رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كل ما ذكرناه فى المقالات السابقة لا يعنى أننا يمكن أن نعمم ما جاء فيهم من سلبيات من بخل وجشع واستغلال لحاجة الناس ومرضهم بالإضافة إلى حب التفاخر والظهور بما ليس فيهم بغية إقناع الناس بعلمهم الواسع وخبراتهم الغير مسبوقة .. فلا يمكن أن نعمم أى شئ على كل الناس .. والإنصاف يقتضى أن نقر أنه يوجد نمط آخر من الأطباء - وإن كنت أعترف أنهم قلة – تجدهم يثبتون أن الخير باق إلى يوم الدين وهم ما يمكننى بكل ثقة أن أقول عنهم أنهم أطباء وسطيون .. وهؤلاء ستجد أن عياداتهم مؤثثة بشكل بسيط وأنيق فى نفس الوقت ويغلب عليها طابع النظافة والهدوء .. ويحددون قيمة الكشف بما يطيقه معظم الناس من متوسطى الحال .. وتظل قيمة الكشف ثابتة دون زيادة لعدد من السنوات حتى لا يثقل على الناس .. بل وصل الحال ببعضهم أنه يخصص يوما فى الأسبوع لتوقيع الكشف المجانى على الفقراء ممن لا يملكون للطبيب سوى الدعاء الذى ولابد – بطبيعة الحال - أن يتقبله الله ويجعله فى ميزان حسناته .. هذا النوع من الأطباء لا يطلب أشعة أو تحاليل إلا عند الضرورة القصوى وبالقدر الذى يساعده على تشخيص المرض دون زيادة .. ولقد سمعت عن أطباء يعطون بعض المرضى عينات دوائية مجانية مما يحضره مندوبو شركات الأدوية لهم .. ويتناقل البعض أن عمل الخير وصل ببعض الأطباء لدرجة أنهم يشترون الأدوية لبعض مرضاهم من البسطاء والفقراء الغير قادرين . وهناك أطباء لا ينسون أبدا أهليهم فى القرى والمدن الصغيرة أوالأحياء الشعبية الفقيرة التى نشأوا فيها فتظل عياداتهم البسيطة فى تلك الأحياء أو هاتيك القرى والمدن مفتوحة يترددون عليها فى مواعيد محددة ويناظرون البسطاء والفقراء من الناس بمقابل بسيط أو دون مقابل كما أسلفنا . هؤلاء أطباء عاهدوا الله على أن يكونوا عونا له على تخفيف آلام البشر .. وأنا أعتقد أنهم يتقاضون أجورا أغلى بكثير من أقرانهم أو من أى شئ آخر متمثلا فى حب الناس ودعواتهم والتى لا تقاس بأموال الدنيا .. وأنا بدورى أشيد بهم وأشد على أيديهم وأتمنى أن يشاركنى القراء فى شكرهم والدعاء لهم .. كما أننى أدعو صغار الأطباء وحديثى التخرج أن يتخذوا من هذا النمط المحب للخير ممن سبقوهم أسوة حسنة وليعرفوا أن السعادة ليست فى جمع المال ولكن السعادة تكون بحب الناس ودعواتهم التى هى بالضرورة مدعاة لحب الله .. وأنا لا أحب أن أتقمص دور الواعظ ولكننى أزيد على ما سبق ثقتى الكاملة أن الله سيبارك لهم فيما كسبوه ولو كان قليلا كما سيبارك لهم فى ذريتهم بفضل دعوات الفقراء الذين خففوا آلامهم . نسأل الله السلامة للجميع .. كما نسأله سبحانه وتعالى أن تتحسن أحوالنا الاقتصادية حتى يشمل التأمين الصحى الملائم والمحترم الجميع بحيث لا يذهب للطبيب الخاص إلا المقتدرون . وإلى لقاء قادم فى موضوع جديد بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين e mail : drmostafaabdeen@gmail.com dr.mostafa_abdeen@yahoo.com
413
| 07 أكتوبر 2014
هناك نمط آخر من الأطباء ذهبت إليه بناء على نصيحة إحدى قريباتى .. حيث أن هذا الطبيب يظهر كضيف فى البرامج الطبية فى إحدى قنوات التليفزيون الفضائية .. وأن الناس تنتظر برنامجه لتسأله فيما يحيرها .. وأن اجاباته تكون محل رضا وإعجاب المشاهدين .. وهذا النوع من الأطباء هو ما يمكننا أن نطلق عليهم أطباء التليفزيون الذين يستمدون شهرتهم من الظهور فى البرامج الطبية التليفزيونية والتى تعتمد بدورها على الإعلانات حتى بات أكثرهم يضع لافتة خلفه تحمل عنوان وأرقام تليفونات عياداتهم الخاصة ولا بأس من مناظرة حالة أو بعض الحالات الفردية القليلة التى تحول إليه مجانا فى سبيل حصد مئات الحالات والتى يكون معظمهم – إن لم يكن كلهم – من السيدات اللائى يصدقن كل ما تبثه وسائل الاعلام .. هذا النمط من الأطباء – كما خبرته – تكون عياداتهم فى بنايات كبيرة فخمة فى شوارع رئيسية وغالبا ما تحتل العيادات شققا واسعة يتم تأثيثها بأثاث عصرى وثير ومزودة بمكاتب استقبال كبيرة تجلس إليها سكرتيرات لتسجيل بيانات المرضى على أجهزة الكمبيوتر وذلك بالطبع بديلا عن ذلك التمورجى " الغلبان " وأجندة المواعيد البالية الذى تحدثنا عنه آنفا .. فى تلك العيادات يجب على المرضى الحجز المسبق – على سبيل الوجاهة – حتى ولو كان عدد المترددين من المرضى قليلا .. ولا يجنح بك الخيال عزيزى القارئ وتحسب أنك ستحظى بشرف مقابلة الطبيب " المشهور" على الفور بل سيدخلونك إلى غرفة صغيرة نسبيا لتقابل هناك شابا حديث السن سيقدم لك نفسه على أنه الدكتورالمساعد .. وسيسألك أسئلة عديدة تتعلق أو لا تتعلق بما تشكو منه وجئت من أجله تلتمس مقابلة من تشاهده زوجتك أو قريباتك على شاشة التليفزيون .. وبعد ذلك سيدعوك ذلك الشاب لتوقيع الكشف عليك .. كل هذا وهو يدون كلاما كثيرا على الورق .. وفى النهاية ستدعوك الممرضة المصاحبة له إلى الانتظار بالخارج مرة أخرى للدخول إلى الطبيب . وأخيرا ستحل اللحظة التى طال انتظارك لها بدعوتك للدخول إلى الغرفة الكبيرة الباردة الهواء والمؤثثة ببذخ والمزدانة جدرانها بشهادات التقدير العديدة التى حصل عليها صاحبنا فى مسيرته العلمية الطويلة فضلا عن قصائد الشعر التى قرضها مرضاه من الشعراء وهى لعمرى سمة بت أجدها فى معظم إن لم يكن كل عيادات الأطباء .. هذا طبعا غير صوره العديدة فى مراحل حياته الطبية السابقة مع بعض المسئولين أو الإعلاميين المشهورين .. وسيقابلك الطبيب الكبير بترحاب وابتسامة مبالغ فيهما وهو ينظر إلى ما كتبه الطبيب المساعد والذى لابد أنه يوليه من ثقته الشئالكثيرلأنه يسلم بكل ما كتبه وقد يكتب لك الأدوية فى الوصفة الطبية دون أن يكلف نفسه عناء الكشف عليك مرة أخرى وقد يفعل ذلك بسرعة من باب رفع العتب كما يقولون .. المهم أنه فى جميع الأحوال سيحيلك إلى إحدى الآنسات العاملات معه ممن يرتدين الجينز وحجاب يكشف نصف شعرهن الأمامى مما سيدفع إلى ذهنك صورة فيفى عبده فى دور الست أصيلة .. وهذه الآنسة ستأخذ بيدك إلى إحدى الغرف لتعطيك بعض الأوراق المطبوعة والتى لابد أن تدرك على الفور أن الغرض الأساسى منها هو تمجيد الدكتور والدعاية له وسترشدك إلى بعض التعليمات الواجب عليك اتباعها وأنه يمكنك – هكذا ستوعز إليك – أن تحضر مرتين أو ثلاث فى الأسبوع لتساعدك – هى شخصيا – على القيام بتنفيذ هذه التعليمات .. رحماك رباه . نسيت أن أقول إن قيمة الكشف لدى هؤلاء الأطباء التلفزيونيين تبلغ عدة مئات من الجنيهات تكفى لإعاشة أسرة صغيرة عدة أسابيع .. ونتمنى الصحة للجميع حتى لا يوقعهم الحظ تحت رحمة هؤلاء . وإلى مقال جديد ولقاء قادم بحول الله .
471
| 30 سبتمبر 2014
تحدثنا فى المقال السابق عن الحيرة التى يقع فيها المريض وأهله إذا ما صادف أحدهم مرض أو وعكة صحية ووقوع الجميع فى حيرة تبدأ باختيار الطبيب المراد زيارته نظرا لتحمس البعض لهذا أو ذاك من الأطباء .. مرورا بتحديد موعد مع الطبيب .. وتلك المعاناة التى يلقاها الجميع فى غرف الانتظار الغير مريحة .. حتى تأتى اللحظة الموعودة بالمناداة عليك للدخول إلى الطبيب . وتكون المفاجأة عند دخولك بذلك الانتقال المفاجئ لعدة قرون إلى الأمام مقارنة بما كنت فيه منذ لحظات .. إذ تجد نفسك فى غرفة نظيفة جدا ومكيفة الهواء .. وتجد الطبيب وقد ارتدى بدلة مريحة وخفا فى قدميه مما يلبسه الجراحون فى غرف العمليات .. ويرد تحيتك بابتسامة غير ذى معنى وهو ينظر إلى شاشة جهاز كمبيوتر حديث على جانب من مكتبه المزدحم دائما بالأوراق والكتب العلمية وأشياء أخرى كثيرة يُحار المرء متى يجد وقتا للنظر إليها .. ويبدأ الطبيب فى تسجيل بعض بيانات المريض على جهاز الكمبيوتر وهو فى نفس الوقت يسأل بعض الأسئلة المعتادة عن التاريخ المرضى والأدوية التى وصفها لك من ذهبت إليهم قبله من الأطباء .. وهنا لابد أن تقارن بين غرفة الكشف وأجهزتها الحديثة وبين غرفة الانتظار وتخلفها وتأثيثها الذى حدثتكم عنه .. وتلك الأجندة البالية والقديمة جدا والتى تعود إلى عدة سنوات سابقة والتى يسجل فيها التمورجى مواعيد الحجز .. ولا تملك إزاء ذلك إلا أن تدور عيناك فى أرجاء غرفة الكشف لتلمس على الفور أن حوائطها مزدانة بكل ما يمجد صاحب المكان من شهادات علمية وشهادات تقدير ممنوحة له فى مناسبات مختلفة ولكنها جميعا تنطق بفضله المتواصل على العلم والمرضى .. فضلا عن صور سيادته مع بعض المسئولين الحاليين وغالبا السابقين .. ولا يخلو الأمر من بورتريه رسمه له أحد الرسامين من مرضاه أو قصيدة شعر قرضها شاعر نال من فضله الكثير كما يظهر فى أبياتها . المهم أنه يفحص المريض فى عجالة ويكتب الوصفة الطبية بسرعة وبخط لا يستطيع تفسيره إلا الصيادلة المساكين .. وعليك أنت – والويل لك إن نسيت – أن تسأله عما تأكل .. وعن موعد تناول الأدوية التى وصفها لك وهى فى أغلب الأحيان مجهولة بالنسبة لك لجدتها وحداثة عهدك بها .. كما أنه ينبغى عليك أن تخبره عما تتعاطاه من أدوية أخرى وعن مدى اتفاقها أو تعارضها عما وصفه لك .. هذا مع تسليمى الكامل بأن هذه المسألة بالذات من أهم واجبات الطبيب التى لا ينبغى إغفالها بأى حال من الأحوال .. وهو فى جميع الأحوال يجيبك باختصار شديد لا يُشفى لك غلة حتى يبدأ يراودك شعور بثقل دمك مما يضطرك إلى الاختصار والانصراف ولسانك يلهج بالشكر على أمل أن تستكمل ما تريد معرفته فى الاستشارة التى غالبا ما تتحدد بموعد آخر حسب ما تنص عليه اللافتة الموضوعة فى أكثر من مكان ظاهر بغرفة الإنتظار .. هذا صنف من الأطباء .. وهناك أنماط أخرى سأحدثك عنها لاحقا .. فإلى لقاء قادم بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين . e mail : drmostafaabdeen@gmail.com dr.mostafa_abdeen@yahoo.com
429
| 20 سبتمبر 2014
كنت فى السابق قد كتبت مقالا يحمل عنوان " عن الأطباء أقول " .. وكنت أنوى أن تكون مجموعة من المقالات نلقى فيها الضوء على عمل الأطباء وتصرفات بعضهم .. ولكننى لظروف خاصة بى أضطررت للتوقف وفى نفس الوقت كان هذا المقال دعوة أرجو فيها أن يسمح لى عزيزى القارئ فى الخروج عن النمط الذى تعوده منى فى الكتابة .. على أن نعتبر هذا المقال وغيره استراحة يصحبنى فيها القراء إلى حيث كنت .. واليوم أعود لأستكمل ما بدأناه على أن نلقى الضوء فى البداية على ما سبق أن أوردناه فى مقالنا الذى أشرنا إليه مع الإعتذار عن أى تشابه قد يكون بين هذا المقال ومقالنا الآنف الذكر ولكن الأمر حتمته الضرورة وفرضته الظروف .. هيا بنا . فى الآونة الأخيرة تعرضت لبعض المشاكل الصحية مما اضطرنى لزيارة بعض الأطباء فى عياداتهم الخاصة .. والأطباء – شأن سائر البشر – تتباين شخصياتهم وتختلف طريقة بعضهم عن البعض الآخر فى التعامل مع الناس .. وهذا شئ طبيعى .. ولكنهم جميعا يتفقون فى عدم المحافظة على المواعيد التى يحددونها – بأنفسهم - لعملهم لدرجة أننى بدأت أشك فى أن لديهم جميعا رغبة فى أن ينتظرهم الناس أطول فترة ممكنة لعل هذا يُضفى عليهم المزيد والمزيد من الأهمية .. مع ملاحظة أننى دائما أزعم أننى – أى العبد لله كاتب هذه السطور – هو الشخص الوحيد فى مصرنا الحبيبة الذى يحافظ على مواعيده .. أو حتى يلقى لها بالا .. هذه واحدة .. الشئ الآخر الذى لمسته خلال تجربتى الأخيرة هذه هو عدم الاهتمام بأن تكون أماكن انتظار المرضى متناسبة مع اسم الطبيب ومكانته والتى تتناسب تناسبا طرديا مع المبالغ الطائلة التى يتقاضونها والتى تزداد كل فترة وأخرى .. المهم فى أماكن الانتظار أن تستوعب أكبر عدد من البشر وليس مهما أن تكون المقاعد مريحة أو حتى ذات مساند للأيدى حتى يريح المرضى وذويهم أذرعهم .. بل تجدها أيضا غير كافية فى بعض تلك العيادات مما يجعل الأقل مرضا يتنازل عن مقعده لمن يُعانى أكثر منه أو تبدو عليه دلائل المرض والإرهاق .. هذا فضلا طاولة متهالكة تتوسط المكان وملقى عليها بعض المجلات والكتب القديمة التى استحال لون ورقها إلى اللون الأصفر بمرور الزمن وبفضل ما تحمله من أتربة .. ولن يكتمل المشهد حتى ترى جهاز التليفزيون الذى أجزم أنه كان فى منزل الطبيب ثم أحضره إلى العيادة بعد انتهاء مدة خدمته الافتراضية وشراء جهاز أحدث منه .. وغالبا ما تجد سيدة من المتقدمات فى العمر اللاتى يتابعن المسلسلات تطلب من التمورجى أن يشغل جهاز التليفزيون فيقوم متكاسلا ويفعل ذلك .. وحينها نكتشف أنه لا يوجد جهاز لتشغيل الأطباق وأن جهاز التليفزيون قادر فقط على استقبال القنوات الأرضية مثل ما كان سائدا فى ستينيات القرن الماضى . ومن ضمن أهم ما نلاحظه فى مسألة الأطباء أيضا هو تحمس الأهل والأصدقاء لطبيب بذاته لدرجة أن أحدهم يكاد يقسم أن أبقراط نفسه لا يُقارن به .. ويضرب لك العديد من الأمثلة على براعته وعدد المرضى الذين ساعدهم على الشفاء .. ولابد أن يوقعك هذا فى حيرة حتى تحسم أمرك وتستقر على اختيار أحدهم لتفاجأ بمشكلة جديدة .. لا يوجد حجز فى موعد قريب .. ولا يحل هذه المشكلة إلا تدخل هذا الصديق أو القريب والاتصال بالتمورجى وتحديد موعد لك مع توصية أن تذهب مبكرا وأن تكون كريما معه على هذه الخدمة التى لا نظير لها . وهناك تفاجأ بما أسلفنا عن أماكن الانتظار التى تجلس فيها لوقت طويل يكون كافيا لأن يزداد المريض مرضا فوق مرضه .. وأن يمرض من يرافقه أو يكاد .. وأخيرا تأتى اللحظة الموعودة ويدعونك للدخول إلى غرفة الكشف ومقابلة الطبيب .. لتجد مفاجأة أخرى فى انتظارك .. نتوقف عند هذا الحد على أمل اللقاء بكم فى مقالنا القادم بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين e mail : drmostafaabdeen@gmail.com dr.mostafa_abdeen@yahoo.com
517
| 12 سبتمبر 2014
جاءتنا الأنباء فى الآونة الأخيرة (11 أغسطس 2014 ) تحمل لنا نبأ موت الفنان العالمى الأمريكى الجنسية والمولود فى 1951 .. وأن وفاته كانت نتيجة لإنتحاره وهذا هو الجانب المؤلم فى الأمر كما قالت التقارير الإخبارية الكثيرة .. والذى بعث الحزن فى نفوس الملايين من عشاقة ومحبيه أن موت الفنان المحبوب أو بالأحرى إنتحاره كان مفاجئا للجميع لأنه أخفى عن الجميع حقيقة مرضه النادر الذى أصيب به وهو " داء باركنسون " اللعين والمدمر والذى لا يترك المرء حتى يلفظ أنفاسه حيث أنه – أى المرض – يهاجم الجهاز العصبى للإنسان حيث يبدأ برجفة فى اليدين ويتسبب فى تصلب الأطراف وبطء الحركة وجمود فى ملامح الوجه .. وفى النهاية يؤدى إلى اكتئاب من النوع الثقيل وفى بعض الأحيان يتسبب فى حالة خرف مما يدفع بالمريض إلى الإنتحار . يا إلهى .. روبن ويليامز الذى أدخل البهجة وأضحك الملايين لسنوات طويلة لا يعرف كيف يتحكم فى أطرافه ولا فى تعبيرات وجهه التى هى أساس براعة الممثل إلى جانب أشياء أخرى كثيرة بطبيعة الحال .. لقد أخفى مرضه عن أقرب الأقرباء حتى يظل محتفظا بصورته فى أذهانهم .. ولكن قلبه لم يحتمل كل هذه المعاناة وهو الذى ملأ الدنيا بالضحكات .. فكانت النتيجة أنه أقدم على التخلص من حياته بالإنتحار وأوصى بحرق جثمانه .. وهو ما تم بالفعل . " روبن ويليامز " الذى بكاه الملايين من الناس ومنهم الكثير من العرب الذين تابعوا فنه الجميل ومنها مسلسل الخيال العلمى الكوميدى " مارك ومايندى " والذى يعتبره العديد من النقاد المسلسل الأكثر تشويقا فى النصف الأخير من القرن العشرين .. وكان ويليامز يلعب فى هذا المسلسل دور كائن قادم من الفضاء الخارجى من كوكب خيالى أو إفتراضى إسمه " أورك " .. هذا الكائن هبط على الأرض ويجد نفسه متورطا فى مواقف غريبة ومثيرة تنتزع الضحكات من الكبار والصغار على حد سواء . وهو نفسه " روبن ويليامز " الذى أدى دور البطولة فى الفيلم الأكثر تميزا " صباح الخير يا فيتنام " حيث كان يقوم بدور طيار قامت إدارته بتكليفه للقيام بإذاعة برنامج ترفيهى للجنود الأمريكيين فى فيتنام والتنقل من جبهة إلى أخرى لأداء هذا الغرض وقد كان ذلك فى إطار مفارقات كوميدية أفاض فيها " ويليامز " وأضفى من روحه وفنه الكثير مما جعل الصحف العالمية تكتب عنه أنه قدم لوحة إبداعية نادرة . وكان أداء " روبن ويليامز " الصوتى مميزا ولديه مقدرة فائقة على تقليد ومحاكاة الأصوات مما رشحه للقيام بذلك فى الكثير من الأفلام الكرتونية . ويبدو أن " روبين ويليامز " يأبى إلا أن يكون نادرا ومتميزا حتى بعد موته حيث كان " الهاشتاج " الذى يحمل إسمه فى قائمة الكلمات الأكثر تداولا على " تويتر " حيث كتبت ما يزيد عن مليونى عبارة وتعليق نعى وعزاء خلال نصف يوم بعد ذيوع خبر وفاته . وإذا ما نظرنا للأمر من جانب آخر .. فإن العديد من المشاهير قد أقدموا على الإنتحار لسبب أو آخر .. ولكنهم يشتركون فى شئ واحد .. وهو أن ذلك تم وهم فى أوج مجدهم وقمة شهرتهم .. ليس فى أوطانهم فقط ولكن فى العالم كله .. فمثلا الكاتب الأمريكى الأشهر " إيرنست هيمينجواى 1899 – 1961 " مؤلف الروايات الأكثر شهرة فى العالم مثل " وداعا للسلاح " و " لمن تقرع الأجراس " والحاصل على جائزة نوبل عن روايته " العجوز والبحر " قد مات منتحرا . وفى مجال الفن وعلى وجه التحديد الرسم .. لدينا " فان جوخ " الرسام العالمى الأشهر فى العالم والمولود فى 1835 وصاحب اللوحات الشهيرة " عباد الشمس " و " ليلة النجوم " فضلا عن أكثر اللوحات شهرة على الإطلاق " زهرة الخشخاش " .. هذا الرسام الهولندى الذى اكتسب شهرة عالمية لم يصل إليها أحد حتى الآن قد أنهى حياته بنفسه وأقدم على الإنتحار عام 1890 . ولدينا أيضا الكاتبة الروائية "فيرجينيا وولف 1882 – 1941 " صاحبة روايات " الأمواج " و " الليل والنهار " وأيضا أكثر الروايات التى تحولت إلى أفلام شهرة وهى " السيدة دالواى " والتى انتحرت كذلك . والقائمة لم تنته بعد فهى تضم المطربة العالمية " داليدا " صاحبة أغنية " حلوه يا بلدى " والتى لم تحظ أغنية بشهرتها بعد .. والمطرب العالمى " ألفيس بريسلى " فضلا عن المغنى " مايكل جاكسون " .. وبطبيعة الحال الممثلة العالمية وجميلة جميلات القرن العشرين وكل القرون " مارلين مونرو 1926 - 1962 " والتى لا يذكر إسمها إلا ويتداعى للذهن كل آيات الدلال والجمال والإغراء والسحر والأنوثة والعذوبة والبراءة فى آن واحد . وهنا يتداعى إلى الذهن سؤال غاية فى الأهمية عن السبب فى إنتحار هؤلاء المشاهير برغم الثروة والمجد وحب الناس وعشقهم إياهم .. لقد قلنا أن الشئ المشترك بين كل هؤلاء هو أنهم فنانون وبطبيعة الحال فإن الفنان يكون مرهف الحس جياش المشاعر.. ولكن هل هذا السبب يكفى للإقدام على الإنتحار ؟ .. والإجابة بالنفى طبعا لأن الإنتحار ليس مقصورا على أهل الفن والكُتاب فقط من أصحاب الحس المرهف والمشاعر الجياشة .. ولكن هناك الكثير غيرهم من الناس قد انتحر ربما يأسا من الحياة أو قنوطا من التخلص من المشاكل . ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة هذه الظاهرة ولكننا نكتفى بأن ننصح أى إنسان يواجه مشكلة يستعصى عليه حلها أن يترك أمره لخالقه وهو الذى سيتولى أمره وقادر على حلها أو التخفيف من حدتها .. وقد تتاح لنا الفرصة فى المستقبل لتناول هذا الأمر الذى يستحق تناوله والكتابة عنه . وإلى لقاء قادم ومقال جديد بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين E mail : drmostafaabdeen@gmail.com dr.mostafa_abdeen@yahoo.com
935
| 25 أغسطس 2014
يبدو أن استراحتنا مع الكلمات ستتكرر مرات ومرات حيث وصلتنى رسائل عديدة من القراء الأعزاء يبدون إعجابهم بما كتبناه فى المرات السابقة ويطلبون فيه المزيد من إختياراتنا لقطوف الحكمة وأبيات الشعر التى اخترناها .. وقد وفقنى الله لاختيار عدد من العبارات وأبيات الشعر والمقتطفات ولكننى آثرت أن تكون كلها – تقريبا – حول موضوع واحد .. هيا بنا : - يقول حطان بن المعلا الطائى وهو أحد فطاحل الشعراء العرب عن حب المرء لأولاده هذا الحب الغريزى الجارف وهو من صنع الخالق وحكمته جل شأنه : إنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشى على الأرض لو هبت الريح على بعضهم لم تشبع العين عن الغمض - طيب .. ومن يشاركنا فى العناية بأطفالنا وتربيتهم ؟ .. إنه المعلم ولا شك .. هيا بنا نقرأ ما كتبه الشاعر العربى الكبير عبد الفتاح عمرو فى بيان قيمة المعلم فى حياتنا : أنا المـعلم حسـبى مـا أقدمــه فالـطـب طـبى والعمــران عمـرانـى وما المصانع شادتها سواعدهم سوى حصيلة إرشادى وتبيانى أنا المعلم ما أشاد البناة سوى من طيب كفى أو من غرس بستانى - وفى نفس السياق يقول أمير الشعراء أحمد شوقى قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا - قارن ذلك بما يحدث فى أيامـنا هذه من خلال العبارة التالية " فقد المدرس فى بلادنا هيبته واحترامه لأن أجهزة الإعلام دأبت على شن حملة شعواء ضد المدرسين .. وهناك أعمال درامية تسخر من المدرسين وتستهزئ بهم وقد نجحت فى إفساد العلاقة بين المدرس والطالب " .. من رسالة للدكتور سمير القاضى عضو إتحاد الكُتًاب إلى بريد جريدة الأهرام . - والحقيقة أن مخطط العمل على أن يفقد الكبار – وليس المعلمون فحسب – هيبتهم قد بدأ من مدة طويلة عندما قمنا بتعريب " مدرسة المشاغبين " وتحويلها إلى مسرحية ثم أفلام وتكرار عرضها بغية غسيل الأدمغة . - نكتفى بهذا القدر حيث أنه من الواضح كما قال الحكماء قديما فى مثل حالتنا " إتسع الخرق على الراتق . - ونخرج من هذا الجو المشحون لنذهب إلى الماضى وشئ طريف حيث كان الفيلسوف اليونانى " ديوجين " – وهو كان معلما كذلك بالمناسبة – كان يوقد مصباحه فى النهار ويطوف الطرقات بحثا عن الإنسان الفاضل . - ولعل هذا يقودنا إلى ما قاله الشاعر العربى الأعشى ميمون بن قيس : كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قوته الوعل وهو نفس ما قيل فى ذات السياق : يا ناطح الصخرة الصماء توهنها أشفق على الرأس لا تشفق على الحجر والآن عزيزى القارئ هل أنت مع أن تعود للمعلم هيبته ووقاره كما نادى بذلك أمير الشعراء أم سنظل ننطح الصخر مع الأعشى ميمون بن قيس أو سنهيم على وجوهنا فى الطرقات مثل الفيلسوف الرومانى ديوجين .. ووقتها لن يكون المعلم وحده هو من يفعل ذلك ولكن كل أبناء الجيل الحالى والأجيال القادمة . وإلى لقاء قادم وموضوعات جديدة بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين E mail : drmostafaabdeen@gmail.com dr.mostafa_abdeen@yahoo.com
1378
| 10 أغسطس 2014
يسعدنى أعزائى القراء أن ألتقى معكم مجددا وقطوف من الحكمة والحكم والأشعار من كافة بلاد الدنيا حيث وردت إلى رسائل بعد نشر مقالنا الماضى تطلب المزيد منها .. ومع أننى كنت قد كتبت المقال السابق وكنت لا أنوى تكراره .. إلا أننى لا أملك إلا النزول على رغبة القراء الأعزاء . - فلنذهب إلى بغداد فى العصر العباسى ونقرأ من أشعار أبو العلاء المعرى ( 973 – 1057 ) الدهـر كالدهـر والأيـام واحـدة والناس كالناس والدنيا لمن غلب - قارن ذلك بما قيل رياءًا ونفاقا للحاكم بغية نيل رضاه ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحـكم فأنت الواحـد القهـار هذه الأبيات للشاعر الأندلسى محمد بن هانئ بن سعدون والمعروف بإبن هانئ وقالها للخليفة المعز لدين الله الفاطمى .. والمثير أن عامة الناس فى تلك الأيام أطلقوا على إبن هانئ هذا لقب " متنبى الغرب " .. قد يكون ذلك خوفا من الحاكم أو تماشيا مع الموجة السائدة فى الرياء والنفاق . أما المتنبى " الأصلى " فهو أبو الطيب المتنبى ( 915 – 965 ) ومن أشهر أشعاره فى الفخر كونه فارسا وشاعرا حين يقول : الخيـل والليـل والبيـداء تعـرفنـى والسيف والرمح والقرطاس والقلم ( البيداء هى الصحراء المترامية الأطراف .. والقرطاس هو الأوراق أو ما كان يُكتب عليه الأشعار ) وأبو الطيب المتنبى كذلك هو القائل على سبيل الفخر أيضا : أنا الذى نظر الأعمى إلى أدبى وأسمعت كلماتى من به صمم - أين أبو الطيب المتنبى من متنبى الغرب هذا .. أترك لكم الحكم أعزائى القراء . - ولا يفوتنى قبل أن نطوى صفحة المتنبى أن نقرأ له : مات فى البرية كلب .. فاسترحنا من عواه خلف الملعون جروا .. فاق فى النبح أباه - ومن لبنان أرض المحبة والجمال نقرأ هذه الحكمة للمفكر العربى ميخائيل نعيمه ( 1889 – 1988 ) وهو أحد قادة النهضة الفكرية والثقافية الكبار .. " عجبت لمن يغسل وجهه عدة مرات فى اليوم .. ولا يغسل قلبه مرة واحدة فى السنة ". - ومن أطرف ما كتبه ميخائيل نعيمة عن بعض الذين يدعون الأدب والثقافة والمعرفة .. " أما سمعت بالذى طبخ القاموس وأكله ليصبح كاتبا ثم مات المسكين بعسر الهضم وما استطاع حتى أن يكتب وصيته " . - وأختم ببيت من الشعر – للأسف لست متأكدا من قائله حيث تضاربت الروايات فمنها من يفيد بأنه المتنبى ورواية أخرى تفيد أنه أبو العلاء المعرى – ولذلك فإننى أرجوأن يوافينى أحد القراء الأفاضل بإسم الشاعر بالتحديد : لكـل داء دواء يســتطـب بـه إلا الحماقة أعيت من يداويها - ولعل هذا يتفق تماما مع قول نبى الله عيسى عليه السلام حين قال : " عالجت الأكمة والأبرص فأبرأتهما وعالجت الأحمق فأعيانى " . وإلى لقاء قادم ومقال جديد بحول الله .
9734
| 04 أغسطس 2014
فى هذا الأسبوع يسعدنا أن نهدى القراء الأعزاء بعضا من قطوف الحكمة والأمثال مع تعليق بسيط منا – بغرض التوضيح – ونأمل ألا يفسد عليهم تعليقنا متعة القراءة . - تأمل معى هذه الأبيات .. تســألنى ما بـال حديقـتنا كفت هذا العام عن الإثمار وأنا أسأل .. ما بالك تسأل وكأنك تجهل أن الشوك حصاد الشوك وكـذلك تجهل أن الدمـعة بنت الأحزان من قصيدة للشاعر كمال عمار 1932- 2005 عضو إتحاد الكٌتاب بعنوان " ثرثرة رجل منفرد " . وهو أيضا – أى كمال عمار – الذى يقول : لا تقولى أى شئ ربما أجدى السكوت ولنجرب لحظة الصمت ففيها ألف معنى لا يموت - تأمل معى هذه العبارة " الديك المغرور يظن أن الشمس لم تشرق إلا لتسمع صياحه " .. للكاتبة العالمية جورج إليوت (1819 – 1880 ) وهو الإسم القلمى للسيدة البريطانية مارى آن إيفانس التى ظلت تكتب باسم جورج إليوت ويخطئ كثير من الناس عندما يظنون أن هذا الإسم لرجل . . - ومن أقوالها أيضا فى دعوة للبساطة .. " أروع لغة هى تلك التى تتألف من كلمات بسيطة وغير متكلفة " . - وهى أيضا التى قالت .. " عندما يصمت العقلاء .. يعلو صوت الغوغاء " . - أما أروع عباراتها فهى تلك التى تقول فيها .. " مسئولية التسامح تقع على من لديهم أفق واسع " . - ومن ألطف ما قالت .. " الإبتسامة تجلب الأصدقاء .. أما العبوس فيجلب التجاعيد " . - أما دعوتها الناس للعمل وأخذ الأمور بجدية فنلمسها فى قولها " إن السماء لا تٌمطر أزهاراً .. وإذا أردنا المزيد من الأزهار فيجب علينا زراعة المزيد من الأشجار " . - قارن هذا القول عزيزى القارئ بما قاله الخليفة عمر بن الخطاب .. " إذا أراد االله بقوم سوءا .. أعطوا الجدل ومنعوا العمل " . - ومن ألمانيا نهديك عزيزى القارئ هذه الحكمة .. " لست منزعجا لأنك كذبت علىً اليوم .. ولكننى منزعج لأننى لن أصدقك بعد اليوم ".. من أقوال الأديب والفيلسوف الألمانى فريدريك نيتشه ( 1844 – 1900 ) وهو أيضا من أبرز الممهدين لعلم النفس فى العالم . - ومن فرنسا نهديك هذه المقولة الجميلة .. " إن عجزت عن الصفح فعليك أن تفسح الطريق إلى النسيان حتى تستمر الحياة ".. للأديب الفرنسى الفريد دى موسيه ( 1810 – 1857 ) وهو شاعر ومسرحى وروائى ومن أهم رواد الحركة الرومانسية الفرنسية . - ومن إنجلترا نأتى إليك بهذه الحكمة الإنجليزية .. " ليس باستطاعتنا التحكم فى إتجاه الريح ولكن باستطاعتنا أن نغير وضع أشرعتنا لتواجه الريح " . والى لقاء قادم ومقال جديد بحول الله . بقلم : د. مصطفى عابدين شمس الدين E mail : dr.mostafaabdeen@gmail.com dr.mostafa_abdeen@yahoo.com
1473
| 13 يوليو 2014
في كثير من الأحيان تجد شخصا مسترسلا في الحديث وعندما يقاطعه أحد أو حتى يهم بمقاطعته فإنه – المتحدث - يطلب منه ألا يشتت ذهنه.. وغالبا ما تقال هذه العبارة باللهجة العامية في الحياة اليومية أو باللغة العربية الفصحى متى تطلب الموقف ذلك.. وعادة ما يكون ذلك في مجتمعات الكبار. والرأي عندي أن من يتحدث في موضوع ما فإنه يكون قد رتب أفكاره بشكل معين وعند مقاطعته يحدث التشتيت الذهني.. وفى بعض الأحيان يكون المتحدث يحاول جاهدا أن يجمع أفكاره ويرتبها وفى أحيان كثيرة أخرى تكون هناك محاولة لتذكر أو استرجاع معلومة قرأها في الماضي واختزنها وعند المقاطعة يفشل في إتمام تلك العملية بنجاح. وفى أوقات كثيرة يعتبر المتحدث أن مقاطعته فيها خروج عن الذوق واللياقة أو حدود الأدب خاصة إذا ما كانت من شخص صغير لشخص أكبر منه في العمر بما في ذلك الوالدين والأقارب أو في الدرجة الاجتماعية مثل الرؤساء في العمل. ولا يقتصر التشتيت الذهني على مقاطعة المتحدث في عالم الكبار غالبا كما أسلفنا ولكنه يحدث في عالم الصغار أيضا وعلى الأخص عند التلاميذ في سن المدرسة الذين يشكون من عدم القدرة على التركيز وتشتيت الانتباه في أثناء المذاكرة. والمقصود بالتشتيت الذهني هو الخروج من حالة الانتباه والتركيز الكامل بسبب مؤثرات - غالبا ما تكون خارجية وفى بعض الأحيان ذاتية – إلى حالة من تشتت العقل وعدم المقدرة على الرجوع إلى ذات الدرجة من التركيز على نحو ما سنتطرق إليه لاحقا حيث يقول العلماء أن كل إنسان سواء كان كبيرا أم صغيرا يملك القدرة على التركيز والذي يٌعرف بمعنى أدق بتوجيه كل الانتباه نحو شئ معين وإهمال ما عداه من أشياء بشرط أن يكون في حالة استعداد نفسي لذلك.. ويقصد بالاستعداد النفسي هنا هو الرغبة الخالصة والمقدرة.. الرغبة في مشاهدة مباريات كرة القدم مثلا والمقدرة على المشاهدة أو استخدام الكمبيوتر أو اللعب عليه. حسنا.. ماذا سيحدث لو أن أحدا قاطع مشاهد الكرة أو مستخدم الكمبيوتر؟ والإجابة أنه ولا شك سيحدث لديه نوع من التشتيت الذهني الوقتي أو اللحظي ولكنه سرعان ما سيعود إلى الاندماج فيما كان فيه مرة أخرى وذلك بسبب قوة التركيز السابقة.. وقد يحدث شي مشابه لذلك مع التلميذ إذا كان يستذكر مادة يحبها أو متفوق دراسيا فيها والعكس صحيح إذا كانت المادة صعبة أو حال شعوره بالملل منها. وبناء على كل ما تقدم يمكننا أن ننصح الكبار بكتابة ما يتوجب عليه التحدث فيه على شكل نقاط ولا بأس أن تكون هناك نقاط فرعية أيضا وهذه بدورها قد تتفرع إلى نقاط أصغر.. والغرض من ذلك هو المحافظة على تسلسل الأفكار والعودة إلى الموضوع الأصلي متى حدثت مقاطعة وتلك تؤدى إلى تشتيت الذهن كما أسلفنا.. أما في حال كون الشخص متلقيا في محاضرة أو اجتماع أو شئ من هذا القبيل فإننا ننصح أيضا بكتابة النقاط التي يسمعها ويرغب في الاستزادة منها أو بغية مناقشتها في الوقت المناسب وحتى لا ينسى بعضها الذي قد يكون على درجة كبيرة من الأهمية . أما أحباؤنا الصغار فإننا ننصحهم وأولياء أمورهم بأن تكون المذاكرة في مكان هادئ بعيدا عن الأصوات والمؤثرات الخارجية التي تعتبر السبب الأساسي في تشتيت الذهن فضلا عن بعض العوامل الأخرى مثل درجة حرارة الغرفة أو عدم الشعور بالارتياح في الجلوس. ولضمان أقصى درجة من التركيز لدى التلاميذ فإن العلماء ينصحون بتحديد الأوقات التي يكون فيها النشاط في أحسن الأحوال حيث تتم مذاكرة المواد الصعبة في هذه الأوقات وترك المواد السهلة مؤقتا للمذاكرة في الأوقات التي يقل فيها النشاط الذهني.. ونفس القول يندرج على المواد المحببة . وفى النهاية نقول إن العقل البشرى يتأثر بالعوامل الخارجية ويحتاج إلى التنظيم للحصول على أفضل النتائج إذا استطاع التغلب على تشتت الذهن. وإلى اللقاء في موضوع آخر ومقال جديد بحول الله .
4730
| 25 يونيو 2014
بعد نشر مقالنا السابق عن أهمية الترجمة في تشكيل الوجدان الثقافي للأمم وأثرها الملموس كوسيلة لتقدم الأمم وكذا المشاكل التي تواجه الترجمة والمترجمين في عصرنا الحديث وصلتني عبر بريدي الاليكتروني عدة رسائل حول نفس الموضوع اختار بعضها للإجابة عليها في هذا المقال. السؤال الأول من القارئة خوله القطان من الكويت تقول أنه لا يختلف اثنان حول أهمية الترجمة من أي لغة إلى العربية حيث أنها تضيف إلى معرفة وثقافة الإنسان العربي ولكنها تتساءل عن أهمية الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى بالنسبة لنا.. ولهذه القارئة أقول أن العرب في العصر العباسي أدركوا أهمية الترجمة من اللغة العربية للغات الأجنبية والتي بدأت على يد المستشرقين.. ولنا في ذلك فوائد جمة لعل من أبسطها تعريف الشعوب الناطقة بغير العربية بنتاج العقول العربية وهو ما يمثل لنا قيمة أدبية في حد ذاته ناهيك عن المكاسب المادية التي قد تعود علينا جراء الأخذ بنتاج عقولنا من مخترعات أو أبحاث وخلافه. وأود أن أشير هنا إلى ما ذكره الألماني غوته 1749- 1832 عن الدور الكبير والعظيم الذي لعبه العرب في الحضارة الأوروبية في العصور الوسطى.. وأنا شخصيا أرى– ولعل الكثير من القراء الأعزاء يشاركونني الرأي – أن هذا مصدر فخر لنا جميعا . سؤال آخر وصلني – عبر محادثة هاتفية – من القارئ الصديق أحمد على فايد يسأل عن الوقت الذي بدأت فيه عملية الترجمة في العالم العربي.. وأجيبه بأن الترجمة بدأت منذ عرف الإنسان الحضارة وإن كان ذلك غير موثق.. ولكن بالنسبة للعرب كانوا يرتحلون للتجارة صيفا وشتاءا ( رحلتي الشتاء والصيف ) وكان الفرس هم الأقرب والأكثر احتكاكا بالعرب فكان ولابد أن تنتقل بعض الكلمات والمصطلحات فيما بين اللغتين العربية والفارسية وظهر ذلك جليا فى قصائد كبار الشعراء العرب ومنهم الأعشى.. ولم يتوقف الأمر عند حد الاحتكاك بالفرس شرقا بل أمتد الأمر ليشمل الروم في الشمال والأحباش في الجنوب.. وبرغم التأثر اللغوي الذي ذكرناه فلابد أن ننوه إلى أن عمليات الترجمة ذاتها كانت بدائية برغم التأثر القوى المتبادل في اللغات . وفى رسالة من أحد الأبناء الأعزاء وهو في نفس الوقت صديق على الفيسبوك واسمه هيثم على الحسيني يقول فيها أنه من غير المتصور بعد كل هذا التقدم الذي شهد البشرية في القرن الحادي والعشرين وتوفر أجهزة الحاسب الآلي بأشكال وأنواع وأحجام مختلفة تعجز عقول البعض عن استيعابها أو ملاحقة التطورات التي تطرأ على هذه المخترعات كل يوم وليس كل شهر أو سنة.. هكذا يقول الصديق الصغير هذا أنه لا يتصور أن يجلس شخص مع أوراقه وأقلامه ليترجم أحد الكتب مستعينا في ذلك بالقواميس والمعاجم في الوقت الذي يستطيع فيه بكتابة عنوان الكتاب على الكمبيوتر ويعطى الأمر بالترجمة ( وفق برامج ترجمة متوفرة مجانا ) ليحصل على ترجمة لما يريد في دقائق معدودة وأنني شخصيا قد كتبت عن ذلك في إحدى مقالاتي.. ولهذا الابن العزيز أقول أن الحق معه ولكن ليس بشكل مطلق حيث أن جهاز الكمبيوتر ما هو إلا آلة لا يستطيع التفكير.. يعنى هو يجيب على أسئلتنا بما خزنه البشر في ذاكرته دون تفكير.. بمعنى أنه – أي الحاسب الآلي – لن يكون لديه الحس الأدبي الموجود لدى الإنسان على سبيل المثال في ترجمة نص أدبي.. وهكذا في النواحي العلمية وغيرها من نواحي المعرفة المتعددة والتي لا يمكن للعقل البشرى استيعابها مهما كانت قدراته.. ولأننا لا يمكننا تجاهل المخترعات الحديثة ونؤمن تماما بأهميتها فإنني أجزم أن الكمبيوتر يمكن استخدامه فقط كوسيلة مساعدة في ترجمة بعض الكلمات أو الجمل والمصطلحات ولكن لا يمكننا الاعتماد عليه في ترجمة موضوع بأكمله أو حتى صفحة منه خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن التشكيل في اللغة العربية يؤدى إلى تباين كبير في المعنى المراد ترجمته. وتكرر سؤال في أكثر من رسالة عن أهم الترجمات في عصر هارون الرشيد الذي اشتهر بحب الحياة والإقبال عليها.. وهو سؤال جد وجيه لأن هذا الخليفة بالذات كان هو الأكثر اهتماما بالترجمة ومن بعده ابنه المأمون بعد أن أستقر الحكم بعد الفتوحات الكبيرة التي أدت إلى اتساع رقعة الدول العربية نحو الشرق والغرب وحدوث الاتصال المباشر بالضرورة بين كل هذه الشعوب وكانت الفرس واليونان في المقدمة حيث كان الاهتمام منصبا على علوم اليونان والأدب الفارسي ناهيك عن الفلك والرياضيات والطب التي برع فيها الرومان وكذلك الفلسفة والنقد. ويسعدني في النهاية أن أذكر للقراء الأعزاء مثالا عن أهمية الترجمة في الحفاظ على نتاج العقل البشرى فمن المعروف أن أبن المقفع قد قام بترجمة الكتاب الشهير "كليلة ودمنة" للفيلسوف الهندي بيدبا وأن اسحق بن حنين قد قام بترجمة كتاب "الأخلاق" لأرسطو.. ونكتفي بهاذين المثالين للتدليل على عظمة المواد المنقولة من لغة لأخرى. وفى النهاية نسوق هذا المثال للتدليل على أهمية الترجمة في الحفاظ على التراث فقد حدث أن ضاع النص الفارسي المترجم لكتاب "كليلة ودمنة" والذي يعتبر من أهم الكتب المترجمة فما كان من المترجمين إلا إعادة ترجمة الكتاب مرة أخرى إلى اللغة الفارسية نقلا عن النص العربي.. وأن الأمر نفسه حدث للعديد من النصوص الإغريقية. نكتفي بهذا القدر في موضوع الترجمة وأهميتها في تقدم الأمم على أمل اللقاء بكم في موضوعات جديدة ومقالات قادمة بحول الله.
2725
| 17 يونيو 2014
تناولنا في مقالنا السابق تحت نفس العنوان أهمية الترجمة في نقل المعرفة بشتى مناحيها وعرفنا كيف أدرك تلك الحقيقة كل من يعمل على نهضة وتقدم شعبه.. وضربنا لذلك مثل الأمير خالد بن يزيد بن معاويه بن أبى سفيان في الدولة الأموية والخليفة العباسي هارون الرشيد وابنه الخليفة المأمون ثم محمد على باشا مؤسس نهضة مصر الحديثة وغيرهم ممن ساروا على نفس الدرب مثل الدكتور طه حسين. وفى عصرنا الحديث عندما أدركت جموع المثقفين أهمية تحرير العقول في تشكيل الوعي العام واستعادة الدور المهم لقوتنا الناعمة التي هي بلا شك أشد فتكا من جميع أنواع الأسلحة التي اخترعها الإنسان في العصر الحديث.. من أجل هذا تم إنشاء المركز القومي للترجمة عام 1995 في القاهرة برئاسة الدكتور جابر عصفور.. (للمزيد راجع المقال السابق). وأهم ما نود التأكيد عليه هو أنه إذا كانت الترجمة من اللغات الأخرى مفيدة لشعوبنا الناطقة بالعربية فإنه من الأهمية بمكان تعريف الشعوب الأخرى بنتاج عقول أبناء الشعوب العربية تأكيدا لمكانتنا بين الأمم. ومما يلفت النظر أن معظم الدول الناطقة بالعربية لا يوجد بها جهة معينة مسئولة عن الترجمة حيث يترك الأمر لبعض الأفراد ودور النشر وهو ما يتسبب في عدة مشاكل من أهمها: -عدم وجود خطة معينة للترجمة تضطلع بها جهة محددة وبالتالي لا توجد معايير بعينها للكتب المراد ترجمتها مما يجعل المسئولية غير محددة في حالة حدوث مشاكل نتيجة الخضوع لأهواء من يقوم بالترجمة وتقديره الخاص فضلا عن ما يجيده من قدرات هي في النهاية شخصية بحته. -تكرار الترجمة لنفس الكتب لدرجة أن يصفها البعض بالموضة التي يسير على نهجها الكثيرون. -تراجع ترجمة الكتب العلمية والطبية على وجه الخصوص ربما لصعوبة عملية الترجمة ذاتها. -عدم الاهتمام بالترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى كما أسلفنا. -تجنب ترجمة الكتب الجادة حيث أن معظمها لا يلقى رواجا مما يؤثر سلبا على عملية الترجمة ذاتها حيث سيقع الاختيار على الكتب الأكثر رواجا في المبيعات والتي تحقق أرباحا مادية أكثر من غيرها. ليس كل ما سبق هو ما يواجه الترجمة من صعوبات ولكننا نرصد بعض المشكلات الأخرى ومن أهمها، وهو أمر يدعو إلى الرثاء والأسف، عدم وجود ميزانية مخصصة للترجمة في الجامعات العربية على عكس ما هو كائن في جامعات أوربا والولايات المتحدة الأمريكية. أما مسألة مستوى المترجمين المهني فهي تمثل مشكلة أخرى حيث أن من يتصدى للترجمة لابد أن يتحلى بقدر عال من الثقافة والمهنية فيما يقوم بترجمته.. بمعنى أن يتمتع المترجم بقدر من الإبداع والحس اللغوي والقدرة على تقريب الثقافات. ومن المشكلات التي يجب حلها لازدهار عملية الترجمة هي ضرورة العمل على توافر معاجم في كافة نواحي المعرفة وفى الناحية العلمية على وجه الخصوص. كما أنه لا توجد لدينا جهة معينة تستطيع تحديد مستوى المترجم أو الحكم على ما يقوم به من أعمال أو ما يتمتع به من حس لغوى يساهم في إنجاح عملية الترجمة ذاتها. وإذا أضفنا إلى ما سبق عدم وجود من يهتم بالمستوى المادي للمترجمين ومستقبلهم مثل رابطة أو نقابة مما يوفر لهم الأمان ويجعلهم يعملون في مناخ مناسب يليق بالرسالة السامية التي يحملونها على عاتقهم فالترجمة فعلا تواجه مأزقا خطيرا لما سيترتب على ذلك من عزوف المثقفين عن احتراف الترجمة أو حتى القيام بها إلى جانب أعمالهم. وأخيرا فإننا ننبه إلى مشكلة أخرى قد تؤثر سلبا على الترجمة وهى عدم وجود نظم أو قوانين محددة تكفل الحقوق الأدبية وبالتالي المادية للأعمال التي تتم ترجمتها.. ويمكن أن نتغلب على هذه المشكلة بعمل قاعدة بيانات تتولاها جهات محددة ولتكن وزارات الثقافة مثلا.. وأن تحتوى هذه القاعدة على الأعمال التي ترجمت بالفعل وأسماء المترجمين والجهات التي يتبعونها إن وجدت.. وفى نفس الوقت فإن ذلك سيمنع الازدواجية والتكرار ويكفل للمترجمين حقوقهم ويأخذ بعملية الترجمة ذاتها خطوات إلى الأمام. وإلى موضوع جديد ولقاء قادم بحول الله .
1028
| 10 يونيو 2014
من المسلم به أن الحق في المعرفة من حقوق الإنسان الأساسية.. بل هو الحق الأصيل الأول الذي تكفله كل الدول لرعاياها ومن قبلهم كفلته الأديان السماوية لمن يتبعونهم. ولا شك أن الترجمة من أهم العوامل التي تعمل على تدعيم المعرفة بالعالم الذي نعيش فيه.. وهى – أي الترجمة – تسهم في تنوير العقول والارتقاء بالإنسان المعاصر بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة يعرف من يعيش في أي مكان على ظهر كوكب الأرض ما يحدث فى الطرف الآخر في نفس لحظة وقوع الحدث.. ولكن الأمر ليس بهذه البساطة.. كيف؟ وما هي عملية الترجمة؟ وكيف تتم؟ هذا ما سنتطرق إليه في هذا المقال. الترجمة (ويطلق عليها بعض العلماء عملية النقل) هي ببساطة تحويل نص أصلى مكتوب يٌسمى ( النص المصدر ) إلى نص مكتوب ويُسمى (النص الهدف) في اللغة الهدف. لا يستطيع إنسان مهما كانت قدراته أن يعرف أكثر من لغته الأم ولغة أجنبية أخرى أو اثنتين أو ثلاثة.. يعنى لا يمكن أن يكون على معرفة بكل لغات العالم.. ومن هنا كان أهمية نقل المعرفة ليس فقط في الأحداث الجارية بل أيضا في شتى أنواع المعرفة.. ويمكن الترجمة من لغة إلى أخرى مباشرة كما يمكن الترجمة عن طريق لغة وسيطة وهو أمر في غاية الصعوبة على نحو ما سنتطرق إليه في هذا المقال.. ولكن في جميع الأحوال لابد أن يتوفر الحس الأدبي في من يقوم بالترجمة لنص أدبي على سبيل المثال.. وبالمقابل يجب توافر الدراية الكاملة بالناحية العلمية أو الطبية لمن يتصدى للترجمة في هذه النواحي.. هذا فضلا عن إجادته لكلا اللغتين المترجم منها وإليها بطبيعة الحال . حقيقة أخرى يجب الالتفات إليها في هذا الصدد وهى أن الأقوى دائما هو الذي يكون أكثر تأثيرا في من هم أضعف منه.. وبعد الفتوحات العظيمة في العصر العباسي واتساع رقعة الخلافة نحو الشرق والغرب كان الخليفة هارون الرشيد ومن بعده ابنه الخليفة المأمون من أوائل من فطن لأهمية هذه الحقيقة ومن هنا جاء اهتمامها بالترجمة في نواحي المعرفة في العالم العربي واعتبرا أن الترجمة ليست ترفا لنقل الآداب والقصص والأشعار فقط ولكنها ضرورة حيوية لتقدم الأمة العربية وازدهارها في كافة العلوم وشتى مناحي الثقافة فكان أن قام الخليفة هارون الرشيد بإنشاء دار الحكمة في بغداد وقام بتجميع المترجمين من شتى أنحاء وأركان الخلافة وكفل لهم حياة كريمة بل وأجزل لهم العطاء في مقابل قيامهم بالترجمة من الفارسية والهندية واليونانية حيث كانت هذه البلاد هي الأكثر تقدما في تلك الآونة ولابد من تأثيرها على من حولها وفى طليعتها بالطبع شعب الخلافة العباسية.. وبهذا برهن الخليفة هارون الرشيد ومن بعده الخليفة المأمون على رجاحة عقلهما وأنهما كانا من السابقين للعصر الذي عاشا فيه.. وكان من فرط حماس هارون الرشيد أنه كان يمنح من يقوم بترجمة كتاب وزن هذا الكتاب ذهبا.. ومن أشهر المترجمين في العصر العباسي حنين بن اسحق وإبنه اسحق وثابت بن قرة . ولا يفوتنا في هذا الصدد أن نشير إلى أنه في عصر الدولة الأموية في دمشق– والتي سبقت الخلافة العباسية في بغداد– لاقت الترجمة اهتمام أمراء الدولة الأموية إدراكا لأهميتها وكان في طليعة هؤلاء الأمير خالد بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان الذي ترجمت في عهده العديد من الدواوين الشعرية والكتب العلمية مثل علوم الطب والفلك والرياضيات والنقد والموسيقى وغيرها الكثير . وتكرر نفس الأمر في مصر في بداية عصر النهضة الحديث فيما يطلق عليه البعض عصر الأسرة العلوية نسبة إلى محمد على باشا الكبير 1805– 1848 حيث عمل على نقل المعرفة من الدول الأكثر تقدما وخاصة إنجلترا وفرنسا فكان أن كلف رفاعة الطهطاوى بإعداد جيل من المترجمين لهذا الغرض.. وكانت تلك هي بداية ما صار يعرف بمدرسة الألسن التي افتتحت في القاهرة عام 1835 وتولى نظارتها رفاعة الطهطاوى.. وكانت هذه هي الموجة الأولى في العصر الحديث والتي تلتها موجات أخرى على يد الدكتور طه حسين بعد حصوله على درجة الدكتوراه وعودته من فرنسا وتوليه وزارة التعليم (أو ما كان يطلق عليها وزارة المعارف العمومية) حيث تبنى مشروع الألف كتاب.. وأخيرا كان المركز القومي للترجمة عام 1995 والذي ترأسه الدكتور جابر عصفور حيث كان الهدف الأساسي للمركز– غير الترجمة بطبيعة الحال– هو كسر الطوق المفروض على الترجمة من اللغات الأوروبية وهيمنة اللغتين الفرنسية والإنجليزية بالذات فقام المركز بترجمة كتب من أكثر من خمس وثلاثون لغة أصلية من بينها لغات لم تترجم عنها للعربية كما تقول الأستاذة تهاني صلاح في جريدة الأهرام. كيف يمكننا أن نخطو نحو مشروعات ثقافية تقدمية تعتمد على الترجمة في نقل الحضارة والثقافة والفكر واللغة شريطة أن تكون هذه المشروعات وطنية الملامح والهوى؟ وما هي المشكلات التي تواجه عملية الترجمة في عالمنا العربي؟ وما هي أهم اشتراطات الترجمة؟ وما هي معايير المواد أو الكتب التي يتم ترجمتها؟ وهل يجب أن تكون الترجمة تحت إشراف الدول أم يترك الأمر للأفراد ودور النشر يترجمون ما يحلو لهم؟ وما هي الإيجابيات والسلبيات في أي من هذين الاختيارين؟ هذه الأسئلة وغيرها هي ما سنحاول الإجابة عليه وما سنتناوله في مقالنا القادم . فإلى اللقاء بحول الله.
1396
| 29 مايو 2014
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4854
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3591
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2877
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2736
| 16 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2652
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
1794
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1482
| 21 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1407
| 16 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1041
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
975
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
837
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
813
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية