رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أمس الأول – السبت – مر على ثورة الخامس والعشرين من يناير في المحروسة ثلاث سنوات بالتمام والكمال وهي ثورة بكل المقاييس غزلها نفر من شباب الوطن ثم انضمت إليهم الملايين من الشعب المصري الذين خرجوا مطالبين بإنهاء نظام مبارك الاستبدادي ومطالبين بالحرية والعيش والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وفي تلك الأيام توجهت مع ابنتيّ الصغيرتين: شروق وأريج إلى ميدان التحرير وكانت أول إطلالة لهما على المشهد السياسي في مصر وشاركتا في ترديد الهتافات المطالبة برحيل مبارك وإسقاط نظامه ومن هذه اللحظة تشكل لديهما ولدى باقي أفراد أسرتي التي أقامت بالدوحة زهاء 15 عاما الانتماء للوطن. وبعد رحيل مبارك تحول منزلي إلى خلية سياسية -إن صح القول – وباتت مفردات الديمقراطية والتعددية والانتماء والثورة وغيرها من مفردات اللحظة هي التي تتردد في حواراتنا بعد أن كان أغلب أفراد أسرتي في حالة قطيعة مع المشهد السياسي. كانت البهجة بالثورة بلا حدود وهي سمة اشترك فيها كل المصريين الذين تمكنوا من إجبار نظام ظل مهيمنا على صدورهم أكثر من ثلاثين عاما وتمددت هذه الحالة إلى الروح المصرية الأصيلة فتجلى التضامن والتكاتف وترسخ الأمل في صياغة واقع جديد ينحاز لبناء وطن ينهض على المواطنة ورفض التمييز ويعيد الاعتبار للعدالة الاجتماعية التي غابت أو غيبت قسرا بعد أن فرض تحالف السلطة والمال سطوته على هذا الواقع الأمر الذي أعاد الطبقية التي كانت سائدة قبل ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 على نحو أكثر بشاعة. ولم تمض سوى أشهر قليلة على ثورة الخامس والعشرين من يناير حتى شعر المصريون بأن الثورة لا تتقدم بل ثمة من يعمل على دفعها للتراجع في ظل رؤية ضيقة للمجلس العسكري الذي تولى مقاليد البلاد وإن كانت قد اتخذت إجراءات ضد مبارك ورموز نظامه ودخلت المحروسة في دوامة من العنف المتوالي الذي لا يعلم أحد حتى الآن من الذي كان يشعله ويتسبب في إضافة المزيد من الشهداء والمصابين وعندما أجريت الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية والتي أفضت إلى وصول الدكتور محمد مرسي القيادي الإخواني ورئيس حزب الحرية والعدالة إلى رئاسة الدولة بدا أن قدرا من التفاؤل آخذ في التبلور خاصة أن طروحاته تبنت مبادئ الثورة وأعلن انحيازه لبناء الدولة الديمقراطية والمدنية القائمة على التعددية والسعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية غير أنه سرعان ما وقع التراجع عن هذه الأفكار وظهر ما يمكن وصفه بمحاولة تمكين جماعة الإخوان المسلمين من السيطرة على مفاصل الدولة المصرية وهو أمر كان من السهولة أن يتم لو أن إستراتيجية الجماعة استندت على معادلة تقوم على تلبية أشواق المصريين والتعامل بجدية مع معضلاتهم اليومية مثلما فعل رجب طيب أردوغان وحزبه في تركيا وهي المعادلة التي أدت إلى أن يبقى في السلطة لثلاث فترات حقق خلالها الكثير من التحولات المهمة للمواطن التركي خاصة على صعيد الخدمات والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الأمر الذي جعل حزبه يتصدر الانتخابات البرلمانية ويحقق الأغلبية المريحة في مجلس النواب. وأكثر الظن أن مرسي لم يتمكن من الخروج عن توجهات الجماعة ومكتب إرشادها والتي كانت تتسم بضيق أفق سياسي لم تنفتح على كل مفردات الواقع المصري الذي من الصعب أن يحكمه فصيل أو تنظيم أو قوة سياسية واحدة ولكنه يحتاج إلى صيغة توافق وطني لم تنجح الجماعة في بلورة عناصرها والتواصل بشأنها مع القوى الأخرى بل عملت على إقصائها وفرض منظورها مثلما حدث في الإعلان الدستوري الأول لمرسي بعد ثلاثة أشهر من وصوله إلى الرئاسة والذي قطع كل الشعيرات التي كانت متبقية مع هذه القوى ثم تلا ذلك إقرار دستور لم يراع مطالب وتوجهات باقي فئات المجتمع وإنما كان تعبيرا عن رؤية تيار الإسلامي الذي سكنته مشاعر فياضة بالقوة. وتبلور التيار الرافض لتوجهات الجماعة ورئيسها في وقائع ثورة الثلاثين من يونيو التي فرضت واقعا جديدا يسعى إلى تحقيق أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير وفق ما أطلق عليه خارطة المستقبل والتي كانت بدايتها موفقة للغاية متمثلة في إقرار دستور جديد يكرس المواطنة والتعددية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في الواقع المصري والذي حظي بالتفاف شعبي كاسح في عملية استفتاء اتسمت بالشفافية والنزاهة وفق تقارير منظمات محلية ودولية راقبته على مدى يومي 14و15 يناير الجاري وثمة من يسأل هل جاءت ثورة الثلاثين من يونيو لإزاحة ثورة الخامس والعشرين من يناير؟والإجابة في تقديري بالنفي فالثورة الأولى هي الأساس ولكن تعرضت مبادئها وأفكارها إلى قدر كبير من الترهل والتجاوز بل ومحاولة القفز عليها من كل حكومات ما بعد الخامس والعشرين من يناير ومن ثم كان من الضروري أن يتحرك الشعب المصري وبملايين أكثر من ملايين يناير لتصحيح مسار الثورة وإعادة الاعتبار لأهدافها وتوجهاتها وبعيدا عن الشخصنة السائدة حاليا في المشهد السياسي يمكن الإشارة إلى بعض الملاحظات التي أراها ضرورية في هذه المرحلة: أولا: ثمة أصوات ووجوه ورموز تنتمي إلى نظام مبارك الكريه تسعى إلى الظهور في المرحلة الراهنة بل بدأت تعلن عن نفسها في تجمعات وكتل سياسية وهو ما أثار المخاوف على مصير يناير بل ويونيو خاصة مع أحكام البراءة التي طالت العديد من قيادات هذا النظام وهو ما يستوجب من القيادة السياسية الحالية حسم موقفها من هذه الظاهرة بشكل أكثر وضوحا بدلا من التعبيرات الفضفاضة. ثانيا: إقدام السلطات الأمنية على ملاحقة بعض من شباب ثورة يناير ووضعهم في السجون وتحويلهم إلى محاكمات وهو ما اعتبر نوعا من الانتقام منهم لدورهم في محاولة إسقاط منظومة الأمن في الثامن والعشرين من يناير 2011 الأمر ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل جرى تسريب ما أطلق عليه اتصالات مريبة قام بها هؤلاء الشباب مع جهات خارجية لوسائل إعلام محلية مما يلقي بظلال من الشك على طبيعة دورهم في هذه الثورة بحسبانه كان جزءا من مؤامرة على الدولة المصرية واللافت أن وزير الداخلية الحالي اللواء محمد إبراهيم قد تنصل من مسؤولية تسريب هذه الاتصالات وذلك يؤشر أن ثمة جهات تحاول أن تشوه صورة هؤلاء الشباب وهو ما يستوجب إعلانا صريحا من الدولة المصرية بوطنية هؤلاء الشباب إلا من تثبت عليه تهمة الاتصال بالخارج للحصول على تمويل أو دعم فهنا ينبغي توفير المحاسبة القانونية والقضائية وبشكل علني. ثالثا: إن المحروسة تعيش متوالية من العنف الأمر الذي يسفر كل يوم عن المزيد من الدماء التي تراق لمصريين وهو ما يتطلب من الجماعات التي تنتهج هذا العنف أن تتوقف عنه لأنه لن يوفر لها أي إمكانية لعودة أوضاع ما قبل الثلاثين من يونيو وفي الوقت نفسه فإن السلطة مطالبة التوقف عن تبني الحلول الأمنية فقط وإنما يتعين عليها تبني الحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي تحشد حولها الملايين ولاشك إقرار الدستور الجديد شكل الخطوة الأولى في هذا المسار وعليها أن تواصل تطبيق باقي الخطوات وفي المقدمة منها إعلاء قيمة المواطنة واتخاذ خطوات ملموسة على طريق العدالة الاجتماعية يشعر بها المواطن في حياته اليومية.
743
| 27 يناير 2014
هو صديق عمر ممتد إلى نحو 39 عاما منذ التحقنا سويا بكلية الإعلام جامعة القاهرة في العام الدراسي 1974 \ 1975 قادمين من أقصى الجنوب في مصر، هو من مدينة أدفو التابعة لمحافظة أسوان وأنا من مدينة الأقصر والتي كانت تتبع محافظة قنا في ذلك الوقت، ثم استقلت عنها وأضحت محافظة قبل بضع سنوات وفي الأسبوع الأول من الدراسة تعارفنا ثم تداخلنا كصديقين حميمين ثم سرعان ما انضم إلينا صديق ثالث بعد أن اقتربت الأرواح والأفكار وشكلنا مثلث صداقة شهيرا في الكلية وبالطبع انضم إلينا كثيرون. غير أننا جعلنا مثلثنا مغلقا علينا نحن الثلاثة، لكن وفق قاعدة من المحال بقاء الحال على ما هو عليه فإن الضلع الذي كنا نعتبره الأساسي لمثلثنا غادرنا وتركنا وحيدين نبكيه من أعماق الروح وندعو له بالغفران بعد أن أضحى في ذمة الله. كان أنموذجا للإنسان الذي يمتلك مهارة العطاء من دون انتظار مقابل، يعطي من وقته ومن ماله ومن سداد نصحه، لا يبخل أبداً، كان هاتفه مفتوحا طول الوقت، لم يغلق بابا أمام محتاج في أي زمان ومكان يقيم فيه. عاش في الدوحة نحو ستة عشر عاما، كان خلالها موضع إجماع على نبل شخصيته، تجده معك في الملمات، فضلا عن مشاركته بهجتك، إن غبت عنه يسأل بإلحاح، إن مرضت يكون أول الزائرين لك، إن توفي أحد يكون من أوائل المعزين والمواسين.كان سمته الهدوء والابتسامة الصافية وعندما يضحك كانت تنبع الضحكة من الأعماق لم يكن يجيد فنون النفاق، كان مخلصا في العمل ويركز على الجودة، كان عاليا في إجادته عمله ويقدم خبرته للأجيال التالية له.هو صديق العمر الصحفي سيد أحمد محمد سليمان، والذي رحل عن دار الفناء إلى دار البقاء صباح الجمعة الفائتة، والذي هزني بعنف، فقد كنت نائما بمنزلي وأيقظتني رنة الهاتف المحمول وظهر اسمه على الشاشة فسارعت بالرد، لكن صوت الطرف الآخر لم يكن صوته، سيد أحمد، لكنه كان مفعما بالحزن ثم فاجأني: عمو، الوالد تعيش أنت، لم أصدق في بادئ الأمر، قلت له من أنت؟ من أنت؟ لكنني سرعان ما أدركت أن المتكلم هو ابنه الأكبر ناصر الصحفي بجريدة الجمهورية وأبلغني بوفاته وأنهم أدوا صلاة الجنازة على جثمانه وهم في طريقهم إلى مسقط رأسه أدفو وانهارت مقاومتي أمام زوجتي وبناتي واللاتي شاطرنني حزني ووجعي، فهن يعرفنه خير المعرفة وكان يحبهن ويتابعهن وكثير السؤال عليهن.وسارعت بالاتصال بالضلع الثاني في مثلث صداقتنا، وهو جلاء جاب الله، والذي اختير قبل أيام رئيسا لمجلس إدارة دار التحرير التي تصدر صحيفتي الجمهورية والمساء ومطبوعات أخرى، فلم يكن قادرا على الرد إلا ببعض كلمات من فرط حزنه على "سيد" واتفقنا أن نتكلم فيما بعد.