رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
احتار الفلاسفة والحكماء والشعراء والعلماء فى تفسير معنى السعادة، لكنهم اتفقوا على أنها حالة نسبية تجمع بينها أسباب مشتركة هى رضا النفس، وطمأنينة القلب، وصفاء الروح، والثقة بالذات، والقبول الحسن من الآخرين، والتفاعل معهم فى مواجهة أعباء الحياة بوعى تام، والادراك الحقيقى لما تتطلبه ظروف الحياة، وما تقتضيه العلاقة بالآخرين من تضحية وعطاء، مع الالتزام الصارم بما يفرضه الدين من عبادات، دون التقيد بما يفرضه المجتمع من عادات هى وليدة ظروف غير مستقرة، لأنها تتغير بتغير الأزمة والأمكنة على امتداد التاريخ، حتى وان أخذت صفة الديمومة عند قوم، فقد لا تكتسب هذه الصفة عند قوم آخرين، فالكرم مبعث سعادة عند أناس، والبخل أيضا مبعث سعادة عند آخرين، رغم ما بين السلوكين من تناقض، فليس ثمة كريم يحب البخل، وليس ثمة بخيل يحب الكرم، وهذا مجرد مثل، لذلك كانت لكل فرد نظرته الى مبعث السعادة وأسبابها ودلالاتها الحياتية والفلسفية، وللشعراء موقفهم من السعادة الذى يشتركون فيه مع غيرهم من البشر من حيث التنوع والتناقض والاختلاف، وما يميزهم عن غيرهم هو أنهم استطاعوا صياغة نظرتهم للسعادة شعرا حفظه لهم ديوان العرب، ورددته الأجيال للاستشهاد به كلما دعت الحاجة اليه. فهذا ابن أبى حصينة يرى السعادة فى طول العمر فيقول: لا تعدم الدنيا بقاءك اِنما طُول السعادة أَن تعيش طويلا لكن أبا الفضل الوليد يرى السعادة مجرد خدعة يغرينا بنيلها نزق الشباب بينما هى مجرد سراب فيقول: ان السعادة خدعة قتالة نزق الشباب بنيلها يغرينا ويشاركه فى هذا الرأى أبو القاسم الشابى الذى يرى السعادة حلما تسعى اليه الأمم وتبذل أيامها لهذه الغاية، وكأنها وفى ذلك يقول: فما السعادة فى الدنيا سوى حلم ناء تضحى له أيامها الأمم لكن أبا العلاء المعرى يرى أن السعادة ينالها من ينأى بنفسه عن الطغاة، وكأنما أراد أن يقول ان ينأى عن السياسة، فهى تجر الشقاء على من يميل الى هذا الطاغية او ذلك ممن ملأوا الدنيا ظلما وطغيانا، وكلهم فى ذلك سواء، لذلك يقول: يتشبهُ الطاغى بطاغٍ مثله وأَخو السعادة بينهم من يسلم ويرى أبو العتاهية أن السعادة هى الابتعاد عن صغائر الأمور، واكتساب صفة الكرم، مع الكف عن أذى الآخرين: ومن السعادة أَن تعف عن الخنا وتنيل خيرك أَو تكف أَذاكا وفى نظرة غير بعيدة عن نظرة أبى العتاهية نجد ابن الابار يقول: واحرص على نيل السعادة جاهدا بالبر والتقوى فنعم النائل وللنابغة الزبيانى قول مشهور فى السعادة: ولست أَرى السعادة جمع مالٍ ولكن التقى هو السعيد وتكتمل الصورة عند أبى الفتح البستى فى قوله: ان كنت ترغب فى السعادة والاحاطة بالحقائق وتريد أن تفضى الى سعة الفضاء من المضائق فارح فؤادك من مطالعة العلائق والعوائق وافزع الى الله الكريم ودع مواصلة الخلائق ان السعيد هو الغنى عن العلائق والعوائق وتتبع أقوال الشعراء عن السعادة يطول لكثرة ما قيل فى هذا المجال، وهذا غيض من فيض، ودمتم فى سعادة وهناء، وجعلكم الله من أصحاب الخير والعطاء، بقدر ما تملكون من حسن الرجاء، وما كتب لكم من طول البقاء. khlilf@hotmail.com
4835
| 19 فبراير 2012
يبدو أن الشبيحة قد تسللوا إلى الإعلام بغفلة من المسئولين عن هذا الإعلام، وخاصة الإعلام الفضائي الذي أصبح مفتوحا للجميع لإبداء آرائهم حول ما يجري في عالمنا العربي من مخاضات، أدت إلى تغيير بعض الأنظمة العربية الفاسدة، والبقية في الطريق، فالليالي حبالى بما تقدمه الأيام من أحداث، ومن لا يسعى إلى الفضائيات فإنها تسعى إليه لتغطية فترات البث التي شغلت ساعات اليوم بكامله، فمن الطبيعي أن يجد الشبيحة لهم موطئ بل مواطئ قدم، هنا وهناك، خاصة في البرامج التي يعتمد مقدموها على الإثارة الإعلامية لجلب المشاهد، مع أن هذا الأسلوب قد تجاوزه وعي المتلقي العربي الذي أصبح يدرك الفرق بين الغث والسمين فيما يقدم من هذه البرامج، ذات المستويات المتفاوتة. وقد وجد شبيحة الأنظمة الفاسدة فرصتهم الذهبية لممارسة أساليبهم الدعائية الممجوجة لأنظمتهم السياسية التي يتبنون الدفاع عنها باستماتة منقطعة النظير، غير مدركين لخطورة اللعبة التي يمارسونها، وغير مقدرين لنتائجها يوم ترحل تلك الأنظمة غير مأسوف عليها، ولسنا بصدد ذكر حادثة بعينها، فقد بلغ السيل الزبى في هذا الاتجاه للإعلام المنحرف الذي يستهين بوعي المتلقي وإدراكه لمجريات الأمور، ومعرفته باتجاه الرياح في كل بلد عربي أو غير عربي، لكن أولئك الشبيحة يأبون إلا أن يظهروا فسادهم المنسجم مع فساد الأنظمة التي يدافعون عنها رغم أنها آيلة للسقوط، وستأخذهم معها إلى جهنم وبئس المصير، وهو المكان المناسب لكل طاغية، وأعوانه وشبيحته سيئي السمعة. ومع أن الثقافة هي المركب التي يمتطيها هؤلاء الشبيحة، فإنها ثقافة تكشف عن خلل ليس في المبدأ فقط، ولكن في إنسانية الإنسان بصفة عامة، فمن يتبع الظلم والفساد.. هو إنسان غير سوي، وقد حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده، وما من ظالم إلا وتكون نهايته أشد سوادا من لون الغراب، حتى وإن (استأسد) في حياته، متجاهلا حقيقة رفض الناس له، وشبيحة الأنظمة الفاسدة لا شأن لهم بالثقافة حتى وإن احتموا تحت خيمتها، وادعوا أنهم كتاب وأدباء وصحفيون كبارا، وهم في كل ذلك اقزام لا تلبث حقيقتهم أن تظهر إلى حيز الوجود لتسفر عن وجهها القبيح، من خلال الطرح الفج، والتطاول على الغير، والإساءة للأبرياء، وتبرير الخطيئة، والدفاع عن الشر، ومناصرة الظالم على ظلمه، وهم في ذلك كمن يبيع دينه بدنياه، ومن يضحي بمبدئه من أجل سواه، مع أن الشك وارد في غياب الدين والمبدأ عن هذه المخلوقات المشوهة نفسيا وأخلاقيا، بدليل أنهم يعيشون حالة من غياب الوعي، وحالات أخرى من غياب الضمير. ثمة فاصل بين ما هو معقول وما هو غير معقول، هذا الفاصل المرتبط بالحالة الإنسانية التي ينتمي إليها البشر، تكاد تكون ضعيفة إن لم تكن معدومة لدى هؤلاء الشبيحة الذين لا يكتفون بالإعتداء على غيرهم بالكلام، بل يتجاوزون ذلك إلى الاعتداء عليهم بقبضات أيديهم، وهكذا تعودوا على ممارسة حياتهم، ولو سمح لهم بالدخول بالأسلحة إلى منابر الحوار، لما توانوا عن ذلك، للقضاء على كل من يخالفم الرأي أو ينتصر للحق ويدافع عن المظلومين، ويطالب برحيل نظام دموي في عنفه وتسلطه، وفاسد في عقيدته ومبدئه، ولا يتعظ بما جرى لغيره من نهايات أليمة وسقوط مدو. شبيحة الأنظمة هم من إفرازات تلك الأنظمة التي اعتمدت على القتل لإسكات معارضيها، والنفور من الإصلاح لمعالجة قضايا شعوبها، فلا مجال للشك في أن رحيل النظام أي نظام، يعني رحيل شبيحته معه. والله المستعان على كل ما يفعلون.
794
| 15 فبراير 2012
هل هناك من يمكن تسميتهم بأعداء النجاح ما دام الإنسان يسعى بكل جهده لنيل هذا النجاح؟ نعم هناك من يعادون النجاح والناجحين عداء سافرا حتى لو كان هذا النجاح لأنفسهم، كيف ذلك؟ عداوة النجاح غالبا ما نراها لدى الحاقدين الذين يسوؤهم أن ينجح الآخرون ويحققون انتصاراتهم في التفوق. قد يكون هذا التفوق في التحصيل العلمي أو في العمل أو في العلاقات مع الناس، أو في أي ضرب من ضروب النشاط الإنساني على تنوعه واتساع آفاقه، وهؤلاء يمكن تفسير عداءهم للناجحين بأنهم غير قادرين على تحقيق مثل هذا النجاح، فلا يجدون وسيلة لتجاوز عجزهم.. إلا عن طريق الإساءة للناجحين، ولو بذلوا كل الوقت الضائع الذي يهدرونه على محاولة الإساءة للناجحين.. أقول لو بذلوا هذا الوقت في محاولة النجاح لكان ذلك أجدى، فربما أدى بهم ذلك إلى طريق النجاح، بدل الانشغال بالحقد والحسد الذي يدمر صاحبه، وقديما قيل: لله در الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله، وأمامنا على مسرح الحياة شواهد كثيرة لا تخفى على أحد. لكن ما هو تفسير عداء الإنسان لنجاحه؟ وما هي دلائل هذا العداء، الواضح أن بعض من سمحت لهم الظروف لتحقيق نجاح ما.. وهم غير مؤهلين له، يتصرفون وهم على ثقة تامة بأن هذا النجاح امتياز يؤهلهم لتجاوز كل القيم التي تحكم العلاقات بين الناس، بما فيها من حسن المعاملة، والحفاظ على الكرامة، وتجنب الشر بكل ألوانه وأشكاله، والالتزام بالسلوك الحسن في القول والعمل، وتجنب الإساءة للآخرين، وبدلا من التقيد بهذه القيم نراهم يرتكبون من الحماقات ما لا يرتكبه عاقل وهم بذلك يسيئون إلى ذلك النجاح الذي تيسر لهم دون أن يكونوا أهلا له، وغالبا ما يكون سلوكهم المنحرف ليس تعبيرا عن عدائهم لنجاحهم فقط، بل مدمرا لهذا النجاح الذي غالبا ما تكون نهايته كارثية، لأنه من الأساس لا يشكل استحقاقا شرعيا لهم، وإنما الوصول إلى السلطة هو فرصة قد لا تتكرر بالنسبة لهم، والإنسان عدو نفسه أحيانا، عندما يرتكب من الحماقات ما لا ينسجم مع تصرفات الأسوياء من الناس، فهي أقرب إلى تصرفات المجانين، أو المرضى النفسيين الذين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الجنون. وعداء الذات نوع من الجهل كما قال أحد الشعراء: ولا ترجو الصداقة من جهول فقد قيل الجهول عدو نفسه وقال أخر: وأَخو الجهل يستلذ هوى النفس فيغدو لديه كالشهد صابه والنفس أمارة بالسوء.. يكبحها الوعي، ويحد من غلوائها حسن التصرف، وتستميلها إلى الاستقامة قوة الإرادة، وخشية الخالق قبل المخلوق، وإلا قادت صاحبها إلى مهاوي الردى، وهذه هي عداوة النفس عندما تؤدي إلى السقوط المدوي لبعض الرؤساء الذين كانت نهايتهم محزنة لهم ولأنصارهم، ولم يكسبوا سوى الإهمال والمحاكمات المهينة التي لا ينفع بعدها الندم أو الخصومة أو اللجاجة، والرئيس المتزن ينسحب بهدوء غير مأسوف عليه، إذا رأى الاتجاه العام في غير صالحه، فإن لم يخلع نفسه، سيخلعه من يظنهم معه، ممن لا يبحثون إلا عن مصالحهم عندما دافعون عنه دفاع المستميت، وزينوا له سوء عمله، حتى إذا اجتثت جذوره رياح التغيير، لن يجد من يأسف على رحيله سوى الواهمين بعودة عقارب الساعة إلى الخلف، والعاقل من اتعظ، وللرافعي في هذا المعنى قوله: من يتعظ فصروف الدهر موعظة وما مواعظ دهر كله عبر؟ ولكن كيف للحمقى أن يتعظوا؟ khlilF@hotmail.com
2290
| 12 فبراير 2012
الأصدقاء الأوفياء عملة نادرة في هذا الزمان، وربما في كل الأزمنة، ولكنهم في هذا الزمان أكثر ندرة نتيجة التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها البشرية في تاريخها الطويل، وما صاحب ذلك من تراكمات أخلاقية أفرزت سلوكيات معينة، تنسجم مع التفجر السكاني الذي يعيشه العالم، وما صاحب هذا التفجر السكاني من تحولات ديموغرافية شملت سكان الكرة الأرضية دون استثناء، حتى اعتبر الخل الوفي من المستحيلات كالغول والعنقاء، وإن لم يعد هذا العصر يعرف المستحيلات بعد أن أوغل العلم كثيرا في اختراعاته واكتشافاته الأبعد من الخيال والأكبر من التصور. لكن ثمة أناس يملكون قدرة عجيبة على فقد أصدقائهم، والتضحية بهم ربما عن قصد أو عن غير قصد، فالنتيجة واحدة، ومع أن الصداقة لا تبنى بين لحظة وأخرى لكن هدمها لا يحتاج إلا لهذه اللحظة والأخرى لينهار صرح الصداقة الذي كلف بناؤه الكثير من الثمن والزمن، وربما حققت الصداقة بين اثنين ما لا يتحقق بين شقيقين.. من الألفة والمحبة والتضحية والمساندة في الملمات والحاجة، فكيف يمكن التضحية بكل ذلك في لحظات نتيجة تصرف عشوائي من أحد الطرفين، يقابل بالحدة والرفض ثم القطيعة من الطرف الثاني؟ ربما لأن أحد الطرفين لا يتوقع الخطأ من صديقه، فإذا وقع هذا الخطأ غير المتوقع كانت ردة الفعل حياله من الطرف الثاني عنيفة وحادة لأنه لم يتوقع هذا الخطأ، وبعيدا عن التعقل أو التروي يحدث ما لا تحمد عقباه من الخصام والتنافر والقطيعة التامة، ومع ذلك فهناك من يرتكب الخطأ فيجد من صديقه التسامح والبحث عن الأسباب، فإن كان هو مصدرها تحاشاها مع الاعتذار والأسف، وإن لم يكن هو سببها كان عونا لصديقه على اكتشاف السبب، والعمل على تجاوزه ما أمكن إلى ذلك سبيلا. مقابل ذلك هناك ذلك النوع من الأصدقاء الذي تنطوي نفسه على قابلية كبيرة للانفعال المباشر الذي يؤدي إلى القطيعة السريعة، وكأن الصداقة علاقة عابرة يمكن التضحية بها في أي وقت، وهذه في الحقيقة ليست صداقة بما تعنية الصداقة من عمق العلاقة، ومتانة الثقة، وقابلية التفهم، والاستعداد للتضحية، وهذا يعني أن من يهجرك دون ان تسيء إليه، فليس له أن تأسف عليه، لأنه لم يقدر الصداقة وما تعنيه من حرص شديد على استمرار هذه العلاقة الوجدانية التي بها تجمل الحياة، فالعلاقات الإنسانية الحميمة هي وسيلة الحياة الهانئة، وأداة العون على منغصات الدنيا، وما تحفل به من إحباطات تحيط بالإنسان إحاطة السوار بالمعصم، وأن تخسر صديقا، فهذا يعني أن تخسر جانبا مضيئا من جوانب علاقاتك الإنسانية التي تسعى لبنائها من كل من تتوسم فيهم الخير، وتتوقع منهم المحبة، وترجو منهم العون لبناء علاقة تتسم بالصدق والوفاء والتضحية. ولأن الصداقة عملة نادرة، فمن خطل الرأي وخطأ الموقف، أن نضحي بها لأتفه الأسباب، بل حتى أعظم الأسباب يمكن أن تكون مدعاة للتفاهم والبحث عن جذورها وخلفياتها التي ربما لا تبدو واضحة أمام أحد الطرفين، وعلى الطرف الآخر أن يكشفها لصديقه إن كان حريصا على صداقته، فلعل له عذرا ينفي سبب اللوم، وما أكثر الحالات التي أدى الجهل بأسباب القطيعة فيها، إلى نهاية مؤسفة، بينما الكشف عن تلك الأسباب ربما أدى إلى الصلح وعودة المياه إلى مجاريها بين الطرفين، لذلك قال الشاعر: لك الله لا تذعر صديقا بغضبة لعــل له عــذرا وان تلوم وقال آخر: تأن ولا تعجل بلومك صاحبا لعل له عــذرا وانت تلوم. فهل يسهل عليك بعد ذلك ان تضحي بصديقك، وتنسى قول من قال: أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم لا تقبح الدنيا وفيها أنتمو khlilf@hotmail.com
4591
| 29 يناير 2012
أصبح من المألوف أن يوصف هذا الكاتب أو الأديب أو الناشط الاجتماعي بأحد الأوصاف الفكرية، التي قد يكون بعيدا عنها، وهو تصنيف لا يرجى منه سوى الاتهام المبطن، والكيد الخفي، للنيل من اجتهاد ذلك الكاتب أو الأديب أو الناشط الاجتماعي، وكأن نجاح المثقف في مسعاه تهمة لابد أن يحاسبه عليها المتشددون من غير المنصفين الذين يضعون الأمور في نصابها بعيدا عن التشدد والاتهامات الباطلة، وهذه الاتهامات لا تقوم على أساس فكري ناضج، ولكنها تقوم على الرغبة في الإساءة بسبب الخلاف في الرأي أو الفكر أو المذهب، وكل خلاف مهما بلغ لا ينطوي على أسباب لمثل هذا الكيد إلا عند اولئك المتشددين الذين يحرصون على الصيد في المياه العكرة، والويل كل الويل لمن يخالفهم الرأي، وإلى وقت قريب لم يكن اللجوء لمثل هذه التصنيفات من الأمور التي يمكن الإقدام عليها بسهولة، لأنها ممجوجة ومستنكرة، لكنها الآن أصبحت هي السمة الغالبة في معظم حلقات ومنابر الحوار للهروب من مواجهة الحقيقة، فمن تنقصه الحجة لا يتورع عن وصف الطرف الثاني بأوصاف ومصطلحات لم تتخذ سمة النضوج أو التعريف الواضح، أو المعنى الدقيق، فلا عجب أن نسمع عن فلان أنه ليبرالي أو علماني أو شيوعي أو قومي أو أي وصف آخر، وهو لا يعرف من هذه المذاهب إلا الاسم، وإنما ألصقت به كتهمة لا يرجى من ورائها الخير. هذا النوع من التصنيفات تدل ليس فقط على ضعف حجة من يطلقونها جزافا، ولكنها أيضا تدل على حالة من الانحراف الفكري والعقدي لا يستهان بها، فصاحب الفكر الناضج، والعقيدة الراسخة، لا يجرؤ على وصف غيره بما لا يعرف، وكل ما في الأمر أنه سمعها، فسارع لتبنيها وإلصاقها بمن يختلف معهم في الرأي رغبة للإيقاع بهم في متاهة التصنيفات المضللة التي لا أساس لها، لا من الناحية العقلية ولا من الناحية الإيديولوجية، خاصة إذا عرفنا أن هذه المسميات والتصنيفات الفكرية لا تعني لدى المتشددين سوى الخروج على الدين، والانحراف عن المبادئ السامية، وبهذا المعنى يمكننا ان نصف المارقين والمجرمين بأنهم ليبرالييون أو علمانيون أو غير ذلك، وهذا مما لا يصدقه ولا يقبله العقل. إن رموزا إصلاحية دينية كنا نظنها أكثر يقظة من الوقوع في هذا المطب، قد طالهم هذا التسونامي من موجات الاتهامات الباطلة لغيرهم، فانطلقت خيولهم للسباق في ميدان هذه الاتهامات التي تقود إلى التكفير، مما لا يتناسب مع دورهم الإصلاحي الذي يزعمون أنهم يعملون على تأصيل مفاهيمه وقيمه في نفوس الناشئين، وبذلك يزرعون عدم الثقة في نفوس أولئك الناشئين، ويحشون عقولهم بالشك في القيم الفكرية التي سيحاربونها دون أن يعرفوا معناها، وهذا نوع من التضليل الفكري الذي يقع مرتكبوه في إثم الإساءة للآخرين، خاصة أولئك الشباب الذين هم في طور التأسيس الفكري والثقافي. دور رجال الدين هو الإرشاد إلى الطريق المستقيم، وتوسيع دائرة التمسك بالمبادئ السامية، وقيم الحوار المتكافئ التي لا تستقيم مع التهميش والإقصاء، ودور رجال الفكر المستنير هو الإسهام في إشاعة الوعي بتلك المبادئ، وأي تصادم بين الطرفين هو أشبه بالحرب الخاسرة التي لا تخلف سوى الهزيمة لدى الفريقين، مع أن الإصلاح استحقاق ليس من حق أحد أن يحتكره، لأنه مسؤولية الجميع، إذا كان الهدف هو الإصلاح العام الذي يخدم الكل، وليس الإصلاح الجزئي الذي يخدم فئات دون غيرها. khlilf@hotmail،com
498
| 22 يناير 2012
عندما قال المتنبي: (والظلم من شيم النفوس فإن تجد.. ذا عفة فلعله لا يظلم)، ومهما كانت بواعث وأسباب هذا القول، فالمؤكد أنه كسر قيمة أخلاقية كان العرب في جاهليتهم يتباهون بها، وهي العدل وصد الظلم عن المظلومين، ومناصرة أصحاب الحق على أصحاب الباطل، حتى جاء الإسلام فأقرهم على قيم نبيلة شتى، ومنها هذه القيمة الإنسانية، عندما وضعت تعاليمه فاصلا بين الإنسان وارتكاب الظلم، وطالت بالوعيد كل ظالم، (والله لا يحب الظالمين). والظلم لا يقتصر على دولة مستبدة، ولا على حاكم مفسد في الأرض، ولا على مسئول متسلط، ولا على ولي أمر مستغل، بل يمتد إلى ما هو أكثر من ذلك، فمن أنواع الظلم التي ترتكب في الحياة العامة، وفي الممارسات الحياتية العادية أن يسطو أحدهم على جهد غيره، وينسبه إلى نفسه، وبذلك ينسب التقصير إلى من قام بواجبه خير قيام، وينال اللوم بسبب تقصير لم يرتكبه، عندما يختطف ثمرة جده واجتهاده آخرون تؤهلهم أوضاعهم للاستيلاء على جهود غيرهم ونسبتها إلى أنفسهم ظلما وعدوانا، أو عندما يسخر بعضهم من هم تحت إمرته لإنجاز أعمال ينسبها إلى نفسه، ومن يقدم على هذه التصرفات، إنما هو ظالم لغيره، وفي الوقت نفسه ظالم لنفسه، عندما وضعها في مكان غير مكانها، ومنحها ما لا تستحق من الوجاهة والتلميع، كل ذلك نتيجة جهد لم يبذله، وإنجاز لم يحققه، ونجاح لا يملك مقوماته، وهذا النوع من البشر الذين لا يدركون عاقبة ما يفعلون، هم في نهاية الأمر صيد سهل لمَن يريد كشفهم على حقيقتهم من أصحاب الضمائر الحية، والشجاعة الأدبية.. الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم، مهما كانت مكانة الظالم الاجتماعية، ومهما كان نفوذه الرسمي، فالتجاوز الأخلاقي إذا طال الذمم، وانحاز إلى الظلم.. سيلقى حتما مَن يكشفه إن عاجلا أو آجلا، ليس انتصارا للحق فقط، بل لأنه يتناقض مع القيم النبيلة التي اكتسبها الإنسان السوي، والتي أفرزتها مراحل التمدن والتحضر التي مرت بها البشرية من آدم حتى عصرنا الراهن، وأكدتها الأديان السماوية لضمان حياة حرة وكريمة للإنسان، وإذا تعرضت بعض هذه القيم للاهتزاز والتجاوز من بعض أصحاب النفوس المريضة، فليس ذلك لخلل بها، ولكن لخلل في نظرة الإنسان إليها، وما من عصر يستجد، إلا ويؤدي إلى تأصيل هذه القيم وترسيخها في أعماق الضمير الإنساني، بصرف النظر عن التجاوزات التي يرتكبها بعض الحمقى من بني البشر، وما من عصر يخلو من تصرفات رعناء، لكنها تدان في حينها أو حتى بعد مضي زمن عليها، فالتاريخ لا ينسى ظلم الظالمين فهما بلغ مستوى هذا الظلم، وآثاره على الناس والحياة، ومحكمة التاريخ لا تتخلى أبدا ومهما طال الزمن، عن دورها في كشف الظلم، وإدانة مرتكبيه دون رحمة أو مهادنة، فإن كان عمر الظلم ساعة.. فإن عمر العدل إلى قيام الساعة، لا فرق في ذلك بين إنسان وإنسان، وربما جرت الرياح بما تشتهي سفن الظالم، لكن هذه الرياح لا تلبث أن تتحول إلى عواصف عاتية، ترمي بتلك السفن في أمواج الحقيقة العارية، لتستقر في قبضة العدالة التي لا ترحم الظالمين، (وما للظالمين من أنصار) فلن يقتل وحش الظلم إلا سيف العدل. مَن يضعون نصب أعينهم (إذا دعتك قدرتك على ظلم غيرك.. فتذكر قدرة الله عليك)، هم وحدهم الذين يعبرون طريق الحياة بأمان، ويرحلون عن دنياهم، لكنهم يبقون أحياء في قلوب مَن عرفهم، وعرف فيهم العدل والإنصاف، وحب الخير للناس.. كل الناس. khlilf@hotmail.com
2519
| 15 يناير 2012
التواضع من الصفات الحسنة التي يتمتع صاحبها بحب الناس واحترامهم، كما أنه دليل على الثقة بالنفس، وعدم انحراف الذات في الانسياق وراء الرغبة في الحصول على نصيب وافر من المديح والإطراء والتبجح أمام الآخرين، دون وجود ما يسند ذلك على أرض الواقع، لذلك قيل (من تواضع لله رفعه) ومع ذلك نجد صفة التبجح لدى بعض المسؤولين الذين يسرهم ويدغدغ مشاعرهم التلاعب بعواطف الناس واختلاق البطولات والمنجزات التي لا توجد إلا في خيالهم، وبذلك يثبتون ما يقوله القائل: (اِكذب حتى تصدق نفسك فيصدقك الآخرون) مع أن طريق الادعاءات الباطلة وعرة وغير مأمونة، وربما أدت إلى خلاف ما هو متوقع، عندما يكشف الواقع زيف تلك الادعاءات وكذب أصحابها، مع أن الإنسان إذا قدم نفسه على حقيقتها لن يسيء ذلك إليه، بل سيزرع الثقة به في نفوس الآخرين، ويدعوهم لاحترامه وتقدير صراحته، لكن مَن مِن المسؤولين يرغب أن يظهر على حقيقته؟ والداء العضال لدى معظم المسؤولين أنهم عندما يتحدثون وعندما يصرحون وعندما يظهرون على شاشات التلفزيون، لا يتورعون عن الحديث عن مشاريع ضخمة مما نفذ أو سينفذ، وفي الواقع لا يوجد ما هو منفذ، ولا ما هو سينفذ، وإنما هي أحلام اليقظة التي لا يفيقون منها ليعترفوا بواقع خالٍ من كل ما يذكرون، أما إذا كانوا يتحدثون عن مشروع بعينه، فإن المبالغة التي لا تعرف التواضع هي الأسلوب الذي يضخم ذواتهم، قبل أن يضخم مشاريعهم، وتمر الأيام لتكشف أن تلك المشاريع الضخمة هي مشاريع قزمة بالقياس إلى ما يحتاجه المواطن من تلك المشاريع، هذا إذا لم تتعثر تلك المشاريع، فتحتاج إلى مشاريع إنقاذ أخرى، ربما كلفت أكثر مما كلفته تلك المشاريع، بسبب سوء التنفيذ، أو الرشا، أو فساد الذمم، وهي علامات أصبحت بارزة في تاريخ معظم المسؤولين الذين لا يستحضرون المصلحة العامة، بقدر ما يهتمون بأنفسهم، ومعروف ما يكتنف تنفيذ أي مشروع ضخم من تلاعب واستغلال للنفوذ، والمواطنون أمام ذلك، عين بصيرة ويد قصيرة، وهذا ما يقود الأمور من سيئ إلى أسوأ. المسؤولون ليسوا أصحاب المناصب الرسمية، ولكن المسؤولين أيضا في المؤسسات والشركلت الكبرى، فكلهم (في الهم شرق) وكأن العدوى قد انتقلت من أولئك إلى هؤلاء المسؤولين، رغم ديمقراطية الجمعيات العمومية في تلك المؤسسات، ورغم حرية الانتخابات، حيث لا يصل أحد إلى القيادة إلا عند حصوله على الأصوات التي تؤهله لذلك، فإذا صعد إلى الكرسي، نسف كل أقواله دون تردد، ولجأ إلى الممارسة الدكتاتورية لتمرير ما يوافق هواه من القرارات، التي قد تمس بالضرر غيره من البشر، ولتغطية ما بدا من سوأة التقصير، لا يجد سوى تضخيم الذات، وتضخيم ما أنجز من أعمال، وادعاء البطولات في إنجازاته الضخمة التي لا وجود لها سوى في مخيلته. وللحد من تضخيم الذات لا بد من رقيب يحاسب ويدين، يحقق ويقضي، يسائل ولا يتجنى، وهذا لن يتحقق إلا بوجود مؤسسات المجتمع المدني القادرة ـ وحسب القانون ـ على مساءلة المقصرين المتبجحين، والحد من نزقهم وشططهم في حب الذات، وإصرارهم على الكذب على المواطن. وقد بلغ عدد المتبجحين العرب حداً لم يبلغه من قبل، ولا أظن أنه سيبلغه من بعد. khlilf@hotmail.com
754
| 08 يناير 2012
عندما اجتاحت عالمنا العربي الأحداث التي عصفت بكيانه، لم تكن وليدة لحظة، أو طفرة مفاجئة، بل جاءت نتيجة مخاض عسير، نجم عن ظروف قاسية عاشتها هذه الشعوب، خلال عقود من الزمن، تراكمت بين مفاصلها أدواء أدت إلى الانفخار نتيجة الضغوط التي سببتها تلك الأدواء المستوطنة في عالمنا العربي، والمتمثلة في الظلم وانتشار الفقر والجهل، وإقصاء حرية التعبير، وانعدام فرص العمل، وغياب تكافؤ الفرص بين المواطنين، واحتكار الثروات من فئة قليلة حرمت غيرها من الانتفاع بالمال العام، حتى بلغ القهر بالمواطن العربي منتهاه، فكان ما ليس منه بد، وامتدت شعلة الثورة التي بدأت في تونس، لتحرق ما حولها، ثم انتقلت إلى بلدان عربية لتحرق الأخضر واليابس في مصر وليبيا واليمن وسوريا، ولتهز عروشا ما كان لها أن تهتز لو أنصفت شعوبها، ومنحتها حقوقها، ووفرت لها من الأسباب ما يصون كرامتها، ليعيش المواطن فيها آمناً ومستقراً، وقد كشفت هذه الثورات عورات كثيرة كان المعتقد أنها قوية وصلبة، لكن اتضح أنها ضعيفة وهشة، وغير قابلة للصمود أمام رياح الاصلاح التي سقتها معاناة الشعوب بما يوقظها من سباتها العميق. لكن هل هناك من يرفض ويدين الثورات العربية؟ من الطبيعي أن يرفض هذه الثورات أصحاب المصالح، والمنتفعون من استمرار الحال على ما كان عليه في السابق، ومن الخطأ أن نعتقد بزوال هؤلاء المعارضين بين ليلة وضحاها، بعد أن استمرأوا التلاعب بمقدرات شعوبهم، والكسب على حساب المحرومين والمعوزين، ومن ضربتهم الفاقة بعصاها الغليظة، لتكسر عظامهم، وتشل حركتهم في اتجاه ممارسة حياتهم الطبيعية، وكيف تستقيم الحياة لمن فقد أسبابها، وفقد معها كرامته وحريته وربما إنسانيته الممرغة في تراب الحاجة والعوز والفقر المدقع، في بلده المليء بالخير، وهو خير يجنيه من لا يرحم من في الأرض ليرحمه من في السماء. من الطبيعي أن ترفض الثورات تلك فئات المنتفعة، الخائفة على مكاسبها، لكن كيف تدين هذه الثورات فئات لا محل لها من الإعراب في سياق الأحداث والظروف في تلك الدول المبتلاة بسرطان ظلم الحكام وبطشهم، وتبديدهم للثروات على حساب المحرومين والمحتاجين والفقراء. كيف تدين الثورات فئات بعيدة عن واقع تلك الشعوب، لمجرد الحزن لمحاكمة رئيس وهي لم تذق طعم ظلمه، أو آلامها أن تنتهي حياة رئيس آخر شنقا، وهي لم تعرف معاناة ضحاياه من الأبرياء، أو ساءها أن يخلع رئيس وهي لم تدرك ما عاناه شعبه من تهميش وتجاهل وحرمان، أو ورق قلبها لزعيم تخاطفته أيدي الغاضبين حتى قضت عليه، وهي لم تعِ ما سببه لشعبه من عزلة عن العالم، ومن تخلف.. رغم ما لديه من ثروات طائلة توظف في التآمر على الشعوب الأخرى وشراء الذمم، وتدبير المؤامرات ضد بعض زعماء العالم. ذلك الرفض له مبرراته لدى من ركبوا موجته لأسبابهم الخاصة، لكن هذه الإدانة ممن لا ناقة لهم ولا جمل في الأمر.. هذه الإدانة كيف تستقيم مع رغبات هذه الشعوب في الإصلاح، وسعيها لتحقيق أهدافها في الحرية والعيش الكريم؟. حقا لقد قيل في الأمثال الشعبية: (النار لا تحرق إلا رجل واطيها) ولو جرب هؤلاء الذين يدينون الثورات العربية ذل الفقر، ومهانة البطالة، وقهر الظلم، لما ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه من إدانة للثورات التي صنعت يقظة الشعوب المستباحة من حكامها. khlilf@hotmail.com
386
| 01 يناير 2012
يكثر الحديث عن الهوية وملامحها ومقوماتها وما تعنيه من التزام تجاه الذات والآخر، من خلال سياقها العام قوميا ودينيا ثم وطنيا، وأي هذه الأركان الثلاثة ترتكز عليها الهوية في تحديد ملامحها الكلية، بعد أن توزعت ملامحها الجزئية في اتجاهات تحكمها عوامل حياتية لا مفر من الخضوع لها لضمان حياة آمنة ومستقرة للفرد والجماعة، لكن يظل ارتباط الهوية بالذات هو العذاب الأزلي للإنسان، الذي تحدد انتماءه وفق معطيات معينة محكومة بظروفه الخاصة، فهو لا يملك حق تحديد هويته، لأنه ولد في مجتمع حدد له مسبقا عوامل هذا الانتماء، وحرمه من أمور خاصة ربما لو أتيحت له فرصة اختيارها لتغير مجرى حياته. والهوية عندما تنتفي معها شروط الاختيار.. تضع الذات في مأزق الانسياق وراء ما هو كائن ومستقر، ليبدأ الصراع الخفي أو المعلن، وهو وصراع أشبه بالعذاب لأنه يصطدم بواقع ليس للإنسان القدرة على الخلاص من جوهره أو تغير مساره، وإن استطاع فذلك يقتصر على الظروف المعيشية وليس على تغيير الهوية الضاربة جذورها في عمق الموروث الأخلاقي والديني والبيولوجي، حيث لا يمكن لهذا الإنسان تغيير جيناته الوراثية بكل ما فيها من حسنات وسيئات. قد يستطيع أن يطور ذاته علميا، ويحسن أوضاعه المعيشية عمليا، وربما يغير وطنه، ولكنه سيظل أسير هويته الأساس، فالهوية هنا شبه بالقيود الحديدية التي تشده لصخرة انتماء تم اختياره له قبل أن يرى النور، فإذا ما أدرك فيما بعد قسوة عجزه عن التخلي عن هذا الانتماء، فسيجد أن عذابه الحقيقي لا ينحصر في الآخر كما يقول بعضهم، بل ان عذابه الحقيقي ينحصر أكثر في الهوية التي لا يستطيع التمرد عليها، والتي تحكم ذاته من المهد إلى اللحد، ولعل الصرخة الأولى التي يطلقها الوليد عند خروجه من رحم أمه.. هي صرخة احتجاج على عجزه أن يكون كما يريد لا كما تريد البيئة التي يوجد فيها، والمقولة التي تؤكد ان الإنسان ابن بيئته، صحيحة، وهي تنفي أن يكون الإنسان ابن رغبته، لأنه في حقيقته يمثل العجز الحقيقي أمام ثوابت الطبيعة وأحكامها القسرية، حيث لا مجال للتمرد أو الخروج على الناموس العام المستقر في ضمير المجتمع، وإن حاول مجرد محاولة الخروج عن هذا السياق، فسوف لن يعرف مصدر الحجارة التي تأتيه من كل الجهات، لترميه بأقذع الألفاظ وأسوأ الصفات، وهو هنا لا يملك مفرا من عذاب الذات حين الخضوع للهوية، وغضب الآخر حين التمرد على تلك الهوية، مع أنه تمرد يائس، كما تخبرنا تجارب الإنسان على امتداد التاريخ، ومع ذلك فإن هذا العذاب يدفعه دائما لخوض مغامرة التمرد على الهوية، رغم معرفته المسبقة بالنتائج. روح المغامرة التي يملكها الإنسان لاكتشاف المجهول، بدأت في حقيقتها منذ محاولته اكتشاف ذاته التي ظلت حتى اليوم في بعض جوانبها لغزا عصيا على الحل، ومع مرور الزمن، ومع كل اكتشاف جديد، تتسع دائرة المجهول أمامه، فالعلم لا يزيده إلا جهلا بما لا يعلم، وكلما تعلم زادت أمامه الأشياء التي عليه أن يتعلمها، ليظل في هرولته الأبدية نحو المجهول، حتى وإن كان يملك هوية معروفة بالنسبة له ولغيره، ولكنها المعرفة التي تحرم الذات من فرص التمرد عليها والخروج منها، مما يفضي به إلى القلق والحيرة والعذاب، وعجز الإجابة عن أسئلة الوجود والعدم. لعل الشاعر العربي القديم قد ادرك هذا المأزق عندما قال: مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها أن تحاول التمرد على الهوية.. فهذا هو العذاب الحقيقي للذات. khlilf@hotmail.com
653
| 25 ديسمبر 2011
من أسوأ ما نشاهده على اليوتيوب والفيس بوك والتويتر وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، تلك المقاطع المصورة التي تسيء وبشكل مقزز ومستهجن إلى شخصيات عامة أقل ما يقال عنها إنها ناجحة، استطاعت بوفائها لمبادئها أن تضع علامات مضيئة على طريق البناء لمجتمعاتها وأوطانها وأمتها، ومع أن هذه القامات السامقة قد أعطت بسخاء، وعملت بإخلاص، ومارست حياتها بوفاء تام لما تؤمن به من قناعات، وشقت طريقها بخطوات راسخة وواثقة في طريق النجاح، فقد أصبحت عرضة للتشويه من قبل مَن يختلفون معها في الرأي أو المذهب أو الطائفة، وخاصة أولئك الذين لا يعملون ويسوؤهم أن يعمل غيرهم، وهو تشويه يوغل في الاسفاف، ويتجاوز كل حدود القبح، لأنه يسيء إلى القيم الاخلاقية التي تميز الإنسان السوي عن سواه، حتى ليعتقد الإنسان أن هؤلاء ليسوا سوى مرضى تشوهت نفوسهم بالحقد والكراهية وحب الإساءة لغيرهم، من الناجحين الذين لا يلتفتون إلى هذا التشوية، وكأن لسان حالهم يقول: لا مجال لإصلاح مَن أصابتهم لعنة تشويه سمعة الآخرين. وكما أن الله قد وهب الناجحين ميزة التفوق، فقد منحهم قبل ذلك ميزة العقل الراجح، وهو أحد أسباب ذلك التفوق، والعقل الراجح هو الذي يملي عليهم النظر إلى تلك الأصوات النشاز بأنها من التشوهات التي قد توجد في أي طريق، ولا بد من تجاوزها وعدم الوقوف عندها، وصولا إلى آفاق الغايات الأسمى وفضاءات الأهداف الأعلى، والنتيجة أن هذه التشوهات لن تعود بالضرر إلا على أصحابها، وكما قيل: (لله در الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله) فالأحقاد وما تفرزه من إساءات ومحاولات تشويه تجاه الناجحين، لن تزيد أصحابها إلا ضغوطا نفسية لا تنتهي إلا عن أحد طريقين، إما العلاج النفسي، أو نهاية الحياة، ولنا أن ننظر حولنا لنرى أن الشجرة المثمرة هي التي ترمى بالحجارة، وأولئك الناجحون من رموز الأمة كتلك الأشجار المثمرة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها من يشاء، ويشمل ظلها مَن أراد، دون أن تنحني قاماتها لعواصف الغيرة والحسد والتشفي، من ناقصي العقل والدين، الذين لا هم لهم سوى زرع الأشواك في طريق الناجحين. جميع الأمم والشعوب تعتز برموزها، وتفتخر برجالها الناجحين، وتتباهى بإنجازاتهم التي تضيف لحياتهم ولحياة غيرهم الخير والأمن والسلام والرفاهية، لأنهم كالغيث إينما وقع نفع، وهذا ما يثير حفيظة الموتورين الذين يتحركون في اتجاه الخطيئة بدافع الأمراض النفسية والتشوهات الأخلاقية، مما يحولهم إلى أداة تخريب، تعمل بقوة الدفع الذاتي، أو تحركها أيد خفية لها مخططاتها التي تغيب عن إدراك وفهم من قصر بهم الإدراك والفهم عن معرفة سوء وقبح الأدوار التي يقومون بها، وما يمكن أن تفضي إليه من عواقب وخيمة، ليس على غيرهم ولا على مجتمعاتهم وأوطانهم وأمتهم فقط، بل وعلى نفوسهم الأمارة بالسوء، وهي عواقب مدمرة قد تعرضهم لما لا يخطر على البال من سوء المصير. لقد وجدت وسائل الاتصال الاجتماعي من أجل منفعة الناس، لكن هناك مَن يستعملها للضرر بالناس، والإساءة إليهم، وتشويه سمعتهم، والتقليل من شأن منجزاتهم، بل ومحاولة إلغاء نجاحهم، وهي محاولة فاشلة لأن الشمس لا يغطيها الغربال، مهما تعددت المحاولات واستمرت، فلا نجاح إلا للخير ولا بقاء إلا لما هو أصلح للبلاد والعباد. كيف للاختلاف في الرأي أن يودي بصاحبه إلى سراديب مظلمة من الأحقاد، وما تفرزه من إساءة للغير دون وجه حق؟، أليست هذه هي الخيانة للذات وللناس وللحياة؟ khlilf@hotmail.com
3035
| 18 ديسمبر 2011
لم يعد لمصطلح الأدب النسائي ذلك التأثير الذي أحدثه عند ظهوره في منتصف القرن الماضي، حيث قامت صراعات نقدية حوله بين مؤيد ومعارض، ومع مرور الزمن لم يعد هذا المصطلح يحظى باهتمام النقاد بالشكل الذي كان عليه حينذاك، لكن يظل الالتباس قائما حول عدد من الأسئلة الجوهرية التي يثيرها هذا المصطلح: معناه ومضمونه وشكله، فلا المعنى تحدد في إطار واضح، ولا المضمون تم الاتفاق عليه ليعني منتجا إبداعيا ينتمي إلى المرأة وحدها، ولا الشكل الذي تم التوصل إليه لإقناع المتلقي بصحة او عدم صحة هذا المصطلح، الذي ظل عائما دون تحديد ملامحه أو الاتفاق على تحديد معناه، هل هو ما تنتجه المرأة.. أو ما ينتج عن المرأة بصرف النظر عن كاتبه؟ هل هو ما يعالج قضايا المرأة الخاصة.. أم قضاياها العامة التي تشترك فيها من الرجل؟ هل يمكن عزله عن السياق العام للأدب.. أم هو جزء منه دون تجنيس أو عزل أو محاولة لإبرازه من طرف ووأده من طرف آخر؟ وأسئلة أخرى أثيرت وتثار حول هذا المصطلح دون نتيجة واضحة، ويبدو أنه من تلك المصطلحات التي تحولت إلى مجرد مسميات لا ترقى إلى المعنى الخاص للمصطلح، لكثرة تداولها بين النقاد دون أن يكون لهذا التداول أي تأثير إيجابي يستفيد المتلقي الذي يتعامل مع الإبداع بمعزل عن هوية المؤلف أو جنسه، رغم أهمية الارتباط بين النص والمبدع من وجهة نظر بعض النقاد عند حديثهم عن أي عمل إبداعي. ما يثار حول هذا الموضوع غالبا ما يكون مصدره المرأة الأديبة من باب التخلي عن الوصاية الذكورية، وهي في حقيقتها وصاية وهمية بعد أن أصبحت المرأة في كفة راجحة في كل المجتمعات، فهي المقدمة دائما على الرجل، وهي الآمرة الناهية في المنزل وربما في العمل، وهي تتمتع بالخدمات المجانية من قبل الرجل الذي يقضى كل حوائجها وهي مرتاحة البال بين أفراد أسرتها، بل وهي القنبلة التي يتحاشى الرجل أن يتصادم معها حتى تنفجر، خاصة بعد ان ملكت أمور حياتها الاقتصادية بدخولها إلى ميدان العمل، ولم يعد الرجل يعنيه عملها أو حتى ما تعنيه زينتها. هنا يأتي السؤال الصعب.. لماذا المرأة الأديبة أو الكاتبة بصورة عامة ومع كل هذه الامتيازات، تنحي باللائمة على الرجل، وتعتبر أنه يحيك مؤامرة ضدها من خلال تبنيه لهذه التسمية التي تفرق بين الأدب النسائي وغيره، ولو أنصفت لوجدت أنها وحدها من يحاول تكريس هذا الاتجاه والإمعان في إثارة هذه القضية مع أنها ليست قضية أساسا.. فلماذا تتبى معاداة الرجل وتحمله وزر أخطائها وأخطاء المجتمع وأخطاء الحياة عموما؟ في تصوري أن من تتبنى هذا لموقف هي واحدة من اثنتين، الأولى فشلت في علاقتها مع الرجل فأرادت الانتقام منه بهذا الموقف الحاد والصارم والرافض لكل ما يتعلق به حتى عندما يردد هذه التسمية وهي بالمناسبة اختراع نسائي بحت، والثانية امرأة عجزت عن خوض تلك العلاقة لسبب أو لآخر، إما لسبب عدم قدرتها على التأثير على الرجل ولفت انتباهه إليها، أو لسبب فقدانها فضيلة التأثر وإصابتها بضعف الاستجابة لتأثير الرجل عليها، وفي الحالتين لا أعتقد أن الرجل له ذنب في ذلك، طبعا هذه أسباب افتراضية قد لا ترضي بعض الأديبات اللواتي يشغلن المتلقي بترديد هذا المصطلح.. عفوا أقصد هذه التسمية التي لم يكن لها وجود على أرض الواقع.. من الأساس. لذلك نقول:رحمة بنا أيتها الأديبات المبدعات، فنحن المتلقين لا نعرف سوى الابداع وحده، دون أن تعنينا علاقته بمن أبدعه رجلا كان أو امرأة. Khlilf@hotmil.com
409
| 11 ديسمبر 2011
مازال التسليم بأهمية العلم قائما، إذ به تتقدم الشعوب وتحقق انتصاراتها في جميع المجالات، لكن هذه القناعة يعتريها أحيانا بعض الارتباك، لأن العلم سلاح ذو حدين، يمكن استخدامه للخير وهذا هو العلم النافع، كما يمكن استخدامه للشر وهذا هو العلم غير النافع. الذين اخترعوا القنبلة الذرية، والذين اخترعوا أدوات الفتك والدمار الشامل، إنما ولجوا هذا العالم من باب العلم الواسع، وبدلا من استخدام علمهم في خدمة الناس وبدلا من استغلاله لخير البشرية، نراهم وقد شذوا عن سواء السبيل، وانحرفوا عن رسالة العلم المتوخاة لإضافة كل ما يسعد البشرية ويصلح من شأن الدنيا، ويحد من التشوه الذي يسود العالم، وهو تشوه امتد من النفوس الأمارة بالسوء الى كل ما هو موجود على وجه البسيطة. وقد يكون المتعلم غافلاً عن المعرفة بالأهداف والغايات التي يمكن أن يصل اليها بعمله، وجاهلاً بما يمليه عليه هذا العلم تجاه نفسه وتجاه الآخرين، من هنا يأتي التخبط في مسيرة الفرد الذي لا يدرك ما ينطوي عليه علمه من معطيات يمكن أن يستغلها لصالح نفسه ولصالح غيره، هذا إذا كان العلم نافعاً في الأصل، أما إذا كان هذا العلم من النوع الذي يجنح بالإنسان إلى الضلال فالنتيجة معروفة مسبقا، حيث تنعدم الفوائد وتتأكد الأضرار سواء على المستوى الخاص او المستوى العام. من أجل ذلك كان التأكيد على المعرفة والوعي بما ينطوي عليه العلم من محاذير في بعض جوانبه.. المجرمون يتعلمون ارتكاب خطيئة الجريمة ضد غيرهم، والسفاحون يتعلمون كيف يدمرون مجتمعاتهم، وكذلك اللصوص والإرهابيون والقتلة والمتآمرون.. إنما يتعلمون أبجديات هذا الانحراف ليصبح سلوكاً يعرفون به فيما بعد.. إنهم لا يولدون بهذه الصفات البشعة، إنما يكتسبونها بالتعلم والتعود والممارسة، حتى تتأصل في نفوسهم، وتقضي على نوازع الخير وبذور الفضيلة التي يتمتع بها كل إنسان.. إلى أن تمحوها نوازع الشر، وتدمر معها كل ما هو إنساني وجميل ورائع في الحياة. الحرص على العلم من أوجب الواجبات، لكن ما هو أهم من ذلك هو حسن اختيار هذا العلم، ثم معرفة مسؤولياته، وما قد يترتب عليه من التزامات أدبية ومادية تجاه النفس وتجاه الغير، وإذا كانت مراحل التعليم العام والعالي تحرص على العلم النافع، فإن هناك بؤرا تعلم الشر، ومحاضن ترعى الفساد، كل ذلك باسم العلم الذي ظلموه عندما ساقوه عنوة لخدمة الأغراض والغايات المشبوهة، ولأن المستهدفة هي الاجيال الجديدة التي تشكل صيداً سهلاً لمن يقف وراء كل ذلك، فإن التيقظ المطلوب والتحصين اللازم يأتيان من التربية السليمة، ويتحققان من الرعاية الواعية للأبناء، حيث لا إفراط ولا تفريط في التربية بعد الأخذ في الحسبان مخاطر هذا الزمان. أن نتعلم فهذا جميل، ولكن الأجمل أن نحسن اختيار ما نتعلم مما تتطلبه حركة التنمية، وما تقتضيه ظروف ومتطلبات الحياة الحرة الكريمة، وما نستطيع الإسهام به في تقدم البشرية ورقيها، بعد أن أصبح عالم اليوم على هذا المستوى من التلاحم الذي تقتضيه المصالح المشتركة لكل الأمم والشعوب، وليس حسن الاختيار فقط هو المهم بل المهم أيضا هو الاحساس بمسؤولية هذا الاختيار، وما تقتضيه هذه المسؤولية من وعي وإدراك لأمانة هذا العلم وفوائده، وبغير هذا الاحساس يظل العلم حتى وإن أحسنا اختياره.. مجرد وسيلة لاستمرار الحياة، وليس وسيلة للإسهام في صنعها وفق شروط العصر ومقتضياته. إذا أدركنا الفرق بين العلم والمعرفة، فقد أدركنا كيف يكون دورنا فاعلاً وإيجابياً تجاه الذات والآخر. khlilf@hotmail.com
1176
| 06 ديسمبر 2011
مساحة إعلانية
        المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2847
| 28 أكتوبر 2025
        كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...
2472
| 30 أكتوبر 2025
        اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...
1956
| 03 نوفمبر 2025
        حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...
1536
| 04 نوفمبر 2025
        نعم… طال ليلك ونهارك أيها الحاسد. وطالت أوقاتك...
1491
| 30 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...
1107
| 29 أكتوبر 2025
        8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...
819
| 04 نوفمبر 2025
        ما من ريبٍ أن الحلم الصهيوني لم يكن...
750
| 02 نوفمبر 2025
        أحيانًا أسمع أولياء أمور أطفال ذوي الإعاقة يتحدثون...
741
| 30 أكتوبر 2025
        من الشيق استرجاع حدث سابق تم تحليل واقعه...
690
| 28 أكتوبر 2025
        ليست كل النهايات نهاية، فبعضها بداية في ثوب...
690
| 29 أكتوبر 2025
        تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...
681
| 04 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية