رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

التمرد على صنعاء..

سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية ومؤسساتها السيادية، كالقصر الرئاسي وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الحكومة خالد بحاح وعدد من الوزراء الجنوبيين، بالإضافة إلى قمع المظاهرات الرافضة واختطاف متظاهرين، بينهم نساء، ضاعف من حالة الاستنكار والغضب الذي تجلى في استصاغة الدعوات الانفعالية المطالبة بالتمرد على صنعاء وجعلها مدينة معزولة لا يستجاب لكل ما يصدر عنها من قرارات، وحشر الحوثيين وكل القوى العسكرية والقبلية المؤيدة لهم والتي تنتمي في أغلبها إلى لون طائفي واحد، في منطقة واحدة سماها مؤتمر الحوار الوطني بإقليم "آزال" والذي يتكون من صنعاء ومحافظات ذمار وعمران وصعدة. يبدو اليمن وكأنه يسير في طريق التشظي الجغرافي والاجتماعي والمذهبي إذا لم يتم التوصل إلى حل سريع للأزمة يرضي جميع الأطراف، فأغلب المحافظات تنتظر فقط ما ستسفر عنه المساعي التي يقودها المبعوث الأممي جمال بن عمر، وفي حال عدم التوافق على صيغة تضع حدا للسخط الشعبي، فإن الإجراءات التي اتخذتها اللجان الأمنية في عدد من الأقاليم عقب إعلان استقالة هادي بتاريخ 22-1-2015 قد تصبح واقعا وربما يكون هذا التاريخ يوما أسود في حياة اليمنيين.أول الأصوات المطالبة بالانفصال انطلقت من إقليم عدن الذي يضم، بالإضافة إلى عاصمته، محافظات الضالع ولحج وأبين، إذ أعلنت اللجنة الأمنية عقب استقالة الرئيس أنها لن تتلقى الأوامر من صنعاء. وتلت ذلك دعوات من إقليم حضرموت الذي يتكون من محافظات شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى، ولم يكد يمر وقت قصير حتى انضم إقليم سبأ ليكون ثالث المتمردين على الهيمنة الحوثية، حيث يضم الإقليم محافظات البيضاء ومأرب والجوف وتتمتع مساحاته الشاسعة بأهمية جيوسياسية وإستراتيجية، حيث تقع فيه أهم المصالح الحيوية من النفط والطاقة ويرتبط بشريط حدودي مع السعودية.إقليم الجند ذو الكثافة السكانية الكبيرة اتخذ موقفا متريثا في انتظار ما ستسفر عنه حوارات الفرقاء، لكنه ربما لن ينتظر كثيرا، ففي حال استمر تعنت المتحكمين بقوة السلاح، فقد نرى موقفا أكثر راديكالية وهذا ما عبرت عنه طبيعة المبادرة التي تقدم بها التكتل الوطني لأعيان تعز، حيث تضمنت تشكيل مجلس رئاسي من سبعة أعضاء: يمثل كل إقليم من الأقاليم الستة عضو واحد والعضو السابع من الجنوب، على أن يترأس المجلس أحد أعضائه من أبناء المحافظات الجنوبية ومدته سنة واحدة فقط، ونقل العاصمة مؤقتا إلى عدن حتى يستقر الوضع في صنعاء وشددت المبادرة على ضرورة إخلاء المدن من الميليشيات والشروع في تنقيح مشروع الدستور وفقا لمخرجات الحوار والإعداد للاستفتاء عليه وتهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفقا للدستور الجديد. هذه المبادرة ربما يكون لها صدى عند المتحاورين في صنعاء، ذلك أن إقليم الجند مثَّلَ ثقلا سياسيا ومدنيا في كل مراحل تكون الدولة اليمنية.في هذا الظرف العصيب الذي تمر به البلاد هناك طرفان لكل منهما أجندته، طرف يعمل بكل قوة على إعادة الاعتبار لمعادلة الحكم التي تغيرت بعد ثورة 11 فبراير عام 2011 وأتت برئيس ذي خلفية مذهبية مختلفة ولا ينتمي إلى التحالف القبلي المتحكم في صنع الرؤساء وهذا ما جعل التحالف بين الرئيس المخلوع والحوثيين واقعا وما نتج عنه من نهب وتدمير للمؤسسة العسكرية وإسقاط الدولة في براثن المناطقية والسلالية.أما الطرف الثاني والمتمثل في بعض القوى السياسية من أقصى اليمين واليسار فيعمل على إعادة الاعتبار للدولة وكبح جماح الدعوات الانفصالية عبر البحث عن حلول توافقية تضمن للجميع العيش بكرامة وفق منطق التوزيع العادل للسلطة والثروة.المبعوث الأممي جمال بن عمر الذي يتحرك الآن بدعم سعودي وأمريكي - إيراني بدا واثقا من التوصل إلى حل خلال الإفادة التي عرضها من مقره في صنعاء أمام مجلس الأمن الدولي، وقال إنه متأكد من التوصل إلى حل سياسي لا يمر عبر البرلمان اليمني ويستند إلى مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة وما تبقى من مراحل تطبيق المبادرة الخليجية.وأرجو أن أكون مخطئا إذا ما قلت إن بن عمر نذير شؤم، حيث إنه بقي في صعدة خمسة أيام، بعدها سقطت عاصمة الدولة بيد مضَيفيه.على أي حال يدور الجدل والتفاوض الحالي بين رؤيتين، الأولى تحبذ بقاء عبد ربه منصور هادي رئيسا وتراجعه عن استقالته مقابل التزامات وضمانات يلتزم بها الجميع، أما الرؤية الثانية التي تقدم بها ممثلو الحوثي فترى أن الأنسب تشكيل مجلس رئاسي برئاسة الرئيس هادي أو شخصية جنوبية، لكن دون الحديث عن تسليم السلاح للدولة ربما لكي يضمنوا تنفيذ مطالبهم التي بسببها قيل إن هادي رفضها واستقال.وسواء عدل الرئيس هادي عن الاستقالة أم تم تشكيل مجلس رئاسي برئاسة جنوبية، فإن اليمنيين ينتظرون إجراءات حاسمة تعيد للعاصمة مدنيتها وكرامتها وللمؤسسات السيادية هيبتها، وعلى الحوثيين أن يدركوا أنهم لن يستطيعوا بمفردهم حكم اليمن الموحد وإن ساندهم الدعم الإقليمي وتحالفت معهم سرا أو جهرا الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا ما استمروا في السلوك السياسي والعسكري الذي تؤطره نشوة الانتصار الخالي من أي مضمون إيجابي يقنع الآخرين بإمكانية التعايش على بقايا وطن، فإن تمرد الأقاليم سيتجاوز بكثير التمرد في صنعاء.

831

| 29 يناير 2015

اليمن .. الحوثيون من الكهف إلى القصر

تجلت بشكل واضح لا لبس فيه أهداف الحوثيين في السيطرة على كل مفاصل السلطة والدولة المبعثرة عبر انقلاب عسكري سياسي بدأ باشتباك مسلحين حوثيين مع قوات الحرس الرئاسي في 19 يناير 2015 وانتهى بدخولهم فاتحين القصر الرئاسي ونهب ما كان أبقى عليه الرئيس المخلوع حفظا لماء الوجه ولكي لا يبدو القصر خاليا تماما، وتابع الحوثيون حصار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في مقر إقامته وحصار رئيس حكومته خالد بحاح وقبل كل ذلك اختطاف أحمد عوض بن مبارك مدير مكتب الرئيس. كل ذلك من أجل السيطرة الكاملة على أرواق اللعبة السياسية لرسم خريطة جديدة لليمن وتمرير مسودة دستور جديد يشرع لطموحاتهم ولا يتضمن الأقاليم الستة المقرة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي استمر انعقاده أكثر من عشرة أشهر، ورغم العبث والفوضى يحاول الحوثيون وضع أنفسهم في خانة المظلومين عندما يقولون إن الحرس الرئاسي هو من هاجمهم لكن تأملا في النتائج على الأرض يوضح أن ما جرى كان انقلابا أكدته وزيرة الإعلام عندما قالت إن التلفزيون الرسمي ووكالة الأنباء لا يعبران عن رأي الحكومة ولولا حنكة الوزيرة الصحفية وتغريداتها باللغتين العربية والإنجليزية لما عرف الناس شيئا عما يجري سوى ما تبثه الآلة الإعلامية الحوثية ووسائل إعلام الرئيس المخلوع. استمرت هذه الوزيرة الشجاعة تزود الإعلام المحلي والخارجي بآخر التطورات حتى عندما ضاقت الدائرة على منزل الرئيس وسقوط قتلى من حراسه بنيران مليشيا مسلحة ربما تكون أيضا من قوات الحرس الجمهوري التابعة للرئيس المخلوع بما يعني أن الانقلاب نفذه طرفان ليفرض على اليمنيين مجلس عسكري يُمثل فيه الحوثيون والرئيس المخلوع أو يتم تعيين نائب للرئيس الحالي إلى أن يتم تطبيع الوضع السياسي ليكشف الحوثيون بشكل جلي عن شكل دولتهم الطائفية الشيعية في خاصرة الشقيقة الكبرى!انقلب السحر على الساحر كما يقال فبعد المؤامرات التي قيل إن الرئيس هادي حاكها لتوثيق عرى التحالف بينه وبين الحوثيين بتسهيل سيطرتهم على العاصمة والتخلص من قوى سياسية وخصوم ليصبح طريق الاستمرار في الحكم سالكا لكن يبدو أن حساباته كانت خطأ ذلك أن الحوثيين كانت لهم استراتيجية مختلفة حيث تحالفوا كذلك مع الرئيس المخلوع وجيوب الدولة العميقة ليصبحوا هم مركز السيطرة والتحكم كما أنهم لا يتحركون من ذات أنفسهم بل بضوء أخضر من أياد خارجية تريد أن تكون اليمن بؤرة للصراعات الطائفية والمذهبية بإشراف مستشارين من الحرس الثوري الإيراني. بعد كل هذه الأحداث والتطورات المتسارعة كثيرون يريدون فهم القصة والإجابة على أسئلة من نوع: كيف نشأت حركتهم؟ وهل هي زيدية أم جارودية أم اثنى عشرية؟ كيف سيطر الحوثيون على مساحة كبيرة من اليمن؟ من أين لهم كل هذه القوة؟ وما هو مستقبلهم السياسي والمذهبي في اليمن؟ تأسست الحركة الحوثية على يد حسين بدر الدين الحوثي عام 1991 تحت مسمى منتدى الشباب المؤمن وكان يهدف من وراء ذلك إلى لملمة شتات المذهب الزيدي الذي بدأ تأثيره يتلاشى مع تنامي تأثير الدعوة السنية بجناحيها السلفي والإخوان المسلمين، ولأن والد المؤسس كان يرفض في بعض مؤلفاته الترضي على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويهاجم صحيح البخاري ومسلم بحجة التقول والكذب على رسول الله فقد شكل ذلك تقاربا بين المؤسس وإيران عززه بالسفر إليها والبقاء أياما عام 1994 ومنذ ذلك التاريخ رجع حسين الحوثي بمنطق صدامي متطرف إذ بدأ يعلن أن الحكم لا يكون إلا في أولاد الحسن والحسين ومنع المواطنين من دفع الزكاة للحكومة وانتقل ذلك من منطقته مران إلى باقي مديريات محافظة صعدة الأمر الذي عدته السلطات المحلية تمردا على الدولة كما أن الرئيس المخلوع علي صالح عدها آنذاك تهديدا مباشرا لحكمه فشن عليها الحروب الست رغم أنه من دعمها في بداية الأمر نكاية بالسلفيين والإخوان، وعندما اندلعت ثورة الشباب السلمية في فبراير 2011 شارك الحوثيون بالثورة وتعايشوا مع كل القوى في الساحات المنتفضة على اعتبار أن هدف الجميع أصبح واحدا، لكن ما إن طبقت المبادرة الخليجية وجيء بنائب الرئيس المغمور الذي كان دائما في الظل ليصبح رئيسا جديدا وتمت دعوة الحوثيين كقوة سياسية بعد أن كانوا حركة متمردة تعيش في جبال مران بصعدة للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني وهنا بدؤوا بمحاولة فرض رؤيتهم في معالجة القضية الجنوبية وقضية صعدة، وبعد بروز موجة التآمر الإقليمية على ثورات الربيع العربي، أغرى الحوثيون أمران اثنان: ضعف شخصية الرئيس هادي وتكالب المجتمع الدولي على جماعات الإسلام السياسي عندها استغل الحوثيون ذلك فأعلنوا تبنيهم الحرب على ما يسمى بالتكفيريين والدواعش وتحالفوا مع الرئيس المخلوع المسكون بنوازع الانتقام من أهم من حركوا الثورة ضده، فتلاقت مصالح المنتقمين، انتقام ممن أشعل الثورة، وانتقام من المختلف مذهبيا، وهناك انتقام لا يزال مؤجلا وهو ممن شن الحروب الست ومن كل من يؤمن بمبادئ ثورة سبتمبر 1962 خصوصا قبائل مأرب والجوف والبيضاء التي تتصدى لطموح الحوثيين في السيطرة على منابع الطاقة والنفط ومعه فرض المذهب والصرخة.

780

| 21 يناير 2015

شارلي والقاعدة

شهدت العاصمة الفرنسية باريس "مسيرة الجمهورية" التي وصفت بالتاريخية للاحتفاء بقيم الديمقراطية وحرية التعبير وتنديدا بالهجوم على صحيفة شارلي إيبدو ومتجر يبيع منتجات لليهود وسقوط عدد من القتلى والجرحى، بالإضافة إلى قتل قوات التدخل السريع كل منفذي الهجمات الذين دفنت معهم أسرار وملابسات ودوافع جهات استخبارية إلا ما سكب سكبا! من معلومات عبر وسيلة إعلامية فرنسية قالت إنها اتصلت بالمهاجمين وأنهم قالوا إنهم ينتمون إلى تنظيم القاعدة في اليمن وإلى تنظيم الدولة الإسلامية الذي ينشط في العراق وسوريا، ليبدو المشهد واضحا للرأي العام الغربي بأن الإرهاب الإسلامي استهدف حرية الصحافة والسامية معا، ومثلما انبرى من يقدم اعترافا مجانيا بتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 لأهداف إعلامية وحشر كل المسلمين في زاوية التطرف والإرهاب، أعلن التنظيم نفسه وهذه المرة من اليمن مسؤوليته عن هجمات باريس بحجة الدفاع عن رسول السلام والإنسانية.وبين الكم الهائل من الإدانات وموجات الغضب والاستنكار لما حدث، فاجأ دومنيك دوفيلبان رئيس الوزراء الفرنسي السابق الجميع بتصريحاته التي خرجت عن عموم الرؤية السياسية والإعلامية الغربية لوصف ما وقع في باريس عندما طالب دول الغرب بالوقوف أمام حقيقة مؤلمة شاركت في صنعها، متهما تلك الدول بإنتاج ما وصفه بالإرهاب الإسلامي.وقال إن تنظيم الدولة الإسلامية طفل مشوه، لكنه متوحش يعبر عن تقلب وغطرسة السياسة الغربية التي كانت سببا في زيادة عدد المقاتلين من بضعة آلاف إلى نحو 30 ألفا جراء تدخلها العسكري في أفغانستان والعراق وليبيا ومالي.دوفيلبان الذي كان شاهدا على فترة مهمة في مسيرة السياسة الفرنسية ومواقفها المتقلبة من قضايا الصراع في الشرق الأوسط أكد أن تنظيم داعش والقاعدة يكشف الإرهاب الحقيقي ويبرئ المسلمين من هذه الأعمال الإجرامية. المستفيد، بلا شك، مما سماها تنظيم القاعدة "بغزوة باريس" هم حركات اليمين المتطرف في كل أوروبا والكيان الصهيوني الذي تلقفت وسائل إعلامه الحادثة وأطلقت عليها الكثير من العناوين التي تؤجج الصراع والفتنة، من مثل "11 سبتمبر الفرنسي" و "الاحتلال الإسلامي" و "الفرنسيون يفقدون دولتهم" و "حرب بين البربرية والحضارة".أما بنيامين نتنياهو فقد نزل عليه الخبر بردا وسلاما ليرد على موقف الجمعية الوطنية الفرنسية التي اعترفت بدولة فلسطين والكثير من الدول الأوروبية التي كان لبرلماناتها الموقف نفسه بأن الفلسطينيين مجموعة من الإرهابيين وأن أهداف الإرهاب الإسلامي ليست تسوية الصراع وإيجاد دولتين تعيشان جنبا إلى جنب، بل الهدف الأساسي "للإرهاب الإسلامي" إبادة مجتمعاتنا ودولنا واجتثاث حضارتنا الإنسانية التي تستند إلى الحرية وطالب بهجرة يهود فرنسا إلى الأرض الفلسطينية المحتلة. أما المتضررون فهم الملايين من المسلمين والجاليات الإسلامية التي ربما تزداد عزلة وتوضع أمام أبنائها الكثير من عوائق التمييز والعنصرية التي تحد من فرص وفوائد الاندماج في تلك المجتمعات.بغض النظر عن المستفيد والمتضرر من هجمات باريس، فإن صحيفة شارلي إيبدو والقاعدة وأخواتها يمثلون عنوانا للتطرف المقيت وازدراء الأديان والاستهانة بالنفس الإنسانية، وهنا لابد من تسليط الضوء على السياسة التحريرية للمجلة وعلى منطلقات وممارسات تنظيم القاعدة وتفرعاته، ليس من باب المقارنة، بل لتثبيت حقيقة أن التطرف والغلو، إن بالرسوم أو الكلمات أو العنف، ليس مرتبطا بدين، بل هو ظاهرة يتقمصها أشخاص تحكم سلوكهم وتوجهاتهم أهداف ودوافع معينة.. شارلي إيبدو صحيفة صفراء أسبوعية انطلقت من رؤية يسارية جذرية تسخر من كل المعتقدات، ولذلك لم تستطع الصمود في مواجهة نقص القراء وقلة الإعلانات والاشتراكات لتتوقف عن الصدور عام 1982، ثم عادت للصدور عام 1992. تعمد الصحيفة إلى الإكثار من الرسوم التي تسخر من رموز الدين والسياسة داخل فرنسا وخارجها والاقتصاد في النصوص ولذلك فقد أعادت في 2006 نشر رسوم مسيئة للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، تضامنا مع صحيفة دانماركية كانت قد أثارت غضبا واسعا لدى المسلمين وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد وصف آنذاك ما قامت به شارلي إيبدو بأنه استفزاز للمسلمين.أما الجمعيات الإسلامية فلم تحرض أحدا على العنف، بل رفعت دعوى قضائية ضد الصحيفة، إلا أن القضاء الفرنسي أحجم عن إدانتها بحجة دعم حرية التعبير، لكنه لا يقر حرية التعبير في معاداة السامية، ويبدو أن ذلك شجع الصحيفة على المضي في سخريتها من محبوب المليار ونصف المليار مسلم، فكررت نشر الرسوم المسيئة، حيث نشرت في يناير 2013 صورا صادمة عن حياة الرسول الكريم. لذلك وصفت صحيفة الجارديان البريطانية أن ما جرى ناتج عن خطاب الكراهية ضد الدين الإسلامي والذي ساد في فرنسا الحديثة ويتم التلاعب به لأغراض سياسية من قبل اليمينيين واليساريين. أما تنظيم القاعدة وتفرعاته، فإنه يعتمد على مبدأ الحرب الشاملة التي لا هوادة فيها ضد أعدائه، وبالتالي فإنه يرى جواز اللجوء إلى جميع الوسائل لبلوغ أهدافه ومنها استخدام الأسلحة غير التقليدية وقتل المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال وينصب التنظيم نفسه للدفاع عن بيضة الإسلام إلا أن القاعدة حتى الآن لم تثبت للإنسان المسلم أنها الحل وأن لديها إستراتيجية لقضايا وهموم المسلمين دون تبني منهج العنف.. لذلك فإن المسلمين إن لم يقدموا دينهم على أنه دين القوة والتسامح والأخذ بأسباب النهوض الحضاري، فسيظلون يصارعون طواحين الهواء وتوجه معاركهم صحف صفراء عندما تشعر بعزوف قرائها وغربتها في مجتمعاتها، لكن في المقابل على الدول الغربية أن تغير من سياساتها تجاه قضايا العرب والمسلمين وأن تكف عن سياسة الكيل بمكيالين، وإلا فإن هذه الحادثة ربما لن تكون الأخيرة.

812

| 14 يناير 2015

اليمن بين الرايات الخضراء والسوداء

كان آخر يوم من العام 2014 في اليمن كارثيا ومأساويا، إذ سقط العشرات بين قتيل وجريح في تفجير انتحاري استهدف احتفالا بمناسبة المولد النبوي الشريف نظمه الحوثيون في المركز الثقافي لمدينة إب التي كان يعيش سكانها على اختلاف مشاربهم العقائدية والمناطقية بأمن وسلام وتعايش، إلى أن بدد هدوءها ومدنيتها من يسمون أنفسهم "أنصار الله" الذين يسعون إلى فرض رؤيتهم المذهبية والسياسية على المجتمع ولكن ليس وفق الأدوات الديمقراطية، بل وفق منطق الرصاص والقوة، وفي المقابل يعادي هذه الجماعة ويتصدى لتوسعها العسكري جماعة أخرى تسمي نفسها "أنصار الشريعة" التي تقول إنها أخذت على عاتقها إعلان الجهاد ضد الجيش وقوى الأمن الموالية لأمريكا وضد الروافض المبتدعين الذين يحتفلون بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يرون في زوجه السيدة عائشة رضي الله عنها رمزا للطهر والعفاف، يدعي الطرفان أنهما يمثلان المقدس الذي يمنحهما حق مصادرة حياة كل من لا يرى في أيديولوجياتهم سبيل الرشاد.في العام 2014 تجرع اليمنيون مرارات تفكيك وبعثرة مؤسسات الدولة، واتساع دائرة العنف والقتل، حيث سقط في هذا العام أكثر من 7000 يمني مسلم تحت مبررات واهية وصراع عبثي وصيحات الله أكبر!، في ظل هذا الواقع الأليم تبرز تساؤلات حائرة: كيف يمكن وقف آلات القتل المجنونة؟ من المسؤول عن اتساع رقعة العنف وتمزيق النسيج الاجتماعي؟ كيف تمكن استعادة الدولة لدورها لتكون الضامن للأمن والحقوق والحريات وتطبيق سيادة القانون؟ وما هو مستقبل الحركة الحوثية إذا ما استمرت في تجاهل واقع الجغرافيا المذهبية والسكانية؟ وما هو مستقبل تنظيم القاعدة الذي يحاول أن يستغل ممارسات الحوثيين لخلق حواضن شعبية وقبلية تمكنه من لعب دور في الصراع المحتدم على المال والسلطة؟ وهل ستثمر الحركة الاحتجاجية الشبابية التي بدأت تتشكل تحت مسميات ثورية عدة في إعادة التوازن إلى الساحة التي يلعب فيها الحوثيون والقاعدة؟اللاعبان الرئيسيان على الساحة اليمنية يعبران عن رؤيتهما لما سيكون عليه العام 2015، حيث تعهد عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين في كلمته بمناسبة ذكرى المولد النبوي بأن الفعل الثوري مستمر في مساراته الثلاثة: محاربة الفساد، وفرض الشراكة الوطنية، والتعاون مع الجيش والأمن من خلال اللجان الشعبية للدفاع عن الشعب وممتلكاته، لكنه حذر من فرض الأقاليم الفيدرالية الستة التي وافق عليها ممثلوه في مؤتمر الحوار الوطني الشامل وهدد سيد الحوثيين باجتياح محافظة مأرب النفطية التي اتهم قبائلها بالإجرام ودعم من وصفها بالقوى التكفيرية.أما تنظيم القاعدة أو جماعة "أنصار الشريعة" فقالت إنها أعدت للمعركة أكثر من 100 انتحاري سيستهدفون أي تجمع جماهيري للحوثيين وأنها ستواصل الحرب على ثكنات ومعسكرات الجيش في المحافظات الجنوبية الذي يقود الآن عمليات محدودة ضد وجود القاعدة في حضرموت.وفي مقابل الكشف عن خطة العمل لهاتين الجماعتين تبدو مؤسسة الرئاسة اليمنية حائرة في أي الطرق تسلك، هل تواصل سياسة تمكين الحوثيين على بقايا دولة أم تستخدم أوراقا أخرى ربما تلملم ما انفرط؟ أما القوى السياسية وعلى رأسها حزب التجمع اليمني للإصلاح، فتبدو مستسلمة للأمر الواقع الذي فرضه الحوثيون وحتى مبادراتها للحوار والتعايش أصبحت صيحة في واد ونفخة في رماد، رغم أن بعض الشخصيات الحزبية منفردة لا تزال تحارب اليأس وتسعى لإيجاد حل من نوع ما يعتمد على اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي دخل غرفة الإنعاش منذ اليوم الأول من توقيع جميع القوى السياسية عليه في 21 سبتمبر من العام الماضي.الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تبدوان أنهما تعزفان مقطوعة واحدة في اليمن، إذ يشكل تنظيم القاعدة عدوا مشتركا، وخيار من يجب دعمه وتسهيل حركته وتمدده هو جماعة الحوثي الشيعية.وفي المقابل ترى أطراف إقليمية أخرى أن اتساع رقعة الحوثيين يشكل تهديدا لمصالحها ولذلك ربما تمارس تدخلا سلبيا يزيد الصورة قتامة من خلال دعم جماعات مسلحة جديدة تعيد التوازن المفقود، لكن ذلك سيسرع حتما من انهيار الدولة واتساع رقعة الحرب الأهلية، لكن ما يجري طبخه الآن محليا وبواسطة سلطنة عمان يتمثل في التمديد للرئيس هادي خمس سنوات مقابل عدم نص الدستور الجديد على فكرة الأقاليم الستة والاكتفاء بإقليمين شمالي وجنوبي، وفي حال اتساع دائرة الرفض الشعبي والسياسي لما تمكن تسميته بالصفقة الهادوية الحوثية، فإن الحوثيين سيلجأون إلى خيار مرحلي غير إستراتيجي، يتمثل في إعلان نجل الرئيس المخلوع رئيسا والاستفادة من قواته العسكرية التي لا تزال متماسكة ومن إمكانات حزب أبيه.أما واقع اليمن المعقد فيقول إنه ما لم يتم العمل على استكمال عملية الانتقال السياسي وتطبيق مخرجات الحوار التي أقرتها كل أطياف المجتمع وإجبار الحوثيين على القبول بخيار العمل السياسي وفق الأدوات السياسية الديمقراطية، فإن البلاد لن تشهد الاستقرار السياسي والأمني، بل ستظل رهينة رايات خضراء وأخرى سوداء وشعارات العداء لأمريكا وإسرائيل والضحايا يمنيون.

847

| 07 يناير 2015

قطر التي تتميز

لكن بإمكانك الدخول إلى موقع إلكتروني يتعامل معه كثيرون، وأتمنى أن تجد فيه ضالتك لتكون سببا في لقائنا بعد طول فراق، وما هي إلا أيام حتى اتصل بي وقال: وجدتها، لكنني لا أستطيع أخذ إجازة هذه الأيام، قلت له: بإمكانك المجيء في عطلة نهاية الأسبوع، قال لي: لكنني لا أستطيع إنهاء إجراءات شراء السيارة في يومي جمعة وسبت، قلت له: لا عليك، سيتم ذلك إن شاء الله، حضر صديقي إلى الدوحة بعد أن اتفق مع بائع السيارة هاتفيا، استقبلته وبعد أن قمت بواجب الضيافة انطلقنا لمقابلة بائع السيارة، أعجب صديقي بحالة السيارة ودفع الثمن المتفق عليه، ثم قال لي: يبدو أن الوقت لن يسعفني، فقد أوشكت شمس يوم السبت على الغروب، ولدي عمل مهم غدا، هلا تفضلت بإكمال معاملة نقل الملكية وسأعود الأسبوع المقبل، قلت له: لا عليك، ستعود بما جئت من أجله، ذهبنا إلى المرور وفي دقائق معدودة استلم الاستمارة وركبت لوحة التصدير، قال لي بدهشة: (خلاص انتهينا)، قلت: نعم.بعد ذلك دار بيننا حديث عن قطر ونهضتها وسياستها، قال لي: يا أخي قطر تتميز، قلت له كيف؟ قال: الماء والكهرباء للمواطنين مجانا وفي بلدنا نحاسب على القطمير!، قلت له: سأزيدك من الشعر بيتا، فعلى الصعيد الاجتماعي مثلا تمكنت قطر من تحديث نظام الضمان الاجتماعي وزيادة معاشات المستحقين من اليتامى والأرامل والمطلقات وكبار السن، وهي تأخذ بمبدأ الإنفاق الحضاري للمال عندما تبنت سياسة اقتصادية جعلت منها عملاقا اقتصاديا يتجاوز دخله القومي أكثر من 180 مليار دولار وحفظت لأجيالها مستقبلا واضح المعالم، حيث يتولى الصندوق السيادي إدارة الفائض المالي، وبفضل إيمان قيادتها بالأصالة والتحديث تم إنشاء مؤسسة قطر للتربية والعلوم التي حققت وثبات طويلة في المجالات الاجتماعية والتعليمية والصحية والثقافية لتكون بذلك قطر استثناء في عوالم العرب.أما البنية التحتية فكما ترى بصمة في عالم التخطيط العصري والتنمية المحلية، وإذا ما فتحنا نافذة للحديث عن تنمية المجتمعات في دول أقل نموا، فإن لقطر أيادي بيضاء، فهي تنفذ برامج تنموية تعليمية وصحية في دول فقيرة، كما تعمل مؤسسة (صلتك) على تحسين أوضاع الشباب العربي، وتخصص قطر جزءا من ميزانيتها لدعم العمل الخيري وحل النزاعات داخل الدولة الواحدة وبين الدول، وتتميز كذلك بدبلوماسية التوازن وتنويع الشركاء والتأقلم مع المتغيرات، نتج عن ذلك في المجمل سياسة خارجية رصينة لا تقوم على ردود الفعل الآنية أو الانفعالية، بل تحيل أي قضية تريد اتخاذ موقف بشأنها إلى خبراء إستراتيجيين وهذا ما تفتقد إليه أغلب دول العالم الثالث التي يفتي فيها الزعيم الملهم في كل شيء، نجحت في حل الكثير من القضايا الشائكة، لها قنوات اتصال مع جميع الفاعلين في السياسة، تقيم تحالفات إستراتيجية مع دول محورية بينها تركيا التي أعلن فيها مؤخرا عن مجلس التعاون الإستراتيجي القطري التركي، تتويجا لتقارب الرؤى في ملفات شائكة وحجم تبادل تجاري بلغ 3.5 مليار دولار في العام 2013.أحسنت قطر في صناعة الصورة وكارزمية القائد، ففي الوقت الذي تذبح فيه لغتنا العربية من الوريد إلى الوريد على ألسنة زعماء دول الضاد، يقف أميرها الشاب في المحافل الدولية متحدثا بلغة سيبويه وشكسبير وفولتير، رافعا بذلك رؤوس أبناء شعبه وأبناء الأمة العربية الذين يبحثون عن نموذج قائد، فلا يجدون.رغم إسهابي في الحديث مع صديقي عن قطر إلا أنه لم يعترض على أي كلمة، بل كان يثمن ما أقوله، ودعته وبعد ساعات ما لبث أن اتصل بي قائلا: الحمد لله وصلت لكنني نسيت أن أقول: أرفع عقالي احتراما لقطر وأعتقد أن الآخرين من العرب وغير العرب سيرفعون عمائمهم وكوفياتهم وقباعاتهم لدولة قطر التي تتميز.

938

| 24 ديسمبر 2014

اليمن.. طبول الحرب ومساعي السلم

بمساندة من قوات الحرس الجمهوري الموالية للرئيس المخلوع فرض الحوثيون سيطرتهم على مديرية أرحب المطلة على مطار صنعاء الدولي والمطار العسكري بعد معارك دامية مع قبائل المنطقة ومن احتمى بها من قياديين وأعضاء في حزب التجمع اليمني للإصلاح ومن جماعة أنصار الشريعة (تنظيم القاعدة)، ورغم أن الحوثيين انتشروا في كل قرى أرحب بناء على وساطات قبلية نتج عنها وقف إطلاق النار إلا أنهم لا يزالون يلاحقون خصومهم وعلى رأسهم الشيخ عبد المجيد الزنداني وقاموا بتفجير منازل ومقرات حزبية ودار لتحفيظ القرآن الكريم والعلوم الشرعية، ليبدو الهدف القريب لعامة الشعب ملاحقة من يصفونهم بالتكفيريين، لكن هدفهم غير المصرح به هو السيطرة على الصواريخ الإستراتيجية التي يصل مداها الأراضي السعودية وكذلك التحكم في خطوط الإمداد اللوجستي إلى محافظات مأرب والجوف وعمران وصنعاء. هذا التطور الميداني الذي أضافه الحوثيون لسياساتهم التوسعية والتي تضيق الخناق شيئا فشيئا على السلطة الافتراضية للدولة اليمنية دفعت أحد القادة الهاشميين في حزب الإصلاح إلى الانسحاب من لجنة التعايش مع الحوثيين التي ذهبت إلى صعدة قبل أيام من أجل تعزيز الشراكة والتعاون بين الإصلاح والحوثيين وأرجع زيد الشامي رئيس كتلة الحزب في البرلمان اليمني سبب موقفه إلى ممارسات الحوثيين الانتقامية التي تدل على أن دعوات السلم والشراكة والتعايش التي ينادون بها ليست جادة، أو أن قرارهم ليس بيدهم في إشارة إلى إيران. كما قدم الشامي اعتذارا عبر صفحته على الفيسبوك قائلا: "أعتذر لكل من أحسن الظن وأيّـد خطوات التقارب التي شاركت فيها، لأن ما يتم على أرض الواقع خيّب آمالنا وآمالهم، كما أعتذر لكل الذين هاجموني واستنكروا مشاركتي في تلك اللقاءات، وأعترف أنهم كانوا على صواب في عدم ثقتهم بحسن النوايا، ولكن يكفينا أننا ارتفعنا فوق الجراح واستجبنا لدعوات التعايش وتعاملنا بمصداقية".استبشر كثيرون بالاتفاق الشفاهي بين الإصلاحيين والحوثيين وأنه يفتح بابا للأمل بحياة لا حروب فيها، لكن مساعي السلم تبخرت وفتحت في المقابل أبوابا ونوافذ يدخل من خلالها برد وصقيع يزيد معاناة اليمنيين.. لكن لماذا لم يصمد الاتفاق لأكثر من أسبوعين؟ يبدو أن الرئيس المخلوع تقاطعت مصالحه مرة أخرى مع مصالح الحوثيين في أرحب التي تصدت قبائلها لقوات الحرس الجمهوري ومنعتها من تقديم الإسناد الذي كان المخلوع بحاجة إليه إبان الثورة الشبابية السلمية الشعبية في العام 2011 ولذلك فقد أراد علي عبد الله صالح تحقيق هدفين، الأول: الانتقام من هذه القبائل عن طريق اشتراك قوات الحرس الجمهوري إلى جانب مسلحي الحوثي، والثاني: إفشال التقارب الإصلاحي الحوثي الذي لو استمر فستكون له نتائج كارثية عليه شخصيا وعلى الدولة العميقة وقواها التي لا تعيش إلا في الفوضى وغياب سلطة الدولة. الخطأ الإستراتيجي الذي وقع فيه حزب الإصلاح، خاصة الجناح المتشدد فيه والذي يمثله الشيخ عبد المجيد الزنداني، أنه غض الطرف كثيرا عن هجمات تنظيم القاعدة على منشآت حيوية في البلاد وقتل المئات ولم تتم إدانة هذه الممارسات والأعمال الإجرامية بحق اليمنيين، بل كانت المساجد تضج بالخطب التي تناقش المد الليبرالي وزواج القاصرات ولم نر حملات ضد سفك دم الإنسان، بل كان موقف حزب الإصلاح من تنظيم القاعدة كموقف الرئيس عبد ربه منصور هادي من الحوثيين وممارساتهم. الحوثيون استغلوا هذه الثغرة ويسعون إلى إقناع المجتمع الدولي والشعب اليمني بأنهم يريدون فرض سلطة الدولة وملاحقة تنظيم القاعدة وأن ما قاموا به في أرحب يندرج تحت هذا الهدف وفي المقابل أحرج تنظيم القاعدة قبائل أرحب عندما أعلنت جماعة أنصار الشريعة عن مقتل عدد من أعضائها في القتال ضد الحوثيين وأنها ستنقل القتال إلى كل منطقة يدخلها الحوثيون وبذلك تقدم نفسها حامية لأهل السنة في اليمن وهذا يعزز حجة الحوثيين ومن يساندهم من القوى المحلية والدولية.مشكلة اليمن اليوم أنها رهينة جماعات مسلحة تحاول أن تشارك في النظام السياسي أو تخلق أنظمة بديلة لها ارتباطات خارجية وأممية وهذه الجماعات تشترك في مصادرة الحريات وقمع حرية الرأي والتعبير وإلغاء حق الآخر في الحياة، وفي المقابل لا تزال المؤسسة العسكرية مفككة والمنظومة الأمنية منهارة ومما يزيد الأمور تعقيدا التوجيهات التي صدرت من الرئيس اليمني بدمج ميليشيات جماعة الحوثي في الجيش وفي حال الاستجابة لطلبات مماثلة من قبائل وأقاليم، فإن جيشا غير وطني سيتشكل ليعبر عن قوى وجماعات متناقضة ثم لا يلبث أن ينقسم في أي أزمة كما حدث في ثورة الشباب 2011 عندما كانت البلاد على وشك الانزلاق نحو حرب أهلية.لا يظهر حتى الآن ضوء في آخر النفق، بل كل المؤشرات تقول بأن مساعي السلم تتراجع وأن طبول حروب سياسية واجتماعية واقتصادية وطائفية تقرع، فالقوى السياسية اليمنية تقف تحت لافتات مختلفة، بينها الانفصال وليس التنمية وبناء الدولة، وحركة الحوثي تتبنى منهجا له أبعاد اجتماعية خطيرة، لأنه يقوم على الخلاف العقائدي والفكري بين الشيعة الإثنى عشرية والسنة، وتنظيم القاعدة يتحرك اليوم بغطاء ديني وقبلي لنقل تجربة سوريا والعراق، أضف إلى ذلك تفاقم الأزمة الاقتصادية وانهيار أسعار النفط وزيادة مخيفة في أعداد العاطلين عن العمل ومما يزيد الطين بلة رئيس ضعيف لا يستطيع إنفاذ قرار تعيين محافظ.

701

| 17 ديسمبر 2014

فلسطين وثورة البرلمانات الأوروبية

أكثر من 800 شخصية إسرائيلية اعتبرت أن مبادرات البرلمانات الأوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية ستشجع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على إنجاز اتفاق لحل النزاع بينهما، وذكرت هذه الشخصيات الموقعة على رسالة موجهة إلى مجالس النواب والشيوخ في أوروبا أن موقفها ناتج عن الحرص على سلامة إسرائيل والقلق الذي يسببه جمود عملية السلام واستمرار سياسات بناء المستوطنات، هذه الرسالة التي وقع عليها كبار المؤلفين والكتاب وسياسيون تعكس خوف المجتمع الإسرائيلي من المستقبل المجهول بعد تجربة مريرة عاشوها أثناء الحرب الأخيرة على غزة والتي تهشمت فيها الصورة المخيالية لجيش الاحتلال الذي لا يقهر.تحرك الشخصيات الإسرائيلية الداعم للحراك الأوروبي يقابله انصراف المثقفين وقادة الرأي العرب إلى اهتمامات هامشية بعد أن تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية إلى مستويات منخفضة، بل إن قطاعات من الإعلام العربي ترى في المنطقة العازلة التي يقيمها الجيش المصري بين سيناء وقطاع غزة قضية كبرى ستكون لها نتائج ملموسة على عملية الأمن والسلام، إذ إنها ستضمن تجفيف منابع الإرهاب الذي يهدد مصر وإسرائيل على حد سواء، والذي بسببه اندلعت الحرب على غزة.رب ضارة نافعة، كما يقال، فرغم المعاناة والألم الذي سببته الحرب على غزة 2014 إلا أنها خلقت رأيا عاما في أوروبا يساند حق الفلسطينيين في حياة كريمة على أرضهم، كانت السويد نواة لكرة الثلج عندما تجاهلت الضغوط الإسرائيلية والأمريكية لتفاجئ العالم بالاعتراف رسميا بدولة فلسطين.شكل هذا الاعتراف من دولة أوروبية مهمة أزمة كبيرة في الحكومة الإسرائيلية، إذ حاولت إقناع شعبها بأن الدافع الرئيسي وراء قرار السويد يرتبط بأحداث سياسية داخلية، من بينها أن نحو 6 في المائة من السكان مسلمون، لكن تلك التبريرات الواهية سرعان ما تبين زيفها عندما توالت الاعترافات الرمزية من برلمانات بريطانيا وإسبانيا وفرنسا وأيرلندا وربما تتهيأ الظروف لتعترف بدولة فلسطين أكثرة من 12 دولة أوروبية، هذا الحراك الثوري في أوروبا دفع الدبلوماسية الإسرائيلية والحركة الصهيونية لاستنفار كل إمكاناتها من أجل وقف حملة الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، لأن المسؤولين الإسرائيليين يدركون أن هذه الخطوات، ورغم كونها رمزية، إلا أنها تعبر عن رفض شعبي أوروبي لسياسة القمع والتوسع الاستيطاني واستمرار عرقلة جهود التوصل إلى سلام، وربما تشكل عامل ضغط على واشنطن لتتخذ، على الأقل، قرارا متوازنًا ومعتدلاً، وإذا ما استمر الحراك على هذه الوتيرة فقد يتراجع الدعم الرسمي لإسرائيل ويتراجع تفهم اعتباراتها الأمنية التي تبرر بها سياسة العنف ضد الفلسطينيين، مما قد يشعرها ببعض العزلة، رغم أن المواقف الأوروبية الرسمية قد لا تخرج في نهاية الأمر عن السقف الأمريكي وتتصادم مع إسرائيل. لكن هناك هواجس لدى المعسكر المؤيد لإسرائيل من صعود الأحزاب اليسارية التي حركت البرلمانات الأوروبية إلى سدة الحكم وساعتها ربما تعلن اعترافات رسمية غير مشروطة بفلسطين كدولة مستقلة على حدود عام 1967 عاصمتها القدس الشرقية وهذا ما تحذر منه الإدارة الأمريكية حاليا من أن أي اعتراف غير مشروط بالاتفاق مع إسرائيل سيقوض جهود السلام، الأمر الذي جعل البرلمان الأوروبي يرجئ جلسة التصويت بالاعتراف بدولة فلسطين إلى الشهر الجاري، بسبب صراع بين كتل اليمين واليسار، فقد حددت قوى تكتل اليمين في البرلمان الأوروبي لنفسها صيغة الاعتراف بفلسطين، كالتالي: الاعتراف مطلوب عندما يصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي إلى اتفاق سلام، وأن يكون حق تقرير المصير بيد إسرائيل.بينما الصيغة التي تريد قوى اليسار اعتمادها تقول: "يجب الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67 وبعد ذلك الوصول إلى اتفاق سلام مع إسرائيل كثمرة لهذا الاعتراف".مواقف البرلمانات الأوروبية يجب أن تسندها تحركات شعبية في عوالم العرب، تبدأ أولا، وعلى الأقل، بتحرك 800 شخصية عربية من جهابذة الثقافة والفن والإعلام على اعتبار أن قضية فلسطين قضية إنسانية بغض النظر عن ثنائية فتح وحماس، ثم تحركات برلمانية ورسمية على أعلى المستويات لمطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بتغيير سياستها المهادنة لإسرائيل وإجبارها على تجميد سياسة الاستيطان واستئناف المفاوضات المباشرة للوصول إلى اتفاق بشأن الحل النهائي خلال وقت محدد يضع حدا للصراع العربي الإسرائيلي، بإقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية.أما عملية تقدم الدول العربية والسلطة الفلسطينية بمذكرة إلى الأمم المتحدة بشأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي خلال ثلاث سنوات فلن يؤدي ذلك إلى نتيجة، بل ربما يضعف من رمزية الخطوات الأوروبية، لأن أي فعل دبلوماسي مستقبلي أمام مجلس الأمن الدولي لن يكون مجديا.سلكنا طريق الأمم المتحدة مرات عدة وهناك كومة كبيرة من أوراق قراراتها بشأن قضيتنا العادلة دون تنفيذ.. فمتى نسلك طرقا أخرى؟.

976

| 09 ديسمبر 2014

اليمن .. اتفاق الفرقاء

اتفق حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمون) والحوثيون (جماعة أنصار الله) على ثلاث قضايا رئيسية أولاها: التأكيد على بناء الدولة اليمنية القائمة على العدل والمساواة والحرية، والقضية الثانية: التعهد بمحاربة الفساد أينما وجد في مؤسسات الدولة، وخلص الطرفان في هذا الاتفاق الشفاهي إلى القضية الثالثة التي أثارت لغطا وجدلا وتأويلات وهي: تنفيذ مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشركة. وتعهد الطرفان أيضا على إنهاء كافة أسباب التوتر ومعالجة تداعيات الفترة الماضية.. اللقاء الذي تم في محافظة صعدة وجمع زعيم الحوثيين السيد عبد الملك الحوثي وقيادات إصلاحية عليا فاجأ الكثيرين ومن بينهم قواعد الإصلاح نفسه التي تتهم قياداتها بأنها لم تحسن إدارة الخلاف مع الحوثيين منذ البداية. لكن هل فعلا سيصمد هذا التقارب أو هذا الاتفاق؟ هل تم هذا الاتفاق مراعاة لمصالح البلاد أم بناء على ترتيب إقليمي؟ من الخاسر الأكبر من هذا التقارب الحوثي الإصلاحي؟ وأين موقع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بعد أن اختربت عليه وعلى قوى محلية وإقليمية الطبخة؟.الحوارات واللقاءات والاتفاقات بين حزب الإصلاح والحوثيين ليست جديدة فقد جلس الطرفان على أكثر من طاولة حوار رفقة قوى سياسية أخرى وجلسوا أيضا في ساحات ثورية ليس فيها طاولات ولا كراسي لكن ربما كان لكل تلك اللقاءات نتائج عكسية حيث تحول حزب الإصلاح بتوصية أطراف خارجية إلى عدو يجب اجتثاثه وعقبة كأداء يجب تدميرها بجنازير الدبابات المنهوبة من معسكرات الدولة، لكن سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر الماضي كشف سوءات كثير من القوى السياسية المحلية والأطراف الإقليمية التي كانت تراهن على احتضان اليمن لتجربة الثورة المضادة في مصر وتجربة الإقصاء والتطهير المذهبي في العراق وتجربة الاحتراب العبثي الجاري الآن في سوريا، لكن بعد مرور أكثر من شهرين من فرض الحوثيين لواقع سياسي وميداني جديد وغرقهم في بحر من الصراع والقتال مع قوى وقبائل في محافظة البيضاء والجوف وإب ومحافظات أخرى تتحفز لقتالهم وصدهم وفي المقابل التزام حزب الإصلاح بالعمل وفق أدوات العمل السياسي السلمية واحتفاظه بكل قدراته الخيِرة والشِريرة، كل ذلك وضع الحوثيين وغيرهم أمام حقيقة أن اليمن عصي على التطويع والحكم بقوة السلاح وأن قوة الحكمة أسلم طريق. التقارب بين الحوثيين والإصلاحيين يأتي في وقت قتل فيه الآلاف من جماعة الحوثي في المناطق التي تزحف إليها لبسط السيطرة، وهناك طلبات للرئاسة اليمنية بتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين في محافظة مأرب والحديدة ليكونوا ضمن المؤسسة العسكرية والأمنية أسوة بمن تم استيعابهم من الحوثيين، كذلك يشعر الحوثيون بأن الهدف من التحالف مع حزب المؤتمر الشعبي العام قد تحقق وحان الوقت للبحث عن أدوات جديدة في العمل السياسي تمكنهم من الحفاظ على ما أنجز بقوة السلاح، خاصة وأن حزب المؤتمر الشعبي تحول الآن إلى عبئ ثقيل على الحوثيين بسبب المواقف الانتقامية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح حيث جعل الحزب يترنح ويمكنه أن يتشظى بين لحظة وأخرى إلى حزبين أو أحزاب، كذلك شعر الحوثيون بأن هناك تململا شعبيا من نزعتهم التسلطية التي طغت بشكل كبير على النزعة الثورية التي حاولوا تسويقها منذ القرار الرئاسي المجنون برفع أسعار المشتقات النفطية، كل هذه المعطيات ربما جعلتهم يفضلون خيار التقارب مع الإصلاحيين الذين لا يزالون يرفعون شعار الدولة المدنية الضامنة لحقوق الجميع.صمود هذا الاتفاق الشفاهي الإصلاحي الحوثي وتطوره إلى حوار وتواصل مستمر لبناء الثقة وطي صفة الماضي ستكون له نتائج إيجابية على مستقبل اليمن خاصة وأن الطرفين قوتان مؤثرتان سياسيا وميدانيا لأن حالة سكون قواعد حزب الإصلاح لا يعني الاستسلام للأمر الواقع، لكن الخاسرين من هذا التقارب كثر أولهم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح لأنه اعتاد على اللعب بالمتناقضات وضرب القوى ببعضها وهي مهارة شريرة أتقنها منذ اعتلائه سدة حكم البلد نهاية سبعينات القرن الماضي ورغم ترحيب حزبه بهذا التقارب إلا أن رغبة رؤية حزب الإصلاح ضعيفا أو منهارا وقادته في السجون كانت هدف صالح من تحالفه مع الحوثيين، أما الخاسر الثاني فهو الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي الذي ستتزايد عليه الضغوط بسبب سياساته المرتعشة غير القادرة على تخطي أزمات البلاد خاصة بعد أن ساد انطباع بأن هادي حاول الحفاظ على الكرسي بخلق حالة عدائية بين الحوثيين والإصلاح، أما الطرف الإقليمي الذي ربما لن يعجبه هذه التقارب فهو الذي دفع الأموال لتعزيز حظ سيطرة الثورة المضادة على مفاصل الدولة والتهيئة لعودة الابن ليسترد سلطة الأب.هناك معلومات تقول إن التقارب الحوثي الإصلاحي تم بمباركة السعودية وإيران وإن الترتيب يجري حاليا لإطلاق مبادرة خليجية جديدة تقودها عمان لإكمال مسيرة عملية الانتقال السياسي السلس وإيجاد إجابة توافقية على مسألة شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي بالإعلان عن مجلس رئاسي جديد من خمسة أشخاص يرأسه هادي وإعادة النظر في عدد الأقاليم وحل كل القضايا انطلاقا من رؤية كلية لا تهمش أحدا، ووفق هذه المعلومات ربما يصبح الاتفاق بين الحوثيين والإصلاحيين حجر أساس في طريق المصالحة والتعايش الذي أصبح حلم اليمنيين بعد أن ضاقوا ذرعا بحروب الطوائف ونتائجها المدمرة، والجميع يتوق إلى رؤية تجليات الحكمة اليمانية واقعا معيشيا لا يستجيب للمؤامرات الإقليمية التي تسعى لجعل اليمن ساحة حروب بالوكالة.

946

| 02 ديسمبر 2014

فلسطين .. الانتفاضة الثالثة

صادقت الحكومة الإسرائيلية على مشروع قانون "القومية" الذي بموجبه يتم الإعلان رسميا عن إسرائيل دولة قومية لليهود، وبعد تمرير الصيغة الأكثر عنصرية وفاشية لهذا القانون يواصل بنيامين نتنياهو سياساته التي لا تنتمي لعصر حقوق الإنسان وأسس الديمقراطية وذلك من خلال اعتزامه عرض مشروع قانون آخر يقضي بمصادرة حق الإقامة الدائمة والحقوق المدنية لكل شخص يدان بتهم التحريض وممارسة "الإرهاب" ضد دولة اليهود وإقلاق الأمن والسكينة العامة للمجتمع اليهودي، وهذا يعني الترسيخ القانوني لسياسة التمييز والاضطهاد ضد نحو مليون ونصف المليون عربي يعيشون في القدس المحتلة وداخل الخط الأخضر. لم يعد نتنياهو يسمع لأي صوت عاقل يرتفع، سواء من أقصى اليسار أو اليمين، بل إن بعض الإسرائيليين المؤيدين لثقافة السلم والتعايش يشعر بالخجل من السياسات الرعناء التي تصب المزيد من الزيت على النار المشتعلة أصلا في القدس وبعض المدن والقرى الفلسطينية، بسبب الكم الهائل من الانتهاكات والقتل والتمييز والاضطهاد التي مارستها حكومات إسرائيل المتعاقبة بحق الشعب الفلسطيني الذي يستميت اليوم وحيدا دفاعا عن أرضه وحقه في الحياة الكريمة، هذه الوحدة والتخاذل العربي والإسلامي جعلت نتنياهو يدعو عرب 48 للهجرة إلى الضفة الغربية وغزة، إن لم تعجبهم سياسته، صلف رأس الحكومة الإسرائيلية يرجع بتقديري إلى النجاحات التي حققها الموساد في كثير من العواصم العربية التي كانت تشكل سندا "معنويا" للقضية الفلسطينية، لكنها أصبحت بفضل سياسة الاحتواء المزدوج عبئا ثقيلا، بل عدو للفلسطينيين ولا يستحي رئيس عربي من أن يقول إنه لن يسمح بأن تكون سيناء مهددا لأمن إسرائيل. يغرق الساسة الإسرائيليون في سوء تقديراتهم، إذ يعتقدون أنهم كلما أمعنوا في إذلال وتشريد وتهجير أصحاب الحق كلما تحولت الأكاذيب إلى حقائق، لكن على مدى أكثر من ستين سنة لم يصدق فلسطيني واحد أيا من كذبهم وحتى لو كان من أبناء الجيل الرابع ويعيش في أقاصي أمريكا الجنوبية، فإنه يعتقد أن فلسطين المحتلة بلده، هذه الحقيقة الوحيدة تستثير دائما غضب المحتل وحنقه والذي يعبر عنه بتصاعد الانتهاكات في القدس واقتحام مستوطنين للمسجد الأقصى والاعتقالات شبه اليومية في صفوف أهل الأرض، ولم تتوقف سياسات الغضب والكره والعنصرية عند هذا الحد، بل شرعت مؤسسات حكومية وشركات خاصة وبلديات يهودية داخل الخط الأخضر بإقالة العاملين العرب ووقف تشغيلهم لاعتبارات أمنية، لترتفع نسبة البطالة بين عرب 48 إلى نحو 30 في المائة. نتنياهو يقول إن القدس معركة إسرائيل الكبرى وأنهم سينتصرون، لكن الكاتب الإسرائيلي رون بن يشاي يرى أن ما يجري في القدس وتداعيات ذلك قد تكون له نتائج عكسية، لأنه يقوم على "الإلهام الديني لأفراد يتصرفون من تلقاء أنفسهم، فهذه الهجمات ليست مبادرات مخططة، وإنما مشاعر متأججة تتم ترجمتها إلى أعمال عنف لا تنفذ طبقاً لأوامر أو تعليمات صادرة عن كيان منظم، وإنما وفقاً لمشاعر المهاجم الذي يختار المكان والوسيلة والطريقة بنفسه". وهذا يعني أن الانتفاضة الثالثة ستقض مضاجع الإسرائيليين، لأنها ستكون هادرة كاسحة ليس لها رأس ولن تسمع لإدانات قيادات السلطة الفلسطينية ولا لاستغاثاتها الخائفة على مستقبل التعايش والسلام، فهذه فتاة فلسطينية نشرت موقفها مسجلا انتشر على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي تستهجن فيه موقف السلطة والرئيس محمود عباس من الفعل المقاوم: "السيد الرئيس، أين كنت قبل شهر؟ أين كنت حينما قتلت الطفلة تورين؟ أين كنت بالأمس حينما شنق يوسف الرموني، بينما كان في العمل؟ هل شاهدت فيديو زوجته عندما كانت تنوح وتبكي؟ أين أنت؟ هل تشاهد الأخبار؟ أين أنت؟ نحن لسنا في حالة حرب، نحن في مذبحة. لقد فقدنا كل الأمل، وهؤلاء هم الذين يرفعون رؤوسنا عالياً، ثم تخرج أنت لتندد". أين هي انتهاكات الأقصى؟ ها هو الأقصى. لم يبق له سوى سنوات قليلة، فهم يهدمونه، إنهم يحفرون تحته. وفي كل يوم تتعرض نساء الأقصى للضرب والتكسير.. لماذا لا تخرج وتندد بهذا؟ إذا كنت لا تريد أن تقف معنا، فتنح جانباً. صدقني، نحن قادرون على المهمة من دونك، بإمكاننا أن ندافع عن بلدنا، لسنا بحاجة إليك". إذا كان هذا هو منطق الفتاة الفلسطينية من قائد المفروض أن يلتزم الصمت أو أن يكون إلى جوار شعبه، فكيف سيكون رد فعل نحو مليون ونصف المليون فلسطيني في القدس وداخل إسرائيل عندما يتعرض الأقصى لأي خطر وعندما تنتزع منهم الحقوق المدنية وفق قانون يهودية إسرائيل، كيف سيكون موقف الفلسطينيين في الضفة وغزة، ستكون فعلا انتفاضة جارفة تكشف كل الأقنعة، تعيد الحقوق وتغير الكثير من الحسابات وستدعم بالتأكيد المعركة الدبلوماسية الفلسطينية على الساحة الدولية، وتنتزع اعتراف المجتمع الدولي بدولة فلسطين.

819

| 25 نوفمبر 2014

إسرائيل تهودنا ...

بين الحين والآخر تتجدد المواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين رافضين للاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وقد بلغ الغضب ذروته بتنفيذ عمليات طعن ودهس لإسرائيليين في القدس والضفة الغربية وتل أبيب، هذا الرد المقاوم الذي لا يرهبه العدو المدجج بأحدث الأسلحة يأتي في ظل سياسة تطهير عرقي ممنهجة تهدف لجعل نسبة السكان الأصليين في القدس لا تتجاوز 22% بينما تتواصل التطمينات للوصاية الهاشمية بأن كل الإجراءات الناعمة وغير الناعمة، فوق الأقصى وتحته، "لن تغير من الوضع القائم" ولتوضيح هذه التطمينات للحضرة الهاشمية وللسلطة الفلسطينية وللمحيط العربي المرتجف يؤكد أفيغدور ليبرمان:"لن نقبل بتعريف البناء في الأحياء اليهودية في القدس بأنه نشاط استيطاني". يستميت بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في جعل الكيان اللقيط دولة قومية وحيدة لليهود من كل أنحاء العالم وذلك من خلال إصراره على إحالة قانون "القومية" على الكنيست لإقراره، وفي حال نجح نتنياهو في الوصول إلى مراده فإن ذلك يعني أن تتحول إسرائيل إلى دولة دينية خالصة لليهود فقط وسيصبح كل من يقيم على أراضيها المحتلة معرضا للطرد خصوصا من الفلسطينيين داخل الخط الأخضر أو من اصطلح على تسميتهم بعرب 48، وهذا هو الحل الذي تعمل على تكريسه دوائر الصهيونية العالمية بمن فيهم أعضاؤها من القادة العرب ليكون سكان المنطقة العربية أمام أمر واقع.. دولة قوية قومية ديمقراطية للشعب اليهودي ودولة منزوعة السلاح لكل الشعب الفلسطيني على أرض مقطعة الأوصال. يطالب نتنياهو في كل مرة يتطرق فيها إلى حل الصراع "الإسرائيلي – الفلسطيني" بأن يعترف الفلسطينيون بأن إسرائيل هي "الدولة القومية للشعب اليهودي"، ويطرح ذلك كشرط أساسي لا يمكن من دونه التوصل إلى اتفاق دائم رغم أن مصطلح "الدولة اليهودية" ظهر لأول مرة في إعلان ديفيد بن جوريون عام 1948 إلا أن إسرائيل لم تطالب الفلسطينيين منذ بدء المحادثات بين الجانبين قبل أكثر من 20 عاما بأن يعترفوا بالدولة اليهودية على اعتبار أن المطلب يعرفه كل العرب خصوصا كل الذين كانوا يهتفون بشعار "سنرمي إسرائيل في البحر" وفي المقابل أضاع المفاوض الفلسطيني الذي لم يقرأ بيان تأسيس الكيان الغاصب زمنا طويلا متغافلا ربما عن أهداف الطرف الآخر.نتنياهو يرى أن إسرائيل تعيش عصرا ذهبيا ولحظة تاريخية حاسمة حيث تغرق المنطقة العربية كلها في صراعات مذهبية وطائفية وكل أنظار العالم متجهة إلى الحرب على داعش وأخواتها، ولذلك لابد من الإسراع في تحقيق التوازن بين يهودية الدولة والديمقراطية هذه الديمقراطية التي تؤطر الآن عمل المؤسسة القضائية وتمنح غير اليهود بعض حقوقهم عند التقاضي لكن هذه الميزة لن تكون في قادم الأيام إذ سيتم البدء بطرد كل من تثبت ضده تهمة تعريض أمن الدولة اليهودية للخطر وربما سيكون بعض الناشطين من عرب 48 أول الضحايا أمثال الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية والعضوة السابقة في الكنيست حنين الزعبي.لا يوجد على المدى القريب أو البعيد أي مؤشرات تقول بأن هناك فعلا أو سلوكا سياسيا عربيا يمكنه أن يقف عائقا أمام توجهات السياسة الإسرائيلية، بل يبدو أفق السياسيين العرب ملبدا بغيوم سوداء لا تحمل خيرا بل حقد وتآمر ونظرتهم للجغرافيا السياسية لا تتعدى "أرانب" أنوفهم!! بل منهم من لا يرحم الفلسطينيين ولا يترك رحمة الله تساعدهم، فهذه دولة قومجية شقيقة ترى مصدر الخطر الإرهابي من نحو 14 كيلومترا هي كل حدودها مع غزة، وأن مصدر الخير ربما يأتيها من نحو 200 كيلو متر هي حددوها مع إسرائيل، دولة عربية أخرى فاضت خزائنها بالأموال لذلك فهي توزع الفائض على مناطق التوتر وبؤر النزاعات وتبني مسجدا كبيرا جدا بجوار المسجد الأقصى ربما خوفا على ضياع هوية المسلمين في حال بلوغ الحفريات تحت المسجد الأقصى تمامها. أما علماؤنا الأجلاء فقد أصدروا الفتاوى تلو الفتاوى بعدم جواز زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه تحت أسنة رماح الاحتلال وذلك بحجة خوفهم من تفشي داء التطبيع في أدمغة المسلمين وتغلل الثقافة الصهيونية، وتبدو وجاهة الفتاوى أنها جعلتنا ننظر للمرابطين في المسجد الأقصى كأنهم كائنات لها أحاسيس ومشاعر ودماء تختلف عن تلك التي تجري في عروقنا، كما أن من فوائد هذه الفتاوى أن الكثير منا يرى بأن مسجد قبة الصخرة هو نفسه المسجد الأقصى، وقد تضامن طيف واسع من الإعلام العربي مع هذه التوجهات وأغفل التركيز على أولى القبلتين وثالث الحرمين إلى درجة أن نسبة كبيرة من الجيل الجديد لا تعرف إلا مسجدين حرمين لا ثالث لهما. ويتضاعف الألم والحسرة من هذا الواقع المرير إذا ما شاهدنا صور المظاهرات في أقاصي جنوبي شرق آسيا تضامنا مع المقدسيين والفلسطينيين ضد ممارسات قوات الاحتلال ولا نرى في البلدان العربية سوى ردود فعل خافتة حينها ربما يدرك الجميع أن إسرائيل نجحت في جعل سياسة التهويد أمرا واقعا مع الأسف.

842

| 18 نوفمبر 2014

تفرقوا أيدي سبأ

يستعد عدد من فروع حزب المؤتمر الشعبي العام في المحافظات الجنوبية لإعلان انشقاقهم عن الحزب في خطوة توصف بأنها رد فعل غاضب على إقالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من منصبه الحزبي الذي أصبح الآن في مرمى نيران التحالف المعلن بين الرئيس المخلوع والحوثي بعد اتهامهما له بالوقوف وراء صدور قرار فرض عقوبات دولية على معرقلي التسوية السياسية ، قد يشكل هذا الانشقاق إذا ما حدث ورقة ضغط قوية جدا على قيادة حزب المؤتمر في صنعاء لإعادة النظر في قرار إقصاء هادي ، لكن الأخطر أن تداعيات هذا الانشقاق تعبد طريقا سريعا نحو فك الارتباط بين صنعاء وعدن خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار موقفا غريبا ومفاجئا لحزب التجمع اليمني للإصلاح الذي أعلنت فروعه في عدن والمحافظات الأخرى تأييدها لحق تقرير المصير ومشاركة أعضاء الإصلاح في الاعتصام المستمر للحراك الجنوبي وسط مدينة عدن. يبدو أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح أصبح طالع سوء على اليمن فلم يستغل يوما دهاءه السياسي في خدمة البلاد ورفعتها وتقدمها بل كان يحكم وفق منطق " أنا ومن بعدي الطوفان " إذ أعلن الحرب في عام 1994 على خصومه الجنوبيين الذين كانوا يشاركونه كعكة السلطة ورغم أنه خرج منتصرا من هذه الحرب لكنه كتب شهادة وفاة مبكرة للوحدة التي مثلت نقطة بيضاء في سنوات حكمه العجاف ، لقد فككت تلك الحرب كل روابط الشراكة والمواطنة المتساوية عندما أتبعها بسياسات مصادرة ممتلكات المهزومين ونهب أراضي الدولة وتعيين مسؤولين لا يتمتعون بأي كفاءات سوى قدرات الإذلال النفسي للمواطنين الجنوبيين والتنكيل بهم ، وكانت أكثر قرارات النظام السابق مأساوية وسلبية تسريح عدد كبير من ضباط وجنود الجيش الجنوبي وإحالتهم إلى التقاعد المبكر ، لذلك مثلوا في عام 2007 رأس حربة في المطالبة بالحقوق ثم تطور الأمر إلى المطالبة بتقرير المصير .في العام 2014 مثل تحالف الرئيس المخلوع مع الحوثيين آخر مسمار يدق في نعش الوحدة اليمنية ، ذلك أن سيطرة الحوثيين على صنعاء وعدد من المحافظات الشمالية وانهيار كيان الدولة ولد إحباطا عاما وتحولا في المواقف لدى قطاعات واسعة من الشباب والنخب السياسية والمثقفين والقوميين الجنوبيين الذين كانوا يرون بأن أدبيات ثورة الشباب في عام 2011 ومخرجات الحوار الوطني تضمن استقرارا سياسيا وصيغة عادلة لحل القضية الجنوبية تعزز مبدأ الشراكة في اليمن الواحد ، مما يعني أن الموقف السياسي في جنوب اليمن أصبح اليوم متناغما في شبه إجماع كل التيارات ومنظمات المجتمع المدني للبحث عن صيغة حل جذري يتمثل باستعادة الدولة وإعلان الطلاق البائن مع الشمال.وبالإضافة إلى العامل الداخلي الذي أشاع ثقافة الكراهية والتنافر بين أبناء الشعب الواحد وخلق بيئة خصبة لتدخلات خارجية فقد استغلت إيران هذا الوضع وعملت بكل ما أوتيت من مال واستخبارات على تقريب وجهات النظر بين علي عبدالله صالح والحوثيين والاستفادة من مراكز القوة في الثورة المضادة حتى تحقق لها ولحليفها الاستراتيجي في جنوب شبه الجزيرة العربية ما أرادت وأصبحت تتباهى بسيطرتها على رابع عاصمة عربية ، لكنها كانت تعلم عدم توافر حاضنة شعبية للحوثيين في الجنوب في حال رغبتهم في السيطرة على كل البلاد لذلك سعت منذ وقت مبكر إلى التواصل مع الرئيس الجنوبي السابق على سالم البيض عبر حزب الله في لبنان ووفرت له بعد ذلك دعما ماليا ولوجستيا لكي يكون لها موطئ قدم في الدولة الجنوبية المرتقبة ووعدته بأن تبذل جهودا دبلوماسية لضمان مساندة إقليمية ودولية في حال إعلان الانفصال والاعتراف بالدولة الجديدة لتصبح عدن خامس عاصمة عربية ذات موقع استراتيجي تحت سيطرة طهران .دول الجوار الخليجي لاتزال مرتبكة بشأن ما يجري من تطورات متسارعة ولا تزال تؤكد على تمسكها بوحدة اليمن وأمنه واستقراره وربما يتغير هذا الموقف قريبا ، لكن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت الآن مهيأة للاعتراف بالدولة الجديدة في إطار ما يسمى بتبادل المصالح مع إيران في الشرق الأوسط فبعد أن اتفقت واشنطن مع جماعة ( أنصار الله ) على تمكينها من السيطرة على الشمال وتقديم الدعم المالي واللوجستي للمقاتلين الحوثيين مقابل كبح جماح تنظيم القاعدة وتجفيف منابعه ، هنالك الآن مساع مشابهة لصفقة سياسية يتم بموجبها اعتراف واشنطن بدولة الجنوب مقابل تعهد حكامها " المعينون" بتشكيل لجان شعبية تقاتل تنظيم أنصار الشريعة ( القاعدة ) الذي تعتبر محافظات أبين وشبوة وحضرموت معاقله الرئيسية وبذلك يربح الجنوبيون استعادة الدولة وتربح أمريكا ظاهريا ربما حربها على القاعدة في شمال وجنوب اليمن . تبدو بلاد اليمن اليوم على مفترق طرق ، فإما أن تتجلى حكمة اليمنيين في تجاوز خلافاتهم وتغليب ثقافة التسامح والتعايش على نوازع الثأر والانتقام والإقصاء أو أن تتفكك الدولة وتتقسم ليس إلى دولتين كما يراد ويخطط لذلك بل إلى دويلات تسيطر عليها جماعات متصارعة سياسياً وطائفيا وقبلياً ومناطقياً ليرتسم أمام الأجيال الجديدة مستقبل فيه الكثير من الأخطار و المنغصات بل ربما تتجه البلاد إلى حالة أسوأ من تلك التي عاشتها الصومال أو يعيشها العراق وحينها يقول المتربصون : تفرقوا أيدي سبأ .

687

| 11 نوفمبر 2014

الرئيس اليمني .. حامل الأختام

في صباح يوم ممطر من شتاء عام ٢٠١١ دخل ساحة الحرية بمدينة إب رجل قروي مسن يقف بين أغنامه على ظهر سيارة وعندما سأله أحد أفراد لجنة النظام إلى أين تتجه قال مبتهجا: أتيت لأقدم كل ما أملك هدية لهؤلاء الشباب المعتصمين الذين بفضلهم سنخرج من ربقة الفساد والاستئثار بالثروة إلى عدالة الدولة المدنية الحديثة.. عول اليمنيون كثيرا على ثورة ١١ فبراير، كانت كل شوارع اليمن وساحاتها تضج بهتافات من أجل السلام والمدنية والتغيير، وعندما تدخلت دول جوار بمبادرة ظاهرها إيجاد تسوية سلمية للأزمة وباطنها قتل منطق الثورة في النفوس استقبل الشعب السلمي الثائر المبادرة باحترام كونها صدرت من أخوة في العروبة ومنطق الأخوة له مقتضياته الإيجابية.. كان أهم بند تنظيم انتخابات لتزكية رئيس توافقي، حينها تدفق الناس بالملايين على صناديق الاقتراع لينتخبوا بإرادتهم الحرة لأول مرة رئيسا يحكم البلاد خلال مرحلة انتقالية قالت المبادرة الخليجية إنها مزمنة (بفتح الزاي وتشديد الميم) لكنها كانت في حقيقة الأمر مزمنة (بتسكين الزاي وكسر الميم).أصبح عبد ربه منصور هادي رئيسا للجمهورية بعد ثورة شبابية شعبية سلمية أبهرت القاصي والداني ووجه الإبهار أنها كانت من شعب تتكثف في سمائه الكثير من الانطباعات والأفكار المسبقة السلبية، حصد هادي كل إنجازات الشباب وحظي بدعم غير مسبوق من المجتمع الدولي والجوار الخليجي، كل القوى السياسية والجيش والأمن سلم له خطام الأمر أملا في تغيير وضع سيئ طحن الناس وأذاقهم ضنك المعيشة، سمعت الجماهير المتعطشة لأمل جديد أول خطابات الرئيس المزكى الذي أثار غضب سيبويه وأبي القاسم الشابي لكن اليمنيين غفروا له كل أخطائه اللغوية، رغبة في أن يصدر قرارات تصلح ما اعوج خلال ثلاثة عقود ونيف من حكم الرئيس المخلوع، لكن هادي بين حين وآخر يتلمس الكرسي الذي يجلس عليه ولسان حاله يقول هل أصبحت فعلا رئيسا لبلد ورد ذكره في كل الكتب المقدسة أم أنني مازلت تحت تأثير الروايات البوليسية التي أتسلى بها دائما حتى قبل النوم كما لو كانت أدعية مأثورة.مرت أشهر عدة من فترة حكمه والناس ينتظرون الإجابة على أسئلة: متى ستتم محاربة الفاسدين؟ متى سيقصى المسؤولون الفاشلون؟ متى ستتم هيكلة الجيش ولم شتاته؟ متى سيضرب هادي بيد من حديد كل المتآمرين على البلد، ومتى سيقطع دابر مخربي خطوط نقل الطاقة الكهربائية ومفجري أنابيب النفط؟ هل سيتمكن هادي من لم شمل أبناء اليمن وإيجاد حلول جذرية لمشكلتي صعدة والجنوب؟ كثيرون كانوا يقولون امنحوا الرجل وقتا فمازال يفكر ويقدر، مازال يدرس ويتدارس مع أهل الرأي كيف يخرج اليمن من عنق الزرافة!، لكن الحال الذي وصلت إليه البلاد في الوقت الراهن كشف بوضوح أن الرئيس عبد ربه منصور هادي لم يكن هماما ولا قائدا محبوبا أو حتى مهابا لأن مراحل الإذلال النفسي التي عاشها وآخرها نائبا لرئيس امتهن اللعب على رؤوس الثعابين أثرت في شخصيته وجعلته دائما يبحث عن ركن رشيد مرة يراه في السفير الأمريكي وأخرى في سفراء الدول العشر الراعية للانتقال السياسي السلمي وكان دائم الشكوى من خصومه ومن يتمردون على توجيهاته.. حتى اهتدى إلى ركن يدعي أنه يتسم بالقداسة والرعاية الإلهية ومن يدخل في داره فهو آمن من شياطين السياسة فسلم هادي مقاليد أمره للحوثي بمباركة إيران وبواسطة سلطنة عمان، وهنا بدأت تراجيديا رئيس يخذل شعبه بسقوط قلاع وحصون. لجأ القائد العسكري عبد ربه منصور هادي من اليمن الجنوبية إلى نظام صنعاء بعد أن خسر التناحر على السلطة جناح الرئيس السابق علي ناصر محمد وكانت مجزرة 13 يناير 1986 أسوأ حدث دموي استخدمت فيه أجنحة الحزب الاشتراكي صواريخ عابرة للحارات في مدينة عدن! قتل الآلاف وجرح مثلهم، لكن الضابط الهارب أصبح اليوم رئيسا لكل اليمن بمساحة أكثر من نصف مليون كيلومتر مربع، وبدل أن يستفيد من تجارب الصراع العبثي القاسية التي لا تبني وطنا، راح يجتر الماضي وثقافة (الطغمة والزمرة) التي دمرت عدن ليجعلها واقعا معيشيا، مدينة سام بن نوح اليوم في قبضة الميليشيات، كل الروايات تتفق على أن مؤسسة الرئاسة قدمت تسهيلا من نوع ما لجماعة الحوثي ليفرضوا سيطرتهم على مؤسسات الدولة، هادي مستمر الآن في مراوغاته السياسية وتوسلاته للحوثيين برفع مسلحيهم من العاصمة ومحافظات أخرى، ورغم أن الرئيس اليمني مصر على استخدام " سيف السلم " إلا أن مؤتمر "حكماء اليمن "! الذي دعا إليه السيد عبد الملك الحوثي هدد بتشكيل مجلس إنقاذ وطني إذا لم يشكل هادي حكومة كفاءات خلال عشرة أيام، هنا فقط بدأ الحديث العلني عن انتزاع الكرسي من تحت هادي رغم أنه بذل جهدا كبيرا في الحفاظ عليه كان الثمن تشتيت الجيش وتفتيت الدولة لصالح الحوثي الذي لا يرى الآن في الرئيس سوى دمية.. كان بإمكان اسم عبدربه منصور هادي أن يسجل في سفر التاريخ بطلا قوميا قاد شعبه إلى الأمن والاستقرار والتنمية خاصة أنه تمكن من إنجاز وثيقة الحوار الوطني التي تؤسس بتوافق كل القوى السياسية ودعم الأطراف الدولية لدولة اتحادية لا مركزية تحقق قدرا من العدالة في توزيع السلطة والثروة، لكن هادي اختار أن يكون بيدقا لأجندات داخلية وخارجية لا يهمها استقرار البلد بقدر ما يهمها تغذية نوازع الانتقام والإقصاء وجعل اليمن جمهورية موز، تلاشى إذا كل فعل حضاري وأخلاقي يصنع حياة للناس وبقي التخلف والمرض وعنف السلاح الهمجي الطائفي وصرخات الموت التي تسقط ضحايا كل يوم ربما لن يكون اغتيال الزيدي المعتدل الدكتور محمد عبد الملك المتوكل إلا حلقة في سلسلة تقود البلاد لمصير مجهول، الرئيس المزكى بعد أن كان حلما جميلا دفع ذلك القروي الذي أهدى كل أغنامه للثوار ووضع بصمته حبا في هادي تحول اليوم إلى كابوس يؤرق حياة اليمنيين عندما قادته سياساته غير الرشيدة لأن يعمل لدى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في اليمن السعيد! ولكن مسماه الوظيفي: حامل الأختام.

688

| 03 نوفمبر 2014

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6093

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

5067

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3729

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2838

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2406

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1548

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1380

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1077

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

990

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

984

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

906

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

864

| 20 أكتوبر 2025

أخبار محلية