رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
التمّ عبد النبي الغريب في حجرته الحكومية التماماً مسيئاً لفهم البلدة، بوصفه غريباً عنها. كان ينسب اليقظة المهمومة لنفسه فقط، التمّ بسراويله الضيقة القديمة، لم ينزعها عن جسده ولم يعلقها على أي حائط، بالرغم من أنه تأكد من قفل الباب جيداً. وكان قد التقى زميليه اللذين يشاركانه المبنى في أول المساء، ولم يشاركهما أي حديث. كانت الحفرة ما زالت في رأسه، بالرغم من اجتهاد الحلاق، تذكّره بذلك الطقس الغريب، وجرحه على اليد ليس خطيراً ولكنه جرح، وضع عليه شيئاً من القطن وسائل الجنشن البنفسجي الذي استعاره من شاطر أيضاً. لقد استراح كثيراً لقصة التاجر الغوغائية، المخترعة، بدت له منطقية ولن يسأل مرةً أخرى. عاد إلى كتاب الطبخ المعقّد مرة أخرى، بعد أن التقطه من تحت سريره، بدأ يقلّب صفحاته، ينقّب عن وجبات يعرفها أو سمع عنها، ربما تسرّبت إلى تلك الصفحات مصادفة، لكنها لم تكن. كتاب أرستقراطي، عنصري، مملّ، لا بدّ سيصيبه بتسمم المعرفة. ما معنى الأرز البسمتي؟ ما معنى شرائح الكيوي، والأفوكاتو بالكريم شانتييه؟ ما معنى الفقرة التي تقول: أضيفي قليلاً من عجينة الفوتي إلى الكريم باتسيار تحصلين على الشوسون؟ كتاب عنصري فعلاً، كاد يخلق في قلبه مظاهرة تهتف بسقوط طهو الأسر الراقية. لو كان طاهياً لردّ على تلك الفقرة بفقرة تقول: «أضيفي قليلاً من عجين القمح إلى مرق الدجاج تحصلين على وجبة مقوية لك ولعائلتك». ألقى الكتاب على الأرض مرةً أخرى، إلقاء قارئٍ متعجرف لن يهمّه لو التهمته القوارض أو شقّقته القطط أو تبرّز كلب على ألوانه الأنيقة. الآن ليست في ذهنه أي ضغينة تجاه البلدة وأهلها. سيدرس الدين والعلوم والجغرافيا بنفس كفاءة المعلمين التي يملكها، ولن يبعث بأيّ رسالة إلى رئاسة التعليم في العاصمة، محتجاً على تأخر ترقيته، وتعيين تلاميذه وكلاء للمدارس، كما اعتاد أن يفعل كلما اكتأب. تذكر امرأته الصابرة في قريته البعيدة، وخدوشها الناعمة على وجهه ومشاعره في مثل هذا الليل، حيّاها بابتسامة. تذكر أبناءه الأشقياء وهم يتكالبون على أبوته وراحته، ويتصارعون على صدره، زجرهم بدمعة
862
| 23 أغسطس 2017
في أحد الأيام، وفي وقت الظهر، زارني ديباج في عزلتي البعيدة، في بيتي أو تلك الحجرة الصفيحية الوحيدة التي تتوسط حوشا مسورا بالطين وخاليا حتى من نكهة البيوت الفقيرة، كانت حجرة واسعة إلى حد ما، وقد عبأتها بأشياء غريبة كنت ألمها من الطرق والأسواق وأسطح المنازل، وأحس بها تمنحني الفوضى التي أريدها، والتي كما أعتقد جزء من تكويني. كانت ثمة ملابس قليلة، هي ملابسي، ثمة قصاصات من أقمشة حريرية نسائية، وأشرطة ملونة، وتوكات لقبض الشعر، من الحديد الناعم، كان يبيعها الهنود الجوالون، ثمة عظام قديمة لكلاب وأغنام، وربما بشر أيضا، وعلب فارغة من الصفيح، وقناني من الزجاج فيها تراب وحصى، وثمة أوراق مكتوب عليها عبارات واطئة، وشتائم، وأبيات من شعر الغزل، لم أكن من كتبها لكني لممتها من الطرق، وأيضا ثمة صقر أسود، ضخم محنط، اشتريته من بحار طلياني بأذن واحدة، كان يعرضه في مرسى المراكب بكونادي، موجود كذلك، ويطل بعينين منزعجتين. وفي وسط تلك الغباوة المفرطة، كان يوجد لحافي الذي أرقد عليه، كان ملقى على الأرض، وكان من قطن قديم، متسخ، وبجانبه حجارة أوقد وسطها النار، وقدور وأوان لصناعة الشاي والقهوة، وبعض السلع التي قد أحتاجها لآكل مثل التمر، والدقيق، والدخن والبصل المجفف. صفق ديباج بيديه، صفق بكتفيه، بابتسامته: - هل تحب الحياة هكذا يا أخ؟ كان يسألني. - كيف؟ - في هذه الفوضى. - نعم. أجبت وكنت مترددا، ولا أعرف إن كان انبهاره وذلك التصفيق، فرحة بي أم شماتة، ولا أعرف إن كانت نعم، التي نطقت بها، معي أم ضدي؟ - ولو سمعت أغنية، ماذا تفعل؟ كان سؤالا خارج الفوضى، ومرتبا إلى حد ما، ولا أعرف لزوم حشره. قلت بصراحة: - لا أسمع الأغنيات. كانت إجابة غير دقيقة مني لأنني كنت أسمع غناء كمانة الغجرية، حين أذهب لمقهى دارة، الذي تملكه، لكن حقيقة لا أعرف إن كنت أطرب لذلك الغناء أم لا؟
668
| 14 أغسطس 2017
من الأعمال المعاصرة، التي أعتبرها جليلة فعلا، وكان الليل ملهما كبيرا لها، رواية ليلة لشبونة التي كتبها الألماني: إريك ماريا في منتصف القرن الماضي، مصورا فيها رعب الحرب، وذلك الظلام الخانق التي كانت تعيشه أوروبا أيام تلك الحقبة المؤسفة، في أربعينيات القرن الماضي. الحقبة التي لن يتخيل أحد كيف كانت وهو يرى أوروبا اليوم، بكل رفعتها، وتحضرها، واحترامها للإنسان، وابتعادها بقدر الإمكان عن كل ما يمكن أن يعد مدمرا له. ولذلك دائما ما أقول إن الأعمال الأدبية، خاصة التي تكتب في أزمنة البلبلة، والرعب، والدمار، هي خير ما يمكن أن يوثق، هنا لن يكون الكاتب فظا في تناوله للأحداث، مثل الرواة التاريخيين، ولكنه يهبنا الحقائق مصحوبة بالمتعة، ولذلك، يكون تناوله الشخصي، هو الأكثر انتشارا بين الناس. ليلة لشبونة، هي ليلة من الليالي، الليلة التي من المفترض أن يسافر في صباحها التالي، رجل مطارد، برفقة زوجته المريضة، إلى أمريكا بعد أن حصلا على تذاكر سفر، وتأشيرة دخول للأرض الآمنة، فرارا من الذبح الألماني، الذي يمكن أن يطال أي معارض للهتلرية، في زمن الجستابو. ليلة فقط وينتهي كل شيء بالنسبة لرجل، غير هويته، وسجن عدة مرات وعذب، وقهر، وفر، واضطر أن يقتل ليعيش، ووصل إلى لشبونة، آخر مخرج ليس متسعا كثيرا، لكنه مخرج ينفتح على الأرض الجديدة البعيدة، لكن الزوجة الرقيقة، شقيقة أحد جنرالات البوليس السري التي ضحت بالاستقرار من أجل زوجها، وتبعته في رحلة البحث عن حياة، ينهكها السرطان أثناء رحلات الفرار، من مكان إلى مكان، وتموت في لشبونة، وهكذا ينتقل الحلم من رجل محطم، وزوجة ميتة، إلى شاب متشرد، وزوجة صبية حية، سيسافرا إلى العالم الجديد، بتذكرتي الحلم، بشرط أن يستمع الشاب إلى قصة الحرب والحزن والخوف وفقدان الهوية، وكل ذلك يحدث في ليلة من ليالي لشبونة. الليلة الغطاء التي حملت الهواجس من ذهن رجل لآخر، التي غطت الحزن، والتي سهلت وصول الحلم المجهض، لينتعش مجددا، بعد تلقيه بواسطة الحالم الجديد. إذن حصلنا من تلك الليلة على قصة، لن نقرأ مثلها كثيرا.
434
| 07 أغسطس 2017
حين أنظر لمسألة الكتابة، أجد أشياء كثيرة تغيرت، حتى في السحرية والعجائبية.في الماضي، كان هبوط الروسي، يوري جاجارين، على سطح القمر، مثلا، يعد حدثا غرائبيا، قد تستوحي منه الكتابة، وتحاول أن تنقله بأدوات الأدب، إلى أكبر قدر من القراء، كان خروج قطار عن القضبان، وانقلابه، وموت عدد كبير من المسافرين، مرشحا بشدة، ليصبح حدثا روائيا، يتخيل فيه الكاتب، حياة كاملة لكل ضحية، ويربطها بالمأساة، وكان يوجد في مدينة بورتسودان، على شاطئ البحر الأحمر، مجنون متشرد، أبيض اللحية، لا يعرف أحد اسمه، لكنه يسمى: ابن السارة، أو ولد السارة باللهجة الوطنية، كان شخصية مميزة، يحفظ أرقام باصات النقل العام، ويمكن أن يتعرف على أي باص قادم من بعيد، من صوت الماكينة فقط. كان الرجل من الذين خرجوا أحياء من حادث: أوبو، وهو حادث مؤلم، نتج عن خروج قطار من قطارات الركاب، عن مساره واحتراقه، وموت معظم مسافريه، في سبعينيات القرن الماضي.ابن السارة هذا، كان من المفترض أن يكتب في ذلك الزمان، رجل غرائبي، يصنف مجنونا في معظم الوقت، وعبقريا أحيانا، كل ما فيه يلفت نظر الإيحاء، وأقل الإيحاءات تجاوبا، تستطيع أن تستخرج منه حكايات مشوقة. لقد رأيت ذلك الرجل وكنت صغيرا، ورأيته عن قرب حين عملت في المستشفى، أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وكنت روائيا معطلا، منغمسا في مداواة المرضى، وبلا أي أمل في كتابة جيدة، أو رديئة، وكان هو بدروشته، وجنونه، وثيابه التي يهديها له الناس نظيفة، ولامعة، ولا يرتديها، حتى يمرغها في التراب، وتتسخ حتى يضيع لونها، متوافرا بشدة في المستشفى، يعتبرها محطة، للنوم، ولملمة الصدقات من المحسنين العابرين هناك.هذا العجائبي، لا يصلح في هذا الزمن، من المؤكد أن أي فكرة في شأنه، لن تقدم جديدا، وقد كبرت الحكايات، وكبرت الكوارث، وازداد ترنح القتلى، في كل يوم، وكل مكان، وبشتى أدوات إبادة الأرواح، بما يؤكد أن حادث أوبو الكارثي في زمانه، والذي خرج منه ولد السارة، بلا عقل، مجرد تسلية بريئة للموت، وليست كارثة على الإطلاق.
858
| 29 يوليو 2017
إجابتي على سؤال الفرق بين الشعر والرواية، الذي يواجهني كثيرا، هو أننا من المفترض أن لا تقدّم صنفا على صنف، فالشعر له ميزة ابتكار الصور الفنية العالية الجودة، والسمو بالمفردات العادية لجعلها تحلق بعيدا، وهو أساس نبش الخيال وإعادة إنتاجه، وهو أيضا ركيزة في فن الغناء الذي نعشقه جميعا.فحين تقرأ قصيدة مثل "مديح الظل العالي" لمحمود درويش، أو "أعشاب صالحة للمضغ" لمحمد سليمان، أو أي قصيدة أخرى لأحد الشعراء المجيدين، تحسّ بتلك الأجنحة التي ارتدتها المفردات وحلقت بها، وتحس أيضا بأن لديك جناحين تشارك بهما في التحليق.ورغم أن محاولات عديدة وكثيفة جرت لتخريب الشعر في السنوات الأخيرة وأفقدته الكثير من هيبته القديمة، وتشرد كثير من متذوقيه، فإن وقع القصيدة الحقيقية يبقى، وما زال ثمة شعراء يكتبون تلك القصيدة الواعية، وتوزع كتبهم أفضل من الكتب السردية.أيضا هناك مواضيع هامة يمكن أن يلخصها الشعر في ومضة، بينما تحتاج لرسم مجتمع وشخصيات وحوادث من أجل الحديث عنها في الرواية، مثل مواضيع السجن والنفي والتشرد وغيرها من المواضيع التي باتت من أهم سمات هذا العصر. وأقول إن ومضة الشاعر ستكون سهلة الوصول إلى المتلقي ولن تحتاج لوقت، بينما صفحات السارد قد تحتاج لذهن مفتوح، ووقت طويل من أجل دحرجة الفكرة إلى ذهن المتلقي.لذلك ورغم أن سكك الإبداع باتت تبدأ الآن من الرواية، وبرغم من أن عددا لا بأس به من الشعراء المترسخين في كتابة القصيدة وضعوا أقدامهم في درب الرواية، فإن عددا آخر لم يفعل وظل محافظا على موهبته الشعرية ويسعى لتطويرها، من أجل تلك الومضات التي ذكرتها، والتي تغني- بلا شك- عن وقت يحتاجه الشخص ليفكر في كتابة رواية، ثم يكتب خطوطها العريضة، وأخيرا يحاول إنجازها كاملا، وربما ينجح في ذلك وربما لا ينجح، ويتحول ما كتبه إلى مسودات ربما تضيع بمرور الزمن.إذن بخصوص هذا السؤال -أي ما يقدمه الشعر وما تقدمه الرواية- أعتقد أنني أجبت، فكلٌّ يقدم حسب طاقة تحمله، وما يحمله من صفة إبداعية، وكلاهما أمر مبدع بلا شك.
5939
| 17 يوليو 2017
الكتابة المشتركة في الحقيقة ليست جديدة على الإطلاق، ودائما في كل جيل يوجد من يمارسها، لكنها ليست كثيرة ولا منتشرة حسب علمي، ولذلك نادرا ما نجد اسمين على كتاب واحد، وإن وجدنا ذلك، غالبا ما نتساءل: لماذا كتبت هذه الرواية، أو هذا الديوان الشعري بواسطة اثنين وليس بشخص واحد كما هو معتاد؟ خاصة إن كان الاثنان معروفين لدى القراء.أذكر أن هناك كتابا أوروبيا، لم يرسخ اسمه في ذهني، وأظنه رواية، كتب منذ سنوات بواسطة ثمانية وعشرين كاتبا، كل واحد كتب فيه فصلا، وأعتقد أن هذا هو السبب الذي لم يجعل تلك الرواية تشتهر وتصبح قريبة من الاستدعاء في الذهن، وتستجيب للحظة مناداتها.حين كنت أكتب الشعر بالعامية قديما، تعرفت إلى شاعرين، يكتبان بالعامية أيضا، وينتجان أغنيات يرددها المطربون، في المدينة مثلما كنت أنتج. كانت سادت موضة في تلك الأيام، أن يتغنى المطربون بأغنيات الفخر الوطنية، أو التي تمجد شخصيات معينة إو شخصيات تراثية، وهذه لها أغنيات تمجدها، محفوظة في التراث، ويتم انتشالها وترديدها، وإما شخصيات معاصرة، وهذه تصاغ لها أغنيات شبيهة بالتراثية، وتتطلب مهارة في تقمص روح المادح الشعبي القديم، وطريقته، حتى تنجح الأغنية.أحد هذين الشاعرين اقترح أن نكتب أغنية مثل هذه، ليست خاصة بشخصية حية موجودة، ولكن شخصية متخيلة، تبدو حقيقية، على أن يكتب كل منا فقرة فيها. وهذا ما حدث، حيث كتبنا فقراتنا، وأعطيناها لمغن هناك، وقام بتلحينها وغنائها بسرعة، ولم تنجح قط، كنت أستمع إليها، فأجد فقرتي مليئة بالصور الغريبة، وسط فقرتين أخريين، أقرب للشعبية، وأحس بأن المغني يجاهد حتى لا يخطئ في نطق كلمة من الكلام غير المألوف الذي حفظه، وكانت هي التجربة الأولى والأخيرة، ناقشناها بعد ذلك، ولم نعد لتكرارها مرة أخرى، عاد كل منا لصياغة أفكاره الخاصة، وأغنياته التي قد تنجح وقد تسقط، لكن ليس بسبب ترنح الصياغة، وعدم وحدة الجو العام.الآن لم أعد أذكر اسم تلك الأغنية، وحقيقة لم أعد أذكر حتى اسم المغني، وأصلا تجربتي تلك، كانت مرحلة ما من مراحل التعاطي مع الكتابة، انتهت بخيرها وشرها.
436
| 03 يوليو 2017
هيرتا مولر الحاصلة على نوبل للأدب منذ سنوات، كانت لديها قصة ترويها، جابرييل ماركيز كانت لديه قصة أيضا، وهي قصة تقترب من قصة مولر، من حيث نبش الديكتاتوريات، وإدانتها أدبيا، وتبتعد عنها حين تروى بالبهارات الماركيزية، التي تشمل السحر والأسطورة، والواقع الذي يشبه واقعنا ولا يشبهه وأنا لدى قصة مختلفة، أرويها بطريقتي أيضا، وغيري من الذين يكتبون، لا بد يتكئون على قصص، يتشوقون لروايتها أيضا. ويوجد في كل بلد، وكل مجتمع أشخاص يملكون القصص، ولا يستطيعون روايتها بسبب عدم قدرتهم على الكتابة، أو عدم معرفتهم للكتابة أصلا، ولذلك تجد دائما كتابا نشأوا في مجتمعات ما، تطوعوا لإيصال تلك القصص إلى الناس عن طريق حكايتها في نصوص أدبية، وقد حضرت مرة في الخرطوم، لقاء مع الكاتب العظيم: إبراهيم إسحق إبراهيم، الذي لا يعرفه الناس خارج السودان، مع الأسف، وكان من الذين كتبوا ولا يزالون نصوصا ساحرة، شديدة الجمال والخصوصية. لقد وصف إبراهيم نفسه في ذلك اللقاء، بأنه مجرد عرضحالجي، يكتب ما يرويه الناس من دون أي تدخل، وقصصه عن آل عثمان، هي قصصهم هم، وإن كان ثمة ثواب فهو ثواب العرضحالجي.طبعا هذا كلام رائع، لكن أكيد أن دور الكاتب كان أكبر من ذلك، فالعرضحالجي، يكتب القصة كما وردت من اللسان، والكاتب الموهوب مثل إبراهيم، يبهّرها ببهاراته، فتخرج بالطعم المطلوب.مما ذكرت، فإن العالم كله قصص، بعضها يروى لأنه بين يدي من يستطيع أن يروي، وبعضها يموت مع الذين يملكونه، لأن لا أحد منهم يعرف رواية الحكايات، وبعضها ينتشله أحدهم من مجالس السمر في القرى، أو الروايات الشفاهية التي يرددها الناس أحيانا، وكان في زمننا آباء وأمهات يقومون بمهمة الراوي الشفاهي لقصص وأساطير، تبقى في الذهن، وغالبا ما تثمر لدى من سيصاب بمرض الكتابة مستقبلا، وأزعم أنني استفدت كثيرا من ذاكرة أبي الفوتوغرافية، حين كانت تنداح ذكريات موحية للكتابة، ومن موهبة أمي في الحكي التي أمدتني بالكثير أيضا.
2814
| 05 يونيو 2017
-حكايتان أريد أن أعرفهما.. حكايتان يا كمانة.كانت قد تحسنت بصورة كبيرة، انزوى اكتئاب الأيام الماضية كله وبزغ اكتئاب جديد، عبارة عن لمحة كآبة خفيفة وسط الوجه الضاج بالفرح.كانت عادت إلى إدارة مقهاها بكفاءتها القديمة، وسرحت شعرها بضفائر طويلة لا تشبه طباع الغجر، ولا تسريحات الشعر عندهم، التي لا تعترف بالضفائر قط، وتترك الشعر كثيفا ومتناثرا على الوجه والظهر. ولأنها اختارت من قبل أن تصبح في عمرها الحقيقي، فقد ظل العمر مؤطرا على وجهها.-عندي عشرات الحكايات يا مرحلي، أي حكايتين منها تريد؟ضحكت وأنتبه لأول مرة إلى أن لها لسانا أحمر، خاليا من النمش، وأسنانا عظيمة، أسنانا ليست كاللولؤ ولا كالمرجان ولا كأي شيء آخر.-بابا توندي وغفير الغجري.. ما حكايتهما؟كأنني أيقظت كآبتها العريضة المندحرة، من رقادها الذي كان، تغير وجهها تماما وما عاد وجه كمانة، الذي كان يحمل منذ قليل فقط، كآبة هشة وكثيرا من الجمال:-لا تسأل يا مرحلي.. لا تسأل.. بابا توندي جن.. مس أصابه.. هكذا يقولون.. كان يتحاوم عاريا في الجوار.. يغني ست أو سبع أغنيات عن الحنين، في اللحظة نفسها، يلقي بنفسه من فوق ظهر حمار يركض، ويردد.. تعال .. تعال.. ولا نعرف من ينادي؟، ومنذ يومين فقط، دخل المقهى لأول مرة في حياته، تلفت وصرخ وتمخط على الطاولات، وأوقف بعنف، عددا من الزبائن، وصفعهم.. لقد اعتذرت للجميع.. دفعت لهم أموالا حتى يسكتوا.. وكلفت “سيدونا” بنقله إلى أقرب مكان فيه من يطب المجانين.. وقد فعل.. هل التقيت بسيدونا من قبل يا مرحلي.. هل تعرفه؟-لا سيدتي، لم يحدث.-ولن تلتفي به أبدا، سيدونا لا يعترف بالمدن، ولا الأرياف حتى، هو يعيش في الغابات، وسط الأشواك والجوارح، ولا يأتي إلى المدينة إلا حين أرسل له أحدا.. يأتي ليخدمني فقط.-وما علاقتك به؟
381
| 29 مايو 2017
في أحد المقالات، كنت تحدثت عن عالمية النصوص وكتابها، وكيف نخلط في العادة بين النص المترجم للغة أخرى غير لغته، أو حتى لغات عدة، والنص الذي يعتبر عالميا. قلت إن الترجمة في حد ذاتها، ليست طريقا عالميا تسلكه الكتابة بجواز سفر معبأ بتأشيرات الدخول لأي مكان، وإنما وقفة قصيرة أو طويلة، أمام جوازات الإبداع، قد يحصل بموجبها على تأشيرة دخول وقد لا يحصل، بينما النص العالمي، هو ذلك يعبر ببساطة إلى التذوق بعد ترجمته. ذلك أنه أثار موضوعا عاما تتناقله البلاد كافة، أو تحدث عن مرض يصيب الناس في زيمبابوي ومونتريال على حد سواء، مثل الفيروسات، أو تنبأ بكارثة ستحدث في بقعة معينة، وحدثت تلك الكارثة، وثمة نصوص كثيرة، كتبت في بلاد العرب وفي الهند والصين انطبقت عليها صفة العالمية وأصبحت عالمية بالفعل.بخصوص كتابتي تلك، علق قارئ، وكان يعتقد أن العالمية أيضا سلوك للكاتب بقدر ما هي سلوك للنص، أي أن الكاتب العالمي ينبغي أن يشبه نصه في ارتداء المعرفة، والاستعداد لنشرها. وقد اعتبرت ذلك التعليق حيويا جدا، وبالفعل، كلما كان المؤلف أنيقا في سلوكه، وحضاريا، وممتلئا بالمعرفة، وله خبرات واسعة في مجالات المعرفة المتعددة، كان النص سريع العبور، ويتم تذوقه، والتنويه له في محافل عدة.أيضا كتبت عن المكتبات المنزلية، وشبهتها بالعنابر المملوءة بأرواح كثيرة، هي أرواح الكتب التي تتحاوم في بيوتنا، وتسعدنا بوجودها وقد لا نحس بها. التفاعل مطلوب إذن، وكلما أحس الكاتب بوجود من يتفاعل معه، ازداد احتراما لكتابته، وسعى للازدياد من المعرفة، ومحاولة نشرها هنا وهناك.
563
| 22 مايو 2017
سمعت صوت المرأة مرة أخرى، من خلف باب النزل، كانت تخاطبني هذه المرة:-أنت نزيل أم زائر أم برطمان؟ارتعشت، وكانت في الصوت خامات برد، تجلب الرعشة، ولا أدري لم أحسست رغم صلابتي، بالغربة، والوهن، وأنني أخطأت بقبولي مهمة في بلاد أزورها لأول مرة، ولا أفهم تضاريسها، وعادات سكانها، في أي وقت يمرحون مثلا، وفي أي وقت يبدون مستعدين لأن يموتوا. نزيل أم زائر، واضحتان، ولكن كيف يكون الرجل برطمانا؟، هل هو وصف لحالة معينة، يستخدمه أهل البلاد هذه؟، أم لعله مزاح، والصوت لا يبدو صوت أحد يمزح. لا أدري حقيقة، لا أدري.رددت: زائر، أبحث عن نزل للإقامة.-ليس لدينا أماكن هنا للزوار. اذهب.ردت، وكانت خامات الرعشة أشد، وأحسست بأن عظامي ترتعش. التفت خلفي، كان الرجل شبه العاري، ما زال نائما في خلائه البعيد، المدخنة التي في أعلى أحد البيوت، توقفت عن ضخ الدخان، والمرأة التي تغسل أو تعجن أو تهدهد طفلا، على سطح، لا تزال تعمل بلا توقف. كان أمرا غريبا حقا، أن أجد باب نزل يفترض بأنه مخصص أصلا للغرباء، مغلقا أمام الغرباء، وغريبا جدا أن لا يفتح الباب حتى، ويرفض النزلاء، من خلف ذلك الحجاب. قلت وأحس صوتي غريبا، متخما بانفعلات شتى:-عفوا يا سيدة، سأدفع تكاليف إقامتي فورا، لست متشردا، افتحي أرجوك.كنت أتحسس حزام دنانيري المربوط في وسطي، تحت الثياب، بإتقان وسرية، ومددت يدي في اللحظة نفسها، إلى قفل الباب أحاول إدارته، وكان قويا، مصنوعا من خشب صلد، ولم يتزحزح.-سيدة؟، من قال إني سيدة؟.. اذهب قبل أن تفقد عينك.. اذهب.-لماذا أفقدها؟سألت، ورعشتي تزداد، ويدى اليمنى، تخلصت من العصا، للحظة، وارتفعت تلقائيا، تتفقد العينين، لكن أحدا لم يرد علي، وسكنت الأصوات كلها بغتة، وحتى القطة الجائعة ما عادت، تبث لحنا مرهقا وكئيبا.
453
| 15 مايو 2017
تلقيت منذ فترة بسيطة، وبالتحديد بعد يوم واحد من إعلان نتائج البوكر وفوز رواية موت صغير للسعودي الشاب محمد حسن علوان، بالجائزة الكبرى، أكثر من خمس رسائل، كلها من أشخاص لا أعرفهم ولا علاقة لهم بالحقل الثقافي الذي أعمل فيه من زمن طويل، وبينهم فتاتان، تعمل إحداهما مصممة ديكور في شركة صغيرة، والأخرى ممرضة في مستشفى حكومي، بينما الشبان الثلاثة، لم يذكروا إن كانوا يعملون أم لا؟كانت الرسائل قصيرة ومقتضبة ومليئة بالأخطاء، لكنها جميعا اتفقت على أسئلة محددة، تكررت في كل الرسائل، وإن كانت بصيغ مختلفة:ما هي الشروط التي يجب توافرها فينا، حتى نفوز بجائزة كبرى مثل جائزة البوكر أو جائزة كتارا للرواية العربية؟كيف نكتب رواية جيدة تحقق الفوز؟ما هي نصائحك لنا؟ وكيف تأتي الأفكار العظيمة، التي تصنع نصوصا، تكسب الجوائز؟وكان ثمة سؤال واحد، ذكرته الممرضة، ويبدو أنها استوحته من عملها. كانت تسأل عن تقييمي لفكرة قصة، تدور بين مريض في العناية المركزة، مصاب بعدة جلطات في المخ، تجعله يستجيب بتحريك عينيه فقط، وبين ممرضة تشرف عليه، وأحبته بجنون. كانت تسأل عن كيفية ملء هذه الفكرة، وتحويلها لرواية.من هذه الأسئلة التي أوردتها، وكتبت بصيغة أو بأخرى كما ذكرت، يتضح لنا جليا، ذلك الطموح المختل للحصول على كسب ما، بأي طريقة، والذي بات مسيطرا على الناس، في زمن اتسعت فيه رقعة الظلم بدرجة كبيرة، وسيطر ضيق العيش على حياة الناس، ولم يعد ثمة مكان إلا وتفور بداخله صراعات، وحروب، وفتن، ويسيطر إصرار غريب على كل من يقاتل خصما ربما ليس خصما حقيقيا، أن ينتصر بسحقه.
479
| 08 مايو 2017
اعتدت قراءة الروايات، وكتب السيرة والرحلات، وأخرج بمعطيات كثيرة، حين أقارنها بالتاريخ، أجدها صادقة في معظم الأحوال، وتنساب إلى ذهني بسهولة، لما تحمله من جمال.في روايات الحرب مثلا، تلك التي كتبت في زمن حدوثها، أو بعد انتهائها بفترة وجيزة، ستجد كل ما يمكن أن يعد سرا من أسرار الحرب مكشوفا أمامك، ستجد الأسلحة التي استخدمت والجيوش التي تقاتلت، وربما عدد القتلى الذين سقطوا، والجرحى الذين تم إسعافهم أو لم يتم، والناجين الذي كانوا يهللون بنصر، لم يكن في الحقيقة نصرهم شخصيا، وإنما محرقة لهم، لينتصر من أراد إشعال الحرب. وجدت تلك المعاني المتنوعة، في رواية «ليلة لشبونة» للألماني إريك ماريا، وفي «تقشير البصلة»، السيرة الذاتية للألماني غونتر غراس، وقد عاش في الحرب وشارك فيها، مضطرا كمواطن ألماني، وكذلك في كتب بعض الإسبان واللاتينيين، والأفارقة، من الذين خاضوا حروبا أهلية، خرجوا منها سالمين، لكن كتبوا لنا إبداعا داميا، تخبط فيه أبطالهم وسقطوا ضحايا، وما زالت ترد إلى ذهني دائما، رواية « الله يفعل ما يشاء»، التي كتبها العاجي الراحل أحمدو كروما، لتصبح من العلامات في أدب الجروح وعدم اندمالها، في أي وقت. بالنسبة لأنظمة الحكم في زمن ما، وطريقة الأكل واللبس، والفرح والحزن، وتقاليد الأعراس والمآتم وغيرها من الأشياء المؤثرة في تاريخ الشعوب، نجدها كثيرا في مذكرات الرحالة العابرين ببلاد لم يكونوا أصلا من أهلها، ومعروف أن الرحلات الاستكشافية، تنشط منذ زمن بعيد، ولا يوجد عهد من العهود، إلا تحدث عن الكثير منها.
404
| 02 مايو 2017
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
4200
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
1839
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1758
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
1608
| 02 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1422
| 06 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1158
| 04 ديسمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
1149
| 03 ديسمبر 2025
لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...
903
| 03 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
657
| 05 ديسمبر 2025
تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...
615
| 04 ديسمبر 2025
شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...
549
| 07 ديسمبر 2025
ليس بكاتب، إنما مقاوم فلسطيني حر، احترف تصويب...
495
| 03 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية