رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

تجربة

جلست مرة لأوقع أحد كتبي في كوفي شوب أمام مكتبة صغيرة، داخل مول تجاري مزدحم، وكانت تجربة غير ناجحة، وحقيقة لم أكن أتوقع نجاحها إنما كانت مغامرة، لا بد من خوضها وتدوينها كتجربة فيما بعد. كان القراء الذين يقتنون الكتاب من المكتبة الصغيرة، يأتون في الكافتيريا أو "الكوفي شوب" يحصلون على التوقيع، والابتسامة، وصورة تذكارية مع المؤلف، بهواتفهم النقالة، التي باتت الآن، أهم وسيلة لاقتناء الذكريات، ونادرا جدا أن تجد شخصا في هذا الزمن، لا يحمل ذاكرته النقالة معه، ولا يبكي قهرا وحزنا حين تضيع أو تسرق منه. ولأنني من الذين يحبون صيد الحكايات، فقد خرجت بحكايات لا بأس بها، من جلستي في الكوفي شوب، ومن تأملي للضجيج وفوضى التسوق أو فوضى الفرجة المجانية، من مشاهدة حكايات العشق الحية، وحكايات الأحلام التي أتصورها وأنا أتابع. كان من أغرب ما حدث في تلك الساعة التجارية أن فتاة اقتنت كتابي، وجاءت للتوقيع، وجرى بيني وبينها حوار قصير، وضحت فيه: أنها لم تقرأ كتابا خارج مقررها الدراسي من قبل قط، لا رواية ولا قصة ولا شعرا، ولا أي إبداع، ولا كانت تلك الأمور من اهتماماتها أصلا، لكنها فجأة قررت اليوم بالذات أن تقرأ شيئا، وكان كتابي الذي التفتت إليه بسبب اسمي الغريب، أول ما اقتنته، وستقرؤه لتعرف أولا، ما معنى أن تقرأ بحرية، بعيدا عن المقررات الدراسية، وثانيا، ماذا تعني قراءة الإبداع؟. وقد أخبرتها بأن كتابي ليس إبداعيا، وإنما هو تجميع لمقالات أكتبها عن الإبداع، فأبدت ارتياحها، لأنها كانت تخشى أن تقرأ شيئا إبداعيا، من دون دراية. حقيقة سعدت بأن نورهان، وهذا اسمها، ستبدأ سكة القراءة وهي في أوائل العشرينات من العمر، وبكتاب من كتبي، لكن بت خائفا ألا ينجح كتابي معها، أو لا تتذوق مقالاتي التي بلا شك تحتاج إلى مزاج، وشيء من طول البال، من أجل التفاعل معها، وبالتالي تفر من القراءة.

517

| 24 مايو 2018

عبد القيوم دليل جمعة

في عهد الشقاوة الأولى، وقبل أن يصل العشرين، كان لقبه عبد القيوم النحيل، ولم يكن نحيلاً قطّ في يومٍ ما، لكنه لم يكن بديناً كذلك، كان لقبه أيضاً هايلا الإمبراطور، ولم يكن يعرف من هو هايلا، ولا أين كانت تقع امبراطوريته، ولا ما هو وجه الشبه بين متشرد وامبراطور. ولقبته واحدةٌ من صديقاته المستهلكات، في حيّ الصهاريج البعيد، بحلّة الطبخ، وكان لقباً ظالماً، وتعسفياً، لأنه لم يكن يشبه حلل الطبخ في أيّ شيء، حتى في الغليان. وأدت تلك الألقاب المتعددة غير المتجانسة، إلى ارتباكه وتردّده في الإجابة، إن صادف وناداه أحدٌ باسمه عارياً بلا لقب. كان عبد القيوم أحد مجرمي سن المراهقة، أحد الذين خاضوها بعنف فنانٍ مميز، وخرجوا إلى الصبا إما مطرودين أو مساجين، وبالطبع، ضائعين، وعاطلين عن العمل بجدارة. كان يعرف أن اللاجئة “أببا” تحب سمك “السيجان” الرخو، وحلوى “الحلقوم” ذات السمعة الطيبة لدى الأطفال، والجبن الدنماركي الذي يجلبه بحّارة السفن، مغلفاً بقصديرٍ أحمر جذاب، فكان يزودها بالسمك والحلوى، وجبن البحارة. تحب الغزل المخمور، المعتٌق، المستقى من قاع حانات الشعور، فكان يدلقه على أذنيها بتأنٍّ، في أيّ وقتٍ، وهو منشرح. سماها النجمة كثيراً، وسماها الشمس ذات يومٍ مشمس، والبدر الذي يُفتقد في الظلام، لكن مناداته لها بالزهرة البيضاء، كانت هي اللقب الذي اعتمده للسانه وحده، وحرم على ألسنة الآخرين استخدامه. – كم عاشقاً لأببا تسفاي، هنا أو هناك أو في أيّ مكانٍ حلّت به تلك الزهرة ذات يوم؟ سأل أفكاره التي تتقاتل في الرأس المخمور السؤال نفسه الذي سأله للأفكار نفسها في مناسباتٍ أخرى عديدةٍ من قبل، وسأله العشرات من المتوافرين والعابرين بالمكان لأفكارهم الشخصية. كم عاشقاً للزهرة البيضاء؟ كانت الإجابة شركاً حقيقياً، فمنذ أن بذرت بائعة الشاي الصبية، الهاربة من نار الحرب في إرتريا، رونقها في موقف باصات السفر، اختلّ توازن الأشياء بشكل مخيف. كبر الصبيان فجأة في أفكارهم ونبضات قلوبهم ليعشقوا، وصغر المسنون المتوافرون أو العابرون في أفكارهم ووجوههم ونبضات قلوبهم فجأةً أيضاً ليعشقوا.

1150

| 16 مايو 2018

موقف

فجأةً عطس الغريب بقوة. رائحة في التنباك العماري، وارد الفاشر، فحلة وقوية يعرفها المزاجيون، اندلقت إلى خياشيمه، قبّلت المزاج المضعضع حتى عطس. أحست حورية بعطاسه غريباً، أجنبياً، ومهرّباً مثل سجائر الكنت؛ أيقظ أشجانها القديمة؛ بعث فيها روحاً طائشة. أحبت عطاسه بتهور، وجادلت في السعر المعروف لسجائرها، وهي كاذبة، لتطيل وقائع الحب والدهشة. عطس الغريب مراراً وهو يقرّب كيس التنباك من أنفه ويبعده بنشوة، وتهوّرت مراراً وهي تشتري أشياء لا تستخدمها عادةً، ولم تشترها من قبل أبداً، وبدت وقفتها وهي حاضنة ذهولها المباغت ورعشتها العميقة وقفة بناءٍ هشّ يتلاعب به مطر غزير. كانت قد تجاوزت الأربعين منذ زمن، بشعرٍ مصبوغ حتى جذوره، وحنّاءَ متقنة جداً على يديها وقدميها، وجسدٍ رشيق الشحم، ورائحة طلح معتّق تنزّ منها، وعينين رمّمهما كحل استفزازي وأوقدهما ناعستين، وكان قد تجاوز الأربعين، هو الآخر. كانت من دماء البلدة الأصيلة، حقنت في عروقها نطفة، وترعرعت في جسد البيئة حتى كبرت، وكان دماً جديداً استخلصته وزارة التربية والتعليم من إحدى قرى الشمال البعيد، وحقنته في عروق البلدة منذ عدة أيام فقط مدرّساً ابتدائياً لمواد العلوم والدين والجغرافيا. لم يكن «أعمشَ» لكنّ نظارة الشمس فوق عينيه كانت توحي بعمشه؛ لم يكن واهن الجسد لكنّ وهن الغربة والسفر والوساوس كان يتقاذفه؛ لم يكن أصلع الرأس لكنه يخطو إلى الصلع بجدارة؛ لم يكن أنيقاً ولا جذاباً ولا لامع الحذاء، ولا أهلاً لليالي الطيش في بلدة جانبية، لكنّ حورية مصلح لم تنسه أبداً. في ذلك الصباح المختلف جداً عن صباحاتها المألوفة جرّدها من نعمة الرسوخ السَني؛ اندلق عطراً خطراً تناثر في رأسها وعينيها وصدرها اللاهث ومرفقيها ومسار تقلباتها لثلاثين سنة قادمة. كانت تحسّه في كل نفس من سجائر الكنت المهربة التي أخذت تشعلها واحدة إثر أخرى؛ تعصره في خيالها بقوة وتجسّه بأنامل الخيال، وتعدّ الفطور والقهوة وشاي الحليب الكامل الدسم من دون جوع أو عطش أو مروءة.

