رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الحجة البرّة

الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، جعله الله مكفرا للسيئات ماحيا للذنوب والآثام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" رجع معافى مبرءا من كل عيب، هذه الميزة وهذا الفصل خصيصة من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم، نسأل الله أن يرزقنا حج بيته المبارك. ومعلوم أن الحج فريضة فرضها الله على الرجال والنساء على السواء بيد أن اختلافات يسيرة تختلف فيها المرأة عن الرجل نظرا للطبيعة الخاصة التي تتميز بها النساء، راعى الإسلام ذلك فخص لهن من الأحكام ما يتناسب معهن، لكن بعض هذه الأحكام كانت وما زلت عند البعض مثار جدل وأخذ ورد، من ذلك ما ورد من سؤال ورد إلى من بعض الأخوات احداهن تقول انها تريد الحج وتحكى عن نفسها أنها صاحبة خير (مال) ورزقها الله مع المال العافية في البدن، وهي مطلقة وليس عندها محرم يذهب معها وتتساءل المرأة: هل الحج علي كما يقول البعض محرم، وماذا أفعل إذا كنت وحيدة ليس عندي ولد ولا زوج، وتقول في آخر رسالتها وإذا كان لابد من وجود محرم فهل يجوز أن أحج مع أختى وزوجها، على اعتبار أنه مُحَرّم علي؟ وللإجابة عن هذا التساؤل نقول: بداية من هو المحرم؟ المحرم هو: من حرم عليه نكاح المرأة على التأبيد، بسبب مباح لحرمتها.. وذلك مثل: الأب، والابن والأخ، وابن الأخ ونحوهم. فليس من المحرم زوج الأخت، أو زوج عمتها، أو زوج خالتها، لأنه إحداهن لو ماتت أو طلقها زوجها حل لها إن كانت بغير زوج، ولا مانع يمنعها، فتحريم التزوج بهن ليس على التأبيد فلا يطلق عليه محرم. هذا معنى على التأبيد، أيضا وضع العلماء ضابطا آخر وهو قولهم: بسبب مباح ومعنى ذلك أن السبب لو كان محرما لا يعد الرجل محرما، ومثال ذلك لو زنى رجل بامرأة — عياذا بالله — فإن أمها محرمة عليه على التأبيد، ولكنها محرمة بسبب غير مباح وهو الزنى فلا يعتبر محرما لها ولا يعتبر محرما لهذه الأم. بناء على ما سبق فإن محارم المرأة هم: أولاً: الزوج. ثانيا: من تحرم عليه على التأبيد بنسب، وهم سبعة: الأب، والابن، والأخ، والعم، وابن الأخ، وابن الأخت، والخال. ثالثا: ما كان بسبب الرضاع، وهم سبعة كالنسب فكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب". رابعا: ما كان بسبب المصاهرة وهم أربعة: أبو زوجها، وابن زوجها، وزوج بنتها، وزوج أمها، والثلاثة الأول يحرمون عليها بمجرد العقد، أما زوج أمها فلا يكون محرما إلا إذا دخل بأمها. بعد أن علمنا من هو المحرم بقى أن نسأل هل وجوده شرط في الحج بالنسبة للمرأة، وماذا تفعل المرأة إن لم تجد محرما، لعلنا نناقش هذه الجزئية في المقال القادم إن شاء الله، الله ارزقنا حج بيتك الكريم واغفر لنا أجمعين.

555

| 27 أكتوبر 2011

الكذب الالتباسي عند الأطفال

ذكرنا في المقالات السابقة أن الأطفال لهم طبيعتهم الخاصة وليس كل ما يصدر عنهم من أمور هو على محملها الطبيعي عند الكبار وإن كان كذلك عند الأطفال، وقد عمل جهل بعض الآباء بتقسيمات علماء النفس والسلوك لأنواع الكذب عند الأطفال على إضعاف الجانب التربوي والخلقي لهم ودفع بعضهم(الأطفال) في الغالب الأعم إلى الخطأ أو عدم التفريق بين الصواب والخطأ لأنه ينطلق من قناعات مغايرة للأبوين في نظره، وقد يصل الحال إلى فقدان الثقة بين الآباء والأبناء حتى مع حرصهم على تقويم سلوكهم، لذا كان لا بد من التنبيه على ضرورة معرفة الآباء بأنواع الكذب حتى يتسنى لهم وضع خطط سديدة لتقويم أولادهم. ذكرنا أن الكذب ينقسم كما أخبر علماء السلوك إلى أحد عشر قسما ذكرنا منهم الكذب الخيالي واليوم نقف عند الكذب الالتباسي. وهو عبارة عن خليط فكري عند الأطفال يجمع بين الخيال والحقيقة ولا يستطيع الطفل بل حتى لا يدرك التفريق بينهما لضعف قدراته العقلية من ناحية، أو لقوة الخيال وارتباطه بشيء واقعي من ناحية أخرى، فقد يسمع قصة خرافية فيتصورها ثم يعيش أحداثها ثم يحكيها على أنها حقيقة، ويعدل في أشخاصها وأحداثها حذفا وإضافة وفق نموه العقلي، وقد ينزعج الآباء كثيرا حين يسمعون أن الشخصيات التي يحكيها إنما هي أسماء إخوانه أو أبناء عمومته أو حتى والديه، وعنا تنمو ثائرة الوالدين ويعتقدان أنه يكذب وليس كذلك بل الأمر أنه شاهد الأمر وتخيله وربما أعجبته شخصية أحد من رآهم وتخيل إخوانه هم الأعداء وأخذ يحاربهم وربما انتصر عليهم أو انتصروا عليه ولم يفرق ساعتها والتبس عليه الأمر فأخذ يحكي الخيال على أنه حقيقة فإذا ضرب أخته فإنما لأنها ضربته وسرقت ألعابه واستولت على أشياء عنده، وهذا يعطيه المبرر لضربها، وقد يرى رؤيا فيرويها على أنها حقيقة، فأحد الأطفال رأى في المنام أن الخادمة تضربه وتكسر لعبته فأصر على أن الأمر وقع منها وربما يقسم الأيمان المغلظة وحين يدرك أبواه أنه غير صادق يقومان بتجاهل الأمر وهذا أمر سلبي لأنه ساعتها يظن أن أبواه لم ينصراه في قضيته وأنهما وقفا بجانب الخادمة ولم يقفا بجواره، وكذلك إذا فهم الأب فليس له أن يعنف الخادمة على أمر لم تفعله لأنه بذلك يشرع له الأمر، وإنما الحل الصحيح أن يبحث الوالد معه بهدوء أساس الموضوع فمثلا إذا قال كسرت لعبتي الجديدة واختطفتها فيقال له: من أتى لك بها ويظل معه بهدوء ليدرك الطفل أن اللعبة أصلا ليست معه، ثم يخبره الأب بأنه ليس كاذبا وإنما هذا حلم أو تخيل ويعرفه الأمر بروية وهدوء. وهناك طريقة جيدة جدا في علاج هذه الظاهرة، وهو أن تسير مع الطفل في تخيله وتمدح له حسن صنيعه وأنك وأمه سعيدان بنمو حاسة التخيل فيه. ومع هذا فنحن نعلم وهو سيعلم معنا أنها نوع من اللعب، وأن ما يقوله ليس صدقا وليس كذبا وإنما هو نوع من التسلية والمداعبة. وقد يكون هذا التخيل بذرة لموهبة قصصية أو أدبية يتعهدها الآباء والأمهات بالرعاية. وأسوق هنا قصة لأحد أدباء فرنسا يحكى عن نفسه أنه تأخر عن موعد البيت وخشي العقاب فاختلق قصة مفادها أنه عند رجوعه من البيت حدثت عاصفة قوية وأنه صعد على أعلى مكان في المدرسة ليحاول إيقافها، وكاد أن يموت من جراء بطولته هذه، وهذا ما أخره عن البيت. صفق له الأبوان تصفيقا حارا ومنحاه جائزة على سعة مخيلته، وأمراه أن يكمل القصة بجميع أبعادها، فكانت قصته الشهيرة التي سماها (الهروب). وصار فيما بعد أديبا كبيرا. نكمل إن شاء الله بقية الأنواع في المقالات القادمة أسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يهيئ لنا سبل الخير والرشاد.    

