لا يسمعها أحد وإن سمعها فلن يهتم بها؟ نضعف أحيانا أمام هذا السؤال فنتراخى ونكاد نتوقف عن محاولاتنا لولا إشارات يلوح لنا بها القدر أحيانا لمصدر للالهام ووقود للاستمرار. في لحظة من لحظات الضعف التي كدت أن أستسلم فيها لليأس أمام سؤال الجدوى مما نكتبه عما يحدث في غزة منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، لفت انتباهي مقطع من المقاطع الكثيرة التي تزدحم بها وسائل التواصل الاجتماعي لاعتصامات ومظاهرات ومسيرات تضامن مع اهل غزة في مدن عالمية كثيرة؛ مشهد امرأة بريطانية تبلغ من العمر 87 عامًا، كما كتب في الخبر المرفق مع المقطع المصور، تقف بمفردها أمام فرع لأحد المطاعم العالمية الشهيرة الداعمة للكيان الصهيوني، حاملة لافتة تعبر فيها عن تضامنها مع أهل غزة في أجواء لندن المثلجة. فكرت بتلك المرأة البريطانية التي نجت من الدعاية الغربية ضد السردية الفلسطينية واكتشفت كما يبدو أنها، بوجودها الإنساني الراهن، شاهدة على جرائم دولة الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني. لكن ما الذي دفع تلك المرأة المسنة لاتخاذ مثل هذا الموقف؟ هل تعتقد أن وقوفها، بمفردها، في الشارع، سيغير وجهة نظر المسؤولين في بلدها بشأن القضية التي تؤمن بها؟ هل تظن أن لافتتها يمكن أن تحدث فارقًا لدى من يقرأها من المارة؟ هل ترى أن هناك جدوى بخروجها من بيتها الدافئ لتتضامن من شعب بعيد عنها جغرافياً وثقافياً ودينياً رغم أنها ليست مسؤولة بكيانها الفردي أدنى مسؤولية عما يحدث له؟ لا شك في أن التضامن مع الآخر في محنته قوة تنبع من التعاطف والرحمة والإيمان القوي بالعدالة. وعندما نقرر أن نتضامن مع أحد ما في أي قضية من القضايا، فإننا نؤكد على إيماننا الإنساني المشترك بالحق وبأهمية مساندة الآخر عندما يحرم من أي حق من حقوقه. وتصرف المرأة البريطانية هو شهادة على روح الفرد العنيدة القادرة على أن تتخذ موقفًا بناءً على مبادئها بغض النظر عن الصعوبات المتوقعة أو عن جدوى الموقف في ظل النتائج المحتملة له! وعلى الرغم من أنه قد يكون من الصعب قياس الأثر الفوري لمثل هذا التصرف، إلا أنه مهم على أكثر من صعيد لعل آخرها الصعيد المباشر في نصرة القضية الفلسطينية بمستواها الإنساني ومساندة أهلها في غزة. فهو أولاً وعلى سبيل المثال سيبدو كمصدر إلهام للآخرين الذين قد يشاركون تلك السيدة في الإيمان نفسه بأهمية مساندة أهل غزة والظلم الواقع عليهم من قبل الكيان الصهيوني، ولكنهم ترددوا في التعبير عنه لشعورهم، كل على حدة، أنهم لوحدهم وأن لا جدوى من تضامنهم الفردي بهذا الشكل، مما سيشجعهم على الخروج بالطريقة ذاتها أو بطريقة أخرى للتعبير عن المبدأ ذاته! كما أن هذا النوع من التضامن يمكن أن يكون له تأثير حقيقي، رغم فرديته وأحيانا بسببها، على الرأي العام، فصورة امرأة مسنة تقف وحيدة، ثابتة في معتقداتها لنصرة قضية بعيدة لابد أنها ستفتح حوارات متنوعة حول الأمر كله، خاصة وأنها ستبدو صورة مثالية لصناعة الإعلام بكل أشكاله، وهذا هو نفسه ما جعل اللقطة أكثر انتشارا من لقطات كثيرة لمظاهرات جماعية خرجت لنفس الهدف! وعلى الرغم من أن تصرف فرد واحد قد لا يؤدي بمفرده إلى تغيير جذري، إلا أنه يسهم في رسم الطريق لذلك التغيير. فمن خلال الجهود التكاملية للأفراد، سواء كانوا يعملون بمفردهم أو في مجموعات صغيرة، يتم غالبًا بدء التغيير الحقيقي. والتاريخ أظهر لنا أن الحركات الاجتماعية غالبًا ما تنشأ من شجاعة وعزيمة عدد قليل من الأفراد الذين يرفضون قبول الوضع الحالي. إنه إذن أثر الفراشة الذي لا يرى ولا يزول، وهو على الأقل الوسيلة الوحيدة لإقناعنا بعدم الاستسلام لسؤال الجدوى وإن كنا، كل على حدة، وحيدين!

585

| 25 ديسمبر 2023

alsharq
جريمة صامتة.. الاتّجار بالمعرفة

نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...

6543

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6429

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

3144

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
طيورٌ من حديد

المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...

2121

| 28 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1866

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1677

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة الرياضة العالمية

على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...

1275

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...

1023

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

999

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
التوظيف السياسي للتصوف

لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...

945

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
توطين الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي القطري

يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية...

906

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
فاتورة الهواء التي أسقطت «أبو العبد» أرضًا

“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...

879

| 27 أكتوبر 2025

أخبار محلية