رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

طه حسين بالعامية في ويكبيديا

قَدّرْ لرجلك قبل الخطو موضعها.. مقولة شعرية شهيرة، تنصحنا بأن نفكر بعقولنا قبل أن نحرك أقدامنا ونخطو على الأرض، لكني اكتشفت أن علينا أن نطبق هذه النصيحة أيضا ونحن نخطو في الفضاء، والفضاء الذي أقصده ليس الفضاء الذي يكتشفه العلماء والرواد في الدول المتقدمة، وإنما فضاء الإنترنت الذي يخطو فيه الجهلاء والحمقى إلى جانب الباحثين الجادين والحكماء النابهين! كلّ من يخطر بباله أمر من أمور الدنيا والآخرة، لا يتردد في تدوينه عبر مدونة من المدونات، أو من خلال تغريدة من التغريدات، وليس مهما أن تكون هناك دراسة أو مراجعة لما يتم تدوينه، طالما أن من حق كل إنسان، حتى لو كان من أجهل الجهلاء أن يدون ما يشاء على ما يتاح له في الفضاء، وربما لهذا السبب فإني دربت نفسي على الخطو بحرص وحذر، حين أحاول التعرف على ما يتم تدوينه في المدونات وفيما تسمى تغريدات، وعلى سبيل المثال فإن أحدهم يؤكد أن المتنبي شاعر من شعراء العصر الجاهلي، بينما يرى آخر أن عباس ابن فرناس الذي جرب أن يطير في الفضاء بجناحين من الشمع هو إنسان عربي، لكنه يحمل الجنسية الفرنسية! الكارثة التي ما بعدها كارثة في نظري أن كثيرين من أبناء الجيل العربي الجديد يحصلون على ما يريدون معرفته من المعلومات عن طريق فضاء الإنترنت، دون أن يهتموا بالرجوع إلى أي مقال أو كتاب مطبوع وموثق في الموضوع الذي يحاولون أن يعرفوا شيئا عنه. ولن أتوقف الآن عند هذه الظاهرة الكارثية، لأن ما أود الإشارة إليه- عبر هذه السطور- يتمثل في كارثة أخرى، تتعلق بلغتنا العربية الجميلة، فنحن نعرف أن الجامعة الأمريكية بالقاهرة تقوم بتدريس اللهجة العامية المصرية، بحجة أنها شائعة في الشارع المصري، أو لأن بعض الدارسين والسياح الأجانب يريدون دراستها، لأسباب متنوعة تتعلق بهم، لكن ما صدمني صدمة قاسية حقا يتمثل في أن موسوعة ويكبيديا العربية الشهيرة قد كتبت مقالا تعريفيا عن عميد الأدب العربي طه حسين، وبالطبع فإن الصدمة ليست في الكتابة عن طه حسين، وإنما في الكتابة عنه باللهجة العامية المصرية، وسأنقل هنا بعض السطور المكتوبة عن عميد الأدب العربي، لكي يصدقني من قد لا يصدقون. تقول موسوعة ويكبيديا: (..إتولد طه حسين في قرية تابعه لمركز مغاغه في محاقظة المنيا اللي في صعيد مصر، واتعمى نتيجه للجهل وهو لسه عيل صغير. عاش في قريته السنين الاولى من حياته واتعلم في الكتّاب وبعدين راح على القاهره مع اخوه الكبير عشان يلتحقو في الأزهر. وبعد الأزهر التحق بالجامعه، وراح فرنسا في بعثه تعليميه، ورجع مصر سنة 1925 واتعين استاذ في الجامعه المصريه وبعدين اتعين عميد لكلية الأداب وبعد كده بقى عميد لجامعة اسكندريه وبعدين بقى وزير للمعارف. وفي فرنسا اتجوز من شريكة حياته " سوزان بريسو " Suzanne Bresseau اللى ساعدته جامد كجوز اعمى وكجوز كاتب وأديب.) لكي أخفف ولو قليلا من وقع الصدمة عليكم وعليّ، لابد من الإشارة إلى واقعة غريبة حدثت في الستينيات من القرن العشرين الغارب، فقد أعلن الكاتب المسرحي الكبير نعمان عاشور أنه ينوي ترجمة مسرحيات وليم شكسبير إلى اللهجة العامية المصرية، فكانت النتيجة أن هاجمه النقاد الجادون، وسخر منه ومن فكرته الساخرون، وقال بعضهم إن هاملت سيظهر على خشبة المسرح وهو يقول: يا نهار إسود. إيه النيلة المهببة ديه؟ إزاي أسكت على عمي اللي أتل أبويا واتجوز أمي.. يا إما أكون أو ما كنشي! إذا كان هناك من هاجموا أو سخروا من نعمان عاشور، فإن جرائد مصرية عديدة أصبحت تكتب الآن عناوين مقالاتها باللهجة العامية، دون أن يتعرض لها أحد بالهجوم أو حتى بالسخرية، وإذا كان اللؤماء الماكرون من ذوي الأهداف الخبيثة قد كتبوا عن طه حسين باللهجة العامية في ويكبيديا، فإن المتشنجين الجهلاء قد قاموا منذ عدة أشهر بتشويه تمثاله المقام في مدينة المنيا، ولم يكتفوا بالتشويه وإنما قاموا بقطع رأس هذا التمثال، وقد قيدت الشرطة هذه الجريمة بأنها ضد مجهول! ولم يبق لي إلا أن أتذكر ما قاله نزار قباني في رثائه لطه حسين: ألق نظارتيك ما أنت أعمى- إنما نحن معشر العميان!

1121

| 31 مايو 2013

الشاعر العطية يتلقى أغلى هدية

أتابع- بنشوة ما بعدها نشوة- ما يبدعه أصدقائي الشعراء العرب، سواء وأنا معهم وفي صحبتهم، أو حين أكون بعيدا- مكانيا- عنهم، وفي صدارة هؤلاء الشعراء الأصدقاء محمد بن خليفة العطية الذي عرفته منذ كان طالبا، يتلقى العلم في قسم اللغة العربية والصحافة بكلية الإنسانيات- جامعة قطر، وكانت قصائده المبكرة تتوالى، قصيدة تلو أخرى، أما إحساسي بخصب شاعريته فكان يتجدد ويتأكد مع كل قصيدة جديدة، ينشرها أو يكتفي بإنشادها أمام أصدقائه المحبين، إلى أن قام بإصدار ديوانه الأول مرآة الروح بعد تخرجه من الجامعة بسنتين، أي سنة 1989 وكان ممن فرحوا بصدور هذا الديوان أستاذه المباشر الناقد الكبير الدكتور ماهر حسن فهمي، حيث بادر- وقتها- بكتابة أول مقال يُنشر عن الديوان، وكان مقالا نقديا مستفيضا وحافلا بالثناء على تلميذه الشاعر الشاب، الذي تجلت براعته الشعرية فيما أبدع من قصائد، تتغنى بالوطن- قطر، وبالعروبة والإسلام وقضايا الإنسان العربي، دون أن يتغافل عن تصوير أشواقه للحب وفرحته بالطبيعة والحياة. ذاكرة بلا أبواب.. كان هذا عنوان الديوان الثاني للشاعر محمد بن خليفة العطية، وقد صدر في بيروت سنة 2002 ويحتضن هذا الديوان قصائد من الشعر الحر، إلى جانب القصائد ذات النهج المتوارث أو العمودي، ويستطيع الدارس لقصائد ذاكرة بلا أبواب وقصائد مرآة الروح أن يلاحظ أن هناك ما يجمعها ويؤلف بينها، ففيها براعة في التصوير الفني، وفيها موسيقى جميلة، ويرجع هذا- في تقديري- إلى عشق الشاعر للفنون التشكيلية وللموسيقى، ولعلي لا أذيع سرا إذا قلت إن عشقه للفنون التشكيلية لم يكن عشق المتأمل المتذوق فحسب، لأنه أبدع عدة لوحات بريشته خلال مرحلة دراسته الجامعية، وما زلت أحتفظ- معتزا- بإحدى تلك اللوحات، وهي لوحة بعنوان الصبر. محمد بن خليفة العطية في قلبي وفي بالي دائما، لكني تذكرته فرحا ومتشوقا، حين فوجئت مفاجأة حلوة، وأنا أقرأ قصيدة جديدة من إبداعه من خلال أحد مواقع الإنترنت منذ أيام قلائل، ولست أدري إن كان قد نشرها في إحدى الجرائد القطرية أم لا، وقد تمثلت المفاجأة الحلوة في أن الشاعر المبدع كان يبدو لي مقلا وشحيحا في عطائه الشعري خلال السنوات الماضية، وحين كنت أسأله عن سر هجره للشعر، كان يبتسم قائلا إن الشعر هو الذي هجرني، فأنا عاشق لهذا الفن الأدبي العربي العريق، ولهذا تراني أتعذب حقا حين يرفرف طارق الشعر بعيدا عني! طارق الشعر هو عنوان القصيدة الرائعة التي كان محمد بن خليفة العطية قد استهل بها ديوانه الثاني ذاكرة بلا أبواب، وقد احتفت بهذه القصيدة جرائد ومجلات أدبية عربية عديدة، وتسابقت لنشرها، كما كتب عنها كثيرون من النقاد، وهي تصور عذاب الشاعر حين يجافيه الإلهام، كما تصور مدى نشوته حين يتفضل الطارق الجميل- طارق الشعر بالقدوم دون استئذان، ويستهل الشاعر قصيدته الرائعة، قائلا: مِن دجى النسيانِ، من حجب الضبابِ- جئت بابي- تكسر القفلَ الذي صدأَ- تخمش الجرحَ الذي برأَ- في متاهات اغترابي- وتنادي خلف بابي- كلّ أحلامي السجينة.. هاهو الصديق الذي أحببته وأعتز بصداقته رغم البعاد المكاني، يفاجئني مفاجأة حلوة- دون أن يدري- بما قرأته له حديثا، متمثلا في قصيدته عصر الخلل، وأرجو أن يسعد بهذه القصيدة الجديدة كل الذين لم يتذوقوها بعد من عشاق إبداع هذا الشاعر الأصيل والجميل، مثلما سعدتُ بها، ها هو الشاعر محمد بن خليفة العطية يتلقى أغلى هدية، متمثلةً في عودة الإلهام بعد طول غياب وانقطاع، وكل ما أتمناه أن يتلقى هدايا أخرى جديدة من طارق الشعر!

1833

| 24 مايو 2013

معروف رفيق في ذكرى غيابه..

في التاسع من مايو الجاري تطل علينا الذكرى الثامنة لغياب الشاعر المبدع القدير معروف رفيق عن أحبابه وعن متذوقي الشعر العربي الأصيل، ونظرا لأنه ينتمي لعائلة عاشقة للأدب والثقافة، فإن ابنه البار المهندس مروان معروف رفيق قد أعد العدة لإصدار الأعمال الشعرية الكاملة لوالده الذي كان يتمنى أن يصدرها بنفسه خلال حياته، لكن الأمنية لم تتحقق وقتها، وأصبح واجبا على عائلته أن تهتم بإصدارها، لتتواكب مع أجواء ذكرى غيابه عن أحبابه. تضم الأعمال الشعرية الكاملة سبعة دواوين هي:القدس قصيدتي- علمني كيف أحبك- أشعار للفتيان والفتيات- قطر على شفة الوتر- فلسطين الجرح والطريق- صرخة مسلم على مشارف القرن الخامس عشر الهجري- ابتهالات، وفيها مجتمعة يتأكد لنا أن العروبة والإسلام يتناغمان ويتكاملان في أعماق مبدعها القدير، كما تتراءى أمام قارئها عذابات فلسطين، وتتجلى كذلك طموحات دولة قطر، وفي أجواء ذكرى غياب هذا الصديق الجميل، أحاول الآن أن أستعيد ملامح اللقاء الأول بيننا في الدوحة. كنا – معروف رفيق وأنا- صديقين حميمين، منذ أن تلاقينا للمرة الأولى ذات يوم من أيام شهر يونيو سنة 1979حيث استضافني هذا الشاعر المبدع القدير في برنامجه الشهير: الزورق الذي كان يقدمه في إذاعة قطر، ورغم أننا لم نكن نركب أحد الزوارق في نهر من الأنهار أو في بحر من بحور العالم، فإني أوهمت المستمعين بأني في زورق حقيقي بالفعل، وأن أوراق قصائدي تتطاير في الهواء نتيجة لهبوب عاصفة من حولنا، ولم يشأ معروف رفيق- من جانبه- أن يكذب ما قلته وقتها، وبعد اختتام حلقة البرنامج فوجئت به يضحك ضحكة عالية، وقال لي وهو مستغرق في الضحك: لقد كدت أصدق أننا نتنزه في زورق، مثلما كان الشاعر الرومانسي علي محمود طه يركب الجندول في مدينة البندقية الإيطالية، وهو يقول ما غناه بعد ذلك محمد عبدالوهاب:  أين من عينيّ هاتيك المجالي  يا عروسَ البحر يا حلمَ الخيالِ من هذا المنطلق، ظل معروف رفيق يتعامل معي باعتباري إنسانا محبا للدعابة التي يمتزج الجد فيها أحيانا بالهزل، وبعد موقعة الزورق أخذ يحدثني عن أصدقائه الآخرين، مؤكداً أنهم جميعا جادون، ولا يضحكون إلا بحساب، خصوصا أن فيهم من هم علماء دين ومن هم معلمون يتسمون بالوقار والرزانة! وحول هذه النقطة بالذات، فإني اكتشفت- ولكن فيما بعد- أن معروف رفيق كان يحب الدعابة، لكنه لا يعلن عنها في جلساته مع أصدقائه، أو في الأمسيات الشعرية التي كان يشارك فيها مشاركة إيجابية متحمسة، وإنما فيما يكتبه من قصائد فكاهية وخفيفة الظل، وهي قصائد تستدعيها مناسبات أو مفارقات اجتماعية. حين أتذكر موقعة الزورق الآن بعد انقضاء سنوات عديدة على نشوبها، أقول- بكل اعتزاز- إن جسور الصداقة الصادقة ظلت وطيدة وراسخة، لكن هذا لا يعني أن معروف رفيق كان يعرف كل عوالمي المتنوعة بصورة دقيقة، كما أن هذا لا يعني أني كنت أعرف كل عوالمه المتعددة، فلكل إنسان أعماق قد يكشف عن بعضها أحيانا، وقد يكتشفها الآخرون، خصوصا إذا كانوا من محبي الاستطلاع أو كانوا من الفضوليين، ولم يكن معروف رفيق ولا أنا من هؤلاء الفضوليين الذين يحشرون أنوفهم في كل كبيرة وصغيرة. هكذا كان لقائي الأول مع هذا الصديق الجميل ستة 1979 وكنت وقتها ضيفا جديدا وافدا للعمل في قطر، ولكن ماذا عن صداقاته وعلاقاته الإنسانية مع شعراء قطر وأدبائها وفنانيها ونقادها الذين بادلوه حبا بحب؟ هذا ما سأتحدث عنه في الأسبوع المقبل إن شاء الله، فإلى لقاء متجدد.

4895

| 16 مايو 2013

شهرزاد واللقاء الوحيد المتاح

بذكائها وبراعتها في سرد الحكايات المشوقة؛ تمكنت شهرزاد من إخماد جذوة الانتقام التي كانت متأججة في صدر الملك شهريار، منذ أن رأى بعينيه كيف خانته زوجته مع رجل ممن يعملون عنده، وعلى امتداد كل ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة ظل شهريار يستمع لتلك الحكايات إلى أن يدرك شهرازاد الصباح، فتسكت عن الكلام المتاح، وبطبيعة الحال فإني قرأت ما قالته شهرزاد وما قيل عنها، وكيف أنها أنقذت كل بنات جنسها من العذارى، بعد أن كان القتل هو مصير كل عذراء منهن، لا لشيء إلا للرغبة الحارقة في الانتقام!بعيدا عن شهرزاد الأسطورة التي أنعشت خيالاتي منذ كنت صبيا، فإنني التقيت مع شهرزاد مصرية وعصرية في أحد أيام شهر يوليو سنة 1977 وكان لقائي معها في بيتها المطل على النيل، حيث طلبت منها أن تروي لي حكايتها مع الشاعر الرقيق الدكتور إبراهيم ناجي، وكان قد كتب قصيدة جميلة من وحيها، وقد تذكرت تفاصيل هذا اللقاء الوحيد الذي أتيح لي وقتها، وأنا مستغرق في حالة من الشجن، بعد أن عرفت أن شهرزاد التي ألهمت الشاعر الذي أحبه، قد رحلت عن عالمنا يوم السبت 6 أبريل 2013 وعلى الرغم من الفوضى السائلة التي تنزلق فيها الحياة اليومية، ولا تتيح للمهتمين أن يتابعوا الفن الجميل، فإني نجحت في أن أستعيد الزمن الذي تألقت فيه شهرزاد قبل أن تقرر الاعتزال والابتعاد عن الأضواء نهائيا منذ سنوات عديدة.شهدت القاهرة ميلاد الطفلة شفيقة محمد السيد يوم 8 يناير سنة 1933 وقبل أن تكمل العشرين من عمرها انطلقت إلى عالم الغناء، وأصبح اسمها الفني شهرزاد، تيمنا بسحر شهرزاد الأسطورة في ألف ليلة وليلة، واهتماما بموهبتها قدم لها كثيرون من الملحنين المرموقين ألحانهم الرائعة، لكي تتغنى على إيقاعاتها، ومن هؤلاء رياض السنباطي ومنير مراد وبليغ حمدي وسيد مكاوي ومحمود الشريف، ومن أشهر أغاني شهرزاد: عسل وسكر- إديني من وقتك ساعة- يا ناسيني- أفكر فيه وينساني، وإلى جانب أغانيها الحلوة فإنها شاركت في عدة أوبريتات شهيرة منها العشرة الطيبة وألف ليلة وليلة وياليل يا عين، كما شاركت في العديد من الأفلام، من بينها: أمير الدهاء- الهوى غدار- ابن البلد- الأحدب.بمجرد أن عرفت نبأ رحيل شهرزاد، تذكرت على الفور فنانة رائعة، أثرت في وجداني، وما زال صوتها ينعشني ويزيح الصدأ عن الروح، وقد ولدت هذه الفنانة يوم 17 فبراير سنة 1918 ورحلت عن عالمنا يوم 21 نوفمبر سنة 1955 وكان اسمها-  عندما ولدت- ليليان زكي مراد موردخاي، ثم عرفناها جميعا بعد أن أبدعت وتألقت باسم ليلى مراد، أما لماذا تذكرت صاحبة أنا قلبي دليلي، قذلك لأنها ومعها شهرزاد قد اعتزلتا عالم الفن والغناء طيلة سنوات عديدة، ورحلت كل منهما في الثمانين أو على مشارف الثمانين، وهذا يعني أن كثيرين من أبناء الأجيال الجديدة لا يعرفون هذه ولا تلك، والسؤال الذي أطرحه هنا: كيف عاشت كل منهما حياتها بعد أن انحسرت الأضواء، وهل كانت كل من ليلى مراد وشهرزاد حزينتين وهما تعيشان داخل جدران النسيان، أم كانتا قانعتين وراضيتين عما تحقق لكل منهما من صيت ومن تألق خلال حيوية المسيرة الفنية الغنية؟.    

880

| 26 أبريل 2013

سمكة يابانية تلجأ لأمريكا!

أحاول بين حين وآخر أن أهرب بعيدا عن زمن الفتن؛ الذي تتوالى فيه المصائب والمحن على الأرض العربية، وأعتقد أن محاولتي الجديدة للفرار قد نجحت بالفعل، والفضل يرجع لسمكة يابانية، أقدمت هي الأخرى على الفرار من بحر وطنها- اليابان، وتمكنت - بعد مغامرة خطيرة ومثيرة - أن تحصل على حق اللجوء البحري في الولايات المتحدة الأمريكية! في الليل وبينما كنت غارقا في متابعة المصائب والمحن، إذا بي أفاجأ بتقرير مصور، تبثه إحدى القنوات الفضائية الأجنبية، والحق أن هذا التقرير قد انتشلني ولو لبعض الوقت مما كنت غارقا فيه، حيث عرفت من خلاله أن سمكة يابانية مخططة قد وصلت على متن قارب ياباني، يعتقد أن أمواج المد العاتية التي ضربت المحيط الهادي في مارس سنة 2011 قد جرفته إلى شواطئ الولايات المتحدة، وظلت تلك السمكة المغامرة والمقامرة بحياتها على قيد الحياة لمسافة 8046 كيلو مترا، إلى أن وصلت يوم 22 مارس 2013 إلى ساحل ولاية واشنطن، وكان لا بد من الحفاوة بتلك الضيفة غير البشرية، حيث تم إخضاعها للدراسة من جانب العلماء في حوض مائي للحفاظ على الكائنات البحرية بولاية اوريجون، وقد أصبح هذا الحوض المائي الأمريكي مصدر جذب للزوار وللسياح بعد أن لجأت السمكة اليابانية إليه، وجاء في التقرير أن كيت تشاندلر المدير العام للحوض المائي قد أدلى بتصريح، يقول فيه إن الناس مفتونون للغاية برؤية هذه السمكة، وبحقيقة أنها قطعت كل هذا الطريق من اليابان وسط الحطام.. لذلك فإنه حدث رائع جدا! خواطر عديدة تزاحمت في رأسي، خصوصا بعد أن شاهدت السمكة عدة مرات، وعرفت أنها سمكة مخططة، حيث تذكرت على الفور أن معاجمنا اللغوية العربية تتحدث عن الحمار الوحشي المخطط على أساس أنه فنان، نظرا لأنه يتفنن في تخطيط جسمه، وهذا يعني أنه كان بإمكان السمكة اليابانية - طالما أنها مخططة - أن تحصل على لقب فنانة، لو أنها وصلت إلى أي شاطئ عربي، وعلى أي حال فإني استبعدت هذه الفرضية، لأن الوصول إلى شاطئ عربي معناه أن تتعرض ما بين غمضة عين وانتباهتها للقلي بالزيت أو للشوي على النار، دون الحصول على لقب فنانة، وإذا كنا قد عرفنا أن السمكة اليابانية تخضع للدراسة العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها- بالتأكيد - كانت ستتعرض للتحقيق والمساءلة في حالة وصولها إلى أحد شواطئنا العربية، خصوصا إذا تذكرنا ما جرى للحمامة التي تم تسليمها للشرطة المصرية، لأنها كانت تحمل في إحدى رجليها ميكروفيلما، وقد كتبت عنها هنا في الشرق بعنوان الحمامة المغامرة ونظرية المؤامرة! وفي يقيني أن السمكة اليابانية لن تستطيع أن تدافع عن نفسها حين يمطرها المحققون بأسئلة شائكة من طراز: من الذي قام بتمويل رحلتك من اليابان إلى هنا أيتها السمكة الجاسوسة؟ وما أسماء الجهات الأجنبية التي دفعتك للوصول إلى هنا؟ وماذا عن المهمة الدنيئة التي كنت تنوين تنفيذها؟ لم يعد أحد يتابع حكاية الحمامة المصرية، وربما يكون الستار قد أسدل عليها، بعد أن التهمها أحدهم وهي محشوة بالفريك أو الأرز، أما السمكة اليابانية الأجنبية فإنها - كما قلت - لن تستطيع الدفاع عن نفسها، لأنها لا تتكلم اللغة العربية، بل إنها لا تستطيع أن تنطق ولو حرفا واحدا من حروف اللغة اليابانية، وهذا ما أدركه عنترة بن شداد حينما كان أعداؤه يمطرون جسد حصانه الأدهم بسهامهم، دون أن يستطيع الحصان أن يلهج بالشكوى، حيث قال هذا الشاعر القديم والعظيم: ما زلت أرميهم بثغرة نحره - ولبانه حتى تسربل بالدم فازور من وقع القنا بلبانه - وشكا إلى بعبرة وتحمحم لو كان يدري ما المحاورة اشتكى - ولكان لو علم الكلام مكلمي! حصان عنترة اختفى تماما منذ أكثر من ألف وخمسمائة سنة، واختفى معه فارسه الشهير عنترة، والحمامة التي تعرضت للحشو بالفريك أو الأرز اختفت منذ عدة أشهر، وتبقى التحية للسمكة اليابانية التي نجحت في اللجوء البحري للولايات المتحدة الأمريكية، وها هي تخضع للدراسة العلمية في دولة من أكبر الدول التي تعرف أن العلم طريق طويل وشاق، لكنه يفضي لازدهار البشرية.

333

| 19 أبريل 2013

أكمل الدين إحسان وحكاية حب!

حكاية حب أو فرهارد وشيرين.. عنوان مسرحية رائعة، أبدعها الشاعر التركي العظيم ناظم حكمت سنة 1948وبعد انقضاء إحدى وعشرين سنة على إبداعها- أي سنة1969- قام الدكتور أكمل الدين إحسان بنقلها إلى اللغة العربية في ترجمة مشرقة دقيقة، وقد صدرت الترجمة العربية لحكاية حب عن دار الكاتب العربي بالقاهرة، وكان سعر النسخة وقتها عشرين قرشا مصريا، وأتذكر- في هذا السياق- أن ديواني الأول: الدم في الحدائق قد صدر عن نفس الدار في نفس تلك السنة ، وكان سعر النسخة خمسة عشر قرشا، ونظرا لصداقتنا التي كانت وليدة وقتها، ثم ازدهرت وما تزال مزدهرة حتى الآن، فقد أهديت الدكتور أكمل الدين إحسان نسخة من ديواني، كما تفضل هو بإهدائي نسخة من حكاية حب، وأقبلت ليلتها على قراءة المسرحية الرائعة بشغف، لأني ومعي كل أبناء جيلي من الشعراء والأدباء، كنا معجبين أشد الإعجاب بناظم حكمت الذي عرفناه وأحببناه منذ أن صدرت أول ترجمة عربية لمختارات من شعره في بيروت سنة1952وهي الترجمة التي قام بها على خير وجه الكاتب التقدمي اللبناني الدكتورعلي سعد. بعيدا عن صداقتنا الصادقة والعميقة، أستطيع القول إن الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو مثقف موسوعي، وإن ثقافته ليست محصورة ولا مقصورة في مجال واحد محدد من مجالات المعرفة، فإذا كنا قد ولدنا في سنة واحدة، وحين شببنا اتجهت أنا لدراسة الأدب العربي في جامعة القاهرة، فإنه اتجه لدراسة العلوم في جامعة عين شمس، وحصل على درجة الماجستير في الكيمياء من نفس الجامعة، ثم غادر مصرالتي شهدت ميلاده إلى وطنه الأم- تركيا، ليحصل على درجة الدكتوراة من جامعة أنقرة، لكن دراسته للعلوم وللكيمياء بوجه خاص لم تمنعه من الاندماج في عالم الأدب، بدليل أنه ترجم حكاية حب فبل حصوله على ماجستير الكيمياء بسنة واحدة، وقد قاده حبه للأدب- فيما أتصور- لدراسة التاريخ الإسلامي  دراسة متأنية وشاملة ومتكاملة الجوانب عبر مختلف عصورهذا التاريخ، وفضلا عن هذا فإنه لم يكن أبدا من المنغلقين المشرقيين الذين يناصبون أوروبا العداء، وهذا ما أتاح له أن يكون إنسانا جميلا متسامحا مع الآخرين، دون أن يعني التسامح عنده أن يتخلى عن ثوابته الأصيلة التي لا يمكن التخلي عنها.  من هذا المنطلق، وتقديرا لثقافته الموسوعية ولروحه المتسامحة، لم يكن عجيبا ولا غريبا أن يكون الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو على رأس منظمة المؤتمر الإسلامي التي أصبحت تعرف باسم منظمة التعاون الإسلامي، حيث تولى – عن طريق الانتخاب وليس من خلال التعيين- منصب الأمين العام لهذه المؤسسة العالمية المهمة منذ شهر يناير سنة  2005 وقد شهد الجميع له بحسن إدارته، وبقدرته الفائقة على حسن التصرف في كل الأزمات التي تعرض لها العالم الإسلامي، وها هو المثقف الموسوعي الكبير يعود إلى القاهرة لعدة أيام عودة المحب المشوق للأرض التي شهدت ميلاده والمراحل المبكرة لتكوينه الفكري والإنساني، ها هو الدكتور أكمل الدين أوغلو في القاهرة، ليكون نجم حفل توقيع كتابه الجديد الذي اختار له عنوانا دقيقا: العالم الإسلامي وتحديات القرن الجديد، ولكني أعترف هنا بأني كنت أتمنى لو أن كاتب مقدمة هذا الكتاب لم يكن واحدا من المتشنجين المنغلقين على اتجاه سياسي معين، ولم يكن واحدا ممن اشتهروا بارتكابهم العديد من الأخطاء العلمية والتاريخية، وبكل صراحة في القول فإني كنت أتمنى لو أن كاتب مقدمة العالم الإسلامي وتحديات القرن الجديد كان واحدا من الشخصيات المستنيرة والمتفتحة وغير الرسمية، وعلى أي حال فإن ما كان قد كان! يبقى أن أقول- والفرحة تغمر قلبي- إن جامعة عين شمس التي كان الطالب أكمل الدين إحسان أوغلو قد حصل منها على بكالوريوس العلوم سنة 1966 وعلى درجة الماجستير في الكيمياء سنة 1970هي نفس الجامعة التي قررت أن تمنح الدكتور أكمل الدين شهادة الدكتوراة الفخرية يوم الخميس 4 أبريل من هذه السنة- سنة 2013 وبالطبع فإن من حق هذه الجامعة العريقة أن تفخر بأن أحد خريجيها قد أصبح شخصية مرموقة في أكثر من مجال، ومن حقي الآن أن أتباهى بصديقي وابن جيلي الذي قاد سفينة منظمة التعاون الإسلامي بكل جدارة ومهارة، بالرغم من كل التيارات المتلاطمة التي واجهته وواجهتها.

569

| 05 أبريل 2013

الأمازيغ من الشرق إلى المغرب

لي أصدفاء كثيرون من الأمازيغ ومن الأكراد ومن الأقباط ومن أبناء النوبة، وهذا أمر أعتز كل الاعتزاز به، لكن صداقتي مع هؤلاء الأصدقاء لاتعني أن أجاملهم على حساب ما أتوصل إليه خلال البحث عن الحقيقة، ولا تعني بالطبع أن أتجاهل ما تقوم به حركات سياسية وثقافية أمازيغية وكردية وقبطية ونوبية من دعوات مشبوهة للانسلاخ والانفصال عن الأرض العربية بمفهومها الحضاري الرحب الذي يتسع للجميع، وهنا تبدأ المشكلة، نظرا لأن محاولاتي للتوصل إلى الحقيقة - دون تشنج أو عنصرية مزعومة - تتسبب في إغضاب الذين لا تروق لهم رؤية الحقيقة ولو في وضح النهار، وربما يكون من بين الغاضبين عدد من أصدقائي، وفي هذه الحالة أجد نفسي منطلقا للبحث عن الحقيقة، رغم أني أتألم حقا حين أفقد أي صديق، وأتذكر على الفور ما قاله أفلاطون: سقراط أستاذي وحبيبي، لكن الحقيقة أحب عندي من سقراط! ليس سرا أني منذ سنوات عديدة أقوم برصد دعوات الانسلاخ والانفصال عن الأرض العربية، وهي دعوات مدعومة بالفعل من قوى أخطبوطية عالمية، وعلى سبيل المثال فإني كتبت هنا في الشرق عن دعوات حاقدة، تتحدث عن ضرورة أن تكون لغة مصر العربية هي اللغة القبطية، لأن اللغة العربية - في نظر مطلقي تلك الدعوات - هي لغة العرب المسلمين الذين احتلوا مصر بقيادة عمرو بن العاص! وعلى امتداد الأسابيع الأربعة الماضية بدأت أكتب عن الأمازيغ، حيث كتبت أولا عن قنبلة موقوتة في واحة سيوة المصرية التي يتركز فيها الأمازيغ المصريون، وقد حظي هذا المقال التمهيدي باستحسان كثيرين، أما ما كتبته بعد ذلك بعنوان: الأمازيغ.. ظالمون أم مظلومون؟ فقد اندفع نشطاء أمازيغيون للتصدي له من خلال رسائل تلقيتها عبر بريدي الإليكتروني أو من خلال النشر في وسائل إعلامية مغاربية، والحق أني كنت أنوي اليوم أن أواصل حلقات ما أكتبه عن الأمازيغ، لكني رأيت أن أؤجل ما كنت أنوي كتابته، لكي أستعرض بعض التعليقات، حتى لا أبدو في صورة المتغافل المتجاهل لها. الأمازيغ ظالمون أم مظلومون؟ .. كان هذا عنوان المقال الذي نشرته الشرق يوم الخميس 14 مارس الجاري، وفي نفس اليوم تلقيت عدة رسائل، كانت أولاها من ناشط أمازيغي- جزائري هو صلاح الدين أزواز الذي عرفت منه- فيما بعد- أنه عضو في الحركة البربرية الجزائرية التي ( تطالب  بترسيم اللغة الأمازيغية وإعادة الاعتبار لهويتنا الحقيقية وتمجيد رموزنا وأجدادنا وآبائنا بدل تمجيد أناس مجهولي الاصل والتاريخ)! وقد شاء صلاح الدين أزواز أن يكون عنوان ماكتبه : العرب وأدباؤهم المستعربون.. ظالمون أم مظلومون؟ وبالطبع فإن هدف العنوان واضح، وهو أن يجردني من عروبتي، ويضمني إلى قائمة المستعربين والمستشرقين الأوروبيين! ثم قال الناشط الأمازيغي بالنص ( باديء ذي بدء تقبل مني التحية، وتجاوز عن ركاكة كتابتي باللغة العربية، فهي ليست لغتي وأنا أكرهها وأكره أمتها العربية البدوية المتخلفة.. عن ماذا ننفصل؟ إنها أرضنا وكل شخص يظن أنه عربي ما عليه إلا الرحيل إلى بلاد العرب)! وفي نفس يوم نشر المقال في الشرق، قامت جريدة- ناس هيس- الإلكترونية المغربية بنشره كاملا نقلا عنها، ولا بد أن أذكر هنا – بكل امتنان- أني قد استفدت كثيرا من مقالات تلك الجريدة التي لم أكن أعرفها- للأسف- من قبل، وعلى سبيل المثال فإني كنت أتصور أن جميع الأمازيغ مسلمون، فإذا بي أكتشف أن منهم من هم يهود، يتحدثون العبرية والأمازيغية، ويكرهون اللغة العربية حتى لو كانوا يعرفونها! وبعد أن نشرت –ناس هيس- المغربية مقالي، قامت جريدة – الرأي المستنير- الموريتانية بنشره، وكذلك فعلت جريدة- الحدث الأزوادي- ومعها جرائد متنوعة أخرى، معظمها جرائد أمازيغية، وبعضها جرائد عربية، بل عروبية التوجه، وهذا ما جرى أيضا فيما يتعلق بمقالي المنشور في الشرق يوم الخميس 21 مارس الجاري، وكان عنوانه: الأمازيغ كما رآهم ابن خلدون، حيث نشرته أكثر من جريدة مغاربية نقلا عن الشرق. وإذا عدت الآن لاستعراض التعليقات الكثيرة والمثيرة التي نشرتها –ناس هيس- نجد أن منها من يقول ( اعتنقنا الإسلام ولن نقبل اعتناق العروبة المتوحشة) .. كما نجد أن كل التعليقات المكتوبة باللغة الفرنسية، تصفني بأني كاتب عنصري شوفيني ومتعصب، وفي أجواء التعليق والتعليق المعاكس نجد عدة تعليقات مكتوبة باللغة العربية، ويفاخر أصحابها بأنهم عرب بكل معنى الكلمة، ونظرا لأني أدعو- في كتاباتي بصورة عامة- إلى عدم مهادنة دعوات الانسلاخ والانفصال، فإني سعدت بتعليق جميل، يرد فيه كاتبه على آخرين من المتشنجين ( لا تساهموا بتهوركم في انهيار سقوف بيوتنا، فكل شيء واضح وضوح الشمس، الأمازيغ أمازيغ، والعرب عرب، وكم من أمازيغي تعرب، وكم من عربي تمزغ، وكلنا-في النهاية- شعب واحد، أفلا تنظرون وتعقلون؟! أظن أن هذا التعليق يمكن أن يكون مسك الختام، مع محبتي لكل من اتفق أو اختلف معي بشأن محاولاتي للتوصل إلى الحقيقة.  

1418

| 29 مارس 2013

الأمازيغ .. ظالمون أم مظلومون؟

بتشجيع ومساندة من دول أجنبية وبالذات من فرنسا ومعها الحركة الصهيونية العالمية، أثارت الحركات السياسية والثقافية الأمازيغية وما تزال تثير الكثير من القضايا والمشكلات، كما تقوم بالعديد من الاحتجاجات والتظاهرات في دول المغرب العربي الكبير، من ليبيا إلى المغرب، مرورا بتونس والجزائر، ولكنها لم تنجح حتى الآن في إثارة ما أثارته وما تزال تثيره في واحة سيوة المصرية، وهنا لا بد لنا - في البداية - من طرح أسئلة واضحة : هل الأمازيغ أو البربر هم بالفعل السكان الأصليون في تلك الدول المغاربية قبل دخول الإسلام ؟ وإذا لم يكونوا كذلك فمن أين جاءوا؟ وهل هم يحلمون بالانفصال أسوة بالأكراد في العراق وسوريا وتركيا وإيران، أم أنهم يريدون رفع ما يرون أنه ظلم واقع عليهم لا أكثر ولا أقل؟ قبل الإجابة على تلك الأسئلة وسواها، أعتقد أنه من المهم أن أشير إلى بعض ملاحظاتي المتعلقة بكل هذه الأمور، حيث لاحظت – على سبيل المثال- أن الدراسات التي يكتبها باحثون من الأمازيغ لا تتحدث عن المغرب ( العربي) على الإطلاق، وإنما تتحدث- بكل وضوح- عن المغرب ( الإسلامي) وكأنها تحاول نفي كلمة أو مصطلح العروبة تماما وطمس الهوية العربية من خلال الإشارة الدائمة إلى المغرب الإسلامي، ومن بين تلك الدراسات كتاب بعنوان القبائل الأمازيغية- أدوارها ومواطنها وأعيانها والكتاب صادر سنة 1999 وقد اشتريت نسخة منه وقت صدوره عندما كنت أزور الجزائر، وهو من تأليف الباحث الجزائري بوزياني الدراجي، كما لاحظت أن مؤتمرا للأمازيغ قد عقد في مدينة جربة التونسية في أوائل أكتوبر سنة 2011 وكان ممنوعا فيه نطق أية كلمة باللغة العربية التي يعرف منظمو المؤتمر أنها لغة القرآن الكريم، حيث كانت اللغة الأمازيغية هي لغة التخاطب الرئيسية في ذلك المؤتمر، ومعها اللغة الفرنسية، وقد علق الناصر خشيني- وهو باحث تونسي مستنير وعروبي التوجه- على فعاليات ذلك المؤتمر، قائلا بالنص: إن منظمي المؤتمر منعوا الحاضرين من المؤتمرين من التكلم باللغة العربية، باعتبارها لغة احتلال واستبداد، وترمز للقرون الـ 14 التي قضاها الأمازيغ تحت (تسلط العرق العربي) والغريب أنه سمح لبعضهم أن بتكلموا بالفرنسية والإنجليزية، مما يدل على عداوة مريبة تجاه كل ما يمت بصلة للحضارة العربية الإسلامية، ويذكر الناصر خشيني كذلك أن منظمي المؤتمر منعوا تعليق الأعلام الوطنية لدول المغرب العربي بما فيها العلم التونسي نفسه، بينما ظل العلم الأمازيغي يرفرف وحده!  ومما لاحظته أيضا في هذا السياق أن الشاعرة المغربية مليكة مزان قد رفضت- في حوار معها- أن توصف بأنها مغربية، مؤكدة أن الدولة المغربية تحتل بلاد الأمازيغ، كما لاحظت أن إحدى الناشطات الأمازيغيات من ليبيا قد رفضت تماما مصطلح الربيع العربي الذي أطلق على ما جرى من فورات وثورات وانتفاضات، في كل من تونس ومصر وليبيا، حيث أكدت هذه الناشطة الليبية أن ما جرى هو ربيع ديمقراطي إسلامي، وليس ربيعا عربيا، طالما أن الأمازيغ قد شاركوا فيه! وينبغي كذلك أن أشير إلى ما لاحظته بنفسي خلال زيارتي للبيت التراثي السيوي في واحة سيوة، حيث رأيت بعيني أن كل التعريفات الخاصة بمقتنيات البيت مكتوبة بلغتين اثنتين، هما الإنجليزية والأمازيغية التي يسمونها في سيوة - كما ذكرت - اللغة السيوية! كل هذه الملاحظات التي أشرت إليها، وغيرها كثير، تشي بل تؤكد أن الحركات السياسية والثقافية الأمازيغية لها أهداف انفصالية ومعادية للعروبة وللإسلام، وفي نفس الوقت لابد من التأكيد على أن الأمازيغ العاديين يتعاملون ويتفاعلون مع إخوانهم العرب بصورة إيجابية مشرقة ومشرفة للجميع، وعند هذا الحد ينبغي أن أجيب - ولكن فيما بعد - على ما كنت قد طرحته  من أسئلة واضحة : هل الأمازيغ أو البربر هم بالفعل السكان الأصليون في تلك الدول المغاربية قبل دخول الإسلام ؟ وإذا لم يكونوا كذلك فمن أين جاءوا؟ وهل هم يحلمون بالانفصال أسوة بالأكراد في العراق وسوريا وتركيا وإيران، أم أنهم يريدون رفع ما يرون أنه ظلم واقع عليهم لا أكثر ولا أقل؟  

494

| 14 مارس 2013

ليس في الواحة .. مجال للراحة

لن يكون أمامي وقت للراحة في هذه الواحة.. هذا ما قلته لنفسي، حتى من قبل أن تبدأ زيارتي لواحة سيوة، لأني لست سائحا أجنبيا، بحب استكشاف ما قرأ عنه دون أن يكون قد رآه مرأى العين، ولست سائحا يود أن يستريح ويستجم لبعض الوقت، فقد كان ما يشغلني أبعد من مجرد الاستكشاف، وأبعد ما يكون عن الرغبة في الاستجمام، وباختصار فإني كنت أريد التوصل للإجابة على السؤال الذي طرحته على ضوء ما كنت قرأته أو سمعته وشاهدته، والسؤال هو: هل هناك قنابل موقوتة في واحة سيوة، أم أن في الأمر مبالغات وشطحات؟! لو عدنا للتاريخ القديم، لا بد أن نتذكر أن الواحة، أية واحة، تمثل مكانا آمنا، تستريح فيه القوافل المسافرة من مكان إلى سواه عبر الصحراء، ولو عدنا إلى لغة المجاز والاستعارة، فإننا نجد أن العاشق المتيم يلذ له أن يصف حبيبته، قائلا عنها إنها واحة للأمان وللراحة وسط صحراء الحياة التي يحياها، لكننا لو عدنا إلى تاريخ واحة سيوة على وجه التحديد، فلا بد أن نستعيد حكاية جيش الملك الفارسي قمبيز والذي هبت عليه بالقرب من هذه الواحة عواصف رملية عاتية، غاص على إثرها نحو خمسين ألف مقاتل - هم كل أفراد ذلك الجيش- في الرمال الناعمة التي ابتلعتهم جميعا، دون أن يعثر لهم على أثر، وكأنهم ما كانوا، وبعيدا عن أولئك الذين اختفوا من الوجود تماما، لا بد أن نتذكر أن الإسكندر الأكبر قد وصل سنة 331 قبل الميلاد إلى واحة سيوة، لكي يباركه الكهنة الفراعنة، وهذا ما تحقق له وقتها، ويستطيع زوار سيوة أن يزوروا المعبد المعروف باسم معبد الوحي، وهو المعبد الذي تمت فيه طقوس مباركة الإسكندر الأكبر. ولو ابتعدنا عن التاريخ القديم، وعن لغة المجاز والاستعارة، لكي أتحدث- بشكل مباشر- عن هذه الواحة التي لم يكن لي فيها متسع للراحة، فلا بد من الإشارة أولا إلى القافلة التي كنت فردا من أفرادها، والواقع أنها لم تكن قافلة بمعنى الكلمة، لأنها كانت مؤلفة من ثلاثة أفراد لا أكثر، هم حادي القافلة ودليلها الصادق- الصديق الدكتور شوقي حبيب الذي يتعامل معه أهل سيوة كأنه واحد منهم كما ذكرت من قبل، والصديق صبحي عبد العال الذي يحب التأملات الميتافيزيقية الهادئة، ويتصور أن بإمكانه أن يتوصل لصيغة حياة مثالية، يكون فيها الإنسان أخا- بمعنى الكلمة- لأخيه الإنسان، أما أنا فكنت أحاول التعرف على سر الأوبئة التي تجعل الإنسان عدوا للإنسان، سواء في نطاق المجتمع الصغير، أو في إطار الحساسيات والحزازات بين الأطياف المتنوعة في كل مجتمع، أو على مستوى الصراع الإنساني الشامل، ومن هنا استطاع الدكتور شوقي حبيب أن يستمتع بالسهرات الجميلة مع من يعتبرونه واحدا منهم، واستطاع صبحي عبد العال أن يجد السكينة حينما كان يستلقي أو يتمدد تحت ظلال النخيل والزيتون، بينما ظل القلق يلازمني كأنه ظلي الذي لا أستطيع الفرار منه! خمسة وعشرون ألف مصري، ممن ينتسبون إلى الأمازيغ، ويتكلمون اللغة الأمازيغية التي يسمونها اللغة السيوية هم أهل سيوة، ويضاف إليهم – كما عرفت- خمسة آلاف مصري، ممن قدموا للعمل من مختلف محافظات مصر، وإذا كانت سيوة تبعد عن القاهرة بنحو 850 كيلو مترا، فإنها لا تبعد عن الحدود المصرية- الليبية إلا بنحو خمسين كيلو مترا لا أكثر، ولهذا تظل هذه الواحة محطة أولى لتهريب السلاح من ليبيا إلى مصر، وقد أكد لي من التقيت معهم أن مهربي السلاح يقومون بأعمال انتقامية ضد أهل الواحة حين يتصدون لمحاولاتهم الإجرامية، كما أكد هؤلاء لي أن انتماءهم إلى مصر- الوطن هو انتماء عميق لا يتزعزع، رغم أن السلطات الأمنية تتشكك فيهم أحيانا، نتيجة لعلاقاتهم مع الأمازيغ الآخرين في كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، وعلى أي حال فإن عشاق التاريخ من أمثالي يدركون أن أول دراسة دقيقة عن الأمازيغ أو البربر تتمثل في الفصول التي كتبها العلامة عبد الرحمن ابن خلدون في كتابه الشهير الذي سماه: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، أما الدراسات التالية التي كتبها كثيرون من الباحثين الأجانب والعرب والأمازيغ فإنها بطبيعة الحال لا تتسم بالموضوعية، نظرا لغلبة الأهواء المتباينة التي تصل إلى درجات عالية من التناقض والتعارض بين هؤلاء الباحثين، ومن هذا المنطلق لا بد من التوقف- فيما بعد- عند ابن خلدون ومن جاءوا من بعده.

578

| 07 مارس 2013

قنابل موقوتة في واحة سيوة

أعتقد أنه لا بد أن يكون لنا هدف أو مجموعة أهداف حين ننطلق – متحمسين ومتشوقين - للتعرف على ما نجهله تماما، أو حتى حين ننطلق إلى ما لا نعرف عنه سوى أقل القليل. هذا هو حال الذين يغوصون في أعماق البحار والمحيطات، وحال الذين يخترقون الغلاف الجوي لأمنا الأرض لكي يهبطوا فوق سطح القمر أو المريخ، وهو كذلك حال الذين ينطلقون إلى أماكن مجهولة فوق سطح الأرض أو تحت هذا السطح، فالهدف الواحد والموحد لدى هؤلاء جميعا يتمثل في اكتشاف ما هو غامض ومجهول، بقصد كشف المخبوء من تفاصيله وأسراره، سواء أكان هذا الغامض المجهول في الأعماق أو في أبعد الآفاق أو فوق الأرض أو تحتها! ومن هذا المنطلق، ودون أن نخجل أو نخاف، لابد من الاعتراف، بأن أبناء مصر مقصرون تماما في حق واحة من أجمل الواحات المصرية والعربية على حد سواء، هذه الواحة هي سيوة التي زرتها وعايشت أهلها الفقراء والكرماء على امتداد أيام وليال معدودة، وقد أحسست أن هؤلاء الفقراء الكرماء يتسلحون بالكبرياء، لأنهم مع واقعهم متصالحون، وبحياتهم قانعون، ورغم بؤس هذا الواقع وصعوبة تلك الحياة، فإنهم بالضيوف يحتفون، لكن زيارتي لواحة سيوة لم تكن من أجل السياحة بطبيعة الحال، فقد كان لي هدف واحد ومحدد يتمثل في التعرف على ما يجري هناك من أمور تبدو مقلقة وغير مطمئنة حين نسمع عنها ونحن بعيدون، وكان لا بد لي أن أنطلق إلى تلك الواحة، لكي أزيح عن نفسي ما تكدس فيها من قلق ومن عدم اطمئنان. تبعد واحة سيوة عن القاهرة بنحو ثمانمائة وخمسين كيلو متر، أما الطريق إليها فإنه ليس سهلا، وهي أقرب الواحات المصرية إلى ليبيا، ويقوم أهلها بزراعة النخيل والزيتون، وكنت أعرف – مقدما- أن لهم لغة خاصة يتكلمون بها دون سواهم من المصريين، وهذا ما تأكدت منه بشكل مباشر حين التقيت مع كثيرين منهم بصحبة الصديق الدكتور شوقي حبيب الذي يعرفه أهل سيوة معرفة وثيقة كأنه واحد منهم، وذلك بحكم زياراته السابقة العديدة لواحتهم، واهتمامه بمشاركتهم في المناسبات والأعياد المحلية، وهي مناسبات وأعياد يشاركهم فيها سياح أجانب كثيرون ممن يتوافدون خصيصا إلى سيوة، تزامنا معها، لكن الكوميديا السوداء هي أن أبناء مصر الآخرين لا يعرفون شيئا عنها! أهل سيوة فقراء وكرماء، وقاموا بكل واجبات الضيافة على خير وجه، لكني كنت ألاحظ أنهم يتكلمون لغتهم الخاصة في بعض الأحيان خلال سهراتي معهم، إذا أرادوا أن يتحدثوا فيما بينهم عما لا يريدون لي أن أسمعه وأعرفه، وهم يسمون تلك اللغة الخاصة اللغة السيوية، لكني كنت أعرف مقدما أنها هي نفسها اللغة الأمازيغية التي يتكلمها كثيرون ممن سماهم العلامة ابن خلدون البربر- أي الأمازيغ، وهم سكان منطقة شمال إفريقيا قبل دخول الإسلام الذي أصبحوا جميعا يدينون به بعد انتشاره بينهم، وهكذا ينقسم سكان دول موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا إلى مجموعتين بشريتين كبيرتين، المجموعة الأولى هم العرب أو من ينتمون إلى أصول عربية، والمجموعة الثانية هم البربر أو الأمازيغ الذين كانوا يعيشون في ترابط وانسجام مع أبناء المجموعة الأولى – العربية، لكن بعض هؤلاء أرادوا أن تكون لغتهم الخاصة الأمازيغية لغة رسمية ومعترفا بها إلى جانب اللغة العربية، وقد ساندتهم فرنسا في هذا الاتجاه، وهي التي كانت تحتل معظم تلك الدول العربية، وما تزال هناك مشكلات وحساسيات وحزازات، تبدو كامنة ومخبوءة في الصدور أحيانا، وقد تتفجو في أحيان أخرى، لكنها كلها تشكل ما أسميه بالقنابل الموقوتة التي ينفجر بعضها بين حين وآخر، ويبقى سؤال يتطلب إجابة كافية ووافية: هل هناك قنابل موقوتة مشابهة في واحة سيوة المصرية؟ هذا هو السؤال، أما الإجابة فإنها مؤجلة إلى الخميس القادم هنا في الشرق، فإلى لقاء.

364

| 28 فبراير 2013

أبو العلاء المعري والتمثال المغتال

شهدت سوريا سنة 1944 مهرجانا شعريا رائعا، أحياه حشد من الشعراء العرب الكبار، في صدارتهم محمد مهدي الجواهري، وقد أقيم ذلك المهرجان في أجواء انقضاء ما يقرب من ألف سنة على غياب الشاعر العبقري أبي العلاء المعري، وكان عميد الأدب العربي طه حسين في صدارة الحاضرين، حيث تبرع - وقتها - بخمسة آلاف جنيه لإتمام بناء قبر المعري وفقا لما رواه الجواهري في كتابه الضخم- ذكرياتي، ولم يكن الشعراء والأدباء هم وحدهم الذين احتشدوا في سوريا خلال ذلك المهرجان، إذ تمت إزاحة الستار عن تمثال بديع متخيل لأبي العلاء المعري في مدينة معرة النعمان التي عاش المعري فيها طيلة حياته دون أن يغادرها إلا مرة واحدة، توجه فيها إلى بغداد، أما التمثال فهو من إبداع النحات السوري فتحي محمد قباوة. ألقى الجواهري قصيدة عصماء، تتجاوز مائة بيت، وهي من روائع شعره، وكان طه حسين يجلس إلى جواره مباشرة على منصة الاحتفال، منتشيا بسحر أبيات تلك القصيدة التي استهلها الجواهري قائلا: قفْ بالمعرّةِ وامسحْ خدها التربَا واستوحِ مَن طوّقَ الدنيا بما وهبا واستوحِ مَن طيّبَ الدنيا بحكمته ومَن على جرحها مِن روحه سكبَا هذا ما كان سنة 1944 وهي إحدى سنوات ازدهار الثقافة العربية بكل ما تضمه وتحتضنه في فنون الشعر والأدب والفلسفة والفن التشكيلي، وقد ظل هذا الازدهار موصولا وفعالا حتى عقد الستينيات من القرن العشرين الغارب، ومن بعد هذا العقد أخذ الانحدار يتوالى ويتسيد الساحة الثقافية العربية، إلى أن وصلنا إلى ما نحن فيه الآن، ومن الدوحة جاءني صوت الصديق الغالي ناصر محمد العثمان - عميد الصحافة القطرية، وأحسست من خلال نبرات صوته الأسيانة أن هناك ما يحزنه، ولم يكن إحساسي خائبا، إذ قال لي: أتعرف ما جرى لتمثال أبي العلاء المعري- الشاعر العبقري الذي تفخر بأنك تحفظ الكثير من روائعه؟ وعلى الفور قلت له إن المتشنجين بينهم وبين الثقافة والإبداع عداوة، لأن التشنج ضد الثقافة على طول الخط، وهذا ما يتأكد في أجواء هذا الزمن المنحط! في سوريا- سنة 2013 قام المتشنجون بقطع رأس تمثال أبي العلاء المعري، وهو التمثال الذي صممه – كما ذكرت- الفنان السوري فتحي محمد قباوة، أما لماذا فهذا راجع – في العقلية المتبلدة المحنطة والمنحطة- إلى أن المعري شاعر حائر، ولم يكن مستقرا على يقين، وعلى أي حال فإن ما جرى للتمثال المغتال في مدينة معرة النعمان السورية، هو نفس ما تعرض له تمثال طه حسين في مدينة المنيا المصرية، وفي الحالتين قيل إن مجهولين هم الذين ارتكبوا ما ارتكبوه، لكن هناك آخرين ليسوا مجهولين، وإنما هم معروفون قاموا بالعبث ببعض المقتنيات الموجودة في ضريح الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر في حدائق القبة بالقاهرة، وكان متشنجون آخرون قد قاموا بإسقاط تمثال عبد الناصر في مدينة طرابلس الليبية! لم يبق إلا أن أقول لعميد الصحافة القطرية ناصر محمد العثمان ولسواه من الحزانى: لا تحزنوا، فالحضارة الإنسانية بكل ما تضمه وتحتضنه وتحتويه ليست قابلة للضياع، حتى لو احتشد لتدميرها كل المتشنجين الذين في قلوبهم مرض، وعلى عيونهم وعقولهم غشاوة مشبعة بالعطن وبالعفن، فلو أن هؤلاء حطموا التماثيل الرائعة لرموز الفكر والثقافة والوطنية، فإنهم مهما فعلوا وارتكبوا لن يستطيعوا أن يقضوا على بيت واحد من أبيات سقط الزند ولزوم ما لا يلزم للمعري، ولن يستطيعوا أن يحذفوا سطرا واحدا من أيام طه حسين أو من تراثه الفكري والأدبي الرفيع والبديع، ولن يستطيعوا أن يدمروا السد العالي الذي بناه أبناء مصر خلال ملحمة النضال الوطني العربي بزعامة عبد الناصر. إن عقلية التشنج عقلية واحدة في كل مكان وكل زمان، فما يرتكبه المتشنجون الآن على امتداد الأرض العربية، هو امتداد لما ارتكبه المتشنجون في أوروبا- العصور الوسطى وما بعدها، حيث كانت حملات التفتيش عما في ضمائر وقلوب العرب والمسلمين في عنفوان سطوتها وشدتها بعد سقوط الأندلس في إسبانيا، وفيما بعد عاد العقل لأوروبا، وارتفعت شعارات الحرية والعدالة والمساواة، وهو ما يسعى العقلاء والثوار العرب لأن يتحقق مهما تكن التضحيات موجعة ومريرة، ومهما تكن التكاليف باهظة وكبيرة.

1913

| 21 فبراير 2013

سميح شقير.. هذا الفنان الإنسان

هناك لحظات متوترة، تتفجر فيها مشاعر متناقضة في أعماقنا تجاه أحداث ووقائع حاسمة، ولا يشفع للإنسان فيها أن يتردد أو أن يكون محايدا،فلا بد له أن يختار ما بين الأبيض أو الأسود، وليس أن يحتال بالوقوف عند دائرة الرمادي ما بين أبيض وأسود، وهذا ما أدركه الفيلسوف الفرنسي الشهير جان بول سارتر، فلم يكن أمامه إلا أن يقف مناصرا ومؤيدا للاحتلال الفرنسي الجاثم على تراب الجزائر، أو أن يقف مع جبهة التحرير الجزائرية التي كانت تقاتل ضد هذا الاحتلال لكي يتحقق للجزائر الاستقلال، وقد اختار سارتر أن يقف مع الحرية، وكتب كتابا مهما، حدد فيه موقفه الواضح بعنوان: عارنا في الجزائر. كان بإمكان سارتر أن يكتفي بما أنجزه من مؤلفاته العميقة في ميدان الفلسفة الوجودية، ومن أبرزها كتابه الضخم- الوجود والعدم، لكن وجدان الإنسان وطبيعة المثقف الملتزم دفعاه للوقوف مع الحرية دون أي تردد أو تحايل، وخلال مرحلة المد القومي والثوري في أرضنا العربية، كان لدينا فنانون جادون وملتزمون، من أشهرهم في مصر الشيخ إمام، وفي لبنان مارسيل خليفة، وفي العراق فرقة الطريق وفؤاد سالم، وفي سوريا سميح شقير الذي كنت أتابعه بكل تقدير وإعجاب منذ بداية سطوع نجمه في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين الغارب، لكني- وقتها- لم أكن أعرف الكثير عن حياته، برغم أني كنت أحفظ الكثير من أغنياته، وأهديها لأصدقائي الذين يتغنون بالحرية ويحبون الفن الجاد الذي لا يدغدغ العواطف، بقدر ما يشارك في تحديد المواقف. إذا كانت الأغنية تتشكل من تلاقي الموسيقى مع الكلمات والصوت، بمعنى أن هناك موسيقارا وشاعرا ومطربا مؤديا، فإن سميح شقير يتفرد ويتميز بأنه هو الذي يكتب كلمات أغانيه وهو الذي يلحنها ويقوم بغنائها في وحدة فنية متجانسة وشاملة، وإذا كان هناك من ينغمسون في الطائفية، خصوصا في هذا الزمن الذي تناثر فيه أبناء العروبة شيعا متنافرة وطوائف متناحرة، فإن سميح شقير الذي ولد في مدينة السويداء الشهيرة، كما ينتمي للطائفة الدرزية، ليس طائفيا ولا مذهبيا، وإنما هو إنسان عربي أصيل، يوظف طاقاته الفنية والإنسانية لخدمة قضايانا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي نسيها أو تناساها كثيرون منا في زحام الفوضى والاضطرابات التي لم يعد يخلو منها مكان،لكن سميح شقير منذ نحو سنتين لم يعد سميح شقير الذي عرفه متابعوه ومحبوه قبل هاتين السنتين! كان سميح شقير يشارك مشاركة فعالة وصادقة في حلقات النضال الشوري ضد القوى الخارجية المعادية لتطلعات جماهير الأرض العربية، لكنه منذ نحو سنتين أدرك أن النضال الثوري لم يعد ضد أعداء الخارج وحدهم، فهناك طغاة مستبدون موجودون في الداخل، وكما وقف جان بول سارتر ضد سياسة وطنه فرنسا خلال حرب تحرير الجزائر، فكذلك وقف سميح شقير- بكل شجاعة- إلى جانب الانتفاضة السورية التي كانت انتفاضة سلمية في البداية، لكن النظام السوري واجه المتظاهرين السلميين بالدبابات والطائرات، فاستشهد الأطفال ومعهم الأمهات، ولم يكن هناك مجال لأن يتردد الفنان الملتزم، أو أن يكون محايدا، فكان على سميح شقير أن يختار ما بين الأبيض والأسود،لا أن يحتال بالوقوف عند دائرة الرمادي ما بين أبيض وأسود، ومن هذا المنطلق انبثقت أغنية- يا حيف- الشهيرة والمؤثرة، وهي الأغنية التي انبثقت من قلب وعقل صاحبها في أعقاب المجزرة الدموية التي شهدتها مدينة درعا، وأعترف بأني قد بكيت بكاء مرا حين استمعت إلى هذه الأغنية لأول مرة، وستظل – يا حيف- نموذجا لاندماج الفنان الإنسان مع قضايا الجماهير المتطلعة للحرية والكرامة الإنسانية.

788

| 14 فبراير 2013

alsharq
جريمة صامتة.. الاتّجار بالمعرفة

نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...

6435

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6390

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3840

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2955

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2859

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1860

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1650

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1575

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

996

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

993

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...

990

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

987

| 21 أكتوبر 2025

أخبار محلية