رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

في لبنان فقط.. العمالة لإسرائيل تبقى وجهة نظر

على وقع الاضطراب السياسي الذي تعيشه قوى الأكثرية المشكِلة للحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي فيما بينها، جاء خبر إطلاق سراح العميد المتقاعد فايز كرم بعد حبس استمر عشرين شهراً، بتهمة العمالة لإسرائيل. والعميد كرم، لمن لا يعرفه، تم توقيفه منذ عشرين شهراً مضت، بعد تعقب ومراقبة استمرت لعدة شهور، بحسب ما أفاد في حينها قيادات أمنية. وتبين من خلال التحقيقات معه أن الرجل كان المحرك الأساسي، أو من أهم المحركين لخلايا العملاء الذين تساقطوا بشكل سريع ومتقارب زمنياً، قبيل وبعد توقيف كرم. والرجل، لمن لا يعرفه أيضاً، قيادي من الصف الأول في التيار الوطني الحر الذي يتزعمه الجنرال ميشال عون الحليف الأول لحزب الله. يوم تمّ توقيف فايز كرم على يد فرع المعلومات، كانت الصدمة شديدة على الجنرال عون، الذي كان يخوض حربا شاملة ضد فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، المتهم من قبله، بمحسوبيته على تيار المستقبل بقيادة سعد الدين الحريري. ومن محاسن أو مساوئ الصدف يومها، أن الفرع المذكور هو من تمكن من توقيف كرم بعد رصد ومراقبة، اعتبرت حينها تقدما نوعيا وحرفيا للقوى الأمنية في ملاحقة العملاء وكشفهم. يومها وقع الجنرال عون فيما يشبه الشلل السياسي، وسط حالة ذهول تام بعد تبلغه رسمياً من مصادر أمنية تثبت تورط صديق دربه العميد المتقاعد في الجيش فايز كرم. وقد وصل الرعب بالجنرال وحلفائه حدّ إرسال فريق أمني خاص لحزب الله إلى منزل الجنرال عون للكشف عن أي معدات تجسسية ربما يكون كرم قد زرعها في منزل عون الذي كان يستقبل فيه قيادات من حزب الله. بعدها خرج العماد عون ليذكر جمهوره أن من بين حواري السيد المسيح (عليه السلام) كان هناك التلميذ الخائن الذي سلّم المسيح لأعدائه، في محاولة لطوي صفحة العميد كرم، واحتواء تداعياته السلبية على شعبية التيار العوني وصورته في المشهد السياسي العام، حيث كانت المعارك على حماوتها بين التيار وحزب الله من ناحية وخصومهما تيار المستقبل وحلفائه من ناحية أخرى. سقط كرم، ودخل السجن، وبات مداناً بالعمالة لإسرائيل، وصمت حزب الله عن إثارة الموضوع إعلاميا خشية إحراج حليفه عون. وهكذا دخلت القصة السجن مع صاحبها، وأقفل عليها بإحكام، كما أقفل على بطلها كرم، أملاً في أن تكون ذاكرة اللبنانيين قصيرة في استحضار التاريخ. يوم الثلاثاء، الثالث من الشهر الحالي، أفرج عن العميد كرم، بعد تخفيض المدة السجنية إلى عشرة أشهر، ما سمح بخروجه من السجن بعد قضائه سنتين، أي محكوميته. لم يكن الخروج صامتاً كما كان الدخول، بل كان لصاحبه احتفال في بلدته زغرتا في شمال لبنان وكأن القادم بطل وطني ومقاوم سياسي شرس واجه من يحاولون سرقة لبنان من أهله. العميد المحروم حاليا، وفقاً لأحكام القانون، من الترشح لمجلس النواب حتى سبع سنوات قادمة، لم يقل يوم خروجه أنه نادم على ما تورط به، ولم يبرر لنفسه هذا الجرم المشؤوم بالقول، إنه كان واقعا تحت الابتزاز المالي والجنسي، أو أنها حالة ضعف مرّ بها، كذريعة جميع العملاء حين يقعون في قبضة العدالة، بل خرج ليقول أمام زواره، إن توقيفه كان سياسياً وخروجه كان سياسياً، أي أنه بريء من تهمة العمالة. أما حزب الله، العدو الأول لخلايا العملاء، لم ينبس ببنت شفة حول الموضوع، بل إن نشرة الأخبار في قناة المنار المحسوبة رسميا على الحزب لم تأت على ذكر العميد كرم بتاتا، وكأن شيئاً لم يحدث، حتى بات التساؤل المطروح، هل الخوف على مصالحه السياسية أو انفراط عقد تحالفه مع تيار سياسي يسمح له بغض النظر عما قد يرتكبهم أحدهم بأخطر ما يهدد وحدة الوطن وسلامة أراضيه؟ وهل تبقى العمالة بالنسبة لبعض اللبنانيين وجهة نظر طالما أن من يرتكبها محمي سياسي أو محسوب على زعامة؟

468

| 07 أبريل 2012

ميقاتي والنأي بالنفس

الشعار الذي ترفعه الحكومة اللبنانية ، حين تسأل عن دبلوماسيتها في المحافل الإقليمية والدولية حول الوضع في سوريا ، هو النأي بالنفس . وقد ذهب اللبنانيون مذاهب شتى في فهم معنى "النأي بالنفس" ، وهو للحقيقة، مصطلح جديد في عالم السياسة ، لا أعتقد أنه أدرج في أيّ فصل من فصول مناهج العلوم السياسية التي درسناها على مقاعد الدراسة الجامعية ، إذ إن الدول ، حالها كحال شعوبها ، منفعلة وفاعلة ، مهما كان حجمها ، وأين كان موقعها الجغرافي، وحيث منزلتها في سلم المدنية والتطور على تفاوت بينها في حجم التأثير والتأثر .. ربما هذا يذكرنا بأحد أبرز الاقتصاديين العالميين حين زار لبنان سبعينيات القرن الماضي بغية وضع خطة لتنمية الوضع الإقتصادي اللبناني ودفعه للأمام فأدرك الاقتصادي الجهبذ أن قوة لبنان تكمن في ضعفه وأن فوضى التنظيم هي مصدر قوته ، هكذا قال أو هكذا ما نُقل عنه ولا يزال لبنان يعيش هذه الكذبة بأنه قطعة سماء على مذهب المغني اللبناني الكبير وديع الصافي "لبنان ..يا قطعة السماء" . وبما أن لبنان ذو شجون وفنون في عالم الثقافة والاقتصاد والاجتماع فلا أظن مجال السياسة سيكون استثناء في هذه الخصوصية العالمية ، إذ لماذا لا يكون لنا "سياسة النأي بالنفس "... ربما كان المخرج الذي أراده رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الذي يظهر دهاء وتمرساً في السياسة أكثر مما كان يظن عنه، فهو بجدارة يلعب كرة قدم على أرض زرعها بالألغام جميع اللاعبين في لبنان من النظام السوري وصولاً إلى الفرقاء السياسيين من قوى 8 و14 آذار . وحتى اللحظة وبعد شهور من اللعب الذي لا يتوقف لم يصب لغم واحد قدم ميقاتي الطويلة رغم تسديده أهدافاً في ملعب حلفائه وخصومه على السواء وإن كان الرهان على خسارته قبل نهاية الشوط لا تزال قائمة لمن يمنون أنفسهم بإسقاط حكومته.. لكن ما ارتضاه ميقاتي لنفسه لم يرضه الشعب اللبناني ودويلاته الطائفية ، فلا الكرامة سمحت لخصوم النظام السوري أن يسكتوا على قتل الأطفال وسحق جماجم آبائهم تحت جنازير دبابات الجيش العربي السوري حامى الديار ، ولا النخوة أقعدت حزب الله وجمهوره وشيئاً من حلفائه عن مناصرة النظام السوري الذي يتعرض لمؤامرة كونية لاعبوها خلجيون وأوربيون وأمريكيون وإسرائيليون وسلفيون جاءوا من أفغانستان وليبيا وقطر والسعودية واتحدوا تحت راية إسقاط رمز المقاومة بإشراف مراكز لوجستية واستخباراتية في إحدى دول الخليج وفقاً لمذهب حزب الله وحزبي البعث والقومي السوري وإن شئت التيار البرتقالي في قراءة الأحداث الجارية في سوريا ...ولم تكن ساحة الشهداء في العاصمة بيروت إلا بروفة لما عليه دويلات الطوائف في لبنان .. فهل يفتقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الكرامة التي لم تسكت قوى 14 آذار عما يحضر له الشعب السوري من فصول تأتي تباعا على مراحل متتالية ، أم تنقصه النخوة التي تمتلئ بها عضلات حزب الله فعجز عن رؤية ما يراه الحزب مما يحضر لسوريا خلف الكواليس في المحافل الدولية والإقليمية؟ أيا ما كان القصف الذي يتعرض له بيت ميقاتي الذي يبدو أنه من زجاج مقاوم للرصاص ، فإنه قد قرر أن يجعل من سياسة "النأي بالنفس" اكتشافاً جديداً في عالم السياسية لا يقل أهمية عن اكتشاف العالم ألفريد نوبل للديناميت في عالم العلوم .. وهو يختبره منذ اندلاع الأزمة السورية بعد أن حاول أن يدخل مصطلح "الوسطية السياسية " إلى قاموس العمل السياسي اللبناني الذي لم يختبر منذ دولة لبنان الكبير سوى الإصطفاف والانقسام والتمترس خلف أيديولوجيات غربية وشرقية ممعنة في التطرف ولفظ الآخر . إلى متى ستصمد سياسة ميقاتي بعد ململة الشارع وخروج أطياف سياسية إلى الساحات لتعبر عن رأيها مما يحصل في سوريا ؟ سؤال إجابته رهن بعدد الفصول التي تعيشها الشقيقة الكبرى سوريا!.