3783

| 20 أكتوبر 2011

الكذب الخيالي عند الأطفال

ذكرنا في المقال السابق أن جهل بعض الآباء بتقسيمات علماء النفس والسلوك لأنواع الكذب عند الأطفال حتى مع حرصهم على تقويم سلوكهم، يؤدي في الغالب الأعم إلى دفع الأطفال إلى الخطأ أو على الأقل يحدث شيء من فقدان الثقة بين الآباء والأبناء، وذكرنا ضرورة معرفة ولي الأمر بأنواع الكذب حتى يتسنى له وضع خطط سديدة لتقويم ولده. وينقسم الكذب كما أخبر علماء السلوك إلى: الكذب الخيالي. الكذب الالتباسي. الكذب التعويضي. كذب الاستحواذ. كذب المحاكاة (التقليد). الكذب لجذب الانتباه. كذب الكراهية والانتقام. كذب الخوف من العقاب (الكذب الدفاعي). الكذب لمقاومة السلطة الكذب الاجتماعي. الكذب المرضي. وأغلب هذه الأنواع لا يعد كذبا بالمعنى الاصطلاحي لمعنى الكذب، ولا ينبغي أن يوصف مرتكبه بأنه كذاب أشر! أو ينعت بفلان الكذاب! أو ما إلى ذلك من الصفات الملصقة بالفعل والتي تضر في كثير من الأحيان أكثر مما تنفع، ودعونا نحاول فهم الأمر جيدا بشرح تلك الأنواع والوقوف على أسبابها ومن ثم طرق التعامل معها. النوع الأول: الكذب الخيالي. وهو أن يذكر الطفل أشياء لم تقع على أنها وقعت بالفعل، وقد يقسم الأيمان الغليظة على ذلك، وينفعل ويبكي ويصرخ إذا اعترض عليه أحد أو كذبه أو شكك في أقواله، وهو شائع في الأولاد قبل سن الخامسة، كما يقول علماء النفس معللين ذلك: بعدم قدرة الطفل "قبل الخامسة" في الغالب الأعم على التفرقة بين ما هو حقيقي وما هو خيالي. هذا النوع من الكذب له أسبابه الدافعة إليه منها على سبيل المثال: — كثرة الأمور الخيالية التي يتعرض لها من مشاهداته للكرتون أو ممارسته الألعاب التي تتضمن نوعا من التخيل والتأليف لأحداث في الأصل حقيقية لكنها غير ذلك كبناء بيت أو تصنيع طائرة ورقية، أو ركوب سفينة فضاء والسير في الأجواء، كل هذا وغيره لا يستطيع الطفل أن يفرق بين الشق الحقيقي والشق الخيالي، لذلك قد يتحدث عن أشياء لم تحدث على أنها حدثت لا يريد بذلك الكذب ولا يقصده. - كذلك من الأسباب التي تنمي أو ربما تدفع الطفل إلى التخيل كثرة الأماني والوعود التي يقطعها بعض الآباء لأبنائهم دون الوفاء بها، مما قد يترتب عليه هروب الطفل من الحقيقة التي يعيشها إلى الخيال المريح حتى يتسنى له إيجاد ضالته، فمثلا طلب الطفل من والده لعبة أو هدية أو رحلة، ووعده الوالد بذلك، بمجرد الوعد انتقل الطفل من الواقع إلى الخيال ليجد نفسه يلعب باللعبة أو في الطائرة ينتظر الإقلاع وربما تحدث معركة يكون أحد أبطالها المهم أنه عاش الخيال بكليته، فإذا لم يف الوالد بوعده، ساعتها سيهرب الطفل مجبرا إلى عالمه الجميل ليفترض وجودها، ويعيش في أجوائها، وهنا يصبح الوهم حقيقة في مخيلة الصغير، لا يقبل التشكيك فيه من أحد بل يفترض على من استمع إليه أن يصدقه وأن يشاركه تلك الأجواء الحقيقة عند الطفل الخيالية عند المستمع، فاللعبة قد امتلكها حقيقة لكنه خبأها في مكان لا يصل إليه إنسي، وأنه يأخذها من مكانه السري في الليل ليستمتع بالعب بها وحده، وربما يقسم لأخيه على ذلك، وهو غير كاذب لأنها صارت مملوكة له حقيقة لكن في مخيلته هو. - ومن الأسباب التي تدفع إلى الخيال والعيش فيه: سماع القصص الخرافية والتي فيها نوعا من الإثارة كالأسطورة مثلا أو الرجل الفضائي أو السوبر مان أو الرجل الخفي، فيذهب خيال الطفل إلى تصديق هذه الأساطير وأنها موجودة حقيقة، وربما يرى أنه قد صار أحدهم أو اقترب منهم، وساعتها يتخيل ما لم يحدث على أنه قد حدث. هذا النوع وإن اشترك في المعنى اللغوي للكذب إلا أنه لا يعد كذبا ويجب ألا يوصف به، ولا ينبغي أن ينزعج منها الأبوان أو يعتبرانه جنوحا أو ميلا للكذب المرضي فيما بعد، ولكن فقط على الآباء والأمهات فهم الخلل الذي تسرب إلى الطفل ومن ثم ربطه من آن لآخر بالواقع الذي يعيشه.

5092

| 12 أكتوبر 2011

أنا لا أكذب يا أمي ولكنني طفل

ما من دين ولا خلق مستقيم يمدح الكذب أو يجاري قائله، بل هو مذمة في الأديان والأعراف جميعا، وهو أبغض الأخلاق إلى كل الأنبياء، وهو في الإسلام ممحق للبركة، ومفتاح لكل موبقة. ويعرف عند أهل الشأن بأنه: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، ولأنه كذلك جاءت الآيات والأحاديث تحمل في طياتها التهديد الأكيد والوعيد الشديد، لمن تخلق به ومن ذلك: 1 — الحرمان من نعمة الهداية: قال تعالى: إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب [غافر: 28]. الطرد من رحمة اللَّه تعالى: قال تعالى: ألا لعنة الله على الكاذبين فالكذاب مطرود من رحمة اللَّه تعالى. 2 — الكذب طريق الفجور: عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند اللَّه كذابًا» ومعنى الفجور كما قال الراغب: الشق، فالفجور شق في ستر الديانة ويطلق على الميل إلى الفساد وعلى الانبعاث في المعاصي وهم اسم جامع للشر. 3 — الكذب مفتاح النفاق: فعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر». قال الإمام النووي رحمه اللَّه: الذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار: ان معناه أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم، فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال قوله صلى الله عليه وسلم: «كان منافقًا خالصًا». معناه شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال. 4 — الكذب خيانة: فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كبرت خيانة أن تُحدث أخاك حديثًا هو لك مصدق وأنت له كاذب». وقد قيل في منثور الحكم: الكذب لص لأن اللص يسرق مالك والكذب يسرق عقلك، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الكذاب كالسراب. وهذه مقدمة تمهيدية لمقالات تأتي تباعا للتفرقة بين الكذب الذي عليه مدار الذم السابق، وما يأتي على أيدي الأطفال بما يعاقبون عليه وهم برءاء منه، فبعض الآباء يحرص على المتابعة الدقيقة لحركات وسلوك ولده، وهذا جيد لكن غير الجيد أن يعاقب الولد على ما لم يقصده ولم يرده، ليأتي البعض ويتهم ولده وينعته بالكاذب مما يتسبب في ميلاد حالة من فقدان الثقة بين الآباء والأبناء. وقد كان من الممكن جدا أن يعالج الوالد الأمر علاجا يسيرا. ودعني أخي القارئ نؤكد على حقيقة علمية وهي أن الكذب سلوك مكتسب كما أن الصدق أيضا سلوك مكتسب، ويعني ذلك أن البيئة هي المحضن الطبيعي له وقلما تجد ولدا كاذبا إلا وحوله من المعطيات ما أوصله إلى ذلك. فالكذب على نوعين: نوع طبيعي لا ينبغي أن يضخم بل يوجه. ونوع حقيقي لابد من الوقوف عليه ومعالجته وعدم التفريق بين الاثنين هو الذي يأتي بمعظم الكوارث الأسرية. يقسم علماء النفس الكذب إلى عدة أنواع وهي: 1 — الكذب الخيالي: 2 — الكذب الالتباسي: 3 — الكذب التعويضي: 4 — كذب الاستحواذ. 5 — كذب المحاكاة (التقليد): 6 — الكذب لجذب الانتباه: 7 — كذب الكراهية والانتقام: 8 — كذب الخوف من العقاب (الكذب الدفاعي): 9 — الكذب لمقاومة السلطة: 10 — الكذب الاجتماعي: 11 — الكذب المرضي: وإن شاء الله في المقال القادم نفسر هذه الأنواع.

1414

| 04 أكتوبر 2011

المالُ عبدٌ جيدٌ وسيدٌ رديءٌُ

أحد زينتي الحياة الدنيا كما أخبر القرآن في قوله: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} لكن أصناف الناس في التعامل معه تختلف، فمن جاعل المال عبدا له يسيره حيث أراد الله ورسوله، يتقي الله فيه ويعلم لله فيه حقه، ومن جاعل المال سيدا له يأتمر بأمره وينتهي بنهيه، والنبي صلى الله عليه وسلم بين في حديثه الشريف الماتع الذي رواه الترمذي وأحمد من حديث أبي كبشة الأنماري أقسام الناس عند المال ودرجة كل قسم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم {ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ}. أحببت أن استعرض حال الناس مع المال في هذا الحديث الشريف، الذي بدأه النبي صلى الله عليه وسلم بسياق مختلف عن أحاديثه، حين بدأ بالقسم على ما يخبر به، وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن هوى نفسه صلى الله عليه وسلم، وذلك لجلل ما سيأتي من أمور، ولاعتقاد الناس فيها اعتقادات متباينة، والثلاثة المقسم عليها كلها تتعلق بالمال: أما الأول فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وهذا القول أول ما يصرف إلى الأغنياء ولا يستثنى الفقير من ذلك، وربط العبد بالرزاق منهج قرآني والله قد ضمن الرزق في الأزل بل وأقسم عليه قال جل شأنه: { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}، وهذا ما يجعل أهل الإيمان يطمئنون إلى ما عند الله ولا يجزعون عند المصائب بل سعادتهم بالإنفاق سعادة أهل الدنيا بجلب المال لهم وزيادة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم أن ما أنفقه الرجل في حياته هو ما ذهب واندثر وما أنفقه لله هو ما بقي أثره ووجده عند لقائه بربه. ففي الصحيح من حديث ابن مسعود رضي اللـه عنه قال: قال: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله)؟ قالوا: يا رسول اللـه ما منا أحد إلا وماله أحب إليه من مال وارثه، قال: (فإن ماله ما قدم ومال ورثته ما أخر). والقصة الأشهر للشاة بينة الوضوح، حين قال لأم المؤمنين عائشة وقد تصدقت بالشاة كلها إلا الذراع: ما بقي من الشاة يا عائشة قالت: ذهبت كلها وبقي الذراع فقال صلى الله عليه وسلم: بل بقيت كلها ومضى الذراع"، وعندما حدثته أسماء رضي الله عنها عن اقتصادها في النفقة والمعيشة فقالت: يا رسول الله، ليس في بيتي شيء إلا ما أدخل على الزبير، فهل علي جناح أن أرضخ (أعطي قليلاً) مما أدخل علي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ارضخي ما استطعت، ولا توكي فيوكي الله عليك) أي لا تبخلي ولا تمنعي عطاء الله للفقير. تلك أول الأمور التي أقسم عليها النبي ولعلنا في اللقاء القادم بإذن الله نستعرض البقية.  

892

| 21 سبتمبر 2011

ميزان الأخوة في التشريع الإسلامي

إن الناظر في التشريع الإسلامي يدرك مدى العمق النفسي المرعي فيه، وهذا يدل على الواقعية التي لا تجعل البشر ملائكة لا يخطئون ولا شياطين لا يصيبون، لأجل ذلك وضع التشريع الإسلامي ميزان قسط يحفظ للعلاقات بين الناس توازنها؛ أمنا لضمان استمرار الحب ودواما للألفة، وكذلك ليصون النفس من صدمات تلحق — في الغالب الأعم — أهل الإسراف في المشاعر، فوجه المرء إلى الاعتدال في المحبة، والاقتصاد في المديح، والإنصاف في المعاملة، والتوسط في المعاشرة، والالتزام بالشرع في المخالطة. يقول سيدنا عمر بن الخطاب — رضي الله عنه —: (لا يَكْن حُبُّك كَلَفاً ولا بُغْضُك تلفاً) والكلف شدة التعلق بالشيء، والتلف: الإهمال. وبهذا يلفت الإسلام النظر إلى الاعتدال في المحبة أو البغض على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: "أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما". رواه الترمذي في سننه وصححه الألباني. فإذا أحبب المرء أو أبغض فبقدر، وإذا اقترب فلغاية، وإذا هجر فلحكمة، فليس وراء كل هجر عتاب فكما قيل قديما: قد يكون العتاب ترك العتاب. وكما قال أحد الشعراء: إني ليهجرني الصديق تجنيا **** فأريه أن لهجره أسبابا وأخاف إن عاتبته أغريته **** فأرى له ترك العتاب عتابا وإذا بليت بجاهل متعاقل **** يدعو المحال من الأمور صوابا أوليته مني السكوتَ وربما **** كان السكوت عن الجواب جوابا لذا لا ينبغي أن يفرط الرجل في محبة أخ، كما لا يتجاوز في عداوة عدو، فإنه لا يدري متى تنتقل صداقة الصديق عداوة، ولا متى تنتقل عداوة العدو صداقة، بل كما قال أكثم بن صيفي: الانقباض من الناس مكسبة للعداوة، وإفراط الأنس مكسبة للملال. ويقصد أكثم أن الاقتصاد أدنى إلى السلامة. وكن معدناً للحلم، واصفح عن الأذى... فإنك راءٍ ما علمت وسامع وأحبب، إذا أحببت، حباً مقارباً ... فإنك لا تدري متى أنت نازع وأبغض إذا أبغضت غير مباعد ... فإنك لا تدري متى أنت راجع وفي ذلك يقول ابن القيم: من أحب شيئا سوى الله عز وجل فالضرر حاصل له بمحبوبه: إن وجد وإن فقد، فإنه إن فقده عذب بفواته وتألم على قدر تعلق قلبه، وإن وجده كان ما يحصل له من الألم قبل حصوله، ومن النكد في حال حصوله، ومن الحسرة عليه بعد فوته: أضعاف أضعاف ما في حصوله له من اللذة: فما في الأرض أشقى من محب **** وإن وجد الهوى حلو المذاق تراه باكيا في كل حال **** مخافة فرقة، أو لاشتياق فيبكي إن نأوا، شوقا إليهم**** ويبكي إن دنوا، حذر الفراق فتسخن عينه عند التلاقي**** وتسخن عينه عند الفراق ومع كل هذه النداءات فالوقاية من البداية أوفق للمرء، فعليه أن لا يكثر من قرناء لا يعرف عنهم ما يستروح له قلبه، ويسكب لمعرفته فؤاده. عدوك من صديقك مستفاد... فلا تستكثرن من الصحاب فإن الداء أكثر ما تراه... يكون من الطعام أو الشراب

1269

| 14 سبتمبر 2011

الشهر الكريم وأصناف المستقبلين (2)

ذكرنا في المقال الفائت أحوال بعض المؤمنين في استقبال هذا الشهر العظيم، وقلنا انهم جمهور الأمة العريض والحمد لله، لكن على النقيض من ذلك هناك من المسلمين من انغمس في الملذات، بل ان بعضهم ينشط أكثر والعياذ بالله في مثل هذا الشهر الفضيل، إنهم يستثقلون الشهر، ويستعظمون مشقته، فإذا نزل بهم فهو عليهم كالضيف الثقيل، يعدون ساعاته وأيامه ولياليه، منتظرين رحيله بفارغ الصبر، يفرحون بكل يوم يمضي منه، حتى إذا قرب العيد فرحوا بدنو خروج هذا الشهر، لأنهم اعتادوا على التوسع في الملذات والشهوات: من المآكل، والمشارب، والمناكح، وغيرها، فضلاً عن مقارفتهم للمتع المحرمة، فوجدوا في هذا الشهر مانعًا وقيدًا يحبسهم عن شهواتهم، ويحول بينهم وبين ملاذّهم؛ فاستثقلوه. أو هم قوم عظم تقصيرهم في الطاعات، حتى إن منهم من قد يفرط في الفرائض والواجبات، فإذا جاء هذا الشهر التزموا ببعض الطاعات، فترى بعض المفرطين المقصرين، يترددون في هذا الشهر على المساجد، ويشهدون الجمع والجماعات، ويواظبون على الصيام والصلاة كل يوم؛ فبسبب هذا الالتزام الذي لم يألفوه ولم يتـوطنوا عليه؛ اسـتعظموا حِمْلَ هذا الشهر. على إن من أكثر المصائب انغماس بعض الناس في شرب ما حرم الله من الخمر والمخدرات بأنواعها وكذا السجائر، والخمر أم الخبائث كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، وإن شربها في الدنيا يكون سببًا في حرمانهم من شرب ما حرم يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة، إلا أن يتوب". وإنما يحرم من شربها يوم القيامة وإن دخل الجنة؛ عقابًا له على تمتعه بخمر الدنيا، وهي محرمة عليه، وفي حديث آخر: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة". لكم ضيعت هذه الآفة المهلكة فئاما من الناس ضل سعيهم في الحياة وهم يعلمون أنهم يسيئون صنعا، بل بلغ الحال ببعض سفهائهم أن يدعوا على رمضان كما ذكر ابن رجب وغيره، أن غلامًا سفيهًا، لما أقبل عليه رمضان ضاق به ذرعًا، وأخذ ينشد: دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ولا صمت شهرًا بعده آخـر الدهـر فلــو كـان يعديني الأنـام بقـوة على الشهر لاستعديت قومي على الشهر ومن ذلك ما يتماجن به بعض الشعراء كقول أحدهم عن الخمر: رمضـان ولّـى هاتـها يـا ساقي رمضـان ولّـى هاتـها يـا ساقي نسأل الله أن يجنبنا طرق الغواية وأن يهدي المسلمين إلى الطريق القويم.  

437

| 27 يوليو 2011

الشهر الكريم وأصناف المستقبلين (1)

ها قد أتى بعد طول غياب، أتى والذنوب على الكاهل ثقيلة، أتى رحمة من الله لتغسل الذنوب وتقر القلوب وتقترب الخطوب وتجتمع القلوب على محبة علام الغيوب، فكيف حال المستقبلين لهذا الشهر العظيم؟ الصنف الأول: هم أغلب هذه الأمة المسلمة وجماهيرها العريضة المؤمنة، من يأنسون به ويفرحون بقدومه، لأنهم: — ما تركوا الصيام ولا ملوا القيام، فالعام عندهم فيض قبس من نور رمضان، تعودوا صيامه حبا وتضرعا إلى الله، وأتموا حبهم بصيام النوافل، إيمانا منهم بما جاء في السنة النبوية من استحباب صيام أيام كثيرة: كصيام الاثنين، والخميس، والأيام البيض، ويوم عرفة لغير الحاج، ويوم عاشوراء مع يوم قبله أو يوم بعده، وصيام شعبان…، وغير ذلك من أنواع الصيام المستحب، الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته؛ ليعتادوا الصوم، ويتزودوا من التقوى. وإن نظرة على حال سلف هذه الأمة المبارك تنبئك الخبر اليقين: من ذلك أن قومًا من السلف باعوا جارية لهم لأحد الناس، فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات؛ لاستقبال رمضان — كما يصنع كثير من الناس اليوم —، فلما رأت الجارية ذلك منهم، قالت: لماذا تصنعون ذلك؛ قالوا: لاستقبال شهر رمضان. فقالت: وأنتم لا تصومون إلا في رمضان؟! — واللهِ — لقد جئت من عند قوم السنةُ عندهم كأنها كلها رمضان، لا حاجة لي فيكم، ردوني إليهم. ورجعت إلى سيدها الأول. وكان لدى الحسن بن صالح جارية، فاشتراها منه بعضهم، فلما انتصف الليل عند سيدها الجديد، قامت تصيح في الدار: يا قوم، الصلاة.. الصلاة، فقاموا فزعين، وسألوها: هل طلع الفجر؟ فقالت: وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة؟! فلما أصبحت رجعت إلى الحسن بن صالح، وقالت له: لقد بعتني إلى قوم سوء؛ لا يصلون إلا الفريضة، ولا يصومون إلا الفريضة؛ فردني، فردّها. إنها حالة امرأة مؤمنة موحدة من سلف هذه الأمة المباركة علمت أن حياتها لا تساوي شيئا إذا ما ابتعدت عن دينها وعن عقيدتها، فجعلت من عامها رمضان تحيا به إيمانا لله وتضرعا. لقد ابتعدت عن اللذات أملا في نيلها في الآخرة، لان امتناع الصائم عن الأكل، والشرب، والجماع، وسائر المفطّرات في نهار رمضان طاعةً لله — سبحانه وتعالى _ يكون سببًا في حصوله على ألوان الملذات الخالدة في الجنة، فَلِقُوَّة يقين المتقين بذلك؛ يفرحون بقدوم هذا الشهر الكريم. اللهم اجعلنا من هذا الصنف المؤمن التقي النقي، اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان.

1669

| 25 يوليو 2011

الاعتراف بالغلط ودوره في إصلاح الأسر

مازال الحديث موصولا عن الحوارات الخاطئة التي تحدث في البيت المسلم والتي تضخم المشاكل ولا تذللها وتعسر حلها ولا تيسره ومن ذلك: 4 — الحوار في ظروف غير مناسبة. 5 — الموقف الهجومي قلما يأتي بفائدة. 6 — الحوار ساعة الغضب واليوم نتحدث عن عدم الاعتراف بالخطأ 7 — عدم الاعتراف بالخطأ: بعض الأزواج عند الحوار قد تسوقه المعطيات إلى خطأ وقع فيه، فلا يقبل الاعتذار أو الاعتراف بالخطأ مدعيا أنه لا يخطئ أو مستبعدا أن يكون واحد من أهل بيته هو من يصحح له الخطأ، وقد يلجأ ساعتها إلى الاستئثار بالحديث ليملى قراراته منتظرا طاعة عمياء تقبل ولا ترفض وتطيع ولا تعصي، وهذا قد يكون سببه إما العرف الخاطئ أو الكبر أو الاعتداد بالذات أو الغرور، أو احتقار الآخر واستصغاره لرأيه. وهذا خطأ يرفضه الشرع وينكره العرف ولا يقبله منصف يريد ديمومة البيت هادئة طباعه. وهذه الاتجاه له آثاره السلبية العميقة والتي منها: — الطاعة البغيضة أو سماع المكره، فيلتزمون قوله عند وجود ضرره، فإذا انصرف أو أُمن الضرر؛ عصوه عن قناعة بما يفعلونه، وطرحوا كل آرائه وأفكاره حسنة كانت أو قبيحة، ولا تستمر هذه الطاعة كثيرا بل سريعا ما ينتقل هذا الفيروس إلى الآخر لأنه يشعر أن الحق لا يؤخذ إلا بمثل هذه الطرق وساعتها سيحدث ما لا تحمد عقباه. — ثم هناك أمر آخر شديد الخطورة من جرّاء هذا الاستئثار وهو ضمور مستوى التفكير والإبداع عند أهل البيت، فالخطأ يعلم المرء كيف يصيب والتفكير آلة ذلك، فإذا قادت الأمور بعد التفكير إلى العبث فما قيمة التفكير والإبداع إذن. إنه منهج لا يصلح في البيت المسلم فلا يصح أن يكون فيه "ما أريكم إلا ما أرى". لذا أخي الكريم دع أهل بيتك يعبرون عن آرائهم بصراحة وبوضوح في حواراتهم معك، وأحط هذه الصراحة بأسوار من أدب الحديث العف الذي أدبنا به الإسلام، وهذا هو منهج نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم فلقد أثر عنه صلي الله عليه وسلم ترسيخه هذا المبدأ فكان يستشير نساءه لا في الأمور البيتية وفقط بل أحيانا في الأمور السياسية، وإذا رأى قول إحداهن صائبا أخذ به ولا ضير، روى الإمام أحمد أن النبي لما خرج عام الحديبية يريد زيارة البيت اعترضته قريش ومنعته دخول مكة في عامه وانتهى الأمر إلى صلح لم يرض بعض الصحابة فلما أراد الإحلال قال: يا أيها الناس انحروا واحلقوا. فما قام أحد ثم عاد بمثلها فما قام أحد ثم كرر الثالثة وما قام أحد فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وقال لأم سلمة زوجه: يا أم سلمة ما شأن الناس؟ فقالت: يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت فلا تكلمن منهم إنسانا واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق فلو قد فعلت ذلك فعل الناس. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحر ثم حلق فلما رأى المسلمون ذلك قاموا ينحرون ويحلقون. استشار النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة ولما رأى حصافة الرأي أخذ به فما الضير بعد ذلك أن ينزل الزوج على قول زوجه إذا كان الصواب معها؟! لا ريب أن الاعتراف بالخطأ والأخذ بالصواب منهج يَصلح معه البيت ويُصلح أهل البيت.

967

| 15 يوليو 2011

كلمات في التقوى

في آية من آيات القرآن يتحدث فيها عن قصة نبي مع قومه حين عاندوه وكذبوه، يقول الله في خاتمتها — { أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (الأعراف:63) وهذه الآية والتي هي خاتمة قصة تكرر ذكرها في أماكن معدودة في القرآن ومن زوايا مختلفة كعهدنا بالقرآن حين يصور مشهدا، لا يكرر وإنما يرصد من زوايا متعددة، فالآية التي معنا تعرض القصة هنا باختصار، ليست فيها التفصيلات التي ترد في مواضع أخرى، كالذي جاء في سورة هود، وفي سورة نوح، وجريا على سنة الله في إرسال كل رسول من قومه، وبلسانهم، تأليفاً لقلوب الذين لم تفسد فطرتهم، وتيسيراً على البشر في التفاهم والتعارف، أخبرهم نوح عليه السلام بما يجب عليهم من إفراد الله بالعبودية، لكنهم استكبروا أن يؤمنوا لبشر مثلهم، ويطلبون أن تبلغهم الملائكة! وإن هي إلا تعلة. وما كانوا ليستجيبوا إلى الهدى، مهما جاءهم من أي طريق! عجبوا مِنْ كوْنِ شخصِ رسولَ اللهِ، ولم يتعجبوا من كون الصنمِ شريكاً لله، هذا فَرْطُ الجهالة وغاية الغباء! والعلة في الإرسال قوله تعالى: { لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي: لينذركم العذاب الأليم، وتفعلوا الأسباب المنجية من استعمال تقوى اللّه ظاهرا وباطنا، وبذلك تحصل عليهم وتنزل رحمة اللّه الواسعة، التي جعل الله للمتقين مفازة منها كما قال الله تعالى: { قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ}(الأعراف: من الآية156) والتقوى هي من مادّة (وق ى) الّتي تدلّ على دفع شيء عن شيء بغيره، والعرب تقول: توقّه أي اجعل بينك وبينه حاجزا كالوقاية ولن يصل العبد لهذه الدرجة التي جعل الله جزاؤها الجنة كما أخبر هو بذاته جل شأنه حين قال: { وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} إلا بحفظ النّفس عمّا يؤثم وذلك بترك المحظور، ويتمّ ذلك بترك بعض المباحات، لما روي: الحلال بيّن والحرام بيّن، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه، ولعلنا في المقال القادم بإذن الله نقف على بعض صفات أهل التقوى في القرآن الكريم وما أعده الله لهم. من معاني التقوى لا يزال الحديث موصولاً حول قول الله تعالى: { أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(الأعراف:63). فالتقوى قرينة الرحمة ولقد وردت في القرآن بعدة معان منها: العفو كما قال تعالى: لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ * وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } التقوى بمعنى الثبات على الحق { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} {الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُو} التقوى بمعنى الخوف والخشية: {يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُون} { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} التقوى بمعنى الطاعة { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً} التقوى بمعنى الخوف {يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}{ وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} التقوى بمعنى التوحيد والإيمان { وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً}{ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ} التقوى بمعنى الإخلاص {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}.  

652

| 11 يوليو 2011

الحوار بالإقناع أجدى في التطبيق

في المقالات السابقة تعرضنا لبعض الحوارات الخاطئة التي تحدث في بعض أبيات المسلمين، والتي لا تجلب من ورائها إلا الحسرة والندامة، وذكرنا أربعة أمور خاطئة: 1 - الحوار في ظروف غير مناسبة. 2 - الموقف الهجومي قلما يأتي بفائدة. 3 - الحوار ساعة الغضب. 4 - عدم الاعتراف بالخطأ: واليوم نقف على معنى ثان يكثر ضرره ويعم بلاؤه في بيوت بعض المسلمين: وهو محاولة الحوار بالصراخ بديلا عن الحوار بالإقناع: وهذا للأسف يحدث في بعض البيوت، فما ان يبدأ الحديث في مشكلة طارئة أو قضية عارضة حتى يرتفع الصوت وتعلو نبرة الحديث، لينتقل الحوار من البحث عن حل مشكلة بعينها إلى الدفاع عن وجهة نظر أحد الطرفين والتي يرى أن الانسحاب منها فرار من الزحف لا يجوز!! ما ان يبدأ الحوار حتى يحمر الوجه وتنتفخ الأوداج، ويعلو الصوت ويضيق الصدر، ويكثر الضجر والصخب ليحل محل الهدوء والإقناع، وقد قيل قديماً: (إن كثرة الصخب دليل على الحماقة وقلة العقل ". وإذا كان ارتفاع الصوت في غير موضعه من الرجال قبيحاً فهو من النساء أقبح وأشنع. ولعل ذلك هو الذي أغضب أبا بكر رضي الله عنه من عائشة رضي الله عنها ففي حديث النعمان بن بشير قال: (استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا عائشة ترفع صوتها عليه فقال: يا بنت فلانة! أو يا ابنة أم رومان: ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم! فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها)، أراد أبو بكر أن يتوجه إلى عائشة ليضربها ويعنفها،: (فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها، ثم خرج أبو بكر رضي الله عنه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يترضاها( يترض عائشة ويتلطف معها) وقال: ألم تريني حلت بينك وبين الرجل؟! يستشفع بالموقف الدفاعي الذي وقفه عليه الصلاة والسلام، ثم استأذن أبو بكر مرة أخرى فسمع تضاحكهما، أي: النبي عليه الصلاة والسلام وعائشة. قد أزال عليه الصلاة والسلام بحسن معاملته هذا الأمر الذي كان سبب هذا الغضب، فقال أبو بكر: (أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما) فما أجمل هذا الموقف، والذي ينبغى أن يكون أساسا للتعامل بين الأزواج. أما الصراخ والعويل فأمر ينبغى أن توصد دونه الأبواب وأن ترصد له الحجج البينات الهدف من ذلك صلاح البيت واستمراره بعيدا عن العثرات التي تعوق تقدمه في أمان واطمئنان. والذي يعين المرء على هذا الإحلال (أعنى إحلال الهدوء والإقناع ليكون بديلا عن الصراخ) النظر إلى المآلات، فكم من بيوت قوضت على رأس أصحابها من جراء هذا الأمر، والعجيب أنه وبعد أن تقوض البيوت يندم كلا الزوجين ويتمنيان العودة، ويتمنيان أن لو قد تفاهما بهدوء بعيدا عن الصخب والصراخ. وكم رأيت من أمثال هؤلاء في واقعنا المعاصر آخرهم أخا صالحا لا أعلم عنه إلا كل خير قابلته وهو يفرك يديه نادما من جراّء ما وقع متسائلا هل بعد الطلاق ثلاثا في مجالس شتى متسع لأمل!!! فتذكرت واقعة حدثت مع الشاعر العربي قيس ابن ذريح الذي أحب لبنى وتزوجها ثم طلقها وندم على ما فعل فقال: يقولون لبنى فتنة كنت قبلـــــها بخير فلا تندم عليـــــها وطلـــق فطاوعت اعدائي وعاصيت ناصحي واقررت عين الشامت المتملق وددت وبيت الله اني عصيتـــــــــهم وحملت في رضوانها كل موثق إلى أن قال أتبكى على لبنى وانت تركتها وكنت كآت حتفه وهو طائـــع اللهم احفظ بيوت المسلمين من الضياع والفراق آمين آمين.

2029

| 22 يونيو 2011

عبرة في قصة

هي قصة ذكرها الأبشيهي في كتابه الماتع: المستطرف استحضرتها وأنا أرى حرص بعض المستبدين على كراسيهم ولو كان في سبيل ذلك هلاك شعوبهم، يقول الأبشيهي: عن الفضل بن الربيع أنه قال: حج هارون الرشيد، فبينما أنا نائم ليلة إذ سمعت قرع الباب فقلت: من هذا؟ فقال: أجب أمير المؤمنين! فخرجت مسرعاً فإذا هو أمير المؤمنين، فقلت: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك. فقال: ويحك قد حاك في نفسي شيء لا يخرجه إلا عالم، انظر لي رجلاً أسأله. فقلت له: ههنا سفيان بن عيينة. قال: امض بنا إليه. فأتيناه فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين! فخرج مسرعاً فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك. فحادثه ساعة ثم قال: عليك دين؟ قال: نعم. فقال هارون: يا عباس اقض دينه، ثم انصرفنا. فقال: ما أغنى عني صاحبك شيئاً، فانظر لي رجلاً أسأله. فقلت: ههنا عبد الرزاق بن همام، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه، فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ قلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعاً، فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك، فحادثه ساعة، ثم قال له: أعليك دين؟ قال: نعم. فقال: يا عباس اقض دينه، ثم انصرفنا. فقال: ما أغنى عني صاحبك شيئاً، فانظر لي رجلاً أسأله فقلت: ههنا الفضيل بن عياض، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه، فإذا هو قائم يصلي في غرفته يتلو آية من كتاب الله تعالى وهو يرددها، فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين! فقال: ما لي ولأمير المؤمنين؟ فقلت: سبحان الله أوما عليك طاعته؟ [فقال]: أوليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ليس للمؤمن أن يذل نفسه؟ فنزل ففتح الباب ثم ارتقى الغرفة فأطفأ السراج ثم التجأ إلى زاوية من زوايا الغرفة، فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف الرشيد كفي فقال: أواه من كف ما ألينها إن نجت غدًا من عذاب الله! فقلت في نفسي: ليكلمنه الليلة بكلامٍ نقي من قلب تقي. فقال: خذ لما جئنا له يرحمك الله. فقال: وفيم جئت؟! حطَبت على نفسك وجميع من معك حطبوا عليك، حتى لو سألتهم عند انكشاف الغطاء عنك وعنهم أن يتحملوا عنك شقصاً من ذنب ما فعلوا، ولكان أشدهم حباً لك أشدهم هرباً منك. ثم قال إن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما ولى الخلافة دعا سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي ورجاء بن حيوة فقال لهم إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا علي فعد الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة فقال سالم بن عبد الله إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فصم عن الدنيا وليكن افطارك فيها على الموت وقال محمد بن كعب إن أردت النجاة غدا من عذاب الله تعالى فليكن كبير المسلمين عندك ابا وأوسطهم عندك أخا وأصغرهم عندك ولدا فبر أباك وارحم أخاك وتحنن على ولدك وقال رجاء بن حيوة إن أردت النجاة غدا من عذاب الله تعالى فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك ثم متى شئت مت وإني لأقول هذا وإنى لأخاف عليك أشد الخوف يوم تزل الأقدام فهل معك رحمك الله مثل هؤلاء القوم من يأمرك بمثل هذا؟ فبكي هارون الرشيد بكاء شديدا حتى غشي عليه فقلت له ارفق بأمير المؤمنين. فقال: يا ابن الربيع قتلته أنت وأصحابك وأرفق به أنا؟! ثم أفاق هارون الرشيد فقال زدني، فقال يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه شكا اليه سهرا فكتب له عمر يقول يا أخي اذكر سهر أهل النار في النار وخلود الأبدان فإن ذلك يطرد بك إلى ربك نائما ويقظان وإياك أن تزل قدمك عن هذا السبيل فيكون آخر العهد بك ومنقطع الرجاء منك فلما قرأ كتابه طوى البلاد حتى قدم عليه فقال له عمر ما أقدمك؟ فقال له لقد خلعت قلبي بكتابك لا وليت ولاية أبدا حتى ألقى الله عز وجل. فبكي هارون وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لرعيتك فإن النبي قال من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة فبكى هارون الرشيد بكاء شديدا ثم قال له: أعليك دين؟ قال نعم دين لربي يحاسبني عليه فالويل لي إن ناقشني والويل إن سألني والويل لى إن لم يلهمني حجتي قال هارون إنما أعني دين العباد قال إن ربي لم يأمرني بهذا وإنما أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس الإ ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) فقال له هارون: هذه ألف دينار فخذها وأنفقها على عيالك وتقوّ بها على عبادة ربك فقال: سبحان الله! أنا دللتك على سبيل الرشاد تكافئني أنت بمثل هذا؟! سلمك الله ووفقك ثم صمت فلم يكلمنا فخرجنا من عنده فقال لي هارون إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا فإن هذا سيد المسلمين اليوم.

2444

| 25 مايو 2011

alsharq
حدود العنكبوت

حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...

3924

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
انخفاض معدلات المواليد في قطر.. وبعض الحلول 2-2

اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...

2280

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
العالم في قطر

8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...

2160

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
السودان.. حوار العقل العربي مع مُشعِلي الفتنة

في السودان الجريح، لا تشتعل النيران في أطراف...

1881

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
حين يصبح النجاح ديكوراً لملتقيات فوضوية

من الطرائف العجيبة أن تجد اسمك يتصدر أجندة...

1317

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
الصالات المختلطة

تشهد الصالات الرياضية إقبالا متزايدا من الجمهور نظرا...

1041

| 10 نوفمبر 2025

alsharq
الكفالات البنكية... حماية ضرورية أم عبء؟

تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...

1008

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
عندما يصبح الجدل طريقًا للشهرة

عندما صنّف المفكر خالد محمد خالد كتابه المثير...

999

| 09 نوفمبر 2025

alsharq
خطاب سمو الأمير خريطة طريق للنهوض بالتنمية العالمية

مضامين ومواقف تشخص مكامن الخلل.. شكّل خطاب حضرة...

978

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
نظرة على عقد إعادة الشراء

أصدر مصرف قطر المركزي في التاسع والعشرين من...

972

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
نحو تفويض واضح للقوة الدولية في غزة

تسعى قطر جاهدة لتثبيت وقف اطلاق النار في...

879

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
عمدة نيويورك

ليس مطلوباً منا نحن المسلمين المبالغة في مسألة...

879

| 06 نوفمبر 2025

أخبار محلية