رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أهلي وأحبائي، وقصيدتي التي تنزف دائماً، قد لا تلتقي العين بالعين، ها نحن في المصير الذي يمرح فيه القتلة، ويهاجر فيه القتلى، وصار الوطن جمرةً نقبض عليها بالقصيدة، ها هو الآن يهجر الجغرافيا إلى الأسطورة، ويعبر المجال إلى المجاز.وأنتم تغادرون إلى الجهات الأربع، بحثاً عن ظلٍّ وماء، وليلٍ صالحٍ للنوم، وأنتم تذهبون في البدايات، إلى جهاتٍ صالحة لموتٍ آمن، وحياة رتيبة، وأنتم تهربون من الموت إلى الحياة، حيث لا قذائف ولا براميل ولا حواجز ترتاب في الهواء العابر، وأنتم تغادرون ذلك الفضاء الذي بعثرناه بكلّ ثقة، وتفتحون أبواب الوقت لكلّ الاحتمالات الوافدة.أيها المهاجرون السوريون - السوريون سابقاً - الواقفون على بوابّة النجاة، تذكروا وأنتم في المنافي المتفرقة أن طريق حلب حمص، أقرب من طريق برلين ميونيخ، وأن صحن الحمّص في صباحات العُطَل، أشهى من الهمبرجر في المطاعم الغريبة، وباصات النقل العام في دمشق أحنّ من مترو الأنفاق في لندن.أيها السوريون المهاجرون، وقد صرتم في ديارٍ غير الديار، بعد خمسٍ عجاف، عضّنا فيها ناب الدهر، ودقّت عظامنا السنون، فغيّبت المقابرُ من غيّبت، وشتّت المهاجر من شتّت، وقد أمسيتم في "أرض لا يبلَغُها إلاّ – الطائرات- العتاق النجيبات"، هناك حيث الفتى السوريّ "غريب الوجه واليد واللسان". غداً، وبعد أن تهدأ العاصفة، ويولّي الشتاء، لا تنسوا أنّنا هنا في "بلاد العرب أوطاني" أسرجنا من أجلكم خيول البلاغة، وبذلنا الدموع والشموع.وأنتم تتركون البلاد على دروب أوروبا، فتعطون البحر حقّه، والغابة حقّها، والمهرّب وبائع الأحلام وقطارات الأمل حقوقهم، وأنتم تتفقدون الصور في الجوازات، و"المرحبا" في اللغة، لا تنسوا أنّ "المكدوس" الذي أكلناه معاً يحتاج إلى زيت، وأن مواسم قطاف الزيتون اقتربت، لا تنسوا أنّ سبّورات المدارس المهدّمة تحتفظ بغبار الطباشير الأبيض، ظلّ هناك جوارَ خريطة ممحوّة كتبها الأولاد كثيراً بخطّ متعرج من فوق، لا تنسوا شاي الصباح، ومواسم اللوز والصبّار، وأفران الرابعة فجراً، وكاسيتات الأغاني الشعبية. هناك التي كانت "هنا".. البلاد التي لم تعد بلاداً، ماكوندو الجديدة في ألفي يوم من العزلة.
465
| 09 سبتمبر 2015
لن يدقّوا الجدران، ولن يستيقظ الندم في صدر السائق، ولن يبكي عليهم أحد، خلا محطة أو محطّتين، أعادتا الخبر قبل أن يترجّل عن الخبر الأول لموتى جدد، في مكان آخر، ولا عزاء، لاعزاء لبلاد نزح نصف سكانها عن بيوتهم، وما يزيد الكارثة بؤساً أنّ معظم الغرقى باع كلّ شيء لدفع "المعلوم" للمهربين، دون أن يعرف أنها تذاكر الموت. كانت السفن المتهالكة تفعل فعلها، والمهربون وعصابات السلب والنهب في ديار السلاف وضمير العالم النائم أيضاً يشتركون مع أمراء الحرب وسماسرة السلام في قتل شعب كامل. كنت سأقول لطارق بن زياد: سامحك الله يا شيخ، لماذا أحرقت السفن، وتركتنا لمراكب متعبة عجزت عن إكمال الطريق، كنت سأقول لعمرو بن كلثوم متى ضاقَ البرّ عنكم فملأتم البحر بسفنكم، كنت سأقول. وكانوا يتمثلون لما يجري لهم بأقوال الشعراء السابقين فيقولون: قاتل الله الشاعر فلان فكأنه معنا الآن، ورغم أنّ كثيرين قالوا معي: كأنه معنا الآن، كأن غسان كنفاني كتب قصته ليس لحادثة تخيلها، بل لحادثة ستأتي بعد حين، وما بين شبهة التناصّ بين الواقع البائس، والقصّة القديمة، كانت الدهشة ممزوجة بالألم إزاء سيارة برّاد شاحنة مخصصة لنقل الفرّوج المجمّد، تعبر الحدود بين هنغاريا والنمسا، وتحمل في الصندوق لاجئين هاربين من الموت، تركهم السائق الجشع لمصيرهم، يموتوا خنقاً. ثمّة تناصّ، وثمّة استبصار بواقع عربي مندفع بقوة الحلم إلى وجع النهايات الفاجعة، الكارثة لم تعد تعني المكان، بل صارت تطارد الإنسان، الإنسان الذي أراد الخلاص من الذلّ بالموت، فانتهى إليهما معاً. يلتقي سائق الشاحنة مع سائق صهريج "رجال تحت الشمس" في دافع الربح، لكن سائق الصهريج كان يريد للرجال الثلاثة أن يصلوا بالسلامة، عكس السائق الهنغاري الذي ترك واحداً وسبعين لاجئاً للموت خنقاً، لأنهم لايعنون له أيّ شيء، ماداموا يسقطون بالجملة تحت الشمس والبراميل والقذائف والسواطير والنخّاسين، والعجيب في الأمر كما كتب أحد المثقفين: أنّ اللاجئين قرؤوا بالتأكيد قصة كنفاني، فلماذا لم يتعلموا منها. أيّ خنجر لم يغمد نصله فينا؟
311
| 02 سبتمبر 2015
انتشرت في الآونة الأخيرة مقولة عن الكاتب الإيطالي إمبرتو إيكو: "إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء". الخبر جاء في منشور على صفحة الكاتب الفلسطيني زكريا محمد، نقلاً عن المترجم المعروف صالح علماني، وفيه موقف حادّ ممّا يكتب في هذه المواقع، وهل هو يلامس الأدبي، أم هو مجرد فضفضة تتيحها هذه المواقع في أكبر سردية عرفها العالم بفضل اختراع صغير، أتاح لهذه المائدة أن تتسع لتشمل قارات العالم، وأتاح للكتاب أن يسألوا بعد أعوام من النشر: "ما الذي فعله بنا الفيس". الكاتب زكريا محمد يرى أنّ صفحات التواصل أتاحت للجميع أن يكتب ولو كلمة واحدة مثلما نقرأ على صفحات بعضهم: " تعبان- صداع" ويرى أن الأخرس نطق أخيراً، فقد كانت مواعين النشر السابقة لاتتيح الكلام إلا لقلة قليلة، و "ما فعله الفيسبوك باللغة فهو أشد غموضاً وسرية. ونحتاج إلى سنوات لفهمه. كيف أثر على تركيب الجملة؟ كيف أثر على الأشكال الأدبية؟ هل ساند بعضها؟ هل حطم بعضها الآخر؟ وماذا فعل بالكاتب نفسه، الكاتب المحترف؟ هل حطمه أم فتح له باباً؟" ويخلص إلى القول: "الفيسبوك يدفع إلى الكتابة بلا توقف". وما بين تعالي إمبرتو إيكو وموضوعية زكريا محمد، يبدو الحديث عن أثر الفيسبوك في الأدب مبكّراً، وإن بدت ملامحه الأولى في إتاحة الفرصة لسرديات وقفت على عتبة النشر الورقي، إنها عوالم ألف ليلة وليلة، الجنس الأدبي الغريب الهجين الذي ظلّ السفر النفيس للعامّة، بعيداً عن أدب البلاط والنخبة. وإن تأخر الاعتراف بألف ليلة وليلة كجنس أدبي عابر للثقافات فإنّ عالم الفيس جذب إليه كبار الكتاب والناشرين، الذين هبطوا درجات بحثاً عن الغاوين المشتغرقين في الفضاء الأزرق، نهر الكتابة الجاري بلا توقف.
1906
| 26 أغسطس 2015
أثرت الحروب النصّ الأدبي، بوصفها مادّة ثريّةً تُحكى من خلال الجمهور وليس الملعب كما تفعل سرديّات الإعلام، النصّ الذي رأى بكاء حصان عنترة، ودموع أخوال البحتري، ويظلّ الموت متوقعاً ومُتفهَّماً في لعبة الحرب فـ"ليس الكريم على القنا بمُحرّمِ" والموت نتيجة حتمية وإن تعدّدت الأسباب فمن "لم يمت بالسيف مات بغيره". ولكن الخروج على شرط اللعبة، يخرج اللاعب من دائرة ما بعد الفوز والخسارة، فكما أن الرياضات النبيلة تحرّم الضرب من تحت الحزام في الملاكمة، وتسجيل الهدف باليد في كرة القدم، فإن قتل الأسرى وضرب المدنيين محرّم في الحروب في الأعراف والشرائع. ولعلّ قارئ وصية الخليفة الأوّل أبي بكر الصديق رضي الله عنه يؤكد ذلك، نرى تجلياتها في أكثر من عمل فني وأدبي كمشهد الأسير الإيطالي في فيلم "عمر المختار". تحضر جرائم الحروب في تاريخ الإنسانية كدليل لعنة، أو وصمة في جبين الإنسانية، ولكنّ ذبح بغداد على يد المغول لم يجد صدى له إلاّ في خمسة أبيات لسعدي، في حين استفاض الأدب الحديث في إدانة "فاولات" الحرب، وكان للشعر الفلسطيني صوت واضح من خلال محمود درويش وسميح القاسم وعز الدين المناصرة وغيرهم في إدانة مجازر إسرائيل المستمرة ولاسيَّما كفر قاسم وصبرا وشاتيلا. عالمياً، تظلّ رائعة بيكاسو "جيرونيكا" اللوحة الأكثر حضوراً في الفن التشكيلي، في إدانتها الحرب الأهلية، فيما تظل مجازر البوسنة مادة حيّة للأدب العالمي، وبخاصة في حصار سربرنييتشا، التي تجاوز الإجرام فيها كلّ احتمال، وكتب عنها الصحافي والروائي الإسباني خوان غويتسولو "حصار الحصارات". فيما يحدث الآن في سوريا والعراق يحتاج مشغلاً إبداعياً يقف على المأساة البشرية التي لن تكون مجزرة دوما آخرها، ففي خزّان بشري يحتوي أكثر من 50 مليون نسمة تختبر كل الشياطين فنّ القتل والتدمير والتهجير، كسيناريو مصغّر عن نهاية العالم، حيث اللامعقول هو القانون الناظم لمصائر الناس، المحظوظ فيهم من مات على فراشه، أو هرب إلى مخيمات الذلّ المجاورة. مشغل لا يقف عند فنّ ولا تصوّر ولا جنس أدبي، نصّ قادم تصنعه المحنة وحدها.
243
| 19 أغسطس 2015
في إعدادي لديواني الجديد، طلبت من أكثر من صديق مهتمّ تصميم غلاف مناسب، وعندما توفّر لي أكثر من غلاف، أحببت استفتاء الأصدقاء في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، وكانت ردود الأفعال مدهشة، وكانت الحماسة لاعتماد الغلاف بين الأصدقاء المتصارعين مدهشة، وبخاصة كثرة الآراء الناقدة والمحللة للوحة والألوان وحتى الخطّ الذي اعتمده المصمم، وانسجام كل ذلك مع طبيعة نصوص الديوان. وفي مكتبتي قلبت عشرات الدواوين والكتب متفحصاً الأغلفة التي تلفت الانتباه، وهالني كثرة التصاميم العشوائية التي تنفّر القارئ. يعدّ العنوان العتبة الأولى للنصّ، ويعدّ عنوان الكتاب عتبة العتبات التي يقف عندها أصحابها كثيراً، ثمّ يتركون للمصمّم اقتراح أيقونة بصرية تلامس معنى العنوان، ومع كثرة دور النشر، وقلّة هوامش الربح، صار التصميم عبئاً إضافياً، وباتت كثير من دور النشر تتخفّف من هذا العبء، وبخاصة بعد توفر الخدمات التقنية الجديدة "الفوتو شوب" وخدمة الخطّ على أنواعه. في حين تراجع استخدام لوحات الفنّ التشكيلي التي تلعب دوراً حيوياً في إضفاء بعد جمالي إلى مضمون الكتاب، في فسحة بصرية تقرأ مع العنوان المعنى العام لمضامين النصوص، تستنطق الذات القارئة وتفتح أفقاً إلى معرفة. أتذكر أغلفة روايات نجيب محفوظ على واجهة مكتبات مدينتي الصغيرة القامشلي أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، كنت أقرأ فيها القاهرة البعيدة الخارجة من أفلام السبعينيات، كان مصمم أغلفة محفوظ قريباً من مصممي "أفيشات" الأفلام التي تركّز على الوجوه وتستنطق فيها تعبيرات القوة والشرّ والجمال، على عكس روايات حنا مينا التي لم تتخذ سمة واحدة فقد تصدرت بعضها صورته يدخن، وفي بعضها الآخر صور للوحات فنية في ترجمة بصرية لمضمون الرواية. وإلى اتجاه صورة بطل العمل (المؤلف) اتجهت أغلفة أعمال الكاتب المصري مصطفى محمود، وأغلفة كتب محمود درويش الأخيرة، وغيرهم كثير. لكنّ الفن التشكيلي بات أكبر الخاسرين في التصميمات الأخيرة، فالغلاف أفضل مروّج للوحة، ولكن الخوف من حقوق العرض، تجعل الناشر يغض بصراً عن إثارة متاعب محتملة تؤذي هامش الربح البسيط. ولعلّ متابعي المجلة الكويتية جريدة الفنون، يلاحظون هذا المزيج الفني البصري في الصفحة الأخيرة بين نص شعري ولوحة فنية، مساهمة في جمال معرفي مختلف.
670
| 12 أغسطس 2015
في سؤال الأدب، يقف الناظر إلى جذوة البدايات، بمشهدية كثيفة ظلّت كلّ هذه السنين مستأثرة بذاكرة الأدب، تلك الفترة الموسومة بالعصر الجاهلي، التي وصلتنا منها القصيدة التي تمثّلت روح الجماعة (القبيلة) في رحلتها بين ثنائية (الواتر والموتور) التي وقفت على حدّيها كلّ قبيلة، وكانت الحروب الصغيرة، أشبه بمباريات الكرة، فيها فوز وخسارة ولاعبون أفذاذ، ومن العجب أنّ معظم المعلقات السبع أو العشر قد قامت على أكتاف الحروب الأهلية. فحرب البسوس التي استغرقت أربعين سنة بين قبيلتي بكر وتغلب، حضرت في معلّقتي الحارث بن حلّزة وعمرو بن كلثوم، غير عشرات القصائد التي قالها الحارث بن عباد والزير سالم أبو ليلى المهلهل. والحرب الثانية في شهرتها حرب داحس والغبراء التي نشبت بين عبس وذبيان، شغلت قصيدة زهير بن أبي سلمى الذي مجّد السلام والصلح، وأتى على نتائج الحروب المدمّرة، في حين تغنّى عنترة العبسي في معلقته ببطولاته في تلك الحرب، ورغم أن النابغة الذبياني لم يأتِ على ذكر الحرب في معلّقته إلا أنها حضرت في بعض قصائده، كما أنّ معلّقتي عبيدة بن الأبرص وامرئ القيس لا تغفلان أثر مقتل ملك كندة حجر بن الحارث أبي امرئ القيس على يد بني أسد قبيلة عبيد. ولا تغادر معلقات الأعشى وطرفة ولبيد هذا المناخ الذي اشتجرت فيه الرماح، بين قبائل تواشجت بينها الأرحام، ولكنها الحرب الناشبة بين الدم والدمع. في صياغة مشهد الحروب المدمّرة التي أودت بالربيع العربي مبكّراً، ثمة أرض خصبة لإبداع متنوّع نرى بوادره هنا وهناك، وإن كنّا نظنّ أنّ الأدب في حاجة إلى وقت طويل لتمثّل الآثار العميقة والعنيفة لمشهديات الدم والدمار. تحتاج إلى رفّ كامل من الروايات والدواوين وأعمال درامية، تملأ ساعات بث لمحطات البث. الحرب التي غافلت الجميع في توقيتها وأهدافها، ستتعب حتماً، وترجو الجميع فرصة للهرب خلف المسرح، سيأتي هرم بن سنان ويأتي الحارث بن عوف، سيأتي دور السلام لكتابة نصّ عظيم انكتب بحياة الشعوب، وسيأتي زهير بن أبي سلمى شاعراً أو روائياً أو مخرجاً سينمائياً، ليروي عن الحرب التي علمناها وذقناها.
3286
| 05 أغسطس 2015
على غير ما هو حال ملاعب الرياضة، التي تفتح ذراعيها للشباب الموهوب، وتطرد الباقين إلى المدرّجات، فإنّ ملاعب الأدب تستوعب الكتّاب من هواة الكتابة الصغار إلى من سئموا تكاليف الحياة على أعتاب الثمانين. وأمام الزحام الشديد في هذه الملاعب، بلا دوري عام، ولا منتخب وطني، ولا تصفيات كأس عام، أو أولمبياد، تتكدّس نصوص الهواة مع نصوص المحترفين، ومع انضمام كتاب أحيلوا للتوّ على المعاش ووجدوا في الكتابة هوايةً مؤجّلة جاء وقت إشباعها، أو كاتبات أنهين واجباتهنّ في الإنجاب والتربية ولم يجدن ما يقاومن به سنّ اليأس إلاّ الكتابة، أو شباب هزمهم الحبّ الأوّل فالتمسوا في الكتابة مرهماً شافياً. وبهذا فقد امتلأت ملاعب الأدب بلاعبين من مختلف الأعمار والمواهب، ولا عجب إن وجدت نصاً لابن الثامنة عشرة إلى جانب نصّ ابن الثمانين، أو نصّ لشابة موهوبة جانب نصّ لأديبٍ تكرّس في ذاكرة المجتمع. وبرغم الحلول التي أنقذت المشهد إلاّ أن الفوضى تزيد المشهد تشاؤماً، فالجمهور غادر الملعب، ولم يعد هناك من يدفع للاعبين، فمعظم الصحف تنشر النصوص الإبداعية دون مقابل، ودور النشر تنشر للشعراء القادرين على دفع تكاليف الطباعة، ولم يعد لقب كاتب أو شاعر يعني الكثير في تراتبية المجتمع الذي ملأته أسماء أقلّ عمقاً وأكثر وهجاً. جاءت المسابقات الأدبية الكثيرة لتكون معياراً يقيس جودة المنتج الأدبي، ولكنّ كثرة المسابقات وعدم التنسيق فيما بينها، قلّلت من مردودها، ثمّ جاء عالم الشبكة العنكبوتية ليفتح ملاعب افتراضية لانهائية لكلّ من أراد أن يكتب، فزادت المشكلة تعقيداً، أمام ظاهرة قدمت وجوهاً جديدة استطاعت أن تفرض ذاتها ليس عن طريق الموهبة وحدها. في الوقت الذي تفسح فيه المدن المهرجانات الأدبية، والتي يدعى إليها الشعراء والأدباء عن طريق المعرفة الشخصية. وتبقى المواهب الحقيقية أسيرة الانتظار والتريث. في ملاعب الأدب اليوم مواهب مدفونة بجانب الغثّ، مواهب تحتاج إلى من يحرق أكوام القش لاكتشاف تلك الإبرة.
417
| 29 يوليو 2015
اتصل بي الصديق عمر صقر للمشاركة في قضية نقاشية عن دور مصر الريادي في الثقافة العربية، وعمّا إذا تراجع هذا الدور في الوقت الحالي. ولأن الأمر أكبر أن يغطّى في مساحة مائة كلمة ممنوحة، فقد رأيت أن أشارك القارئ رأيي في هذا الأمر، حيث لعبت مصر دوراً هامّاً في الثقافة العربية، بعد انكماش الجغرافيا إثر سقوط المشرق العربي بيد الصليبيين والمغول، وسقوط الأندلس في الغرب. وبقيت هذه المساحة الممتدة من سيناء إلى الأطلسي سليمة من الاحتلال والتخريب والتهجير القسري، والتغيير الديمغرافي الذي طال الأمصار الأخرى. وتكامل هذا الدور مع قيام منارات دينية ثقافية كالأزهر، واستمرّ هذا الدور بعد قيام دولة صلاح الدين، ثمّ دولة المماليك التي كانت الوريث الواقعي لدولة العباسيين، ورغم تراجع ذلك الدور أيام العثمانيين، إلا أنّه عاد مع دولة محمد علي الذي بنى نظاماً قوياً، استثمر في مصر الحديثة التي (لمّت الشامي ع المغربي) وبلغت أقصى قوتها المؤثرة في أحداث الشرق، القرن الماضي تقريباً، في السياسة والفكر والأدب، ومازال هذا الأثر واضحاً، في أسماء أصبحت مرجعيات لا يمكن تخطّيها.تراجع دور مصر لأسباب سياسية واقتصادية وثقافية أثّرت في المنطقة منذ سبعينيات القرن الماضي، فمع تشظّي المركز، الذي زاحمته الضوء دمشق وبغداد وبيروت، برزت مراكز جديدة كمدرسة الفكر الاجتماعي المغاربية، ومدرسة المهجر التي ضمّت نخبة من المهاجرين العرب في أوروبا وأمريكا وباتت مصدراً مهمّا للثقافة، أضف إلى ذلك ازدهار المناخ الثقافي في الخليج العربي منذ الربع الأخير للقرن العشرين واستقطابه خيرة الأقلام في الصحف والمجلات ومراكز البحث.ومن ثمّ لم يعدّ مركز يحتكر المعرفة، والمتابع للمشهد يرى نقاطاً مضيئة كثيرة، تثري الثقافة العربية، موزّعة على جسم الخريطة، وإن ليس بالكثافة ذاتها، فهناك رواية خليجية نسوية، وديوان شعر فلسطيني، وكتاب نقدي مغاربي، ويبقى للمصريين حضورهم، فبمعايير الجوائز العربية على الأقل كان لهم حضورهم الكثيف. وأتذكر من هذه الأقلام وحيد الطويلة ومنصورة عز الدين وأشرف الخمايسي في الرواية، وخالد عبد الغني في التحليل النفسي للأدب، ومحمود الأزهري ومحمود المغربي في الشعر، وغيرهم كثير.
417
| 22 يوليو 2015
إنها الحرب.. لا تستبعد أي شيء في طريقها الطويل، ولا تستريح طالما وجدت حطبها ونارها والمستفيدين من أوراها، وفي كلّ محطّة في جحيمه ثمّة علامة وقف، نقف فيها مع أنفسنا متعثرين بعجزنا الذي يكبر يوماً بعد يوم.فارس الطفل الأنيق ابن الثانية عشرة، هرب من الدمار والقتل إلى بيروت، بائعاً للورد بدل أن يذهب إلى المدرسة، عرفته بيروت وشوارعها يبيع الورد للعابرين كأطفال الشوارع في المدن التي تدوس البراءة دون أيّ اكتراث، ولكنّ إرادة الحياة أكبر، وكلّ من عرف (فارس) عرفه أيقونة للجمال والبراءة في تهذيبه وخفّة دمه، وتعفّفه عن إكراميات المشترين، الطفل الرجل الذي يعيل أسرته في قرية بعيدة من إحدى قرى منطقة الجزيرة السورية، التي تتصارع عليها كلّ القوى المتناسلة عن هذه الحرب. الحرب التي كان فارس أحد ضحاياها قبل يومين، حين عاد إلى أهله وتعرضت قريته لقصف من طيران التحالف فقتل فارس مع من قُتل.قبل أكثر من ثلاثين سنة وقبل أن ينتقل إلى البحث الفكري كتب الناقد والمفكر السوري جمال باروت "الشعر يكتب اسمه" وبخطاطة على الغلاف اختارها من نص لعادل محمود وجاء فيها:"عمي إيفان/ بياع الورد/ الذي يؤكد أن مئة عشق ممكن/ ومئة يأس ممكن/ ومئة موت ممكن" أحببت النص لاستحضاره أغنية شعبية عراقية "عمّي يا بياع الورد" وظلّ النصّ في ذاكراتي حتى الآن، وهاهو فارس بيّاع ينثر وروده فوق موقد الحرب، الحرب التي وقف العالم يتفرّج علينا، ونصف سكان سورية باتوا نازحين، وأكثر من مليون شخص بين قتيل وجريح ومعتقل، ولم يبق برميل ولا سكود ولا ساطور ولا هاون إلاّ وجرّب قوته فينا. أطفال سوريّة لم يعرفوا أحقاد الطوائف والملل والنحل والإثنيات العرقية، مازالوا كما يقول الدرويش في محمد الدرة وعلى لسان القاتل:"سأتركه ريثما يتهجى فلسطينه دونما خطأ/ سوف أتركه الآن رهن ضميري/ وأقتله، في غد، عندما يتمرد". سيمضي فارس سريعاً من ذاكرة الحرب الدائرة المشغولة بالكرّ والفرّ والمؤتمرات الدولية، سيمضي سريعاً بسرعة دبول وروده الحمراء في شارع الحمراء، وسيأتي أطفال آخرون يبيعون الورد مكانه، سوريون بالتأكيد، ويتبادل القتلة إشارات النصر والتعليقات الساخنة في نشرات الأخبار. ولا عزاء للطفولة.
644
| 15 يوليو 2015
تكرّست بشكل جليّ في دراما رمضان وبرامجه هذا العام ظاهرة الألفاظ البذيئة، وذلك في أكثر من عمل تلفزيوني، وأثار غير قليل من الجدل في الأوساط الإعلامية المختلفة، بل ومن المشتغلين على الدراما، لأن الظاهرة مؤشر خطر على استهتار بعض صنّاع الدراما بالذوق الاجتماعي للجمهور، وبخاصة في الشهر الفضيل.تجاوزت بعض المحطّات مرحلة جسّ النبض في الأعمال الفائتة، ولم تجد اعتراضاً مؤثّراً على نوعية المسلسلات التي تقدمها للجمهور، العربية منها والمدبلجة، والتي اصطُلح عليها بمسلسلات "غرف النوم" وبرغم دعوات يائسة لمقاطعتها ظلّت هذه المحطات تستأثر بشريحة كبيرة من المشاهدين، ومنذ العام الماضي تبنّت برنامجاً حيّاً من طبيعة برنامج "الكاميرا الخفيّة" يهدف إلى إشباع فضول المشاهدين وهم يرون نجومهم على طبيعتهم، كيف يخافون من الغرق ويستنجدون ويصرخون ويبكون، وهذا العام تطوّر البرنامج وزيدت جرعة الخطورة، وبما شاهده الناس من حلقات، بدت ظاهرة الألفاظ البذيئة التي تثير قرف المشاهدين في أكثر من حلقة، وبما رأيته من حلقات قليلة أستطيع القول إنّ المحطة تجاوزت مرحلة اختبار قوة اعتراض المشاهد، وبدأت رسم سياسة عرض جديدة قائمة على الإثارة الفجّة التي تستدرّ الربح على حساب أيّ شيء.وبداعي مقاربة الواقع فإن أكثر من مسلسل درامي اجترأ على تمرير ألفاظ بذيئة، للاقتراب من عالم الناس الحقيقي، وخصوصاً في الشرائح الدنيا من المجتمع، وهو ما رصدته في المسلسلين السوريين "قلم حمرة" العام الفائت، و"غداً نلتقي" هذا العام، وهما يصوران تأثير الأزمة السورية الراهنة على شريحة النخبة في "قلم حمرة" و شرائح المهمّشين في مخيمات بيروت في "غداً نلتقي". وفي هذه النقطة يدافع المشتغلون في الدراما عن هذه الظاهرة، بداعي نقل الواقع كما هو، فهذه هي حقيقة الأمر وأكثر من ذلك، فيما تذهب قوى ثقافية قوامها إعلاميون وكتاب أنّ مهمة الدراما كالمسرح خلق وعي ونموذج يكون الأسوة الاجتماعية واللفظية لشرائح كبيرة من المتلقين، وهذا ما فعلته قنوات التلفزيون الرسمية أيام القناة الواحدة، قبل فضاءات الديجيتال المتكاثرة.باتت الألفاظ البذيئة تطارد الناس في الأسواق وملاعب الكرة ولاحقتهم إلى لحظات الترفيه عن النفس من متاعب الحياة اليومية، ولابدّ من ميثاق شرف إعلامي يتصدى لهذه الظاهرة.
391
| 08 يوليو 2015
برز في عقابيل الربيع العربي، وبخاصة في بعض الدول التي تعاني ضعف اندماج اجتماعي مسبق، ظاهرة مثقف الطائفة أو الإثنية الذي يرى بعين واحدة، بعين مصلحة (ربْعِه) نازعاً عنه قشرة الحداثة المزعومة التي وسمت النخب العربية المثقفة لقرن تقريباً. كان أصدقاء الأمس يجلسون معاً في المقاهي، ويثنون على إبداعات بعضهم في المجالس، ومع تشعّب الأحداث، وتغيّر المواقف، تبيّن أن تحت كلّ بنطال حداثي (سروال) أو ثوب، وسرعان ما ثبت أن الحسابات مختلفة، فتبادل أصدقاء الأمس القذف والشتم والسباب، ولم يعد مثقف الأمس إلاّ مصالح (ربعه) فانتصارهم في غزوة مثار افتخار وقصائد عصماء وخطب بليغة، وهزيمتهم مثار جداول رثاء غزيرة الدمع، واللجوء إلى الحقل الإنساني للتنديد بالقتل والتشريد والتطهير العرقي والإبادة. مقابل ذلك لم يكتب كلمة أو يذرف دمعة على قتلى الطرف الآخر إذا انتصر (ربعه).يمتلك المثقف الأ0عور من القدرات ما يذكرنا بالعملاق سيكلوب في (الأوديسة) صاحب العين الواحدة، والذي يشكل خطراً على أوديس ورفاقه، قوة في الخطابة والتدليس واللحن في الحجة، وتبرير الأخطاء، كلّ هذا أمام جمهوره الممتلئ بعماء العاطفة، المستشيط المستنفر المهتاج، وبهذا يصدق المثل القديم " الأعور بين العميان مبصر" فهم يتبعونه مثل الغاوين يهيمون خلفه في أودية الدم والثأر والتطهير. مقابل الأعور الآخر قسيم المكان والماضي، ينتفي المشترك بينهما، ويُقصى المثقف البصير (العميل المتخاذل) إلى الهامش في أحسن الأحوال.كلّ الحروب الأهلية من إنجازات مثقفين نظروا إلى الأمر بعين واحدة، ودفعت شعوبهم ثمناً غالياً، ولعلّ المتبصّر في شؤون البلاد العربية يرى عودة الأمة إلى إنتاج خطاب الفتنة، وتعرض مفاهيم الأخوة والتضامن والشراكة الاجتماعية إلى هزّات حقيقية أمام اختبارات فرضتها ظروف الصراع بين الأنظمة والشعوب.ظلّ المثقف العربي غير بعيد عن: " وما أنا إلاّ من غزيّة" بالرغم من البدلة الإفرنجية ولثغة الحداثة، إلاّ أن غوايته ورشده مرهونان بغواية القبيلة ورشدها، وما خطاب الحداثة الذي يتبنّاه إلا (عدّة) يحملها حين الحاجة، ويضعها جانباً حين يعود إلى بيت القبيلة. وهكذا ظلّ المثقف الأعور يلعب بتشجيع مرتفع من جمهور أعمى يهتف للأهداف، ويشتم الحكم إن هزم لاعبه ذي العين الواحدة.
668
| 01 يوليو 2015
احتفت القصيدة الجديدة بالأب في إنتاج قيمة اليُتم والحرمان وأثرهما في الحياة المعاصرة، في ظروف التحول الاجتماعي والثقافي الجديدة، حيث تضاءل التضامن الاجتماعي من دائرته الأوسع (القبيلة) التي قضمت من وظائفها الدولة الحديثة، إلى الأسرة، ولهذا تعاظم أثر الفقد، وهذا ما نراه في غير أثر أدبي، حيث يظهر الأب في صورة المنكسر المهدود المحطّم وقد فقد أولاده، في موسم الهجرة من البلدان الطاردة لأبنائها، الأب الذي صوّره اللبناني جوزيف حرب في أخرياته ينتظر المكاتيب والصور: " أرسلت يوماً صورةً لأبي/ وكنت مسافراً / مرآة ذاكرتي التي حملت أبي/ لا فضة فيها.. ومكسورة/ وأبي لكثرة ما بكى/ شحّت به عيناه حتى صارتا/ بابين في علّيّةٍ/ مسقوفة بالعشب مهجورة/ فتح الغلاف/ وأطبق الأجفان فوق دموعه/ ولكي يراني مزّق الصورة".الأب الذي ثبت مخيلته على صورة الشاب، فلا يتصوّر ابنه يكبر، ويؤكد ذلك التونسي محي الدين خريّف وهو يقرأ عوالم رحيل الشباب إلى البلاد الباردة لكسب العيش: " لِتَمْتَلِىء المدن الصاخبة/ وتنتحبُ القرية الشاحبة/ ويبقى أبي يستحثُّ الخيال/ ويرسم حيرته في الرمال". وفي صورة مفارقة يبدو الأب المستحضر أمام سطوة اليتم، الأب القويّ الحامي المفقود كما عند صلاح عبد الصبور: " جنت الريح على نافذتي/ وفي مسائي / فتذكرت أبي / وشكت أمي من علتها/ ذات فجر ، فتذكرت أبي / عض الكلب أخي ... / وهو في الحقل يقود الماشية/ فبكينا / حين نادى / يا أبي !!! ".على أن الحضور المتعافي للأب يظهر في حوارية الأب والابن عند درويش في "لماذا تركت الحصان وحيداً" وهو يعيد رسم الأمل في الرحلة الفلسطينية بعد منعطف اتفاقية السلام المخيّبة :"تفتح الأبدية أبوابها من بعيدٍ/ لسيارة الليل/ تعوي ذئاب البراري على قمر خائف/ ويقول أب لابنه: كن قوياً كجدّك!/ واصعد معي تلة السنديان الأخيرة/ يا ابني، تذكّر: هنا وقع الانكشاريّ عن بغلة الحرب/ فاصمد معي لنعودَ/ متى يا أبي ؟ ـ غداً. ربما بعد يومين يا ابني!".
731
| 24 يونيو 2015
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6498
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6405
| 24 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3891
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
3126
| 23 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2859
| 21 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1866
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1665
| 26 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1575
| 21 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1077
| 27 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
1041
| 28 أكتوبر 2025
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
1014
| 24 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
999
| 24 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية