رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

المسافة صفر!

الأفعال حياة الأقوال وروحها، وكل قول خلا من عملٍ يصدقه هو دعوى ميتة، فكما أن لكل حق حقيقة فمصداقية الأقوال تتجلى في الأفعال، وبقدر ما تتسع الفجوة بين القول والفعل تسقط الأمم في وهدة العدم، وهذا المقياس يَصْدُقُ على حياة الأمم المادية، كما هو صادق على أخلاق الناس وإيمانهم. إن المسافة بين الأقوال والأفعال هي وحدة القياس الصادقة على الإيمان والحياة أيضاً، وهذا تماماً معيار الفرق بين الأمم التي تنتج الحضارة، والأمم التي تستهلكها، بين الأمم التي تصنع التاريخ، وتلك التي هي مادة للتاريخ، وإذا كان التاريخ يمقت الكسالى العالقين في مقولاتهم لا يجاوزونها إلى فعل حقيقي، فإن مقت الله أشد بأولئك الذين يزعمون إيماناً بالخالق وسلوكهم دليل على احتقار الخَلْق، وهذا اللون من التدين أشد خطراً على الدين من الإلحاد الصريح، لقد نعى القرآن عليهم أولاً (لم تقولون ما لا تفعلون)، وأخبرهم بأنه من أسباب المقت ثانيا (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) لقد استنام الكثيرون ل (يا أيها الذين آمنوا) ضاربين صفحاً عن التوبيخ (لم تقولون ما لا تفعلون) هرباً من استحقاق (كبر مقتاً عند الله...) متعللين بما قالوا إنه سبب للنزول، وهذه تعللات نفس يفهمها جيداً من يحاول فهم نفسه، فلو نَحَّينا جانباً سبب النزول وأعملنا الأصل القائل: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، سيتكشف لنا أن النداء هنا بالذات ممعن في الاستهزاء بهذا الشكل من الإيمان الذي لا يعجب الله تعالى. كما تستهزئ من ابنك الذي يُمنِّي نفسَه بالنجاح وهو أبعد الناس عن أسبابه، حتى إذا جاءت لحظة الحقيقة ونكَّس الحالمُ رأسه بعد الفشل، قلت له إمعاناً في التوبيخ: مرحباً بالناجح !!! إن قصر المسافة بين الأقوال والأفعال ليس دليلاً فقط على صدق الأفراد والأمم، بل هو أيضا السبيل الوحيد للانسجام النفسي وسلامة الروح، هو أن تعيش وفقاً لما تقول وتتحد بما تعتقد، وهكذ تظل الفجوة تُردمُ شيئاً فشيئاً حتى تصير المسافة صفراً بين قول الإنسان وعمله، وهذه منازل، النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين. في داخل كل إنسان منا ـ على الأقل ـ شخص آخر لا نعرفه، تخلقه الخصومة الدائمة بين ما نقوله وما يصدر عنا من فعل يناقضه، حتى يكون الإنسان الواحد فينا ميداناً لمجموعة شخوص تتعاقب على تمزيقه، فيعاني أولاً شرخاً في النفس، يتسع رويداً رويداً ليصبح هوة عدم سحيق. إن الذي يُنعم النظر في التاريخ يجده كثيراً ما يستهزئ بالذين يعيشون وهْمَ الاستحقاق بأنهم أسياد في الأرض دون أن يكون لهم همة أو عمل، فيزين لهم أوهامهم، ويعميهم عن عيوبهم، ثم يجعلهم مطية لكل تافه، وهم في مقت الله بعد مقت التاريخ، فالزمان رسولٌ لايزال يحمل رسائل الله للإنسان. ما أيسر ادعاء الإيمان، بيد أن الزمان شاهدٌ يُصدق ذلك أو يُكذبه (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).

1555

| 02 مارس 2019

أصل الحكاية.. وأمها!

تقع آمال الإنسان وآلامه في منطقة وسط بين أصله ومصيره (من أين أتينا وإلى أين المصير وكيف يكون المسير) سؤال واحد ثلاثي الأبعاد، سألناه لآبائنا صغاراً ونتحمل عبء الجواب عنه لأبنائنا كباراً وهو أهم سؤال يُسأل، وبقدر عمق المعرفة بالجواب تقاس تجربة الإنسان، ويتوقف النمو العقلي والوجداني للإنسان يوم يتوقف عن طرح هذا السؤال أو يزهد في البحث له عن جواب معتقداً أن ما لديه من موروث يكفيه. إذا أردنا أن نفهم العالم بأحداثه وأشخاصه وأفكاره علينا أن نفهم الفلسفات التي تحكمه، المادية منها والدينية، إذ لا يعرف الإسلام من لا يعرف الجاهلية، وكما يقول المثل الإنجليزي: لا يعرف إنجلترا من لا يعرف غير إنجلترا، وخلف كل الفلسفات يقبع السؤال عن أصل الإنسان، من نحن، وماذا يُراد لنا وماذا نريد ؟ لم تجد فلسفات الإلحاد المادي رواجها في الشرق والغرب لقوة فيها ولكن للانسحاب المتخاذل ممن يُفترض أنهم يحملون مشاعل النور فتركوا الدنيا تتخبط في ظلام وتحترق في ضِرام معتقدين بأن النار بعيدة عنهم ونحن الآن نستفيق على نُذُرِ حريق يدخل البيوت، عندما يعتنق أولادنا أفكاراً عبثية يعوزها العمق وينقصها التريث وكأنهم يبحثون عن مهرب من واقع خانق لا يجدون فيه عدلاً ولا صرفا فتنهشهم حيَّاتُ الوهمِ وفلسفات الضياع، فإن كان من سُخط فعلى أولئك الذين صدَّروا أنفسهم كقضاة أو دعاة فكانوا علَّةً ولم يكونوا دواءً. وزاد من معاناة الإنسانية فشل المسيحية مذ خاصمت الحياة، بعد فشل اليهودية التي عبدت الحياة، ووقف الإسلام وحيداً كقضية عادلة في أيدي محامين فشلة، ويفقد الإسلام معناه عندما يساير أحد النموذجين أو كليهما فيصبح مجرد طقوس في مسجد كالمسيحية، أو يتلاشى في الحياة كاليهودية، وتستحيل الحياة حلبة صراع، البقاء فيها للأقوى فتنتصر اشتراكية ماركس على عدل عمر، وفلسفة نيتشه على رحمة محمد صلى الله عليه وسلم، وتتقاسمُ العالمَ رأسماليةٌ متوحشةٌ وماركسيةٌ عمياء، وتقف الإنسانية بأمراضها طالبة الشفاء فيتولى دكتور سيجموند فرويد علاجها فيصيبها بعدواه ويداويها بالتي كانت هي الداء !! إن آفة كل دين أتباعه فإذا كانت اليهودية قد فسدت بيد اليهود فإن المسيحية قد ضاعت على يد النصارى وأُفرغ الإسلام من مضمونه على أيدينا، لكن من حسن حظ الإنسانية هذه المرة أن السماء لم تضع عهدتها الأخيرة بيد أحد كما حدث مع العهدتين السابقتين فثقة الله بنا لها حد « إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» فالقرآن حق الجميع، وليس ملكاً لأحد. إذا كان إنسان نيتشه هو السوبرمان الذي يختلف عن الحيوان في الدرجة فقط لا في النوع فإن القرآن ينظر للإنسان على أنه نفحة علوية من روح الله، موكل بإدارة مملكة الحياه يعمد إلى الحَسَن بزيادة الحُسن فيه وإلى القبيح فيحسنه، لقد خلع الله عليه من جمال أسمائه وجلال صفاته؛ فالإنسان هو الحي الساعي في إحياء النفوس وهو القادر على تحويل المادة الخام وتخليقها في أكثر من صورة، وتبارك الله أحسن الخالقين وهو رحمة الله تتجلى على كل ضعيف وغضب الله ينزل على كل فاجر ويد الله التي تبطش بالمعتدي وقَدَرُ الله الشافي يغالب قدَرَ المريض، وعين الله التي تحرس ولا تخون.

913

| 23 يناير 2019

طرق التربية الوالدية وأثرها على الصحة النفسية

المجتمع عبارة عن مجموعات انتظمت فيما بينها، وكل مجموعة لها هويتها التي يتشارك فيها أفرادها نفس المعتقدات والعادات والتقاليد والقيم، ويختلف الآباء في نمط تربيتهم لأبنائهم بحسب قيمهم ومعتقداتهم والإطار الثقافي لهم. وسوف نتحدث عن أنماط التربية الوالدية وأثر هذه الأنماط على الصحة النفسية للأبناء. ◄ أنماط المعاملة الوالدية Parenting Styles هناك عدة أنماط للمعاملة الوالدية، فوفقا للباحثة Diana Baumrindتم تقسيم أنماط التربية الوالدية إلى ثلاثة أنماط هي: النمط الاستبدادي المتشدد Authoritarian style: وفيه تكون متطلبات الوالدان من الابن عالية جدا؛ حيث يجب الالتزام بالقواعد الصارمة، والحوار قليل جدا بين الوالد والابن، كما أن مستوى الدفء الوالدي قليل، وضعف التفاعل الإيجابي بين الآباء والأبناء، ونمط العلاقة يعتمد على السلطوية والدكتاتورية، ويجب على الطفل الطاعة لوالديه؛ فهم يقرران بالنيابة عنه بداعي أنه لا يعرف مصلحته، وفي هذا تقييد لحريته واستقلاليته (Dewairy & Menshar, 2006). والمراهقون الذين يبدأون في رفض الدين قد يرفضون أنماط السلطة الوالدية أكثر من رفضهم للدين نفسه (Giesbrecht, 1995; Abar et al., 2009)؛ ولذلك قد يفقد الآباء المتدينون الذين يمارسون السلطة المستبدة السيطرة على أبنائهم في مرحلة المراهقة ويؤدي بأبنائهم إلى التمرد على القيم الدينية وإتباع أنماط سلوكية مغايرة عما كانوا يُرْغَمون عليه من قبل. النمط الحازم السلطوي Authoritative style: وهو نمط يرتكز على الطفل؛ حيث إن الآباء لديهم توقعات عالية ناحية نضج أطفالهم، فهم يحاولون فهم مشاعرهم ويعلمونهم كيفية تنظيم هذه المشاعر، ويشجعونهم على أن يكونوا مستقلين بذواتهم ويعتمدون على أنفسهم (Abar, Carter & Winsler, 2009) وفي الوقت ذاته يتحكم الآباء في بعض سلوكياتهم ويوجهونها، ويناقشون مع أطفالهم لماذا يقومون بصنع القواعد وسوف يستمعون لمشاعر أطفالهم عنهم. ◄ (Anoliefo, 2016) وهذا النمط يرتبط بالدفء الوالدي، والتفاعل الإيجابي بين الآباء والأبناء، وتشجيع التفكير الديمقراطي. النمط المتساهل Permissive style: في هذا النمط من الوالدية هناك نوع من الحرية لدى الأطفال في اتخاذ قراراتهم؛ حيث يسمح الآباء لهم باتخاذ قراراتهم بأنفسهم (Gafor, 2014)، وتتميز العلاقة بين الوالدين والأبناء بالدفء الشديد، والتفاعل يكون بدرجة عالية جدا بين الآباء والأبناء بدرجة أكبر من النمط السلطوي، كما أنهم قليلون التوجيه لأبنائهم وفي حال الوقوع في الخطأ لا ينبهونهم لعواقب تلك الأخطاء ويتساهلون معهم على اعتبار أن لهم استقلاليتهم الخاصة (Abar، وهناك بعض القيود على الأبناء ولكن بدرجة أقل من النمط السلطوي Authoritative، كما يشجع الآباء الذين يتبنون الأسلوب المتسامح على استقلالية أطفالهم وتمكينهم من تنظيم أنشطتهم الخاصة، كذلك فإنهم يتفادون المواجهة مع أبنائهم ويميلون إلى أن يكونوا دافئين، وداعمين لهم، ولا يهتمون بأن ينظر إليهم أطفالهم على أنهم شخصيات ذوي سلطة، ولقد وُجِدَ أن العائلات ذات المستوى المرتفع من التدين هي عائلات أكثر صرامة وأكثر استبدادية وهناك احتمال ضعيف أن ينتهجوا الأسلوب السلطوي الأقل حدة من الاستبدادي، ويخشى الآباء المتدينون فقدان السيطرة على أبنائهم ظنا منهم أن ذلك قد يؤدي إلى أن يسلك الأبناء مسارات أخرى بعيدة عن التدين، ومع دخول الأبناء مرحلة المراهقة تصبح الاعتمادية على الذات والاستقلالية وتشكيل الهوية الفردية والحق في اتخاذ القرارات وتقرير المصير ذات أهمية كبيرة بالنسبة للمراهق، كذلك فإن بحث المراهق عن هويته من خلال الاستقلال عن الآخرين غالبا ما يؤدي إلى تمرده ورفضه للقيم التي يتبناها الوالدان وأول هذه القيم هي القيم الدينية، ولقد وجد أن احتمالية هذا الرفض والتمرد خلال فترة المراهقة ربما تعود إلى استغلال السلطة التربوية لإرغام المراهقين على التقيد بسلوكيات وممارسات دينية معينة قد لا يقبلها المراهق، ونود أن نشير إلى أن النمط الاستبدادي Authoritarian style يكثر استخدامه في المجتمعات المحافظة كالمجتمع الصيني والمجتمعات العربية .

4691

| 04 ديسمبر 2018

حُمَّى التسوق والاستهلاك وإهدار الموارد

لكل حضارة دين ودين حضارتنا المعاصرة "الاستهلاك"، لقد بات الاستهلاك أكثر أديان المعمورة اتباعاً، إذِ اجتاح المجتمعات كحمى سرعان ما تطورت إلى جنون، ليصبح في نهاية المطاف ديناً لا يَعِد أتباعه بالخلود، وإنما يقذف بهم في قعر الجحيم، فالوقوع في عبودية الاستهلاك هو الطريق المعبد نحو الهلاك، وكلما زادت المجمَّعات في بلد اضمحلت المجتمعات، فزيادة الترف في أمة يغريها بالكسل والكسل يزيد من فراغ النفس وفراغ النفس يوقظ الرغبة في الاستهلاك بحثا عن قيمة موهومة وكمالات زائفة، وينسي هؤلاء أن في النفس ثقباً لا يسده الإ الله، لقد بلغت حضارتنا الحديثة مداها من الانحطاط حين بشرت بالسعادة الزائفة ورفعت شعار"التسوق متعة والاستهلاك علاج"، وعندما تصاب المجتمعات بالاستهلاك اللا إرادي تبدأ الحضارة في الأفول. إذا كان القرض ضرورة، فالضرورة لا تستحق احتراماً إلا حين تقدر بقدرها، فكل قرض يستدينه المرء من أجل تحقيق ترف زائد هو سلوكٌ أرعن ينم عن سفه وانعدام مسؤولية، لقد أصبح القرض هو السلوك الشائع للأفراد والمجتمعات والحكومات، حتى أصبح الاقتصاد العالمي يوصف اليوم بأنه اقتصاد الدَّين بامتياز. يرى قادة العالم اليوم أن أفضل وسيلة للتحكم في الشعوب تكون بمخاطبة رغباتهم عبر ضخ مزيد من السلع في منظومة إنتاج لا تتوقف لتحفيز رغبات لا تنتهي، وهكذا يتم استعباد الشعوب استعبادا نظيفاً يخلو من صور الاضطهاد التي كانت تلازم الاستعباد القديم إنها عبودية بشياكة تلك هي "العبودية المختارة" حين تقررها المجتمعات بإرادتها. نعم إنها إرادة لا واعية، لكن المسؤول عن غيبة الوعي هو صاحب القرار حين قرر أن يُستعبد، تماماً كمسؤلية السكران حين قرر أن يغتال وعيه، وهنا يبرز المتهم الثاني في القضية، وهو الآلة الإعلامية التي وجهت مدافعها نحو وعي الفرد والمجتمعات فنحرت وعي الجماهير باسم احترام الرغبات، ولن تتحرر المجتمعات حتى تتحكم في رغباتها، وهنا تتجلى عبقرية الفاروق عمر حين قال للمشتكين غلاء سلعة: "اتركوها لهم"، كذلك قال الإمام علي كرم الله وجهه: كم من حاجة لنا قضيناها بالترك، وقال يوما للشاكين غلاء الزبيب: أرخصوه بالتمر، هؤلاء هم القادة والقدوة لأجيال رفعت شعار  "إذا غلا علينا شيء تركناه     فيكون أرخص ما يكون إذا غلا". تلك أمة انتصرت في ميدان النفس فسهل عليها كل ميدان.  لقد خُلق الإنسان بطبعه باحثاً عن الحقيقة، لكننا نعيش الآن أفقر حضارة مرت على التاريخ، إنها متخمة من الإنتاج السلعي في الوقت الذي أوصلت الإنسان إلى مرحلة الاغتراب، اغتراب عن نفسه أفقده الوعي بأسرار وجوده والاعتقاد في ألوهية السوق كما يقول روجيه جارودي، إن النموذج الاستهلاكي الحديث يقول لإنسان اليوم: لا داعي لأن تبحث عن الحقيقة في ما وراء الطبيعة، ما دام كل ما تتمناه رهن بخطوط الإنتاج فقط عليك أن تجنح بخيالك وتطلق لرغباتك العنان وسوف نجعل من خيالك ورغباتك واقعا ملموساً، وهكذا يغلق التاريخ صفحة مأساوية هي مرحلة الاستعمار ليفتح صفحة هي أعظم من تلك المأساة وهي .... مرحلة الاستحمار، بجعل الإنسان حماراً.   

723

| 22 أغسطس 2018

"الإنسان لا يستطيع أن يكون مسلماً ويبقى متخلفاً"!

لست مغرماً بنبش القبور ولكن استفحال الوباء الذي يحصد الأحياء قد يتطلب علاجُه أحياناً معرفةً بتاريخ المرض وإن استدعى تشريح الجثث الهامدة، ولسنا عن عقل هؤلاء نتكلم، ولا عن عقل المراوغين بأسئلتهم تهرباً من المسؤولية عملاً بثقافة (ضعها في رأس العالم واخرج منها سالم)، ولا عن عقل النصوصيين، عبدةِ النصوصِ الذين خاصموا الطبيعةَ، والطبيعةُ هي أخت الشريعة لو كانوا يفقهون، فعلوا ذلك باسم الدليل، مع أن الدليل هو عنوان الحقيقة لا عين الحقيقة، فليس معنى أن لديك العنوان أنك قد وصلت بالسلامة، لقد فرحوا بالعنوان، ولو اشتغلوا بالطريق لوصلوا، فمصدر العقل هو مصدر النقل، وخالق الأكون هو منزل القرآن "ألا له الخلق والأمر" فالأكوان هي قرآن الله بلغة التكوين والقرآن هو أكوان الله بلغة التشريع. ومعنى هذا أن خلو الأمة من التحضر الحقيقي دليل على أن تدينها مغشوش. وهذا المعنى مشمول في (أركان الإسلام الخمسة)، فالصلاة واجبة، والوجوب موقوف على أمر هو من عمل العقل، وهو معرفة الجهات وتحديد المواقيت، وهذا هو علم الفلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والزكاة واجبة وهي تتطلب حصر الأملاك واحتساب الواجبات وتقدير الحقوق، وهذا علم الإحصاء وعلم الحساب، والصوم غايته التقوى وهو ما لا يتأتى إلا بمعرفة النفس وصيانة البدن، وهذا علم النفس وعلم الطب، والحج يتطلب معرفةً بمدار الأرض حول الشمس، وهذا علم الفلك مرة أخرى والحج دعوة للتأمل في أصول الأجناس (علم الأناسة)، وجذور اللغات (علم مقارنة اللغات) ومعرفة عوائد الناس وأنماط حياتهم (علم الاجتماع) أما توحيد الخالق، فهو بداية البدايات ونهاية النهايات، وسبيل معرفة الخالق تكون بمعرفة الخلائق، بدايةً من التنوع وصولاً للوحدة وانتهاءً بالتوحيد، عبر معرفة عالم الأكوان، فعالم الحيوان، فعالم الإنسان، فعالم القرآن كما يقول الأستاذ المسلم علي عزت بيجوفيتش: (إن المجتمع المسلم الذي لا يمارس شيئاً سوى الأعمدة الخمسة للإسلام لابد أن يبلغ الحد الأدنى من الحضارة وهذا يعني أن الإنسان لا يستطيع أن يكون مسلماً ويبقى متخلفاً). مُذ كفَّ المسلمون عن التفكير وُضع الإسلامُ موضعَ التُهمة ما يفرض علينا إبراءَ الذمة، قال المصلح الكبير جمال الدين الأفغاني: أفضل وسيلة لإقناع العالم بالإسلام أن نقنعهم أولاً بأننا لسنا مسلمين كما ينبغي، وبعد مرور قرنين على تلك المقولة لم يتغير شيء، تبقى آراؤهم شاهدة على اتهام أمة وبراءة دين. وأن العلة في القابل لا في الفاعل، حيث لا تثمر البذور الطيبة في الأرض اليباب.  

1642

| 08 أغسطس 2018

أرجوك..أنقذني من الفراغ!

"الفراغ مسئولية جسيمة"، لا يحتملها الكثير من الناس، وإن كنت في شك من ذلك فيمكنك التأكد من صحة المقولة، رُمْ مكاناً بعيداً أو اقصد جزيرةً نائيةً أو أغلق على نفسك باباً لا يدخل عليك أحد ولا تكلم أحداً فقط أنت والفراغ، ثم انظر ما تستطيع، فإن مكثت يوماً فلن تستطيع الثاني، وإن احتملت الوحدة يومين فبالتأكيد لن تحتمل الثالث، أما إن كنت قوياً ومصراً على أن تُخْسِرَني الرهانَ فتحملت العزلة ثلاثة أيام إلى ثلاثة أسابيع فأنت بالتأكيد إما حكيم أو مجنون، المجنون لأنه لا يعي شيئاً، والحكيم فلأنه وعى الله في قلبه فكأنه وعى كل شيء فلا تراهن على هزيمة شخص لا يخاف من الفراغ!   إن أكثر الناس ونحن منهم ليسوا حكماء أو مجانين بل ضعفاء واهنين لا نقوى على تكاليف الفراغ ومواجهة التزامات الوحدة، ففي نفس كل واحد منا وحوشٌ وضواري ذئابٌ وثعابينٌ لا تروضها إلا الوحدة في ظل فراغ! والفراغ مرآة عاكسة لطبائع الأمم وأخلاق الناس، يحفظ لنا التاريخ أن الإنجليز والفرنسيين تسابقوا على استعمار كندا فنجح الإنجليز وفشل الفرنسيون وعللوا ذلك بأن كندا كانت أرض قفار يتطلب استعمارها جنوداً كابدوا الوحدة وعرفوا قيمة الانعزال والأمة الفرنسية تمل من الوحدة وتعشق السهرات أما الإنجليز فيعرفون العزلة كما يعرفون العمل، فإذا كان هذا شأن الفرنسيين فكيف بنا نحن العرب، إن المقارنة هنا ليست في صالحنا ، فالفرنسيون أمة سريعة الملل لكنها تعرف أن الملل وحش وتعرف كيف تروضه لقد اشتق الفرنسيون من الألبان ثلاثمائة وستين صنفاً من الأجبان، بعدد أيام السنة تقريباً فالملل عند أمة تروضه يصنع المعجزات. أما نحن العرب فلا نجيد العمل ولا ترويض الملل فماذا فعل الفراغ بنا وماذا فعلنا بالفراغ؟! إن الواحد منا إذا طال مكثه بين أبنائه في العُطَل شب النزاع واستحال البيت إلى حريق أو مكان لا يحتمل فيسارع بالخروج من المنزل أو يقطع إجازته عائداً إلى عمله ولأن أبناءنا هم أكثر منا ذكاءً لأنهم أفضل منا نقاءً يفهمون أن هذا ضرب من الهرب لا يجدي معه القسم باننا نعمل من أجلهم بل هو الهروب من مسئولية حتمتها لحظة نشوة غير محسوبة، إن في موادعة الزوجة والأبناء في وقت الفراغ مقاربة مع النفس ومصالحة مع الذات تقترب من فضائل الوحدة والذي يعجز عن مؤانسة الزوجة والأبناء فهو عن الوحدة أعجز، فأبناؤنا هم بعضنا ومن لا يقوى على بعضه لا يقوى على كله أما الزوجة فهي شقيقة الروح. في بحث بديع قام به باحثون اجتماعيون عن سؤال اللحظة الأخيرة لمنكوبي حوادث الطائرات والكوارث " ما الرسالة التي تود أن نوصلها لك؟ لقد كانت الرسالة موحدةً من الجميع "زوجتي وأبنائي أبلغوهم كم أحبهم" إنها رسالة تختزل نهراً من ندم وآخر من أمل الندم على أوقات أضاعها بعيداً عنهم بخلاً بها وكانت حقاً لهم والأمل في فسحة من عمر جديد يعوضهم فيها عما فات لقد مثلت هذه التجربة القاسية نقطة تحول كبيرة لمن نجى منهم، ولسنا بحاجة لمثل هذه التجربة القاسية لكي نقنع بالمطلوب ففي أوقات الفراغ مندوحة لمن أراد حياة أو أراد شكوراً ولله در الفراغ لقد كشف لنا أي نوع من الناس نكون!    

986

| 25 يوليو 2018

اليقظة الزائفة

هل مررت يوما بهذه التجربة حين كنت تغطُّ في نوم عميق ترى حلما ثم ترى نفسك استيقظت لتحكي هذا الحلم، لتكتشف بعد ذلك أن يقظتك كانت حلماً آخر داخل الحلم؟ هذا ما يدعونه باليقظة الزائفة، ورغم بساطة هذه التجربة التي نمر بها جميعاً، إلا أنها تتضمن رسالة عميقة تحمل تساؤلات مصيرية، فلنفترض أننا استصحبنا هذه الحالة إلى مداها البعيد لنتساءل مع المتأملين: لماذا لا تكون حياتنا كلها حلما طويلا، ولماذا لا يكون ما ندعوه "باليقظة الحقيقية" هي الأخرى ضرب من اليقظة الزائفة؟ السؤال غريب لكن السعي في طريق الجواب عنه هو وظيفة المؤمن وواجب كل عاقل. إن ما ندعوه بالحقائق ليس إلا مجرد مألوفات الحس وإملاءات الشعور، ومع ذلك، فلن يجدر بنا أن نكون كالعدميين الذين نفوا كل شيء بالمطلق، كما لا يصح أن نكون مع الميتين الذين جمدوا على الحس فاتخذوه هادياً من دون الوحي والضمير، بل سنقول: إن في الخارج حقيقة، لكنها ليست صلبة، بل هي هشة وهشاشتها مستمدة من هشاشة المصدر الذي يفرضها، فالعين توهمنا بجمال القمر واللغة تخدعنا استناداً لشهادة العين، مع أن الواقع يؤكد أن القمر أجرب وهو أبشع الأجرام السماوية منظراً في المجموعة الشمسية، فمن الخطأ إذاً أن نمنح الحواس شيكاً على بياض، كما أنه من الخطأ تعطيلها تماماً، والعدل هو الثقة المشروطة بالوعي، فغياب الوعي يعني أن المرء نائم أو ميت، وإن ظن أنه مع المستيقظين، لقد جاء في الأثر: "الناس نيام فإذا ماتو انتبهوا"، فحياتنا بلا وعي هي حقيقة هشة ترادف الوهم، أو وهم ينتحل صفة الحقيقة، وفي هذا الحلم الكبير أليست ألقابنا وحيثياتنا الاجتماعية ومناصبنا وأحسابنا وأنسابنا إلا مجرد علائق تخدعنا عن إدراك الحقائق؟ ولله در القائل: من ينظر إلى الخارج يحلم، ومن ينظر إلى الداخل يستفيق، ألا يعتبر عصفأ بالأذهان قول الرسول الكريم: إن أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل؟ ألا يصعقنا صوت السماء ليوقظنا من سباتنا العميق "أو مَنْ كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها"؟ لقد استغرقتنا لعبة الحياة حتى ظنناها حقيقة "وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب" فلنمضِ قُدماً مع أحد المستبصرين حين قال: تخيل نفسك في عالم ليس فيه مرايا، كنت ستحلم بوجهك، كنت ستتخيله نوعاً من الانعكاس الخارجي لما هو بداخلك، بعد ذلك افترض أنهم وضعوا أمامك مرآة لأول مرة بعدما تجاوزت سن الأربعين وقد شق الزمان أخاديده على وجهك، تخيل جزعك كنت سترى وجهك غريباً تماماً وربما تنكره وكنت ستفهم بصورة جلية ما ترفض الإقرار به: وجهك ليس أنت. تلك دعوة لليقظة من سبات حلم الألقاب وعناوين الوجاهة ووهم التميز ولهفة الغرائز لتبحث عن نفسك عن ذهبك تحت طينك عن الشيء الذي ضاع منك ...عن الشخص الذي كنتَه.

1159

| 21 يوليو 2018

ما رأيكم ؟ تعالوا بنا نختلف!

ولم لا؟ هل يرضيك مثلاً أن تكون ظلاً للآخرين أو تعيش في جلبابهم وتسير في أحذيتهم لا ترى حين ترى فيهم إلا نفسك نسخة مكررة عن نسخ باهتة؟ ما هذه الحياة المملة التي لا تستحق أن تعاش ، إذا كان مفهوماً من حياة القطيع في الأدغال أن يتشابه إلى حد التطابق فلأن ذلك يحقق له الفائدة وهي تشتيت نظر المفترس كسباً للوقت من أجل النجاة، وهو هدف يستحق هذا الثمن الباهظ من عدم التفرد ؛ لأن الحيوان له مجرد وجود، أما الإنسان فهو فوق أنه موجود هو نائب عن الله واجب الوجود، وحامل رسالة تنيط به مهمة  تحسين الوجود. إن المجتمع الذي يسحق الفرد ليحيله إلى ترس في آلته الضخمة هو مجتمع يعمل ضد نفسه ويتبرع بمهمة تدمير نفسه نيابة عن عدوه .  لا يُنظر لقوة المجتمعات  باعتبار الميزان التجاري وحجم الصادرات من الواردات بل بقدرته على الاستثمار الهادف لتنوع أفراده الإثني والعرقي والديني والثقافي، وعلى العكس من ذلك، المجتمع الذي يعوزه التنوع يصعب بقاؤه. إن الفهد الصياد والدببة القطبية على قائمة الأحياء المهددة بالانقراض، وما ذلك إلا لأنها أكثر الأحياء انعزالاً وأشدها رفضاً للتنوع، هنالك أربعة نماذج تلقي بظلال بالغة على أهمية التنوع هي الصين والهند والعرب وأوروبا  فتوصف الصين بأنها حكومة قوية ومجتمع ضعيف، بينما توصف الهند بأنها على العكس من ذلك، حكومة ضعيفة ومجتمع قوي ، وأما أوربا فجمعت بين الميزتين، حكومات قوية ومجتمعات قوية، أما العرب فلا نصيب لها من إحدى الحسنيين بل جمعت كلتا السوأتين؛ حيث الحكومات ضعيفة والمجتمعات أكثر وهناً، وليس ذلك لضعف موقع أو هشاشة موضع بل الموقع والموضع شاهدان على مصادر قوة العرب بل لمحاربة التنوع في مجتمعاتنا، ومع ذلك فالعبور إلى المستقبل سهل والثمن بسيط، وهو أن نقطع مع حاضرنا البائس، ونعيد الاعتبار للتنوع الموجود بيننا والذي سيربح منه الجميع ولن يخسر منه أحد.  إن كل فكرة تظل مجرد فكرة ما لم تتلاقح  مع فكرة أخرى، وليس وصولاً لعملية جمع حاصلها فكرتين بل نهر هادر من الأفكار، تماماً كما تقف بين مرآتين هل ترى  شخصين أم  ترى عددا من الأشخاص بمد البصر؟ وتفعل الفكرتان على اختلافها ما تفعله مرآتان على ابتعادهما إحداهما تعدد الشخوص وتعمق الرؤية  والأخرى تنير البصائر وتحرر الضمائر. إن إبليس لم يمنح فقط فرصة الاعتراض بل أكثر من ذلك أعطي حق النشر بالمجان في الجريدة الرسمية على تهافت حجته.  إن إبليس ـ تجلت حكمة الباري ـ لم يخلق لإخراج الناس من الجنة إلى الجحيم بل ليكشف لنا أولائك الذين زهدوا في الجنة واختاروا الجحيم . إن العقائد كالملابس، تبلى مع طول الأمد وكثرة الاعتلاق وأكثر ما تبلى العقائد عند معتنقيها وعندما يحين الوقت ينادي لسان الكون في العالم: أعيدوا التثوير، وهنا يبرز مصلحون وأبالسة وحتى حين يغلب أبالسة الرأي أحيانا ويسودون الميدان لا تقلق، فلن يُصرع على أيديهم إلا كل مصروع، وأيضاً سيولد على أيديهم في الإيمان آخرون. فكروا تصحوا  

987

| 11 يوليو 2018

الفراغ نعمة مهدرة!

هذه مقالة كتبت في وقت الفراغ شكراً على نعمة الفراغ ، ولولا أن يقدس الناس الفراغ لقلت كما قال الأستاذ العقاد: إن الحضارة من مبدئها إلى حاضرها مدينة لأوقات الفراغ. إن التبشير بأهمية زيادة أوقات الفراغ في حضارتنا المعاصرة لا تقل عن أهمية إيماننا بضرورة العمل. فالعمل الشاق لساعات طويلة وباستمرار مضرٌ بأخلاق العمال ومفسدٌ لضمائر الشعوب، وحاجة الإنسان إلى أوقات فراغ أصيلة كحاجته لوقت العمل، فهذه لعمارة الحياة وتلك لعمارة النفس، والزيادة في أوقات العمل تعني زيادة في الإنتاج عن مقدار الاحتياج وفائض الإنتاج يخلق فائض قوة يغري الدول المنتجة  بفرض فائضها على الدول المستهلكة مما يؤدي لعادة الاستهلاك عند هذه الشعوب المستعبدة ضماناً لاستمرار خطوط الانتاج إرضاء للمنتجين  وهذا سلوك يحط من قيمة المجتمعات التي لا تقف عند حدود احتياجها فتتمادى في إشباع الرغبات وهي طبيعة بهيمية لا تليق بإنسان، وللمفارقة العجيبة فإن زيادة أوقات العمل وما يترتب عليه من زيادة في الإنتاج ـ يعتقد البعض أنه فضيلة تحقق الرفاهية ـ هي ذاتها كارثة في انتظار التحقق! كيف ذلك ؟ أمهلني لحظات ! فزيادة الإنتاج يتبعه زيادة  نهمٍ واحتياج،  ومن زيادة استهلاك يتبعه زيادة إهلاكِ للموارد الطبيعية ففضلاً عن أن هذا سلوك أناني أرعن من جيل حاضر لا يرعى حق أجيال قادمة  في تلك الموارد أقول فضلاً عن ذلك فإن هذا سيخلق طابوراً من العاطلين يدفع ثمنه شباب مظلوم فضلاً عن تسريح أعدادٍ هائلة من وظائفهم بسبب اختلال الموارد البيئية فيختل الميزان بين الإنتاج والاحتياج وهو ما يؤدي إلى نفس النتيجة، خلق أوقات فراغ لكن بالطريقة الفجة على عكس ما يرمي إليه العقلاء بطريقة رشيدة تحفظ للعمل قيمته وللموظفين كرامتهم وللإنسانية حقوقها وللبيئة مواردها من النضوب وللأجيال القادمة حظهم من الحياة، وهي خطة يربح فيها الجميع دون أن يخسر أحد أما الخطة القائمة فالمكاسب فيها مؤقتة ومحسوبة لقلة ساحقة على حساب أكثرية مسحوقة، فالاستقرار على ذلك عرض زائل وسقوط الحضارة القائمة حتمي لا مفر منه. سيعترض البعض على زيادة وقت الفراغ بقوله: الناس تمل والجرائم تزيد في أوقات الفراغ وحالات الطلاق أكثر ما تكون في أوقات العطل ناهيك عن شتى صور الانحراف وهذا اعتراض لا يخيف فهو أقرب للاعتراف منه إلى الاعتراض  إنه اعتراف واضح بفشل هذه الحضارة، بفشل تعليم لم يطلق طاقات المتعلمين ويحرر وعيهم، اعتراف بفشل تربية لا تنطلق من أن الحرية الحقة هي الشعور بالمسئولية التامة، تربية لا تمنح الأبناء حق التعبير الحر عن ضمائرهم ولو خالف ذلك عادة الآباء، اعتراف بفشل مؤسسات لم تضع الطاقات في موضعها اللائق لقد كان أحرى بهم النعي على آباءٍ هم في حكم القتلة لأبنائهم، أحرى أن يعترضوا على تعليم لم يحَضِّرْ أبناءنا لاستحقاقات المستقبل وإدارة أوقات الفراغ بتعليمهم كيف تُعرف النفس وتُدار الذات، وإذا أردت أن تعرف حاضر أمة وتستشرف مستقبلها فراقبها في أوقات الفراغ فإنها أدل الأوقات على حياة الأمم، فالملل وزيادة حالات الطلاق وكثرة الجرائم وغيرها كلها عرض أما حقيقة المرض ففي إنسانية لم تقدر نفسها وهي عند خالقها ذو قدر عظيم، فليس العتب على الفراغ بل على أمة تهدر نعمة الفراغ.

1230

| 27 يونيو 2018

لحظات هاربة

ما إن  يطالع أحدنا نفسه في المرآة لإصلاح هيئته حتى يدور حديث صامت وبعضه صاخب قد ينتهي بابتسامة أو سخرية وقد يتطور الحديث إلى السب أو الضرب وأحيانا البصق على صورة الوجه في المرآة !! حسناً ، الأمر لا يدعو للخجل فتلك لحظة جليلة لكنها قليلة من لحظات الوعي بالذات لقد شارف هذا السعيد لتوه على رؤية ذاته عارية من أوهامها ، لحظة وعيٍ تطلب منك أن تستدير لترى نفسك هنا في داخلك  وليس في أي مكان آخر حيث أولئك الذين حطموا مصابيحهم وساروا في الظلام فأصلحوا ظاهرهم وأهملوا باطنهم وهو بالإصلاح أولى فلا ينبغي أن تعبأ بالذين لا يعجبهم منك إلا حذاؤك. يقولون : من شدة القرب يأتي الخفاء وحين يصبح الرائي هو عين المرئي تنعدم الرؤية لذا كانت معرفة النفس من أعز المطالب وهنا تكمن عظمة المرآة أنها تمنحنا المسافة الملائمة لكي نرى ذواتنا فحديثك مع نفسك دليل على أنك حي ، وعظمة نفوس هؤلاء في عين الله جعلته يقسم بها  " ولا أقسم بالنفس اللوامة". والمأساة الحقيقية تلوح حينما يشارف المرء على تحقيق ذاته كما قال برديائيف عندها يتداعى كل وعد زائف بالسعادة ،ألست ترى أن كل متعة منقوصة وكل سعادة محض أوهام ؟ ألست تستشعر وحشة بعد كل نجاح تحرزه ؟ ألست تعاني شعورا بالنقص بعد كل لذة تفوز بها ؟ ثمة رسالة هنا أن في النفس ثقباً لا يسده إلا الله.إن أقدار المرء هي مجموع رسائله التي يجب عليه أن يفض مغاليقها ليقرأ ما فيها ، فحُق النعي على ألائك الذين لا يقرؤن أو يقرؤن لكن لا يفهمون أو يفهمون لكن لا يعملون أو يعملون لكن لا يخلصون.  إن الباحثين عن الراحة في الدنيا وعن الكمال في المال وعن اللذة في الجمال ضائعون في صحراء التيه بحثاً عن السعادة في المكان الخطأ  كأولئك الباحثين عن فك ألغاز الوجود وصياغة نظرية " كل شئ " لتفسير العالم بأشيائه وأحداثه وأشخاصه فهؤلاء وأولئك باحثون في حقيقة الأمر عن أنفسهم ، عن الله لو كانوا يعلمون، وعندما تحين لحظة الحقيقة فيجدون أنفسهم وجها لوجه أمام الله وأمام أنفسهم إذاهم يعرضون.  إن عمر الإنسان لا يقاس بطوله في حساب الزمن وإنما بعمقه في سبر أغوار النفس، وما النقص الذي نحسه مع كل لذة وما الوحشة التي تتملكنا فور كل نجاح  إلا دليلا على حنين النفس  إلى عالم الكمالات حيث لا وحشة ثمة ولا فتور تماماً كأنين الناي الحزين عندما يحن إلى  الأرض التي اقتُلع منها وكما يحلم الفيل بأرض الهند تشتاق الروح إلى عالمها والذي يقيناً ليس هذا العالم  فنحن في هذا العالم ولسنا منه، إنها لحظات تهرب من بين أيدينا بما تحمله من رسائل تأخذ بأعناقنا إلى الحقيقة فنهرب منها أو نتركها تهرب من بين أيدينا فطوبى لمن اعتقلها!  

1020

| 18 يونيو 2018

كل علم لا يوصلك إلى ذاتك فهو يضلك!

في اليونان القديم وعلى واجهة معبد ديلفي نحتت هذه العبارة "اعرف نفسك" وكما يحكى عن الفيلسوف "ديوجين الكلبي" أنه كان يحمل مصباحاً في وضح النهار بحثاً عن الإنسان. إن معرفة النفس ليست ترفاً كما يراها الخاملون، ولا مجرد فضيلة كما يفهمها المتعالمون، بل هي أفرض فريضة، يقول العارفون. ولن نذهب بعيداً، فتوحيد الله هو أوجب الواجبات، لكن هذا الواجب على علو قدره موقوف على معرفة النفس، فما عرف الله من جهل نفسه، فمعرفة النفس هي الطريق الملكي إلى الله. إن معرفة النفس كالمقدمات، إذا صحت صحت النتائج وكالبدايات إذا استقامت استقامت النهايات، فكم من عباد لله بجهل لا يدركون أنهم يعبدون أنفسهم وهم لا يشعرون، لقد حكى هيرودوت في مشاهداته أنه رأى قبائل إفريقيا ينحتون آلهتهم على شاكلتهم، أفطس الأنف، أسود الوجه، أجعد الشعر، ثم زار قبائل الروم فوجدهم ينحتون آلهتهم على شاكلتهم، أبيض الوجه، أشقر الشعر، أزرق العينين، فقال: علمت من ذلك أن الخيول والبغال والحمير لو استطاعت أن تنحت لها آلهة لجاءت آلهتهم خيولاً وبغالاً وحميراً، قد أسمع صوتاً قادماً من نفسي بأن المثل بعيد لكن صوتاً آخر من أعماقي يقول: بل المثل جد قريب فإذا كان الناس في الدين تبع لملوكهم فتوحيدهم لله تبع لنفوسهم؛ لأننا لا نستطيع أن نرى شيئاً في الوجود بما في ذلك توحيدنا لله إلا من خلال إسقاطات نفوسنا فكل إنسان يرى الوجود وما وراء الوجود بما يرى به نفسه "قل كل يعمل على شاكلته" وهنا مكمن الخطر، لقد أدرك ذلك مولانا الرومي فقال: بالأمس كنت ذكياً فأردت تغيير العالم الآن أنا حكيم لذلك سأغير نفسي وللحق فإن الأمر شاق تكتنفه صعوبات جمة ليس أصعبها أن الرائي هو عين المرئي وهو ما يحجب رؤية النفس؛ بل لأن المرايا التي يمكن أن نرى فيها ذواتنا أكثرها مقعرة أو محدبة، إحداهما تتضخم فيها الأنا والأخرى تكاد أن تتلاشى فلا بد أن تجعل بينك وبين ذاتك مسافة ملائمة ترى فيها أفكارك وأفعالك في مرآة مستوية ومعتدلة بحيث يتساوى فيها حجم الإنسان بحجم أناه ويتساوى مقدار البعد بينه وبين أناه بمقدار البعد عن المرآة.  يعيش الإنسان منا صغيراً في مرحلة واحدة من حياته، لكنه قد يعيش بقية حياته غير ناضج، وسلوك الإنسان يأتي على طبق الأصل من عقيدته في "الله" فبنو إسرائيل حين احتكروا مفهوم "الله" مدعين أن الله حق حصري لهم نتج عن ذلك أن بقية البشر بهائم أو عبيد، وويل للدِّين من مؤمن لم يعرف نفسه؛ إذ المعرفة هي أول شرائط البراءة من عدوى الإسقاط والنجاة من شتى ضروب الحيل، ومعرفة النفس هي أفضل المعارف بل أفضل المعرفتين (معرفة النفس، ومعرفة الآفاق) وكل علم لا يوصلك في النهاية إلى نفسك فهو يضلك مزيد ضلال ويحيل عندك الأوهام محل الحقائق.  

1310

| 30 مايو 2018

كل مرة تذهب إليه.. يأخذ مقاساتك من جديد!!أنا ... والخياط

في حَوْمة البحث عن شخص تستريحُ إليه قد تُعييك المسافات، ثمة شخص صادق الحال، حاضر في كل شارع، يوشك أن يكون حكيماً على الرغم منه هذا الشخص هو الخياط، فهو يعمل بالحكمة عرف ذلك أو لم يعرف، أكثر شخص يمكنك أن تستريح إليه،  فكل مرة تذهب فيها إليه، يأخذ مقاساتك من جديد، مترجماً عن سنة ( التغيير) فليس بعد الله ثابت إلا التغيير، أما الآخرون فيصرون على معاملتك بنفس المقاس القديم مهما تجددت أحوالك، يعلمنا الخياط أن لكل منا ذاتين لا ذاتاً واحدة، "ذات حقيقية وذات زائفة"، ولكننا نعيش جل حياتنا انطلاقا من الذات الزائفة لا من الذات الحقيقية، وهذا ما يطلق العداء مع ( الله، والنفس، والعالم ) وبين الخياط والمجتمع وجه شبه فكل منهما صانع أزياء، لكن الخياط يحيك لك ثوباً وأنت تعلم أنه ثوب، وأنه مفارق لك وحين يرقع لك ثوباً ممزقاً لا يخدعك لأنك ترتضيه على قاعدة أهون الضررين،  وحين تَكثُر المِزَق لا تصلح الرُقع هكذا يصدقك، أما المجتمع فصانع أزياء زائفة ، لا تسترك بقدر ما تشطرك إلى نصفين، نصف يضيع منك ونصف لا تعرفه  فالانتماء ثوب والدين ثوب واللغة ثوب وكلها على مقاس واحد يحددونه لك من مولدك حتى وفاتك، فهو يعطيك دفء الانتماء، وهو أمر ضروري لا بقاء لنا من دونه؛  لكنه يحرمك من حق الحرية.  يعطيك الدِّين ؛ لكنه يحرمك من الإيمان. قد يعطيك مالاً لكنه يقيناً يسلبك الإحساس بالغنى .  يعطيك اللغة؛ لكنه يُحَرِّج عليك المراجعة أو البحث في دلالاتها، ويبقى للخياط على المجتمع فضيلة أخرى، هي أنه يأخذ منك ويعطيك، لا دائن ولا مدين، أما المجتمع فيعطيك لكي يأخذ منك، ويبقيك مديناً حتى انقطاع النفس، وربما سمعت بقية من صدى صوت قادم من أعماق نفسك في لحظة وعى نادرة تسائلك: هل أنت أنت ؟ أم شيء آخر أرادوه؟ وعندها يولد الإيمان مع ولادة الوعي،  لقد كره رسول الله ﷺ من الطارق حين سأله من ذا ،قال: أنا فقال : أنا أنا كأنه كرهها.!!  فالكراهة هنا لا تتوجه للفظ باعتباره لازمة وهي من عفو الكلام في مخاطباتنا، إذن لابد أن تتوجه الكراهة إلى ما هو أعمق من مجرد اللفظ ألا وهو الوثوق بلفظ يورث وهما بالمعرفة  تقعد بصاحبها عن طلب المعرفة الحقيقية فيتكلم بجهل ويصدر في سلوكاته عن غرور. قال القس سانت أوغسطين : لا أستطيع أن أدرك كل ما يجعلني "أنا" . في الواقع بين الذات الحقيقية والذات الزائفة شيء أكثر بكثير من مجرد سوء  تفاهم  فقد يعيشان زمنا طويلا في داخلنا ولا يلتقي أحدهما بالآخر ولو مرة لأن البون بينهما شاسع والمسافة بعيدة. إن المجتمع بتربيته اللاواعية للفرد يوقعه في مفارقات لا حصر لها  فانظر كما قال حكيم: كيف نتعب وراء الراحة ونشقى في البحث عن السعادة  ونفلس سعيا وراء الفلوس وعند الموت فقط نتذكر أننا قد نسينا أن نعيش!!  

1335

| 14 مايو 2018

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

2328

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

831

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
النضج المهني

هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...

702

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
النهايات السوداء!

تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...

636

| 12 ديسمبر 2025

alsharq
موعد مع السعادة

السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...

615

| 14 ديسمبر 2025

alsharq
قطر في كأس العرب.. تتفرد من جديد

يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها...

609

| 15 ديسمبر 2025

alsharq
التمويل الحلال الآمن لبناء الثروة

في عالمٍ تتسارع فيه الأرقام وتتناثر فيه الفرص...

567

| 14 ديسمبر 2025

alsharq
تحديات تشغل المجتمع القطري.. إلى متى؟

نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...

555

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
إليون ماسك.. بلا ماسك

لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد...

552

| 16 ديسمبر 2025

alsharq
معنى أن تكون مواطنا..

• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...

531

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
الوطن.. حكاية شعور لا يذبل

يوم الوطن ذكرى تجدد كل عام .. معها...

516

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
مسيرة تعكس قيم المؤسس ونهضة الدولة

مع دخول شهر ديسمبر، تبدأ الدوحة وكل مدن...

504

| 10 ديسمبر 2025

أخبار محلية