1396

| 08 مايو 2018

كتابة وقراءة

في مجال الكتابة عموما إن كانت إبداعية أو غير إبداعية، كنا نعرف قديما أن ثمة كتابا ينقطعون لتأليف الكتب، وهناك مطابع تطبع ما يكتبونه، وقراء يحبون أن يطلعوا على ذلك النتاج، وبجدية كبيرة، ويمكنهم أن يناقشوه في المحافل التي تحتمل الآراء السلبية والإيجابية على حد سواء. ثم جاءت مرحلة أن تدخل الكتابة وأيضا بشقيها الإبداعي وغير الإبداعي، في دائرة أن يتم التدريب عليها، بمعنى أن أفرادا معينين لديهم استعداد لأن يكتبوا، يتم التحاقهم بورشة يحصلون منها ما يدعم استعدادهم حتى يكتبوا بالفعل. كان الأمر في البداية، مجرد أفكار تطرح وهناك من كان يعتقد بصعوبة تطبيقها، لكنها طبقت في النهاية، ونجحت كثيرا أيضا، وأصبح عدد من الذين تلقوا تدريبا في تقنيات الكتابة، يمكنهم ببساطة شديدة أن ينتجوا أعمالا شامخة، تنافس غيرها على البيع، وتحصل على جوائز أيضا. وفي السنوات الأخيرة، انتشرت ورش الكتابة وبصورة مزعجة، وأصبحت في كل مكان، وشبيهة إلى حد كبير بمدارس محو الأمية، فقط الفرق في أنها قد تمحو أمية الإبداع، وقد لا تمحوه، بينما تلك الخاصة بالتعليم تمحو قطعا أمية كتابة وقراءة الحروف. وشخصيا كنت من الذين شاركوا وما زلت أشارك في ورش الكتابة تلك، وأحصل على نتائج من الذين أندمج معهم في العمل، بعضها إيجابي للغاية وبعضها مخيب للآمال. وأحس أحيانا أن الناس يشاركون في الورش، ويكتبون وينشرون لإرضاء نزعة أخرى، غير روح الإبداع، وربما للحصول على لقب كاتب بالرغم من أنه أفقر لقب يمكن أن يحصل عليه أحد. إذن بنفس القدر، هناك ورش لتعليم القراءة الآن، ولا أعرف كيف سيكون ذلك، وبدأت أتخيل معلما يمسك بيده رواية، ويشرح كل سطر فيها، حتى لا يتم فهمها عن طريق الخطأ، ثم في النهاية يكتب تلك المراجعة التي يظنها مثالية، فيحذو المتدربون حذوه، ويكتبون مراجعات خالية من الأهواء

1525

| 01 مايو 2018

التطوع والكتابة

في بداية التسعينيات من القرن الماضي، كنت أعمل مفتشاً طبياً في الحدود السودانية الإرترية، شرق السودان، وكنت بحكم منصبي ذلك، عضواً في هيئة طوعية للإغاثة، ليست تابعة للدولة، لكنها تسير تحت مظلة الدولة. عن طريق تلك الهيئة، أتيح لي أن أتوغل في الصحراء، وأشاهد القحط جليا، وأساعد في إغاثة منكوبي الجفاف والجوع والزحف الصحراوي، وشح المراعي للقبائل الرعوية، وكانت تلك التجربة أيضا من التجارب الثرية التي استوحيتها من ذلك النشاط، حيث كتبت حكايات سيرة الوجع، ورواية أخرى من لحم البدايات اسمها نار الزغاريد، وفيها تعرضت لسيرة أحد موظفي الإغاثة، وكان يعمل في منظمة طوعية خارج البلاد لكنها اضطلعت بمهمة إغاثة سكان تلك المنطقة، لقد كنت شاهدا حين جاء ألبيرت راكبا شاحنة فرنسية الصنع وخلفه عشرات الشاحنات، تحمل أطنانا من الإغاثة، التي تشمل أشياء وأغذية ومعدات، لم تكن السلطة لتفكر فيها على الإطلاق، حتى لو كان ذلك في بلد ميسور الحال. كان ألبيرت يمارس نشاطه المجاني كجزء من منظومة المجتمع المدني التي تغيث، وفي نفس الوقت، يخترع وراءه حكايات وتفاعلات، تخترع بدورها رواية لكاتب كان حاضرا في ذلك اليوم، وأذكر أنني وصفت ذلك المشهد بهذه الفقرة الأقرب للشعر: " حين دخل الإغاثي، كان الجفاف نجما، تلألأ في سموات الحكايات، ومؤتمرات الأغذية والبدائل، وكاد يسحب سلة غذاء العالم من فوق رقعة الوطن كله. كذب غبار الإيتاب حين لوث البلدة من دون أن يغسلها كما كان يفعل في كل عام، ووضع نهر المبروك عربونا طفلا على الدلتا وانصرف، وبزغت كلمة: لله يا محسنين، حتى صارت منهاجا زراعيا وتجاريا ورعويا وتربويا، ولهاثا مستدرا للعطف، يلون به العشاق رسائلهم العاطفية. كان طبيعيا أن تموت النخلة، ويتأوه البرسيم، وتسند الكلاب مؤخراتها على الحوائط حتى تنبح بأمانة وشرف". ما أردت قوله من ذكر هذه القصة، هو ما يمكن أن يتيحه العمل الطوعي للروائيين من فرص كبيرة، لملامسة الإنسان في شتى حالاته، ومحاولة إعادته إنسانا صحيحا، حتى لو كان ذلك على المستوى النظري فقط.

696

| 23 أبريل 2018

وهم البدايات

منذ سنوات طويلة، وصف أحد الكتاب روايتي نار الزغاريد التي كنت أزهو بها تلك الأيام، بأنها رواية شبحية، وجعلني ذلك أحس باحباط ما لكني تقمصت رؤية القارئ، وأعدت قراءة روايتي تلك، وفوجئت بأنني كتبت قصيدة ملحمية، غاصة بالجمل القصيرة الموحية، والعبارات شبه الموزونة عروضيا، وان هناك حكايات كثيرة داخل النص، لكنها أخفقت في أن ترتبط ببعضها بعضا وتكون حكاية واحدة، يخرج منها القارئ ظافرا ويحكيها لغيره، أو ربما يصفها لآخرين ويشجعهم على قراءة الرواية. اكتشفت أن الغرائبية التي ما زلت أكتب بها حتى الآن، كانت قد ولدت في ذلك النص، لكنها ما تزال بحاجة لتربية، حتى تخرج من حيز الطفولة لحيز النضج. باختصار أعدت القراءة مرات، وكانت روايتي شبحية بالفعل، ولو وضعت في ميدان السرد، فلن يلتفت إليها إلا الشعراء وقراء الشعر. ابتهجت كثيرا حين اكتشفت كل ذلك، وبدأت في التأقلم على كوني كاتبا مبتدئا حتى اشعار آخر، لم أكتب لسنوات بعد ذلك، وكثفت من قراءاتي بصورة كبيرة، بحيث غدا سريري مكتبة، وعربتي مكتبة، وكل ما حولي يبدو كتابا بحاجة لمطالعته. أردت أن انتفض من رماد الشعر، أنزع عباءته التي أرتديها منذ تعلمت القراءة والكتابة، وأغرب شيء أنني لم أحبط، أي لم أنسق لعبارة: «الاكتفاء بما درسه، والخروج من عوالم لا يعرفها»، لقد أردت معرفة تلك العوالم. تذكرت تلك القصة عن الرواية الشبحية، ووهم البدايات، فقط حين أبديت ملاحظات لكاتب مبتدئ، عن نص أرسله لي وأصر على أن أكتب ملاحظاتي، ولم تعجبه تلك الملاحظات، كان غاضبا، وكنت في قمة المرح وأخبرته بأنني تزحزحت قليلا عن مقعد البدايات، الذي فصله لي كاتب مخضرم منذ زمن، وعليه أن يجلس على ذلك المقعد زمنا، إن أراد أن يتزحزح يوما، ثم سألته فجأة: هل قرأت لي شيئا؟ قال: لا.. كنت بصدد القراءة لك، والآن لن أفعل. هذا بالضبط عكس ما فعلته، حين قرأت عن شبحية نصي، لأبحث عن كتابات من انتقدني، وكنت أتمنى لو فعل طالب النصح مثلما فعلت..

1178

| 09 أبريل 2018

السخرية والأدب

كنت شاهدت مرة شريطاً سينمائياً مأخوذاً من رواية عن شخص منحوس كما يطلق عليه، واستمتعت كثيراً بتلك المواقف الساخرة التي كانت تصادفه من دون غيره من الناس، حين يجلس على مقعد مكسور في قاعة كل مقاعدها سليمة ما عدا المقعد الذي جلس عليه، أو تغلق البوابة الإلكترونية للمطار في وجهه دون غيره من المسافرين، أو تسقط سيارة يستقلها في نهر صغير. هنا مواقف مؤذية بلا شك، لكنها مواقف ساخرة أيضا. حتى شكل المنحوس تمت صياغته كما في الرواية، بطريقة تدعو للضحك أو الابتسام. في موضوع رسم الشخصية الساخرة، نحن في الواقع نصادف شخصيات كثيرة، فيها اختلافات عن معظم الشخصيات التي تعيش حولنا، من ناحية بنية الجسد أو التصرفات، لكن ربما نتفاعل معها بصمت أو بقليل من المرح، أو لا نتفاعل على الإطلاق، لكن حين تكتب هذه الشخصيات، ونتمعن فيها بعد ذلك، نكتشف كم هي ساخرة بطبعها ولم يزدها رسم الكاتب شيئا أكثر من تلميعها. الحلاق في الجامعة مثلا، ذلك الذي يستخدم عبارات الطلاب في غير مواضعها، وهو أمي، مثلا يطلق لقب أرملة على الزوجة، أو لقب سستر على الطبيب، هذه الشخصية حين تكتب روائياً، سيكون لها وقع كبير يحشد الضحكات والابتسامات. والحلاق الآخر، الذي يقص قليلا ويردد، لا مؤاخذة، بين كل دقيقة وأخرى، إنها لازمة عنده، وربما لا تضحك أهله أو معارفه أو زبائنه حتى لكنها تصبح فعلاً مرحاً داخل النص الروائي. شخصيات أحمد رجب في كتبه المختلفة، مثل كلام فارغ، والقصص نفسها ساخرة لأبعد حد، مثلا قصة المراجع الذي يذهب لإنجاز عمل في دائرة حكومية، ولا يعثر على الموظف المختص، يظل يتردد يومياً على الدائرة لمدة طويلة، ولا يأتي الموظف، فيجلس مرة على مكتب الموظف الخالي ليستريح، فيأتيه المراجعون، فيوقع لهم كنوع من العبث، فينجزون أعمالهم بتوقيعه. ومن الروايات التي كتبت كاملة بسخرية جيدة، رواية أبو شلاخ البرمائي، لغازي القصيبي، وكنت نوهت كثيرا بتميزها في هذا المجال.

1888

| 03 أبريل 2018

مقطع من قصة

الدكتور لم يتذكرني أبدا، ولا أظنه تذكر أيا من تلك الأيدي التي امتدت بهمة، ورفعته عاليا في ذلك اليوم وهو يهتف في المظاهرة. كان وجهي عاديا مثل أي وجه، واسمي عاديا مثل أي اسم آخر، وبالنسبة له كان الأمر سيكون عاديا أيضا وأنسى وجهه، وأنني كنت قريبا من أنفاسه، في وقت ما لولا أنهم رددوا اسمه كثيرا، بعد أن دخلت المستشفى، وبالطبع أو من شبه المستحيل، أن تجد شخصا آخر باسم ستالين، والحقيقة حتى شخصا واحدا فقط في البلاد كلها، لولا أن ابن عبد الباقي، كان اسمه ستالين. هل تذكرتني؟ كنت أسأله، ويداه تعملان بخفة، وبلا أي رعشة أو تردد، لتحشرا أنبوبا مطاطيا غليظا بعض الشيء في مجرى البول، وأشعر براحة عظيمة، والسائل الملعون الأصفر يتدفق خارجا، ليستقر في كيس من البلاستيك السميك موصل بالأنبوب. أسأله بعد أن كتمت آهة ارتياح، كادت أن تفر من حلقي، أسأله وأعلم أنه لن يتذكرني قط من صفتي الإنسانية، ولكن قد يتذكر صفتي الرسمية، والوزراء في أي زمان ومكان، تملأ صورهم الصحف، لكن الدكتور ستالين كان ماكرا جدا ولعينا جدا، وأشبه بالذي يقسم على غياب الشمس، في وجودها الكامل، إن صح التعبير، قال: لا والله لم أتذكرك. كان مكره غير منطقي، وهناك مكر فيه رائحة منطق، ذلك أن الممرضة التي ركضت في الممرات كان تردد صفتي، والمدير الإداري لجناح كبار المرضى، ردد الصفة أيضا، والطبيب الصغير الذي ارتبك وخرج من الغرفة وعاد برفقة الدكتور ستالين من المؤكد أخبره بوجود وزير يتألم في عيادته.   هتفت زوجتي ليز من خلف ستارة الفحص، وأحس بأنها غاضبة أو متوترة، أو تهيجت غدتها الدرقية، أو تعاني من واحدة من نوبات صداع الشقيقة، الذي يفاجئها في وقت الأزمات دائما: ألا تعرف الأستاذ جمعة راضي وزير الثقافة؟ رد الدكتور فورا، كأنما كان الرد عالقا في المسافة بين حلقه والفراغ، ولم يبد مندهشا، أو يحس بأسف: المعذرة، لا أفهم في الثقافة كثيرا ولا أتابعها.

3329

| 29 مارس 2018

زمن للقراءة

مسألة تحديد زمن قراءة الكتب، تلك التي نجدها عند البعض غالبا يتبع القراءة الفردية، أي حين يكون القارئ متفرغا تماما لكتاب ما، لا يشاركه في التفرغ له شيء آخر من مشاغل الحياة، كالعمل الوظيفي، ومتطلبات الأسرة التي يعيش معها، أي إن هناك جدول قراءة منتظما، يشمل عددا من الساعات، هي للقراءة فقط، وأعرف أشخاصا يلتزمون بمثل هذه الجداول التي يضعونها، يحددون ساعات معينة في اليوم، لا يلهيهم عنها شيء، ويضعون أسماء كتب بعينها، ووقتا تقريبيا لإنهائها، وقد كنت في الماضي مثل هؤلاء، أضع جدولي وأحدد ما سأقرؤه، لكن تشعب المشاغل، وازديادها لم يترك فرصة لجدول كي يتكون، ولساعات كي تحدد نفسها ساعات قراءة فقط، حتى ساعات الكتابة، التي أعتبرها غير قابلة للمساس بها، تأتي أيام ولا أستطيع أن أوفيها حقها. لكن رغم ذلك لا بد من أوقات للقراءة حتى لو كانت قليلة. كذلك يمكن حساب ساعات القراءة المجزأة، أي أن تكون ساعة أو ساعتين في اليوم أو حتى نصف ساعة، ويكون المجموع الكلي سبع أو عشر ساعات، جاءت في أيام عديدة، وأعتقد أن هذه الطريقة هي السائدة اليوم. القراءة مثل الكتابة بكل تأكيد، ولكل منها طقوسها وأمزجتها، وطموحاتها أيضا، وكما يستعد الكاتب جيدا، ليجلس ويعمل، وينتج كتابا، يوجد في الجانب الآخر، قارئ متميز، يستعد هو الآخر لإنجاز دوره في العمل الإبداعي، وهي القراءة إن جاز التعبير، وكما يستخدم الكتاب قهوتهم، وسجائرهم ربما يستخدم القارئ قهوته وسجائره أيضا، وأشياء أخرى قد لا تخطر للكاتب نفسه. القراءة الجماعية، ضرب آخر، وجيد من ضروب المعرفة، أي أن يتجمع عدد من القراء المهتمين وينشئوا ناديا أو مجموعة قراءة، لها قوانين تحدد عضويتها، ونشاطاتها الثرية، ومن يتابع لها أنشطة الكتابة والإصدارات الجديدة هنا وهناك، وشاهدت مظلات لتلك الجمعيات أو لنقل أركانا مميزة في معارض الكتب المختلفة.

2511

| 13 مارس 2018

الخيال وتتبعه

في فترة من الفترات، ومن أجل الحصول على إيحاءات أو بهارات للكتابة كما أسميها، كنت أهتم برسائل الاحتيال التي تأتي لبريدي الإلكتروني يوميا، ولا بد تغزو بريد كل متعامل مع الإنترنت، تلك الرسائل التي تبشر الناس بأنهم ربحوا ملايين الدولارات، وعليهم الاتصال فورا بالمرسل لإثبات الهوية، من أجل صرف الربح، وطبعا هو مجرد بيع للوهم، والنوع الآخر الذي يدعى مرسله دائما أنه من الأثرياء الوارثين، ويريد أن يغادر الدنيا نظيفا بعد اكتشافه إصابته بمرض السرطان، وقد اختار هذا الشخص ليمنحه المال، حتى يتصرف فيه كما يشاء، بعد أن ينفق حصة منه على عمل الخير. حقيقة معظم هذه الرسائل، عادية، فجة، بلا أي خيال، أو بهار يجذب قارئها للوقوع في الفخ، وهي تكرار لبعضها بطريقة مملة ومؤسفة، لكن تشدني في بعض نادر منها، لغة جيدة أو ذكر ما يمكن تتبعه، تماما مثل الخيال الكتابي المحفز للمتابعة والتقصي. وقد تلقيت مرة رسالة يقول صاحبها، إنه روربرت عبد الله، وزير النقل في حكومة إحدى الدول الأفريقية، وسمى تلك الدولة، وأنه كوزير يملك صلاحية أن يمنحني مشروع خط للسكة الحديد، هو من سيموله، فقط سأكون واجهة بوصفي مستثمرا أجنبيا، وأحصل على عشرات الملايين من الدولارات. إنها رسالة احتيال عادية، لكن الخيال الذي صيرها، صادرة من وزير حالي في حكومة بلد بعينه موجود على خريطة العالم، حفزني للبحث، وقضيت وقتا مضنيا، أبحث عن أعضاء تلك الحكومة، من رئيس وزرائها إلى أصغر وزير للدولة، وخفق قلبي وأنا أطالع اسم وزير النقل، ولم يكن روبرت عبد الله. إذن التفاعل مع الخيال جيد، ومهم فعلا، ورغم قسوة ما يمكن أن يخرج به المتفاعل مع نص خيالي من ألم لعدم تطابق رغبته مع واقع الحال، إلا أن مجرد تفعيل الخيال لمطاردة خيال مبدع أنتج نصا، يعد إبداعا أيضا، ودائما ما أردد، أننا لا نحتاج لكتابة الواقع كما نعيشه، وإنما كما نحلم به.

1517

| 27 فبراير 2018

سخرية السرد

 لا بد من الإقرار بأن السخرية أو الفكاهة، من الأدوات الكبرى والمطلوبة، في الأعمال الإبداعية، تماما مثل التراجيديا المحزنة، التي يتذوقها القراء، ويتفاعلون معها. وتجدهم  بكل حواسهم الفجوعة داخل روايات مبكية، يشنق بطلها في آخر النص، أو  تموت بطلتها بالسرطان، أو يحدث حادث لشخصية وسيمة يفقدها الوسامة إلخ، بنفس القدر، هناك من يتفاعل مع النص الساخر، بنفس طريقة تفاعله وربما أكثر، من النص التراجيدي، الذي يستحلب الدموع، مثلا أنا كقارئ، حين اطلعت على رواية المئوي الذي هبط من النافذة واختفى للسويدي يوناس يانسون،( أحكي عن الرواية التي بطلها رجل عجوز في المئة.... الخ.    تفاعلت مع هذه الرواية  بشدة، وكانت ابتسامتي دائمة على شفتي، حتى أكملتها في زمن قصير. لقد استطاع يانسون أن يفعل السخرية هنا، في رسمه لشخصية بطل الرواية: الن العجوز، والمواقف التي مر بها هو والشخصيات الأخرى، وتخيل شخصية مثل بوسي، وهو صاحب كشك يبيع سندوتشات النقانق- هوت دوجز، حين نعلم أنه تعلم كل شيء تقريبا، ولم يكمل تعليمه فيه، على مدار ثلاثين عاما، فأصبح نصف طبيب، نصف مهندس، نصف مدرس، نصف صيدلي، نصف لاعب كرة، ونصف مجرم أيضا. وشخصية مثل الجميلة، التي لم يوصف جمالها ولكن فقط الجميلة، وأحبها بوسي، وتهكم الراوي أيضا على شخصيات تاريخية مثل لينين وماو تسي تونج والرئيس الأمريكي ترومان، ورسم هذه الشخصيات بصورة كاريكاتورية مدهشة، حتى الصرامة والشدة والبطش عند لينين الشيوعي مثلا، ورئيس كوريا الشمالية، كان ساخرا فعلا. إذن يوجد طعم للسخرية، ربما يتذوقه المحبون للطعم، وربما قراء آخرون، عابسون وكئيبون، وبالتالي ينخرطوا في قراءة النصوص.    ولو نظرنا لتاريخ النثر العربي، وبدأنا مبكرا، لعثرنا على كثير من الكتابات الفكهة، أو المرحة كما أسميها، طبعا ذلك قبل كتابة الرواية، في صورتها المتطورة الحالية، وإنما أعني النثر عموما، بجانب الاهتمام بالمحسنات البديعية، الجناس والطباق، وغيرها فيما كتبه كثيرون مثل ابن المقفع، واستخدام الخيال الجامح، في ألف ليلة وليلة.

1971

| 12 فبراير 2018

المحرر

أعتقد أننا بالرغم من عدم وجود وظيفة المحرر الأدبي في العالم العربي، أي في ثياب وظيفة رسمية ملحقة بدور النشر، إلا أننا نملك هذه الوظيفة بالفعل بطريقة أخرى، فكثيرا ما نقرأ في حوار مع كاتب، أنه يعطي النص لأحد أصدقائه ليعطي رأيه فيه قبل أن يرسله للناشر، وهنا لا بد أن رأي الصديق هذا قد أضاف شيئا أو حذف شيئا آخر. أيضا هناك من يردد أن زوجته هي قارئته الأولى، وهنا نستطيع كذلك أن نستشف ما يمكن للزوجة أن تفعله بنص أراد صاحبه رأيها فيه. أذكر عام 1987 حين كتبت روايتي الأولى وكانت بعنوان "كرمكول"، على اسم قرية ريفية ولدت فيها، أن ذهبت بها إلى مثقف مصري، يقيم في طنظا قريبا من مكان إقامتي. كان اسمه محمد الشيمي، وكان معروفا بعشقه للكتب، ومصادقتها وحفظ مقاطع عديدة منها يرويها للناس في الطرق والمقاهي، وكان أول من لفت انتباهي إلى روائع لم أكن قرأتها آنذاك، مثل يوليسيس لجيمس جويس، وجابريلا قرفة وقرنفل لجورجي أمادو، ومديح الخالة لماريو فارجاس يوسا. سجنت الشيمي عدة ساعات وأنا أقرأ عليه نصي كاملا، وحين فرغت وجدته ينحاز للنص بشدة، ثم يزودني بعدة أفكار أخرى ستساهم إن طبقتها في زيادة إبهار النص.  الذي حدث أنني لم أفعل ما أشار به الشيمي ونشرت النص بنفس هيئته التي كتبته بها، ولو فعلت لربما كان لتلك الرواية القصيرة التي انمحت الآن من قائمة كتبي، شأن آخر. لقد كان الشيمي محررا بثقافته ومقدرته وكنت مبتدئا بحاجة لوظيفته وبالرغم من ذلك لم أستغلها. أخلص إلى أننا بحاجة لوظيفة المحرر الأدبي الرسمية، في العالم العربي، وحين تكون رسمية، قطعا هي ملزمة بخلاف رأي الصديق أو الزوجة، وهو رأي ربما يلتزم به الكاتب وربما يلقي به بعيدا. قطعا ستضيف مثل تلك الوظيفة كثيرا للإبداع المكتوب، وسنتخلص من الزوائد التي تملأ الروايات بلا معنى. الرواية المكتوبة بفكرة خلاقة وأسلوب ذكي ومرت على محرر ذي دراية وموهبة، تحدث في رأيي أثرا أعمق مما لو أنها كانت مسؤولية الكاتب وحده.

1737

| 06 فبراير 2018

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4200

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1839

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1758

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1608

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1422

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1158

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

903

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

657

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

615

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

549

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
المقاومة برصاص القلم

ليس بكاتب، إنما مقاوم فلسطيني حر، احترف تصويب...

495

| 03 ديسمبر 2025

أخبار محلية