رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ذات مرة سألوا الكاتب الساخر جورج برنارد شو عن الفارق بينه وبين شكسبير.. فأجاب سائليه قائلا: إن شكسبير عملاق، ولكنني أقف على كتفيه!! وكان شو يعني بهذا أنه أرفع قامة من شكسبير، بينما واقع الحال أنه ليس كذلك، لأن شكسبير عملاق بإمكاناته وبعبقريته الخلاقة، أما الكاتب الساخر فإنه قد اعترف بأنه ارتفع عندما وقف على كتفي عملاق، أي أنه لم يعتمد على إمكاناته الذاتية، وإنما تسلق، وكان صنيعه هذا أشبه بما تفعله النباتات المتسلقة التي تظل على الأرض إذا لم تلتف على قامات الأشجار الشامخة! تذكرت هذا.. وأنا أستمع إلى "الأطلال".. أطلال أخرى غير الأطلال التي تغنيها سيدة الغناء العربي أم كلثوم.. إنها أطلال بلا أوصال.. أطلال تؤديها مطربات، ليس لهن ما لأم كلثوم من قدرات ومن إمكانات. الأصالة وحدها هي التي تبقى وتترك أثرها في العقول وفي النفوس، أما التقليد فإنه قد يعجبنا وقد يضحكنا.. لكن الإعجاب لا يبقى طويلا.. وسرعان ما ننسى الذين يقلدون وننسى ما حاولوا تقليده، تاركين إياه يهوى إلى بئر لا قرار لها. منذ سنوات عديدة كانت "لبلبة" (هل تذكرونها!؟) تقلد في بعض الحفلات أداء محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وشادية ونجاة الصغيرة.. ولكن من منا يحاول الآن أن يتذكر هذا التقليد؟. لا أحد فيما أتصور.. لأن الإنسان يبحث دوما عن الأصيل الذي يتميز بشخصية أسرة مستقلة، نستطيع من خلالها أن نميزه عن سواه وعما عداه. ولكن هل هذا يعني عدم تقليد العمالقة والعظماء؟! إن الإنسان يتعلم من غيره طالما أنه يبدأ مسيرته ويطمح إلى أن يكون له شأن في عالم الكبار ذات يوم.. فالشاعر الشاب يبدأ أولى خطواته بالتأثر بمن سبقوه ممن أعجبوه، لكنه إذا كبر في العمر ولم يستطع أن يكون شاعرا مستقل الشخصية وبالتالي فإنه لم يستطع أن يكبر في عالم الشعر، فإنه يحكم على نفسه بألا يقرأ نتاجه أحد، ويصبح من الخير له وللقراء أن يتوقف عن مواصلة الرحلة.. لأنها رحلة لا غاية وراءها إلا التقليد، ومن يقلدون لا يخلفون للحياة أثرا يستحق الذكر كما قلت. أترك القلم الآن.. متناسيا أطلال المطربات المقلدات، لأنها – كما قلت- أطلال بلا أوصال.. وأعود لأستمع إلى أم كلثوم.. أعود إلى أصالة الصوت. يا فؤادي لا تسل أين الهوى كان صرحا من خيال فهوى اسقني واشرب على أطلاله واروِ عني طالما الدمع روى كيف ذاك الحب أمسى خبرا وحديثا من أحاديث الجوى
471
| 18 أكتوبر 2012
المغلوب مولع دائما بتقليد الغالب .. هذا ما قاله العلامة عبد الرحمن ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، ولأننا – نحن العرب – مغلوبون ومتخلفون، فإننا نحب أن نردد كل ما يقوله الغالبون المتقدمون، وعلى سبيل المثال فإن مصطلحات محددة عديدة وفدت إلينا في هذا العصر، وهي مصطلحات تتعلق بمختلف الميادين والمجالات التي تأخرنا فيها عن سوانا، ثم تكاسلنا وعزفنا عن التعرف الدقيق على هذه المصطلحات، وأخذنا نرددها ببساطة، مثلما تفعل الببغاوات التي لا تفهم ما تردده من كلمات! "أزمة الشرق الأوسط" كلنا نقرأ هذا المصطلح في جرائدنا العربية ونسمع عنه في إذاعاتنا وتليفزيوناتنا، ولكن كثيرين منا لم يتمعنوا في دلالته ومغزاه.. وقد نفضت عن نفسي التكاسل، محاولا التعرف على "الشرق الأوسط"؟! تقول الموسوعة العربية الميسرة التي لجأت إليها.. "الشرق الأوسط: لا يعلم متى بدأ يطلق اصطلاح الشرق الأوسط على المنطقة الجغرافية التي تضم اليوم بلاد تركيا وإيران والعراق وسورية ولبنان وفلسطين والأردن ومصر والسودان وشبه جزيرة العرب وقبرص. بدأ يردد هذه التسمية رجال السياسة والحرب إبان الحرب العالمية الثانية ناظرين إلى تلك البلاد التي تجمع شتاتها خطط منسقة كوحدة تطبق عليها أغراضهم السياسية والاقتصادية والعسكرية.." (ص1079 من الموسوعة). ولكن ما الذي نقصده نحن العرب بـ "أزمة الشرق الأوسط"؟ بالطبع نحن نقصد القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني في مختلف المجالات والميادين.. فإذا نظرنا إلى الشرق الأوسط كما حددته الموسوعة سنجد أن المغرب العربي.. ليبيا – تونس – الجزائر – المغرب – موريتانيا ليست ضمن دول الشرق الأوسط.. فهل هذا يعني أن هذه الدول العربية لا علاقة لها بالصراع العربي الصهيوني من بعيد أو قريب؟.. وهل هذا يعني أن قبرص طرف في هذا الصراع العربي – الصهيوني! إن الموسوعة لا تحدد لنا متى بدأ استخدام اصطلاح "الشرق الأوسط" على وجه التحديد، لكنها تبين أن الذي حددوه هم رجال السياسة الغربيون الاستعماريون لتطبيق أغراضهم السياسية والاقتصادية والعسكرية.. وحينما ننساق نحن ببساطة وراء هذا المصطلح فيما نقرأ أو نسمع.. فكأننا- دون قصد منا - نبتعد عن استخدام الجوهر.. الجوهر هو "الصراع العربي" الصهيوني" وهو "القضية الفلسطينية"، فإذا كان الصهاينة يريدون بشتى الطرق أن يطمسوا اسم "فلسطين العربية".. فهل يعقل أن ننساق نحن وراءهم دون قصد منا بالطبع.. اللهم إلا التكاسل والعزوف عن التعرف على الأشياء والمصطلحات؟!
