رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

لبنان والعودة للمربع صفر

هناك مثل معروف عند اللبنانيين يقول: "وين ما حبلت بتخلِّف بلبنان"، مقولة كانت تستحضر بقوة، خلال الحرب الأهلية التي شهدها لبنان التي بدأت عام 1975 وانتهت عام 1989، وإن بقيت مفاعيلها حتى اليوم. والمثل كان يضرب للتأكيد على حجم ومستوى ونفوذ التدخل الخارجي في التأثير على المسارات السياسية والعسكرية التي كانت تخوضها الأحزاب والميليشات على طول خط النار في عموم الجغرافيا اللبنانية. يستحضرنا المثل اليوم وبقوة.. فالعملية النوعية التي أودت بحياة ضباط كبار جداً في دمشق في الثامن عشر من الشهر الجاري ما لبثت تداعياتها أن ألقت بظلالها على طرابلس عاصمة الشمال اللبناني، حيث وبقدرة قادر، عادت جبهة جبل محسن - باب التبانة لتنفجر من جديد.. سقط خلالها قتلى وجرحى رغم دخول الجيش اللبناني المتمركز في المنطقة، في الأصل، على خط التهدئة.. ربما الشاهد ضعيف إذا ما وقفنا عند الربط المباشر بين دمشق وطرابلس، لكن إذا ما أخذنا، بعين الاعتبار، السيناريوهات التي يسوقها البعض في حال سقط النظام السوري، وتلك التي يسوقها آخرون، في حال بقي النظام السوري، ولم يسقط بفعل الضغط الداخلي ورديفه الضغط الخارجي نجد أن الشاهد يصبح قوياً وينطبق المثل "وين ما حبلت بتخلِّف بلبنان". في الثانية، يقول مراقبون إن بقاء الأسد وتغلبه على المحنة سيعمل على تصفية معارضيه في لبنان وسيعود إلى لبنان بأقوى وأشرس وأعمق مما كان عليه النظام خلال تواجده على مدار ثلاثين سنة في لبنان قبل أن يخرج في العام 2005 بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وفي الأولى، أي في حال سقوط النظام، فإن لبنان لن ينجو أيضاً، إذ لا يوجد بديل في سوريا بعد الأسد قادر على حماية سوريا، دولة موحدة متماسكة، حيث ما تلبث أن تنقسم سوريا إلى أقاليم، بناء على فرز طائفي وعرقي، وأول من سيصاب بشظايا هذا الانقسام هو لبنان الجار الصغير والضعيف للبلد الكبير المطبق عليه من محاور عديدة.. ولن يقف الأمر عند تلقي تداعيات الزلزال السوري، بل ستصبح الأرض اللبنانية مسرح نشاط الزلزال نفسه. فإذا ما حصل التقسيم، فلن تتشكل دويلاته ضمن الحدود السوري، بل ستقضم جزءاً من لبنان، والمقصود بالجزء هنا الشمال بما فيه طرابلس التي ستنضم إلى دولة علوية في الساحل قسراً عنها.. الأمر نفسه سيتكرر بين المناطق المتداخلة على الحدود التركية السورية، والحدود الأردنية السورية، والحدود العراقية - السورية، وهكذا ستتسع بقعة الزيت لتغرق الكيانات السياسية في الشرق الأوسط كله. قد يقول البعض هذا ضرب من المبالغة وقد يرد آخر: لا شيء مستحيل في هذا العصر.. فمن يعتقد أنه في سنة واحدة سيسقط بن علي، وحسني مبارك، ومعمر القذافي، وعلي صالح، والحبل على الجرّار؟!! صحّ هذا السيناريو أم ذاك، يبقى لبنان أسيراً لأي تغيير، مهما طال أو قصر، مهما كان عظيماً أو حقيراً.. فقدر لبنان أن يبقى "ترمومتر" لأي نشاط في الشرق الأوسط.. كان هذا قدره تاريخاً وسيظل هذا قدره مستقبلاً... بمعنى آخر: سواء هلل أهل مدينة طرابلس بإطلاق الرصاص ابتهاجاً لمقتل وزير الداخلية محمد الشعار الذي أذاق أهلها فنون التعذيب خلال وجودة في طرابلس في الثمانينيات من القرن الماضي أو غيره، أو اغتاظ أهالي حي جبل محسن، بحكم البعد الطائفي لمقتل هذا الكم من أركان النظام السوري، لن يتغير شيء من قدر لبنان، لأن لبنان، شعباً وحكومات وجغرافيا، تمت قولبته في شكل المتلقي دائماً للصدمات، سواء كانت نسمات خير أو زوابع شر.. فهل سينجو لبنان من سيناريوهين لا ثالث لهما، ويولد أحدهما بموت آخر؟! في التحليل المنطقي، الجواب هو لا.. لكن هل بقي للمنطق وجود في عالمنا اليوم.. لا أظن.

655

| 21 يوليو 2012

لبنان والتحول الدراماتيكي

ثلاث قضايا بارزة، تجلت هذا الأسبوع في لبنان.. قد تفضي بمجموعها، وإن تباعدت الخيوط الرابطة بينها ظاهرياً، إلى تحول دراماتيكي ما، قد يطرأ على بنية الحراك السياسي القائم في لبنان. فخلال زيارته هذا الأسبوع إلى باريس، دعت فرنسا الرئيس اللبناني ميشال سليمان إلى العمل الدءوب على عدم استجلاب الأزمة السورية إلى لبنان. وهو صوت نسمعه في الداخل والخارج، بين من يتخوف من وصول الأزمة السورية إلى لبنان، بفعل الدفع الذاتي لها القائم على التواصل الجغرافي والديمغرافي والتاريخي بين البلدين والشعبين، وبفعل الدفع الخارجي لها. ونقصد بالخارجي هنا، اللاعبين على وتر نقل الأزمة من منطقة إلى أخرى، بغية توسيع الحريق في المنطقة لغايات لا تصب في صالح الشعوب العربية، ولا في صالح الديمقراطية والمنادين بها، أيّاً كانت هواياتهم وانتماءاتهم. وعلى قول المثل القائل " كثر الدقّ، بفك اللّحام ". فكثرة الحديث عن عدوى الصراع السوري والتحذير منه، أصبح سلاحاً للغيارى على البلد، ولأعداء البلد أيضا، حتى بات الأمر هاجساً يُخبر به الكبير والصغير.. وهذه نقطة لها ما بعدها. الحدث الثاني، وعطفاً على ما سبق، فقد عمد رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى إرسال الجيش اللبناني إلى الحدود مع سوريا، لأول مرة في تاريخ لبنان، بعد أن كثرت الخروقات السورية للحدود مع لبنان، وسقط العديد من الضحايا. يبقى للحدث دلالات استراتيجية كبيرة، بغض النظر، ما إذا كانت الرواية التي تحكيها وسائل الإعلام اللبنانية الموالية للنظام السوري من أن عناصر من الجيش السوري الحر تستوطن قرى حدودية لشنّ هجمات على النظام من داخل الأراضي اللبنانية، وبين رواية وسائل الإعلام المعارضة لبشار الأسد من أن موالين للنظام السوري في لبنان يطلقون النار باتجاه الأراضي السورية، بالتنسيق مع ضباط سوريين من أجل تسويق مقولة تسلل معارضين مسلحين من سوريا إلى لبنان، وإعطاء المبرر الكافي للجيش السوري باختراق الحدود اللبنانية، متى يحلو له ذلك،لأهداف أبعد بكثير من ملاحقة منشقين أو متمردين مسلحين. الحدث الثالث، ظهور بداية تصدع في حلف حزب الله – التيار الوطني الحرّ، الذي تم تدشينه فيما يُعرف بـ"ورقة التفاهم " الموقعة بين الطرفين في 6 فبراير 2006، وذلك على خلفية صراع قائم بين حركة أمل حليف حزب الله، وبين حليف الحليف، التيار الوطني الحرّ بقيادة ميشال عون،علماً بأن التحالف الثلاثي جنّب الحديث عن حلف سياسي شيعي في مواجهة الأحزاب اللبنانية الأخرى. وسبب التصدع هو الامتعاض المتكرر لدى التيار الوطني الحرّ مما يسميه، ممارسات حركة أمل داخل المؤسسات الرسمية وفي الحكومة. والقشة التي كادت تقصم ظهر البعير بين حزب الله والتيار العوني هي قضية تثبيت ما لا يقل عن 2000 عامل (مياوم) في مؤسسة كهرباء لبنان، 80% منهم من المسلمين الشيعة، ما سبب الحرج لميشال عون في قاعدته الانتخابية المسيحية. وبالتالي، فإن إمكانية خروج التيار الوطني الحرّ من التحالف الثلاثي، قد يُظهّر حزب الله على أنه عبء على لبنان بسلاحه ونهجه في مقابل أحزاب لبنانية أخرى تبقى في إطارها الوطني، وإن اختلفت توجهاتها وطروحاتها. لا شك أن الحساد لحلف حزب الله-التيار الوطني الحرّ سعدوا بمثل هذا السيناريو لكن كلا الطرفين ردّوا، بالتأكيد على متانة الحلف وعدم تضعضعه، مهما علت تمنيات الكائدين. وأن ما حدث ليس سوى غمامة صيف عابرة، وأن الطرفين قادران على تجاوز هذه الأزمة، وغيرها من الأزمات، طالما أن المصلحة الكاملة لكليهما تكمن في هذا التحالف. بكل الأحوال، وإذا ما ربطنا الأحداث أو التطورات الثلاثة فيما بينها، نرى أننا أمام إرهاصات مرحلة جديدة، قد تولد في لبنان تحت أي ضغط، إذ تنشأ تحالفات وتتلاشى أخرى، وتنهار حكومة وتصعد أخرى، في وقت لم يكن أحد يتصور ذلك، والسبب الذي قد يدفعنا إلى تصور مثل هكذا سيناريو، رغم استبعاده، هو كثرة اللاعبين في الورقة اللبنانية، وخبراتهم التاريخية بها.

558

| 14 يوليو 2012

حين يغيب الشعب اللبناني عن المعادلة!!

هل هو اهتراءٌ أمني أم فعلُ فاعل، ما تشهده مدنُ وقرى ومحافظات لبنان؟.. في الشارع قطعٌ للطرقات وحرقٌ للدواليب ..وعلى المنابر، تبادلٌ للتُهم، وتراشقٌ بمفردات من قاموس الحياة السياسية المعتمد في لبنان. وبين فوضى السياسة واضطراب الأمن، شعب يتخندق في كانتونات طائفية ومذهبية، وحكومة عاجزة عن تنفيذ واجباتها السياسية. وهناك جولات للحوار تعقبها جولات تبحث في تنظيم الخلاف وتنقية الأجواء.. كلام كثير يحكي عن إيجابية الحوار وطاولته المستديرة. وما من شيء يلمس في الواقع المعاش للبنانيين.. والسؤالان الملحان عند كل محطة .. إلى أين تتجه عجلة السياسة والسياسيين في ظلّ الفوضى القائمة؟.. وهل سيبقى الملف الأمني الرقمَ الصعب في بورصة الاستحقاقات السياسية؟.. وحين تحاول الإجابة على سؤال ما من مثل ما سبق يعترضك سيل جارف من الأسئلة التي تبدأ ولا تنتهي والتي تجد نفسك مضطراً أن تطرحها لكثافة ما يثار حولها من إشاعات في وسائل الإعلام وعلى ألسنة الناس في الشارع.. فهل يعقل أن يعرقل أداء الحكومة والوفاء بالتزاماتها السياسية من هو عضو فيها أو له فيها عدد من الوزراء؟ وهل يعقل أن يُتهم رئيس حكومة بالتآمر على أمن بلاده من خلال ما يروج البعض بأنه كان يدعم مجموعات مسلحة تقاتل في باب التبانة وجبل محسن خلال الأيام الماضية التي شهدت ما يشبه الحرب الأهلية والمذهبية، وذلك فقط من أجل حسابات انتخابية؟ هل يعقل أن يلوم رئيس الجمهورية وزراء في الحكومة وقيادات سياسية من أنها تشكل غطاء سياسياً لأناس خارجين عن القانون أو عرقلة القانون من محاكمة الفارين من وجه العدالة بعد أن تمكن من إلقاء القبض عليهم؟ هل يعقل أن تتهم تيارات سياسية عريضة بأنها تأوي مسلحين تابعين لتنظيم القاعدة؟ وهل يعقل أن يطلق أحد السياسيين على رئيس حكومة سابقة بأنه زعيم تنظيم القاعدة في لبنان؟ هل يعقل أن يخرج زعيم حزب مسلح ليقول إنه سيقاتل إلى جانب دولة جارة إذا ما تعرضت لعدوان خارجي دون أن يستأذن اللبنانيين ما إذا كانوا يقبلون أن يزجوا بأنفسهم وببلادهم في أتون معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟ هل يعقل أن يقوم شيخ معمم بقطع طريق تصل الجنوب اللبناني بعاصمته بيروت لرفع مطالب سياسية دون أن يجرؤ أحد على الاقتراب منه حتى إن وزير الداخلية يتحدث عن مفاوضات تجري من أجل حل سياسي؟؟ من الرابح من كل ما سبق؟ هل الشعب أم دويلات الطوائف وفدراليات الماليشيات المسلحة وغير المسلحة؟. ما سبق، غيض من فيض.. ومن يدعي قدرته على الإجابة عليها أو تحليل مضامينها فهو واهم، هذا في تقديري. المسألة اللبنانية لم تعد مسألة خلاف سياسي بين تيارات وأحزاب تحمل برامج سياسية مختلفة. كما أنها لم تعد مسألة تصارع قوى إقليمية ودولية على خطف لبنان إلى هذه الوجهة أو تلك. المسألة اللبنانية باتت أزمة وجود، وأزمة كيان، وأزمة شعب.. أزمة هوية ووطن ومواطنة. وليس من المبالغة في شيء أن نقول ذلك.. فهوية لبنان التي حسمها اتفاق الطائف الذي أنهى ما يسمى "الحرب الأهلية" عام 1989 من أن لبنان بلد عربي وجزء من محيطه العربي أصبحت هذه الهوية اليوم مدار نقاش وبحث من جديد. ولم يعد الخلاف ما إذا كان بلداً عربياً أم لا . وبات النقاش ما إذا كان بلداً مقاوماً وجزءاً من محور مقاوم يمتد من إيران فالعراق فسوريا وصولاً إلى غزة في جنوب فلسطين المحتلة أم أنه بلد غير معني بأثقال العالم العربي ومشاكله وهمومه، فهو أعجز من أن يكون رأس حربة في مواجهة المشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة ولا أقل من تلك الدول التي انتقلت إلى كوكب الربيع العربي بمشروعه الديمقراطي الواعد.. المسألة اللبنانية باتت تدور حول ما إذا كان هناك شعب لبناني أصلاً، له همومه وتطلعاته الخاصة التي قد لا يتشارك بها بالضرورة مع شعب آخر، أم أنه مجرد رقم في قائمة من القوائم المأدلجة المساقة تحت ضغط الطروحات الشعبوية والعنترية، الغائب الوحيد فيها هو لبنان الوطن، ولبنان الشعب.

734

| 06 يوليو 2012

تفجير لبنان من بوابة المخيمات الفلسطينية

العمل على تفجير الوضع الأمني في لبنان لم ينته، كما أن أدواته لم تستنفد كلياً.. الاضطرابات المتنقلة، وتحديداً في الشمال لم تنجح في انفلات الوضع الأمني، ليصبح حالة ثابتة في هذا التبدل السريع الذي تمرّ به المنطقة.. تفجير طرابلس عبر استحضار الخلاف المذهبي والثأرية التاريخية بين حيّي باب التبانة وجبل محسن لم ينجح في بقاء هذا الاشتعال قائماً، فضلاً عن تمدده لبقية أحياء طرابلس، ومنها طولاً وعرضاً في ربوع لبنان.. لم تكن الحكومة اللبنانية هي الوحيدة التي رفعت شعار النأي بالنفس عن الأحداث التي تمرّ بها سوريا، بل نجح الفلسطينيون في المخيمات الاثني عشر في لبنان، والتي يقطنها ما يربو على أربعمائة ألف فلسطيني، في النأي بأنفسهم عن الصراع الداخلي الذي تعيشه الطوائف والأحزاب اللبنانية، والذي هو صدى ارتدادات خاطفة وسريعة للزلزال الذي يضرب سوريا.. ربما سياسة النأي بالنفس لم تعجب من يعملون على خط التفجير في لبنان، لا سيما أن الورقة الفلسطينية ورقة رابحة بكل المقاييس لمن يريد إشعال الحريق، وعند الفلسطينيين من الملاحظات والانتقادات والاحتقانات تجاه المؤسسات الأمنية اللبنانية ما يكفي حتى تندفع غيظاً في هذا المخطط.. ما حصل في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين شمال لبنان، الجمعة الفائت لم يكن أمراً عرضياً، على الأقل، إذا ما استندنا إلى الروايتين اللتين وردتا على لسان المؤسسة العسكرية من ناحية، وتلك التي وردت على لسان الفصائل الفلسطينية من ناحية أخرى. فبيان المؤسسة العسكرية أكد أن "متضررين ومندسين" ساءهم التفاهمات التي توصل إليها الجيش اللبناني مع أهالي المخيم لتخفيف الطوق الأمني وإجراءات الدخول والخروج المفروضة على المخيم منذ أحداث فتح الإسلام في العام 2007، قبل عدة أيام، فعمدوا إلى توتير الأجواء بين الجيش وأهل المخيم عبر التحريض، مما أدى إلى وقوع الاشتباكات التي أودت بحياة شاب من المخيم، وجرح العشرات من الطرفين ، في حين جاءت رواية الفصائل الفلسطينية تحمل المؤسسة العسكرية كامل المسؤولية عن الأحداث وتطالبها بالكشف عن هؤلاء "المندسين والمتضررين" الذي تتحدث عنهم. والمتمعن ببيان الفصائل، وتصريحات قاداتها، يجد أن الفلسطينيين يعتقدون أن أفرادا داخل المؤسسة العسكرية غير منضبطين، ربما يمارسون نوعاً من العنصرية تجاه الفلسطينيين. والمراهنون على تمدد الحريق انطلاقاً من المخيمات الفلسطينية كانوا صائبين، إذ لم تمض ساعات قليلة على اندلاع المواجهات في مخيم نهر البارد شمالاً، حتى وصلت أصداؤها إلى مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا، جنوب العاصمة بيروت. فسقط قتيل وعدد من الجرحى إلا أن الروايات حول أسباب ومقتل أحد أفراد مخيم عين الحلوة كان أكثر وضوحاً في دخول أطراف من خارج أهالي المخيم والجيش اللبناني بهدف تحريض الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة على المؤسسة العسكرية لأسباب وغايات وأجندات لا تخدم أحدا في لبنان. ولولا حنكة القيادة العسكرية من ناحية ورباطة جأش الفصائل الفلسطينية التي تعض على الجرح من ناحية أخرى لكادت الأمور أن تنفلت في المخيمات وخارجها. والتجربة الفلسطينية خلال الحرب الأهلية ثرية، حيث كان أبو عمار لاعباً أساسيا في الحرب الداخلية وأبعادها الإقليمية، وإنّ زج المخيمات من جديد في صراع من هذا النوع قطعاً سيخطف لبنان لعقود قادمة على غرار ما مرّ به في الثمانينيات من القرن الماضي. تعلّم الفلسطينيون في لبنان ، رغم المرارة والظلم المجحف بحقهم والعنصرية الممارسة تجاههم من إخوانهم اللبنانيين، ألا يكرروا تجربة أبو عمار في لبنان. وقد أتتهم الفرصة أكثر من مرة، على الأقل، من أجل تحسين تفاوضهم مع الحكومة اللبنانية حول حقوقهم السياسية والاجتماعية إلا أنهم لم يفعلوا.. ومما يذكر في هذا المجال، أن الفصائل رغم تناحرها في الداخل الفلسطيني، واختلافها الشديد لا سيما بين حركتي فتح وحماس، إلا أنها في لبنان تكاد متفقة ومنسقة فيما بينها لما فيه مصلحة الفلسطيني أيا كان انتماؤه.. المطلوب لبنانياً وقومياً أن تعيد الحكومة تفعيل الحوار اللبناني الفلسطيني لتطمين الجميع ولسحب فتائل التشعيل التي تكاد تشتعل من تلقاء نفسها.

473

| 23 يونيو 2012

الرئيس اللبناني يخشى من الحريق السوري

قد يكون ما قاله رئيس الجمهورية لصحيفة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر في الثالث عشر من الشهر الجاري مفتاحاً لتشخيص الحالة الراهنة التي يعيشها لبنان الدولة والمجتمع اليوم.. الرئيس سليمان في معرض رده على سؤال طُرح حول سوريا قال: "الحريق قرب بيتي، يعني أنه قد يصل إليّ.. أكيد أنا خائف عليها". سليمان الذي انتهج لنفسه خطّاً بعيداً عن الانقسام العامودي في الحياة السياسية اللبنانية، التي قسمت الشارع إلى فسطاطين منذ 14 فبراير 2005، تاريخ اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، هما فريق 14 وفريق 8 آذار، يعلم أن الوضع خطير للغاية لأنه ينظر من مسافة قريبة إلى المستقبل القريب، أكثر من المكان الذي يقف عليه فريقا 8 و14 آذار الذي وصل الصراع بينهما فيما مضى حدّ الانفجار، تمثل بأحداث السابع من مايو عام 2008 حين اجتاح حزب الله بيروت، حاسماً المعركة عسكرياً مع خصمه، قبل أن يذهب الطرفان إلى "اتفاق الدوحة"، تحت وطأة الهزيمة لقوى 14 آذار ، ونشوة النصر لقوى 8 آذار. وكان لذلك تأثيره على ما تمّ التوافق عليه في الدوحة، إذ ما لبث أن نفض الطرفين أياديها من "اتفاق الدوحة" لتعود الحياة السياسية إلى تأزمها من جديد. لبنان اليوم مأزوم سياسياً، ولم تكن دعوة الرئيس سليمان، الذي نأى بنفسه عن هذا الانقسام، إلى الحوار الوطني الجامع سوى محاولة لنزع فتيل القنبلة الموقوتة. وما الانسجام الذي ولد بين الرئيس سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أول من رفع شعار الوسطية السياسية في لبنان، وانتهجها ثقافة في العمل السياسي إلا لبنة صلبة جذبت إليها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، بغض النظر عن موقفه من الأزمة السورية، حيث ابتعد الأخير عن 8 آذار دون أن يعود إلى حضن 14 آذار ، فكان في منزلة بين المنزلتين جاءت أقرب إلى محطة الرئيسين سليمان وميقاتي. هذه البنية الصلبة نسبياً، والتي تأسست على عجل، ودون تخطيط مسبق من أعضائها، شجعت الرئيس سليمان للدعوة إلى طاولة حوار. نجحت طاولة الحوار في جمع خصوم اليوم والأمس، تبادلا أطراف الحديث، ووزعا الابتسامات أمام عدسات الكاميرا، صامين آذانهم عن صدى صوت القنص القادم من أحياء طرابلس وعمليات الخطف المتبادل بين القرى اللبنانية على خلفية الولاء والخصومة للنظام السوري.. ما يحدث في سوريا محرقة، والحريق قاب قوسين أو أدنى من لبنان، كما قال الرئيس سليمان، بعد أن أكد مسؤول أممي أن سوريا انزلقت إلى حرب أهلية. ولبنان الخاصرة الرخوة في المنطقة هو أول من ستصله حرارة الحمى التي يلفظها البطن السوري، مهما حاولنا أن نشيح بأنفسنا عن ألسنة لهبها. نجح الرئيس في الدعوة للحوار وتحريك الماء الراكد، لكن هل نجح في سحب فتيل التفجير؟ سؤال كبير والإجابة عليه فيها الكثير من المجازفة لمن يتحرى الصدقية والمصداقية... الفرقاء السياسيون في لبنان مراهقون، ولا يدركون حقيقة اللهب القادم وقد أخذتهم نشوة الحراك، فأرادوا تجييش الشارع، أملاً في استباق ما سيهلّ به الوضع السوري على لبنان، لكن المجتمع اللبناني المتآكل بفعل الحقن الطائفي اليومي والرازح تحت نير الصعوبات الاقتصادية، يغلي صدره حنقاً وغيظاً على الجميع ما يؤجج الصراع ويجعله مفتوحاً على المجهول. الحقيقة أن الرئيس سليمان أطلق صرخة لم يتلقفها المعنيون بجدية، ولم يأخذوها على محمل الجد، لأنهم يعتقدون أنهم أتقنوا لعبة الموت والنجاة منها في كل مرة بمكسب جديد، مهما ارتفعت نسبة الأدرلين في عروقهم.. وظني أن هذا المرّة قد تكون المحرقة التي ستحرق البلد بمن فيه، والأمر لا مبالغة فيه، ومن يقارن سوريا اليوم بما كانت عليه قبل عام ونيف، يعلم أن لا شيء بعيدا ولا شيء مستحيلا..فهل يتعظ المعنيون؟ نرجو ذلك!

412

| 15 يونيو 2012

عن المارد السني في لبنان

استوقفني خلال الأسبوع الماضي حدثان سياسيان، يعكسان حراكاً اجتماعياً وسياسياً تعيشه الطائفة السنية في لبنان التي تعتبر من الطوائف الكبرى في البلد. وإن كان الحدثان لا يلتقيان البتة في مضمونيهما إلا أنهما يخدمان تصوراً واضحاً أساسه ارتفاع منسوب القلق لدى الطائفة السنية على حقوقها السياسية في بلد يزداد تماسكه الداخلي هشاشة على وقع الأحداث الدموية المتسارعة في البلد الشقيق سوريا. الحدث الأول يتمثل في الرسالة التي أبرق بها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى الرئيس اللبناني ميشال سليمان يوم الثلاثاء ما قبل الأخير جاء فيها: " المملكة العربية السعودية تتابع ببالغ القلق تطورات أحداث طرابلس خصوصا لجهة استهدافها لإحدى الطوائف الرئيسية التي يتكون منها النسيج الاجتماعي اللبناني"، مبدياً تخوفه من عودة شبح الحرب الأهلية إلى البلد. ولا يخفى على عاقل أن العاهل السعودي قصد برسالته الطائفة السنية. الحدث الثاني تمثل بتأسيس " هيئة علماء المسلمين في لبنان" التي تم الإعلان عنه في التاسع والعشرين من الشهر المنصرم في بيروت بحضور ما يزيد على 350 عالما سنيا من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية. وحدد بيان التأسيس أهداف الهيئة في 13 بندا، لكن ما يهمنا من هذه البنود هو ما يسلط الضوء على الحيثية التي نناقشها في المقال، ونلخصها فيما يلي: * إيجاد إطار جامع للعلماء المسلمين في لبنان، يوحّد صفوفهم، ويسدّد جهودهم، ويجمع كلمتهم. * ترشيد الخطاب الدينيّ على الساحة الإسلاميّة في لبنان. * الحفاظ على هويّة أهل السنّة والجماعة في لبنان، وخدمة قضاياهم، وتبنّي مصالحهم، والدفاع عن حقوقهم، والمساهمة في حماية دورهم وتعزيز مواقعهم. * تفعيل مؤسّسات المسلمين في لبنان وتطويرها، وعلى رأسها دار الفتوى والمجلس الشرعيّ. * رفض الاستغلال السياسيّ للمسلمين، عبر تأجيج العصبيّة الطائفيّة عندهم، لتحويلهم إلى طائفة، بعد أن كانوا أمّة. والتصدّي للتوقيف السياسيّ، والتعذيب والتنكيل، وتعطيل المحاكمات. * نصرة "ثورات الربيع العربيّ، خاصة الثورة السورية المباركة". وبنظرة خاطفة وسريعة على ما سبق من بنود ندرك مسألتين جديدتين طرأتا على الخطاب السني، الدعوة إلى توحيد جميع أطياف المجتمع السني والتفافه حول من يوحد الطائفة، ويحمي حقوقها السياسية، إعلان دعمها المطلق للمعارضة السورية في مواجهة نظام الأسد. فهل خرج المارد السني من القمقم كما يرى البعض؟ وعلى يدّ من؟ ومن سيحمل راية المرحلة المقبلة؟ لا شك أن جملة الأسئلة السابقة تحتاج إلى إمعان وتفكير قبل الإجابة عليها، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الحديث عن طائفة ما وحقوقها، لا يمكن فصله عن المناخ الطائفي الذي يعيشه المجتمع اللبناني. كما أن حديثا من هذا النوع يثير القلق والغضب عند فئات الطوائف الأخرى التي قد تعتبر الخوض في مواضيع من هذا النوع هو استهداف غير مباشر للطوائف الأخرى وحصصها وحجمها ونفوذها السياسي في الحكومة ومؤسسات الدولة. ولا يعنيني في هذا المقام آثاره النعرة الطائفية ولا التحدث باسم طائفة، أو عنها من منطلق فئوي بتاتاً، بل ما يهمني بهذا الخصوص تشخيص الحالة السنية التي انتمي لها بحكم الدين والمجتمع وفق معيار الانتماء للوطن الجامع لكل طوائفه ومناطقه. ولا بد هنا، من الاعتراف بوجود أزمة تعيشها الطائفة السنية. وإنكار ذلك لا يخدم مصلحة المعنيين ببناء الوطن، إذ ليس من الحكمة تغطية المشكلة والتعمية عليها أو القفز فوقها وكأن شيئاً لم يكن. ثم إن الحديث عن مشاكل وهواجس طائفة ما ليس بالضرورة تمييز أو انتقاص لها بين الطوائف المشكلة لفسيفساء المجتمع اللبناني. وتبرز أزمة الطائفة في عدم وجود قيادات سياسية قادرة على جمعها وتوحيدها، في الوقت الذي تكثر التحديات التي توجهها سواء لجهة الوضع الداخلي والأزمة السياسية المفتوحة أو لجهة الوضع في سوريا والذي ينعكس بقوة على الواقع اللبناني. وإزاء هذا فإن ما يتقدم لتشكيل المزاج العام هو الصوت الديني في حين يتراجع الصوت السياسي، وهذا ينعكس بشكل واضح على الدعم المتنامي للفكر السلفي وقياداته خصوصا في مناطق الشمال حيث الثقل السني، في حين يتراجع الدعم الذي كانت تحظى به الأحزاب السياسية.

1115

| 02 يونيو 2012

الجيش اللبناني الحر

من يراقب، في لبنان، الحراك الشعبي في قطع الطرقات وحرق الدواليب، والتصريحات السياسية والدينية خلال الأيام القليلة الماضية، يصل لقناعة أن الشعب اللبناني شعبٌ مأزوم على صعد كثيرة، وإن نبأ الصعيد الطائفي متقدم على الصعد الأخرى. ولـ"الطائفية" إيقاع موسيقي ساحر، حين يذكرها اللبناني إعجابا أو ذماً، فهي بمثابة الدينامو الذي يشعل كلّ طاقاته ويحولها لثورة غضب أو حماس. و"الطائفية" ليست عند اللبناني، نزعة غريزية بدائية في حياته الاجتماعية، وإنما فلسفة حياة، يرى الدنيا من خلالها، ويتعاطى مع شريكه في الوطن، انطلاقاً من قيمها وأحكامها. وبها يفسر كلّ تناقضات وتوافقات التاريخ. وتماشياً مع المنطق الطائفي الذي يضفي القداسة على كل سلوك قد تقوم به، يصبح المواقف السياسية حقاً لا يقبل الجدل، ولا يتحمل النقد، ولا يجوز التوقف أو التردد في تبنيه أو رفضه، ويصبح الخصم السياسي عدواً لا يمكن التهاون معه، أو القبول به. والتفاوض معه خيانة للطائفة، ولاحقاً خيانة للوطن، لأنه يفتقد الوطنية. وحتى لا نضيع في متاهة الطائفية وفلسفتها، رغبت في التركيز على منطق من منظومتها الفكرية بدأ يروج في الشارع اللبناني، وتحديداً لدى الطائفة السنية، التي يشرفني الانتماء لها. "السلاح في وجه السلاح" هو آخر ما تفتقت عنه قريحة "الطائفيين" والمنظرين. والقاعدة الآنفة الذكر، طرحها البعض داخل الساحة السنية سبيلاً للحدّ من هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية، وحماية لحقوق الطائفة من الإلغاء أو التهميش أو الانتقاص. وقد وصل الصوت ببعض علماء السنة رداً على اغتيال الشيخ أحمد عبدالواحد قبل أيام في بلدة الكويخات في عكار أن دعا إلى تشكيل "الجيش اللبناني الحر" حماية لأهل السنة من المد الشيعي على غرار "الجيش السوري الحرّ"، مع ما يحمل هذا التناغم في التسمية من تأويلات للأزمة السورية وتصويرها وكأنها حرب إلغاء بين طائفتين. فهل الحل هو حمل السلاح في وجه السلاح؟. جربنا السلاح في 7 مايو 2008، وخضنا حرباً أهلية انتهت بهزيمة نكراء لتيار المستقبل الذي خاض المعركة بناء على معادلة "السلاح لا يردعه إلا السلاح". ولم يكن بعدها أمام الجميع سوى الذهاب إلى اتفاق الدوحة 2008. يقرّ مناصرو المستقبل قبل غيرهم أن اتفاق الدوحة أعطى حزب الله وفريقه السياسي حق "الثلث المعطل" في الحكومة مما سمح بتعطيل عمل الحكومة وشلها قبل أن يتم الانقلاب عليها في الشارع تنقلب قوى 8 مارس على الحكومة فتسقطها في الشارع. فهل ما حدث، كان ليحدث، لو ذهب "المستقبل" إلى خيار غير السلاح للحصول على ما يريد يومها؟ اليوم ومع الجرح النازف في سوريا، والشعور العام لدى الشارع السني أن الطائفة مستهدفة لأنها تدعم المعارضة السورية، ينحصر صوت الاعتدال داخل الطائفة لصالح صوت التشدد والانغلاق والإلغاء. ويصبح المناداة بتأسيس "الجيش اللبناني الحرّ" بديلاً للجيش اللبناني مطلباً شعبياً، ما يستعيد ذكريات الحرب الأهلية ومشاريع التقسيم والفيدراليات في الثمانينيات. وقد بلغت الخطورة حداً أن وزير الداخلية مروان شربل في مؤتمره الصحفي الأخير قال إن البلد يتجه نحو التقسيم إذا ما استمرت الأوضاع دون علاج. لاشك عندي أن القوة لا تواجه بالقوة في بناء الأوطان، وإنما بالحوار والإصرار عليه. ويحضرني هنا ما خلص إليه الشيخ أحمد الأسير، وهو ظاهرة سلفية حديثة يلتف حوله غالبية الشارع السلفي في لبنان، فهو يرفض حمل السلاح واللجوء إليه في مواجهة طرف لبناني يحمل السلاح. ويقترح الأسير اللجوء إلى الاحتجاجات السلمية لأنها الأجدى والأكثر نفعاً للقضية التي قد يحملها المرء، وهذا أمر جُرّب، حيث نفعت الاعتصامات التي جرت في ساحة النور في طرابلس لإخراج الموقوف شادي المولوي خلال أيام قليلة من توقيفه على يد الأمن العام اللبناني الذي قال عنه إنه يحمل شفيرة تنظيم القاعدة في الوقت الذي يرى وزير الداخلية أن الإفراج عنه جاء لانتفاء التهم الموجهة إليه. فهل سننصت لصوت العقل، وننحاز إلى "الوسطية" التي يحاربها الجميع؟.

819

| 26 مايو 2012

أنا لبناني.. أنا طائفي

ربما هدأت الأوضاع في مدينة طرابلس شمال لبنان.. ربما لا.. لم يعد هناك فرق، حقيقة، لمن يتابع أحداث باب التبانة وجبل محسن، بزواريبها الضيقة التي يشتهر صيتها أكثر مما يشتهر علماء المدينة ومفكروها في الفضاء العربي.فلا مزية إذا ما توقف نزيف الدم، كما لا فضيلة تستحق الذكر لدى من يحمل بندقية ويصوب نحو جاره الذي يسكن على بعد أمتار من منزله، طالما أن القاتل لا يدري لما يقتل، ولا المقتول يعلم فيما قتل. حال يتكرر عند كل خلاف سياسي بين الزعماء والقادة السياسيون.. وذرائع التفجير كثيرة ومتنوعة وخصبة لا يعقم رحمها.. وأي مفاجأة قد يحملها انفجار الوضع الأمني في طرابلس في ظل الأحداث التي تشهدها المناطق اللبنانية كافة من خطف واعتصامات وقطع طرقات، وغياب واضح لهيبة الدولة ومؤسساتها؟ لم تعد الخطورة تكمن في بورصة عدد القتلى والجرحى يومياً، ولا في استعمال الأسلحة الثقيلة مثل "سلاح الهاون" في مدينة مكتظة بالسكان، وضمن خمسة كيلومترات مربع على أبعد تقدير.. لم يعد يهم كيف بدأت المعركة.. ومن حركها.. ومن استثمر فيها؟ كل ذلك لم يعد يهم.. فالمدينة أصبحت رمزاً لصراع الديوك، ومحطة بريد للرسائل العابرة بين الأحزاب الداخلية من جهة، والأقطاب الإقليمية المتصارعة من جهة أخرى. حال اعتدنا عليها، نحن اللبنانيين، حتى أضحى سائلنا يقول، حين يتراشق السياسيون بالكلمات اللاذعة، ويعلو صوت التهديد والوعيد: متى ينفجر الوضع بين "باب التبانة " و"جبل محسن"؟ ولعل ما يمكن استنباطه في أحداث طرابلس التي لم تنته، كما أعتقد، ولا أظن أنها ستنتهي، حتى لو برد سطحها لأن الجمر لن ينطفئ طالما يجد ما يستعر به.اعتدنا أن تكون مدينة طرابلس الخاصرة الرخوة من بين المدن والمناطق اللبنانية عند هجوم أي مرض للجسم اللبناني، إلا أن الخطورة اليوم لم تعد تنحصر في تداعيات وملابسات الأحداث في طرابلس وإنما فيما ترسله هذا الأحداث من إنذارات وأمارات تذكرنا بالإمارات التي تسردها الكتب المقدسة لتأكيد نبوءة أو تحذير من انتقام سماوي.أخشى ما أخشاه أن تتحول أحداث طرابلس اليوم لتكون أمارة وعلامة لما هو قادم لكل لبنان وليس لمنطقة أو مدينة أو قرية فيه.. فما يشهده لبنان اليوم شبيه إلى حد بعيد بما كان عليه الوضع عشية اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975 والتي دامت قرنين ومازالت تداعياتها قائمة إلى يومنا هذا. ولعل التشابه الكبير بين الحالة الاجتماعية اليوم وما كانت عليه أيام 1975 تنذر بإرهاصات مخيفة من أن تعود الحرب وبسخونة أكبر بكثير مما كانت عليه في حينها. وعودتها اليوم ستكون أكثر شراسة وقبحاً مما كانت عليه لأن اللبناني اكتسب خبرة، ويا للأسف، في حرق الأخضر واليابس وفي توليد الحجج والمبررات لأي قذارة قد يرتكبها في حق أهله ووطنه.لم يعد لصوت "الاعتدال" مكان في لبنان، ولم يعد هناك فئة تدعمه، وحال أهله – أي الاعتدال - في المجتمع اليوم كحال الطبقات الاجتماعية المتوسطة التي تم القضاء عليها وسحقها تماما خلال الحرب وبعدها، حتى انقسم البلد بين فئتين، إحداها غنية، وهي فئة قليلة، وأخرى فقيرة، وهي الأغلبية الساحقة من المجتمع.نفتقد اليوم في لبنان "صوت العقل " كما نفتقد " المواطن".. أما الأغلبية الصامتة بالمجتمع فهي منكفئة على ذاتها بعد أن أصابها اليأس من التغيير، حتى علا صوت التطرف المذهبي والطائفي، وساد من له الغلبة المالية والحزبية على الغالبية الغائبة، متسلحاً بأفكار إقصائية وإلغائية شديدة التطرف.فلمصلحة من تسقط الدماء؟ وما الهدف الأسمى الذي يجعل أهل البيت الواحد يتقاتلون؟ ومن المستفيد من عودة الحرب الأهلية إلى لبنان؟ أسئلة قد نعجز يوماً في إيجاد أجوبة لها، طالما أننا نعيش أفراداً وجماعات في كنتونات ثقافية واجتماعية نُسميها، تلطفا، "الطائفية ".

856

| 18 مايو 2012

لبنان وقطع الطرق

في جميع دول العالم تتجه المجتمعات من التخلف نحو التحضر، أو من التحضر نحو الأكثر تحضراً، في عملية تصاعدية، يرتقي فيها الإنسان بمفاهيمه حول القيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وهي سُنّة اجتماعية لازمت الإنسان منذ أن استوطن الأرض، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها. وكعادة القواعد العامة التي تجد لها شواذاً بين الفينة والأخرى، ربما يكون المجتمع اللبناني استثناء للسُنّة الاجتماعية الارتقائية التي تحدثنا عنها. ما يعنيني في هذا المجال تشخيص المجتمع اللبناني الذي كان ينقسم، قبل اندلاع الحرب اللبنانية،إلى ثلاث طبقات، طبقة الأغنياء وما تحمله من قيم أغلبها احتكارية واستعلائية وهي فئة قليلة، يقابلها طبقة الفقراء مع ما تحمله من قيم التسامح والتوكل والإيثار فيما بينها وعلى بساطة من العيش، وهي فئة قليلة وإن كانت أكثر عدداً من فئة الأغنياء، وبين الطبقتين فئة متوسطي الحال أو "الطبقة الوسطى"، وهي الأوسع والأكثر انتشاراً في الجغرافيا اللبنانية، وتتميز قيمها الاجتماعية والاقتصادية بالاعتدال والتوسط، فلا إيثار مطلق ولا احتكار فج،لدى أفرادها قيم اجتماعية غير معقدة، يتداخل فيها المثقف مع الموظف مع المزارع الميسور الحال إلى غير ذلك. خلال الحرب وبعدها وحتى يومنا هذا، تعددت الطبقات الاجتماعية في لبنان أفقيا وعامودياً، فتجد طبقة الفقراء ودونها طبقات تصل إلى "معدومي الحال" ممن لا يجدون قوت يوم كامل، ولا سكن ثابت، وتجد "طبقة الأغنياء"، وفوقها طبقات تصل إلى فئة الملياردرية المتنفذة في المال والسلطة في لبنان وخارجه، في حين تلاشت "الطبقة المتوسطة" لصالح طبقات الفقراء، في حين قلة فقط منها التحق بركب طبقات الأغنياء. وسط هذا التمزق لطبقات المجتمع الثلاث، تعم المجتمع اللبناني في مدنه وأريافه،اليوم، ظاهرة قلما يلتفت لها الناس، وهي ظاهرة "قطع الطرق" لإظهار الامتعاض، أو المطالبة بحق ما. خلال الحرب اللبنانية بين الطوائف والأحزاب، كان "قطع الطرق" أحد أساليب المقاتلين في إظهار حضورهم ونفوذهم، ووسيلة في تحصيل المال عبر المكوس التي تفرض على العابرين. وقد تطور مفهوم "قطع الطرق"، مع تطور اللبنانيين لمفهوم الحرب والسيادة، وتحول المسمى إلى اسم "الأمن الذاتي" أو "المربعات الأمنية" في إشارة إلى المناطق والأحياء والشوارع التي تحيط بأماكن المسؤولين في الدولة وبعض الأحزاب، حيث يعمد الأمن الذاتي التابع للشخصيات السياسية، وما أكثرها، إلى قطع هذه الشوارع بحجة حماية الشخصية السياسية، حتى لو أدى قطع الشارع إلى ازدحام مروري خانق، يعاني منها المواطن. ما نلاحظه اليوم أن ظاهرة "قطع الطرق" تحولت إلى مفهوم ثقافي واجتماعي في المجتمع اللبناني حيث لم تعد تقتصر على الأحزاب والمليشيات المسلحة أو أمن الزعماء والسياسيين بل تغلغلت إلى جميع قطاع وفئات المجتمع اللبناني. فلا تعجب إذا أخبرتك أنه قبل فترة، عمد أساتذة المدارس ومتعاقدوها إلى قطع الطرقات العامة في طرابلس للضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبهم. كما أن المدافعين عن حقوق الموقوفين الإسلاميين في السجون لجؤوا إلى قطع الطرقات والاستيطان في الساحات العامة لإعلاء الصوت في وجه الحكومة من أجل موقوفيهم. ثم ما قام به هذا الأسبوع سكان "جلّ – الديب" على طريق بيروت – طرابلس الشام، حيث قطعوا الطريق العام، احتجاجا على عدم بناء الدولة لهم جسرا، بدلاً من ذاك الذي أزالته الحكومة من أجل تخفيف الزحمة، ما دفع العابرين للطريق العام، الذي يتسع لعشرة خطوط على المسارين، أن يترجلوا من سياراتهم ويعبروا الحواجز المنصوبة من قبل الأهالي على أرجلهم، في ظاهرة مصغرة لمشهد يوم القيامة. الأمر نفسه تكرر قبل أسبوعين على الطريق الدولية التي تصل البقاع ودمشق ببيروت،ما يعني أننا أمام ظاهرة تقطيع المناطق والمحافظات والمدن من قبل المجتمع أو الشعب نفسه، وأن الأمر لم يعد يقتصر على حاملي السلاح والمحاربين وإنما طال المجتمع كله بكل فئاته وعلى رأسهم النخب الثقافية.. أمر مخيف حقاً أن نصل إلى قناعة أن "قطع الطرق" السبيل الوحيد لتعيش بكرامة وعزة في بلد فيه من المشاكل والتحديات ما تعجز عنه أموال قارون.

387

| 11 مايو 2012

العراق إلى أين؟

انطلقت يوم الخميس محاكمة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بتهم تتعلق بالإرهاب رغم أن الرجل لم ترفع عنه الحصانة النيابية، ولم يصوت مجلس النواب أصلاً على رفع الحصانة عنه. وهذا أمر يسجل سابقة تاريخية في محاكمة السياسيين، ويعزز النقاش حول تسييس المحكمة وكيديتها، وإلا كيف نفهم انعقادها قبيل انعقاد "الملتقى الوطني" أو "الاجتماع الوطني" الذي يحضر له أغلب قادة الأحزاب في العراق لحل الأزمة القائمة في البلاد؟ ويا ليت الأمر يقتصر على محاكمة الهاشمي، المشكِك في صحة الاتهامات الموجهة له أصلاً، وإنما تنطلق بعد إقصاء نوري المالكي لنائبه صالح المطلك على خلفية وصف الأخير له بالدكتاتور المتفرد في الحكم والسلطة. وهو ما يشعر المراقب بالاستهداف السياسي لقيادات بعينها في المشهد العراقي. وإذا ما عدنا بالذاكرة قليلاً، نجد الانقلاب على الدستور في الانتخابات السابقة التي أعطت الأكثرية لرئيس القائمة العراقية إياد علاوي. وكان من حق الأخير تشكيل الحكومة بنص الدستور لولا التحايل على النصوص التي أوصلت المالكي إلى رئاسة الحكومة بعد دعم الكتلة الصدرية له. وبعد أن تجاوزت القائمة العراقية الموضوع، ودخلت في نقاش جدي مع التحالف الوطني من أجل بناء "دولة القانون" التي ينادي بها المالكي، وقد أفضى النقاش الذي دار بين الكتل السياسية جميعا في أربيل إلى تشكيل "مجلس السياسات الاستراتيجية" على أن يترأسه، رئيس القائمة العراقية إياد علاوي كتعويض له عن خسارته رئاسة الحكومة، ودليل من المالكي على رغبته في إشراك جميع مكونات الطيف السياسي في إدارة الدولة، حصل الانقلاب على تلك التفاهمات. وزاد الطين بلّة استمرار المالكي في السيطرة على حقيبتي الداخلية والدفاع، وكذلك القضاء، وبات كل شيء بيديه، على حد وصف حليفه في الحكم رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني. الخطورة اليوم ليست في الخلاف السياسي القائم أصلاً، ولا في امتعاض كل من بارزاني والصدر، وهما حليفان للمالكي، وإنما فيما وصلت إليه الأمور في العراق من تأزم تخطت حدود الاشتباك السياسي للحديث عن توجه البلاد نحو الفيدرالية والتقسيم بعد قرار مجلسي محافظتي صلاح الدين وديالي بتحويل المحافظتين إلى إقليمين مستقلين. وقرار مجلسي صلاح الدين وديالي لم يأخذ زخماً جدياً، لولا تلويح برزاني قبل أيام بانفصال الإقليم كلياً عن العراق في الانتخابات القادمة، في حال لم تسوى الخلافات بين أربيل وبغداد، حول قانون النفط والغاز وقضايا أخرى، وصولاً إلى إسقاط حكومة المالكي نفسها. طرح الفيدرالية أو التقسيم لم يأت من فراغ، طالما أن مكونات دينية وسياسية وصلت لقناعة بأن آخر الدواء الكيّ، وأنه لا بد من تجرع السمّ إذا كان لا بد منه، بعد أن فشلت كل الجهود لإقناع القوى السياسية الحاكمة فعليا في العراق بضرورة إشراك الأفرقاء الآخرين، وكذلك الأقليات في بناء دولة العراق. والأنكى من ذلك أن التشرذم بدأ يأخذ طابعاً طائفياً مدعوماً خارجياً، فإيران حليف قوي للمالكي، وهي لم تألو جهداً في حمايته والحفاوة به. وفي هذا السياق تأتي تصريحات نائب الرئيس الإيراني الذي دعا المالكي لبناء اتحاد بين العراق وإيران في وقت يعجز المالكي عن إقناع شركائه في البلد الواحد بالموافقة على سياساته، كما أن الهاشمي الطريد وبرزاني القلق على قوميته وإقليمه، يدفعهما معا، إلى جانب مكونات سنية مطاردة أيضاً، للارتماء بالحضن التركي لحماية حقوقهم، الأمر الذي قد يأخذ منحى طائفياً إن لم يكن أصلاً نشأ طائفياً. وهذا يأتي في إطار لعبة أكبر بكثير من طاقة الشعب العراقي وقياداته السياسية على تحمله. ولعل خارطة الطريق التي حملها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى أربيل لبدء "الملتقى الوطني" الجامع قد تخفف من غلواء هذا التوجه، شريطة أن يقدم السياسيون، لاسيَّما النفاذون منهم، مصالح العراق العليا على المحاصصة وتقاسم النفوذ.

380

| 03 مايو 2012

في حيّنا ربيع

لم يمر ربيع على الوطن العربي منذ رسم "الأخ سام " جغرافيته السياسية مثل الربيع الذي نعيش فصوله المتعددة التي طغت على ما جاء بعده من فصول مستأنفاً ولادته من جديد مع ربيع العام 2012.. ربيع أعطى للشعب العربي شعوراً بالاعتزاز وأملاً بالحياة. وفوق ذلك أكد له أنه شعب حيّ، مهما علا غبار الزمن أو تمادى طغاة العصر، فهو قادر على إنتاج نفسه وتجديد حياته.. ربيع لم يترك حارة، ولا زقاق إلا وفاح عبيره فيه في كل من تونس الخضراء وأرض الكنانة واليمن السعيد وهناك وهنالك. يوم كان المصريون يزحفون إلى يوم حشرهم في ميدان التحرير العام الماضي، كنت أعض على أناملي متسائلاً: لماذا لا يكون لنا ربيع في لبنان؟ ألسنا نحن وهم وغيرهم من بني العرب أخوة في الأفراح والأتراح؟ كنت أعلم أن الطائفية الاجتماعية والسياسية والجغرافية في لبنان قد أطبقت على الشعب اللبناني، وأصبحت أصل هويته ومؤشر بوصلته، وأنه لا يمكن لنا بحال أن نتخطّاها، لأن المواطن والحاكم، سواء بسواء، يعملان على إنتاجها وتغذيتها وتجديدها والعيش فيها كشرنقة نرى كل شيء ونحكم على أي شيء من خلالها. حزنت يومها كثيراً وتمنيت لأول مرة في حياتي ألا أكون لبنانياً.. أن أكون مصرياً أو تونسياً أو يمنياً أفضل.. سأشعر حينها بعزة التمرد والانعتاق من قيود الطغاة. وتحت صدى رجع الشعار الذي خرج من جوانب شارع بورقيبة في تونس، ومن تشققات حجارة أبو الهول في مصر "الشعب يريد إسقاط النظام " حاول البعض في لبنان أن يتحرك تحت مسمى "الشعب يريد إسقاط الطائفية" لأنه لا يوجد نظام حاكم أصلاً. لم يكتب لمولودهم الحياة، فالطائفية ليست نظاماً يحكم، إنما طريقة حياة يعيشها اللبناني بحواسه ويدمن فكرها. ومرّ عام، ولم يمر الربيع، ويئسنا من مروره حتى طرق حيّنا "ربيع طرابلس". وإليكم القصة. تملكني الذهول حين أوقفني شاب يحمل منشورات على قارعة الطريق وأنا أقود سيارتي في أحد أحياء طرابلس حيث أسكن.. لم يكن من عادتي التوقف أمام أي "موزع مناشير "، لأن الأمر برمته بات ظاهرة مزعجة في المدينة، فالإعلانات ودعايات "حيتان المال" واللاهثين للّحاق بركب من سبق في طابور الربح السريع يلاحقوننا " زنقة زنقة.. دار دار" إلا أنني توقفت أمام الشاب الذي رمقني ببصره قبل أن أصل إليه بسيارتي.. وجدت نفسي واقفاً أمامه.. مد يدّه إليّ بمنشور دون أن يتكلم.. قلت في نفسي، وأنا آخذ المنشور، سأرميه عند أول مكبّ للنفايات.. لم أفعل.. فضولي وحشريتي الصحفية دفعتني لقراءته عقب إمساكه.. إنها دعوة لاعتصام في إحدى ساحات المدينة دفاعاً عن "الموقوفين الإسلاميين" في السجون اللبنانية.. التوقيع " ربيع طرابلس". كنت علمت أن تحركاً ما في الشارع خلال الأسابيع الماضية تقوده مجموعة من ناشطي الفيسبوك تحت مسمى "ربيع طرابلس" قد افتتحت لها صفحة على موقع التواصل الاجتماعي المعروف.. وإن كنت تحمست لهم، إلا أني قد أصدرت حكماً أن الأمر لا يعدو كونه عنفوانا شبابيا تحركه العواطف الجياشة والحماسة المفرطة لشباب لم يتعاركوا بعد مع الحياة الواقعية وقساوتها التي لا تطاق، فأطلقوا العنان لأحلامهم الوردية في بلد، عذرية طبيعته بجماله الرباني قد سلبت لصالح المدنية المشوهة والربح السريع. حتى يوم إعلان "ربيع طرابلس" تاريخ ميلاده السابع عشر من شهر مارس، كان الحضور متواضعاً. ولم تكن الصحافة المحلية مقصرة بحقه أصلاً فخرجت بعناوين مثل " انطلاقة متواضعة لربيع طرابلس"، "انطلاقة ضعيفة"، وكأن الصحافة تتشفى كما يتشفى السياسيون بظاهرة تزاحمهم في ميادينهم. ثم كان لبلدية طرابلس يد المشاركة، فعدمت خلال 24 ساعة فقط إلى إزالة يافطات لـ"ربيع طرابلس" زرعت في جميع أحياء المدينة تستنكر التهميش والإقصاء والسرقات وتطالب بحقوق المدينة وشبابها. فهل نعيش في لبنان زمناً تم اختزال الربيع من فصوله المتعاقبة.. أم لا يزال الأمل يعقد بقدوم فصل جديد طالما أن هناك شباباً يتأففون من الحال حتى لو كان من المحال تغييره؟! د.محمد مصطفى علوش (إعلامي وكاتب لبناني)

384

| 21 أبريل 2012

الإخوان ورئاسة مصر

هل وفقت حركة الإخوان في مصر بترشيح المهندس خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية؟ سؤال يشغل بال كثير من المتابعين والحريصين على المستقبل السياسي للحركة التي تعرضت إلى طعنتين في تاريخها السياسي، الأولى على يد جمال عبدالناصر بعد وصوله للسلطة، والثانية على يد محمد أنور السادات الذي تحالف معها في بداية مشواره السياسي، ثم تفرغ لإقصائها وضربها بعد أن قضى على خصومه من اليساريين، في حين أن الرئيس محمد حسني مبارك لم يكن يحب الإخوان، ولم يثق بهم، ولم يقربهم، وكان أكثر الرؤساء تحذيراً من وصولهم للسلطة. اليوم قد يتكرر المشهد نفسه مع المجلس العسكري الذي تخرج منه الرؤساء الثلاثة آنفي الذكر. وإذا صحّ –وهو الأغلب – أن المجلس العسكري قد بعث برسالة غير مباشرة للإخوان أو حذرهم من تكرار تجارب الماضي فيما لو قرروا الانقلاب أو ضغطوا عليه فهل كان الأنسب أمام هذا التحدي هو ترشيح خيرت الشاطر؟ قالها الإخوان وأعلنوها: ترشيح خيرت الشاطر، بعد أن تعهدوا بعدم ترشيح أحد للرئاسة، سببه القلق على ثورة مصر من الإجهاض بعد أن تبين لهم أن مشروعا يُعدّ لإعادة الشعب المصري إلى القفص. المتهمون في القضية هم أفراد المجلس العسكري وفلول الحزب الوطني وقيادات سابقة في حكم مبارك، هذا ما يهمس به الإخوان، وإن لم يفصح عنه بشكل واضح. وإذا كان من حق الإخوان، كما من حق غيرهم، ترشيح من يشاءون للسلطة، إلا أني أظن أنهم أخطأوا من جهتين، الأولى نكسهم للعهد الذي قدموه للشعب المصري وقواه السياسية في مطلق الأحوال. وحتى لو سلمنا جدلاً بأن مخططاً شريراً تتعرض له الثورة، فما كان بالإخوان أصلاً أن يتسرعوا إعلان عدم نيتهم ترشيح أحد للرئاسة، لأن أيّ قارئ سياسي يدرك أن أيّ ثورة تقوم سوف تتعرض لثورة مضادة، ومصر ليست بدعاً في هذا. الجهة الثانية تكمن في ترشيح خيرت الشاطر نفسه، والاعتراض ليس على شخصه أو سلوكه، إذ إن الرجل معروف بنجاحه الباهر في عالم الأعمال، ومصداقيته داخل الجماعة لا غبار عليها، لكنّ عيبه أنه كان ولا يزال نائب المرشد العام للإخوان، وأنه نفذ عقوبة السجن، والمعروف عنه الانتماء للتيار المتشدد داخل الجماعة. ويشكل ما سبق إشكالية حقيقة ستنعكس، ولابد، على مستقبل حركة الإخوان، سواء وصل الشاطر لسدة الرئاسة أو فشل، وإن كان الأرجح هو وصوله، بعد تحالف السلفيين مع الإخوان في دعمه للرئاسة. فالرجل يعتبر أحد أبرز القيادات في الجماعة بعد المرشد الدكتور محمد بديع، وإن أيّ خطأ أو فشل سيرتكبه، وهو وارد جدا، سيعتبر خطأ الجماعة وليس خطأ شخص في الجماعة، نظراً لحجمه ونفوذه داخلها. وكان الأولى بالإخوان، في حال أصروا على ترشيد أحد، أن يرشحوا شخصاً من خارج مكتب الإرشاد أصلاً، كأن يكون من حزب الحرية والعدالة، ومن غير الصف الأول، وذلك لضرورة الفصل بين جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة فكرية دينية، لا هوية وطنية لها ولا هي تريد ذلك، ولدت في مصر لكن حضورها لا ينحصر داخل الحدود الجغرافية لمصر، وبين حزب الحرية والعدالة، وهو حزب سياسي مصري غير فئوي ولا مذهبي، أو هكذا أُريد له أن يكون. ومن هنا لو كان المرشح من الحزب لكان فشله في الوصول للرئاسة، أو خطؤه في إدارة البلد، سيعود بالضرر على الحزب أكثر من عودته بالضرورة على صورة الجماعة في الداخل والخارج. هذا ناهيك عن الاتهامات الأخرى للجماعة بالهيمنة على المشهد السياسي المصري وفرض نفسها وصية على الشعب والسعي لتفتيت أصوات الإسلاميين، إلى غير ذلك من الاتهامات التي تكال للجماعة بعد عزمها ترشيح قيادي منها لرئاسة الدولة.

669

| 14 أبريل 2012

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4227

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1872

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1770

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1611

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1422

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1161

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

903

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

663

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

630

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

552

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
المقاومة برصاص القلم

ليس بكاتب، إنما مقاوم فلسطيني حر، احترف تصويب...

501

| 03 ديسمبر 2025

أخبار محلية