758

| 24 مارس 2012

عن جمهورية لبنانستان

في تصريحه لوسائل الإعلام أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ضبط مخابرات الجيش لخلية سلفية كانت تخطط لعمليات تخريبية لولا وضع الجيش يده عليها وهي في مرحلة متقدمة من تنفيذ مخططاتها التي كان منها نقل عبوات ناسفة إلى داخل ثكنات عسكرية بعد أن نجحت، وللمرة الأولى في تاريخ الخلايا "الجهادية"، في استقطاب وتجنيد عسكريين، حيث أفلحت الخلية من تجنيد رتبتين في الجيش. المعلومات المتوفرة - على قلتها - تؤكد أن الخلية تعمل بين شمال لبنان والمخيمات الفلسطينية، وهي حديثة التشكيل ولا ترتبط بأي تيار سياسي أو شخصية سلفية معروفة في البلد، لكن الشكوك تحوم حول صلتها بتنظيم القاعدة. المفاجأة في تصريح ميقاتي أن الخلية غير مرتبطة بالشأن السوري، وهو ما يصيب بعض المتحمسين بالفتور بعد نشوة الخبر حيث إن الكشف عن الخلية يأتي بعد حملة تصعيد إعلامية مدروسة ومنسقة دأبت وسائل الإعلام المؤيدة للنظام السوري أو المحسوبة على قوى 8 آذار على انتهاجها. وقد ركزت تلك الحملات على شيطنة الوجود السلفي وتحذير المجتمع اللبناني من وجود "القاعدة" وحركات سلفية جهادية جاءت من أقطار عربية وإسلامية للتخريب والتسلل للداخل السوري. تناغم ذلك مع تصريحات لقيادات في قوى 8 آذار، بدأ بها وزير الدفاع فايز غصن المحسوب على سليمان فرنجية الحليف التاريخي للنظام السوري بالقول بتسلل عناصر للقاعدة إلى سوريا عبر لبنان، وأن بحوزة قيادة الجيش ملفات كاملة لتحركات الخلايا القاعدية، وهو ما لاقى في حينه أخذاً ورداً من قبل الفرقاء السياسيين حتى وصل الأمر بوزير الداخلية سربل نحاس وقيادات أمنية أخرى نفى وجود معلومات لديها تؤكد ما ذهب إليه وزير الدفاع. وقبل الحديث عن أبعاد هذا الكشف الأمني، لابد من الإشارة إلى اللّغط الذي أثير قبل أسبوعين حول الاعتصام الذي نظمته قيادات سلفية في ساحة الشهداء وسط العاصمة بيروت تضامنا مع الشعب السوري، والذي قابله في المكان والزمان نفسه اعتصام للبعثيين دعماً لبشار الأسد.. يومها تكلم سياسيون مشاركون في حكومة ميقاتي من حلفاء سوريا حول الخطأ الفادح الذي وقعت به الحكومة بغض بصرها عن اعتصام السلفيين المناهض للأسد متسائلين عن معنى " النأي بالنفس" الذي يرفعه الرئيس ميقاتي مع السماح لأعداء سوريا بالتجمهر والتحريض على الإرهاب والقتل في سوريا؟ قبله بأيام، اعتصم العشرات من السلفيين على مدخل مدينة طرابلس مغلقين الطرق المؤيدة إلى داخل المدينة اعتراضا على توقيف مخابرات الجيش اللبناني لأحد مشايخهم على خلفية فتوى تحرم الانخراط في مؤسسات الحكومة والتطوع في المؤسسة العسكرية باعتبارها مؤسسة كافرة، ما لبثت أن أفرجت مخابرات الجيش عن الشيخ بضغط من رئيس الحكومة. هذا الحراك السياسي الملحوظ للوجود السلفي أقلق من هم على خصومة واحتكاك مباشر معهم في طرابلس، مثل الحزب العربي الديمقراطي الذي يتزعمه رفعت عيد في جبل محسن إذ حذر من أن طرابلس تحولت إلى ولاية قندهار بفضل التسلح السلفي فيها. كلام عيد وإن كان فيه الكثير من المبالغة إن لم يكن منافيا للحقيقة خصوصاً لمن يعيش في طرابلس إلا أنه يفسر القلق والانزعاج الذي بدأ يسببه الحضور السلفي لحلفاء سوريا في لبنان ومحاولتهم توريط قياداته بالأزمة السورية دون أن ننسى فضيحة المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية السوري وليد المعلم وفيلمه عن جماعات إرهابية تبين فيما بعد أنهم مقاتلون من طرابلس خلال أحداث 2008. لا أريد أن أقلل من أهمية الكشف الأمني للخلية، ولا ألتمس له المبررات، كما وأعتقد في المستقبل المنظور سوف يزداد الحديث عن وجود "السلفية الجهادية" لأن ذلك يخدم من هم في السلطة اليوم، كما يخدم رواية النظام السوري ويعطيها زخما ومصداقية بعد أن أصبح النمو السريع للظاهرة السلفية مؤثراً في المشهد السياسي وواعداً في استقطاب جمهور سني متعاطف مع الشعب السوري الذبيح ومغتاظا من حكومة لبنانية يراها منسجمة ومتواطئة مع النظام السوري وراء ستار "النأي بالنفس ".

659

| 17 مارس 2012

الحريري واستحقاقات المرحلة القادمة

في سباق مع الزمن المنضبط على إيقاع المتغيرات الناتجة عن تفاعلات الربيع العربي في المنطقة عموما وسوريا خصوصاً، يحاول رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري ومن معه الاستفادة القصوى مما نتجته الفرصة التاريخية النادرة الذي هلّت على عاصمة الأمويين دمشق. فالجميع يعلم حجم المعاناة والتهميش والقضم الذي تعرض له "تيار المستقبل"، ومن قبل اغتيال مرشده ومؤسسه رفيق الحريري الذي قضي عليه مغدوراً في 14 فبراير عام 2005، ولم يمض وقت طويل حتى اتهم تيار المستقبل وعلى لسان جميع قياداته دمشق بالمسؤولية الكاملة في اغتيال الحريري الأب ومن ثم إسقاط حكومة الابن في العام 2010. اليوم، وبعد عجز مقعد دام لعقدين تحت المطرقة السورية، يلتقط الحريري الابن أنفاسه فيشتمّ ريح النصر القادم من دمشق، وتأخذه النشوة بما ينتظره من مجد محقق في العودة للحكومة دون أن يستطع أحد أن يخرجه منها هذه المرة طالما أن الوصي السوري دخل مرحلة الموت السريري بعد أن نعاه شعبه. انطلاقاً من الخلفية السابقة، يعمل الحريري على تهيئة حزبه "المستقبل" للاستحقاقات القادمة وفي هذا الإطار، أطلق في السابع من الشهر الجاري "الوثيقة السياسية" لتياره تحت عنوان "تيَّار المستقبل وآفاق الربيع العربي". وتحمل الوثيقة، التي جاءت في 17 ورقة، رؤية شاملة لما يراه ويريده الحريري من تياره أن يسلكه في قادم الأيام في إطار برنامج عمل سياسي متكامل. وتنطلق الوثيقة من مسلمتين، أولاهما: السقوط الحتمي للنظام السوري مهما طال عمر الأزمة، ووضع "حزب الله" أمام خيار أوحد ألا وهو تسليم سلاحه للدولة، دون أن تغفل القلق الوجودي للمسيحيين، فتدعو إلى التعايش المسيحي الإسلامي في إطار المناصفة السياسية. ما سبق يدركه الجميع، لكن ما قد يخفى على البعض أن التحديات التي تواجه "المستقبل" لا تختزل فقط في ملفي النظام السوري وسلاح حزب الله على أهميتهما، وإنما أيضاً في ضبط إيقاعه الداخلي وتنظيم صفوفه في إطار رؤية واضحة تحمله من مصاف التيار الجارف إلى الحزب المؤطر سياسياً واجتماعياً. وإذا كان التيار يدرك هذا التحدي ويعمل على علاجه، فإن هناك تحديات مستجدة جرفتها معها سيول الربيع العربي الخصب، مثل تبوء التيارات الإسلامية سدّة الحكم في الدول التي مرّ ببابها الربيع، ما يخلق له منافسين جدّيين ينافسونه على اقتسام الشارع السني الذي يتسيده منفرداً حالياً. وبما أن لبنان متأثر دائماً بالتحولات التي تضرب سوريا، ومركبه لا يكاد يخطئ المنارة السورية فيفترض إذا نجحت الثورة السورية وتقدم الإخوان أو خليط إسلامي إلى الحكم أن ينعكس ذلك على شعبية كلّ من الجماعة الإسلامية المنبثقة من حركة الإخوان المسلمين والتيار السلفي الذي يشهد صعوداً ملحوظاً. وبعبارة أخرى فإن شعبية تيار المستقبل مهددة بقدر ما ينتظر خصومه من ضعف تحت ضربات الربيع العربي. وإذا ما انزلقت سوريا إلى حرب أهلية، فإن من المرجح أن يسود التشدد الشارع السني اللبناني الذي يتألم لارتكاب النظام السوري المجازر بحق شعبه، وبالتالي قد يلجأ إلى الجماعات الإسلامية التي توصف بالمتشددة مثل التيارات السلفية على اعتبار أنها المؤتمن على حماية الطائفة من أي اعتداء، وقد أثبتت هذه التيارات بعضاً من ذلك في حرب التبانة- حبل محسن. وإذا ما استرجعنا اعتصام السلفيين يوم الأحد الفائت في العاصمة بيروت نصرة للشعب السوري وتنديدا بالمجازر التي يرتكبها "النظام النصيري" بحق أهل السنة في سوريا على حد وصف السلفيين، فإن القلق على مستقبل التيار ليس من الذكاء الاستخفاف بها أو التقليل من خطورتها. ومن المفارقات أن "المستقبل" حاول التسويق لنفسه أمام حلفائه المسيحيين وخصومه (حزب الله والسوريين) أنه تيار اعتدالي في الشارع السني وأن أي محاولة لتقويضه ستفسح الطريق أمام التيارات الأصولية. هذه المقولة كان يهمس بها قيادات التيار في آذان المعنيين حين كان النظام السوري يحاول حبس الهواء المتغلغل إلى رئتي "المستقبل" في المناطق التي يكتسب فيها شعبية، مستفيدا من خبراته الطويلة في تدجين الطوائف اللبنانية وقياداتها. فما الذي سيفعله "التيار" أمام هذا التحدي، وهو أمر يجتاح المنطقة العربية كلها من المحيط إلى الخليج؟

387

| 10 مارس 2012

هنية محيّياً الشعب السوري

لا شك أن تصريح القيادي في حماس إسماعيل هنية من على منبر الأزهر يوم الجمعة الفائت كان مفاجئاً تماماً حين حيّى " شعب سوريا البطل الذي يسعى نحو الحرية والديمقراطية والإصلاح ". وقد غلب على ظني أن التصريح صدر بشكل عفوي دفعه لذلك الحماس الديني الذي أشعله الحاضرون داخل مسجد الأزهر لما له من رمزية دينية علما أنها المرة الأولى التي يعتلي فيها أحد قيادات حماس منبر الأزهر، لكن ما لبث ذلك الاستنتاج أن تبدّد بعد خطاب القيادي البارز في الحركة صلاح البردويل في تجمع حاشد بمخيم للاجئين الفلسطينيين في خان يونس للتضامن مع الشعب السوري الذي قال تزامناً مع تصريح هنية: "إن قلوب الفلسطينيين تنزف مع كل قطرة دم تراق في سوريا، ليست هناك اعتبارات سياسية تجعلنا نغض الطرف عما يحدث هناك ". وأن تحاول أن تفهم معزى تصريح كل من هنية والبردويل وما إذا كان ذلك بداية قطيعة تامة مع النظام السوري، تزدحم في رأسك الأسئلة التي لا تجد لها جواباً شافيا، لماذا اختارت حماس القاهرة وتحديدا الأزهر الشريف لإعلان موقفها من ممارسات النظام السوري؟ ولماذا كان يفترض بـ"هنية" أن يعلن ذلك الموقف وهو الذي لم يمض على زيارته طهران ثلاثة أسابيع التقى خلالها نجاد، ووقف مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي جنباً إلى جنب وأيديهما مرفوعة بشارة النصر؟ وما الذي ألجأ حماس إلى الكلام بعد أن صامت عنه منذ اندلاع الانتفاضة السورية، وهي التي كابدت ما كابدته طيلة الفترة السابقة من اتهامات وغمز المحبين والمبغضين على السواء بسبب صمتها ذلك؟ يقول المقربون من حماس إن الأسباب التي دفعت الحركة لقطع صيامها الطويل يعود لجملة أسباب جاءت مقنعة للحركة بأنه بات من الخطأ الإستراتيجي السكوت وعدم تسجيل موقف يطمئن، على الأقل، الشارع السني المتعاطف مع الحركة في نضالها، فضلاً عن رغبتها بفتح علاقة جديدة وتعزيزها مع النظم العربية التي تعايشت وتقبلت الربيع العربي. ومن هذه الأسباب ضيق صدر الحركة بما وصلت إليه الأمور من إراقة للدماء والقتل بذريعة مواجهة المؤامرة الدولية التي تستهدف سوريا لموقفها المقاوم والممانع الداعم للقضية الفلسطينية. ولعل من أبرز الأسباب التي أوصلت الأمور بين النظام الحركة إلى هذه الحالة هو الكذب المتعمد على رئيس المكتب السياسي خالد مشعل وتقويله ما لم يقل في أكثر من مناسبة، بدأت عشية انتقاد رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي للنظام السوري وتأكيده دعم شعبه في نضاله، فكان أن أصدرت الحركة في الرابع من مايو من العام الفائت بياناً تكذب فيه ما أوردته الصحافة السورية على لسان مشعل من تهجم على القرضاوي، وجاء في البيان: "تعقيبًا على ما نشرته بعض المواقع الإلكترونية، ووصل إلى بعض وسائل الإعلام، من مواقف منسوبة إلى رئيس المكتب السياسي للحركة بشأن الأحداث في سوريا، خاصة ما يتعلق بفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، فإن المكتب للحركة ينفي ذلك نفيًا قطعيًّا". وتابع البيان بأن حركة حماس: "تعتبر ما يجري في الشأن الداخلي يخص الإخوة في سوريا"، مشددة على "وقوفها مع الشعب السوري وقيادته". تبع ذلك مضايقة شديدة تعرضت لها الحركة من قبل أزلام النظام وشبيحته الإعلاميين الذين غمزوا من قناة حماس التي هي فرع من حركة الإخوان متهمينهم بالعمالة التاريخية للإنجليز. وبناء عليه فقد اتخذت الحركة قرارها بالخروج الهادئ من دمشق بعد أن يئست من إمكان إصلاح النظام الذي رفض مراراً قبول نصيحتها في الاستماع لمطالب شعبه وتجاهلها بعد أن رفضت التورط في الملف السوري الداخلي لصالح النظام. وقد كشف القيادي في غزة صلاح البردويل جزءاً من السجال الذي دار بين الحركة والنظام قائلاً: " نصحنا النظام السوري كثيرًا بأن التعامل بالحل الأمني غير مفيد، وأن سوريا لا يمكن أن تكون بمنأى عن بقية دول الربيع العربي، إلا أن خلافات داخل النظام على ما يبدو جعلته لا يستمتع لنصيحة الحركة"". لا شك أن الحركة تكتب تاريخاً جديداً لها في العالم العربي بعد هذا المنحى الحاد الذي اتخذته، حيث تحررت تماماً من عبء التحالف مع النظام السوري، وما استتبعه ذلك التحالف من هجومات مستمرة على الحركة من قبل أعداء النظام السوري وأعداء مشروع المقاومة بشكل عام خلال عقد من الزمن، ويبقى التساؤل الأهم، هل من تغيير في الجسم السياسي للحركة بعد أن تشتت قياداتها في أكثر من قطر عربي وهل ستحتضن الدول العربية والخليجية منها حركة حماس سياسياً ومالياً بعد هذا التحول؟

1519

| 03 مارس 2012

لبنان يرقص على إيقاع القنص في سوريا

منذ سنة تقريبا، أي عمر الثورة، ولبنان يعيش على وقع الأحداث المتسارعة بالشوارع والساحات في سورية التي استوت مدنها وأريافها في سرّائها وضرّائها.. الحال عينه تعيشه الشوارع والساحات اللبنانية مع فارق السخونة، فصراخٌ بلا دم، وقنصٌ بلا رصاص، وتترسٌ خلف المتاريس الطائفية دون أسمنت. فلبنان المتنوع بطوائفه ومذاهبه وأفكاره، انقسم أهله عامودياً بين فسطاطين أمام الحدث السوري، حيث كان للبعد الطائفي الحظ الأوفر في الفرز بين المعسكرين، وللبعد الأقلوي حيثية لا يستهان بها وإن كان بدرجة أقل، واحدٌ دعم الحراك القائم في الشارع السوري وسماه حراكاً ثورياً نضالياً أمام آلة القتل العمياء التي لا تبقي ولا تذر، مهلكة الحرث والنسل، وآخر سار خلف النظام السوري حذو القذة بالقذة، فهلّل وكبّر لكل ما هو آت من سوريا- الأسد. أمّا الحكومة اللبنانية فدفنت وجهها في الرمال نائية بنفسها – كما تدعي - عن شعبها المنقسم على نفسه بين متهِم ومبارِك، وعن سوريا المنقسمة على ذاتها بين سوريا - الشعب وسوريا - الأسد. نحن إذن أمام منطقين، منطق يقف إلى جانب الشعب في نضاله للحصول على الحرية والكرامة، ومنطق يرى ما تشهده سوريا لا يعدو كونه نشاطا لعصابات مسلحة تتآمر مع الخارج لتقسيم سوريا واستهداف دورها المقاوم والممانع أملاً في رسم جديد للمنطقة بعد أن فشلت الولايات المتحدة الأمريكية خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو 2006 برسم الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كوندليزا رايس حين حطت طائرتها في بيروت التي كان مطارها في مرمى الطائرات الإسرائيلية. لم يعد هذا خفياً ولا غريباً، لكن اللافت اليوم أننا بدأنا نشهد في كل يوم تخرج به إلى الشارع تظاهرة مؤيدة للشعب السوري، نرى على الضفة الأخرى من الشارع أو الساحة جمع آخر خرج ليؤيد النظام السوري في قمع التمرد واستئصال العملاء! فهل يا ترى صدفة أن يتكرر الأمر في المكان والزمان عند كل مظاهرة تخرج؟ يوم الأربعاء الفائت خرج تجمع مناهض للنظام السوري في وسط بيروت ليعتصم في حديقة سمير قصير بالقرب من مبنى صحيفة النهار، قابله مظاهرة مؤيدة للنظام السوري في ذات التوقيت على الضفة الأخرى للحديقة. وعلى خلاف التظاهرات السابقة، التي يخرج في العادة لقيادتها أناسٌ عاديون أو من لا مكان لهم تحت قبة البرلمان أو على طاولة مجلس الوزراء، كانت تظاهرة الأربعاء متوجة بحضور لافت للزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي خرج برفقة وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور والنائب أكرم شهيب، وكلاهما من كتلة "النضال الوطني" التي يرأسها جنبلاط. لأول مرة يخرج جنبلاط معلناً ما كان يلمح له طويلاً دون أن يجرؤ على النطق به، لقد قسم جنبلاط يمين الطلاق على النظام وهو بكامل وعيه، فاسخاً، بعد تردد طويل، الزواج القسري بينه وبين سوريا - الأسد التي لجأ إليها عقب إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. هكذا يعيد الزعيم الدرزي الأبرز في جبل لبنان تموضعه السياسي ليصبح من جديد في خانة قوى 14 آذار التي ملأت رئتيها الضعيفتين بالأكسجين المندفع من حناجر الهاتفين ضد النظام السوري في المدن والقرى المنتفضة، يقابله اصطفاف وانسجام غير مسبوق لدى قوى 8 آذار في معركة يرونها مصيرية وما دونها فهو تفصيل لا يرقى إلى المناقشة أمام هول ما يتعرض له النظام السوري. هذه المفاصلة التي لا حدود محظورة لشظاياها إذا ما انفجرت دفعت برئيس «حزب التوحيد العربي» وئام وهاب المدعوم سوريا وإيرانياً لتحذير غريمه في الطائفة الدرزية وليد جنبلاط إذا ما استمر الأخير في قنصه صدر النظام السوري، مذكره إياه بمذبحة الجبل بين القيسيين واليمنيين التي انتهت إلى تهجير عدد من الدروز إلى سوريا مطلع الثامن عشر، فوحدة الطائفة، وربما وحدة لبنان، لا حرمة لها إذا لم يسكت جنبلاط لسانه عن سياسة الرئيس الأسد، إذ إن التاريخ قد يعيد نفسه، واللبيب من الإشارة يفهم.

315

| 25 فبراير 2012

الإسلاميون وجدلية السلطة

يتصاعد الجدل السياسي في الوطن العربي وتنقسم النخب الثقافية على نفسها، ما بين متفائلة بوصول الإسلاميين إلى السلطة في البلدان التي غزاها الربيع العربي، وما بين قلقة ومتوجسة خيفةً من أن يكون الإسلاميون بمثابة تسونامي سيحول الربيع العربي إلى شتاء إسلامي كئيب حاملاً معه موجات حادة من النكوص الاجتماعي والسياسي والفكري. والحقيقة أن اللهاث المتصاعد من مراكز الأبحاث ودوائر صنع القرار الغربي في رصد أي مؤشر أو متغير في سلوك الإسلاميين، بشقيه الإخواني والسلفي، بعد فوزهم بالانتخابات البرلمانية، وتصدرهم المرتبة الأوفر حظاً في تشكيل الحكومات القادمة يُغيب بشكل فاضح المكونات الأخرى الفاعلة في تشكيل المجتمعات السياسية. وحتى نوضح أكثر، فإن القاسم المشترك بين المراقبين للواقع السياسي في العالم العربي بعد وصول الإسلاميين للحكم، ينصب على سلوك الإسلاميين دون غيرهم، فتعود الأسئلة التقليدية لتطرح من جديد على شاكلة: هل سيحترم الإسلاميون الديمقراطية؟ هل سيقبلون بالتداول السلمي للسطة؟ ما هو مستقبل المرأة؟ وكيف سيكون عليه حال الأقليات الدينية والعرقية؟ وهل سيدمرون إسرائيل؟ وهل سيخططون لاستعداء الغرب كما حصل بإيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979؟. ويفوت هذه الجهات المكون الأساسي في رسم وبناء المجتمع السياسي ودوره في التأثير على من يحكم ألا وهو "الشعب"، وتغييب "الشارع" عن الحسبان في استشراف الأداء السياسي المستقبلي للإسلاميين يعود سببه إلى انعدام فعالية المجتمع طيلة عقود من الديكتاتورية حتى اتسم المجتمع بالسلبية وعدم الفعالية. لكن ذلك لا يغفر للباحثين إغفاله لأن الشارع العربي لم يعد ذاك الذي كان معروفاً قبل حرق محمد بوعزيزي نفسه في تونس، بل الشارع حالياً هو الثابت الوحيد الذي يرسم ملامح المستقبل السياسي في المنطقة، والشعوب التي خبرت قدرتها على التغيير لن تعود إلى الوراء ولن تتخلى عن مكاسبها التي حققتها له الثورة. هذه الدينامية التي بدأ الشارع العربي يتمتع بها ستكون بمثابة "مقص الرقيب" أو الكونترول الذي يحمي مكتسبات ثورته فلن يسمح بتكرار الديكتاتوريات في أي صورة كانت. كما أن الإسلاميين، على ما يبدو، لا يريدون أن يكرروا أخطاء من سبقهم خوفاً من أن يلحق بهم ما لحق بأولئك، "ومن رأى ليس كمن سمع" وفقاً للمثل العربي. علاوة على ذلك فإن الحركات الإسلامية تملك اليوم فرصة ثمينة لاختبار برامجها السياسية، وهي التي عكفت تُنظّر وتؤطر لعقود حين منعت من الوصول للسلطة، كما أن سياسة القمع التي لاحقتها طيلة الفترة الماضية أعطتها وقتاً كافياً للتفكير ووفرت عليها عبء ومسؤوليات السلطة فرأت عيوب الحكم قبل أن تمارسه. تبعاً لذلك يتعين عليهم أن يطمئنوا المجتمع - إنهم يؤمنون بالديمقراطية – أياً ما كانت تسميتها- سبيلاً لبناء المجتمع. - ملتزمون بالتداول السلمي للسلطة في إطار الدستور. - إنهم ليسوا أكثر من طيف سياسي من أطياف المجتمع تبنوا خطاً سياسياً مستلهماً من الفكر الإسلامي واجتهدوا فيه فلا هم معصمون ولا هم الممثلون الحصريون للدّين، وأن غيرهم ليس بالضرورة غارقاً في الضلالة. - التخلص من الفوقية والاستعلائية التي يشعرون بها حين يتحدثون عن أفكارهم ومبادئهم مقارنة بغيرهم من الأحزاب والتيارات السياسية. أما بالنسبة للمتوجسين من وصول الإسلاميين للسلطة فنقول لهم: امنحوهم الفرصة لإثبات صحة ما ينادون به، ولا تكونوا أسرى مفاهيم، رسختها الديكتاتوريات واستساغها الغرب، في نظرتكم للإسلاميين، فوصولهم للحكم ومشاركتهم الحياة السياسية بطريقة صحيحة قد يحملهم على المرونة ويقربهم من الوسطية في الطرح والممارسة.

645

| 18 فبراير 2012

الحرية للعالم النووي مراد دهينة!

قُدّر لي أن أتحدث معه لمرة واحدة، وإن كنت رسمت له صورة استوحيتها من حوار يتيم دار بيننا على مدار ساعة متواصلة عبر شبكة التواصل الاجتماعي "سكايب" قبل نحو شهر، بدا لي الدكتور مراد دهينة الذي كنت تعرفت به لتوي، رجلاً مهذباً، لا يعيق حياؤه لسانَه فينطلق متدفقاً في سرد ما يريد قوله دون وجل أو تردد، منتقياً مفرداته بدقة، يحمل على ظهره عبء الوطن والمواطن، ويتملكه مشروع النهضة اجتماعياً وثقافياً ببلده الجزائر وسائر الأقطار العربية من خلال مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان التي تنطلق أعمالها من مدينة جنيف السويسرية حيث يشغل الدكتور مراد منصب المدير التنفيذي للمؤسسة التي تحظى باهتمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع مباشرة للأمم المتحدة. لم يدر بخلدي، وأنا أحادثه، أن تخصصه الأساس هو في العلوم الذرية، ولم يخطر ببالي أنه كان يعمل على مشروع في الفيزياء النووية كان سيرشحه لجائزة نوبل للعلوم لو أكمل بحثه فيه لولا أن نداء الوطن كان يلاحقه عند كل زاوية ومنعطف في شوارع الغربة، فالدكتور مراد دهينة الذي يقيم في سويسرا منذ عام 1987، كان قد حصل على الدكتوراه في العلوم الذرية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية قبل أن يشتغل بالتدريس بالمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا بزيوريخ، ومن ثم في الفيزياء النظرية بالمركز الأوروبي للبحث النووي بداية التسعينيات بعد أن حالت الأحداث التي مرّت بها الجزائر من أن يخدم أهله وبلده من خلال عمله فيها. ورغم هذه القامة العلمية التي يتمتع بها الدكتور مراد إلا أنه كان محروماً من حقوقه المدنية والسياسية في بلده الجزائر، كما حُرم من جواز سفره بسبب مواقفه السياسية المناهضة للنظام بعد انقلاب العسكر على الانتخابات أو ما يسمى بوقف المسار الانتخابي الذي أتى بالجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى سدة البرلمان في العام 1992، إذ انضم الدكتور مراد إلى الجبهة بعد قرار حلّها من قبل السلطات الجزائرية وأصبح مدير مكتبها في الخارج إلى أن خرج منها في العام 2004 عقب إطلاق سراح قيادييها الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج بسبب الخلاف في التوجه السياسي مع قيادات في الجبهة، حيث سعى بعدها إلى تأسيس منظمة الكرامة لحقوق الإنسان في العالم العربي مع عدد من الشخصيات العربية المرموقة، ومن ثم تأسيس حركة رشاد في العام 2007 إلى جانب قيادات سياسية جزائرية معارضة، هدفها إحداث تغيير جذري في السلطة السياسية الجزائرية عن طريق المقاومة السلمية البعيدة عن العنف وأدواته، بعد أن أعلن رفضه لـ"ميثاق السلم المصالحة الوطنية في الجزائر" مطالباً بتحقيقات شفافة ومستقلة حول الأحداث التي أودت بحياة مئات الآلاف الجزائريين ومعاقبتهم. وكانت السلطات القضائية في الجزائر أصدرت مذكرة توقيف بحقه وأودعتها الإنتربول الدولي متهمة إياه بعلاقات مع الجماعة الإسلامية المسلحة، وقد حكم عليه بـ 20 سنة سجنا. بقي الدكتور مراد على مواقفه السياسية رغم الضغوطات التي لاحقته في دهاليز الغربة إلى أن تمّ توقيفه على يد السلطات الفرنسية في 16 يناير 2012 في مطار أورلي بباريس حيث كان عائداً إلى جنيف بعد مشاركته في اعتصام نفذته حركة رشاد أمام السفارة الجزائرية في باريس، وجاء التوقيف الفرنسي له مستنداً على تهمة وجهتها السلطات الجزائرية له بالعمل على تكوين مجموعة "إرهابية" مسلحة في الأعوام 97 و98 و99 في الخارج وقيادتها وقيامها بعمليات في زيوريخ في سويسرا، علماً أنه كان يتنقل بين دول الاتحاد الأوروبي جميعها دون عائق رغم مذكرة التوقيف الجزائرية الصادرة بحقه منذ العام 2003م، ما يعزز فرضية الاعتقال السياسي بضغط من السلطات الجزائرية كما يقول أصدقاء الدكتور مراد، وبهذا يصبح توقيف دهينة خرقاً للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والاتفاقية الدولية لحماية اللاجئين ولبروتوكول دبلن لحقوق الإنسان. وإذا كنّا نطالب السلطات الجزائرية بأن تعتبر من أحداث العام 2011 ومآلات الأنظمة السلطوية الشمولية في العالم بعد تفتح زهور الربيع العربي الذي يزحف في كل الاتجاهات انطلاقاً من الجارتين تونس وليبيا وأن تعمل على تغيير مسار الملاحقات لقيادات وكوادر سياسية وعلمية مرموقة وأن تحتضنها بدلاً من التضييق عليها وإقصائها وأن تكافح في فتح أبواب الديمقراطية والنزاهة والشفافية لكل جزائري شريف في حال كانت ترغب تجنيب بلادها مآل ما وصل إليه كل من "بن علي" و"القذافي" و"مبارك"، فإنا نحث منظمات حقوق الإنسان العربية والعالمية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحماية الأفراد والمجتمعات من العنف والاضطهاد السعي الحثيث والتحرك العاجل لدى السلطتين الفرنسية والجزائرية لإطلاق سراح الناشط السياسي الدكتور مراد الذي لم يثبت عليه أي تهمة وهو الذي خضع لتحقيقات مطولة لدى القضاءين الفرنسي والسويسري خلال فترة إقامته في أوروبا، كما أحثّ زملائي الإعلاميين والصحفيين للقيام بما يمكن القيام في إطار العمل الصحفي والإعلامي للدفاع عن قضية الدكتور مراد الذي ما فتئ يدافع عن حقوق الإنسان الأساسية وحقه في التعبير والممارسة السياسية الحرة من خلال نشاطاته التي لم تتوقف حتى بعد اعتقاله في مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان، وألا يكون مصيرنا كحال الثور الأسود الذي قال: أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".

867

| 04 فبراير 2012

هل من تقارب سني- شيعي؟

لفت نظري وأنا أتصفح موقع "العربية نت" مقتطفات من حوار أجراه الإعلامي "تركي الدخيل" ضمن برنامج "إضاءات" مع المرجع الشيعي اللبناني المعروف "السيد علي الأمين" تناول إشكالية العلاقة بين دول الخليج وإيران وموقف الأخيرة من الثورة السورية. ويكتسب الحوار مع العلامة السيد علي الأمين أهمية زائدة في هذه الأوقات العصيبة التي يشهد فيها العالم الإسلامي عموماً والعربي خصوصاً توتراً واحتقاناً مذهبياً لم يشهد له مثيل من قبل، على الأقل خلال القرون الثلاثة الماضية. يضاف له أن السيد الأمين من الشخصيات الشيعية التي تنادي بوحدة الأمة الإسلامية وتفرق بين الخلاف المذهبي الذي يبقى محصوراً في الإطارين التاريخي والفقهي وبين الخلاف السياسي الذي يكتسي أحياناً لونا مذهبياً لحماية ذاته وتعميق جذوره ومنحه حياة أطول وكسبه مناصرين جددا تغلبت لديهم العاطفة الدينية على التفكير المنطقي والعقلاني. وبسبب موقفه المتجرد والشجاع في نقد الفكر الديني الذي تراكم على العقيدة الأصيلة حتى أصبح جزءاً منها تعرض السيد الأمين للأذى النفسي وحتى الجسدي، كما لا يخفى على أحد خلافه الحاد مع حزب الله على خلفية تبني الحزب مسألة " ولاية الفقيه" التي جاء بها الإمام الخميني، وما راكم الفكر الشيعي من روايات تاريخية غير مؤكدة حتى أضحت جزءاً لا يتجزأ من العقيدة الجعفرية في الآونة الأخيرة عند بعض التيارات الشيعية. ولا يعتبر السيد الأمين حالة نادرة بين علماء الشيعة، فقد سبقه لذلك الإمام محمد حسين فضل الله رحمه الله وبعض من علماء الشيعة العراقيين. وقد أورد الباحث الشيعي العراقي أحمد الكاتب عددا من أسماء أولئك العلماء في كتابه: "الطريق إلى فكر شيعي جديد "، لمن أراد الاستزادة في الموضوع. ولم يقف السيد الأمين عند حدود إنكاره "ولاية الفقيه" وإنما انتقد مسألة "الإمامة " التي تعتبر أحد أبرز أصول مذهب الإمامية، فهو يرفض أن تكون "الإمامة" أصل من أصول الدين أو ضرورياته كما ينكر أنها كانت محل إجماع لدى علماء الشيعة تاريخياً، حاصراً أصول الدين بالمتفق عليه بين المسلمين جميعاً مثل التوحيد والنبوة واليوم الآخر والقدر. وهكذا تأتي أفكار السيد علي الأمين في لحظة تاريخية فارقة تعيشها الشعوب العربية التي تكافح للتخلص من الديكتاتوريات المستبدة التي استغلت بشكل فاضح الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة ووظفته في تأجيج الصراع السياسي بين مكونات المجتمع الواحد، وكان لسياسة إيران في كل من العراق وسوريا ولبنان فضلاً عن التدخل في دول الخليج دور بارز في تعزيز وتأجيج هذا الصراع بحيث بات الخلاف السياسي بين إيران والدول العربية يعمق الخلاف المذهبي كما أن الخلاف المذهبي واستدعاءه يعزز من التباعد في الرؤية السياسية بحيث لم يعد للحوار مكان. وتبعاً لما فات، فقد بات مفهوماً الصمت الذي يمارسه علماء الدين في إيران إزاء ما يمارسه النظام السوري بحق شعبه، كما أن الدعم الرسمي الإيراني للنظام السوري مع كل المجازر التي يرتكبها الأخير يصبح مبرراً ويتخطى المصالح السياسية التي تنتهجها الدول في تحديد مواقفها الدولية إلى البعد المذهبي، وإلاّ كيف نفهم مطالب إيران للتعددية في كل مكان إلا على أراضيها أو الأراضي السورية؟ وانطلاقاً من هذه الإشكالية يحذر السيد الأمين "من تحويل التجارب التاريخية إلى عقائد تكون سبباً للعداء والولاء، مطالباً كل المسلمين بالتحاكم إلى القرآن الكريم وصحيح السنة"، فهل بالإمكان أن يجد السيد الأمين صدى لدى علماء الأمة من كلا المذهبين. وكما أننا نحتاج إلى أصوات عاقلة من العرب والإيرانيين يرون الحوار مقدماً على المواجهة من أجل العيش الكريم في إطار الجوار المشترك، فإننا بحاجة أيضاً إلى أصوات دينية من كلا المذهبين تقدم المتفق عليه على المختلف فيه، وتحرر أنفسها من التعصب المذهبي بقدر ما تعمل على تحرير النصوص من الخرافات والروايات المناقضة للعقل والدين معاً، وتحصر الخلاف المذهبي في إطاره الأكاديمي البحت، أو تبعده عن التوظيف السياسي.

834

| 28 يناير 2012

قدوم الإسلاميين وإشكالية النخب العربية

قبل عام تقريباً، كنا إزاء موقفين لدى النخب الثقافية في العالم العربي فيما يتعلق بنظرتهم للإسلام السياسي. فالقوميون وبعض اليساريين كانوا يفرقون بين التيارات الإسلامية ويصنفونها ما بين تيار معتدل كحال الإخوان المسلمين وتيار متشدد أصولي كحال تنظيم القاعدة. أما الليبراليون وغلاة العلمانية وبعض اليساريين كانوا لا يفرقون بين الإسلام السياسي وغير السياسي ولا بين السلفي ولإخواني، ويرون أن وصول الإسلاميين إلى السلطة يشكل ردةً ثقافية وفكرية واجتماعية، وسيجعل من العالم العربي نسخة مطابقة لما هي عليه الجمهورية الإسلامية في إيران التي تعتبر من أكثر دول العالم خروجا عن الشرعية الدولية. اليوم ومع التبدلات التي تعيشها دول وشعوب العالم العربي لم تعد عمليات الفرز التي كانت تقسم الإسلاميين إلى معتدلين مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر وفروعها في كل من المغرب وتونس واليمن والأردن ولبنان وإلى متشددين مثل تنظيم القاعدة ومن يتفق معه في كثير من الأفكار والطروحات مطروحة بل تأثرت هي بدورها بما أفرزه الربيع العربي من مفاهيم جديدة. قبل الربيع العربي كان يخرج المتنور العربي الذي يدعي التجرد والتسامح ممن يوصفون بالقوميين والعروبيين لتشجيع الإخوان للاستفادة من حزب العدالة والتنمية التركي وتجربته الفريدة في تبني ودعم قيم الحرية والعدالة والديمقراطية يوم كانت تركيا بقيادة أردوجان تدعو الغرب إلى حوار مفتوح مع العالم العربي والإسلامي. بعد الربيع العربي تبدل الوضع وبدأت سهام القوميين، وليس كلهم طبعاً، تتوجه بالنقد اللاذع للإخوان المسلمين في مصر وتتعمد وضع الإخوان والسلفيين والقاعدة في سلة واحدة، وبدأنا نسمع أصواتاً تصف الإخوان والسلفيين بالتآمر مع الغرب على القومية العربية ونظمها وتسعى للنيل من سيادة الدول الممانعة والمقاومة لمشاريع الهيمنة في المنطقة.. وقد ظهر هذا التلون في التعاطي وهذا التبدل في المواقف مع الأيام الأولى لتدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا ضد معمر القذافي الذي كان يهيئ لمجزرة في بنغازي على غرار مذبحة سربينتشا لولا أن قذائف العم سام كانت له بالمرصاد. ثم اتسع الشرخ رويداً رويداً مع زحف الربيع العربي نحو دمشق عاصمة العروبة وحصن المقاومة والممانعة كما يحلو للقوميين العرب وصفها، فتحولت حركة الإخوان التي أنجبت حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى حركة إنجليزية متآمرة على مقدرات الأمة من أجل الوصول إلى السلطة بالتنسيق مع كل من تركيا- أردوجان ودولة قطر.. وأصبح المطالبون بالحرية والعدالة في الشارع السوري عصابات مسلحة من الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة برعاية غربية وتركية وبدعم خليجي واضح بعد أن انضم إخوان سوريا إلى الشارع المطالب بالحرية عقب 42 سنة من القمع والتسلط واحتكار السلطة.. وبات الربيع العربي حسب مفهوم هؤلاء اتفاقية سايكس- بيكو جديدة لإعادة رسم خريطة المنطقة من جديد. ويستدل القوميون على صحة أحكامهم بالانفتاح والمرونة غير المعهودة للحركات الإسلامية التي فازت في الانتخابات التي أجريت في البلدان التي تحررت من نير العبودية والاستبداد السياسي كما هو الحال في مصر وتونس، كما أن نجاح السلفيين وحصولهم على ما يقارب عشرين بالمائة من مقاعد البرلمان المصري واستعدادهم للتعاون مع المجتمع الدولي واحترام الاتفاقيات الموقعة من قبل الدولة المصرية في زمن المخلوع حسني مبارك دفع القوميين العرب للانضمام إلى الليبراليين الذين لم يغيروا مواقفهم قبل الربيع العربي وبعده في محاربة الإسلاميين.. طبعاً لكل أهدافه، إلا أن العدو بات واحداً وهو وصول الإسلاميين إلى الحكم. وهو ما يطرح إشكالية جديدة في الفكر والثقافة الحزبية في عالمنا العربي تدفعنا لنسأل: أليس من حق الإسلاميين الحصول على فرصتهم في ممارسة الحكم طالما أنهم يحظون بشعبية واسعة، وأليس من حقهم أن يطبقوا طروحاتهم ومناهجهم السياسية طالما أن صندوق الاقتراع هو الحكم؟ لقد تبين أن القوميين سقطوا على غرار ما حصل مع اليساريين والشيوعيين فهم أثاروا دعم العقيد الليبي معمر القذافي في ذبح شعبه حين تعلق الأمر بتدخل دولي لحماية المدنيين وهم انحازوا بشكل مطلق للنظام السوري الذي لا يقل إجراماً عن القذافي في حربه ضد الشعب السوري بحجة دعم النظام للمقاومة الفلسطينية واللبنانية.. وهنا يتوجب علينا أن نسأل: هل الأحزاب التي تُبرر للنُظم قتل شعوبها تحت أي ذريعة يحق لها أن تكون حكماً أو يحق لها أن تنتقد الإسلاميين إذا ما تصدروا السلطة في العالم العربي.. لا أعتقد ذلك.

516

| 21 يناير 2012

الكلّ يستحضر تنظيم القاعدة في لبنان

هل القاعدة موجودة في لبنان أم غير موجودة؟ ربما سؤال لم يعد له أهمية بقدر التداعيات والسجالات السياسية القائمة بين الفرقاء اللبنانيين حول القاعدة نفسها.. والأمر لم يعد مجرد تداول معلومات صحفية أو تسريب تحقيقات أمنية تجريها السلطات المختصة وإنما تحول إلى ظاهرة طالت المجتمع اللبناني من أسفل هرمه إلى رأسه.. فانقسم اللبنانيون على نفس انقسامهم السياسي، فريق 8 مارس بجميع مستوياته من سياسيين ومحللين تلفزيونيين وشرائح داعمة تؤكد وتنافح عما أورده وزير الدفاع فايز غصن عن امتلاك قيادة الجيش معلومات حول تسريب للسلاح والعناصر الأصولية إلى سوريا عبر المناطق الحدودية المتاخمة في الشمال والبقاع. وفريق 14 مارس الذي ينفي نفياً قاطعاً وجود تنظيم القاعدة في لبنان –على الأقل – بالدرجة التي تتحدث عنها قوى الأكثرية. وفي هذا يقول رئيس الحكومة السابق سعد الدين الحريري على موقعه الخاص على تويتر "إن الحديث عن وجود "القاعدة" في لبنان هو فبركة من الاستخبارات السورية". ردّ قوى 8 مارس لم يكن متأخراً ولم يلجأ إلى وثائق وكيليكس ليؤكد وجود القاعدة في لبنان وإنما وصل لحد اتهام قيادات 14 مارس بجلب مقاتلين من القاعدة وإيوائهم في مناطق سنية موالية لتيار المستقبل وتسهيل عبورهم إلى سوريا. ففي مؤتمره الصحفي الذي عقده في السادس من الشهر الحالي توجه ناصر قنديل وهو من الشخصيات اللبنانية المقربة جدا من النظام السوري بالسؤال لسعد الحريري قائلاً " لماذا تجاهلت دور القاعدة في حربي الضنية ونهر البارد على الجيش اللبناني كدورها في الصواريخ الطائشة في الجنوب، أم أن الحلف مع القاعدة تحت رعاية الأمير بندر يضع في الفم ماء؟ هذا الحكم ليس خاصاً بقنديل بل غالبية قوى 8 مارس تدعهم لاسيَّما تلك التي تنطق بلسان النظام السوري مثل الوزير السابق ميشال سماحة الذي صرح لإذاعة النور التابعة لحزب الله بالقول: "هناك وجود للقاعدة في لبنان وإن فريقا رسميا يغطيها ". أما رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي فلم ينأيا بنفسيهما عن الجدل الدائر بين قوى الأكثرية والأقلية وهما اللذان يصنفان ضمن دائرة الوسطية السياسية وإنما نفيا جملة وتفصيلاً ما أورده وزير الدفاع ورفضا حتى الحديث عن وجود بيئات لبنانية حاضنة لتنظيم القاعدة وفقاً لما قاله رئيس الجمهورية ميشال سليمان من بكركي، في 25 من الشهر الماضي، "إن أي لبناني أو أي بلدة لبنانية لا تقبل بإيواء الإرهاب، وجميعهم يتعاونون مع الدولة لمنع حصول إرهاب أو إيواء إرهابيين". وما بين نفي الجمهورية والحكومة واستماتة وزير الدفاع وقوى 8 مارس في تأكيد وجود القاعدة كانت القلاقل والاضطرابات الأمنية تزداد وتيرتها في لبنان انسجاما مع سخونة الجدل السياسي حول القاعدة ودورها في تفجيرات دمشق على مدار أسبوعين، علماً بأن الجانب السوري ما فتئ يحذر من انفجار المنطقة برمتها في حال استمر الضغط على سوريا. وإذا كان أغلب الاستدلالات التي تؤكد على وجود القاعدة تستند إلى تنظيم فتح الإسلام الذي ظهر في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين عام 2007، فإنه من الإنصاف التذكير بأن التحقيقات التي أجريت مع من تم القبض عليهم لا تؤكد على أنهم ينتمون لتنظيم القاعدة، وإن كانت المشاورات تجرى على قدم وساق في محاولة من فتح الإسلام للحصول على تبني واعتماد من تنظيم القاعدة قبل أن تستبقهم الأجهزة الأمنية وتدخل معهم في معركة حسمت لصالح الجيش اللبناني.. ولعل المعلومات الأكثر دقة في ملف فتح الإسلام تشير إلى أن التنظيم تشكل من نوعين من المقاتلين، نوع كان من صنع المخابرات السورية وحظي بدعم وتسهيل للعبور من سوريا إلى لبنان لغايات سياسية معروفة ونوع آخر كان من شباب عربي خدع بطريقة ما للقدوم إلى لبنان، إما للدفاع عن السنة بوجه حزب الله وإما ظنا منه أنه قادم إلى مواجهة إسرائيل في شمال فلسطين. يحضرني في هذا المجال ما قاله وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور المحسوب على وليد جنبلاط حين سئل عن وجود القاعدة في لبنان فأجاب: "يجب أن لا نخلق قضايا ثم نصبح أسراها". فنحن بالفعل لم يعد مهماً ما إذا كانت القاعدة موجودة في لبنان أم لا بقدر ما يهمنا توظيف هذا الحضور من عدمه وكل له مصلحة في هذا التوظيف. وجميعنا يعلم أن التخلص من القاعدة وتحييد لبنان عن مجالها التخريبي إنما يكون بتبني سياسة حكومية تمنح اللبنانيين الطمأنينة وتحملهم على الالتفاف حول الدولة في وجه أي مشاريع تتناقض مع قيام الدولة والعبور إليها.

910

| 14 يناير 2012

وأخيراً نطق وليد جنبلاط!

فجر رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط قنبلة لا تزال شظاياها تلاحق كل ساكت عما يحدث في سوريا أو متواطئ مع النظام في سفك دماء الشعب السوري بحجة ملاحقة عصابات مسلحة تعيث فسادا وقتلاً على طول الجغرافية السورية وعرضها. وكان من تداعيات هذا التفجير أن يسارع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري المحسوب على سوريا ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الذي يرفع شعار "النأي بالنفس عما يحدث " لطلب استفسار من الزعيم الدرزي حول صحة ما نقل عنه من تصريحات. وقد أظهر جنبلاط دعماً واضحاً للثورات العربية وتحديدا للثورة في سوريا وقد حمله على ذلك كما يقول عضو جبهته النائب أكرم شهيب الثقافة التاريخية العالية والحس القومي الذي لا تمحوه التكتيكات ولا السياسة اليومية. فتصريحات الزعيم الدرزي الذي يعرف عنه كثرة التنقل في المواقف هو في الصراحة الواضحة التي تتطلب شجاعة قلما تتوافر، إضافة لتوقيت صدورها حيث دعا إلى تغيير النظام في سوريا معتبراً أن الحل الوحيد هو التغيير الجذري للنظام. ولعل تصريحات جنبلاط تعكس أهمية محلية وإقليمة لأسباب عديدة، منها ما هو مرتبط بحيثية جنبلاط على الصعيد الداخلي اللبناني ومنها ما هو مرتبط بما يمثله من زعامة لأقلية تعيش في أكثر من قطر عربي. فهذا هو التصريح الوحيد الذي يأتي من خارج دائرة خصوم النظام السوري في لبنان مثل تيار المستقبل والقوات اللبنانية وغيرها. وتكتسي هذه التصريحات أهمية إضافية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما يلي: - أن جنبلاط لديه كتلة مشاركة في الحكومة الحالية المحسوبة على قوى 8 مارس القريبة من سوريا والتي فيها لحزب الله الصوت الأعلى. - إنه مرتبط بعلاقة صداقة مع كل من حزب الله والنظام السوري بعد المصالحة الشهيرة له مع بشار الأسد في دمشق عقب أحداث 7 مايو واتفاق الدوحة 2008. - لكن الرمزية الأساسية لهذه التصريحات القوية والصادمة أنها تصدر عن زعيم أقلية دينية لها امتداد وجود ونفوذ في سوريا وهذا يعتبر على مستوى المقارنة نادراً ومناقضاً لما عليه في العادة تصريحات الزعامات السياسية للأقليات الدينية والعرقية. وإذا ما قارنا تصريحات جنبلاط بتصريحات البطريرك بشارة الراعي على سبيل المثال ندرك حجم الفارق وحجم الهوة في الرؤية والقراءة السياسية لدى القطبيين. ففي أول تصريح له بعد تعيينه، خرج البطريرك بشارة الراعي حين كان في زيارة رسمية لفرنسا قبل عدة أسابيع بموقف من الربيع العربي، حيث عكس نظرة بكركي للأحداث العربية خصوصا ما جرى ويجري حالياً في سوريا. يومها أثار الراعي جدلاً واسعاً في الشارع اللبناني لا يزال صداه حتى اليوم، وإذا ما أردنا تلخيص ما صرح به الراعي حينها نجد أنه: - أبرز قلقاً واضحاً لدى المرجعية المسيحية من التحولات في العالم العربي، إذ لا يراها مدخلا إلى الديمقراطية والحريات بقدر ما هي تعكس خوفاً على حريات وحقوق الأقليات في المنطقة - تخوفاً من وصول الإسلاميين للسلطة ووضع التيارات الإسلامية كلها في كفة واحدة وكأنها مرآة لتنظيم القاعدة. - تخوفاً من انزلاق البلدان في الشرق الأوسط نحو حرب أهلية يدفع فاتورتها أكثر ما يدفعها هم المسيحيون. - تخوفاً من بروز دويلات طائفية وأن يتكرر في العالم العربي ما يحصل في العراق من استهداف للمسيحيين. أمّا بالنسبة للموقف في سوريا فقد أظهر البطريرك الماروني دعماً واضحاً للنظام في سوريا، وطالب بمنحه الوقت الكافي لتنفيذ ما وعد به من إصلاحات، إذ إن الاستقرار مقدم على الحرية وبالتالي فإن الخيار هو "بين سيئ وأسوأ". هذا الكلام للبطريرك هو نفس الطلب الذي ينادي به النظام السوري وهي نفس المعزوفة التي تغني عليها النظم الديكتاتورية في المنطقة على شاكلة حسني مبارك، وزين العابدين بن علي، وعلي عبد الله صالح، وغيرهم كثير. مرة أخرى، يقدم جنبلاط – وهو الحريص بلا منازع على طائفة الموحدين الدروز – أداء سياسياً متميزاً لكل حريص على طائفته مهما كان حجمها في هذا المحيط السني الواسع، وبالتالي فإن على الزعامات السياسية للأقليات العرقية والدينية في العالم العربي أن تدرك أن مصلحتها هي من مصلحة الأكثرية.

465

| 07 يناير 2012

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4227

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1872

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1770

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1611

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1422

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1161

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

903

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

663

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

630

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

552

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
المقاومة برصاص القلم

ليس بكاتب، إنما مقاوم فلسطيني حر، احترف تصويب...

501

| 03 ديسمبر 2025

أخبار محلية