544
| 11 أكتوبر 2012
في عصر يوم كان يحمل رائحة قدوم الشتاء في أجوائه، كنت أسير وحدي في ميدان "العتبة الخضراء" بالقاهرة.. كانت خطواتي تبدو رتيبة ومنكسرة، لأني كنت أنوء بما أحمله من إحباطات وانكسارات ذاتية، ممتزجة بالإحباطات العامة التي كان ينوء بحملها كل مواطن عربي منذ أن حلت كارثة الخامس من يونيو عام 1967. وفجأة شاهدت من بعيد كتلة بشرية متلاصقة الأجساد، وتراءى لي أن هذه الكتلة تتراقص فرحة مستبشرة، فانطلقت خطواتي الرتيبة المنكسرة بدافع حب الاستطلاع لمعرفة سر سعادة هذه الأجساد البشرية المتراصة والمتلاصقة.. اندسست داخل الكتلة البشرية، فوجدت نفسي أرقص أنا الآخر.. وكأن كل ما يثقل روحي من إحباطات ذاتية وعامة قد تبخر في الهواء.. وكأنني ولدت من جديد صفحة بيضاء، خالية من الكدر.. كانت الكتلة البشرية تستمع من خلال "الراديو" وتشاهد من خلال "التلفزيون" ما كان يبدو نوعا من الأحلام التي لا تتجسد على أرض الواقع. كانت هذه الكتلة تنصت للبيان العسكري الأول الذي يعلن عبور قواتنا المسلحة قناة السويس ويؤكد أن خط "بارليف" قد تم قهره وأن العلم المصري قد ارتفع خفاقا عزيزا على الضفة الشرقية من قناة السويس.. وكان هذا اليوم هو يوم السادس من أكتوبر 1973. اكتشفت فيما بعد أن الكتلة البشرية التي اندسست بين أفرادها لم تكن هي الوحيدة.. لقد تحول العالم العربي يومها إلى كتل بشرية سعيدة مستبشرة، كانت كل الأرواح والأجساد العربية من المحيط إلى الخليج قد غسلت تماما من إحباطاتها الذاتية ومن إحباطات ما حدث يوم الخامس من يونيو 1967. لم يكن السلاح العسكري وحده هو الذي قهر الصهاينة.. فلقد شارك سلاح النفط هو الآخر ولعب دوره الفعال في المعركة.. ولأول مرة يجد العالم نفسه أنه أمام قوة عظيمة كانت كامنة.. لكنها انطلقت في هيئة شرارة.. معلنة أحلى بشارة.. بشارة أن ينتصر العرب على مغتصبي الحق والأرض للمرة الأولى. والآن.. ها هي الإحباطات الذاتية ممزوجة بالإحباطات العامة تثقل أرواحنا جميعا نحن العرب.. فهل يأتي يوم جديد في المستقبل المنظور نجد فيه أنفسنا وقد تخلصنا من هذه الإحباطات؟. متى تنزاح الظلمة عنا ونرى النور يغمر أعماقنا وآفاقنا؟
482
| 04 أكتوبر 2012
الزمان امتحان لنبض القلوب، فمنا- نحن العرب- من يخلع كالثعبان جلده في كل فصل، ومنا من يتلون كالحرباء لكي يظل طافيا فوق سطح كل موجة جديدة قادمة، ومنا من يظل قابضا على جمر الإيمان بقيم الحق والمحبة والعدل حتى وإن تنكر لها كل من حوله، وها هي ذكرى رحيل الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر تطل علينا، فنتأكد جميعا أن الزمان امتحان لنبض القلوب، ففيه يطفو ما في الأعماق على السطح، دون رتوش وبغير مساحيق للتجميل، حيث يخلع جلودهم من يخلعون، ويتلون من يتلونون، ويبقى القابضون على الجمر قابضين عليه دون تنازل أو تفريط. جمال عبد الناصر- الزعيم في قلوب الشعراء، هو الكتاب الذي كنت قد أصدرته في الدوحة سنة 1996 على نفقتي الخاصة، ثم أصدرته بعد ذلك في بيروت سنة 2002 وظللت أتمنى أن يتسنى لي إصداره في القاهرة، إلى أن فوجئت أخيرا بأن إحدى المؤسسات الثقافية المصرية تبادر بالاتصال بي لكي تتولى إصدار هذا الكتاب في طبعة جديدة، وهكذا شرعت في قراءة الكتاب ومراجعته من جديد، لكي يصدر على أجمل وجه، وقد توقفت طويلا أمام المقدمة الصادقة التي كانت أستاذتي الدكتورة سهير القلماوي قد كتبتها للطبعة الأولى، وفيها تقول: كان الشعراء أسبق الفنانين في تسجيل مشاعرهم ومشاعر الجماهير العربية من حولهم يوم فقدت الأمة العربية زعيمها جمال عبد الناصر. توقفت طويلا عند تلك المقدمة، ثم أخذت أراجع مواقف الشعراء العرب الذين كانوا قد كتبوا قصائد رثائهم للزعيم العربي الخالد بعد رحيله مباشرة مساء يوم 28 سبتمبر سنة 1970 والحق أني أحسست بالراحة النفسية بعد أن راجعت ما راجعت، لأني وجدت غالبية الشعراء ما زالوا على العهد بهم، بمعنى أنهم لم يتغيروا أو يتلونوا، أما الذين غيروا جلودهم وتلونوا فهم قليلون جدا، ومن هؤلاء الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي الذي كان يمتدح منجزات عبد الناصر باستمرار وبحماس منقطع النظير، ثم كتب في رثائه أكثر من قصيدة، لكنه أخذ يتهجم عليه بغير منطق ولا أساس خلال حكم حسني مبارك لمصر ولم يزل هذا التهجم مستمرا حتى الآن، وحين قرر هذا الشاعر أن يعيد طبع دواوينه اكتشف أنه كان قد كتب قصائد عديدة يمتدح فيها من يتهجم عليه الآن، فماذا فعل؟ كل ما فعله أنه غير عناوين تلك القصائد، لكي يحذف منها اسم جمال عبد الناصر! والعجيب أن هذا الشاعر هو القائل بعد رحيل جمال عبد الناصر: يا أيها الحزن مهلا... واهبط قليلا قليلا استوطن القلب واصبر ع العين صبرا جميلا أيامنا قادمات... وسوف نبكي.. طويلا إذا كان هذا يبدو عجيبا من شاعر كان يتباهى بأنه ناصري وعروبي، فإن ما يدعو للعجب أكثر وأكثر أن بعض السياسيين المصريين الذين كانوا يتهجمون على عبد الناصر بمناسبة أو دون مناسبة، أصبحوا الآن يمتدحونه ويشيدون بما حققه من المنجزات التي كانوا هم أنفسهم ينكرونها إنكارا تاما، وهنا فإني أقترح على أساتذة علم النفس أن يقدموا لنا في القريب دراسات تتعلق بتحول بعض الناس من النقيض إلى النقيض، أي من المدح إلى الهجاء ومن الهجاء إلى المدح، وعلى أي حال يبدو أن الزعيم الذي غاب، لم يغب منه سوى الجسد، بدليل أنه ما زال – رغم غيابه الجسدي- يؤرق كثيرين حتى الآن!
1215
| 27 سبتمبر 2012
صوروا لي أن قاتل أخي أصبح صديقي، وأن طريقه أصبح طريقي، وأن هذا القاتل قد تاب، ولم يبق إلا أن أضمه إلى زمرة الأحباب، ثم انطلقوا بعد ذلك إلى أهلي ساعين بالوقيعة، متسترين بأقنعة الخديعة، ثم مضوا يطلقون التهم ذات اليمين وذات اليسار، وأخذوا "يتحفظون" على البشر الذين يفكرون ويسهمون بأفكارهم في رفعة شأن الوطن، والارتقاء به، وإبعاد مسيرته عن العثرات.. هؤلاء الذين أخذوا "يتحفظون" هم أنفسهم الذين تباكوا على الحريات التي زعموا أنها كانت مهدرة، وأعلنوا أن الصوت الواحد يخلق حوله ألف حاقد وحاقد، ولهذا لابد أن تكون هناك جوقة متآلفة متحابة تتجاوب أصواتها في كل الأرجاء دون أن نحجر على صوت منها لحساب غيره. هؤلاء هم الممثلون.. ومن مزايا الممثل أنه يستطيع أن يلعب أدوارا متعددة، فقد يكون كارها للبشر في أعماقه، لكنه يمتلك القدرة على أن يلعب دور العاشق الرقيق الذي يخفق قلبه مع الموسيقى التي ترددها خطوات محبوبته.. وهناك نوعان من الممثلين، أولهما: الممثلون الذين يلعبون أدوارهم على خشبة المسرح ثم ينسون هذه الأدوار ليعيشوا حياتهم العادية التي ألفوها. أما النوع الثاني: فيتمثل في أولئك الممثلين الفاشلين، الذين لم يفلحوا – مطلقا – في أن يعتلوا خشبة المسرح، فظلوا يتحينون الفرص لكي يمثلوا، وقد لاحت الفرصة لبعضهم عندما أصبحوا من أصحاب الأمر والنهي.. وهكذا بدأت التمثيلية الهزلية السوداء، التي انطلت على كثيرين من ذوي النيات الطيبة، وبدأ الممثلون يعتلون كل ما يمكن أن يعتلوه.. فمرة يرتدون ثيابا مزركشة كأنهم بهلوانات، ومرة أخرى يرتدون أحذية نجوم السينما بهوليود.. وتتعدد المرات، وتتغير الأزياء.. ويبقى الممثلون تاركين لنا آمر أن نطلق ضحكاتنا المستسلمة السوداء، حتى إذا ما مللنا من ضحكاتنا وسئمنا من العرض الهزلي المتكرر، وضاقت أرواحنا بمرأى وجوه ممثلينا.. فبدأنا نتكلم.. قائلين لهم:كفاكم تمثيلا يا سادة فنحن من أعماقنا ننزف ونتألم.. بدأوا هم بدورهم ينزعون عن وجوههم القبيحة أقنعة التمثيل، وكأنهم يؤكدون أن "الطبع يغلب التطبع" وأن "من فات قديمه تاه"!! سقط القناع.. بعد أن تكلم المتفرجون الذين كانوا يكتفون بإطلاق الضحكات المستسلمة السوداء.. وعندما تكلم المتفرجون، لم يطق الممثلون الفاشلون أن يسمعوا، فلقد تعودوا دائما على ألا يتكلم غيرهم.. وهكذا صادروا حرية العصافير والطيور الجميلة المغنية التي كانت تجعل للحياة معنى. والآن .. أرجوكم ألا تندهشوا إذا عرفتم أني لم أكتب هذا الذي كتبته منذ يوم أو يومين، وإنما كتبته منذ إحدى وثلاثين سنة بالضبط، بعد قيام رئيس مصر آنذاك أنور السادات بحملة اعتقالات واسعة لكل رموز مصر الذين كانوا يعارضون اتفاقية كامب ديفيد، ابتداء من يوم 3 سبتمبر سنة 1980 ولو أننا تذكرنا بعض الذين تم اعتقالهم، فإننا سنجد أن اثنين منهم قد رشحا نفسيهما لانتخابات الرئاسة فيما بعد، وهما حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، كما سنتذكر بكل تأكيد محمد حسنين هيكل الذي أصدر بعد خروجه من المعتقل كتابه الشهير خريف العضب، فضلا عن علماء دين بارزين من المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وبينما كان هؤلاء في المعتقلات مع ألوف من المفكرين والكتاب والشعراء، حل يوم 6 أكتوبر سنة 1980 ليشهد العالم كله عملية اغتيال الرجل الذي أمر باعتقال هؤلاء جميعا! ها هي إحدى وثلاثون سنة تمر على كل من الاعتقال والاغتيال، وها أنذا أتذكر الآن ما قاله أمل دنقل: لا تحلموا بعالم سعيد – فخلف كل قيصر يموت.. قيصر جديد!
546
| 05 سبتمبر 2012
كانا عاشقين جميلين، وفارسين نبيلين، ورغم أنهما لا ينتميان لجيل واحد ولا لوطن عربي واحد، فإنهما كانا صديقين صادقين، وقد شهدت مدينة الزقازيق المصرية ميلاد أولهما يوم 3 مايو سنة 1931 أما ثانيهما فقد شهدت قرية البروة في فلسطين العربية ميلاده يوم 21 مارس سنة 1941 أي أن فارق العمر بينهما كان عشر سنوات، وقد رحل العاشق الأول عن عالمنا يوم 13 أغسطس سنة 1981 بينما احتضنت أرض رام الله الفلسطينية جسد العاشق الثاني بعد رحيله في نفس ذلك اليوم، ولكن بعد 27 سنة أي يوم 13 أغسطس سنة 2008 وإذا كنت قد أحببتهما معا، وسعدت بصحبة كل منهما، فإني أتذكرهما الآن معا بكل ما في القلب من حب ومن حزن. منذ تشكل وعيهما الإنساني، حمل العاشقان الجميلان أعباء الكلمة الجادة والصادقة، وما أصعب ما حملاه وهما ينطلقان وسط حشود المتلونين وطوفان الأكاذيب، وكان الهم الذي يؤرق كلا منهما أن تكون الحياة أجمل وأفضل، وأن يعيش الناس فيها متحابين، وهم ينطلقون في طرقاتها المتشعبة والمتنوعة، ومن هذا المنطلق يقول العاشق الأول: إن عذاب الإنسان الأكبر هو الفقر، ولكن الفقر ليس ناتجا من سوء توزيع الثروة فحسب، ولكنه ناتج من سوء توزيع الإنسانية، أما العاشق الثاني فإنه يؤكد على شرط تحقق الجدوى من الكلمة: قصائدنا بلا لون.. بلا طعم.. بلا صوت إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت وحين يشير العاشق الأول إلى ما يحبه وما يكرهه، نسمعه يقول: إن أعظم الفضائل عندي هي الصدق والحرية والعدالة، وأخبث الرذائل هي الكذب والطغيان والظلم، وقد أدرك العاشق الثاني كل هذا إدراكا حياتيا في ظل غياب العدالة، وهو الغياب الذي أفقده وطنه بعد أن سرقه منه الصهاينة المتجبرون، وهكذا ظل يتجاوب مع بكاء الكمنجات حين تتساقط دمعاتها وإيقاعاتها في أعماق روحه وقلبه: الكمنجات تبكي مع الغجر الذاهبين إلى الأندلس الكمنجات تبكي على العرب الخارجين من الأندلس الكمنجات تبكي على زمن ضائع لا يعود الكمنجات تبكي على وطن ضائع قد يعود حقا.. إن ما مضى من زمان لا يعود، لكن الحلم الشاحب الذي حاول هذا العاشق الجميل أن يتشبث به هو الحلم بأن الوطن – وطنه - قد يعود، لكن هذا الحلم الشاحب – بكل أسف – ظل يزداد شحوبا مع مرور الزمان الذي يمرق كالبرق، دون أن يعود ولو في الخيال!. على امتداد حياة كل منهما، ظل العاشقان الجميلان يحلمان، وظلت صخور الواقع العربي المهين تتساقط – صخرة تلو أخرى – لتفتت الأحلام، وهكذا رحل كل منهما بعد أن أغرقتهما أمواج الأحزان.. رحل العاشق الأول – صلاح عبدالصبور- منذ إحدى وثلاثين سنة، بينما تتردد صيحاته: هذا زمن الحق الضائع... رعب أكبر من هذا سوف يجيء، كما رحل العاشق الثاني – محمود درويش - منذ أربع سنوات، دون أن يتجدد حلمه الشاحب بوطن ضائع، لكنه قد يعود!.
810
| 16 أغسطس 2012
بانبهار المندهش وبفرحة الطفل، تابعت رحلة المسبار العلمي الذي انطلق من كرتنا الأرضية إلى كوكب المريخ، وقد استغرقت الرحلة ثمانية أشهر، قطع المسبار خلالها ملايين الكيلومترات، وعلى وجه التحديد 576 مليون كيلو متر، أما العلماء الأمريكان الذين أسهموا بعملهم الجماعي الرائع في إنجاز هذا العمل العلمي العظيم، فإنهم ظهروا على شاشات القنوات الفضائية العالمية، وقد تحولوا من علماء يتحلون بالوقار إلى أطفال مبتهجين وفرحين، في لحظة هبوط المسبار- بأمان وسلام- على سطح المريخ الذي يسمى الكوكب الأحمر، وكان لا بد أن أبتهج وأن أفرح معهم، رغم أنه لا ناقة لي في الأمر ولا جمل! وباعتباري مواطنا من مواطني العالم المتخلف، عدت إلى حالة القلق والحزن، لكن الرياضيين الصينيين تكفلوا – دون قصد منهم – بأن أبتهج وأفرح من جديد، بعد أن تألقوا وتفوقوا على سواهم من الرياضيين الآخرين، حيث حصدوا من الميداليات الذهبية ما حصدوا وظلوا في صدارة أولمبياد لندن، دون أن يستطيع أحد أن يجاريهم أو يتفوق عليهم، وقد ابتهجت مع هؤلاء الرياضيين الصينيين، رغم اعترافي المسبق بأنه لا ناقة لي في الأمر ولا جمل! العلماء الأمريكان الذين حققوا ما حققوا لم يكونوا يلعبون، والرياضيون الصينيون الذين تألقوا وتفوقوا لم يكونوا يلهون، فالمسبار الذي هبط فوق سطح المريخ كان حصاد جهود علمية فذة، لا تعرف التواكل ولا تستسلم للكسل، والميداليات الذهبية في أولمبياد لندن كانت حصاد تدريبات متواصلة وجهود مثمرة متكاملة، أما لماذا ابتهجت مع هؤلاء وأولئك رغم أني لا أنتمي إليهم، فذلك يرجع إلى إدراكي أن الإنسان – أيا كان لونه أو جنسيته أو الدين الذي يعتنقه – يستطيع أن يحقق ما يطمح إليه بإرادته الإنسانية، طالما أنه مخلص لما يقوم به من عمل، في مجال العلم أو في ميدان الرياضة أو في سواهما من مختلف مجالات الحياة وميادينها المتنوعة. عمر البهجة قصير.. هذا ما يشعر به كل إنسان ينتمي إلى عالمنا المتخلف، لكن هذا لا يعني أني أتمنى أن أكون إنسانا أمريكيا أو صينيا، فأنا واحد ممن يعتزون بعروبتهم وبالقطر العربي الذي شب وشاب على أرضه وتحت سمائه، ولهذا السبب يغزوني الحزن وينهشني القلق، فهذه الأرض العريقة التي شهدت حضارات الفراعنة والبابليين والآشوريين والفينيقيين، كما شهدت ازدهار الحضارة العربية – الإسلامية، هي نفس الأرض التي يتلهى اللاهون منا فوقها، كما يتجرع أحزانها الجادون منا. كم كنت مبتهجا وأنا أشاهد العالم الأمريكي فاروق الباز وهو يتحدث عبر شاشات القنوات الفضائية عن الجهود العلمية التي كان من حصادها هبوط المسبار العلمي على سطح المريخ، وكم كنت حزينا وأنا أتذكر أن هذا العالم الأمريكي كان يمكن أن يظل عالما مصريا، لو كانت في وطنه الأصلي - مصر بيئة علمية تتيح له أن يحقق ولو نصف ما حققه في الولايات المتحدة الأمريكية، وكم كنت مبتهجا حين عرفت أن رياضية عربية من دولة محافظة تشارك في أولمبياد لندن، وكم تألمت حين رأيت هذه الرياضية العربية تتلقى الهزيمة القاسية والسريعة من منافستها في الحلبة خلال ما لا يزيد على ثمانين ثانية، وكان كل همها وهي واقعة على أرضية الحلبة أن يظل غطاء رأسها مثبتا فوق رأسها حتى لا يرى أحد خصلات شعرها! أبهجني العلماء الأمريكان، وأسعدني الرياضيون الصينيون، لكني حين أدركت أني لا أنتمي لهؤلاء ولا إلى أولئك، لأني واحد من العرب الذين لهم العجب.. أجهشت بالبكاء، وكان هذا هو كل ما استطعت أن أفعله!
320
| 10 أغسطس 2012
تلقيت نبأ رحيله عن عالمنا دون أن أنطق كلمة أو أذرف دمعة، فقد داهمني شرود مفاجئ، فقدت الكلمات فيه معانيها، ولم تعد الدموع- إذا انهمرت- قادرة على أن تخفف البلوى أو أن تمنح السلوى... ها هو حلمي سالم يستسلم أخيرا – يوم السبت 28 يوليو 2012 - للطارق الفجائي المجهول الذي يمضي به إلى الديار التي لم يعد من الذاهبين إليها أحد. كم من مرة، استطاع خلالها حلمي سالم أن يواجه المرض وأن ينتصر عليه على امتداد السنوات الأخيرة التي سبقت هذا الرحيل النهائي عن عالمنا، كم من مرة كان ينهض متجددا وعاشقا للحياة بكل تجلياتها وبكل ما فيها ومن فيها، لكنه هذه المرة لم ينهض ولم يركض على طرقاتها المتشعبة والمتنوعة الاتجاهات. عرفت حلمي سالم قبل أن يكمل العشرين من عمره، وكنت- وقتها - طالبا بالدراسات العليا بقسم اللغة العربية – آداب القاهرة، أما هو فكان طالبا بقسم الصحافة والإعلام بنفس الكلية وحصل على ليسانس الصحافة سنة 1974 وفي نفس تلك السنة، قبل تخرجه، أصدر ديوانه الأول الذي سماه حبيبتي مزروعة في دماء الأرض، وكم كانت فرحته وفرحتنا كبيرة بميلاد هذا المولود البكر، وكان من أصدقائه وزملائه وقتها عدد ممن أصبحوا شعراء وأدباء وإعلاميين، منهم رفعت سلام وأحمد السيد حسن ومحمد الشبة وأماني الفقي ومحمد فراج أبو النور، وقد عرفت هؤلاء جميعا وارتبطت بصداقات عميقة معهم أو مع معظمهم، خلال مرحلة المظاهرات الطلابية المناوئة لأنور السادات، قبل حرب أكتوبر 1973 المجيدة، فقد كانت تلك المظاهرات تطالب بالخروج من حالة اللاسلم واللاحرب التي كانت سائدة في ذلك الزمان، والحق أني لا أستطيع تذكر تلك المظاهرات دون أن أتذكر رائعة أمل دنقل – الكعكة الحجرية، ففيها تصوير فني دقيق لأجواء تلك المظاهرات في ميدان التحرير وهو نفس الميدان الذي شهد ما شهد ابتداء من يوم 25 يناير 2011، وهو أمر يؤكد أن الشباب هم دائما وقود الثورات ضد الغزاة والطغاة على حد سواء، والشاهد على ما أقول هو تاريخ ميدان التحرير معهم رغم تعاقب أجيالهم، وتاريخ كل منهم كذلك مع هذا الميدان الذي لم يعد شهيرا في مصر وحدها، وإنما في سائر أرجاء العالم، رغم كل ما جرى له من تشويه على أيدي البلطجية وراكبي موجات الثورات وسواهم من المتلونين والحربائيين! حلمي سالم شاعر أصيل من الجيل الذي يسمى جيل السبعينيات، وما يميزه – في تقديري – أنه إنسان نبيل وجميل إلى جانب أنه شاعر أصيل، فقد ظل حريصا على تواصل الأجيال، وتشهد على ما أقول كتاباته الرائعة عن الناقد الكبير الدكتور عبد القادر القط، ومحبته الآسرة لكل من الشاعر العظيم صلاح عبد الصبور والناقد الكبير رجاء النقاش، وحتى الآن لا يزال صوت حلمي سالم يرن في أذني ليطربني ويبهجني وهو يلقي قصيدة أحلام الفارس القديم لصلاح عبد الصبور، وهي القصيدة التي كان يحفظها عن ظهر قلب منذ أن كان طالبا جامعيا، وظل يحرص على إلقائها – بأداء رائع – في كل المناسبات التي تتعلق باستعادة صلاح عبد الصبور. كثيرون كتبوا أو يكتبون أو سيكتبون عن حلمي سالم – الشاعر، لكن من لم يعرفوه – على المستوى الإنساني – لن يستطيعوا الكتابة عن حلمي سالم – الإنسان النبيل والجميل الذي كان عف اللسان وشريف المقصد والتوجه، وكان يغني للحب وللحرية بكل ما أوتي من صدق ومن محبة للحياة، وها أنا أكتب عنه دون أن تستطيع الدموع أن تخفف البلوى أو أن تمنح السلوى.
357
| 02 أغسطس 2012
يتحدث المختصون عن الحرباء، قائلين إنها من الحيوانات المدهشة، لأنها تستطيع أن تغير لونها وفقا للمكان الذي تتواجد فيه، أما شجر اللبلاب فإنه ضعيف وهزيل، ولهذا يعتمد على سواه من الأشجار القوية القريبة منه لكي يبدو عالي القامة، حيث يقوم بتسلق جذوعها والالتفاف حولها، وفي حياتنا اليومية – نحن البشر – يمكننا أن نرصد الحربائيين الذين يتلونون، لكي يظلوا محافظين على مصالحهم، مشروعة كانت أو ممنوعة، خلال كل الفترات التي قد تختلف فيما بينها إلى درجة التناقض والتعارض، كما نستطيع كذلك أن نشاهد ضعاف النفوس، وهم يتسلقون على جهود سواهم، بعد أن يتملقوهم ويداهنوهم ويتظاهروا بأنهم من أخلص المخلصين لهم! أتيح لي – بحكم أني واحد من المخضرمين - أن أشهد، وأنا صبي صغير، ميلاد ثورة 23 يوليو1952 المجيدة، بقيادة بطلها الحقيقي الزعيم جمال عبد الناصر، وكنت واحدا ممن يشعرون بروعة الانتصارات التي تحققها هذه الثورة المجيدة ضد أعدائها داخل مصر وخارجها، كما كنت واحدا ممن يتجرعون مرارة الانكسارات إذا استطاع أعداء هذه الثورة أن ينتصروا عليها في معركة من المعارك التي لم تكن تخمد إلا لكي تتوقد وتتجدد، ولكني – من ناحية أخرى – كنت أتابع تقلب أمواج الطبائع البشرية، من خلال ما كان الكتاب والإعلاميون يكتبونه ويقدمونه في بدايات ثورة 23 يوليو المجيدة، ولو أننا تابعنا تلك الكتابات فإننا نستطيع التعرف – بكل سهولة – على الكتاب المتلونين الذين كانوا يتظاهرون بحبهم العميق للملك فاروق آخر ملوك أسرة محمد علي باشا، وسرعان ما انقلبوا عليه، لكي تصبح ألوانهم الجديدة متناسبة مع ألوان الثورة، ولكي يتظاهروا بأنهم كانوا مقهورين خلال العهد الملكي، وبأن لهم بطولات عجيبة في مواجهة الفساد في زمان حكم الملك فاروق! ظل هؤلاء المتلونون يتلونون بعد رحيل جمال عبد الناصر عن عالمنا، حيث أصبحوا – بقدرة قادر – ساداتيين عندما حكم أنور السادات مصر، وأصبحوا مباركيين عندما جاء حسني مبارك للحكم بعد اغتيال السادات، ولكنهم لم يتوقفوا عند هذا الحد، وإنما غيروا ألوانهم لكي تتسق وتنسجم مع ما جرى في مصر ابتداء من يوم 25 يناير 2011 وإذا كان المتلونون قد تلونوا فإن اللبلابيين استطاعوا بكل ما أوتوا من مكر وقدرة على التسلق، أن يصبحوا هم رواد الثورة الجديدة وأبطالها وحماتها، وقد اندفع المتلونون واللبلابيون في آن واحد للتهجم السخيف على الشرطة في باديء الأمر، ثم على جيش مصر العظيم بعد ذلك، وحين أطلت الذكرى الستون – 23 يوليو 2012 – لانبثاق شمس ثورة يوليو المجيدة، اندفع هؤلاء من جديد لمحاولة تشويهها والإساءة إلى بطلها الحقيقي الزعيم العظيم جمال عبد الناصر! فيا أيها المتلونون .. غيروا ألوانكم كما تشاؤن، وياأيها اللبلابيون.. تملقوا كما يحلو لكم لكي تستطيعوا أن تتسلقوا أكثر وأكثر، وياأيها المتنمرون .. عليكم أن تدركوا أنكم مجرد نمور من ورق، وأن بسطاء مصر بوعيهم الفِطْري الصادق سيكتشفون سوء نياتكم بالتدريج، وفي خاتمة المطاف لن يصح إلا الصحيح .
642
| 25 يوليو 2012
بعد تخرجنا في كلية آداب القاهرة، انطلق صديقي أحمد أبو مطر "يسعى في مناكبها" وحط رحاله لفترات قصيرة في أكثر من دولة عربية، لكن "لعنة" أنه إنسان "فلسطيني" و "يساري" كانت تطارده وتلاحقه، بل تطرده من دولة، ليبحث له عن عمل في سواها، ورغم المطاردات والملاحقات فقد استطاع أحمد أبو مطر أن ينجز عمله الرائع والكبير.. رسالة الدكتوراه.. وكانت بعنوان "الرواية في الأدب الفلسطيني – من سنة 1950 إلى 1975" بينما أنجزت أنا – رغم صعوبات الحياة المادية – دراستي لنيل الماجستير عن "شعر بدر شاكر السياب" وبعد مناقشة هذه الرسالة – التي أشرفت عليها أستاذتنا العظيمة سهير القلماوي جئت إلى الدوحة – سنة 1979 – للعمل في الصحافة القطرية، وكان هذا هو الخروج الأول لي بعيدا عن مصر. حين التقينا – بعد سنوات طويلة- كان علينا أن نستعيد ما جرى لكل منا، وهكذا عرفت أن الدكتور أحمد أبو مطر الذي يحمل فلسطين في قلبه، ليس – من الناحية الرسمية – مواطنا عربيا.. فهو الآن أحمد أبو مطر النرويجي، بعد حصوله – بمنتهى السهولة واليسر – على جواز سفر نرويجي.. قلت له مداعبا: إياك أن تنسى اللغة العربية لأني لا أعرف حرفا واحدا من حروف اللغة النرويجية.. كنا نتعجب – فيما مضى – من مغامرات شعراء المهجر وخروجهم بعيدا عن لبنان والشام بوجه عام، قاصدين الأمريكتين الشمالية والجنوبية.. وكنا نقرأ روائع هؤلاء، وما كتبوه من قصائد مؤثرة ورقيقة تعكس دفقات الحنين والاشتياق للأرض التي خرجوا منها، بحثا عن حياة أفضل.. ولم يكن يخطر ببالي أن هناك أمواجا جديدة من أبنائنا وشعرائنا العرب، ستندفع بعيدا عن الأرض العربية، متوجهة نحو المنافي الاختيارية أو الاضطرارية البعيدة.ورغم عواصف الزمان، وقسوة التغرب من مكان إلى مكان، يظل الصديقان يتلاقيان، لعلهما يعزيان بعضهما عن سقوط ما كان من أحلام.. تحت الأقدام!
416
| 21 يوليو 2012
بمنتهى الدقة التي تقترب من اليقين، يستطيع الخبراء والمتخصصون في علوم البحار أن يحددوا قوة اندفاع الأمواج وأن يتنبأوا بالزلازل البحرية قبل وقوعها وأن يحددوا مراكزها التي من الممكن أن تنطلق منها، لكن المحللين السياسيين لا يستطيعون التنبؤ بحركة الأمواج في بحار السياسة، لأنها أمواج تتحرك وفقا لأهواء البشر، وتبعا لأمزجتهم المتقلبة ومصالحهم المتناقضة والمتعارضة، وربما لهذا السبب ما زال صوت أبي العلاء المعري يتردد في زماننا، رغم أن صاحبه العبقري يرقد في تراب معرة النعمان منذ أكثر من ألف سنة، بعد أن أوضح للجميع كيف تتحرك أمواج السياسة في زمانه وفي كل زمان : يسوسون الأمور بغير عقل وينفذ أمرهم فيقال: ساسة فأف من الحياة .. وأف مني ومن زمن رياسته خساسة يعرف البحارة جميعا من الربابنة إلى أصغر بحار أن رسو مراكبهم وسفنهم في ميناء ما ليس رسوا أبديا، بقدر ما هو رسو مؤقت ، وأنهم سيغادرون هذا الميناء إلى سواه من الموانئ الأخرى القريبة أو البعيدة، وما يعرفه البحارة يعرفه كذلك الساسة في العالم المتقدم، أما في عالمنا المتخلف فإن من يحكمون ويتحكمون في البلاد وفي العباد لا يعرفون أو لا يريدون أن يعرفوا أن كراسيهم التي يجلسون عليها هي مجرد موانئ مؤقتة، وأن عليهم أن يغادروها في اللحظة المناسبة، وكأن كل هؤلاء الذين يحكمون ويتحكمون يريدون أن يقتدوا بسليمان الحكيم الذي ظل جالسا على كرسي العرش، دون أن يتنبه أحد أنه قد مات إلا بعد أن نخر السوس خشب الكرسي، فمال الجسد وسقط سليمان على الأرض! لم يعرف حسني مبارك – رئيس مصر السابق أن كرسي الحكم ليس سوى ميناء مؤقت، فظل يحكم ويتحكم طيلة ثلاثين سنة، إلى أن اضطر – كارها- أن يعلن عن تنحيه أو تخليه عن هذا الكرسي، وبعد رحلة شاقة ومؤلمة من حالة الثورة إلى جحيم الفوضى جرت انتخابات الرئاسة المصرية، التي أسفرت عن تقارب كفتي الميزان ما بين أحمد شفيق ومحمد مرسي، وتحول تقارب كفتي الميزان إلى ترقب مشوب بالقلق، إلى أن تم حسم الأمر لصالح الثاني، وها هو مرسي يرسو في ميناء الرئاسة المصرية، وكل ما أتمناه، وكل ما أطالبه به أن يعرف جيدا أن كرسي الرئاسة هو مجرد ميناء مؤقت، وهو ما يعرفه البحارة وما يعرفه الساسة في العالم المتقدم!
401
| 04 يوليو 2012
في إحدى قصائده الرائعة، يخاطب الشاعر الألماني الكبير برتولت بريشت كل إنسان أجبرته الظروف أن يغادر أرض وطنه، ليبحث عن أرض بديلة لفترات قد تطول أو تقصر، ويحس قاريء هذه القصيدة أن فيها أملا شاحبا، لكنه ليس غائبا . يقول بريشت للإنسان المنفي : لا تدق مسمارا في حائط – ألق سترتك على الكرسي – لماذا تحمل هم أيام أربعة؟ - غا ستعود إلى وطنك – اسحب قبعتك على وجهك حين يمر بك الناس – ما الداعي لأن تقلب في قواعد لغة أجنبية؟ - النبأ الذي يدعوك إلى الوطن مكتوب بلغة تعرفها ... هذا الذي قاله بريشت قاله في أجواء الحرب العالمية الثانية، التي شردت ملايين الأوروبيين، ودفعتهم للبحث عن ملاذات آمنة في المنافي، بعيدا عن أوطانهم، وإذا كانت الحياة في أوروبا قد استقرت ثم ازدهرت بعد تلك الحرب، فإن ملايين من الأفارقة والآسيوين، وفيهم عرب ومسلمون، قد اضطروا بدورهم لأن يهجروا أوطانهم التي فقدوا فيها نعمة الإحساس بالكرامة، ولم يعد يتوفر لهم العيش الكريم اللائق بالإنسان، ومعظم هؤلاء يحاولون التوجه بوسائل غير شرعية إلى الدول الأوروبية، وحين نتحدث عن المهاجرين المنفيين العرب وحدهم، نجد أن منهم كتابا وشعراء وفنانين، وعلى هؤلاء جميعا ألا يستمعوا بالطبع إلى نصيحة بريشت ذات الأمل الشاحب: ما الداعي لأن تقلب في قواعد لغة أجنبية ؟ فهؤلاء يدركون أن ما دفعهم لتذوق المر في بلاد الآخرين أنهم كانوا قد تذوقوا في أوطانهم ما هو أكثر إيلاما ومرارة . كنت قد كتبت عن الكاتبة المغربية زكية خيرهم التي هجرت وطنها طواعية واختيارا، أو هاجرت منه اضطرارا، وفي الحالتين فإنها أصبحت إنسانة مغتربة في الغرب، وبالتحديد في النرويج، وهكذا قدر لها أو شاءت لنفسها أن تبتعد عن الشمس الدافئة المدفئة، لكي تواجه ثلوج القطب الشمالي ! وبعد أن كتبت ما كتبت، سعدت بقراءة كتاب صدر عن اتحاد كتاب المغرب، وهو بعنوان الهجرة والإبداع، ويشتمل على دراسات وانطباعات وشهادات عدد من الكتاب المغاربة ممن هاجروا بعيدا عن الوطن لكنهم – على ما يبدو – لم يستطيعوا أن يقطعوا الجذور التي تربطهم بتراب هذا الوطن، ومن هؤلاء هشام العلوي وطه عدنان وبشير الغمري وحفصة العمراني وزكية خيرهم التي كنت قد كتبت عنها، أما هي نفسها فقد اختارت لشهادتها عنوانا مؤلما أو صادما، لكنه يلخص الأمر كله : منفى يشبه الوطن! وتقول في هذه الشهادة : في الوطن النائي – النرويج – أتيحت لي فرصة أن أكتب بحرية، وأن أعبر عما كنت أتمنى أن أقوله وأنا بين أهلي، وفي تقديري أن هذا الذي قالته زكية خيرهم يؤكد ما نردده بين حين وآخر : الغربة في الوطن منفى !
1622
| 20 يونيو 2012
مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي...
1038
| 18 ديسمبر 2025
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد...
933
| 16 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها...
696
| 15 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...
669
| 14 ديسمبر 2025
يُعد استشعار التقصير نقطة التحول الكبرى في حياة...
633
| 19 ديسمبر 2025
إنه احتفال الثامن عشر من ديسمبر من كل...
612
| 18 ديسمبر 2025
هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي،...
606
| 18 ديسمبر 2025
في عالمٍ تتسارع فيه الأرقام وتتناثر فيه الفرص...
588
| 14 ديسمبر 2025
يأتي الاحتفال باليوم الوطني هذا العام مختلفاً عن...
549
| 16 ديسمبر 2025
لقد من الله على بلادنا العزيزة بقيادات حكيمة...
501
| 18 ديسمبر 2025
-إعمار غزة بين التصريح الصريح والموقف الصحيح -...
444
| 14 ديسمبر 2025
يُعَدّ علم الاجتماع، بوصفه علمًا معنيًا بدراسة الحياة...
435
| 15 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية