رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ابن فارس في مقاييس اللغة يرى أن الرحمة تدور على مادة: (ر ح م) ويقول رحمه الله: الرّاء والحاء والميم أصل واحد، يدل على: الرقة والعطف والرأفة. يقال من ذلك: رحمه يرحمه إذا رقَّ له وتعطَّف عليه، والرُّحْم والمرحمة والرَّحمة بمعنىً. وهو معنى لطيف يظهر قيمة الرحمة والرحم على حد سواء، الرحمة في اصطلاح أهل الشأن يراد بها: إرادة إيصال الخير. الجرجاني ذكر ذلك في التعريفات. ولابن القيم — رحمه الله تعالى — في إغاثة اللهفان كلام جيد يقول رحمه الله: "إن الرحمةَ صفةٌ تقتضي إيصالَ المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتْها نفسُه وشقَّت عليها. فهذه هي الرحمة الحقيقية، فأَرحم الناس من شق عليك في إيصال مصالحك ودفع المضار عنك، فمن رحمة الأب بولده: أن يُكرِههُ على التأدُّب بالعلم والعمل، ويشق عليه في ذلك بالضرب وغيره، ويمنعه شهواته التي تعود بضرره، ومتى أهمل ذلك من ولده كان لقلة رحمته به، وإن ظن أنه يرحمه ويرفِّهه ويريحه". والإمام الكَفَوِيُّ: يرى الرحمة حالة وجدانية تعرض غالباً لمن به رقَّة القلب، وتكون مبدأ للانعطاف النفساني الذي هو مبدأ الإحسان" وإذا كانت هذه تعريفات أهل الشأن في الرحمة بين البشر وبعضهم فكيف برحمة الله بعبده، يقول جل ذكره وعز (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). إنه كمال الإنعام والتكريم الذي تفضل الله به على الأمة المسلمة بعد نعمة الإيمان إنه اليسر في الحساب، والرحمة في الجزاء، حتى ليجعل الله — سبحانه — الرحمة كتاباً على نفسه للذين آمنوا بآياته؛ ويأمر رسوله — صلى الله عليه وسلم — أن يبلغهم ما كتبه ربهم على نفسه. وحتى لتبلغ الرحمة أن يشمل العفو والمغفرة الذنب كله، متى تابوا من بعده وأصلحوا، إذ يفسر بعضهم الجهالة بأنها ملازمة لارتكاب الذنب؛ فما يذنب الإنسان إلا من جهالة؛ وعلى ذلك يكون النص شاملاً لكل سوء يعمله صاحبه؛ متى تاب من بعده وأصلح. ويؤيد هذا الفهم النصوص الأخرى التي تجعل التوبة من الذنب — أياً كان — والإصلاح بعده، مستوجبة للمغفرة بما كتب الله على نفسه من الرحمة، فما من ذنب يتوب عنه المسلم ويصلح من بعده إلا وهو مستوجب لمغفرة الله، ولعل آية الفرقان تنبئك عن ذلك إذ يقول الله فيها: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا). وسبب نزول الآية كما يروي أهل التفسير من طريق عكرمة رضي الله عنه أنها: نزلت في الذين نهى الله عز وجل نبيه عن طردهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام. وقال عطاء: نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وسالم وأبي عبيدة ومصعب بن عمير وحمزة وجعفر وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر والأرقم بن أبي الأرقم وأبي سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنهم أجمعين.. جعلنا الله من أهل رحمته ومغفرته ومحبته، انه ولي ذلك ومولاه.
3184
| 06 أبريل 2011
قوتان في الأرض تعمل، إحداهما قوة الحق والإيمان، وحق القوة البشرية المادية العسكرية الحربية، كلتاهما قوتان، لكن الأحداث تخبرنا دائما: أن الغلبة لقوة الحق، هي منتصرة، لأسباب عدة أولها ذلك الإيمان المتمكن في قلوب أتباعه وتأييد الله عز وجل لهم، فهم في رحمة الله محفوظون ووعدهم الله هداية الطريق المستقيم {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} (النساء:175) إن الإيمان ليست كلمة تقال باللسان ولا بيانا يشار إليه بالبنان، أو شعارا يتبع أو ضياء يبرق ساعة ويختفي أعواما! لا.. إنه حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى تحمل. فلا يكفي الناس أن يقولوا: آمنا ؛ وهم لا يؤيدون هذه الدعوى ببرهان جلي يدللون بها على دعواهم، إن الإيمان طريقه ليس مفروشا بالورود بل بالأشواك حتى يتبين الخبيث من الطيب وحتي يخرج منه أتباعه صافية عناصرهم خالصة قلوبهم. كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به، وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب المؤمنة كما قال تعالى، {ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}. ثم إن صفة الإيمان صفة جالبة لرحمة الله عز وجل دالة عليه وثمرتها الاعتصام متى صح الإيمان، ومتى عرفت النفس حقيقة الله وعرفت حقيقة عبودية الكل له. فلا يبقى أمامها إلا أن تعتصم بالله وحده. {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً}، فهو وحده صاحب السلطان والقدرة والخلق إليه مفتقر. إن الإيمان الذي به يستمطر رحمة الله هو الإيمان الذي به تنتظم حياة الإنسان انتظاما لحياة المجتمع، فالمؤمن الحق يؤمن بحقيقة أكيده أنه عبد مذلل لسيده وفقط، هو عبد لا لحجر ولا شجر ولا بشر ولا بقر فلا يهاب البشر مهما اختلفت درجاتهم لأنه ليس عبدا لأي منهم، بذا يجعله الإسلام سيد نفسه كلمته حرة ورأيه مصون، وليس هذا في أي نظام آخر غير نظام الإيمان — كما جاء به الإسلام — هذا النظام الذي يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده. إنه الإيمان الذي تتجلى فيه حقيقة القدرة الإلهية فتجعل من صاحبها ملكا وإن لم يعرف الملكية ولا أبوابها، إنه يميت في صاحبه الضعف الإنساني والخور الفطري ليجعل منه واحدا لا يرهب في ذات الله أحدا ولا يعظم مع أعداء دينه بشرا. وقصة واحدة من تراثنا الزاخر تبرز لنا حقيقة هذا الإيمان المتجلى في هذه الصفوة المؤمنة الصابرة في " الصحيحين " عن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده قال: إني لواقف يوم بدر في الصف، فنظرت، فإذا أنا بين غلامين من الانصار حديثة أسنانهما، فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما. فغمزني أحدهما، فقال: يا عم! أتعرف أبا جهل؟ قلت: نعم. وما حاجتك؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر، فقال مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما.يقول معاذ بن عمرو: جعلت أبا جهل يوم بدر من شأني. فلما أمكنني، حملت عليه، فضربته، فقطعت قدمه بنصف ساقه. وضربني ابنه عكرمة بن أبي جهل على عاتقي، فطرح يدي وبقيت معلقة بجلدة بجنبي، وأجهضني عنها القتال، فقاتلت عامة يومي وإني لاسحبها خلفي. فلما آذتني، وضعت قدمي عليها وانتزعتها. لا شيء غير الإيمان هو الذي يصنع هؤلاء الرجال الذين يسطرون الحق بمداد من دمائهم.
885
| 30 مارس 2011
إنها أمنية مَن صلح حاله وعرف مآله، إنه لا يقابل السيئة بمثلها بل عن قوة واقتدار يعفو ويصفح مستعينا بالاستغفار على شهوة الانتقام، والقرآن أشار على لسان نبي الله صالح حين قال لقومه: { قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (النمل:46)، فالرحمة غاية كل مسلم والآية جعلت من الاستغفار مطية قوية إليها. لولا تستغفرون الله، نداء خوطبت الأمة جميعا به، وإن كانت النازلة في قوم صالح — عليه السلام — حين قال للفريق المعاند التابع للهوى المرابط على كفره: لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة؟. قال مجاهد: أي بالعذاب قبل الرحمة، والمعنى: لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب لكم الثواب وتقدّمون الكفر الذي يجلب إليكم العقوبة؟ وقد كانوا لفرط كفرهم يقولون: ائتنا يا صالح بالعذاب، وكأن للكفر لسانا واحدا ألم يقل مشركو مكة {إِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } خاطبهم نبي الله صالح بقوله: { لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ الله } هلا تستغفرون الله وتتوبون إليه من الشرك { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }. فالاستغفار صفة جالبة لرحمة الله جل وعز، وهو مصدر مأخوذ من مادّة (غ ف ر) الّتي تدلّ على السّتر في الغالب الأعمّ فالغفر السّتر، والغفر والغفران بمعنى (واحد)، يقال: غفر اللّه ذنبه غفرا ومغفرة وغفرانا، قال الشّاعر في الغفر: في ظلّ من عنت الوجوه له... ملك الملوك ومالك الغفر وفي الحديث: غفار غفر اللّه لها. قال ابن الأثير: يحتمل أن يكون دعاء لها بالمغفرة أو إخبارا أنّ اللّه تعالى قد غفر لها. واستغفر اللّه ذنبه، على حذف الحرف، طلب منه غفره. أنشد سيبويه: أستغفر اللّه ذنبا لست محصيه.. ربّ العباد إليه القول والعمل والغفّار كما قال الإمام الغزاليّ — رحمه اللّه —: هو الّذي يظهر الجميل ويستر القبيح، والذّنوب من جملة القبائح الّتي سترها اللّه بإسبال السّتر عليها في الدّنيا، والتّجاوز عنها في الآخرة. ومن ثمرات الاستغفار كما قال الكفويّ: إنّ الغفران يقتضي إسقاط العقاب ونيل الثّواب ولا يستحقّه إلّا المؤمن ولا يستعمل إلّا في (حقّ) البارى تعالى، وفوق ذلك يستجلب رحمة الله جل وعز. إن الاستغفار له فوائد فوق ما ذكر نفسية عميقة الجذور، إنها تهدي النفس الثائر وتربط على قلبه، وتطفئ جذوة الانتقام التي تجعل من صاحبها أسير هوى تسيره حيث شاءت. والاستغفار له ألفاظ عديدة، وسيدها على الإطلاق قول النبي صلي الله عليه وسلم: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبى فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت "كذا رواه البخاري في صحيحه.
3117
| 13 مارس 2011
في المقال الفائت وضعنا تصورا جزئيا لما كان عليه حال العالم تجاه المرأة قبل الإسلام، وأوضح المقال كيف كانت المرأة أسير المحبسين الجهل والفقر بل والإنسانية كذلك، ثم جاء الفجر الجديد وأشرقت الشمس بنور الإسلام الساطع فأعطى للمرأة من الحقوق ما لم يمنحه العالم القديم ولا الحديث، فالأول منهما أرادها عبدة مستزلة والثاني أراد نقلها من عصر الحريم إلى الحرام، ونظرة على وضع المرأة واستغلالها في أوروبا وأمريكا يظهر لكل ذي عقل كيف استغلها هؤلاء حتى صارت عرضا يباع ويشترى. أتى الإسلام ليقرر عدة قواعد سجلها كتابه المجيد حين قال في الحقوق المتبادلة (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف) وفي المعايشة والممارسة الحياتية (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وقوله (فَلا تَعْضُلـُوهُنَّ) وقوله (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَـدَرُهُ) وقرر مبدأ السكنى للمرأة وحقها فيه فقال (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) وحذر من الضرر الواقع عليها في قوله (وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضـَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) وحذر من اتخاذها عرضا فقال (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً)، وأكد حقها في الذمة المالية، مشيرا إلى عدم جواز الأخذ من مالها كرها (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهـاً) ومجرما عضلها فقال ( وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُن). وأعلن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعد عند العرب - ولا يزال عند البعض - خبيئة ينبغي أن تستر وهو البوح بمحبة الزوجة والحديث في ذلك فقد سأل صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك؟ قال: "عائشة " وكان يؤتى صلى الله عليه وسلم بالهدية، فيقول: "اذهبوا بها على فلانة، فإنها كانت صديقة لخديجة" وأكد قاعدة الوفاء فقال: (استوصوا بالنساء خيراً) وهو القائل: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر). وهذا شعار أسسه الإسلام وأطلقه محمد صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله: (إنما النساء شقائق الرجال) بل أكد أمرا نفسيا يخص الرجل حين جعل النفقة على الزوجة قربة من القرب التي يتقرب العبد بها إلى ربه فقال: (أعظمها أجرا الدينـار الذي تنفقه على أهلك) وهو القائل (وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك) وفي المقال المقبل نتعرض لمزيد من التوضيح والله ولي التوفيق.
1081
| 02 مارس 2011
لطالما تحدث الغرب عن نظرة الإسلام إلى المرأة من زاوية ضيقة متحاملة، وظل هذا ديدن أنصاره في شرقنا الإسلامي، من علمانيين لا دينيين وبعض جهلة المتحدثين عن الإسلام بالإنابة، ووضعوا تصورات مفادها أن نظرة الإسلام للمرأة ينبغي أن تتطور مواكبة للعصر وتلبية للحاجة الملحة فلم يعد من المقبول ذاك الخطاب الرجعي على — حد قولهم — بل ينبغي أن يستحدث خطاب يواكب المتغيرات المتلاحقة. وقبل أن نتحدث عن دفع الشبهة والرد عليها، لابد من التفريق بين أمرين؛ بين النظرة الإسلامية المحضة، والتطبيق لها، فكثيرا ما يخلط البعض في ذلك خلطا عجيبا إذ يحمل المنهج المعصوم أخطاء التطبيق له. ولذلك سأعرض في هذا المقال والذي يليه لمكانة المرأة مبينا ما كانت عليه وما آلت بفضل الإسلام إليه. إن المطلع على صفحات التاريخ ليدرك بما لا يدع مجالا للشك كيف أن المرأة قد ظلمت في العصور والحضارات المتتابعة وكيف أعطاها الإسلام حقها كاملا غير منقوص. الحضارة الإغريقية تصف المرأة في ثقافتها: بالشجرة المسمومة، وتقول عنها هي رجس من عمل الشيطان، وكانت تباع كأي سلعة أو متاع. ولم يكن الحال أفضل منه عند الرومان الذين يصفون المرأة بأنها: ليس لها روح، وكان من صور عذابها أن يصب عليها الزيت الحار، وتسحب بالخيول حتى الموت وهو كذلك عند الصينيين وربما أشد فهي لا تعدو عندهم من وصفهم بأنها: مياه مؤلمة تغسل السعادة، وللصيني الحق أن يدفن زوجته حية، وإذا مات حُق لأهله أن يرثوه فيها. وأما الهنود فقالوا عنها: ليس الموت، والجحيم، والسم، والأفاعي، والنار، أسوأ من المرأة، بل وليس للمرأة الحق عند الهنود أن تعيش بعد ممات زوجها، بل يجب أن تحرق معه. وعند الفرس: أباحوا الزواج من المحرمات دون استثناء، ويجوز للفارسي أن يحكم على زوجته بالموت. وعند اليهود: قالوا عنها: لعنة لأنها سبب الغواية، ونجسة في حال حيضها، ويجوز لأبيها بيعها. وعند النصارى: عقد الفرنسيون في عام 586م مؤتمراً للبحث: هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان؟! وهل لها روح أم ليست لها روح؟ وإذا كانت لها روح فهل هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟ وإذا كانت روحاً إنسانية فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟ وأخيراً "قرروا أنَّها إنسان، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب". وأصدر البرلمان الإنجليزي قراراً في عصر هنري الثامن ملك إنجلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب (العهد الجديد) أي الإنجيل (المحرف)؛ لأنَّها تعتبر نجسة. وعند العرب قبل الإسلام: تبغض بغض الموت، بل يؤدي الحال إلى وأدها، أي دفنها حية أو قذفها في بئر بصورة تذيب القلوب الميتة. هذه نظرتهم للمرأة فكيف نظرة الإسلام؟ هذا ما سنتعرض له في المقال القادم إن شاء الله.
426
| 09 فبراير 2011
يطلق الوطن في معاجم اللغة على "المكان الذي وطنه الإنسان واستقر فيه"، قرر ذلك كل من: الخليل الفراهيدي في كتاب العين، والجوهري في الصحاح وابن منظور في لسان العرب والزبيدي في تاج العروس وغيرهم، واتفقوا على أن منزل الإقامة والمكان والمحل هو وطنه الذي يسكنه أو يسكن هو فيه. ومن عظيم أن أطلق العرب جمع هذا الاسم (الوطن وجمعه مواطن) على أقدس الأمور عندهم وهي ساحة الوغى والمعارك الحربية، فمشاهد الحرب عندهم أطلقوا عليها مواطن،. وفي التنزيل: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ}.. ومنه الحديث "أصدق الناس من صدق في المواطن" وقد قال طرفة قديما: على موطن يخشى الفتى عنده الردى * * * متى تعترك فيه الفوارس هذا الموطن الذي يعيش المرء فيه جعل الله حبه فطرة جبل هو عليها، وإذا قرأت التاريخ تجد أن الحنين إلى الأوطان ربما لم يخل من أحد، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه أنه وقف يُخاطب مكة المكرمة مودّعاً لها وهي وطنه الذي أُخرج منه.. روى الترمذي من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: "ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ. ولا أدل على عمق هذه الغريزة من أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم أن يرزق حب المدينة كما أحب مكة بل أكثر، أخرج الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد. و(أو) هنا كما يقول علماء العربية بمعنى (بل) كما في قوله تعالى: "وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ" سورة الصافات: 147. فالوطن يمثل التاريخ عراقة الماضي وأصالة الحاضر وغده المشرق، والقرآن الكريم أثبت مبدأ هذه المحبة من خلال معادلة بين الوطن والحياة في قوله تعالى:"ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً" فجعل الخروج من الوطن كقتل الإنسان وفقدانه أعز ما يملكه وهو حياته. وليس هذا الحنين ساعة الرخاء بل وفي ساعات الشدة يحن المرء إلى بلده، حتى وإن جارت عليه كما قال الشاعر بلدي وإن جارت علي عزيزة وأهلى وإن ضنوا علي كرام وأثر أن الأصمعي أيضاً قال: ثلاثة أصناف في ثلاثة أصناف من الحيوان: الإبل تحن إلى أوطانها وإن كان عهدها بها بعيداً، والطير إلى وكره وإن كان موضعه مجدباً، والإنسان إلى وطنه وإن كان غيره أكثر نفعاً. وفي الأثر ما يوضح لنا مراعاة الإسلام لهذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فقد أخرج الأزرقي في "أخبار مكة" عن ابن شهاب قال: قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فدخل على عائشة رضي الله عنها فقالت له: يا أصيل!كيف عهدت مكة؟ قال: عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، قالت: أقم حتى يأتيك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يلبث أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (يا أصيل! كيف عهدت مكة؟) قال: والله عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق اذخرها، وأسلت ثمامها، وأمشّ سلمها، فقال: "حسبك يا أصيلا تحزنا" وأخرجه باختصار أبو الفتح الأزدي في كتابه "المخزون في علم الحديث"، وابن ماكولا في "الإكمال". وفيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويهاً يا أصيل!دع القلوب تقر قرارها. ومما أنشده رفيق بن جابر وهو من شعراء الأندلس في تنبيه الغير من الكلام في أوطان من ينزل عندهم، وأنهم لا يقبلون في أوطانهم قدحاً: لا تعاد الناس في أوطانهم قلَّما يُرعى غريب الوطن وكان بلال ينشد ويقول: ألاَ لَيْتَ شَعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيلٌ وهَلْ أرِدَنْ يَوْما مِياهَ مَجَنَّةٍ وهَلْ يَبْدُونْ لِي شَامَةٌ وطَفِيلُ اللهم احفظ هذا البلد ومن فيه على ما هم فيه من خير وسداد في الرأي ورفعة في المقام، واصرف عنا شر كل ذي شر وكيد كل ذي مكر وحسد كل حاسد.
2980
| 25 يناير 2011
الانصاف هو استيفاء الحقوق لأربابها بأن تعطى غيرك من الحق مثل الذى تحب أن تأخذه منه لو كنت مكانه ويكون ذلك بالأقوال والأفعال فى الرضا والغضب مع من نحب ومع من نكره. وهو منهج قرآنى يقول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ اِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ويقول تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ اِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَاِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَاِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} وقال الله مخاطبا نبيه داود { يا دَاوُودُ اِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}. حتى مع الأعداء أمر الله بالانصاف {انما يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا اِلَيْهِمْ اِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * اِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى اِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. والانصاف شعار الاسلام منذ بدايته يقول الشيخ عبد الوهاب خلاف: " حين جاء الاسلام كان انصاف الضعفاء من الأقوياء أظهر شعائره وأول أهدافه، كذلك أنصف الفقراء من الأغنياء فقرر فى أموال الأغنياء حقًا معلوما للسائل والمحروم، وأنصف اليتامى ممن يتولون أمرهم فقال سبحانه { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ اِلَى أَمْوَالِكُمْ اِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا } وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم سيد المنصفين بحق داويت متئدا وداووا طفرة **** وأخف من بعض الدواء الداء أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى **** فالكل فى حق الحياة سواء فاذا سخوت بلغت بالجود المدى **** وفعلت ما لا تفعل الأنواء واذا عفوت فقادرا ومقدرا **** لا يستهين بعفوك الجهلاء واذا رحمت فأنت أم أو أب **** هذان فى الدنيا هما الرحماء ويتجسد الانصاف فى نهج النبى جليا واضحا فى قصة الصحابى الجليل حاطب بن أبى بلتعة رضى الله عنه عندما كاتب كفارَ مكّة سِرًّا، يخبرهم بعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزوهم، وعلم النبى صلى الله عليه وسلم بذلك، فأرسل مَن أخذ الكتاب مِمّن خرج ليصل به الى كفار مكة. ودعا حاطبًا، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((يا حاطب، ما هذا؟!))، قال: لا تعجل عليَّ يا رسول الله! انى كنتُ أمرأً مُلْصَقًا فى قريش (وكان حليفاً لهم، ليس من أنفسهم)، وكان مِمّن معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يحمون أهليهم، فأحببتُ — اذ فاتنى ذلك من النسب فيهم — أن أتّخذَ فيهم يداً، يحمون بها قرابتي. ولم أفعلْه كُفْرًا، ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الاسلام. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ((صدق)). فقال عمر: دَعْنى — يا رسول الله — أضربْ عُنُقَ هذا المنافق؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (( انه قد شهد بدراً، وما يُدريك لعلّ الله اطَّلعَ على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرتُ لكم " هذا هو الاسلام دين العدل والانصاف مع من أحب ومن بغض، مع من وافقت ومن خالفت وجعل أساس الحكم على الناس العدل لا الحيف والقسطاس لا الهوى. والنبى صلى الله عليه وسلم وكذا أصحابه من بعده جسدوا هذا المبدأ حتى مع غير المسلمين، حتى جعل من يظلمهم أو ينتقص منهم شيئا كان النبى صلى الله عليه وسلم حجيجه فقال «من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنّة وانّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما» وسار الخلفاء الراشدون والصّحابة على هذا الدرب، فها هو عمر بن الخطّاب — رضى اللّه عنه — يوصى بأهل الذّمّة قائلا: «أوصيكم بذمّة اللّه فانّها ذمّة نبيّكم ورزق عيالكم». وروى مسلم عن المستورد بن شدّاد القرشيّ أنّه حدّث عن عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «تقوم السّاعة والرّوم أكثر النّاس! فقال عمرو: أبصر ما تقول، قال: أقول ما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: لئن قلت ذاك انّ فيهم لخصالا أربعا: انّهم أحلم النّاس عند فتنة، وأسرعهم افاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرّة بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك». فهذا هو انصاف عمرو رضى الله عنه، فلم يمنعه بغضه لعدوه ألا يذكر أوصافا هى فيهم خصال خير. ويأتى عبد الله بن رواحة ليؤكد لنا هذا المعنى حينما بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الى خيبر ليخرص لهم الثّمار، فأرادوا أن يرشوه، فقال عبد اللّه: «يا معشر اليهود، أنتم أبغض الخلق اليّ، قتلتم أنبياء اللّه — عزّ وجلّ —، وكذبتم على اللّه، وليس يحملنى بغضى ايّاكم على أن أحيف عليكم. فقال اليهود: بهذا قامت السّموات والأرض». علق الحافظ بن عبد البرّ على الواقعة قائلاً: "وفيه أنّ المؤمن وان أبغض فى اللّه لا يحمله بغضه على ظلم من أبغضه "
1703
| 16 يناير 2011
ذكرنا فيما مضى أن من بين شعوب الأرض لا تجد شعبا يحرص على الصدقة كحرص المسلم عليها، وعللنا ذلك بسببين الأول: أنهم أهل الرحمة كما قال تعالى {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (التوبة:99) الأمر الثاني: ما أعده الله من فضل لأهل الصدقة، وذكرنا في المقال السابق تسع فوائد أعدها وذكرها أحد الباحثين واليوم نكمل البقية عاشراً: أن صاحب الصدقة يبارك له في ماله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم { ما نقصت صدقة من مال} الحادي عشر: أنه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلا ما تصدق به كما في قوله تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ } البقرة:272. ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: قالت: ما بقى منها إلا كتفها. قال: معلما موجها: { بقي كلها غير كتفها} الثاني عشر: أن الله يضاعف للمتصدق أجره كما في قوله عز وجل: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيم}ٌ الحديد:18. الثالث عشر: أن صاحبها يدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير.... ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة. الرابع عشر: أنها متى ما اجتمعت مع الصيام واتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد إلا أوجب ذلك لصاحبه الجنة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من أصبح منكم اليوم صائماً؟ } قال أبو بكر: أنا. قال: { فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ } قال أبو بكر: أنا. قال: { فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ } قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله: ما اجتمعت في امرىء إلا دخل الجنة}. الخامس عشر: أن فيها انشراح الصدر، وراحة القلب وطمأنينته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثدييهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا اتسعت أو فرت على جلده حتى يخفى أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع. السادس عشر: أنَّ المنفق إذا كان من العلماء فهو بأفضل المنازل عند الله كما في قوله { إنَّما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل}. السابع عشر: أنَّ النبَّي صلى الله عليه وسلم جعل الغنى مع الإنفاق بمنزلة القرآن مع القيام به، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: { لا حسد إلا في اثنين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل والنهار.. الثامن عشر: أنَّ العبد موفٍ بالعهد الذي بينه وبين الله متى ما بذل نفسه وماله في سبيل الله يشير إلى ذلك قوله جل وعلا: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَ لَهُمُ الْجَنَّةَ } التوبة:111].
9264
| 04 يناير 2011
كيان متميز، وإدارة حاسمة، ومناهج مبصرة، ورؤية قاطعة، وأسلوب تربوي خلاب، هذا ما ألحظه كداعية وأب، إنها هذه المدرسة التي جعلت من نفسها أملا يحدو كل مطلع على مستوى التعليم في الحبيبة قطر، أثار قلمي أن يكتب عنها وأن أقيد هذا الشكر موثقا، وهذا ما حثنا الإسلام عليه، فلا يشكر الله من لا يشكر الناسَ، كما أخبر بذلك محمد صلى الله عليه وسلم. لقد تميزت المدرسة بأمور تحسب لها ومن ذلك: 1 — التأكيد على الهوية الإسلامية عبر تعليم المبادئ الدينية. 2 — الحفاظ على غرس القيم النبيلة في نفوس الناشئة. 3 — الحرص على إبراز التقاليد العربية. 4 — التوجه نحو الحداثة التي لا تطمس الهوية القومية. 5 — المتابعة الدقيقة للنمو الفكري للناشئة. 6 — التواصل الدائم بين المدرسة وأولياء الأمور. 7 — التركيز على النمو البدني بالرعاية والتدريب. 8 — الحرص على المشاركات الإيجابية لدى الأطفال. 9 — توفير الرعاية الطبية ومتابعة ذلك دوريا. 10 — المرونة والتفاهم لطبيعة الأطفال النفسية والتعامل معها. تلك عشرة كاملة بها تميزت تلك المدرسة الصاعدة في مصاف كبريات المدارس التربوية، ويقرأ هذا من نتاجها العلمي، وكم أتمنى أن تنتقل هذه البنود إلى كافة مدارسنا وأبنيتنا التعليمية. إن الأمل لأي أمة ليس في ماضيها على أصالته، ولا في حاضرها على أهميته، ولكن في مستقبلها، وإذا أردنا معرفة أقدار الأمم فعلينا أن ننظر إلى طريقة تربية الأجيال الناشئة.. لقد رأيت من اهتمام المدرسة بالكتاب ما أعجبني وأدهشني، إذ رأيت الأبناء وقد استبدلوا بالكتاب الصحاب، وبالجد الهذر، وبالحوار التبعية، وتذكرت ساعتها قول أمير الشعراء مادحا من عظم الكتاب ساعة الطلب: أَنا مَن بَدَّلَ بِالكُتبِ الصِحابا" "لَم أَجِد لي وافِيًا إِلا الكِتابا صاحِبٌ إِنْ عِبتَهُ أَو لَم تَعِبْ" "لَيسَ بِالواجِدِ لِلصاحِبِ عابا كُلَّما أَخلَقتُهُ جَدَّدَني" "وَكَساني مِن حِلى الفَضلِ ثِيابا صُحبَةٌ لَم أَشكُ مِنها ريبَةً" "وَوِدادٌ لَم يُكَلِّفني عِتابا صالِحُ الإِخوانِ يَبغيكَ التُقى" "وَرَشيدُ الكُتبِ يَبغيكَ الصَوابا غالِ بِالتاريخِ وَاِجعَل صُحفَهُ" "مِن كِتابِ اللهِ في الإِجلالِ قابا شكر الله لكم مدرسة سعود بن عبدالرحمن بالوكرة على هذا الجهد الهائل والجهاد الدائم والرؤية الحاضرة والبصيرة النافذة، لا أستثني أحدا رغم عدم معرفتي بأحد فيهم، لكن الأثر الذي زرعتموه هو من دل عليكم، وإني أسأل الله لكم صادقا أن يخلص نياتكم وأن يجعل هذا في موازين حسناتكم.
909
| 28 ديسمبر 2010
لسائل أن يسأل -وقد حدث- لماذا المسلمون أكثر الناس تبرعا في الميادين كلها؟ ظاهرة رصدها الغرب كثيرا ووقف عندها حائرا، ورأيت ذلك ولمسته بعيني حين كنت في فرنسا وكلمني أحد الشباب أن الحكومة الفرنسية إذا أرادت جمع تبرعات تجعل أكثر دعايتها في الأماكن التي يسكنها المسلمون، لقناعتهم بأن أحدا لن يجود بكده وتعبه وعرق جبينه لمن يراه عبئا عليه أو عالة. ما السر الذي يجعل حتى فقراء المسلمين يتبرعون لغيرهم ربما والحاجة إلى ما يعطونه حاضرة والحاجة إليه ماسة؟! إنه الإسلام الذي جعل المنفق أهل لرحمة الله (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التوبة:99. ثم هناك فوائد أخرى للصدقات ذكرها بعض الباحثين منها: 1 — انها تطفئ غضب الله سبحانه وتعالى كما في قوله صلى الله عليه وسلم "إن صدقة السر تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى". 2 — أنها تمحو الخطيئة، وتذهب نارها كما في قوله صلى الله عليه وسلم "والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار". 3 — أنها وقاية من النار كما في قوله صلى الله عليه وسلم "فاتقوا النار ولو بشق تمرة". 4 — أن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كل امرئ في ظل صدقته، حتى يُقضى بين الناس". قال يزيد: فكان أبو مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة. 5 — أن في الصدقة دواء للأمراض البدنية كما في قوله صلى الله عليه وسلم "داووا مرضاكم بالصدقة" .. وسأله رجل عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فأحفر بئراً في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن تنبع هناك عين ويمسك عنك الدم. ففعل الرجل فبرئ. 6 — إن فيها دواء للأمراض القلبية كما في قوله صلى الله عليه وسلم لمن شكا إليه قسوة قلبه: "إذا أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم". 7 — أن الله يدفع بالصدقة أنواعاً من البلاء كما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: "وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير. ففدى نفسه منهم) 8 — الصدقة طريق البر، فلن يعرف المرء حقيقة البر إلا بالصدقة كما جاء في قوله تعالى (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّون) آل عمران:92. 9 — أن المنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً".
2623
| 08 ديسمبر 2010
مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...
1632
| 24 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن...
1113
| 22 ديسمبر 2025
«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف...
690
| 21 ديسمبر 2025
يُعد استشعار التقصير نقطة التحول الكبرى في حياة...
660
| 19 ديسمبر 2025
-قطر نظمت فأبدعت.. واستضافت فأبهرت - «كأس العرب»...
627
| 25 ديسمبر 2025
لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...
615
| 24 ديسمبر 2025
هنالك قادة ورموز عاشوا على الأرض لا يُمكن...
597
| 19 ديسمبر 2025
أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...
588
| 24 ديسمبر 2025
-قطر تضيء شعلة اللغة العربيةلتنير مستقبل الأجيال -معجم...
582
| 23 ديسمبر 2025
انتهت الاحتفالات الرسمية باليوم الوطني بحفل عسكري رمزي...
534
| 23 ديسمبر 2025
في عالم اليوم، يعد التحول الرقمي أحد المحاور...
486
| 23 ديسمبر 2025
عندما نرى واقع الإدارة سوف نجد انها تبدأ...
420
| 22 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية