رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مطر خريفيٌّ.. وجوهٌ مسرعاتٌ خائفة تجري على الطرقات، تطمع بالوصول إلى الديار وتحثُّ أرجلَها لتنجو من فحيح العاصفة وظلالُها تعدو على أرضٍ مخضبة بدم في لحظةٍ.. يطغَى انفجار لم يبقَ من هذي الوجوه سوى ظلالٍ للعدم 2 ) الموج يصرخ هائجَ القُطعانِ يجرفُ ما أمامه إلاَّ حمامة فطنَتْ لِمَا ينوي فطارت للبعيد واجتاحها فرحُ الحياة فرفرفتْ ترجو المزيد كادت تحط على حدود العش إذْ تحلو الإقامة لكنها سقطتْ على أرضٍ تخاصمها السلامة ( 3 ) وأغوص في بحر العيون أصطاد من أعماقه في كل غوصٍ لؤلؤة لكنها في الليل تُفلتُ من يدي لتنام في البحر العميق يبقى بقلبي من ملامستي لها بعضُ البريق فأظل قرب المدفأة متسائلاً عن سر غيبتها وعمَن لا يصون.. ومَن يصون؟ ( 4 ) تنسابُ موسيقى من الأفق المطرز بالنجوم الهائمة تتجمع الأنغامُ حولي أَنهرا مترقرقة فيمسني فرحُ الحياة وأُطلِقُ العصفورَ من قفصِ الضلوع وأنام مبتهجاً لأصحو بعد كابوسٍ يطوقني بحبل المشنقة الصبح يولد ميتاً.. ما من صراخ أو دموع الطائرات تصبُّ سيلَ جنونها فوق البيوت النائمة ( 5 ) ما بين لهفتها وحيرةِ طفلها شبحٌ يحاول أن يعود خوفاً على الطفل اشتهتْ أن تهجر الأرضَ الغنيَّة بالجثث النهر يبكي.. والنخيل يحاول الإفلات من أيدي الجنود يتساءل الحكماء عمَّا قد حدث وكأنهم لا يبصرون دماً على أرضِ تطالبها القنابلُ بالسجود أمٌّ وطفلٌ.. يسقطان على الحدود ولم يعد لهما وجود ( 6 ) يغفو الفَراشُ على فِراش الورد حيناً ثم يحمله الهواء ورفيفُ أجنحةٍ ملونةٍ بنورِ الروح إن سطَعَ الأمل والنحل يرشف من كؤوس الزهر تُسكره القُبل لكنَّ عيني تستفيق على موائدَ من دماء فوراء كل غزالةٍ.. تعدو الذئابُ بلا انتهاء والأرض تنصتُ للعواء! ( 7 ) للأرض جاء الأنبياء من السماء جاءوا بأحلامٍ منورةٍ وأشواقٍ إلى لغةٍ بها يتنفسون ويفوحُ من هالاتِهَا عطرُ المحبة والنقاء لكنَّ من يتجبرون توضأوا بالزور واندفعوا لِمَا يتصيدون غابت وجوه الأنبياء والأرض عادت غابةً حمراءَ تكسوها الدماء!
965
| 07 أغسطس 2014
أُحبّ الغناءَ الذي يفتح البابَ للحب في ليلة راكدةفيحلو التنهد .. يحلو التجدد بعد التجمدِ .. تصحو الحياةوتهدي لمن يعشقون مواعيدَ حبّ مع الفرحة الشاردة لينهضَ كلّ، هنا أو هناك، إلى مبتغاهإلى عالمٍ شاسعٍ يستحث الخطى للمسير بكل اتجاهمع الأمنيات التي تتلكأ والأمنيات التي ترصد القمم الخالدةوحيث يوجهني اللحن أمشي وتحملني للبعيد خطايعلى عزفِ عودٍ، على قرعِ طبلٍ، على صوتِ نايأحب الغناء ولكنه لا يحب أدائيفأبكي ويشفع لي عن أدائي بكائي*** أحب الطبيعةَ، أعشق فيها التنوعَ عند اختلاف الفصولأحب الشروقَ يطل – برفقٍ- على الصحراءونحن نمرّ بواحةِ نخلٍ وأشجارِ تينٍ وآبارِ ماءأحب الغروبَ على البحر، حيث أظل أشيعه في ذهولأحب الجبالَ التي تكتوي باندفاع السيولولكنها تستعيد الذي ضاع من كبرياءأحب الطبيعةَ، لكنها لا تحب الفضولفتحجب عني مفاتن أعضائها المشتهاةوتُخجلني حين تهمسُ: كيف قطفتَ من الغصن زهرة؟لماذا تعكر صفوَ المياه؟لماذا نزعتَ من التل صخرة؟لماذا تحاول إيقاظَ طيرٍ ينام سعيدا على شجراتيأحب الطبيعة، لكنها لا تحب فضولي ولا نظراتيفتأمرني: يا فضوليّ أبعدْ رؤاك الغريبةَ عن قسماتي*** أحب النساءَ بغير انتهاءولكنهن – كما الزهر والطير- لسنَ سواءأحاول بالوهم مزجَ ملامحهن الحسان كما أشتهيأحولهن إلى امرأةٍ حلوةٍ واحدةيمر زمان ويأتي زمان ولا تنتهييمر شتاء وصيف، ربيع، خريف وتبقى هي الخالدةوأبقى أحاولُ نسج الملامح رغم العناء وهول الظلاموحين أضيقُ بما يحتويني وما أبتغيهألوذ بحزن الحيارى وأهربُ من كل ما أشتهي كي أناموحين أنام يفاجئني في مناميَ كل الذي أشتهيه