بالطبع الموت هو الحقيقة المطلقة في الحياة ولا راد لقضاء الله ولكن الحزن على سيد شديد الوطأة على نفسي، فقد شعرت بأنني فقدت أخي الذي لم تلده أمي، بكيت عليه طوال اليوم واتصلت بأصدقائنا المشتركين لأعزيهم خاصة خريجي كلية الإعلام قسم الصحافة من دفعة 1978 والمفارقة أننا كنا نتحدث في مكتب جلاء في أول يوم مارس فيه عمله رئيسا لمجلس إدارة دار التحرير عن تاريخ التقاعد عن العمل، فقال لنا سيد إنهما، أي هو وجلاء، سيخرجان إلى المعاش في العام 2016 ولكني أبلغتهما أنني سأسبقهما بعام وضحكنا ولم يعلم أنه سيغادر هذه الدنيا في مطلع 2014.ولا أود أن أكشف سرا، فقد كان سيد من المرشحين بقوة لتولي رئاسة تحرير المساء وكانت أسهمه قوية في الفوز بهذا المنصب، ليس بحكم كفاءته المهنية التي لا يمكن لأحد في المساء أو في دار التحرير أن يشكك فيها، وإنما من باب عمق البعد الإنساني في شخصيته، وهذا العمق جعله كما ذكرت موضع تقدير واحترام في الدوحة، سواء من رؤساء التحرير الذين عمل معهم خلال السنوات الست عشرة بالزميلة الراية والتي بدأ فيها منذ انبثاقها وكان مشرفا على قسم الإخراج بها أو من قبل زملائه الصحفيين والعاملين بمختلف إدارات الصحيفة.كان يلجأ إليه الزملاء من كل الجنسيات لحل مشكلاتهم ومعاضدتهم وأتذكر بعد أن جئت إلى الدوحة بعد أن أصر هو على أن ألتحق بالعمل معه في الراية أنه لم يتركني في الأشهر الأولى لي وحيدا، كان يصر على أن يصحبني بسيارته من سكني قرب شارع الكهرباء ومعي نفر من القادمين الجدد إلى مقر الصحيفة في المنطقة الصناعية، يمر علينا واحدا بعد الآخر كل عصر يوم دون أن يبدو على قسمات وجه كدر.كان يمتلك قدرة هائلة على احتواء الآخرين والتضحية بوقته من أجلهم وأظن أن جريدة الراية تدين له بالكثير من عطائه لها، فقد كان يعمل فيها من الساعة الثالثة عصرا حتى الثانية وربما الثالثة صباح اليوم التالي، أسهم بعقليته المهنية المتميزة في تطورها وقرر العودة إلى الوطن رغم إلحاحي أنا وزملاء آخرين على أن يبقى، لكنه كان قد اتخذ قراره دون العودة فيه وعندما سافر وغادر الدوحة شعرت بأنني فقدت السند فيها، خاصة أن "جلاء" كان قد غادر الدوحة قبله، فبت مجردا من ضلعين كانا بالفعل سندين لي.سيد أحمد كان بالنسبة لي الخيمة التي ألجأ إليها عندما تحاصرني الثلوج أو العواصف، كنا، هو وجلاء وأنا، نسعى إلى اللقاء كل فترة لنتجاوز فيه أحزاننا وأوجاعنا ونطرح ما يواجهننا من مشكلات، كنا نتقاسم الهموم ونتشاور في كيفية التغلب عليها وإزاحتها عن طريقنا. لم يكن أحدنا يتخذ قرارا إستراتيجيا من دون مشاورة الضلعين الآخرين وكان كل منا صادقا مع الآخر إلى أقصى حدود الصدق، لم نخجل يوما من مشكلة واجهتنا حتى في حياتنا العادية بعيدا عن الصحافة وهمومها في المحروسة. ولم تغب قضايا الوطن وأوجاعه أيضاً عن لقاءاتنا، كانت تسكننا ونتبادل الأفكار في كيفية تجاوزها والتعامل معها، ابتهجنا بثورة الخامس والعشرين من يناير واعتبرناها امتدادا لثورة الثالث والعشرين من يوليو من العام 1952 بحكم انتمائنا إليها فكريا دون أن ننتمي إلى الأحزاب التي ترفع شعاراتها وأصابنا حكم الإخوان المسلمون بالقلق على المحروسة بعد الارتباك الذي أصابها عقب الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المعزول محمد مرسي بعد أشهر من توليه الحكم، لكننا استعدنا بهجتنا بعد ثورة الثلاثين من يونيو وإن ألقت أحداث العنف التي أعقبتها بظلال من الحزن علينا خوفا على مصير الوطن.وثمة سمة مهمة كان يتميز بها الراحل سيد، فقد كان ماهرا في فن صلة الرحم والارتباط بأسرته وأهله في أدفو وكان بيته في القاهرة مفتوحا لهم يوجه لهم الدعوات في كل المناسبات ويحرص على مشاركتهم مناسباتهم في بلدته التي تبعد عن القاهرة بأكثر من 800 كيلو متر. رحل سيد أحمد بعد أن أدى رسالته تجاه أسرته كأحسن ما يكون الوالد المسؤول وأستطيع أن أقول بارتياح إنه أحسن تربية ابنيه عبد الناصر الصحفي ومحمد الطبيب وابنته أميرة خريجة كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر والتي تزوجت قبل وفاته بنحو أسبوعين.لدي الكثير الذي بوسعي أن أقوله عن حبيب وصديق العمر، ولكن ما أقوله في الخاتمة هو أن رحيل الأحبة مر مر مر، رحمه الله وأسكنه جناته ومنح أسرته الصبر.
893
| 13 يناير 2014
هي متوالية في المحروسة لا تتوقف أو بالأحرى لا أحد يسعى إلى وقفها طالت بأكثر مما ينبغي، فقد أضحى لون الدم عاديا وبات العنف سمة المشهد الرئيسة والهواجس والمخاوف تسكن العقول والأفئدة والبحث عن السكينة وصفاء النفس غدا من المستحيلات. ألا يحبك بنوك أيتها المحروسة رغم كل الأغنيات والأناشيد التي يرددونها في عشقك كوطن؟غابت البوصلة، ترهلت الرؤى هبطت على الجميع عتمة رسمت ملامح الواقع، فلا يمر يوم دون أن تراق دماء قتلا أو جروحا أو يقطع طريق أو شارع أو تغلق منطقة، عدنا إلى منطق داحس والغبراء والهمجية القبلية التي تتخذ من الدين عنوانا ومن الوطنية مسارا والجميع بات مطالبا بأن يعيد قراءة المشهد لصالح المحروسة وشعبها الذي يكابد أحوال الدم والخلاف والشقاء الإنساني.اختفت البهجة من قسمات الوجوه، سكنتها الكآبة من فرط غياب الوطنية، هل الرغبة في البقاء في السلطة تشكل مبررا لكل هذا العنف الذي وصفه الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية بأنه مفرط وهو يتحدث الأسبوع الماضي في مؤتمر صحفي عن حصاد العام عن تداعيات ثورات الربيع العربي والمحروسة في الصدارة؟أظن أن ثمة خللا بات واضحا في بنية النخب السياسية التي تستحوذ على المشهد وفي المقدمة منها جماعة الإخوان المسلمون التي يبدو أنها تضع وجودها وهيمنتها على السلطة كأولوية خصما من استقرار الوطن والراصد لسلوكها يقرأ أنها تتسم بضيق الأفق السياسي فهي رأت أن عزل الرئيس السابق محمد مرسى نهاية المطاف ولم تتجاوب مع دعوات مشاركتها في خارطة المستقبل والتي أكد المبشرون بها أنها لن تقصى طرفا أو تستبعد فصيلا غير أنها تعالت عن هذه الدعوات ورفضت الانخراط وانحازت إلى خيار فرض حضورها في المشهد السياسي للمحروسة عبر أشكال مختلفة وتكتيكات متنوعة كان اللجوء إلى القوة والتظاهر وتفجير المنشات والاعتداء على المؤسسات وقتل الأبرياء وقطع الطرق وغيرها على رأسها.ورغم ذلك لم تنجح في إعادة إنتاج سيطرتها على السلطة ولن تنجح لأنها وضعت الوطن في فوهة مدافعها التي حولت أيام الجمع من كل أسبوع إلى هم وغم وألم للبشر فلم تعد الأسرة المصرية قادرة على الخروج في هذا اليوم بحثا عن نسمة هواء أو إطلالة شمس أو تسوقا واللافت أن خطابها في دعوة أنصارها يعتمد على الدفاع عن الإسلام وكأن الجماعة أصبحت هي العنوان لهذا الدين الحنيف.وأكثر ما يستفزني في أداء تنظيم الإخوان هو لجوؤه إلى طلاب الجامعات لاسيَّما طلاب جامعة الأزهر مستغلة حاجة هؤلاء إلى الأموال بعد أن تمكنت من اختراقهم عقيديا خاصة أن أغلبهم من ريف المحروسة واعتادوا على السمع والطاعة فيدفع هؤلاء الطلاب الثمن من انتظامهم في الدراسة واجتياز الامتحانات بل ومن حياتهم وحريتهم خاصة بعد أن دخل الكثير منهم السجون للتحقيق معهم في وقائع التظاهر غير السلمي وحرق بعض الكليات والمنشآت الجامعية وانتهاك خصوصية أساتذتهم، بيد أن الأخطر من كل ذلك هو دخول الفتيات على خط التظاهر وقد أبدين غلظة وقسوة وخروجا عن منظومة القيم في سلوكهن كان أقلها استخدام الألفاظ فضلا عما قمن به من اعتداءات على عميدة إحدى الكليات وتجريدها من ملابسها وخرجن يعبرن عن بهجتهن بهذا السلوك الرديء.وفي المقابل - حتى يكون المرء موضوعيا - فإن قوات الأمن ترتكب أخطاء في بعض الأحيان في تعاطيها مع هذه الخروقات التي أقر بخطورتها وسلبيتها تتمثل في اللجوء إلى استخدام القوة وقد يكون ذلك دفاعا عن النفس في ظل ما يمارسه المتظاهرون من أعمال عدوانية تصل إلى حرق عربات الشرطة مثلما حدث يوم الجمعة الفائت عندما أحرقوا نحو سبع سيارات لها فضلا عن الاعتداء على رموزها وقتل بعضهم مثل ضابط الأمن الوطني الذي تعرض لرصاصات تنظيم متطرف متحالف مع الجماعة وما أرجوه من وزارة الداخلية المصرية أن تتجنب الممارسات التي قد تعيدها إلى سيرتها الأولى زمن حبيب العادلي والسطوة الأمنية وشخصيا أنا مع عودة هيبة الدولة وهيبة القانون ولكن دون وقوع انتهاكات تتعارض مع حقوق الإنسان ودون الزج بالأبرياء حتى يبقى الجهاز الأمني مقيما في خانة الوطنية رافعا سيف الدفاع عنها دون أن يسقط أحد ضحية عدوان أو انتهاك حقوق.ولاشك أنه مع قرب استحقاقات الاستفتاء على مشروع الدستور المعدل ستصعد الجماعة وحلفاؤها من أعمال العنف والتى بدأت أمس الأول وهو أمر لن يصب في منحى يخدم مصلحة الوطن وفي يقيني أنه بات يتعين عليها أن تقبل بالأمر الواقع وتقوم بعملية إعادة صياغة لمسارها السياسي وهيكلها التنظيمي وتتجاوز الرؤوس والقيادات التي تسببت في الأحداث الأخيرة وقادت بممارساتها وضيق أفقها السياسي إلى خروجها من وتقوم بتكوين هيكل قيادي جديد يكون قادرا على قراءة واقعية للمشهد ولمتطلبات المرحلة على نحو يدفع بتجاوز قرار مجلس الوزراء مؤخرا والذي اعتبرها جماعة إرهابية. وفي تقديري إنه بوسع القيادات التي لم ترتكب أعمال عنف أو تتورط في سفك دماء المصريين أن تعلن كخطوة أولى الاعتذار للشعب المصري عن الأخطاء التي ارتبكت خلال حكم الجماعة الذي استمر عاما ثم تبادر في الانخراط في العملية السياسية بشفافية اتكاء على مقوم الوطنية وتنأى بنفسها عن كل ما يضر باستقرار البلاد ولكن إن استمرت هذه القيادات في تلقي التعليمات من المرشد الدكتور محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر أو المرشد الهارب الدكتور محمود عزت والتي تهدد بالأساس وجود الجماعة واستقرار الوطن فإن منطقة الأمور يقود إلى ضرورة التحلل منها ووأد مشروعها للعودة القائم على مزيد من جماجم المصريين وهو ما لا نرضاه للمحروسة والتي هي أبقى من أي جماعة أو تنظيم أو فصيل أو قوة سياسية مهما كانت.السطر الأخير:تغزل ثوب الحلمعلى قسمات وجهها المختزن كل الشموستمنحني سكنا همسابوحا لإشراقاتوبهاء يطل عليها من حدائق الكونكانت – وستبقى – ريحا للبهجةتستبيح العتمة في قلبيتسكنني مطرا، ندا طريا تغزوني فأتجلى عاشقا أبديا
449
| 06 يناير 2014
ما استوعبته من الأطروحات العديدة التي تحدث عنها الدكتور نبيل فهمي وزير الخارجية المصري في حديثه يوم الأحد الماضي أمام اللقاء الذي نظمته مجلة السياسة الدولية التي تصدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ووزارة الخارجية هو أن منطقة الخليج العربي تسكن قلب السياسة الخارجية المصرية وذلك في ضوء ما طرحه من تصورات لتفعيل دور وأداء هذه السياسة بعد ثورتي الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو. وبدا واضحا حرص فهمي على أن الدائرة العربية هي أول المرتكزات التي يتعين التحرك بفعالية تجاهها وفي الصدارة منها منطقة الخليج التي تواجه تحديات وتهديدات إقليمية تحتاج إلى قوة مصر الناعمة وأحيانا الصلبة للتعامل معها والحد من تأثيراتها ضمن الرؤى الجديدة التي يتم صياغتها حاليا في مجموعة اللجان التي تقرر تشكيلها بوزارة الخارجية لتحديد الأولويات والآليات المقترحة لإعادة ضخ دماء مغايرة في مناهجها وتنشيط ديناميكيتها في السنوات القادمة وفق ما بات يحكمها من توازن واستقلالية في القرار الوطني وتنويع الخيارات وتجنب أي عزلة عن أي طرف أو العمل لحساب طرف دولي أو إقليمي دون آخر. وفي هذا السياق فقد تحدث الوزير فهمي في اللقاء الذي أداره الزميل أبو بكر الدسوقي رئيس تحرير السياسة الدولية وشهد حضورا نوعيا من أساتذة العلوم السياسية وخبراء مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ورجال الإعلام والصحافة عن ضرورة العمل على توسيع دوائر السياسة الخارجية المرتبطة بالمصالح والقضايا الوطنية الملحة خاصة في دول الجوار وبالأمن القومي المصري ويدخل ضمن هذا السياق التعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي وإيران ويمكن هنا الاستناد إلى جملة من المحددات التي طرحها فهمي أولها أن أمن الخليج يجب أن يكون مرتبطا بشكل بأوسع بالأمن القومي العربي دون أن ينطوي ذلك على محاولة إعادة مفهوم القومية العربية وإنما اعتمادا على المصالح الحقيقية بالتحديد بين دول رئيسية معينة في العالم العربى. ثانيا: من الضروري دعم المصالح المباشرة لمصر في المنطقة وهنا يؤكد كاتب هذه السطور على أهمية الحرص على المجال الحيوي الذي توفره دول المنطقة لملايين العمالة المصرية التي تشكل واحدة من مرتكزات الأمن القومي المصري. ثالثا: على صعيد التعامل مع إيران باعتبارها طرفا مهما في المعادلة الأمنية لإقليم الخليج فإن النظرة المصرية تقوم وفق ما ذكره فهمي على أن إيران دولة له تاريخ ووجود ومستقبل في الشرق الأوسط وبالتالي هي ضمن الدائرة الأولى والدائرة الثانية التي تشكل دوائر التحرك الخارجي وهي الدائرة العربية ودائرة دول الجوار وذلك يستوجب تبني منهجية المصارحة والتعامل بوضوح والعمل على إنجاز تقدم في كل مرحلة يتم التوافق فيها بين البلدين وتجنب سياسة تجاهل إيران، مؤكدا في الوقت نفسه أنه يتعين أن تدرك إيران أن مصالحها الوطنية لا تتحقق من خلال علاقاتها مع الدول الكبرى في العالم وإنما من داخل إقليم الشرق الأوسط وهنا يكشف فهمي عن أن تحديد أطر العلاقات مع طهران يخضع لمناقشات داخل وزارة الخارجية والجهات المعنية أخذا في الاعتبار مصالح مصر الإقليمية، مشيرا إلى أن ذلك لا يعني أن القاهرة تقبل بأن يمارس طرف فيتو على مواقف أو سياسات مصر سواء داخلية أو خارجية وإنما هناك حساب للحركة يقوم على قياس مدى استعداد طهران للتعامل مع العالم العربي ومصر في القلب منه بشكل مختلف عما كان يحدث في الماضي وفي الوقت ذاته يشير فهمي إلى أن البحث عن رؤية مصرية تجاه إيران يستبعد أن يكون هناك قرار بالانفتاح أو الانغلاق بنسبة مائة في المائة تجاه إيران ولكن يجب أن تكون العلاقات معها مبنية على تحقيق المزيد من التعاون الإقليمي سياسيا واقتصاديا وأمنيا. رابعا: على صعيد علاقات مصر مع قطر فإن وزير الخارجية انتهج منحى دبلوماسيا في إطار حرصه على كونها" دولة عربية تربطنا بها روابط ومصالح مشتركة" وإن اعترف بأن ثمة مشكلة مع الدوحة غير أن أسلوب التعامل معها يختلف عما يمكن أن يتم التعامل به مع أطراف غير عربية ويكشف في إجابته عن سؤال لأحد المشاركين عن وجود مساع عربية لجس النبض بين الجانبين المصري والقطري باتجاه التهدئة وتقريب المواقف مؤكدا أن القاهرة منفتحة على هذه المساعي إذا ما حدث تغيير حقيقي في جوهر الموقف القطري تجاه مصر وحسب قناعتي فإن البيان الأخير الذي أصدرته الخارجية القطرية وأدانت فيه تفجيرات مدينة المنصورة التي وقعت مؤخرا من شأنه أن يزيح الكثير من العقبات أمام استعادة العلاقات بين القاهرة والدوحة لعافيتها وهو أمر بات ضروريا للجانبين حتى لا تستغله أطراف مناوئة لهما وتلعب عبر وسائل إعلام ومنابر سياسية دورا سلبيا لمنع التقائهما مجددا. خامسا: من الضروري تجنب الانفعالات في تقرير السياسة الخارجية لمصر تجاه منطقة الخليج - وتلك إضافة من كاتب هذه السطور – فثمة أهمية قصوى لعوامل ومقومات عقلانية بالأساس تقوم عليها هذه السياسة في مقدمتها وجود مصالح استثمارية واقتصادية مشتركة تحقق النفع لطرفي المعادلة فضلا عما ذكرته من قبل ويتصل بوجود ملايين من عمال مصر بدول المنطقة يلعبون دورا محوريا في تنميتها ومشروعات نهوضها بعيدا وفي الوقت ذاته يحصلون على عوائد مجزية تشكل رافدا حيويا من روافد تعزيز الاقتصاد الوطني لمصر ولاشك أن السنوات القليلة المنصرمة شهدت تطورا نوعيا على هذا الصعيد من خلال تشكيل مجالس لرجال الأعمال بين مصر وأغلب دول مجلس التعاون وقيام العديد من المشروعات المشتركة والتي تحقق مصالح الطرفين بعيدا عن منطق المنح والمساعدات والذي قد يخضع للاعتبارات السياسية مما يفقده تأثيره ومردوده الإيجابي. السطر الأخير: أيام دارتي حنطة حقولي فجر ليلاتي قدس أقداس قلبي أبثك عشقي وسفري وبوحي فبثي روحك بمناراتي أعيديني لسيرتي الأولى أشرقي بكتاباتي نوري عتمة نهاراتي
416
| 30 ديسمبر 2013
هل يمكن فهم طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس – أبو مازن - عقد اجتماع استثنائي لبحث آخر تطورات المفاوضات مع إسرائيل نوعا من مغازلة الذائقة السياسية العربية التي لم تعد تمنح الأولوية لقضية فلسطين، خاصة بعد انشغال الدول الكبرى بما فيها مصر بثوراتها أو قل بالأحرى باضطراباتها الناجمة عما يسمى بثورات الربيع العربي والتي أفضت إلى تغييرات جذرية في بنية النظم السياسية بالدول التي انبثقت فيها، لكنها لم تحقق بعد أهداف وأشواق الشعوب التي ثارت وتحركت من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة الإنسانية؟ ربما قصد أبو مازن ذلك أو لم يقصده، وأيا كان الهدف الذي رمى إليه، فإن القضية الفلسطينية باتت غائبة أو مغيبة من الأجندة العربية على مدى السنوات الثلاث المنصرمة وهو ما جعل الطرف الفلسطيني وحيدا في إدارة معاركه مع سلطة الاحتلال الصهيوني أو في تعاطيه مع الضغوط الأمريكية التي تحاول أن تدفعه دفعا للقبول بمسارات تحقق مصالح الكيان أولا وتخصم من رصيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وثمة تجليات لذلك عديدة تمكن الإشارة إليها على النحو التالي: أولا: الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية يخوض المفاوضات مع الكيان المتمترس خلف تراث تلمودي ومقولات عنصرية وتمييزية بحسبانه شعب الله المختار، وبالتالي فمن حقه أن يفعل ما يشاء، صحيح هناك اللجنة العربية لمبادرة السلام التي تشكل الإطار الذي توافق عليه العرب لتقديم الدعم والإسناد للمفاوض الفلسطيني والسؤال المشروع هنا هو: ما الذي قدمته هذه اللجنة عمليا خاصة في مواجهة موجة من الضغوط التي يمارسها المفاوض الصهيوني الذي يراهن كثيرا على عنصر الوقت باعتباره هدفا إستراتيجيا وفق تعبير الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية يسعى إلى تحقيقه بغض النظر عن مطالب الطرف الفلسطيني. لقد طرح هذا السؤال على الدكتور العربي في المؤتمر الصحفي الذي عقده في أعقاب انتهاء الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بالقاهرة مساء أمس الأول فعبر عن قناعته بأن هذه اللجنة هي التي دفعت الإدارة الأمريكية تحديدا وزير الخارجية جون كيري للتحرك باتجاه جمع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للدخول في جولة مفاوضات سلام جديدة عبر سقف زمني ينتهي بعد تسعة أشهر فقط ثم عقدت ثلاث اجتماعات بعد ذلك لتعزيز مسار المفاوضات، بيد أنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه بينما الجانب العربي - عبر لجنته التي لا يقلل المرء من أهميتها – يقدم الطروحات المبدئية فإن الجانب الصهيوني يتمدد في الأرض استيطانا ومشروعات تنموية وأمنية ويرفض كل ما يمكن وصفه بالثوابت الوطنية الفلسطينية التي لا يرى فيها أي أهمية والتي تكمن فقط في المحافظة على وجوده حتى ولو كان خصما من رصيد الوجود الفلسطيني الأصيل. ثانيا: ثمة مخطط أمني أمريكي - أو حسب تعبير الدكتور نبيل العربي أفكار أمريكية، فهو طلب مني عندما سألته بشأن هذا المخطط إسقاطه من السؤال لأنه يوحي له بأن ثمة مؤامرة في المسألة وهي غير قائمة في حقيقة الأمر - تنزع إلى بقاء السيطرة الإسرائيلية على المواقع الإستراتيجية وعلى الحدود في الضفة الغربية لمدة عشر سنوات وتتم في نهاية المدة إعادة تقييم الوضع، وهو ما يعني، حسبما قال لي السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشؤون فلسطين والأراضي المحتلة، بقاء الاحتلال لسنوات طويلة وهو ما يتعارض مع استقلال وسيادة دولة فلسطين المرتقبة وكأنه لم يحدث شيء، فما يقدمه الكيان باليد اليمنى يخطفه باليد اليسرى. ثالثا: لقد أقرت القمم العربية الأخيرة خاصة قمتي بغداد والدوحة العام الفائت والعام الحالي ما أطلق عليه شبكة أمان عربية لتقديم البديل للسلطة الفلسطينية لمواجهة الضغوط الأمريكية والأوروبية التي تستخدم سلاح المعونات والمنح لتمرير سياسات معينة وفرض تنازلات على السلطة بما يعادل 100 مليون دولار شهريا وطبقا لمعلوماتي فإن عددا محدودا من الدول العربية التي دفعت نصيبها من المبلغ لكن الأكثرية تمنعت حتى الآن وهو أمر يشعر الشعب الفلسطيني بأنه بمفرده في مواجهة الحرمان والجوع والصقيع – خاصة الشتاء الحالي. رابعا: القدس وما أدراك ما القدس ومسجدها الأقصى وكلاهما يتعرض لمخطط تهويد واضح الملامح ومحدد الخطوات ولكن العرب قلما يتحركون في هذا الصدد رغم وجود هيئات ومؤسسات مالية وسياسية مهمتها حماية عروبة القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية وتتشارك الأمة الإسلامية مع الأمة العربية في هذا الغياب عن فلسطين والمتابع لسلسلة الاقتحامات التي يقوم بها قطعان المستوطنين الصهاينة للأقصى وللحفريات المتواصلة منذ سنوات بحثا عن هيكل مزعوم تحت أولى القبلتين تصيبه الدهشة، لأن ليس ثمة تحرك حقيقي وعملي إلا ما ندر من هذه الدولة أو من تلك المنظمة، بينما في المقابل يتدفق رجال الأعمال الأمريكيون المؤيدون للمشروع الصهيوني وتهويد القدس لدفع المليارات لشراء العقارات القديمة والهيمنة على المدينة ومقدساتها، إن القدس تصرخ ولكن القلوب تحجرت والصدور سدت أبوابها للاستماع. خامسا: لقد تعرض قطاع غزة في الآونة الأخيرة لموجة صقيع قاسية وهبوط أمطار غير مسبوق في غزارته، فضلا عن مكابدات سكانه المستمرة من جراء استمرار الحصار الإسرائيلي وغياب الدواء والطعام والمسكن الملائم للأغلبية، خاصة بعد عدوانيين للكيان في 2008 ثم في 2010 وللأسف فإن التحرك العربي لتقديم العون والمساعدة محدود للغاية تقوم به بلدان قليلة من بينها قطر التي طرحت مشروعا سكنيا متكاملا، فضلا عن تزويد القطاع بقدر من احتياجاته من الوقود ولكن ذلك لا يكفي أبدا. لقد سألت بوضوح وزير الخارجية الليبي الدكتور محمد عبد العزيز والذي ترأس الوزاري العربي الطارئ خلال المؤتمر الصحفي مساء أمس الأول عن رؤيته لمدى قدرة الدول العربية المنهكة من الداخل على مساعدة المفاوض الفلسطيني فأجابني الرجل بأنه ليس بوسع أي طرف عربي وحتى ولو شغل بقضاياه وهمومه الداخلية أن يبتعد عن القضية المركزية – فلسطين ولكنها إجابة دبلوماسية لم تتوغل في الواقع الذي يبدو لنا ساطعا، خاصة أن معظم الشعارات التي رفعت في بلدان الربيع العربي تتجه نحو مناحٍ شديدة المحلية ولم يرصد المراقبون اهتماما واسعا من شباب الثورات بالقضية الفلسطينية وهو ما يؤشر إلى غياب ربما قد يطول وأقصد به الغياب العملي. إن فلسطين تنادينا ألا ننساها أو نجعل همومنا الداخلية تنأى بنا عنها فنتركها لقمة سائغة لكيان ما زالت عدوانيته متوهجة ومشروعه الاستيطاني الاستعماري متقدا ورغبته في الاستحواذ والهيمنة والسيطرة عليها قائمة وقوية. السطر الأخير: أحتمي بجدارك أرتوي من نهارك تسكنني حقولك أكتبك تميمة للروح أخطو باتجاه أسرارك فأخلد للعشق في ديارك
355
| 23 ديسمبر 2013
ثمة طفل سوري صغير يعيش مع والديه لاجئا في لبنان لم يتحمل قساوة الصقيع الذي انقض فجأة وبدون سابق إنذار على المنطقة فغادر دنيانا على الفور لأن والديه لم يتكمنا من توفير الدفء له فليس ثمة غطاء كاف والنوم بخيمة ليس بمقدورها وقف صواعق البرد والطعام شحيح والدواء منعدم. من هنا جاءت الصرخة من مؤتمر المنظمات الإنسانية التابعة للدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي في دورته الخامسة والتي اختتمت أمس – الأحد – بمدينة اسطنبول التركية داعية إلى الإسراع في توفير متطلبات حماية ملايين اللاجئين والنازحين السوريين سواء بالداخل أو بدول الجوار ونظرا لشدة مكابداتهم مع هبوط موجة الصقيع تحدث أحد المشاركين في المؤتمر واسمه لطفي السيد من منظمة الإغاثة الإسلامية بلندن مطالبا كل من يمتلك حسابا مصرفيا بأن يتبرع لإنقاذ أطفال ورجال وعجائز اللاجئين والنازحين والذين لا يمتلكون القدرة على التصدي لضربات البرد ولغيرها من الظواهر الطبيعية وإلا فإنه سيتعرض لعقاب الخالق ثم واصل صرخته المدوية في جلسة خاصة عن الوضع الإنساني في سوريا: نحن هنا جالسون في قاعة دافئة بينما ملايين السوريين يقيمون في خيام تخاصم الدفء تماما مشددا "لا يجوز لنا أن نسمح بتكرار حالات الموت من جراء الطقس الشديد البرودة". بالطبع البرد القارص هو آخر تجليات مكابدات هؤلاء اللاجئين والنازحين والذين يقدر عددهم الإجمالي بنحو 7 ملايين سوري خارج البلاد وداخلها ولكن ثمة مظاهر أخرى قام بشرح ملابساتها على مدى اليومين الفائتين وكنت شاهدا على ذلك ولعل في مقدمة هذه المكابدات الغياب شبه الكامل لسلطات الدول التي لجأ إليها السوريون والتي تتعامل مع الحالة من منظور بيروقراطي وتشاركها في ذلك بعض منظمات الأمم المتحدة خاصة للذين يرغبون في تسجيل أنفسهم رسميا حتى يحظوا ببعض الخدمات وهو أمر قد يستغرق فترة زمنية تتراوح بين شهر وستة أشهر، قد يلحق فيها المريض بربه أو تتكالب عليه المحن وربما يرقد في خيمة الإيواء منتظرا مصيره المجهول وفي الداخل ليس ثمة ملجأ بعد الله إلا لبعض المنظمات الإنسانية المحلية أو الإقليمية وربما الدولية وأغلبها يخشى الأوضاع الأمنية فيفضل العمل على الحدود والمعابر. هذا أولا أما ثانيا: النقص الواضح في الخدمات الصحية والتي تقدم في أغلب دول الجوار في حدها الأدنى وهناك حالات حرجة لا يمكن لأصحابها التقدم للمستشفيات الحكومية أو الخاصة نظرا لارتفاع كلفة الأطباء ناهيك عن كلفة العمليات الجراحية التي لا يمكن للاجئ أن يجريها إلا بعون من منظمة خيرية والغريب كما علمت من المناقشات أن هيئات كالصليب الأحمر الدولي وبعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة لا تقدم إلا الدواء ولا تعني كثيرا بالعمليات الجراحية فيرحل البعض لعجزه عن أداء ثمنها وإن كانت هناك منظمات محلية تحاول أن تقدم شيئا في هذا السياق خاصة اتحاد الجمعيات الخيرية في لبنان والهيئة الخيرية الهاشمية في الأردن وبعض المؤسسات في العراق وتركيا. ثالثا: التعليم وما أدراك ما التعليم فأبناء اللاجئين يعانون في هذا السياق على مستويين أحدهما يتعلق بغياب المباني الملائمة مع عجز في المعلمين والثاني يتعلق بالمناهج فعلى سبيل المثال في لبنان المدارس فيها تقدم دروسها باللغات الأجنبية إلى جانب العربية أما المناهج السورية فكلها باللغة العربية ومن لا يكون من السهولة بمكان التحاق تلميذ سوري بمدرسة لبنانية ولو نجحت المحاولة وذلك أضعف الإيمان فإنه يعاني من ازدواجية قاسية عليه وربما الأمور في العراق والأردن وتركيا أيسر قليلا وفي الداخل المدارس مدمرة والبعض عاد إلى نمط الكتاتيب لتلقى التعليم ومع ذلك ثمة إصرار على استكمال مراحل التعليم بمساعدة المنظمات الأقليمية والدولية ولكن ذلك يتطلب التوسع في تقديم الحلول العلمية التي تنقذ شباب سوريا خاصة اللاجئ مع ذويه بالخارج من جهل قد يفرض عليه ويحيله إلى حالة مخاصمة للعلم والتكنولوجيا. رابعا: صحيح هناك جهود تبذل سواء على المستوى الإقليمي أو المستوى الدولي لكن الاحتياجات الخاصة باللاجئين والنازحين تتزايد يوما بعد يوما مع الخروج والنزوح الذي يأخذ شكل التدفق اليومي لاسيما مع اشتداد المعارك بين الثوار وقوات النظام السوري وآخرها في ليلة واحدة تدفق على مدينة عرسال اللبنانية القريبة من الحدود مع سوريا أكثر من 23 ألف لاجئ والمدينة بالأساس مكتظة بسكانها ولاجئيها فلم يكن أمام المنظمات الخيرية في المنطقة إلا أن توزعهم على مخيمات وبعضهم لم يعثر له على موضع قدم فيها- وكما يقول إبراهيم القطان ممثل اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان- فإنه لا يوجد في هذه المدينة مسجد أو صالة أو قاعة أو ملعب إلا وقد امتلأت عن بكرة أبيها باللاجئين. خامسا: يعاني اللاجئون من غياب الجهات الرسمية التي بمقدورها توثيق حياتهم خاصة ما يتعلق بالزواج أو المواليد أو الوفاة وذلك يعطي فرصة للتلاعب بمقادير البعض أو قد يعرضهم للابتزاز في ظل ضعف بعض نفوس البشر. سادسا: ثمة مفارقة في العراق فاللاجئون الأكراد يحظون بكل الرعاية في إقليم كردستان وإذا لجأ لاجئ عربي إلى واحد من مناطق الإقليم فإنه يطرد منها وفق رواية مسؤول بإحدى الجمعيات الخيرية التي ترعى أوضاع اللاجئين في بلاد الرافدين وهو ما يستوجب على الحكومة العراقية أن تسارع بفتح المزيد من أبوابها أمام اللاجئين العرب وفي حالة صحت هذه الرواية فالمرء يطالب هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي الكردي الأصل وهو شخصية تحظى بالاحترام بالمبادرة لإنهاء حالة التمييز بين اللاجئين على أساس العرق أو القومية أو حتى الدين. ولاشك – الكلام للسفير عطاء المنان بخيت الأمين العام المساعد لمنظمة التعاون الإسلامي للشئون الإنسانية- أنه لن يكون هناك حل لمعضلات ومكابدات اللاجئين والنازحين السوريين إلا بالتعاون الجماعي والعمل المنسق بين مختلف المنظمات الإنسانية وتجاوز الأسلوب الفردي الذي تنتهجه بعض المنظمات وذلك حتى تتوافر إمكانية أعلى لمواجهة الكارثة الإنسانية, غير أن الأهم هو -حسب رؤية الدكتور أحمد طعمة رئيس الحكومة السورية المؤقتة - دعم صمود الشعب السوري والوصول لحريته ودولته الحرة المستقلة خصوصًا وأن هناك تسويات سياسية في الأفق ليس بوسع أحد أن يتكهن بما إذا كانت ستحقق أهداف الشعب بعد ثورته التي انطلقت قبل حوالي ثلاث سنوات. السطر الأخير: كوني نهرا للروح ساحلا لمحبتي فأنا راحل فيك أبداً عاشق لا تكف قصيدتي عن البوح بهواي لعينيك
530
| 16 ديسمبر 2013
ثمة ترقب لأن تتحول القمة الخليجية الرابعة والثلاثون التي ستستضيفها الكويت غدا الثلاثاء إلى قمة تذليل الصعوبات التي ما زالت تعرقل مسار العمل المشترك وصولا إلى مرحلة الاتحاد إلى نص عليها ميثاق تأسيس مجلس التعاون والذي حظي بدفعة قوية في ضوء المقترح الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الرياض الثانية والثلاثين قبل عامين خاصة مع ارتفاع سقف الطموحات الشعبية في تعزيز الوحدة بين دول منظومة مجلس التعاون واتخاذ المزيد من خطوات التكامل الاقتصادي والتنمية البشرية. ولعل من أهم التوقعات أن تضيف هذه القمة مكاسب جديدة لصالح مواطني دول المجلس ذلك أن قادة دول المجلس سيولون خلال فعاليات القمة أهمية استثنائية لتعميق المواطنة الخليجية والأمن والاستقرار وتفعيل التكامل الاقتصادي بين دول المجلس لارتباطها بحياة المواطن الخليجي ومعيشته وذلك قناعة منهم بأن العمل الخليجي المشترك يتعين أن يقود إلى مزيد من التعاون والترابط والتكامل ويجمع المراقبون على أن المرحلة القادمة من مسيرة التعاون الخليجي، واعدة بالمزيد من المُنجزات؛ تتويجًا لما تشهده حاليًا من مشاريع استراتيجية ترمي إلى تعميق التكامل، خاصة في المجالات التي تخدم الإنسان الخليجي بالدرجة الأولى وتحقق تطلعاته لاسيما أن ما تحقق حتى الآن على هذا الصعيد يقترب من نسبة 92 في المائة من إجمالي قرارات العمل الخليجي المشترك وفق ما أعلنه قبل أيام خالد الجار الله وكيل وزارة الخارجية الكويتي ولاشك أنه منذ تأسيس منظومة مجلس التعاون الخليجي في عام 1981، تحققت إلى حد كبير العديد من التحولات المهمة على هذا الصعيد رغم تشعب الرؤى السياسية واختلافها، و طغيان المشكلات الأمنية كثيرًا على غيرها من جوانب التعاون غير الأمنية التي يمكن أن تحقق مكاسب ملموسة للمواطنين الخليجيين. ولكن في ظل الاضطرابات السياسية الراهنة في منطقة الشرق الأوسط، يبدو جلياً أن ينبغي على القيادات الخليجية - وفقا لرؤية بعض المتخصصين- أن تسعى بمزيد من الجدية إلى تلبية احتياجات المواطنين والمقيمين في المنطقة لاسيما أن الدول الأعضاء الست في مجلس التعاون الخليجي تواجه مجموعة من التحديات الداخلية المشتركة إضافة إلى المخاطر الخارجية. فكل الدول الأعضاء تعاني من الاعتماد على الأنشطة المرتبطة بالمواد الهيدروكربونية وتضخم القطاع الحكومي والاعتماد على استيراد العمالة والمواد الغذائية الأساسية. وفي ضوء ذلك تتطلع جميع الدول الخليجية إلى تنويع اقتصاداتها والتشجيع على العمل في القطاع الخاص، وذلك استباقًا لنضوب الاحتياطات الإقليمية من الطاقة وللتكيف مع العدد المتزايد من سكانها تخفي أرقام البطالة المنخفضة معدلات أعلى بكثير من المواطنين الخليجيين الشباب الذين لا يجدون عملا وإضافة المزيد من الوظائف إلى القطاع الحكومي المتضخم بالفعل ليس حلا واقعيًا على المدى الطويل. ويمكن أن يكون تعظيم التعاون بين دول الخليج وسيلة فعالة للإسهام في تلبية هذه الاحتياجات. فمن الممكن أن يقدم مجلس التعاون لدول الخليج العربية مزايا عملية للمواطنين والمقيمين في الخليج في مجالات المواصلات والتوظيف والاتصالات والتعليم والتدريب والأمن الغذائي والمائي. وقد تم إطلاق اتحاد جمركي خليجي للمرة الأولى لفترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات وذلك في عام 2003؛ سعيا لفرض تعريفة دخول واحدة مشتركة على البضائع التي تدخل دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك رفع كافة التعريفات الجمركية عن البضائع التي تنتقل فيما بين دول مجلس التعاون. وقد تسببت المشكلات المتعلقة بالإيرادات والحمائية العامة في تأجيل تفعيل الاتحاد وجعله واقعًا وبات ذلك مرهونا بنجاح الفترة الزمنية الجديدة التي منحت لتفعيله في عام 2015. وفي قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عُقدت في الدوحة عام 2007، اعتزم المجلس تأسيس سوق خليجية مشتركة من شأنها أن تزيد العوائق الإدارية والتنظيمية التي تقف حجر عثرة أمام التجارة الإقليمية. لكنه لم يُنفذ المشروع بشكل كامل إلى الآن، كما أن المكاسب المرتبطة بهذه السوق فيما يتعلق بقطاع الأعمال والعمل الحر لم تتحقق. وقد تباطأت خطة تأسيس اتحاد نقدي خليجي لاسيما مع انسحاب سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة من خطة تبني عملة مشتركة في عامي 2006 و2009 على الترتيب ولكن في عام 2009، وقع وزراء خارجية البحرين والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية اتفاقية الاتحاد النقدي والنظام الأساسي للمجلس النقدي، كخطوة تسبق تأسيس مصرف مركزي لدول مجلس التعاون. بيْد أنه منذ ذلك الحين لم يتحقق الكثير من التقدم. وقد أعلن عن مشروع للسكك الحديدية يربط بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي في القمة الرابعة والعشرين لمجلس التعاون في عام 2003، لكن المشروع تأجل مرارًا نتيجة لخضوعه لدراسات مكثفة ما زالت مستمرة. ويرى معظم المراقبين أن الوصول إلى مرحلة الاتحاد الخليجي من شأنها أن تحد الكثير من المعوقات وتدفع إلى المزيد من التفاعل وتنفيذ الخطط والتصورات المؤجلة لتحقيق نقلة نوعية في منظومة مجلس التعاون الذي ولد ليبقى - وفقا لتعبير عبد الرحمن بن حمد العطية الأمين العام السابق للمجلس - وبالتأكيد ستكون خلاصة الدراسة التي شكلتها قمة البحرين في العام المنصرم على جدول أعمال قمة الكويت ولكن من غير المنتظر أن يصدر قرار نهائى باعتماد خيار الاتحاد وهو أمر مرشح للمزيد من الدراسة خاصة في ظل تحفظات تبديها بعض الأطراف الخليجية رغم أن "الاتحاد المقترح لن يستلزم تصفية أي من الدول الأعضاء في مجلس التعاون أو إلى يقود إلى رئاسة مشتركة أو علم واحد، بل إنه سيعمل باعتباره اتحادًا كونفدراليًا يضع سياسة مشتركة فيما يتعلق بالاقتصاد والعلاقات الخارجية والدفاع وينظر إلى هذا الاتحاد باعتباره وسيلة لإنهاء اعتماد الخليج على مورد سرعان ما سينضب وعلى مظلة أمنية غربية، لا سيما أن اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على الخليج فيما يتعلق بسد احتياجاتها من الطاقة يتراجع. وعلى المدى المتوسط، يمكن أن نرى مجلس التعاون الخليجي ذا طبقتين، والذي يتواجد فيه اتحاد على أساس ثنائي أو ثلاثي الجوانب، لكن تحقيق شيء أكثر أهمية سوف يتطلب تنازلات وتضحيات من كافة الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي. لكن هذه المناقشات تبعد كثيرًا عن التجربة التي يعيشها شعب الخليج، فالقضايا التي ترتبط بمسألة إجماع دول مجلس التعاون الخليجي ليست نظرية فحسب؛ لكنها يجب أن تتمركز حول تحقيق مكاسب ملموسة لمواطني دول الخليج والمقيمين فيها. في الوقت الحالي معدلات النمو مرتفعة لكنها مدفوعة بأسواق الطاقة العالمية القوية. فليس هناك من شيء يضمن أن تستمر إيرادات المواد الهيدروكربونية في إتاحة الفرصة أمام الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي من الهروب من الواقع الاقتصادي، لا سيما مع ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وهناك بعض الدول التي تواجه عجزًا في ميزانيتها بالفعل أو على شفا مواجهتها. وبالنظر إلى المستقبل، تحتاج الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة التفكير في هياكل المجلس خصوصًا تأكيده على النزعة الحكومية الإقليمية واعتماده على صيغة الإجماع في صنع قراراته. ولاشك أن مجلس التعاون الخليجي يحتاج إلى نموذج أكثر قابلية للحياة والتطبيق يخدم مصالح شعب الخليج. لكنه إذا كانت الدول الأعضاء في المجلس تستطيع التغلب على انقسامات الماضي والتنسيق فيما بينها بشأن التحسينات العملية التي يمكن إدخالها على مستوى الحياة في منطقة الخليج، فإن هذه الدول مجتمعة يمكنها أن تصبح قوة مؤثرة في عملية التنمية في المنطقة.
346
| 09 ديسمبر 2013
تابعت المعطيات المحيطة بأول عملية انتخابية صادقة وشفافة ونزيهة في تاريخ المحروسة المعاصر إلا من بعض استثناءات محدودة سواء في فترة الحقبة التي يحلو للبعض أن يطلق عليها الليبرالية أو بعد تفجر ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر. ولاشك أن ثمة ملاحظات جوهرية لدى تجاه هذه العملية بعضها ينطوي على منظور إيجابي فيما يتضمن البعض الآخر منها أبعادا سلبية لدى ثقة في إمكانية تجاوزها في المرحلتين الثانية والثالثة بحول الله تعالى. وفيما يتصل بالجوانب الإيجابية للملاحظات تمكنني الإشارة إلى ما يلي: أولا: إن الشعب المصري شارك في هذه العملية الانتخابية وهي الأولى بعد حوالي عشرة أشهر من انبثاق ثورة الخامس والعشرين من يناير بقدر كبير من الوعي والحس الوطني الذي تجلى في هذا الإقبال غير المسبوق في تعاطيه مع انتخابات جرت في زمن مبارك الذي يوصف بأنه من أشد الأزمنة المصرية استبدادا وقهرا للشعب بل إن المستشار عبد المعز إبراهيم رئيس اللجنة العليا رأى أن هذا الإقبال الذي تجاوز نسبة الـ62 في المائة هو الأول من نوعه منذ العصر الفرعوني. لقد ظل الشعب المصري عازفا عن المشاركة في الانتخابات رغم كثرتها في عهد مبارك لقناعته بأنها لن تتسق مع إرادته ورغبته وأشواقه للحرية ولمن يمثلونه في البرلمان بشقيه: مجلس الشعب ومجلس الشورى فضلا عن المجالس المحلية والتي كانت في أغلبها تخضع لهيمنة الحزب الوطني الحاكم. وجاءت ثورة الخامس والعشرين لتؤسس لمنظور مغاير في التعامل مع العملية الانتخابية ينهض على أن الشعب وحده هو المنوط به تحديد من يمثله أيا كان توجهه من خلال صندوق الاقتراع وفق الضوابط القانونية والإجرائية التي تؤكد حياديته وشفافيته. ثانيا: لأول مرة تشارك جماعة "الإخوان المسلمين" عبر جناحها السياسي – حزب الحرية والعدالة – منذ نشأتها في نهاية حقبة العشرينيات من القرن الفائت في عملية انتخابية بشكل علني وواضح دون اللجوء إما إلى الانضواء تحت عباءة أحزاب وقوى سياسية أخرى مثلما حدث مع حزب العمل والوفد خلال ثمانينيات القرن العشرين أو إلى صفقات سرية مع الحزب الحاكم أو إلى الدخول تحت راية الاستقلال ولكن في أول انتخابات ثورة الخامس والعشرين من يناير شاركوا بفعالية وإن كان ضمن ما يسمى بالتحالف الديمقراطي الذي يضم أحزابا أخرى في صدارتها حزب الكرامة ناصري التوجه وبناء على توافق على القواسم المشتركة التي تنزع إلى تجسيد أهداف الثورة المتمثلة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. في السياق ذاته شارك ما يسمى بالجماعات السلفية في الانتخابات بعد أن كانوا بمنأى عن أي فعاليات سياسية خلال حكم مبارك ربما تقية حتى لا يتعرضوا للاعتقالات والمطاردة مثلما وقع لجماعة "الإخوان المسلمون " وغير ذلك من جماعات الإسلام السياسي والتي كانت تصنف بأنها من أهم خصوم النظام السابق الذي شن عليها حملات تحريضية مما وضعها ضمن في حالة عداء مع الرأي العام. وأظن أن الميزة النسبية لهذه الانتخابات أو بالأحرى المرحلة الأولى منها أنها وضعت التيار الإسلامي بكل تجلياته وفصائله في حجمه الحقيقي والذي يبدو أنه سيتصدر المشهد السياسي المصري في السنوات الأربع القادمة على الأقل وهو ما خلق حالة من الهلع والفزع لدى بعض الأوساط والدوائر أسهمت فيها بشكل مباشر تصريحات البعض ممن ينتمون إلى هذا التيار خاصة الجماعات السلفية التي تقدم في بعض الأحيان خطابا يبعث على الخوف خاصة لدى طائفة من الشعب المصري وبالذات الأقباط فضلا عن سكان المدن والمناطق الراقية فيها والعاملين في قطاع السياحة وبعض القطاعات الاقتصادية الأخرى وهو ما يتطلب من رموز التيار الإسلامي بكل جماعاته أن يعيد النظر في مجمل طروحاته التي تتناقض مع جوهر وحقائق الإسلام على نحو يدفع بالرأي العام المصري إلى الالتفاف حوله وليس الالتفات عنه وأظن أن تجربة كل من حزب النهضة وخطاب رئيسه الشيخ راشد الغنوشي بتونس وحزب التنمية والعدالة ورئيسه عبد الله بن كيران في المغرب تمثل مقاربة تمكن الاستفادة منها فهما بعثا بخطاب مطمئن للشعب في البلدين أكدا فيه حرصهما على الدولة المدنية وبناء منظومة تنموية وسياسية بعيدا عن الجوانب الديكورية والقشرية التي يرفضها الإسلام بالأساس. إن المحروسة في السنوات القادمة ليست في حاجة إلى هذا النوع من الجدل حول طبيعة ما يرتديه أهلها من الجنسين وتطبيق الحدود وعلى كيفية التعامل مع فئات شعبها وإنما يتطلب الأمر بالدرجة الأولى التطلع إلى التوافق حول إعادة العافية لها شعبا ودولة وبالذات على صعيد المواطنة المتساوية لكل بنيها من حيث الحقوق والواجبات وبناء نسق تنموي يكون قادرا على توظيف مقوماتها ومواردها البشرية والطبيعية لبناء اقتصاد وطني قوي يلبي احتياجات كل مواطنيها ويقضي على الفقر والتهميش والعشوائيات ويعطي الأولوية لتعظيم الإنتاج سواء الصناعي أو الزراعي أو الخدمي والذي شهد نوعا من الانهيار في السنوات الأخيرة لصالح حفنة من المستوردين بالإضافة إلى بناء نظام سياسي يقوم على التعددية بما يعنيه ذلك من تداول السلطة بناء على ما تفرزه صناديق الاقتراع وهو ما سوف يقود إلى إعادة الاعتبار إلى الدور المحوري والمركزي لمصر قوميا وإقليميا. ثالثا: شهدت الانتخابات عودة قوية للإشراف القضائي الكامل وهو ما منح عملية الاقتراع توهجها وصبغها بالمصداقية بعد أن أجهض مبارك هذا الإشراف في آخر تعديلات دستورية أجراها قبل أعوام سعيا منه لتهيئة المناخات للتزوير الذي جرى بعنف في انتخابات 2010 ضمن مخطط ممنهج لفرض توريث الحكم لنجله جمال وهو ما أجهضته ثورة يناير بدورها. رابعا: غياب العنف والاستعانة بما يطلق عليه البلطجية وإن كانت قد وقعت بعض مظاهرهما على نحو محدود للغاية وهو ما عكس الحالة الحضارية للشعب المصري عندما يسعى إلى تجسيد إرادته فقد كان ثمة نفر ومراقبون - ومنهم كاتب هذه السطور - يتخوفون من تداعيات أمنية سلبية خلال العملية الانتخابية في ضوء حالة الانفلات الأمني والتي عجزت أجهزة الشرطة عن القضاء عليها لأسباب لم يتوصل إليها أحد حتى الآن غير أن صحوة الشعب فضلا عن التعزيزات الأمنية التي وفرتها القوات المسلحة لقوات الأمن نجحت في تقديم نموذج حضاري لعملية اقتراع بمشاركة شعبية واسعة لأول مرة. أما فيما يتعلق بالجوانب السلبية فهي تمحورت في بعض الأمور اللوجستية من قبيل تأخر فتح لجان الاقتراع في المواعيد المحددة للتصويت بساعات طويلة بلغت في بعض اللجان ثلاث وخمس ساعات وتأخر وصول القضاة المشرفين عليها وتأخر وصول الأوراق الانتخابية وعدم ختم هذه الأوراق والقيام بفرز صناديق الاقتراع في مواقع أخرى غير لجان الاقتراع بالإضافة إلى قلة هذه الصناديق مما حدا إلى إرسال صناديق إضافية وهو ما أدى إلى تأخر عمليات التصويت في بعض اللجان. ومن هذه السلبيات قيام بعض مندوبي المرشحين بالدعاية داخل اللجان الانتخابية فضلا عن شكاوى تقدم بها البعض عن محاولات تدخل من قبل مرشحي حزب الحرية والعدالة والنور السلفي واللافت أن كلا منهما اشتكى من الآخر رغم انتمائهما إلى تيار واحد هو التيار الإسلامي. وقد أقر رئيس اللجنة العليا للانتخابات بمعظم هذه السلبيات والتي سيمكن احتواؤها في المرحلتين الثانية والثالثة خلال ديسمبر الجاري ويناير المقبل. السطر الأخير: كوني حلمي أبدا. عشقي الممتد. سندا للحرية والثورة elazab1@gmail.com
722
| 05 ديسمبر 2013
انتابتني بهجة مماثلة لفوز قطر باستضافة كأس العالم في 2022 قبل سنوات عندما تم الإعلان مساء الأربعاء الماضي عن فوز دولة الإمارات العربية المتحدة باستضافة "معرض إكسبو الدولي 2020" في مدينة دبي مطلع العقد القادم، متفوقة بعرضها على العروض المقدمة من مدن: ساوباولو البرازيلية، وإيكاترنبُرغ الروسية، وإزمير التركية. فالدولتان قطر والإمارات حققتا بذلك سبقا للأمة العربية في مضمار عالمي ليس مسموحا للدخول فيه إلا لمن يمتلك الإمكانات والمقومات والقدرة على تقديم منتج ينطوي على أفكار خلاقة ومبدعة وجديرة بالاحترام وليس نتيجة التدخل بدفع الرشاوى والأموال مثلما يحاول الحاقدون أن يبرروا هذا الفوز سواء في الحالة القطرية أو الإماراتية. وما لفت انتباهي هو أن مطلب الإمارات باستضافة هذا الحدث حظي باهتمام عربي واسع وشكل دعمه محورا من محاور اتصالات وتفاعل الجامعة العربية خلال العامين الأخيرين مع العديد من المحافل الدولية وهو ما جعل الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية يصف في بيان رسم نجاح دبي في الحصول على أغلبية المصوتين لصالح استضافة إكسبو 2020 بأنه تاريخي ويعتبره اعترافا دوليا بأهمية الدور الحيوي والفعال الذي تلعبه دولة الإمارات على المستوى الإقليمي والدولي. وقد سعيت لمعرفة المزيد من التفاصيل عن رؤية الجامعة العربية لهذا الحدث وحسبما يقول السفير أحمد بن حلي نائب أمينها العام فإن هذا الفوز هو بالضرورة تكريم لدولة الإمارات وإمارة دبي – درة الخليج العربي - وفي الوقت نفسه تكريم للعرب معتبرا أن هذا الحدث الاقتصادي والعلمي والثقافي والاجتماعي شرف للعرب وللمنطقة فضلا عن ذلك فهو يعد إنجازا واضحا لنشاط وديناميكية الدبلوماسية الإماراتية التي قادها باقتدار الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية والتي عملت بكل جهد وسخرت الاتصالات مع مختلف الأطراف والدوائر المؤثرة وعلى مختلف المستويات وكافة المحافل. ويضيف بن حلي: شخصيا حضرت كثيرا من الاجتماعات واللقاءات سواء على هامش اجتماعات الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر الماضي أو في مؤتمرات أخرى ففي الجمعية العامة مارست الجمعية العامة دورا بالغ الأهمية لحشد التأييد لدعم ترشيح الإمارات لاستضافة هذا الحدث العالمي وأظن أنها نجحت في تحقيق نتائج إيجابية على هذا الصعيد. ويلفت إلى العوامل التي اتكأت عليها دولة الإمارات للفوز بهذا الحدث العالمي الاستثنائي فهي أضحت خلال السنوات الأخيرة حلقة الوصل بين الشرق والغرب كما حققت سلسلة من الإنجازات ليس على الصعد الاقتصادية والاستثمارية فحسب وإنما على الصعد الحضارية والثقافية ومن ثم حظيت بمكانة إقليمية ودولية رفيعة المستوى كما أنها تعمل في إطار مواكبة العصر والمستجدات الحديثة التي طرأت فيه خاصة على المستوى التقني والتكنولوجي موضحا أن الإمارات أصبحت كذلك ملتقى لرجال الأعمال والشركات الكبرى والمنتديات العالمية سواء الاقتصادية أو الفكرية أو العلمية وهو ما يجعلني أقول أنه من حقها أن تحظى بهذه الاستضافة التي ستشكل نقلة نوعية لهذا البلد العربي الذي بات من رموز المنطقة بحكم ما حققه من تحولات وإنجازات جعلته في مصاف الدول الناهضة والبازغة في العالم اليوم ووفقا لما شرحه لي الدكتور ثامر محمود زيدان العاني مدير إدارة الدراسات والعلاقات الاقتصادية الإستراتيجية بالجامعة العربية فإن فوز الإمارات بهذا الحدث يأتي تجسيدا عمليا للسمعة والمكانة التي حققتها كدولة جاذبة للاستثمارات العالمية بالذات في ضوء ما أتاحته من قوانين ومناخات وبيئة مواتية ومتسقة مع المحددات الدولية في هذا الشأن تدفع إلى الشعور بالاطمئنان وهو ما انعكس بدون شك في اختيار العالم- عبر منافسة مفتوحة – لاستضافة هذه التظاهرة لأول مرة في المنطقة العربية. وينبه الدكتور العاني إلى أن ما تتمتع به الإمارات من استقرار سياسي وأمني إلى جانب طبيعة اقتصادها القائم على التعدد والتنوع والحرية والبنيان الهيكلي للدولة فضلا عن التنوع السكاني الذي يضم عناصر من كافة الشعوب والقارات يعيشون جنبا إلى جنب في تعايش نموذجي في ضوء انفتاح واسع على العالم بكل ثقافاته وضمن سياق من التوازن الدقيق لعب بلا شك دورا محوريا في أن تحقق هذا الفوز المدهش بتنظيم إكسبو 2020 مشيرا إلى أن ثمة انعكاسات إيجابية سوف تترتب على هذا الفوز في ظل طبيعة هذا المعرض الذي يحتوي على أحدث الصناعات وأحدث التقنيات في العالم والأهم من كل ذلك – كما يقول الدكتور العاني – هو أن هذا الحدث سيجعل الإمارات تستقبل الآلاف من سكان العالم الذين سيفدون إليها لمشاهدته مما سيكرس بحق سياحة المعارض التي تحقق فيها دولة الإمارات خاصة دبي نجاحات هائلة وهو ما سيكون له بدون شك مردود شديد الإيجابية على الدولة ككل وعلى المنطقة عموما. ولاشك أن الفوز بهذا الحدث – كما يضيف الدكتور العاني - حلم تتمنى أن تحققه دول عديدة ولكنه يتطلب العديد من المقومات والإمكانات التي لا تتوافر إلا في عدد محدود من الدول من بينها الإمارات التي نجحت في التفوق على منافسيها. وعندما سألته عن دور الجامعة العربية في فوز الإمارات بهذه الاستضافة لإكسبو 2020 علق بقوله: لقد سعت الجامعة عبر الكثير من المحافل والقمم إلى الحشد لهذا الحدث ففي خلال انعقاد المنتدى العربي الصيني على مستوى وزراء الخارجية خلال العام الماضي طالبت الجامعة بتأييد ترشيح الإمارات لاستضافة هذا الحدث والأمر نفسه حدث في القمة العربية الأمريكية الجنوبية التي عقدت في العام 2012 ببيرو والتي كان من بين قراراتها دعم ترشيح الإمارات وهو نفس ما حدث في القمة العربية الإفريقية الثالثة التي عقد بالكويت يومي 19 و20 نوفمبر الماضي. إن دولة الإمارات وبالذات دبي تقدم باستضافتها هذا الحدث العالمي الاستثنائي أنموذج- كما قدمت قطر من قبل – على قدرة العقل العربي على الخيال الواسع وترجمته إلى الواقع عبر قراءة صحيحة ووفق المنهج العلمي والتخطيط للوصول إلى الهدف وهو ما يمكن أن يساهم في تغيير الصورة النمطية عن العرب بوقوفهم عند الأطلال وعجزهم عن اللحاق بمتغيرات ومستجدات الزمن والذي لديه شك فعليه أن يبادر بزيارة كل من الدوحة ودبي حتى يرصد بنفسه ملامح المشهد الحضاري القادم بقوة والذي يشكل بدون شك قيمة مضافة لمشروع الأمة الحضاري الذي نتطلع إلى أن يحقق قفزات نوعية في السنوات القادمة. السطر الأخير: أخرجيني من دوائر الصمت تابعي مسيرة عشقي فأنت لدي عنوان القصيدة فاكهة حديقتي قدس أسراري ديمومة الصحو بهجة الكتابة
454
| 02 ديسمبر 2013
لم تعد المحروسة – مصر- بحاجة إلى المزيد من العنف والتظاهرات التي تبث الموت في الشوارع والطرقات، بل ومن أسطح المنازل مثلما حدث غير مرة. ليس ثمة ما يبرر هذه العشوائية في القتل المتبادل بين فئات تنتمي إلى وطن واحد ودين واحد وموروث حضاري واحد، صحيح قد يتمسك كل طرف من المتصارعين بموقفه على الصعيد النظري، لكن أن يصل الأمر إلى سفك الدماء من أجل الدفاع عن هذا الموقف أو البقاء في خندق السلطة أو محاولة الضغط من أجل استعادة نظام أجبر- من فرط عدم رشده - على الرحيل أو التمسك برئيس مهما كانت قوته ودرجة "زعامته". ومن يتابع أحوال المحروسة منذ الثلاثين من يونيو الماضي يرصد تناميا في ظاهرة العنف المتبادل بين جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها التي تم إقصاؤها عن السلطة في ثورة شعبية جددت وصححت مسار ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 وبين الدولة المصرية متمثلة في الجيش وقوات الأمن وفي بعض الأحيان يدخل الأهالي كطرف مدافعين عن مصالحهم وأماكن ارتزاقهم وإقامتهم. ومن يدفع كلفة ذلك بالضرورة هو الشعب المصري والاقتصاد والسياحة والاستقرار الذي غاب فوقعت البلاد في فوضى أمنية وعشوائية مفرطة في كل مناحي الحياة. والمرء حتى يكون منصفا يرى أن السلطة الانتقالية الراهنة مارست بعض الأخطاء والتي بدأت باستخدام القوة في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، مما أدى إلى مقتل المئات وليس الآلاف وفق إحصاءات الطب الشرعي التي أفادت قبل أسبوع بأن أعداد كل من قتلوا في هذه الفترة لا تتجاوز الـ 720 شخصا إلى جانب حوالي 30 جثة غير واضحة المعالم بينما جماعة الإخوان وأنصارها والمدافعون عنها لا يفتأون بالتصريح بأن أعداد القتلى تجاوزا الخمسة آلاف شخص وهي مبالغة لا تتسق مع منطق الأمور ولكن هذه السلطة في النهاية تدافع عن هيبة دولة سعت - ومازالت جماعة الإخوان – إلى الانتقاص منها وهو ما يتجلى في الحرب الشعواء ضد الجيش وقوات الأمن واللتين تتعامل معهما بحسبانهما أعداء وليسا مجرد خصوم فتصدر الفتاوى من دوائر فقهية منتمية إليها تجيز محاربتهما وقتالهما ضمن حدود الجهاد بينما الجهاد وفق الفهم الصحيح له موجه إلى من يحتل الأرض ويغتصب الحقوق من الغزاة وقوى الاستكبار القادمين من خارج الحدود وفي الحالة المصرية الأمر لا يخرج عن كونه حالة صراع بين فئتين تفتقران إلى القواسم المشتركة وإحداهما تراوغ وتتمسك بطروحات تقود إلى استمرار الاحتقان والتوتر الداخلي الذي يهدر طاقة الوطن ويجهض توجهها نحو بناء الدولة الحديثة التي مازال المصريون يحلمون بها. إن وقف القتل والعنف في المحروسة بات فرض عين وليس فرض كفاية يتعين أن تشارك فيه كل القوى الحاكمة والمعارضة، فثمة وطن يتمزق وشعب يفقد هويته الوطنية وإمكانات معطلة ومقومات مهدرة وشمس غير قادرة على الشروق بفعل العتمة الشديدة التي تفرض سطوتها في الآفاق ولكن السؤال كيف؟ هنا تكمن المعضلة، فجماعة الإخوان على الرغم مما بدا في الآونة الأخيرة أنها تطالب بحل سياسي لإنهاء الأزمة الراهنة والدخول في حوار وطني وهو تطور قوبل بإيجابية لم توضح آليات هذا التوجه وعندما قرأت شروحا لبعض قيادييها وجدت أن التفسير يدفع الأمور باتجاه المزيد من التعقيد، فهو ما زال يقوم على معادلة عودة الشرعية ودستور 2012 وهي أمور تجاوزها الواقع الراهن وفي يقيني أن هؤلاء القادة خاصة الدكتور محمد بشر والدكتور عمرو دراج والدكتور ياسر علي بوسعهم أن يطرحوا مقاربة أكثر واقعية تنهض على استبعاد رقم الدكتور محمد مرسي من المعادلة فهو بات في خانة الماضي الذي لا يمكن أن يعود لأسباب عديدة وهو ما يعني تهاوي الشرعية التي كان يمثلها على نحو أو آخر بعد إعادة قراءة ما جرى في الثلاثين من يونيو والإقرار به ثورة شعبية الأمر الذي لا يجعل حزب الحرية والعدالة والذي يمثل الذراع السياسية للجماعة التي أضحت محظورة قانونيا خارجا عن سياق المشهد السياسي الذي تحرك بالفعل إلى الأمام وأي تعارض مع هذا التحرك يعني موت الحزب إكلينيكيا وبالتالي الجماعة ودفعها دفعا إلى دائرة السرية. وأظن أن الجماعة مطالبة في ضوء هذه القراءة والمراجعة بأن تتخلى عن حالة عدم القبول بالآخر ورفض الغير وهو ما شكل سببا حقيقيا من أسباب فشل تجربتها في حكم المحروسة والذي ظل حلما يراودها على مدى ثمانين عاما بيد أنها سرعان ما فرطت فيه فور أن قبضت عليه وذلك يعني بوضوح أن تسرع إلى إعادة هيكلة حزب الحرية والعدالة على أسس ومقومات وطنية وليس دينية دون أن يمنع ذلك من الاحتفاظ بالمرجعية الإسلامية كمرجعية فكرية وليس سياسية وتبادر بالتواصل مع مفردات ومعطيات خارطة الطريق والتي توشك أن تبدأ في الواقع بحيث يظل الحزب ضمن المنظومة السياسية التي ستحكم البلاد في قادم الأيام ولكن وفق صيغة وطنية ديمقراطية لا تقوم على الإقصاء أو الاحتكار أو الهيمنة أو السطو على مقدرات أمة أو أشواق شعب. ولاشك أن ذلك يستوجب تهيئة مناخ آمن لتحرك الحزب سياسيا من خلال وقف ما أسميته في أحد مقالاتي سابقا بشيطنة كل المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين وحزبها أو لجماعات التيار الإسلامي، فذلك لا ينسجم مع محددات المسار الديمقراطي، فضلا عن أنه سيدفعهم إلى اللجوء إلى العمل عبر الخلايا والتنظيمات السرية وفي تقديري أن برامج الفضائيات سواء الحكومية أو الخاصة مطالبة بقوة بأن توقف هذا الفيض من الأحاديث المكررة عن جماعة الإخوان وسلوكياتها خلال العام الذي حكمت فيه المحروسة ولاشك أن طرح ملفات وموضوعات تناقش بجدية ومهنية كيفية استعادة المحروسة لعافيتها الاقتصادية والسياسية والأمنية أهم بكثير من مناقشة ماضي الإخوان إلا إذا تعلق الأمر بجريمة عنف أو خطأ سياسي أو مواقف مناهضة للاستقرار في المحروسة. إن المحروسة أمانة في رقبة الجميع، فهل ينتبهون إلى خطورة مسؤولية تحملها أو التخلي عنها، هنا الموت أفضل. السطر الأخير: راحلا في مدارك ساكنا في غياهب جبك فلا تبعثي بالسيارة كي يشتروني أود البقاء بمقامك أن تسدلي على أستارك تفيضي بروحي من أنهارك فأبقى مقيما بديارك
551
| 25 نوفمبر 2013
لاشك أن انعقاد القمة العربية الإفريقية بالكويت والتي ستنطلق أعمالها غدا الثلاثاء ينطوي على أهمية استثنائية في ظل المعطيات التي يواجهها الطرفان واللذان باتت لديهما قناعة قوية بالمضي قدما في طريق طويل بدأ منذ عقود تحديدا في الفترة 7-9 مارس من العام 1977 حيث استضافت العاصمة المصرية أول قمة بينهما وضعت المرتكزات الرئيسية للتعاون والشراكة ولكنها سرعان ما اختفت من فرط التدهور الذي مضى فيه الوطن العربي بعد دخول الرئيس المصري الراحل أنور السادات في خندق كامب ديفيد والتي شكلت اتفاقيتها الموقعة مع الكيان الصهيوني قيودا على حركة مصر في إفريقيا بل وفي محيطها العربي مما جعلها تنكفئ على الذات وتتقلص مكانتها الإقليمية في عصر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك الذي لم يعر إفريقيا المساحة الضرورية من الاهتمام لاسيَّما بعد تعرضه لمحاولة اغتيال بعد وصوله إلى إثيوبيا للمشاركة في قمة إفريقية بها. لا أود أن أركز على الماضي لكن دعونا نستغل مناسبة انعقاد قمة الكويت والتي تأتي بعد أربع سنوات من القمة الثانية التي عقدت بمدينة سرت في أكتوبر من العام 2010 ونتحدث عما ينبغي أن يكون على صعيد العلاقات الإفريقية العربية في ظل عدد من المحددات الأساسية. أولها: أن الجانبين يتداخلان من حيث التاريخ والجغرافيا بل والطموحات والأشواق للحرية والديمقراطية والتحرر من كوابيس الحقبة الاستعمارية التي ما زالت تداعياتها مستمرة حتى اللحظة. ثانيا: إن الوطن العربي والقارة الإفريقية يمتلكان ثروات وموارد هائلة فضلا عن القوة البشرية الواعدة والقادرة على إحداث التغيير التنموي لكن تنقصهما الإرادة السياسية لتوظيف هذه المقومات القوية والتي لو أحسن استغلالها لحولت التعاون بين الطرفين إلى أنموذج بوسعه أن يوفر الغذاء والطاقة ليس لشعوبهما فحسب ولكن لشعوب العالم وتتعين الإشارة في هذا الشأن إلى أن العالم المتقدم ما زال يعتمد في نموه المتصاعد على هذه المقومات حتى الآن. ثالثا: إن التقارب الحضاري المتمثل في العادات والتقاليد ومنظومة القيم المتشابهة فضلا عن وجود عنصر الدين سواء الإسلام أو المسيحية يمثل أرضية يمكن الانطلاق منها لدفع الشراكة بين الطرفين إلى آفاق أكثر رحابة بمقدورها أن تحقق نقلة نوعية لصالح التنمية والتقدم لديهما وذلك يتطلب التخلص من الموروثات القديمة التي صنعتها الحقبة الاستعمارية التي مارست كل ما من شأنه أن يوسع المسافات بينهما. في ضوء ذلك فإن قمة الكويت مطالبة بجملة من الخطوات الضرورية التي تعلي من قيمة الشراكة ووضعها كإطار للحراك الجماعي أو الحراك على مستوى ثنائي بين الدول التي تنتمي للمنظومتين. أول هذه الخطوات تتمثل في تجاوز الخلافات والتباينات السياسية والتي شكلت في العقود الماضية حاجزا أمام تفعيل التعاون بين الطرفين وبقائه في نطاق محدود للغاية وقد فعل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح صنعا باستبعاد الملفات السياسية من جدول أعمال القمة والتركيز على القضايا التنموية والاقتصادية، وحسبما يقول الشيخ سالم عبد العزيز الصباح وزير المالية الكويتي خلال افتتاحه لأول فعاليات القمة يوم الإثنين الماضي والمتمثلة في المنتدى الاقتصادي العربي الإفريقي فإن ثمة فرصا متاحة أمام الدول العربية والإفريقية تتيح النهوض باقتصاداتها وتحقق مصالحها وطموحات شعوبها إذا ما أحسن استغلالها مبينا أن الدول العربية والإفريقية بحاجة إلى حشد الموارد المالية اللازمة لتنفيذ برامج ومشروعات في قطاعات اقتصادية واجتماعية مختلفة من خلال استقطاب رؤوس الأموال من مصادر محلية وخارجية، بما في ذلك من الدول المانحة ومؤسسات التنمية الوطنية والإقليمية والدولية والقطاع الخاص. ويلفت الشيخ سالم الصباح إلى تداعيات وارتدادات الربيع العربي بقوله إن الدول الإفريقية شهدت نموا اقتصاديا مطردا وتحسنا في مؤشرات التنمية الاجتماعية، وكذلك الحال بالنسبة إلى الدول العربية ولكن هذا النمو الاقتصادي لم يفلح في تحقيق طموحات الملايين من شعوبنا، وهو ما تدل عليه الأحداث والتغيرات التي نشهدها اليوم في دول عربية وإفريقية، والتي ترجع إلى تفشي البطالة والفقر والجوع وعدم توافر الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة والمياه الصالحة للشرب والكهرباء ووسائل النقل. أما ثاني هذه المطالب فيكمن في تقديري في وضع آليات جديدة للتعاون تقوم على تغيير تصورات كل طرف للآخر فلا يبنغي أن تظل النظرة الإفريقية للدول العربية خاصة الدول الخليجية باعتبارها مجرد حامل للأموال في حين ينظر الطرف العربي إلى الدول الإفريقية بحسبانها مستهلكا وقليل الخبرة والحيلة فمع التحولات والمتغيرات التي يشهدها العالم والتي انعكست إيجابيا على الطرفين فإن هناك إمكانية قوية لتحقيق نوع من التكامل بينهما مع استغلال الميزات النسبية لكل طرف فالدول الإفريقية تمتلك الأراضي بمساحات شاسعة وثروات معدنية بكميات ضخمة فضلا عن البشر الذين حققوا في السنوات الأخيرة تطورا معقولا على صعيد التعليم والتقنية وفي المقابل فإن الدول العربية بما لديها من مقومات مالية وقدرات استثمارية يمكنها أن تحقق قفزات مهمة في إفريقيا وأظن أن ثمة محاولات جادة تحققت في هذا الشأن خاصة على صعيد الزراعة وتربية الحيوانات لكن الفترة المقبلة في ضوء قمة الكويت يجب أن تحقق تفاعلا حقيقيا بين الجانبين من شأنه أن يسهم في حل معضلات غذائية ونقص واضح في الاحتياجات اليومية لشعوب الجانبين مما اضطرهما خلال العقود الماضية إلى الاستعانة بما هو مستورد من أوروبا وأمريكا الأمر الذي جعلهما يوظفان ذلك سياسيا باتجاه فرض شروط معينة على دول الجانبين. ثالثا: إن الدول العربية باتت مطالبة بشكل خاص بتشكيل آلية خاصة لتقديم أنواع مغايرة من المساعدات لإفريقيا خاصة على الصعيد السياسي والأمني والعسكري والعلمي والتقني والتي تهيمن عليها خاصة في ظل الغياب المصري عن القارة الإفريقية لدول مثل إسرائيل وإيران والهند وبالطبع هناك أمريكا وبريطانيا وفرنسا والتي ما زالت تتعامل مع إفريقيا من منظور استعماري متعال. السطر الأخير: انتبهي العاشق يبحث عنك يسألك البقاء وليس الرحيلا فأنا اصطفيتك من بين ورود الكون فكوني فاتحتي خضرة تعانق الحقول
436
| 18 نوفمبر 2013
القدس في طريقها للضياع - إن لم تكن قد ضاعت بالفعل - ومسجدها الأقصى في سبيله إلى التقسيم والأشقاء العرب مشغولون بأوضاعهم الداخلية وصراعاتهم السياسية وأزماتهم التي نتجت عن ثورات ربيع ما زال بطيئا في مردوده على الشعوب ولكن النخب في بلدان هذا الربيع وغيره مصرة على أن تتوكأ على عصا الانقسام ولا يهم أن تغيب القدس العربية الإسلامية عن الخارطة ويفقد الأقصى هويته وخصوصيته. هذا ما انتابني من مشاعر وأحاسيس عندما كنت جالسا في المقاعد المخصصة للصحفيين والإعلاميين مساء الأحد قبل الماضي بقاعة الاجتماعات الكبرى بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية متابعا لوقائع الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب لمناقشة بند واحد يتمثل في الإعداد لمؤتمر جنيف 2 وتطورات الوضع في سوريا غير أن وزير الخارجية الفلسطيني الدكتور رياض المالكي فاجأ الاجتماع بطلب الحديث عن أوضاع القدس وأظنه أراد بذلك أن يوجه رسالة لأشقائه من وزراء الخارجية العرب الذين شدوا الرحال لأزمة سوريا وشعبها بأن ينتبهوا أيضا للقدس ومسجدها الأقصى لأنه لو تلاشت من الوجود ودخلت منطقة العدم من فرط الهيمنة الصهيونية التي تصر حكومة المتطرف الأكبر بنيامين نتنياهو على فرضها عليها - مثلما يحدث الآن - فإنه لن يكون ثمة وطنا عربيا حتى وإن ظهرت دوله كنقاط على الخارطة فوقتها لن تكون سوى مسخ وتابع للكيان الصهيوني لأن القدس ومسجدها الأقصى هي رمانة الميزان في الوجود العربي. لقد بدا لي الدكتور رياض المالكي يصرخ متوجعا متألما وهو يرى المخطط الصهيوني لتهويد القدس والسيطرة على مسجدها الأقصى دون أن يكون هناك أي حراك سوى بيانات شجب أو إدانة تصدر من هذا الطرف أو ذاك وتلك معضلة العرب الرئيسية فهم يدركون حقيقة المخاطر التي تواجه المدينة المقدسة ولكنهم يفتقرون إلى الوسائل والآليات التي تعينهم على وقفها وبالتالي ليس لديهم خيار سوى الصراخ عبر البيانات وهي جاهزة ومعدة في أروقة وزارات الخارجية ولا تكاد تتغير في مضامينها عاما بعد عام أو من دولة إلى أخرى. ولاشك أن ما طرحه أمام نظرائه العرب ينطوي على حقائق مذهلة تستوجب التحرك سريعا لإجهاض مخططات حكومة الكيان الصهيوني والتي تعمل على تهويد القدس وتقسيم الأقصى مستغلة الصمت العربي والإسلامي والدولي التام في مقدمتها أن نائب الوزير في ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي أوفير أكدنيس كشف مؤخرا عن لائحة رقمية تضم مواقع في الضفة الغربية والقدس حيث سيتم بناء أكثر من 5000 وحدة استيطانية جديدة فيها، تنفيذا لأوامر شخصية من نتنياهو،وذلك تزامنا مع قضية الإفراج عن الدفعة الثانية من أسرى ما قبل أوسلو في حين كان قد تم الأسبوع الماضي الإعلان عن بناء 1859 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس. ومن هذه الحقائق كذلك أن نتنياهو اتفق مع وزير داخليته "جدعون ساعر" للإسراع في بناء أربع مشاريع استيطانية كبرى في القدس الشرقية بما فيها العمل الفوري على بناء مركز تهويدي ضخم جنوب المسجد الأقصى في مدخل بلدة سلوان باسم "مركز قيدم" وإقامة حديقة وطنية توراتيه على سفوح جبل المشارف شمال المسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدس المحتلة. كما أنه - أي نتنياهو - أوعز بالعمل فورا لإقامة الهيكل التوراتي على حساب الأراضي الفلسطينية التي لا تبعد سوى أمتار عن جنوب الأقصى لينضم إلى مشروع التهويد والاستيطان لبلدة سلوان، والبؤرة الاستيطانية المسماة "مركز الزوار" أو "مدينة داود" حيث الحفريات والإنفاق التي تتصل بحيط وأسفل المسجد الأقصى. ومن بين هذه الحقائق التي أشار إليها وزير الخارجية الفلسطيني أنه فور انتخاب "نير بركات" رئيسا لبلدية الاحتلال في القدس بدأ حملة مسعورة لهدم بيوت المقدسيين بالجملة كما حدث في هدم بناية عائلة الشوبكي وبيت عائلة قرش وغيرهما لتغيير معالم المدينة المقدسة والسيطرة على الأراضي بما فيها أراضي الأوقاف، والممتلكات، الأمر الذي سيؤدي إلى تهجير آلاف المواطنين الفلسطينيين المقدسيين إلى خارج القدس كاشفا في هذا الصدد عن أن نشطاء من حزب الليكود يطلقون على أنفسهم "منهيجوت يهوديت" (قيادة يهودية) قاموا بإعداد مقترح تحت اسم مشروع قانون منظم للمحافظة على جبل الهيكل كمكان مقدس وسلموه إلى وزير الأديان الإسرائيلي يهدف إلى نزع السيادة الإسلامية عن المسجد الأقصى ونزع كامل صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية في كامل مساحة المسجد الأقصى وتبديلها بمفوض خاص من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي،وبالتالي يصبح المسجد الأقصى بموجب هذا المشروع تابعا لوزارة الأديان الإسرائيلية بل ومن المواقع اليهودية المقدسة وتحت صلاحية هذه الوزارة وضمن حدود وقوانين الأماكن اليهودية المقدسة، حيث يتم تقنين تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا فمن حيث الزمان سوف يتم تخصيص ساعات محددة لليهود للصلاة بالمسجد الأقصى وسيمنع أي مسلم من الدخول في تلك الأثناء، ومكانيا سوف تخصص أماكن محددة داخل المسجد وساحاته لتكون مخصصة للصلاة لليهود فقط وهذا هو التقاسم الأولي للمسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين كخطوة أولى تجاه السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى. وهنا ينبه المالكي إلى أن المقترح يقوم على تقاسم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود وتحديد مساحات لكل منهما بينما هو في الأساس يعتبر كامل مساحة المسجد مقدسا يهوديا ومعبدا ويسميه "جبل الهيكل" أو "جبل المعبد" ولكن نظرا للظرف الآنية فإنه يقبل بأن يتم تقاسم المسجد الأقصى على أن يتم الدفع باتجاه جعله في النهاية هيكلا ومعبدا ثالثا خالصا لليهود. ووفقا للوثيقة التي حصلت عليها مؤسسة الأقصى للوقف والتراث والتي عرضها المالكي فإن المقترح هو أن الجامع القبلي المسقوف، هو فقط المسجد الأقصى وفيه فقط تؤدي صلوات المسلمين ويحدد بأن كامل مساحة صحن قبة الصخرة والجهة الشرقية منه هو مقدس يهودي خالص، على أن تخصص مساحة تشكل نحو خمس مساحة المسجد الأقصى كمساحة للصلوات اليهودية فيها بل ويعتبر كل مساحة المسجد الأقصى مساحة للصلوات اليهودية الصامتة أي من دون رفع الصوت أو استخدام الأدوات المقدسة. وتشير هذه الوثيقة إلى إمكانية زيادة الأوقات والمساحات التي يمكن أن تؤدى فيها الصلوات اليهودية بل وتجعل إمكانية اقتحام ودخول الأقصى من قبل اليهود من جميع الأبواب وفي جميع الأوقات وارد، وتمنح المفوض من سلطات الاحتلال صلاحيات تحديد مساحات من المسجد لدخول اليهود فقط بالإضافة إلى جملة من المحظورات والممنوعات منها منع أعمال الترميم والصيانة للمسجد حيث اعتمد كلمة منع "المبيت" بدلا من "الاعتكاف". ولعل من أخطر الحقائق ما ينفذه الكيان الصهيوني من خطة عن طريق بلدية القدس تسمى بـ 2020 وبموجبها سيصبح عدد السكان الفلسطينيين العرب داخل القدس الكبرى أقل من 23% من مجموع عدد السكان العام، وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات والقوانين والفعاليات والسياسات والطرد والإهمال والتشريد.. فمتى يستيقظ العرب ومعهم المسلمون لإنقاذ القدس ومسجدها الأقصى؟ السطر الأخير: الغضب الساطع آت فمتى تهب رياحه؟
353
| 11 نوفمبر 2013
مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور...
7581
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام...
2454
| 16 نوفمبر 2025
شخصيا كنت أتمنى أن تلقى شكاوى كثير من...
1341
| 18 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به...
1155
| 21 نوفمبر 2025
القادة العظام يبقون في أذهان شعوبهم عبر الأزمنة...
1122
| 18 نوفمبر 2025
كنت في زيارة لإحدى المدارس الثانوية للبنين في...
903
| 20 نوفمبر 2025
الاهتمام باللغة العربية والتربية الإسلامية مطلب تعليمي مجتمعي...
885
| 16 نوفمبر 2025
نعيش في عالم متناقض به أناس يعكسونه. وسأحكي...
804
| 18 نوفمبر 2025
يُعد البيتومين (Bitumen) المكون الأساس في صناعة الأسفلت...
681
| 17 نوفمبر 2025
في عالم يتسارع كل يوم، يصبح الوقوف للحظة...
642
| 20 نوفمبر 2025
أقرأ كثيرا عن مواعيد أيام عالمية اعتمدتها منظمة...
618
| 20 نوفمبر 2025
المترجم مسموح له استخدام الكثير من الوسائل المساعدة،...
615
| 17 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية