في منزل السيد حسن أو كما يلفظها المغاربة "سي حسن"، استقبلنا أهله بالترحاب والبشاشة، ثم بعد أن جلسنا سألنا الحاضرون عن أحوال قطر وأهلها، خاصة التغير في الحكم الذي كان في قطر، حيث إنها سابقة أن يتنازل حاكم في عز عطائه، فأخبرناهم أن الأمور بقطر بأحسن حال والناس تستبشر بالشيخ تميم. وكما العادة في المجالس التي تجمع أهل العلم بدأت تطرح بعض المسائل والأحكام الشرعية، وقد أعجبتني متابعتهم للكثير من المشايخ في بلاد المشرق وتأثرهم بهم، مثل الشيخ محمد حسان، والعلامة أبو إسحاق الحويني، والشيخ سلمان العودة، والشيخ عايض القرني، والشيخ محمد العريفي. وقد أخبرنا الأستاذ أحمد الموساوي أن الشيخ عمر القزابري القارئ المعروف وإمام المسجد الحسني، كان جارهم في الصغر كما أن والده كان مؤذنا للجامع، وحدث أن غاب الشيخ وأذن ابنه الشيخ عمر مكانه فاكتشف الناس موهبة الشيخ وعذوبة صوته مما دعا الناس لتشجيعه وتقديمه. وهذا درس في تشجيع واكتشاف مواهب الشباب، فرب كلمة تقول لشاب تزرع فيه بذرة قائد للأمة. وللحديث بقية إن شاء المولى تبارك وتعالى

وقد أخذنا الشيخ لبعض المطاعم الشعبية معتذرا بلطف بأنه لم يعلم بقدومنا إلا في وقت متأخر وكان هذا المطعم يمتلكه بعض المتدينين بالمغرب وقد بالغ جزاه الله خيرا في إكرامنا وإتحافنا أخذنا بعدها في جولة بمنطقة جد جميلة علمنا بعد ذلك أن ملك المغرب محمد السادس يتخذها مصيفا له ومما تجاذبناه من أطراف الحديث ونحن على درب الطريق ما أعلمنا به من أن بعض أبنائه وهو سعد أبو خبزة يقيم في قطر ويعمل في شركة أزدان العقارية لنكون معه على اتصال إذا وصلنا إلى قطر وقد ودعنا الشيخ بالترحاب كما استقبال قفلنا راجعين بعد زيارته إلى كازابلانكا وكان الطريق بينهما كله خضار، فجبال يكسوها الخضرة وتعلوها الأشجار المتنوعة الجميلة، وحين وصولنا للدار البيضاء بدأنا بالفندق لتغيير ملابسنا استعدادا لزيارة أخينا حسن المغربي في منزله الواقع قريبا من فندق السوفيتيل الذي اتخذناه نزلا في هذه الزيارة كما سبق وأن ذكرت وكان مع مضيفنا أقاربه مدعوين معنا وكان من بينهم الأديب الشاعر أحمد الموساوي وندع بقية الحديث للحلقة القادمة بإذن الله.

وفي مدينة تطوان وبعد خروجنا من بيت العلامة أبي خبزة حيث أصر ابن أخيه على أن يأخذنا في جولة بهذه المدينة الساحرة بجمالها وفي أثناء الطريق بدأ يكلمنا عن بعض المعاهد التي أنشأوها ومما قاله إن الطالب لا يقبل عندهم حتى يحفظ القرآن الكريم كاملا وهي عادة عند المعاهد العلمية العريقة بالمغرب، كما أشرنا سابقا، وفي جولتنا بهذه المدينة الجميلة المطلة على البحر المتوسط والتي تشم فيها عبق الأزهار والورود والنسيم العليل وقد كلمنا الشيخ بلسان الهم والغم عما يجري الآن بمصر وما حل برئيسها الدكتور محمد مرسي، حتى أنه أخبرني أنه لم ينم تلك الليلة ومما قاله عن عمه العلامة أبي خبزة موقفه الصارم تجاه قضية أفغانستان إبان ترؤس حركة طالبان لها، فناصرها ضد الحرب الغاشمة، حيث مثل الشيخ عقيدة المؤمن في الولاء والبراء، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين".

كنا نتحدث في مقالنا السابق عن لقائنا بالعلامة الشيخ محمد أبو خبزة، وهو أحد علماء المغرب المحدثين يمتاز بخبرته في الكتب التراثية الإسلامية، ويقصده الكثير من طلاب العلم للدراسة والإجازة، وهو من مؤسسي دار الإمام الشاطبي ويرأسه من عشرين سنة، ويمتاز الشيخ بالتواضع والعفة وعدم حب الظهور، فعندما أخبرناه بأننا قرأنا عنه في الكثير من مواقع الإنترنت، رد علينا الشيخ: بأن ذلك ليس محببا له وأنه لم يأذن به. أما مرويات الشيخ فهي تتنوع بين إجازة ولقيا، كمروياته عن علامتي المغرب الشيخ محمد عبدالحي الكتاني، والشيخ أحمد بن صديق الغماري، وعلامة تونس الشيخ الطاهر بن عاشور، وعلامة الجزائر الشيخ البشير الإبراهيمي، ومحدث العصر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. وللشيخ مع العلامة الألباني خاصية، حيث إن الشيخ الألباني كان لا يرى الإجازة العامة وعند زيارة الشيخ محمد للعلامة الألباني بالمدينة المنورة ـ على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ـ عام 1382هـ أهدى الشيخ الألباني للشيخ أبو خبزة بعض رسائله، فقال له الشيخ أبو خبزة: هذه إجازة بالمناولة؟ فأقره الشيخ وقال نعم. كما أجاز شيخ الحنابلة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل الشيخ أبو خبزة، وقام الشيخ بإجازة الشيخ عبدالله أيضا، وهو ما يسمى عند أهل الحديث بالتدبيج، يقول صاحب المنظومة البيقونية: وما روى كل قرين عن أخه مدبج فاعرفه حقا وانتخه وهو من باب رواية الأقران عن بعضهم البعض، كما حدث بين الشيخين. وبعد زيارة الشيخ أخذنا ابن أخيه في جولة في مدينة تطوان، سنتحدث عنها في مقالنا القادم إن شاء الله.

في الصباح الباكر كان مرشدنا السياحي في انتظارنا للتوجه إلى مدينة "تطوان" إلا أنه حدث موقف لم يكن مطمئنا لنا حيث قام بعض سائقي سيارات الأجرة المحلية بإغلاق الطريق علينا، ولم نكن نفهم السبب لذلك، فسألنا مرشدنا حسن فأخبرنا بأنهم يدعون بأن حسن لا يحمل رخصة سياحية لأخذنا إلى تطوان، إلا أننا تمكنا من التفاهم معهم بعد نقاش طويل أخرنا بعض الوقت. ثم أخذنا طريقنا شمالا إلى تطوان، وقد استمر الطريق بنا خمس ساعات، وهو طريق يمتاز بالخضرة على جوانبه ولطافة هوائه كما تأخذ بلبك العيون المائية الجميلة، وكان وصولنا الساعة الثانية عشرة ضحى ـ قبل صلاة الظهر بساعة تقريبا عندهم ـ وقد نسقنا موعدا لزيارة العلامة الشيخ محمد أبو خبزة التطواني الإدريسي عن طريق ابن أخيه الدكتور أمين أبو خبزة، وهو أكاديمي وبرلماني يمثل أحد الأحزاب السياسية ذات التوجه الإسلامي. واستقبلنا الشيخ أمين وأقلنا إلى منزل عمه في أحد أحياء تطوان وأدخلنا في مجلس الشيخ داخل البيت، ثم خرج لنا الشيخ محمد وسلمنا عليه، ويبدو أن الشيخ كان يلتقط أنفاسه بسبب كبره في السن وصعوده للدرج إلينا، وبعد الترحيب والسؤال عن صحته؟ فقال: شيخ طاعن في السن، إلا أننا من باب التشجيع قلنا: ما شاء الله عليك يا شيخ ما يظهر عليك السن، علما بأن الشيخ جاوز الثمانين. وتحدثنا عن الدعوة في المغرب، فأجاب: بأن أهل المغرب عموما مالكيو المذهب أشاعرة في المعتقد أصحاب طرق إلا أنه بسبب دعوة الشيخ محمد تقي الدين الهلالي فإن منطقة الشمال تمتاز بسلامة المعتقد والمنهج. وقد أجازنا الشيخ في جميع مروياته كتابة بخط أهل المغرب الأندلسي. وأما مرويات الشيخ فسنكمل الحديث عنها في حلقتنا القادمة، إن شاء الله.

توقف بنا الحديث عند الأمير المجاهد يوسف بن تاشفين ثاني أمراء المرابطين وقد تولى بعد أبي بكر بن عمر، وامتد سلطانه في الغرب الإسلامي من حدود تونس وحتى غانا جنوبا والأندلس شمالا وأنقذ الأندلس من ضياع محقق وهو بطل معركة الزلاقة وقائدها. يقول عنه الإمام الذهبي: كان ابن تاشفين كثير العفو، مقربًا للعلماء. وكان سنيا سلفيا، أوصى بعد موته أن يدفن على السنة، وقد بني هذا الضريح في عهد الملك محمد الخامس كما تشير إحدى اللوحات الموجدة عنده. وحين دخولنا رأينا ضريحا مرتفعا وبجواره امرأة ذات سحنة مراكشية، قالت إنها تخدم هذا الضريح وورثت ذلك عن والدتها وحدثتنا عن سيرة بن تاشفين بالنص المكتوب على لوحة من الرخام بجوار القبر. كما حدثتنا عن أن كثيرا من الناس يقصد هذا الضريح معتقدين فيه النفع والضر، وقلت لها إن الله تعالى يقول في كتابه: "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا" ولو أن ابن تاشتفين حيا لما أقر هذا، كما جعلنا النصيحة عامة لكل الموجودين، وقد شكرنا بعضهم وأقرنا على قولنا. وكانت زيارتنا لقبر المجاهد بن تاشفين من باب الزيارة الشرعية وقد أشرنا لأحكام زيارة القبور وأنواعها في حديثنا عن زيارة قبر عبد القادر التجاني. وبعد ذلك أكملنا طريقنا قافلين إلى الدار البيضاء والتي وصلناها قبيل صلاة الفجر، حيث صلينا الفجر ونمنا. وفي مقالنا القادم سنحدثكم إن شاء الله عن رحلتنا إلى مدينة تطوان شمال المغرب حيث تطل على سواحل البحر المتوسط.  

كما وعدناكم بأن نتطرق للحوار الذي دار بيننا وبين مؤذن المسجد، ولكن قبل ذلك قد يتبادر إلى ذهن القارئ عن معنى اسم المسجد "الكتبية"، حيث يعتقد أنه بني في ساحة كانت تشتهر ببيع الكتب، وهو مسجد من أعرق المساجد بالمغرب حيث تم تشييده مرتين آخرهما بناه الأمير المرابطي عبدالمؤمن وكانت تبرم فيه قرارات الدولة.ومؤذن المسجد شيخ لطيف ذو استحضار جيد للشعر، رحب بنا عندما عرف بأننا لسنا من أهل البلد وحدثنا عن المسجد وتاريخه وكيف كان يقيم أمراء المرابطين الصلاة بمقصورة ترتفع من الأرض لتحجب السلطان وحاشيته عن الناس، كما أنشد أبياتا من محفوظاته عن مقصورة المسجد وبعض ما قيل في مدح السلاطين.وفي مراكش معلم سياحي يقصده الناس وهو عبارة عن ساحة كبيرة يسمونها "ساحة فنا" تجمع أهل مراكش بكل تناقضاتهم وتنوع اهتماماتهم.وقد عرض المرشد السياحي الذهاب إلى بعض ضواحي مراكش عند ملاحظته بأننا لم نكن مرتاحين من ازدحام المدينة ومن بعض المناظر الأخرى، إلا أنه بسبب ضيق الوقت فضلنا أن نرجع إلى مدينة الدار البيضاء للمبيت بها.وفي طريق عودتنا مررنا بقبر الإمام الصالح والأمير المجاهد يوسف بن تاشفين حيث نزلنا لمشاهدة هذا المعلم التاريخي للاتعاظ والدعاء.وندع الحديث عن هذا البطل المجاهد للحلقة القادمة ـ إن شاء الله.

تركنا الدار البيضاء متوجهين إلى مدينة دولة المرابطين "مراكش" وتعني: مر بسرعة، بلغة البربر، وهي تعد حاضرة الدولتين "المرابطين" و"الموحدين". وبسبب مسافة الطريق وحرارة الشمس استسلمنا للنوم، فنتيجة لوقوع مراكش في الاتجاه الجنوبي لدولة المغرب فإنها تمتاز بجوها الصحراوي، فأنت على جوانب الطريق تلاحظ تنوع الطبيعة المغربية من الجو الريفي الذي يمتاز به الشمال المغربي من خضرة الأرض وبرودة الجو إلى الطبيعة الصحراوية الجرداء والحارة، كما تتناثر البيوت الطينية على جوانب الطريق ببساطتها وفقر أهلها. وعند وصولنا لمدينة مراكش استقبلنا مرشدنا السياحي، عبد العزيز، وأخذنا إلى مسجد "الكتبية" الذي كانت أبوابه مقفلة عند وصولنا وهو مما أثار استغرابنا، حيث إن الوقت كان وقت صلاة الظهر، ولكننا قمنا بطرق الباب فقام أحد القائمين على المسجد بفتح الباب وسألنا عن سبب قدومنا؟!، فأجبناه بأننا قدما للصلاة، فأخبرنا بأن من عادتهم تأخير وقت الصلاة مدة ساعة وذلك امتثالا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم". والإبراد بالظهر يقصد به تأخير أداء صلاة الظهر عن أول وقتها عند اشتداد الحر وللفقهاء فيه قولان، بالسنية والرخصة، وهو عموما من باب يسر الشريعة والتخفيف عن الأمة. ونظرا لأننا على سفر وبقي على أداء أهل المسجد للصلاة قرابة الساعة فقد قمنا بالصلاة جماعة قصرا ـ ركعتين، وصلى معنا الأخ عبد العزيز وهو مقيم ولكنه سلم معنا فقمت بتنبيهه بأن عليه أن يتم صلاته أربع ركعات ويسجد للسهو، فقام بإتمام صلاته وشكرنا على التنبيه. وعند خروجنا من المسجد دار بيننا وبين مؤذن المسجد حديثا شيقا، أدعه للمقال القادم إن شاء الله.

ثم استأذنا الشيخ في الانصراف فخرج لتشييعنا ووداعنا بمثل ما استقبلنا به من حفاوة وتكريم إلا أننا أقسمنا أن يبقى الشيخ ولا يخرج إلى الباب لتوديعنا وحينما خرجنا من عند الشيخ لنمر على محل لبيع الأواني المغربية الفاخرة وبعد تجوالنا في هذا المحل الذي كان على وشك الإغلاق إلا أنهم أخبروا السائق الذي معنا بإمكانية تمديد الوقت لنا وذلك حين علموا أننا غرباء وقادمون لزيارة المدينة وقد بدأوا في إخراج أنواع الأباريق وأنواع الأكواب ومما تعجبنا له أن صاحب هذا المحل لم يكن كثير الجدال في السعر وقد اعتذر لنا بأنه يجل المشايخ وأهل العلم والدين وهذا من حسن ظنه جزاه الله عنا خيرا وكانت هذه آخر محطة لنا في فاس قفلنا بعدها راجعين إلى الدار البيضاء وإن كان من شيئ يقال عن تلك المدينة من الملاحظات من الناحية الدينية فهو ما يمتاز به أهل تلك المناطق من حسن الحوار والمناقشة وكثيرا ما كانوا رجاعين للأدلة الشرعية وهنا أنصح كل من يدخل في حوار أو نقاش معهم أن يتسم بالحكمة والموعظة الحسنة فهم متقبلون جدا وهكذا أهل المناطق الداخلية هم أكثر تدينا. وفي أثناء طريقنا للدار البيضاء أخذنا بعض التمور والحلويات المغربية وصلينا الفجر بالفندق لنستسلم بعد ذلك ونخلد إلى الفراش. وهذه الزيارة من أندر وأجمل الزيارات التي تخلدها الذاكرة وتبقى في الوجدان ذكرياتها الجميلة وإن كنت أنسى فلا أنسى العبارة اللطيفة التي يرددها زميلنا حسن المغربي كلما تعجبنا من شيء يقول أنت في المغرب فلا تستغرب.

استكمالا لما ورد في إجازة الشيخ الكتاني يقول الشيخ " .... قد استجازني وبالخير أولاني حضرة الفاضل العلامة الشيخ السيد جاسم بن محمد الجابر فلبيت دعوته وأجبت رغبته وقلت وعلى الله توكلت أجيز حضرة الفاضل المذكور ذي السعي المشكور والعمل المبرور بجميع ما لي من مرويات ومقروءات ومسموعات ومجازات إلى آخر ما في الثبت. ثم أجاز رفيق دربي الشيخ عبد العزيز بعد استجازته فأجازه الشيخ كما أجازني، هذا وقد بالغ الشيخ في إكرامنا غاية الإكرام، وسألنا الشيخ سيدي عبد الرحمن عن أهل قطر عامة وخص بالسؤال عن الشيخ خالد بن محمد بن غانم بن علي آل ثاني، ذلك لأن الشيخ خالد قد استضافه ضمن العلماء المسندين الذين استضافتهم وزارة الأوقاف للقراءة عليهم من كتب السنة وقد طلب منه من صحبه من أهل العلم مرافقتهم لزيارة العلامة الشيخ القرضاوي إبان إقامتهم في قطر، إلا أن الشيخ يوسف حين أخبر بسن الشيخ الكتاني قال لهم إن الشيخ عبد الرحمن الكتاني أسن مني والأدب أن أفد عليه، فقام الشيخ يوسف بزيارته في درسه الذي كان يقرأ عليه فيه مسند الإمام أحمد. وللحديث بقية، إن كان في العمر أمد، إن شاء الله.

أهدانا الشيخ الكتاني كتاب والده الأول في بابه تأليفا، وأصل هذا الكتاب رد على العلمانيين الذين ادعوا بعد سقوط الخلافة أن الإسلام دين روحي وغير صالح للسياسة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بمكارم الأخلاق فقط، ولا شأن له وللحكم، فرد عليهم الكثير من العلماء بأساليب فكرية، حتى ظهر الشيخ عبد الحي الكتاني رحمه الله تعالى بهذا الكتاب والذي قرظه نحو ثلاثين من أبرز علماء العالم الإسلامي كلهم، ينص ويؤكد على صلاحية الإسلام وأنه نظام حكم. ومن أهم مميزات الكتاب أنه أتى بكل شاذة وفاذة من نظام الحكم وأصل لها من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بالرواية والمصادر والمراجع، ثم تفرع إلى مئات الفصول المهمة جدا في التراتيب الإدارية وأنظمة الحكم والسياسة، بحيث يعد أهم ما كتب في ذلك، وكان من أبرز ما كتب في وقته. وكذلك كتاب والده: منية السائل خلاصة الشمائل" وهو عبارة عن تعليقات على كتاب الشمائل للإمام الترمذي. وقد سألنا الشيخ الإجازة فأحضر لنا كتاب والده المسمى منح المنة في سلسلة بعض كتب السنة قائلا: فيقول الفقير الحقير عبدالرحمن بن شيخه أبو الأسعاد وأبو الإقبال خادم السنة محمد عبدالحي بن شيخه أبي المكارم عبدالكبير ين شيخه أبي المفاخر محمد بن عبدالواحد الحسيني الحسني الإدريسي الكتاني وفقه الله له تعالى في كل مشهد أوقفه وبه حققه. وسنكمل الحديث عن الإجازة الحديثية في حلقتنا القادمة إن شاء الله

في سياق زيارة الشيخ الكتاني سألناه عن مؤلفاته ومؤلفات والده علامة فاس الإمام الكبير عبد الحي الكتاني والذي كانت له يد في الفقه والأصول والتفسير والحديث والتصوف والتاريخ واللغة والبيان وغيرها، وتربو مؤلفاته على المائتين في مختلف العلوم. وقد برز نبوغه العلمي مبكرا، بحيث أنه في سنة 1320هـ الموافق بتاريخ النصارى لعام 1902م صدر ظهير ملكي يُعَيِّنُ الشيخ مع كبار علماء الطبقة الأولى الذين يقرؤون الحديث بالضريح الإدريسي صبيحة كل يوم، وهو ابن الثامنة عشرة من عمره فقط. وترقى إلى الرتبة العلمية الأولى من رتب علماء القرويين عام 1325 هـ موافق 1907 بتاريخ النصارى، وهو لم يتجاوز 23 عاما من عمره. كما أنه رُشِّح لمنصب شيخ الإسلام بالمغرب عام 1330 هـ/1912م، وهو المنصب الذي كان سيستحدث مع بدايات حكم الملك يوسف بن الحسن، غير أن المشروع ألغي وقد أخبرنا الشيخ عبد الرحمن أنه لازم والده الشيخ عبد الحي خمسين سنة وحينها سألناه عن عمره فأخبرنا بأنه قد ولد عام 1338هـ وعليه يكون عمره قد ناهز السادسة والتسعين سنة مما أدهشنا حيث إن الشيخ كانت تبدو عليه أمارات الصحة والقوة تبارك الله بحيث كان لا يسمح لأبنائه البررة بإحضار أي كتاب بل يقوم هو بالذهاب والإتيان به وللحديث بقية إن شاء الله.