887
| 31 يوليو 2014
تتكرر أيامٌ .. وتغوص بغيرِ رثاء في هاوية الزمن السوداءتتكرر ليلاتٌ، يقتل فيها من يقتل، أو يسهر من يسهرأسهر – وحدي – حتى يولد فجرٌ.. فأنامويظل النوم يطوقني حتى أصحوفأحاول أن أتجدد، أن أنزع عني قيد الأيام وأجرب أن أستبشر بالنور الساطعوكأني أصحو كي أمحو آثارَ الأمسِ عن النفسِ وأبحرَ بالأشواقنحو موانئ لم أدخلها من قبللا أعرف فيها إنساناً، أو يلقاني صبحٌ وأفارقه في ليلليرفرف قلبي مرتحلاً، في الليل إلى شتّى الآفاقما بين الصبح وبين الليل يداهمني خوفٌ عاصففأراني أطفو في موج الزمن الجارفأطفو كالقشةأتحرك.. لكن دون إرادةويظل الموج يراوغني يبدو كأرقّ وسادةيهمس قلبي من عمق الدهشةأهلاً بالحبإن كان الموجُ يحب القلبأنظرُ حولي.. أسأل: ماذا لو كان البحر بلا شطآن؟!ماذا لو كان الكون بلا جدران ليست مرئية؟لو كان بإمكان الإنسانأن يخلق ما يبغي أو يبعد عنه الخوف من الطوفان؟لو بالإمكانلرأيت صخورَ الأرض حدائقَ سحريةوتراءى الناس طيوفاً تنبض حرية!
934
| 24 يوليو 2014
أُحبّ الغناءَ الذي يفتح البابَ للحب في ليلة راكدةفيحلو التنهد.. يحلو التجدد بعد التجمدِ.. تصحو الحياةوتهدي لمن يعشقون مواعيدَ حبّ مع الفرحة الشاردةلينهضَ كلّ، هنا أو هناك، إلى مبتغاهإلى عالمٍ شاسعٍ يستحث الخطى للمسير بكل اتجاهمع الأمنيات التي تتلكأ والأمنيات التي ترصد القمم الخالدةوحيث يوجهني اللحن أمشي وتحملني للبعيد خطايعلى عزفِ عودٍ، على قرعِ طبلٍ، على صوتِ نايأحب الغناء ولكنه لا يحب أدائيفأبكي ويشفع لي عن أدائي بكائي*** أحب الطبيعةَ، أعشق فيها التنوعَ عند اختلاف الفصولأحب الشروقَ يطل – برفقٍ- على الصحراءونحن نمرّ بواحةِ نخلٍ وأشجارِ تينٍ وآبارِ ماءأحب الغروبَ على البحر، حيث أظل أشيعه في ذهولأحب الجبالَ التي تكتوي باندفاع السيولولكنها تستعيد الذي ضاع من كبرياءأحب الطبيعةَ، لكنها لا تحب الفضولفتحجب عني مفاتن أعضائها المشتهاةوتُخجلني حين تهمسُ: كيف قطفتَ من الغصن زهرة؟لماذا تعكر صفوَ المياه؟لماذا نزعتَ من التل صخرة؟لماذا تحاول إيقاظَ طيرٍ ينام سعيدا على شجراتيأحب الطبيعة، لكنها لا تحب فضولي ولا نظراتيفتأمرني: يا فضوليّ أبعد رؤاك الغريبةَ عن قسماتي*** أحب النساءَ بغير انتهاءولكنهن – كما الزهر والطير- لسنَ سواءأحاول بالوهم مزجَ ملامحهن الحسان كما أشتهيأحولهن إلى امرأةٍ حلوةٍ واحدةيمر زمان ويأتي زمان ولا تنتهييمر شتاء وصيف، ربيع، خريف وتبقى هي الخالدةوأبقى أحاولُ نسج الملامح رغم العناء وهول الظلاموحين أضيقُ بما يحتويني وما أبتغيهألوذ بحزن الحيارى وأهربُ من كل ما أشتهي كي أناموحين أنام يفاجئني في مناميَ كل الذي أشتهيه
1388
| 17 يوليو 2014
تتكرر أيامٌ .. وتغوص بغيرِ رثاء في هاوية الزمن السوداءتتكرر ليلاتٌ، يقتل فيها من يقتل، أو يسهر من يسهرأسهر – وحدي – حتى يولد فجرٌ.. فأنامويظل النوم يطوقني حتى أصحوفأحاول أن أتجدد، أن أنزع عني قيد الأيام وأجرب أن أستبشر بالنور الساطعوكأني أصحو كي أمحو آثارَ الأمسِ عن النفسِ وأبحرَ بالأشواقنحو موانئ لم أدخلها من قبللا أعرف فيها إنساناً، أو يلقاني صبحٌ وأفارقه في ليلليرفرف قلبي مرتحلاً في الليل إلى شتّى الآفاقما بين الصبح وبين الليل يداهمني خوفٌ عاصففأراني أطفو في موج الزمن الجارفأطفو كالقشةأتحرك.. لكن دون إرادةويظل الموج يراوغني يبدو كأرقّ وسادةيهمس قلبي من عمق الدهشةأهلاً بالحبإن كان الموجُ يحب القلبأنظرُ حولي.. أسأل: ماذا لو كان البحر بلا شطآن ؟!ماذا لو كان الكون بلا جدران ليست مرئية ؟لو كان بإمكان الإنسانأن يخلق ما يبغي أو يبعد عنه الخوف من الطوفان ؟لو بالإمكانلرأيت صخورَ الأرض حدائقَ سحريةوتراءى الناس طيوفاً تنبض حرية !
988
| 10 يوليو 2014
ما عدوك إلا ابن كارك .. هذا مثل شعبي مصري، معناه أن أبناء المهنة الواحدة لايحبون بعضهم، والحقيقة أن هذا ما نلاحظه في عالمنا العربي عموما وفي مصر خصوصا، فمن النادر أن نجد طبيبا ناجحا يمدح طبيبا آخر لايقل عنه في مستوى النجاح، ومن الصعب أن نجد مهندسا بارعا يتحدث – بحب– عن سواه من المهندسين البارعين، أما الشعراء فإنهم يتصافحون وقد يتعانقون حين يلتقون في الأمسيات التي تجمعهم، لكن كل شاعر منهم يتصور في قرارة نفسه أنه الأعظم والأروع، وأن الآخرين أقل مرتبة منه!كم من مكائد، دبرها الشعراء اللؤماء في زمان المتنبي، لكي يسيئوا إلى هذا العبقري، لكنه كان يواجه كل مكيدة ببيت واحد أو عدة أبيات من قصيدة، تريهم كم هم أقل منه شأنا ومرتبة وموهبة، حيث يتعثرون ويرتبكون بمجرد أن يصرخ هو فيهم صرخة واحدة من صرخاته الحادة المدوية، وتتواصل صرخاته في وجوههم: وعداوة الشعراء بئس المقتنى، وعلى الرغم من أن المسافة الزمنية بيننا وبين زمان المتنبي تزيد على ألف سنة، فإن الشعراء الكبار في زماننا قد استمعوا بالتأكيد لصرخات المتنبي، فمنهم من يأخذ حذره وهو يواجه المكائد، ومنهم من يفضل أن يبتعد تماما عن وجوه هؤلاء، مكتفيا بأن يترفع وأن ينشغل بإبداعه الشعري، وهذا ما يفعله الشاعر الكبير والإنسان الجميل فاروق شوشة، مفضلا أن يتجاهل الصغائر والسفاسف، وكأنه يتحدى المتنبي ذاته، ولا يتوقف كثيرا أو قليلا عند صرخته المدوية : وعداوة الشعراء بئس المقتنى، ربما لأنه يدرك أن الأنا وحدها لا يمكنها أن تصنع ما نريده لنا!يتحصن فاروق شوشة بالإبداع، حيث يقوم باكتشاف الكنوز المطمورة من تراثنا الشعري، وهو ما يتجلى في كتابه الرائع لغتنا الجميلة الذي صدر في أربعة مجلدات فخمة وضخمة عن وزارة الثقافة والفنون والتراث في قطر، بعد أن تحمس له عاشق لغتنا العريقة الدكتور حمد عبد العزيز الكواري وزير الثقافة والفنون والتراث، وفاروق شوشة يكتب بكل الحب والإكبار عن شعرائنا العرب المرموقين والكبار، كما يكتب – دون استعلاء – عن شعراء الأجيال العربية الجديدة، وفي نفس الوقت فإنه يتابع الساحة الثقافية والأدبية والفنية بكل دقة، دون أن ينغمس في صراعات ناسها، ممن يدبرون المكائد وينصبون شباك الدسائس، وهم جميعا من طراز الناس الذين تأفف منهم أمير الشعراء شوقي، حين قال مخاطبا أمثالهم : وفيم يكيد بعضكم لبعض – وتبدون العداوة والخصاما ؟!منذ فترة قريبة، سعدت من أعماق القلب، حين قرأت عملين جديدين من إبداع فاروق شوشة – هذا الشاعر الكبير والإنسان الجميل، وهذان العملان هما : وجوه في الذاكرة – لوحات شعرية، والرحيل إلى منبع النهر، لكني لم أندهش بعد أن لاحظت أن النقاد لم يتحدثوا بما فيه الكفاية عن هذين العملين الرائعين، لماذا لم أندهش ؟ لم أندهش لأن أزمنة الفوضى لا تتيح – حتى للجادين من الناس – فرصة الاستمتاع بما هو جميل ونبيل!
1616
| 19 يونيو 2014
من البديهي أن الكبار هم الذين يختارون للصغار أسماءهم حين يولدون، ولأن أذواقنا مختلفة فإن من الكبار من يختارون لأبنائهم أسماء عجيبة أو غريبة أو تجعلنا مندهشين ونحن نتساءل عن معاني تلك الأسماء. حين أنجبت الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة ابنها البكر والوحيد اختارت أن تسميه: البراق، ولو أردنا أن نعرف سر تلك التسمية فلا بد أن نتذكر أن نازك الملائكة كانت تعشق صوت أسمهان، خصوصا وهي تغني قصيدة مؤثرة، مطلعها : ليت للبراق عينا فترى- ما ألاقيه من بلاء وعنا... أما ما يعنيني هنا فهو اسم غيلان، فهو اسم غير شائع في أرضنا العربية بصورة عامة، ومع هذا فإن الشاعر الرائد الكبير بدر شاكر السياب قد سمى ابنه هذا الاسم غير الشائع، من فرط إعجابه بالشاعر الأموي الرائع غيلان الذي رسم في قصائده لوحات فنية موحية ومدهشة. نعرف أن بدر شاكر السياب قد رحل عن عالمنا يوم 24 ديسمبر سنة 1964 وقد تنبهت أوساط ومؤسسات ثقافية عربية إلى أن هذه السنة-2014 – تمثل ذكرى مرور نصف قرن على ذلك الرحيل الفاجع، ومن هذا المنطلق أقام اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ندوة مهمة:، كان المحاضر الأساسي فيها الشاعر الكبير فاروق شوشة، كما استضاف الاتحاد غيلان ابن الشاعر الرائد الكبير، والذي كان في السابعة من عمره حين ودع والده دنيانا، بينما كان فاروق شوشة أثناء عمله بالكويت يلتقي مع السياب بانتظام خلال الأشهر التي سبقت رحيله، ومن هنا كان فاروق شوشة متأثرا أعمق التأثر وهو يلتقي بغيلان خلال الندوة التي جمعت بينهما في الإمارات، وقد كتب عن هذا اللقاء وتلك الندوة مقالا متميزا وفياضا بالروح الإنسانية الحقة، واختتمه قائلا:ولسوف تبقى القصيدة السيّابية، الغنية بعروبتها الأصيلة، البعيدة عن الهجنة والغرابة وشبهة الترجمة، وحسّها الوطنى والقومى والإنساني، علامة فارقة فى ديوان الشعر الحرّ أو الجديد كله، تحتلُّ منه موضع الصدارة والتفرُّد، وتحظى بالمكانة اللائقة بها، ريادة شجاعة، وإبداعًا دائم القدرة على التجدُّد والحياة.حين ولد غيلان بدر شاكر السياب يوم 23 نوفمبر 1957 فرح الشاعر الرائد الكبير بقدوم من سيحمل اسمه ويخلد ذكراه على الصعيد الإنساني، فكتب قصيدة مطولة، نشرتها مجلة الآداب البيروتية، وفيها يقول: يا سلم الدم والزمان من المياه إلى السماءغيلان يصعد فيه نحوي من تراب أبي وجديويداه تلتمسان ثم يدي وتحتضنان خديفأرى ابتدائي في انتهائي...إنها دورة الحياة.. شاعر رائد كبير لا تتيح الحياة له سوى أن يعيش أكثر من ثمان وثلاثين سنة، ومع هذا فإنه استطاع بعبقريته أن يخلف لجمهور الشعر العربي نتاجا شعريا بالغ الروعة، سنظل جميعا نتذوقه ونستمتع به، ونكاد نستمع عبر الآفاق البعيدة غير المرئية إلى صوته الواهن الحزين وهو يلقي بعض قصائده ولو بعد غياب خمسين سنة بالتمام والكمال، وبعد كل هذا الغياب يأتي الابن البار غيلان ليتحدث عن أبيه، بينما يضيف الشاعر الكبير فاروق شوشة ما أضافه من رصيد إنساني متجدد خلال ندوة الإمارات.
1832
| 12 يونيو 2014
حين تكون السلطة المركزية في أية دولة في حالة قوة، فإن قدرتها على ضبط إيقاع المجتمع تظل قدرة فعالة ومؤثرة، كما تظل مكونات المجتمع وأطيافه المتنوعة في حالة انسجام أو على الأقل في حالة تعايش هادئ، أما حين تصاب تلك السلطة المركزية بالوهن والضعف أو يتم إسقاطها، فإن التنافر يبدو واضحا جليا بين مكونات المجتمع، كما تشعر الأقليات بقدر كبير من الهلع والفزع، فتبدأ على الفور بالبحث عن أطواق نجاة لعلها تنجو من الطوفان المجهول القادم، وقد تكون تلك الأطواق مشروعة أو غير مشروعة، وإذا كان التاريخ الإنساني بمثابة سياسة لكنها سياسة متجمدة، كما أن السياسة هي تاريخ لكنه في حالة سيولة، فإننا نستطيع لو قلبنا صفحات التاريخ أن نتعرف من خلالها على ما جرى فيما مضى وأن نرى وجوه التشابه والتلاقي بين ذلك الذي جرى وبين ما يجري وما يزال جاريا حتى الآن. من هذا المنطلق، نستطيع أن نتذكر حكاية ( اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها ) كما سردها المؤرخ الكبير إدوارد جيبون، ونستطيع التعرف على أسرار انزلاق الحضارة العربية الإسلامية من الازدهار إلى الاندحار حتى من قبل سقوط عاصمتها بغداد في أيدي المغول.. أما على صعيد الانتفاضات والثورات الشعبية، فإن التاريخ يؤكد لنا جميعا أنها لم تنجح ولم تحقق أهدافها وغاياتها بشكل حاسم إلا بعد أن مرت بأوقات مريرة وصعبة، سادت الفوضى خلالها في كل مجالات الحياة، فخلال الثورة الفرنسية الشهيرة التي تعد أم الثورات في أوروبا كانت الخلافات في الرأي تحتدم بين الثوار أنفسهم، بل إن أقواهم كان يفصل رؤوس أفراد الفريق المخالف عن أجسادهم بآلة الرعب القديمة - المقصلة، حيث ذاع المثل القائل: الثورة كالقطة تأكل أبناءها! لو ركزنا الحديث على مصر أثناء مرحلة خروجها من ظلمات عصر المماليك، وبالتحديد حين قامت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت باحتلال مصر، فإننا نستطيع التعرف على ملامح الفوضى المرعبة، وكلها ملامح عاشها ورصدها المؤرخ المصري العظيم عبد الرحمن الجبرتي في كتابه الضخم ( تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار) فهو – على سبيل المثال- يشير إلى أحوال مصر قبل احتلال الفرنسيين لها مباشرة، فيقول بالحرف الواحد وبأسلوب السجع الذي كان شائعا وذائعا في زمانه: إن سنة 1213 هجرية هي أولى سنوات الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة، والوقائع النازلة والنوازل الهائلة، وتضاعف الشرور وترادف الأمور وتوالي المحن واختلال الزمن، وتتابع الأهوال واختلاف الأحوال، وفساد التدبير وحصول التدمير.. وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون .السؤال الآن: أليس هذا الذي جرى مما عاشه ورصده الجبرتي يكاد يكون هو نفس الذي عشناه وما زلنا نرصده في مصر عبر الأيام والشهور التي تلت يوم الخامس والعشرين من يناير سنة 2011؟ .. أليست ملامح الفوضى التي سادت هي نفس الملامح التي تسود الآن؟ .. لكأني أتصور وجود صلات من الدم والقرابة بين البلطجية وقطاع الطريق والعربان الذين تحدث عنهم الجبرتي وبين الذين جاءوا من بعدهم، وكأن القدامى قد تناسلوا وتكاثروا، فأصبحوا أجدادا، يقتدي الأحفاد بجرائمهم، فيكررون ما سبق للأجداد أن ارتكبوه، وهكذا يمكننا أن نتذكر – ونحن نقلب صفحات التاريخ - المثل العربي القائل : من شابه أباه فما ظلم !
1898
| 06 يونيو 2014
خلال حياتهم القصيرة أو الطويلة، تتفاوت حظوظ الناس أجمعين، وكذلك الحال فيما يتعلق بشعرائنا العرب على امتداد عصور الأدب العربي، منذ العصر الذي نسميه – ظلما – العصر الجاهلي حتى عصرنا الحديث. هنا أتذكر شاعرين عاشا صديقين حميمين وكانا ينتميان لجيل واحد – جيل الرومانسية العربية، فقد حظي أحدهما وهو علي محمود طه بحفلات تكريم عديدة كما كانت دواوينه تطبع طباعة فاخرة، فضلا عن تغني المطربين والمطربات بقصائده، أما الشاعر الثاني وهو الدكتور إبراهيم ناجي فكان يتمنى أن تغني أم كلثوم ولو قصيدة واحدة من شعره، لكن أمنيته لم تتحقق إلا بعد رحيله عن دنيانا، ومما يدعو للعجب أنه أصبح شهيرا ومرموقا بعد رحيله، بينما نسي الناس علي محمود طه .وفي أجواء معايشتنا لذكرى مرور نصف قرن بالتمام والكمال على رحيله ، أظن أن كثيرين يتذكرون معي بدر شاكر السياب – الشاعر الكبير الذي رحل عن عالمنا يوم 24 ديسمبر سنة 1964 بعد أن عاش حياة قصيرة لم تتجاوز ثماني وثلاثين سنة، لكنها رغم قصرها كانت شديدة الوطأة على روحه المرهفة من فرط ما ألم به من محن متعاقبة، وعلى سبيل المثال فإنه ذاق مرارة اليتم وهو في السادسة من عمره عندما فقد أمه، ثم فقد جدته التي كانت ترعاه وتحنو عليه، وقد ظلت مشاعر اليتم والفقد تسيطر عليه دون أن يستطيع التملص والتخلص منها، وكم من مرة حاول فيها – خلال مرحلة دراسته الجامعية – أن يخترع قصص الحب الرومانسي، لكنه كان يدرك بعدها أنه لا يخدع أحدا بتلك القصص بقدر ما يخدع نفسه، ومن قصائد تلك المرحلة الجامعية قصيدة حلوة، كتبها بعد أن استعارت منه إحدى زميلاته مخطوط ديوان شعره ، حيث ظل يحسد الديوان رغم أنه صاحبه ومبدع قصائده : يا ليتني أصبحت ديواني أختال من صدر إلى ثان قد بت من حسد أقول له يا ليت من تهواك تهواني ألك الكؤوس ولي ثمالتها ولك الخلود وإنني فان !وبعيدا عن الحب الذي ظل يخترعه ويتصور أنه واقع حي ينعم به ، فإنه تعرض للملاحقة وللسجن أكثر من مرة بسبب نشاطاته السياسية ، كما فر من وطنه العراق إلى إيران وإلى الكويت، وفي السنوات الأخيرة من حياته داهمه مرض غريب وغامض ، حير الأطباء واضطره إلى كتابة قصائد مدح يشيد فيها بمنجزات عبد الكريم قاسم لكي يساعده ذاك الذي كان يلقب بالزعيم الأوحد بالمال الذي يكفل له أن يشتري ما يلزم من دواء !وعلى الرغم من غزارة عطاء بدر شاكر السياب ، فإنه لم يظفر إلا ببعض المقالات الصحفية المتسرعة طيلة حياته، لكن الغريب والعجيب أن النقاد والأدباء أخذوا يتسابقون في الكتابة عنه بعد رحيله عن عالمنا، ولم يقتصر الأمر على الساحة الأدبية العراقية وحدها بل تجاوزها إلى سائر الأرض العربية، كما أن كثيرين من المستشرقين قد كتبوا عنه ومن بينهم المستشرق الفرنسي جاك بيرك، أما من العرب فيكفي أن نذكر ممن كتبوا عن هذا الشاعر العظيم أسماء الدكاترة إحسان عباس وعيسى بلاطة وعز الدين إسماعيل ولويس عوض ، فضلا عن رسائل الماجستير والدكتوراة التي أعدها باحثون أكاديميون ، وهم من جنسيات عربية متعددة ، وباختصار فإن الشاعر الذي لم بنل ما يستحقه من تكريم طيلة حياته القصيرة قد أصبح بعد رحيله اسما مرموقا على امتداد الأرض العربية كلها وهكذا تتفاوت حظوظ الناس ومن بينهم الشعراء!
2432
| 29 مايو 2014
كثيرة هي الألقاب التي تقترن ببعض أهل الحظوة أو أصحاب السطوة في شرقنا العربي، وليس شرطا أن يكون اللقب دالا دلالة منطقية على من اقترن بهذا اللقب، وهناك بيتان شهيران قالهما شاعر أندلسي، متهكما وساخرا من الأمراء الأندلسيين الذي فقدوا نفوذهم المعنوي والمادي، لكنهم ما زالوا يتلذذون بالألقاب الزائفة التي كانوا قد حصلوا عليها أيام الحظوة والسطوة،وفي هذين البيتين نسمع صوت السخرية عاليا:مما يزهدني في أرض أندلسألقاب معتصم فيها ومعتضدألقاب مملكة في غير موضعهاكالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد لكن ما يهمني الآن هنا هو تلك الألقاب التي حظي بها عدد من أدبائنا وشعرائنا العرب دون سواهم، حيث حظي أحمد شوقي بلقب "أمير الشعراء"، وحافظ إبراهيم لقب بـ"شاعر النيل" بينما حصل خليل مطران خليل على لقب "شاعر القطرين"، وأحمد لطفي السيد على لقب "أستاذ الجيل"، ود. طه حسين على لقب "عميد الأدب العربي"، وكان ممن حظي بلقب خاص اقترن به طيلة حياته الشاعر الغنائي أحمد رامي.. والذي لقبوه بـ"شاعر الشباب".وآفة الألقاب أنها – عادة – تكون بغير دلالة حقيقية، ولا تعكس إلا صورة من صور مجتمعاتنا العربية بشكل عام، وأعني بها "المجاملة" التي قد يكون الدافع إليها الترغيب أو الترهيب على حد سواء، وحين رحل عن عالمنا أحد شعرائنا الذين كانوا – طيلة سنوات وسنوات – ملء السمع والبصر.. ألا وهو الشاعر أحمد رامي الذي شهد عام 1892م تفتح عينيه للنور لأول مرة، وخاض الحياة بعد ذلك نحو تسعين عاما، ولأنه عاش الحياة تسعين عاما قبل أن يرحل عنا، فإنه من حقنا أن نتساءل: شاعر أي شباب كان رامي؟! هل كان شاعر شباب الجيل الذي شهد بدايات لمعان اسمه في حياتنا الأدبية؟. لقد كان هذا في العشرينيات.. وها نحن الآن في الثمانينات.. فياترى.. شباب أي جيل هو الذي كان رامي شاعره، المعبر عن قضاياه وآلامه وآماله؟! وحين أنتقل إلى موضوع متقارب مع موضوع الألقاب أقول يبدو أننا نعشق "الثنائيات" في حياتنا الأدبية والفنية. حيث نتذكر حافظ إبراهيم بمجرد أن نتحدث عن أمير الشعراء أحمد شوقي، ونتذكر ميخائيل نعيمة بمجرد أن نذكر جبران خليل جبران، وإن كنا حين نتحدث عن كوكب الشرق أم كلثوم، فإننا - في الغالب - لا نتذكر مطربة قبلها ولا بعدها، إلا أننا – أحيانا – نستدعي أسمهان حين نتحدث عن أم كلثوم، ومن شعراء جماعة أبولو فإننا حين نتذكر إبراهيم ناجى، نتذكر معه على محمود طه، وأعترف هنا بأني كنت وما زلت منحازاً لناجى، على حساب صديقه ومنافسه في زمانهما على محمود طه، كما أن ناجى لم يغادر قلبي، حتى بعد أن أحببت بعده شاعرين كبيرين من رواد حركة الشعر الحر في أمتنا العربية، هما بدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور.السؤال الذي أود أن أطرحه في الخاتمة: ما الذي تستفيد منه حياتنا الأدبية والثقافية من كل ما يطفو على سطحها من ألقاب ومن ثنائيات؟
3738
| 22 مايو 2014
بذرة صغيرة تحتضنها الأرض، ومع مرور الأيام تكبر البذرة شيئا فشيئا، إلى أن تصبح شجرة عملاقة.. هذا ما ينطبق على الكائنات الحية بصورة عامة، وحين نطبقه على صلاح عبد الصبور فإننا نجد أنه استطاع- بموهبته المتفردة وثقافته العميقة وروحه المتأملة والمتألمة - أن ينفذ إلى أعماق الإنسان في كل زمان ومكان، وهذا ما أكده من تذوقوا روائعه الشعرية وشاهدوا أو قرأوا مسرحياته الشعرية الخالدة لا بلغتنا العربية العريقة وحدها، وإنما بمختلف اللغات العالمية التي ترجمت إليها تلك المسرحيات، ومن بينها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والروسية، لكني أتصور أن ما استطاع هذا الشاعر العظيم أن يحققه من نفاذ إلى أعماق الإنسان في كل زمان ومكان، ينبغي أن يذكرنا بأن الشجرة المثمرة العملاقة كانت في البداية مجرد بذرة صغيرة. وعلينا- من هذا المنطلق- أن نعود إلى تلك البذرة الصغيرة، وأن نتعرف- بالتالي- على ما تحمس هذا الشاعر العظيم لقراءته عندما كان طفلا صغيرا من أطفال مدينة الزقازيق الصغيرة، وهنا نترك المجال له، لكي نتعرف منه على طبيعة تلك القراءات المبكرة، حيث يقول: ولدت بين صفحات كتب المنفلوطي وجبران خليل جبران.. فقد بكيت مع سيرانودي برجراك وماجدولين وأنا في العاشرة من عمري، ولا زلت أذكر هيئتي بجلبابي وخفي، وأنا أثوي في ركن صغير من فضاء مهمل وراء بيتنا بالزقازيق، ألتهم ما يلقنه سيرانودي برجراك لغريمه من بديع القول، ويتلوى كل عرق لآلام الشاعر وجسامة تضحيته ونبالتها. وقد ظل المنفلوطي معبوديا حتى تعرفت إلى جبران خليل جبران في الأرواح المتمردة والأجنحة المتكسرة فبكيت مع سلمى كرامة وعاشقها التعس.. وحين أقول بكيت لا أتحدث بالمجاز، بل أعني أنني أجهشت بالبكاء في وحدتي وحملت من همهما ما ناءت به النفس. أما الروافد الثقافية التي ارتويت منها – في بداية النشأة – فيمكنني تلخيصها في ثلاثة روافد.. تتمثل في: التراث العربي القديم- شعر المدرسة الرومانسية العربية – النماذج المختلفة من الشعر الأوروبي. فهناك شعراء كبار في تراثنا العربي القديم كنت مفتونا بهم.. وأذكر بالذات.. المتنبي، المعري.. وإن كنت – وما زلت – أكن حبا خاصا للمعري.. هذا الشاعر العربي العظيم الذي كان يحمل هم العالم كله على كتفيه.. وأما عن شعراء المدرسة الرومانسية العربية، فإن الشعراء الذين كان لهم تأثير بالغ على أبناء جيلي بوجه عام، هم إبراهيم ناجي وعلي محمود طه و محمود حسن إسماعيل.. أما النماذج المختلفة من الشعر الأوروبي.. فلم تكن قراءتها تتم أول الأمر بشكل منظم، ولكنها بعد ذلك أخذت مسارها المنتظم.هكذا ظلت البذرة الصغيرة تنمو وتكبر، إلى أن أصبحت شجرة مثمرة عملاقة، وأصبح الطفل الصغير الذي بكى مع المنفلوطي وجبران خليل جبران واحدا من الرواد الكبار في حركة الشعر الحر.. ولكن لو أننا تتبعنا تلك الحركة التجديدية الثورية على امتداد أمتنا العربية، فإننا نجد أن كثيرين من شعرائها كانوا يحشدون في ثنايا قصائدهم أسماء شخصيات أسطورية من طراز سيزيف الذي أتصور أنه تعذب على أيدي هؤلاء الشعراء أكثر مما لاقاه من عذاب أسطوري، كما نجد آخرين يستعرضون ما عرفوه دون تعمق فيما يكتبونه، ولم يكن صلاح عبد الصبور بالطبع واحداً من هؤلاء ولا أولئك، لأنه يدرك أن الثقافة العميقة لا تتطلب التباهي والمفاخرة، بقدر ما تحفز إلى مزيد من التعرف والاستكشاف وإلى مزيد من التواضع.
1107
| 15 مايو 2014
في الثالث من مايو سنة 1931 شهدت مدينة الزقازيق- عاصمة محافظة الشرقية في مصر ميلاد طفل من أطفالها، هو محمد صلاح الدين عبد الصبور يوسف الحواتكي، الذي عرفته الساحة الثقافية والأدبية العربية باسم صلاح عبد الصبور، بعد أن ذاع صيته، وسطع نجمه وتلألأ باعتباره واحدا من الشعراء العرب الكبار الذين اقترنت أسماؤهم بحركة الشعر الحر. وها هي السنوات تتوالى، ويطل الثالث من مايو سنة 2014 ذكرى ميلاده منذ ثلاث وثمانين، لكنه بالطبع ليس معنا الآن، فقد رحل عن عالمنا في تلك الليلة الفاجعة- ليلة الثالث عشر من أغسطس سنة 1981 حيث غاب صلاح عبد الصبور عن أحبابه وأصحابه، بل عن عالمنا كله، بمجرد أن أطل من شرفة الخمسين، وتجاوزها بثلاثة أشهر لا أكثر، بعد أن تغلغلت الألفاظ الجارحة السامة في روحه المرهفة، التي لم تتحمل بشاعة تلك الألفاظ، فانطلقت بعيدا عن كون، كان قد وصفه بأنه كون خلا من الوسامة، أكسبه التعتيم والجهامة.أعتز حقاً بأن مخطوطة حياتي في الشعر من الكنوز التي أحتفظ بها في مكتبتي بخط صلاح عبد الصبور، وفي هذا الكتاب – الكنز يحدد صلاح عبد الصبور، بكل دقة، موقفه من الخير والشر في الحياة، ويعلن انحيازه لثلاث قيم سامية، ووقوفه ضد ثلاث رذائل، على هذا النحو:مازلت أرى في الحياة خيراً وشراً، فالخير هو ما أعطى الحياة معنى في أصغر جزئياتها، معنى كامل التشكيل والنقاء، والشر هو ما جار على عناصر تشكيل الحياة ونقائها، ولذلك فإن أعظم الفضائل عندي هي: الصدق والحرية والعدالة، وأخبث الرذائل هي: الكذب والطغيان والظلم، ذلك لأني أعتقد أن هذه الفضائل هي التي تستطيع تشكيل العالم وتنقيته، وأن غيابها معناه ببساطة: انهيار العالم، وقمة الصدق هي الصدق مع النفس، ومعناه أن يدرك الإنسان وجوده ويعيه، وأن يعرف مكانه من الحياة، وأن يتحمل دوره وعبء وجوده في الحياة رغم ما قد يكون من قسوته وثقله. صلاح عبد الصبور مثال ساطع للانسجام بين القول والفعل، وهذا ما يستطيع أن يؤكده جميع الذين عرفوه فأحبوه، ممن عرفوا أن الفضائل والقيم الإنسانية النبيلة التي تحدث هو عنها لم تكن مجرد كلمات منمقة، كما يفعل آخرون كثيرون، وإنما كانت نهج حياته ذاتها، ومن هنا يحق لي القول إن هذه القيم والفضائل النبيلة ظلت متجسدة فيه، فقد توحد مع كلماته، وتوحد مع السندباد في أسفاره ورحلاته، وهو لم يكن شاعرا عظيما وكاتبا مسرحيا من الطراز الرفيع فحسب، ولكنه كان مثقفا موسوعيا بكل معنى الكلمة، وقد تجلت هذه الثقافة في كتاباته النقدية والفكرية وكذلك فيما قدمه من ترجمات لشعراء عالميين، من بينهم لوركا وبودلير وايفتشنكو وبرتولت بريشت. ديوانه الناس في بلادي الذي صدر سنة 1957 وهو في السابعة والعشرين من عمره كان فتحاً شعرياً بكل المقاييس، وبعد صدور هذا الديوان البكر توالى صدور دواوينه "أقول لكم وأحلام الفارس القديم وتأملات في زمن جريح وشجر الليل والإبحار في الذاكرة"، لكن ما لا يعرفه كثيرون يتمثل في أن صلاح عبد الصبور كان يتهيأ لإصدار ديوان جديد، اختار أن يسميه "عندما أوغل السندباد وعاد"، حاملا عنوان قصيدة رائعة، كان قد نشرها في مجلة العربي الكويتية خلال رئاسة أحمد بهاء الدين لتحريرها، وبكل أسف فإن الديوان لم يصدر، كما أن القصيدة ذاتها لم تندرج حتى الآن ضمن أعماله الشعرية الكاملة رغم تعدد طبعاتها في كل من بيروت والقاهرة.
1010
| 08 مايو 2014
مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6318
| 24 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5079
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3810
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2859
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2547
| 23 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1746
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1617
| 26 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1563
| 21 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1083
| 20 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
996
| 21 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
987
| 21 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
978
| 24 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية