رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

موت الإخباري

تركت حماري في بيت مهدم قريب من سوق محيي الدين، وأكملت ما تبقى من المسافة على قدمي.   كان ثمة زحام كثيف على ركن الإخباريين، وقارئ الأخبار، لؤي البرهان وعبد الحكم الزرافة يبكيان، ومئات الأشخاص ممن كان يطربهم صوت الإخباري الراحل أو تأسرهم رقته وفتنته، يبكون أيضا بدموع بدت لي كثيفة، وغير مألوفة، ولم يكن من اللائق إحضار والده الشيخ، ووضعه على الدكة التي طالما جلس عليها ابنه، ليردد بلا ذاكرة، وبكثير من المأساة: ورحمة الله وبركاته..ورحمة الله وبركاته.  كان عاديا أن تسمع: يا وجعي على المريد، أو يا كبدي عليه، تتردد من الأفواه، وحيطان الدكاكين، وحتى من الكلاب والقطط والأغنام وربما الزواحف التي تتحاوم في المكان، وأن ترى نساء بأزياء سوداء، يلطخن الشعر بالطين. وقفت ساعة أتطلع إلى الناس وبي وجل مثلهم، وأرى شرطة الخيالة وقد تمدد نشاطها ليغطي السوق وما حوله، من الطرق والبيوت وقد حمل أفرادها عصيا رقيقة  من نبات القنا، كانت تسمى: البكاءات، وتستخدم في طي أي صفحة من صفحات الشغب، قد تنفتح في مكان ما من المدينة، وأسمع عن تحضيرات كبرى لتسيير جنازة حزينة في شوارع كونادي، يتقدمها الملك، أو أحد كبار وزرائه، وسيدفن المريد في مقبرة خاصة، لا يدفن فيها عامة الشعب.  عند ذلك فقط سألت نفسي أسئلة مجرمة، تشبهني إلى حد ما، لكن ظهورها على ذهني تأخر كثيرا:   ما دور المريد مرجان في تنمية قير؟ ماذا فعل من أجل الفقر والجوع والمرض؟      وهل بث الأخبار كل صباح من ركن في السوق يعد إنجازا لدرجة أن تبكي الدنيا كلها عليه إن مات؟ لم آت على سيرة ملثم الليل المجرم الذي كان يجسده، في ذهني، كأنه لم يكن قط وأتحدث عن الإخباري فقط، الرجل الذي يأتي مبكرا ليبتسم أو يبكي أو يتلوى بصوته، ويقرأ من رقع مرتبة ما ورد إليه من أخبار؟ كان وسيما حتى وهو يزحف نحو الكهولة، لكن الوسامة ليست تنمية وليست ذات فائدة لأحد وتزوى كما تزوى كل الكائنات، وملحقاتها.

911

| 16 يناير 2018

بعض الغش

هناك شيء ألاحظه في موضوع الكتابة، وهو تبني إنتاج المبدع ومواقفه، خاصة بعد وفاته، لدى أشخاص لم يعرفوه حيا، ولم يقرأوا أي شيء من مؤلفاته، وربما عرفوه وأساءوا إليه أثناء حياته، وأعرف أشخاصا كثيرين لم يقرأوا للطيب صالح حرفا واحدا ولا كان إبداعه في دائرة اهتمامهم يوما ما، يبكون رحيله، على أن أغرب ما صادفني شخصيا بعد وفاة الطيب، هو أن أحدهم كتب في صحيفة مصرية، مستخدما اسما مستعارا: إنه التقى بي في أحد الأيام، وأهديته نسخة من روايتي: مهر الصياح، طالبا منه أن يدلي برأي نقدي فيها، وفوجئ أثناء قراءتها بأنني نسخت رواية الطيب: موسم الهجرة إلى الشمال، وشوهتها بروايتي مهر الصياح. بديهي أن هذا الناقد المزعوم لم يلتق بي يوما، لأن النقاد الحقيقيين يتركون أسماءهم حرة كما هي ولا يغطونها بنقاب من أي نوع، وبديهي أيضا أنه سمع بوفاة الطيب صالح، أحد أهم كُتَّاب الرواية العربية، وأراد أن يدلي بدلوه، ومنطقي جدا أنه لم يقرأ موسم الهجرة إلى الشمال التي تتحدث عن علاقة الشرق بالغرب، وسفر مصطفى سعيد إلى إنجلترا، وعودته لقرية ود حامد، وما تلي ذلك من أحداث، ولم يقرأ مهر الصياح التي تدور أحداثها في القرن السابع عشر، في منطقة دارفور، وبنيت على مجلس الكوراك أو مجلس الصياح الذي كان وسيلة اتصال الرعية بسلاطينها، وكيف أن ابن صانع طبول فقير حلم بأنه أصبح نائبا للسلطان، وماذا حدث بعد ذلك. إذن العالم تطور كثيرا، وأصبح بالإمكان أن يكتب كل من يملك حتى لو يرقات كتابة ميتة، ما يريده بلا رقابة، ولا مشكلة كبرى، وأن يجد معجبي كتابته، بسهولة شديدة أيضا، فقط هنا تأتي السلبيات التي ما كانت ستنمو وتستمر، لو أن الكلام يحدث في الواقع وأمام الناس. قطعا شارع الإنترنت يتستر على التفاهات التي ربما يفضحها شارع ضيق في حارة واقعية، ولكي نقول إننا استفدنا فعلا من التقنية،علينا أن نطورالشوارع الافتراضية، فلا يختبئ فيها الأذى.

1121

| 09 يناير 2018

الكتابة المفردة والمشتركة

في رأيي الشخصي، أن الإبداع الحقيقي، يأتي في تفرد أحدهم بالكتابة، أي أن يكتب فكرته ورؤيته الخاصة، وبأدواته الشخصية اللتين ربما استغرقا زمنا طويلا في تكوينهما، ويخاطب بهما قراءهم أيضا يعرفونه، وقضى وقتا طويلا أيضا، من أجل أن ينغرس بإبداعه وسطهم. هذا الكاتب الخبير ببيئته، ومفرداتها الذي قدم تلك البيئة، سنجده في الغالب مترددا وقليل اللمعان، إن شارك في كتابة فصل أو فصول رواية، ونجد من شاركه الكتابة، أيضا يعانون من العتمة التي لا علاقة للنص بها، ولكن لتجمهر الأدوات المختلفة في النص، وحتى الذي ابتكر فكرة النص وابتدأ الكتابة، قد يحس بالارتباك نفسه، وهو يكتب فكرته داخل نص متعدد الأصوات. لو أردنا كتابة رواية عن الريف المصري مثلا، سنجد عشرات وربما مئات الكتاب المصريين، عالجوا تلك الفكرة من قبل، وفي نصوص جيدة مبهرة، استمتع بها القراء، وفي الوقت نفسه وجدت قبولا لدى النقاد، في زمن قلت فيه الكتابة النقدية، سنجد أعمالا لتوفيق الحكيم، ويحيى حقي، ونجد أيضا ليوسف أبو رية ووحيد الطويلة، وغيرهم كثيرين، لكن إن وضعنا فكرة واحدة، مثل فكرة رواية «يوميات نائب في الأرياف»، لتوفيق الحكيم، إحدى أجمل الأعمال الكتابية المعاصرة، وطلبنا من كل هؤلاء المجيدين أن يكتبوها، بحيث يشارك الكاتب بفصل واحد أو اثنين، سنحصل على كتاب، ونحصل على حكاية قد تكون محكمة في الحبكة والتفاصيل لكنها ليست لامعة ولن تجد القبول الذي يكفي ليجعلها محط أنظار ونقاش، مثل «يوميات نائب في الأرياف» التي كتبها توفيق الحكيم. أيضا لو نظرنا لقضية الحرب، التي تطال دولا عربية عديدة هذه الأيام، ونظرنا إلى تداعياتها من تمزق وتشريد ودمار، لما كان عامرا في الماضي، سنجد أبجديات النصوص التي تتحدث عن ذلك واحدة، ويمكن لأي كاتب من هذه الدول المعنية كتابتها بحنكة، لكن أن تطلب من عدة كتاب صياغة الفكرة نفسها، فلن ينجح الأمر كثيرا.

1022

| 25 ديسمبر 2017

لوحة

كان الرسام النمساوي المعاصر (كرستوف أوجين)، موجودًا بالبلدة في تلك الأيام، الرجل الهيبي ذو الشعر الغزير المنكوش واللحية الصفراء، وسراويل الجينز الممزقة، الذي يستوحي أعماله من بلاد لا يعرف أحد كيف ينتقيها أصلًا، أو يعثر عليها في الخرائط، وكيف يصل إليها، وتبعد عن بلاده آلاف الكيلومترات؟ كان يقيم وحيدًا في كوخ صغير من القصب، شيّده عند مدخل إحدى الغابات، غير عابئ بالخطر، ولا لسعات بعوض الملاريا، وذباب التسي تسي الجالب لمرض النوم، وأنجز في فترة قصيرة، عددًا من اللوحات المبهرة، استوحاها من الليل والفراغ، وطقوس الصيد، ونساء القبائل، لابسات الخرق الممزقة في وسطهن، وقدم خدمة جليلة للسياحة، حين جر وراءه عشرات الأجانب الذين يقدرون فنه، ويطاردونه إلى أي ركن يذهب إليه. كان رابح قد تعرف على ذلك الرسام من قبل، حين قصد متجره ذات يوم، يسأل عن لون ناقص في سلسلة ألوانه، ويحتاجه بشدة لإكمال لوحة اسمها (شقاء التربة)، في مراحلها النهائية، سيهديها خصيصًا لأهل البلدة، وتُعلَّق في مبنى الإدارة المحلية، وكان من حسن الحظ، أن عثر على اللون في متجر يمكن العثور فيه حتى على غترة وعقال خليجي، في بلدة لا يرتدي فيها أحد غترة وعقالًا. وفي اليوم التالي لظهور جنية الليل، وبعد أن استعاد وعيه كاملًا، ذهب إلى الرسام في كوخه، اقتحم عزلته، ووصف له المرأة الفارعة، بشعرها الأخضر الغزير، وعينيها النازفتين، وجسدها الضخم الذي برك عليه وأشعله، وبمبلغ غير قليل من المال، حصل منه بعد عدة أيام من الانتظار، على تلك اللوحة متوسطة الحجم، التي لا تزال معلقة على واجهة متجره حتى الآن، دليلًا ساطعًا على تلك المغامرة الليلية، يستخدمه كلما حكى القصة لزائر جديد.

487

| 12 ديسمبر 2017

مكتبة لندن

كانت مكتبة لندن العامة في ذلك الحين، واحدة من أكبر مكتبات الدنيا كما أعتقد، غنية بالكتب والخرائط، والمخطوطات، وتوشك أن تجلب لك الحضارات كلها من زمن فيثاغورث وأرسطو طاليس، إلى كولمبس وفاسكو ديجاما، وهذيان المغامرين الذي وثقوه في شكل مذكرات، ولا بد توجد مخطوطات عن الشرق وإفريقيا، وأعرف أن رحلات كثيرة، صبت في تلك الأماكن، وما غزو تلك البلاد واستعمارها من قبل دولنا الكبرى، إلا نتاج معلومات استقيت من شرور المستكشفين، الذين لا تخلو رواياتهم عن ذكر الثروة والعبيد، ونساء المجهول الشبقات، اللائي ينتظرن البيض المتحضرين قرونًا حتى يحصلن على المتعة الحقيقية، ودائمًا ما كانت أسرتنا الكبيرة في اجتماعاتها الموسمية، مثل أعياد الكريسماس، والقديسين. وحفلات زواج الأقارب، تتحدث بلا كلل عن جد قديم. ذهب إلى إفريقيا صعلوكًا مشردًا، وعاد بعد أربعين عامًا، يحمل لقب سلطان، منحته له قبيلة كبرى هناك، وظل يحكمها، يتحكم في عقول رجالها، وأجساد نسائها، ورضاعة أطفالها، إلى أن شاخ وتذكر بلاده، وركب البحر عائدًا، لكنها عودة ذات رونق، حمل فيها أطنانًا من الذهب والعاج والمجوهرات. شخصيًا لم أكن أتذوق تلك القصة الركيكة، ولا كان ثمة دليل عليها، ولا أستطاع أحد أن يحدد قصرًا منيعًا، أو هكتارات أرض، أو أي ترف آخر، تبقى للعائلة من أثر سلطان ثري. أعتبرها حلم يقظة لعائلة تأثرت بروايات المستكشفين المضللة، وقصص الرحالة المبالغ في زخرفتها، وتود أن تحوله إلى حقيقة في أيام الثرثرة الكبيرة. لم أكن من زوار مكتبة لندن المنتظمين، ولا خطر لي في يوم من الأيام. أن أشيد أمام أحد بتنظيمها، وجهود مشرفتها (مس آدمز)، إحدى وجوه المجتمع البارزة، التي تتعدى موهبتها حدود رص الكتب وفهرستها، إلى أكثر من ذلك، وحكى كثيرون عن ثقافتها الواسعة، وصوتها الذي يتحدى موسيقى القِرب التي يعزفها الجنود الملكيون، وأصوات الطيور المغردة، وأنها كانت تقرأ الشعر وتمثله في أمسيات الاستماع التي تقام أسبوعيًا في المكتبة، ويمكن أن تصبح فجأة ملاكًا بجناحين مكسورين، خرج من قصيدة حب وهجر لشاعر من الرومانسيين القدامى.

1114

| 27 نوفمبر 2017

أن تكتب مدينة

تعتبر كتابة المدن في الأعمال الروائية من الأفكار الشائعة التي درج على استخدامها الكتاب، بمعنى أن النص يكتب ملتصقا بمدينة ما، يستحضرها كاملة. يستحضر شوارعها وأبنيتها وذكرياتها ويمكن أن يتنبأ لها بمستقبل قادم بناء على معطيات كثيرة، والذي يتعرف إلى مدينة مثل الدوحة مثلا، أو تعرف إليها منذ أكثر من عشرين أو أربعين سنة، وتعرف إليها الآن، يستطيع كتابة نص مملوء بخطوات تلك المدينة، التي أصبحت في وقت وجيز من أهم المدن، النص هنا لن يتحدث عن أبنيتها وصروحها ومتاحفها فقط ولكن حتى عن أنفاسها التي ربما تتنفس بها، حكايات أهلها، ثبات بعض العادات وتغير البعض، هكذا.وفي تجربتي الشخصية، فقد عشت معظم سنواتي المبكرة في مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، وبالرغم من وجود ثوابت معينة في تلك المدينة، لم تتغير بتغير الزمن مثل المستشفى الكبير في وسط المدينة، وصيدلية بيومي، وموقف الحافلات، وأكشاك بيع المرطبات التي يعود تاريخ بعضها إلى نهاية الستينيات من القرن الماضي..إلا أنني ألاحظ في كل زيارة لي لبورتسودان تغيرا ملحوظا، وعوالم جديدة، هدت تلك القديمة، ونبتت على أرضها، وبالتالي كان ما كتبته في كتابي مرايا ساحلية، أصبح معظمه غير موجود الآن، لكني حين أجلس للكتابة، دائما ما تتراءى لي مدينتي التي أعرفها، وأكتب نصي بناء على معطيات سابقة أو جديدة أستوحيها من التغيرات الجديدة. ولأنني أتبع طريقة عدم تسمية المدن عند كتابتها، لكن الخصوصيات تظهر ويستطيع القارئ الذي يعيش في مدينة بورتسودان، أن يتلمس دروب النص بسهولة، وربما يستطيع قارئ بعيد لا علاقة له بالمكان أن يعثر هو الآخر على ما يرشده للمكان الذي يحتضن أحداث النص.من المدن التي تغري بكتابتها أيضا ولم يصلني نص كتبها حتى الآن برغم اعتقادي في وجوده، مدينة مثل كوالا لمبور عاصمة ماليزيا.هذه مدينة في رأيي بمثابة معلم للكتابة، موحية بشدة، وفيها من الإغراء ما تمتلكه حسناء، ولأن سكانها خليط من أجناس مختلفة، وزوارها يأتون من شتى بقاع العالم، إضافة إلى ضجيجها المستمر الذي لا ينتهي، فمؤكد، تصنع نصا غاليا.

934

| 06 نوفمبر 2017

الذاكرة الإبداعية

من العوامل المهمة في تدريب الذاكرة كما أعتقد، مسألة الاغتراب، أي أن يفارق المبدع وطنه لفترة طويلة، هنا تأتي مسألة الحنين القوي للوطن، مما يوقد الذاكرة بشدة، يجعلها تستدعي كل لحظة عاشها المبدع في الوطن، حتى لو كانت بلا معنى، مثل أن يتذكر طفولته في الحواري والأزقة، وسط أصدقاء يستدعي ملامحهم أيضا، يتذكر حبه الأول لفتاة الجيران، ويتذكر أي سلوى عابرة يمكن أن تطفئ الحنين، هنا يعمل الكاتب بلا وعي منه، في تدريب ذاكرته باستمرار، وبالتالي يحتفظ بمفتاحه السحري، جديدا ولامعا، وجيدا لاستخدامه في أي كتابة يكتبها. لقد تعرض ماركيز لمسألة الحنين هذه في روايته: الحب في زمن الكوليرا، ووصفها بأنها تملك أحاييل شرسة ومتنوعة، لجر المغترب إلى وطنه، وأضيف لوصف ماركيز، أنها تملك أيضا مزيلا للصدأ عن الذاكرة، ورواية مثل موسم الهجرة للشمال للطيب صالح، التي كتبها أثناء اغترابه الطويل في لندن، الذي استمر حتى وفاته، أعتقد جازما أن الحنين أثر فيها بشكل أو بآخر، وأوقد ذاكرة مبدعها لتخرج هكذا رواية خالدة، وروايته عرس الزين أيضا، كانت عن شخصية عاصرها صغيرا، وكتب تفاصيلها كلها في مغتربه البعيد. في رواية لي اسمها العطر الفرنسي، كتبت عن مسألة تدريب الذاكرة لدى بطل الرواية علي جرجار، الذي كان يقاوم الشيخوخة بذلك التدريب اليومي، كتبت أحداثا تذكرها أثناء انهماكه في تدريب ذاكرته مثل زجاجة عطر الريفدور التي سقطت من رف في بيت أسرته وانكسرت، مثل شاي سقطت عليه ذبابة ذات مساء، وكنت بلا وعي مني، أكتب بعض الأحداث التي أتذكرها من طفولتي شخصيا. والذين قرأوا رواية: قصة عن الحب والظلام، تلك القصة المدهشة للإسرائيلي عاموس عوز، لابد يستغربون من تلك الأصداء المتلاحقة من زمن بعيد، لطفل جاء إلى أرض الميعاد بصحبة أهله، وعاش طفولة غريبة، في وطن أقنعوه بأنه وطنه، وهو يرى أهل الوطن الحقيقيين، منفيين في وطنهم.

882

| 30 أكتوبر 2017

تسلية

كنت أذهب إلى حي كوريا في الجانب الجنوبي من المدينة بتلقائية شديدة، ألتقي بالممثل عثمان تسلية في صالونه الذي سماه الصالون الفاخر، وكان في الواقع، مقعدين من البلاستيك القديم، أحدهما بظهر مكسور، موضوعين في الشارع وأمامهما طاولة خشبية صغيرة عليها ترمسي الشاي والقهوة، وبعض الأكواب، ولا شيء آخر. كان كما أخبرني لا يغادر مكانه إلا آخر الليل، وبعد أن تتوقف ضجة الطريق تماما، وتنقطع التحايا والسلامات، والأصوات المنغمة أو الجارحة، وبمساعدة شابين متطوعين من الجيران، يحملانه ويضعانه في سريره داخل البيت، وفي الصباح وقبل أن تشرق الشمس جيدا، ويبدأ الطريق في إشعال فوضاه، يعودان، يحملانه من السرير، يضعانه على كرسيه في صالونه المفتوح الذي تمر عبره كل غرائب الطريق، وثوابته وأشياؤه الشاردة أيضا، كانت موارده محدودة كما أخبرني ويعيش مع امرأته التي تزوجها بعد وفاة زوجته الأولى، أم مجهول، ولم تلد طفلا، على إيراد دكان صغير يملكه في سوق المدينة الكبير، ويؤجره لحلاق هندي اسمه شانتي، لم يكن فكر في البحث عن طرف صناعي لساقه المبتورة، ولا حتى استطاع أن يمتلك عصا صلبة وجيدة تساعده على المشي أو الحركة في محيط ضيق، وقد جلبت له تلك العصا المطلوبة وابتهج بها كثيرا، رغم شكه أنه قد يستخدمها. لم تطرح فكرة إيجاد مقعد متحرك أبدا، أو طرحت ولم يكن طرحا جادا، لأن الرجل أكد بإصرار، أنه لا يتحرك إلا من الداخل لباب الشارع ومن باب الشارع للداخل، ويقضي أشياءه الملحة في البيت مثل الاستحمام وغيره، بمساعدة زوجته. كان في الواقع يجلس على كرسيه في الشارع أكثر من سبعة عشر عاما، تأتيه الأخبار المهمة وغير المهمة، يحتفظ ببعضها ويحاول أن ينسى بعضها، وتبقى أخبار الحزن والموت، والهجرات البعيدة، والزواج والطلاق، من تلك الأخبار التي يحاول طردها، وتبقى معلقة بالذهن دائما.

1580

| 09 أكتوبر 2017

توظيف السخرية

تعتبر السخرية عموما، أداة مهمة في المجتمع، تستخدم عادة إما لمجرد المزاح والتسلية، وإما للتسرية على النفس، حين تبلغ الضغوط الاجتماعية والسياسية، والاقتصادية مداها، ولذا دائما نجد النكات الساخرة، تنطلق من شعوب تعاني في يومها كثيرا.الذي يكتب السخرية في الرواية، قد يتبع خط المجتمع الذي ذكرته، أي أن يتعرض لكثير من الظواهر السالبة، ويستهزئ بها، مثل أن يتعرض لمسألة البخل، من منظور ساخر، وتلك الظواهر الجديدة التي واكبت تقدم المجتمعات، مثل ما يسمى المكالمة الضائعة، أو الـ"ميس كول"، التي نلاحظها باستمرار حين يتصل أحدهم ويقطع الاتصال حفاظا على رصيده وانتظارا للآخر، كي يعاود الاتصال به، وكنت وظفت تلك المسألة بسخرية شديدة، في روايتي العطر الفرنسي، وسميت الظاهرة: أحتاجك بلا رصيد.أيضا رسم الشخوص، ولا أعني التحرش بكل الشخوص ورسمهم كاريكاتيريا كما يفعل البعض، وإنما الشخوص القابلون ليصبحوا كاريكاتيرا، وبالطبع كما في المجتمع الواقعي، توجد شخصيات جادة في الرواية، من غير اللائق استثمارها في السخرية.الحوارات الساخرة، جزء جيد من أدوات سخرية الكتابة، ولطالما أعجبتني حوارات، جرت بين شخوص معينين، خاصة في الروايات الأجنبية، وألاحظ أن الكتاب الأجانب مولعون كثيرا بالحوارات الساخرة، ولديهم قدرة على التوظيف، وأذكر رواية: المئوي الذي قفز من النافذة واختفى، للسويدي يوناس يوناسون، وهي رواية قامت من الأساس على السخرية، سوى في شخوصها أو مواقفها، أو حوارات تلك الشخوص، إنها قصة رجل في المائة، تغلب على عصابة من الشباب الأشداء، وبطرق غاية في البدائية، طرق مضحكة، ولعل أكثر الشخصيات جلبا للضحك فيها، شخصية ذلك الشخص الذي درس عشرات التخصصات ولم يكمل فيها تخصصا واحدا، فأصبح نصف طبيب، ونصف مهندس، ونصف بيطري، وهكذا.

2063

| 18 سبتمبر 2017

سؤال

ثمة سؤال اعتاد أن يطرحه كثير من القراء حين يطالعون عملا يتحدث بصيغة الأنا، ويرويه كاتب ما: هل تدخل مقاطع من حياة الكاتب الأصلي وسيرته الذاتية إلى عمل كهذا؟ وهل يكتب المؤلف أمنياته التي حققها والتي أخفق في تحقيقها، ويتخفى وراء كاتبه المتخيل؟ ربما يكون الأمر كذلك في كثير من الأحيان، فإضافة إلى تمرير الأفكار الذي ذكرته، يمكن أيضا كتابة سيرة لا يود الكاتب أن يتعرف إليها القراء بوصفها سيرته الشخصية، أو سيرة أحد قريب منه، ويهمه أمره، أو حتى سيرة الحي الذي نشأ فيه، والخيبات التي لازمته كثيرا. المسألة في غاية البساطة، فلن يكون ثمة كاتب موجود في نص كتبه مؤلف حي، ولا تأتي سيرة المؤلف. ولعلي أبدأ بنفسي حين أقول صراحة إن الذي كتب "صائد اليرقات" داخل النص، مثلا، في تلك الرواية التي كتبتها منذ سنوات، كان الكاتب الحقيقي نفسه، وكثير من الأحداث داخلها -مثل انقلاب السيارة الأمنية التي كانت تراقب الطريق، وموت سائقها، وبتر ساق بطل القصة- كانت حقائق صادفتها أثناء حياتي، وكان من الممكن كتابتها داخل سيرة ذاتية، لكن ذلك لم يحدث. من الأشياء الجيدة أيضا في هذه التقنية، جعل الكاتب الراوي أو الكاتب البطل، قارئا لكتاب آخرين، وعن طريق قراءته يمكن إبداء آرائه في عدد من الأعمال التي تذكر القصة أنه قرأها، وقد يمدح بعضها ويبدي استياءه من البعض الآخر، ويذكر ذلك صراحة، ولا يستطيع القارئ أن يجزم بأن هذه آراء الكاتب الحقيقي. مثلا قد لا يذكر في حوار معه أن باولو كويلو لا يعجبه، خوفا من استياء متابعي كويلو، ولكن يقول ذلك داخل نص، على لسان كاتبه البطل الذي هو قارئ لكويلو وغيره. إذن النقد متاح أيضا في تقنية كهذه، وكلما ازدادت الكتابة عمقا وازدادت الشخصية ثراء، تعرف القارئ إلى سكك جيدة، ومداخل للقراءة قد لا يكون يعرفها.

550

| 11 سبتمبر 2017

ليلة لشبونة

من الأعمال المعاصرة، التي أعتبرها جليلة فعلا، وكان الليل ملهما كبيرا لها، رواية ليلة لشبونة التي كتبها الألماني: إريك ماريا في منتصف القرن الماضي، مصورا فيها رعب الحرب، وذلك الظلام الخانق التي كانت تعيشه أوروبا أيام تلك الحقبة المؤسفة، في أربعينيات القرن الماضي. الحقبة التي لن يتخيل أحد كيف كانت وهو يرى أوروبا اليوم، بكل رفعتها، وتحضرها، واحترامها للإنسان، وابتعادها بقدر الإمكان عن كل ما يمكن أن يعد مدمرا له. ولذلك دائما ما أقول إن الأعمال الأدبية، خاصة التي تكتب في أزمنة البلبلة، والرعب، والدمار، هي خير ما يمكن أن يوثق، هنا لن يكون الكاتب فظا في تناوله للأحداث، مثل الرواة التاريخيين، ولكنه يهبنا الحقائق مصحوبة بالمتعة، ولذلك، يكون تناوله الشخصي، هو الأكثر انتشارا بين الناس. ليلة لشبونة، هي ليلة من الليالي، الليلة التي من المفترض أن يسافر في صباحها التالي، رجل مطارد، برفقة زوجته المريضة، إلى أمريكا بعد أن حصلا على تذاكر سفر، وتأشيرة دخول للأرض الآمنة، فرارا من الذبح الألماني، الذي يمكن أن يطال أي معارض للهتلرية، في زمن الجستابو. ليلة فقط وينتهي كل شيء بالنسبة لرجل، غير هويته، وسجن عدة مرات وعذب، وقهر، وفر، واضطر أن يقتل ليعيش، ووصل إلى لشبونة، آخر مخرج ليس متسعا كثيرا، لكنه مخرج ينفتح على الأرض الجديدة البعيدة، لكن الزوجة الرقيقة، شقيقة أحد جنرالات البوليس السري التي ضحت بالاستقرار من أجل زوجها، وتبعته في رحلة البحث عن حياة، ينهكها السرطان أثناء رحلات الفرار، من مكان إلى مكان، وتموت في لشبونة، وهكذا ينتقل الحلم من رجل محطم، وزوجة ميتة، إلى شاب متشرد، وزوجة صبية حية، سيسافران إلى العالم الجديد، بتذكرتي الحلم، بشرط أن يستمع الشاب إلى قصة الحرب والحزن والخوف وفقدان الهوية، وكل ذلك يحدث في ليلة من ليالي لشبونة. الليلة الغطاء التي حملت الهواجس من ذهن رجل لآخر، التي غطت الحزن، والتي سهلت وصول الحلم المجهض، لينتعش مجددا، بعد تلقيه بواسطة الحالم الجديد. إذن حصلنا من تلك الليلة على قصة، لن نقرأ مثلها كثيرا.

1150

| 04 سبتمبر 2017

العازف

في طريقه من باب المقبرة، نحو الطريق العام، إلى حيث يمكنه العثور على عربة تقله إلى وسط المدينة، اعترضه أحد الذين أخفق الفيروس في اقتناصهم على الإطلاق، عازف الجيتار الأعمى الشهير، (روادي مونتي)، الملقب بالإبرة في محيط معجبيه ومنتقديه معًا، وكان شديد الحرص في حياته كلها، ووسيمًا برغم عينيه الهائمتين بلا رؤية، وقادرًا على شم البشر ومخلفاتهم من على بعد عشرات الأمتار، إضافة إلى كونه متأثرا بالغرب في ثقافته، ويزعم أنه تلقى تعليمه في جامعة بروكسل، وكرم هناك باعتباره أول وآخر إفريقي بلا بصر، يتخرج في تلك الجامعة. كان ذلك مجرد ادعاء، خارج نطاق الإبداع، فكينشاسا التي يقطنها الإبرة منذ ستين عامًا، بكل أحيائها وسكانها، تعرف أنه ادعاء، وأن شهادته في الموسيقى، شهادة إفريقية بحتة، حصل عليها في بيته وبجهود مضنية، لكنه زار بروكسل حقيقة، وترنح بجيتاره في (جاليري ستريت)، أكثر شوارعها ازدحامًا ورهبة، وشارك في كورال حماسي، على مسرح (دي لا مونيه) الكبير، أعد لمؤازرة العالم الثالث المنكوب. لم يكن عازف الجيتار، الذي تلازم خطواته، فتاة مليحة في أوائل العشرينيات، اسمها (دارينا)، ويبدو أنها عصاه التي يتوكأ عليها، يريد شيئًا من لويس نوا، ولا كان ساكن أنزارا الحزين يمثل ميدانًا ممهدًا أو غير ممهد، تركض فيه خيول عازف جيتار قديم وشهير ملقب بالإبرة. إنها عادة، تعودها روادي منذ كان صغيرًا في السن، أن يعترض المارين في الطرق أحيانًا بلا هدف، وأحيانًا لاستطلاع الرأي في نجوميته، بعد أن غدا نجمًا. يمكن أن يعترض أمه، لو خرجت من البيت، يعترض مسلحين خطرين، ويعرف أنهم خطرون، ويعترض حتى نفسه، لو صادفها مارة في الطريق، ووجوده اليوم عند المقبرة، كان بلا هدف، لقد جاء ليعترض الطريق فقط. وقد سافر مرارًا إلى أنزارا وأماكن أخرى مجاورة، وبلاد بعيدة، بنفس طبائعه الغريبة، أحيا حفلات صاخبة، ممتلئة جمهورًا ونزقًا وفتيات مليحات، لم يبصرهن بالطبع، وأخرى في غاية الكساد، لم يحضرها سوى الذين نظموها.

1840

| 28 أغسطس 2017

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4200

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1839

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1758

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1608

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1422

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1158

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

903

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

657

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

615

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

549

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
المقاومة برصاص القلم

ليس بكاتب، إنما مقاوم فلسطيني حر، احترف تصويب...

495

| 03 ديسمبر 2025

أخبار محلية