رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
للبشر خصائص عقلية ونفسية تتصل بعملية التفكير، من أبرزها خاصية "التعويض"، وهي محاولة يلجأ إليها العقل البشري في ظروف المحن والأزمات والسقوط، بغرض الشعور برضا النفس، كنوع من التخفيف ورفع الروح المعنوية. فالتعويض من خلال علم النفس يعد من آليات الدفاع التي يعمل من خلالها الفرد لحماية نفسه واستبدال الحرمان، أو التغلب على الصفات السلبية الموجودة، أو الواقع السلبي الذي يعيش فيه. فربما كانت فتاة مثلًا مفتقدة في مراهقتها للإطراء في ملبسها ومظهرها وهندامها، فتتجه طموحاتها بشكل تلقائي إلى أن تكون عارضة أزياء في المستقبل لتعويض هذا الحرمان وإثبات الذات. وقد نرى تطبيقا عمليا لخاصية التعويض لدى كثير من ذوي الإعاقة الجسدية، إذ يتجهون إلى ممارسة ألعاب القوة ورفع الأثقال والمشاركة في بطولات محلية ودولية في هذا المجال لذوي الإعاقة، لأنها بالفعل ترفع معنوياتهم وتعوضهم عن الشعور بالنقص أو الدونية وفقًا للمشاعر التي تسيطر عليهم. من الأمثلة الظاهرة في هذا العصر على خاصية التعويض التي أثرت على مسار الشعوب والأمم، الشعب الياباني الذي خرج من الحرب العالمية بهزيمة مدمرة، خاصة بعد تعرضه للعدوان البربري الأمريكي بإسقاط قنبلتين نوويتين على هيروشيما ونجازاكي، للإسراع في إنهاء الحرب وإرهاب حلفاء الأمس وأعداء الغد. استطاع الشعب الياباني أن ينهض من جديد لبناء اليابان، واستطاع خلال فترة وجيزة من إحداث نقلة بعيدة خاصة في مجال الاقتصاد، إذ صار لليابان اقتصاد قوي يعد من أكبر مصادر القلق الاقتصادي للولايات المتحدة نفسها. مفتاح هذه النهضة، هو استلهام اليابانيين القوة من تاريخ أجدادهم الأوائل، وتقاليدهم التليدة في الفروسية وحب الوطن والشغف بالمعرفة، فكانت هذه المشاهد هي لُبّ عملية التعويض التي أثرت في إعادة بناء اليابان. ومن هذه النماذج كذلك: انتصار العرب على الإسرائيليين بعد هزيمة الإذلال التي تلقتها الدول العربية في نكسة 1967، تلك الهزيمة التي عززت أكاذيب الصهيونية حول الجنس العربي المتخلف أبد الدهر، وحول الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، فسادت حالة من اليأس والهزيمة النفسية لدى الشعوب العربية جميعا، وفي هذا التحول من الهزيمة إلى النصر كان التعويض يرتكز على استدعاء البُعد العقدي واستحقاق الدعم الإلهي لكونهم يمثلون معسكر الحق وعدوهم الصهيوني يمثل معسكر الباطل، ويرتكز كذلك على استدعاء الرصيد الحضاري لهذه الدول ذات الحضارات العريقة، مقابل دولة لقيطة تكونت منذ عقود بجمع شتات اليهود في أصقاع الأرض. هذا التعويض خلّص شعوب وجيوش العرب من قيد الشعور بالدونية والضعف مقابل التهويل من قوة العدو وتضخيمها، خاصة وأن الاحتلال الصهيوني قد برع في استغلال دوافع الأمان لدى الإنسان العربي بإثارة الخوف والفزع لإرهاب الشعوب، كما حدث في مذبحة كفر قاسم 1948 على يد العصابات الصهيونية لإرهاب المواطنين الفلسطينيين العرب المسالمين ودفعهم تحت تأثير الرعب إلى مغادرة أراضيهم، وكما فعل إبان حرب الاستنزاف بقصف مدرسة بحر البقر بإحدى قرى محافظة الشرقية بمصر، والتي كانت مجزرة وحشية لبث الرعب وإجبار المصريين على الاستسلام للشروط الإسرائيلية. عملية التعويض هي حافز عظيم لشعوبنا التي أنهكتها الحروب كغزة وسوريا في إعادة البناء وتجاوز المحن وأسباب اليأس والإحباط، لكن ذلك لا يتأتى إلا في حال اكتمال الوعي الفردي والجماعي. فهناك تعويض سلبي أجوف يتمثل في التمحور حول الماضي والتاريخ والخصائص المُميِّزة من عقيدة وحضارة ونحوه، والاكتفاء بذلك، والانكفاء على أمل زائف بأن هذه الخصائص كفيلة بذاتها للنهوض. بل لابد من إدراك ضرورة التعاطي مع الواقع والسعي لامتلاك الأدوات وبذل الجهد وإدراك التحديات والمخاطر، وفي هذه الحال تكون هذه الخصائص العقدية والحضارية والتاريخية بمثابة الروح الدافعة للعمل والنهوض وتجاوز المحن، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ehssanfakih@gmail.com
828
| 16 مارس 2025
الخطأ طبيعة بشرية، فما من إنسان إلا ويقع في ارتكاب الأخطاء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقرر هذه الحقيقة بقوله: (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون). لكن أشد من الخطأ، أن يسعى المخطئ لتبرير الخطأ بحجج واهية ومبررات شتى للتغطية عليه وتبرئة نفسه، نعم لا أحد يرغب في الظهور بمظهر المعيب الناقص، لكن تبرير الخطأ بغير وجه حق هو آفة خطيرة تقلب موازين العدل والإنصاف، وغالبا ما يعبر ذلك عن تلبّس صاحبه بداء الكِبر. لدينا بهذا الصدد مثل لاثنين من خلق الله، كان أحدهما على النقيض من الآخر حيال الخطأ، وهما آدم عليه السلام، وإبليس. عندما عصى الشيطان ربه برفض السجود لآدم، لم يقر بالخطأ الذي ارتكبه، وإنما شرع في التبرير لهذا الخطأ يحركه في ذلك الكبر، فكانت حجته الواهية هو القياس الفاسد (خلقتني من نار وخلقته من طين)، فقد أعطى لنفسه الحق في تفضيل النار على الطين بدون سند، ولو أنه اعترف بالخطأ واستغفر ربه لعفا عنه، لكنه أصر على التبرير والتمسك برأيه الفاسد. وأما آدم عليه السلام، فحين وقع في المخالفة وأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها، سلمت نفسه من الكبر، وأقر على الفور بالخطأ، ولم يبرر، ولم يسق الحجج، فكان صريحا مع نفسه، وعلم أنه لم يكن هناك داع لهذه المخالفة سوى الفضول والانصياع لتسويل الشيطان، فتاب هو وزوجه: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين). وفقًا لمنطق تبرير الأخطاء بالباطل، يشرعن الكثيرون أخطاءهم، فهذا يسرق ويبرر بالاحتياج، وهذا يضرب زوجته بمبرر طبيعة الغضب فيه، وهذا يشرب الخمر لينسى آلامه، وهذا يرتشي ويبرر ذلك بأن رؤساءه في العمل يرتشون، فهكذا وبهذا المنطق سوف يجد كل مخطئ ما يبرر به الخطأ ويشرعنه. تبرير الخطأ بالباطل يضيع الحق، فلو أن رجلا يقود سيارته بمنطقة نائية عن الرقابة متجاوزا المسافة القانونية بين السيارات أثناء السير، وصدم سيارة رجل آخر من الخلف، ثم شرع يبرر هذا الخطأ بالباطل، في الوقت الذي يراه الطرف الآخر مخطئًا، فكيف لا يضيع الحق بينهما؟ لا يدع تبرير الخطأ بالباطل إلا صاحب نفس زكية وذو حكمة وحسن إدراك، حيث يعلم أن الخطأ من طبيعة البشر، ولن ينقص من قدره شيء إن اعترف بأخطائه، وفي نفس الوقت يأخذ من الموقف عظة لئلا يتكرر الوقوع فيه، كما أنه امرؤ شجاع يواجه أخطاءه في جرأة، وفوق ذلك يراقب الله عز وجل، فهو يعلم أن الحجج الواهية التي يسوقها لتبرير ما وقع فيه من خطأ، قد يخدع بها الناس، لكنه لن يخدع بها الذي يعلم السر وأخفى. تحدثنا كتب السيرة النبوية عن أحد هؤلاء الذين واجهوا أخطاءهم في شجاعة، وراقبوا الله، ولم يبرروا لأخطائهم بالباطل رغم قدرتهم عليه. هو الصحابي كعب بن مالك رضي الله عنه، أحد الذين تخلفوا عن غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم بغير عذر، فلما رجع صلى الله عليه وسلم جاءه من تخلفوا عن الغزو يسوقون المبررات، فقبل منهم أعذارهم التي أعلنوها لأن الأحكام تجرى على الظاهر. أما كعب، فما إن علم بعودة النبي صلى الله عليه وسلم حتى جعل يجهز مبررات يقدمها، لكنه بعد أن دخل عليه المسجد وسأله النبي عن سبب تخلفه، قال بكل صراحة: يا رسول الله، والله لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا، لخرجت من سخطه بعذر، ولقد أُعطِيتُ جدلًا، والله ما كان لي عذر حين تخلفت عنك، فقال صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك. فالرجل يملك المقدرة على الدفاع عن نفسه بالباطل، لكنه أبى إلا أن يكون صادقا ويعترف بالخطأ، مهيئا نفسه لاحتمال النتائج مهما كانت. المرء مطالب بالتخلي عن نرجسيته وكبره في التعامل مع الأخطاء، فيقر بها ويترك التبرير بالباطل، لأنه بالضرورة ينشد ذلك في الآخرين، وقديمًا قالوا: "الاعتراف بالحق فضيلة"، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ehssanfakih@gmail.com
813
| 09 مارس 2025
نعمةٌ من نعم الله لا يستحضرها كثير من الناس، وإن استحضروها فغالبا لا يدركون قيمتها، إنها نعمة أن يأتي رمضان عليك وأنت بين أناسٍ يبجّلون هذا الشهر الفضيل، ويعرفون له قدره، ويبتهجون بطلائعه، ويستعدون لاستقباله كحبيب طال به الغياب، فترى وجه الحياة بكامله قد تغير وتزين في هذا الشهر. ربما أثير الحديث عن هذه النعمة، لأنني أدركت قيمتها، بعد أن أمضيت 11 عامًا في تركيا التي أحبها وأدين لها بالكثير، فعلى الرغم من الجهود التي تُبذل لإعادة مظاهر الحياة التركية إلى الصبغة الإسلامية التي عاشت بها عدة قرون، وعلى الرغم من الخطوات التي قطعتها الحكومة ذات الجذور الإسلامية في تعزيز الشعائر الإسلامية، إلا أن بعض الناس لا يزال حاملا لمظاهر العلمانية التي تجذرت في شريحة واسعة منه من بعد سقوط الخلافة العثمانية. عندما تعيش كمسلم عربي في تركيا سترى كثيرا ممن حولك لا يبالون بالجهر بالفطر في نهار رمضان، لا تلحظ تغيرات واضحة في حياة الناس، وكأنهم يعيشون أياما عادية، وأعني هنا خارج جدران المساجد، كما لا أقصد هنا التعميم، ولكنني أتحدث من واقع المقارنة التي ارتكزت على كوني عربية شهدت في موطنها شهر رمضان مرارًا وتكرارًا، فليس هناك وجه للمقارنة بين الواقعيْن. إنها حقًا نعمة عظيمة أن تشهد هذا الشهر وأنت بين قومٍ ترى في أحاديثهم قبل رمضان الشوق إلى مجيئه، والدعوات الحارة بأن يبلغهم هذا الشهر، والاستعدادات التي تجري على قدم وساق لاستقباله، سواء كانت استعدادات إيمانية تعبدية أو مادية. أن تشهد الجموع تتدفق إلى صلاة التراويح كأنها تطلب السقيا، أن ترى التنافس في فعل الخيرات، والحرص على إطعام الفقراء ونيل ثواب إفطار الصائمين. أن ترى الناس من حولك يقبلون على كتاب الله، ويتبارى الأقران في عدد الختمات التي ينجزونها في هذا الشهر. أن ترى كل ميقات كل شيء في البلد متكيفا مع شعائر رمضان من صلوات وإفطار وتراويح، وأن ترى التهانئ لا ينقطع بثّها بين الناس، فتلك والله نعمة عظيمة، يشعر بالحرمان منها خاصة أولئك الذين يعيشون كأقليات في بلدان غير إسلامية، ولا أعني هنا غياب هذه المظاهر بصورة مطلقة، لكن مهما بدا منها شيء فلن تكون بذات القدر في البلدان العربية الإسلامية. إن من شأن هذه النعمة، أن يجد المرء خلالها على فعل الخير أعوانا، يشدون أزره على فعل الخير، وتدفعه هذه الأجواء إلى أن يعيد صياغة شخصيته في ذلك الشهر الفضيل، وتجعله يستحضر حقيقة أن رمضان ضيف حبيب يأتي على فاقة، سرعان ما تمضي أيامه ويرتحل، فيكون الوداع الذي لا يعرف المرء هل سيشهده مرة أخرى أم تعاجله المنيّة. إن المجتمع الذي يغلب عليه توقير شهر رمضان، يستشعر المرء فيه جماعية الطاعة، ومن ثم يُحدث تأثيرا قويا في تهذيب النفوس وتصفية القلوب، فهذا الإظهار لشعائر الإسلام في رمضان يقرب الناس من الامتثال للتوجيه القرآني (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، والإنسان قد جُبل على التأثر بمن حوله كما جاء في الحديث النبوي (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل). فإن تشهد رمضان فتلك نعمة عظيمة، وإن تشهده بين من يُجلّه فتلك نعمة عظيمة أخرى، فاشكروا الله عليها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
1119
| 02 مارس 2025
أُغرق العالم في حالة من الجدل المستمر منذ أن تولى الرئيس دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية، وذلك بسبب عشرات القرارات التي اتخذها، والعديد من السياسات الخارجية التي أدخل عليها التغيير. أبرز الملفات التي أثارت الجدل، هو العلاقة الآخذة في التقارب بين ترامب وبوتين، والتي ارتكزت على الرغبة الجادة في تصفير الخلافات وتطبيع العلاقات بين الجانبين، فكانت أولى ثمار هذا التوجه لقاء مسؤولين من الطرفين على الأراضي السعودية، وبدون ممثلين عن أوكرانيا وأوروبا، تمهيدا للقاء ترامب وبوتين المرتقب. تأتي هذه التفاهمات على حساب أوكرانيا البوابة الشرقية لأوروبا، والتي كانت تتكئ على الولايات المتحدة بشكل أساسي، وأوروبا المحتشدة خلف أمريكا في دعم أوكرانيا في حربها مع الروس. ترامب ألمح في تصريحاته الأخيرة إلى أن أوكرانيا قد تكون روسية يوما ما، وهو ما استقبلته روسيا بالارتياح، فيما يعد رسالة صريحة في تخلي أمريكا عن أوكرانيا، خاصة وأن ترامب تعسف مع أوكرانيا بالمطالبة بنصف ثرواتها المعدنية. وليس موقف الرئيس ترامب من أوكرانيا هو وحده الذي الذي أثار الجدل تجاه العلاقات الأمريكية الأوروبية، فدعوة ترامب إلى ضم كندا التي تخضع للتاج البريطاني إحدى الزوبعات التي أثيرت في هذا الشأن، وهددت مستقبل العلاقات بين أمريكا وأوروبا، على الرغم من حاجة الأخيرة لها خاصة في الناتو، وفي هذا الصدد صرح وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بأن أمن أوروبا وأوكرانيا لا يمكن ضمانه إلا إذا أبقت الولايات المتحدة على وجودها في المنطقة. على صعيد الشرق الأوسط ومشكلته الأبرز، وأعني القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، ضرب ترامب بكل المواثيق الدولية والأعراف الإنسانية عرض الحائط، وانحاز بشكل كلي إلى الاحتلال الإسرائيلي، وفتح الباب على مصراعيه لأطماع إسرائيل التوسعية، فهو يمد الاحتلال بأشد أنواع القنابل فتكا وتدميرا، ويبارك جرائمه في الضفة الغربية بعد الدمار الذي لحق بغزة، ويعلن دعمه اللانهائي للعدو الصهيوني. يظهر من سياسات ترامب في التعريفات الجمركية على البضائع الكندية والمكسيكية والصينية، ومن تصريحه عن أمله في استثمارات ضخمة، ومن مطالبته بنصف الثروات المعدنية لأوكرانيا، يظهر من كل ذلك أن ترامب يركز على المال وأن الاقتصاد يمثل أولوية له. إذن نحن أمام أربعة معطيات أساسية في توجهات ترامب، الأول: هو التقارب مع روسيا، الثاني: هو فك أو تخفيف الارتباط بأوروبا، والثالث: مزيد من رعاية الأحلام الصهيونية، والرابع: ملء الخزانة الأمريكية. هذه المعطيات تضعني شخصيًا أمام القول بأن الرئيس ترامب يرسم خريطة جديدة للتحالفات الدولية، ترتكز على التقارب مع المنافسين على قاعدة تعدد الأقطاب، لتحقيق الاستفادة الاقتصادية القصوى، واقتسام النفوذ على الشكل الذي حققته بريطانيا وفرنسا قديمًا، مع دعم دولة صهيونية قوية متمددة في منطقة الشرق الأوسط كرأس حربة للمشروع الإمبريالي. لذلك لن أتعجب إذا أسفرت سياسات ترامب عما يلي: أولا: انسحاب أمريكا من الناتو وترك أوروبا في مواجهة الأطماع الروسية الصينية. ثانيًا: انضمام أوكرانيا لروسيا. ثالثا: تقارب ودعم روسي مع الاحتلال الإسرائيلي. رابعًا: عقوبات اقتصادية توقعها أمريكا على عدد من الدول العربية لابتزازها ماليًا، أو لإرغامها على القبول بالتطلعات الأمريكية والصهيونية حيال القضية الفلسطينية. خامسًا: نشاط أوروبي لإدانة الاحتلال الإسرائيلي ورفض خطة التهجير، وتوجه أوروبي لعلاقات قوية مع العرب. سادسًا: زيادة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين مع التزام روسيا بالحياد. سابعًا: وأسأل الله تعالى ألا يرينا هذا اليوم، هو ضم الضفة الغربية. أؤكد كما أفعل في كل مرة، أنه لا سبيل لهذه الأمة في مواجهة الأخطار الخارجية، سوى وحدة الصف، والذي يمكن أن يبدأ بالبحث عن المشتركات للعمل عليها، وإلا صدقت فينا حكمة الثور الأبيض، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
1509
| 23 فبراير 2025
ترامب سيقوم بتهجير سكان غزة إلى دول عربية.. ترامب سوف يستولي على غزة ويحولها ريفييرا الشرق الأوسط. ترامب يتوعد المقاومة بالجحيم إذا لم يتم تسليم جميع الأسرى يوم السبت. ما إن أطلق الرئيس الأمريكي تلك التصريحات الرعناء، حتى أُصيبت الأمة بالهلع، وصار الجميع يضعون تصوراتهم لآثار تنفيذ هذه التهديدات الترامبية، وما يمكن أن تكون عليه الأوضاع بعدها. تقول العرب: «إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذامُ»، وهي حذام بنت الريان بن خسر بن تميم، امرأة فائقة الذكاء وواسعة الحيلة، قوية في إدراكها وحدسها، كانت إذا قالت بالأمر جاء كما قالت. تعاملنا مع تهديدات ترامب على أنه «حذام القوة لا الحدس»، فإذا قال الرجل القوي شيئا فإنه سوف يأتي بالضرورة على مراده، بفعل القوة والقدرة، فلسان حالنا: «إذا قال ترامب فصدقوه، فإن القول ما قال ترامب»، وكأن كلامه هو القول الفصل. نعم إن ترامب يحكم أقوى دولة في العالم، لكن ليس بالضرورة أن كل ما يقوله الأقوياء يصير واقعًا، والدليل ما حدث خلال بضعة أيام من تصريحات ترامب. فالدول العربية أعلنت رفضها لخطة التهجير وإفراغ غزة من مواطنيها، فتراجع ترامب عن قوله وذكر أنه لو كانت لدى الدول العربية مقترحات أفضل فلا بأس. وتحول ترامب من التهديد بفتح أبواب الجحيم حال عدم تسليم كافة الأسرى يوم السبت، إلى إعرابه عن أمله بأن تطلق المقاومة سراح عدد من الأسرى الأمريكيين. ووقت كتابة هذه السطور، تقوم فصائل المقاومة بتنفيذ صفقة تبادل ثلاثة من الأسرى فقط كما حددت من قبل، وليس كما أراد ترامب والاحتلال (جميع الأسرى). ما الذي تغير بين عشية وضحاها؟ إنه الشيء الذي نحتاجه وننادي بها دائما، الإرادة التي تتحطم على صخرتها التهديدات العنترية التي يراد بها تخويفنا والانجرار طوعًا للإملاءات الخارجية. الهزيمة النفسية التي تعيشها الأمة تجعلها تعتقد أن الحياة سوف تسير دائما وفق ما خطط له الأقوياء وكأنهم يسيرون حياة البشر وفق ما يريدون. هذه الدول مهما كان لها من قوة، هي بالنهاية تحركها المصالح، تتقدم وتتأخر وفقا للمصالح، تستأسد وتتألف وفقا للمصالح، تمضي مخططاتها أو تحجم عنها وفق حسابات المصالح، فالولايات المتحدة التي كانت بالأمس تدعم أوكرانيا البوابة الشرقية لأوروبا في الحرب الروسية الأوكرانية، ها هي اليوم تخطو خطوات من التقارب مع الروس، في الوقت الذي تبتز فيه أوكرانيا وتُعكر علاقتها بالاتحاد الأوروبي، تلك هي السياسة القائمة على المصالح، فما علينا فقط سوى إبراز أننا رقم صعب في هذه المعادلة. الولايات المتحدة تستفيد منا وتحتاجنا وتهاب وحدة كلمتنا، وتدرك جيدا أن لدينا أوراق ضغط، وإن كنا لا نحسن استغلالها، أو بالأحرى ليست لدينا إرادة لاستغلالها. الإرادة هي التي يتوقف عندها ترامب وغير ترامب، الأسود لا تأكل الأسود، هذا هو منطق الغاب، ولنا في الواقع أمثلة، منها كوريا الشمالية التي تعمل لها الولايات المتحدة ألف حساب، مع أنها ليست من الدول العظمى، لكنها دولة ذات إرادة، وهذا عين ما نحتاجه على وجه الحقيقة لا بالشعارات والادعاءات. الإرادة التي تُثبّت أقدامنا أمام تهديدات ترامب وغير ترامب، ففي النهاية هو ليس إلها، فللكون رب وإله هو فاعله المطلق، قدّر الأقدار بالمسببات، وما علينا سوى الأخذ بالأسباب، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
1116
| 16 فبراير 2025
ما إن توقفت الحرب في غزة، وعاد النازحون إلى ديارهم يحدوهم الأمل في تجاوز آثار هذه المحنة البغيضة، حتى فاجأنا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالحديث مجددا عن تهجير سكان غزة، ليعود معه صخب الحديث عن صفقة القرن. متجاوزًا حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، أعطى ترامب الحق لنفسه في أن يرسم معالم الغد الفلسطيني الذي يرفضه سكان القطاع، وحدد الدول التي ينبغي أن تستقبل المهجَّرين، فاختار لهذه المهمة مصر والأردن. ثم جاد خيال نتنياهو بفكرة أخرى أو بأرض أخرى يمكن أن تستقبل سكان القطاع، وهي المملكة العربية السعودية، معللا ذلك باتساع رقعة المملكة وثرائها. ترامب رئيس الدولة الأقوى التي ترفع أسمى شعارات الإنسانية وحقوق الإنسان، بدلا من توقيع عقوبات على الكيان الإسرائيلي الذي دمر قطاع غزة وارتكب المجازر الجماعية بحق سكانها، كافأه بهذه الفكرة التي فاقت أحلام نتنياهو نفسه، ودعا لتهجير أصحاب الأرض لصالح المحتل الغاصب للأرض. الفكرة الجنونية رفضتها الدول العربية التي كانت تأمل في بعث مشروع حل الدولتين، فهي دعوة تصب الزيت على النار، وتفتح أبواب الجحيم في المنطقة. ولكن يبرز هاهنا سؤال يفرض نفسه: هل كان ترامب يأمل في أن تلقى هذه الدعوة صدى في الدول العربية؟ الإجابة بشكل واضح ومباشر هي النفي القطعي، هو يعلم تماما حجم العقبات التي تحول بين تحقيق ذلك، سواء في الداخل الفلسطيني أو في المحيط العربي، سواء على مستوى الشعوب، أو على مستوى الأنظمة، وحتى إن كانت هناك أنظمة تقبل بتمرير هذا المخطط فإنها تعلم يقينا أن ضلوعها فيه يهدد استقرارها ويجعلها تصطدم بشعوبها ويُحمّلها عبء هذا العار ويجعلها منبوذة في المحيط العربي الإسلامي. إذن، لماذا أطلق ترامب هذه الدعوة الجنونية وفي هذا التوقيت الذي من المفترض أن تكون أجواؤه هادئة لاستيعاب الحلول السلمية والدبلوماسية في المنطقة؟ هل يتصرف هذا الرجل مدفوعا بجنون العظمة؟ وهل تعبر هذه الإجراءات المثيرة للجدل عن رؤية أحادية؟ مشكلتنا التي أذكر بها دائما، هي تلك القناعة الخاطئة بأن أمريكا دولة الفرد، مع أن الحقيقة التي أكدها استقراء واقع السياسات الأمريكية، أن الولايات المتحدة لها سياسات كلية ثابتة لدى الجمهوريين والديمقراطيين، خاصة تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، لكن هناك رجل المرحلة الذي له طريقته الخاصة في خدمة هذه السياسات. أقرب التفسيرات لدعوة ترامب وأكثرها منطقية، ما يعرف بنافذة أوفيرتون، نسبة إلى المفكر السياسي الأمريكي جوزيف أوفيرتون، وتعرف كذلك بنافذة الخطاب. هذا التكتيك يرتكز على فكرة أن الجدوى السياسية لأي فكرة، تعتمد بشكل أساسي على مدى وقوع هذه الفكرة في نطاق الأفكار المقبولة في الحيز العام وليس تبعا لتفضيلات الساسة الفردية. ويعمل هذا التكتيك بترويج أفكار وأطروحات شديدة التطرف تخلق حالة من الصدمة وتثير الانتباه والجدل، لتتحول مع مرور الوقت إلى خيارات مطروحة يمكن قبولها. هذا ما يفعله ترامب بدعوته لتهجير غزة، يعلم يقينا أنها سوف تقابل برفض قطعي واعتبارها انتهاكا صريحا للحقوق وكل الأعراف والقوانين الدولية، لكن مجرد دخولها في حيز النقاش ولو من باب الاعتراض والنقد، يكتسب مع الوقت أصواتا مؤيدة، فتتحول من كونها مرفوضة مستحيلة، إلى كونها فكرة ممكنة التطبيق، ثم مع مرور الوقت والتناول الإعلامي والسياسي لها، تتحول إلى أحد الحلول المنطقية المطروحة، وما بعده أيسر. هذا التكتيك استخدمته الولايات المتحدة في العديد من القضايا، من بينها مشروع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، كان في البداية فكرة مروعة مرفوضة حتى في الداخل الأمريكي، لكنها مع مرور الوقت وباستخدام هذا التكتيك تم تطبيقها وفي عهد ترامب أيضا. التصدي لهذا المخطط يستلزم توحيد الخطاب العربي والإسلامي حول موقف رافض، والعمل على سرعة إعمار غزة بجهود عربية وإشراف عربي وإدارة عربية، وحشد التأييد الدولي لرفض التهجير بفتح قنوات مع دول العالم خاصة روسيا والصين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
771
| 09 فبراير 2025
كل شيء كان يشير إلى انتصار غزة ومقاومتها على العدو الصهيوني، صمود الشعب، واستمرار الفصائل في الإثخان في العدو، وفشل نتنياهو في تحقيق أي من أهدافه، وفرْض المقاومة شروطها على الكيان الإسرائيلي، والنزوح الأسطوري لشعب غزة من الجنوب إلى الشمال، وملحمة تبادل الأسرى التي افتكّت خلالها المقاومة - ولا تزال- بالأسير الإسرائيلي الواحد العشرات من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وهذه الدقة العالية في إدارة مشهد صفقة تبادل الأسرى من قبل المقاومة. وفي ظل أفراح النصر التي غمرت الفلسطينيين وكل الغيورين من أبناء أمتنا، خرج الملثم أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام، ليبث نبأ استشهاد عدد من القيادات البارزة في كتائب القسام، كانوا قد ارتقوا منذ شهور إبان الحرب. أعلن للمرة الأولى نبأ استشهاد محمد الضيف قائد هيئة أركان القسام، ومروان عيسى نائب قائد أركان القسام، وغازي أبو طماعة قائد ركن الأسلحة والخدمات القتالية، ورائد ثابت قائد ركن القوى البشرية، ورافع سلامة قائد لواء خان يونس. * إعلان نبأ استشهاد هذه المجموعة القيادية المناضلة له عدة دلالات: أولًا: يتسق هذا الإعلان مع عبقرية أداء المقاومة المعتادة في مراعاة التوقيت، فقد أتى في ذروة أفراح النصر، التي أظهرت التفاف الحاضنة الشعبية حول المقاومة والاعتراف بأنها فخر فلسطين ودرعها الواقي ضد الاحتلال، وهذا من شأنه أن يرفع أسهم المقاومة لدى الشعب الفلسطيني ويعزز التفافه حولها في غزة وسائر فلسطين المحتلة، إذ أنه يلفت أنظار الشعب الفلسطيني والأمة بأسرها إلى أن المقاومة التي ركّعت الاحتلال لم يكن الثمن الذي قدمته هينا، حيث أخفت جراحها ومضت في طريقها، بعد أن قدمت من أجل القضية الفلسطينية سادتها ورموزها القيادية الرفيعة، لذلك لم أتعجب عندما انطلقت فور هذا الإعلان مسيرات بمدن الضفة الغربية تنعى وتشيد بقادة المقاومة الذين استشهدوا، كما نعاهم الفلسطينيون في مدن عدة عبر مكبرات الصوت على مآذن المساجد. ثانيًا: الإعلان يتضمن نوعًا من الإذلال والإهانة للعدو الإسرائيلي، إذ أن المقاومة واصلت أداءها القتالي على هذا النحو من الجسارة والقوة التي جعلتها تفرض شروطها على الاحتلال، كل هذا تم في غياب القوة الأساسية الضاربة من قياداتها، فكانت المقاومة كفريق كرة قدم يقول للفريق المنافس: هزمناكم باللاعبين الاحتياطيين. ثالثا: الإعلان رسالة واضحة للعدو الإسرائيلي، بأنه مهما أوتي من قوة لضرب المقاومة، فإنها لم ولن تعاني أبدا من الفراغ القيادي، وهذه ميزة كبيرة تميزت بها المقاومة، كلما مات منهم قائد قام قائد آخر، وهذا بلا شك يشير إلى أن المقاومة تقاتل عن عقيدة، هي التي ترفد عناصرها بالشجاعة والبسالة والاستمرار في المضي على الطريق، تبرز تعلقهم بالمنهج لا بالأشخاص، وكأنهم كانوا شاهدين للمقولة الخالدة للصديق أبي بكر رضي الله عنه: «من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت»، وليس هذا تشبيها للأشخاص بالأشخاص وإنما هو تشبيه للمبادئ بالمبادئ. رابعًا: هذه المصارحة التي تضمنها الإعلان باستشهاد هذا العدد من القيادات، تدل على أن حركة حماس تدشّن لمرحلة جديدة، ولهيكلة جديدة، تناسب المرحلة المقبلة، تقودها شخصيات جديدة غير معلنة، وهذا بلا شك سوف يرهق استخبارات الكيان الإسرائيلي، وهذا بدوره يحمل رسالة أخرى تؤكد أن الحرب لم تضع بعد أوزارها، وإنما هي بدء مرحلة جديدة على طريق التحرير. خامسًا: تضمن الإعلان الذي أبرز تلك النماذج الملهمة وتضحياتها، عملية شحن هائلة للفلسطينيين والأمة بأسرها، للاصطفاف خلف القضية الفلسطينية بكل الوسائل الممكنة. استشهاد هؤلاء القادة الأبطال، يذكرنا بمعركة مؤتة التي خاضها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حيث استشهد قائد الجيش زيد بن حارثة، فتولى القيادة جعفر بن أبي طالب، فقاتل حتى استشهد، ثم تولى القيادة عبد الله بن رواحة، والذي قاتل حتى استشهد، لتقع الراية بعد ذلك في يد سيف الله خالد بن الوليد، فهي راية يسلمها البعض إلى البعض، وهكذا المقاومة، يسلم كل قائد الراية إلى غيره عندما تنتهي مهمته في الحياة، بدءًا من الشيخ أحمد ياسين، وحتى محمد الضيف ورفاقه، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
1275
| 02 فبراير 2025
تنتهي الحروب، يُدفن القتلى، ويُداوَى المصابون، وتُشيّد البيوت من جديد، ويعود الغائبون، لكن يبقى هناك ما لا يعود، وإن عاد فسيكون بعد جهدٍ مضنٍ وطول أمد. إنها تلك النفوس التي أرهقتها ويلات الحروب، أولئك الذين عاينوا الموت مرارًا، وماتوا آلاف المرات وهم لا يزالون بعد في سجل الأحياء. الأطفال الذين طارت أمام أعينهم الأشلاء، وودعوا أحبتهم إلى القبور، وناموا على أزيز الطائرات بدلا من حكايات الجدات. الثكلى التي ترمّلت وغاب عنها جدار البيت التي تتكئ عليه إذا ما ألمت بها الملمات، أو فقدت ولدها في ريعان الشباب أو نعومة الأظفار فذهبت معه بهجتها في الحياة. الشيخ الكبير الذي كان يتهيأ لبقية باقية من حياته يقضيها في سلام وسكون قبل أن يلاقي ربه ويشيعه أبناؤه وأحفاده، فإذا به يحمل على عاتقه أثقل حِمْل في الدنيا وهو نعش فلذة الكبد. لا يسلم من آثار تلك الحروب أولئك المهجّرون ساكنو المخيمات بعيدًا عن أرض الوطن، أصحاب المعاناة اليومية، تتعاقب عليهم الفصول تلو الفصول وهم يكابدون الجوع والبرد والقيظ والأوبئة والأمراض والعزلة عن العالم، خرجوا إلى تلك الخيام مُحمَّلين بذكريات بيوتهم ودفء الأسرة وألوان الطعام والفراش الوثير وأحاديث التفاؤل عن المستقبل، كل هذه الصور ماثلة أمامهم فتزيدهم المقارنة معاناة فوق المعاناة. اضطراب ما بعد الصدمة، شبح يطارد الناجين من الحروب، يهدد أمنهم النفسي، ويحول بينهم وبين التعايش السوي مع الآخرين، ويكون عاملًا هدامًا لنسيج الأسرة، فتكثر حينئذ حالات الانفصال بين الأزواج، وينعدم الانسجام بين أفراد الأسرة، وكثيرًا ما يؤول الأمر بالناشئة إلى الاتجاه لتعاطي المخدرات هربًا من هذا الضغط النفسي وصوت الحرب الذي لا يزال طنينه يُعبِّئ آذانهم. تنجم عن الحروب آثار نفسية بالغة السوء تفرض نفسها على الأطفال، منها الشعور الدائم بالخوف، والقلق والاكتئاب، وتأخر النمو العقلي والبدني والعاطفي، وصعوبة الاندماج في المجتمع، وردود الفعل العدائية، والاضطرابات السلوكية. الصحة النفسية شيء حيوي ومُلح في ظل أزمات العصر الذي نعيشه، فكيف بالذين عاشوا أهوال الحروب، هؤلاء كيف سيعيشون بقية حياتهم إن لم يكن هناك من ينتشلهم أو يعمل على إنقاذهم من جحيم ما بعد الحرب؟ نعم إننا مطالبون بدعم إخوتنا في غزة وسوريا بالمساعدات الإنسانية من طعام وشراب ودواء، وإعادة إعمار الخراب الذي خلفته الحروب، ومساندتهم في إعادة تشييد البنى التحتية، لكننا في الوقت نفسه مطالبون بدعمهم فيما لا يقل أهمية عن كل ما سبق، مطالبون بالعمل على تأهيلهم النفسي للحياة الجديدة، ورأب ما تصدع في نفوسهم من ويلات الحروب، وإعادتهم إلى الاتزان النفسي للاندماج في مجتمعاتهم بشكل طبيعي. ولا يخفى ما لمجال الإرشاد النفسي من دور فعال في هذا الميدان، وطرق العلاج الحديثة التي ينتهجها وعلى رأسها العلاج السلوكي المعرفي، ومن ثم فإن العمل على فتح الطريق لهذا المجال، بمثابة طوق نجاة لكل المتضررين من الحروب، للتعافي من آثار صدمات الحروب والاعتقال والتعذيب والفقد والاغتراب والتهجير. وانطلاقا من هذا التأصيل، فإنني أدعو أهلنا الكرام في قطر، لإطلاق مبادرة لإعداد كوادر في مجال الإرشاد النفسي، للقيام بدور فعال في هذا الميدان كمسعفين نفسيين، سواء من القطريين أو من مرافقي المصابين من أهل غزة وسوريا الذين احتضنتهم قطر، ليكونوا عناصر فاعلة في التأهيل النفسي للمتضررين من الحروب. وإنما أوجه دعوتي لأهل قطر، لما لهم من السبق في مد يد العون لأهل هذه البلاد، فما رأينا من أهل قطر قيادة وشعبا سوى سواعد الخير الممتدة، والشعور بالمسؤولية تجاه إخوانهم. إطلاق مثل هذه المبادرة سوف يسهم في إنقاذ الآلاف من متضرري الحروب وإعادة دمجهم في الحياة مرة أخرى، فلا ينبغي أن نتركهم مجرد أجساد تمشي على الأرض بينما نفوسهم مهترئة مُحطمة، فهل يُرتجى من مثل هؤلاء أن يكونوا عناصر فاعلة منتجة مؤثرة في أوطانهم؟ أتمنى من سويداء قلبي أن تجد هذه الدعوة صدى وقبولا لدى المسؤولين في دوحة الخير قطر، وهذا هو العهد والظن بهم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
1041
| 26 يناير 2025
في الوقت الذي عمت الفرحة وغمرت أرجاء غزة وفلسطين والأمة بأسرها على إثر توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار، وفي الوقت الذي اعتُبر هذا الاتفاق نصرًا مؤزرًا للفلسطينيين، خرج من يفسد هذه الفرحة بقصد أو بغير قصد، وهو يشير إلى أعداد القتلى والمصابين وحجم الدمار الذي لحق بالقطاع، ويندد مجددًا بطوفان الأقصى، ويحمل المقاومة مسؤولية هذا الدمار، ومن ثم يرى أنها فرحة لا مبرر لها، وأنه لا ينبغي أن يوصف هذا الاتفاق بأنه نصر للفلسطينيين. لا ريب أننا جميعًا تحترق أفئدتنا لهذه الخسائر البشرية والمادية التي أصابت غزة منذ بدء المعارك، لكن صاحب هذا المنحى يجهل أو يتجاهل مفهوم النصر والهزيمة، فالأمر ليس متعلقا بفارق أعداد القتلى بين الطرفين، وإنما يتحقق النصر بتحقق الأهداف. العدو الإسرائيلي قد خسر هذه المعركة مع أن عدد قتلاه أقل بكثير من قتلى أهل غزة، لأنه وببساطة لم يحقق أيًا من أهدافه التي حركت آلته التدميرية ضد قطاع غزة. نتنياهو كان يهدف إلى تحرير الأسرى الإسرائيليين بلا شرط وبعيدا عن التفاوض مع المقاومة الفلسطينية، وها هو يتخلى عن هدفه، ويرضخ لاتفاقية إنهاء القتال. وكذلك كان يهدف إلى القضاء على المقاومة وإفنائها، ويصدع الرؤوس بإعلان هذا الهدف، ومع ذلك ها هي المقاومة كانت تجالد الجيش الإسرائيلي حتى آخر لحظة، وتكبده الخسائر المتتابعة، ولم يستطع القضاء عليها. أيضا كان هدفه إجلاء أهل غزة من القطاع، وها هي جموع النازحين تستعد للعودة من الجنوب الذي تكدسوا فيه إلى ديارهم في شمال ووسط غزة. وأما غزة بشعبها الصامد ومقاومتها الباسلة فقد انتصرت لا ريب، ونوجز مظاهر هذا النصر بما يتسع له المقام في الإشارات التالية: أولا: إحباط صفقة القرن التي كانت ستؤدي إلى تهجير الفلسطينيين وتمكين الصهاينة من فلسطين. ثانيًا: وقف عملية تهويد الأقصى التي كانت أوشكت على الانتهاء قبل معركة طوفان الأقصى. ثالثا: إحياء تدويل القضية الفلسطينية التي كانت قد تجمدت في المجتمع الدولي. رابعًا: كسب التعاطف الدولي وتعريف شعوب الغرب بالقضية الفلسطينية التي تعمد الإعلام الغربي تغييب وعي الشعوب عن الإحاطة بها، وتخلصت هذه الشعوب من أسر الرواية الأحادية الصهيونية. خامسًا: تحريك الضفة ونابلس وجنين وسائر المدن الفلسطينية باتجاه خيار المقاومة، والذي كان هدفًا للمقاومة في غزة منذ البداية. سادسًا: تحطيم أسطورة القوة الإسرائيلية، والتي كانت تبحث عن نصر زائف وهمي في هدم البيوت على رؤوس المدنيين، لكنها على الصعيد الميداني، منيت بخسائر فادحة، وأثبتت فشلها في تحقيق نصر على الأرض. سابعًا: خلخلة الداخل الإسرائيلي وإفقاد الجماهير الإسرائيلية ثقتها في الحكومة اليمينية المتطرفة التي باعت لها الوهم. ثامنًا: إلحاق الخسائر الفادحة بالكيان الإسرائيلي، مئات القتلى من الضباط والجنود، وعشرات الآلاف من المصابين، وما يقارب نصف هؤلاء المصابين يعانون من صدمات نفسية، وكثير منهم يعالجون في المصحات النفسية أو خرجوا بعاهات مستديمة تخرجهم نهائيا من الخدمة، إضافة إلى تسجيل عشرات الحالات من الانتحار بين صفوف الجنود. وتم تهجير أكثر من نصف مليون إسرائيلي ونزوح 143 ألف شخص، كما أن هناك خسائر فادحة في قطاع السياحة والاستثمار، وتفاقم معدلات الفقر، وشلل بقطاع البناء، وتفاقم عجز الميزانية، وازدياد حجم الهجرة العكسية. تاسعًا: دوليا جرى إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت. عاشرًا: شحن هائل للجماهير العربية والإسلامية تجاه القضية الفلسطينية، وازدياد الوعي العربي والإسلامي بالخطر الصهيوني وتشابك مصالحه مع الغرب. إن البطل الأول في هذه الحرب هو شعب غزة، الذي قدم أهله مثلا فريدا في الصمود والصبر، وإن كان هذا الشعب قدم عشرات الآلاف من الشهداء، فهذه ضريبة تدفعها كل الشعوب التواقة إلى الاستقلال. شهداء غزة عند ربهم يرزقون، ومصابوها في أجر، وديارهم سوف تُبنى من جديد، وهذا الجيل الذي شهد تلك الحرب الضروس، لا خوف عليه بعد اليوم، فهو الجيل الذي عاش الأهوال ولن يثنيه شيء، وسوف يكون التحرير على يديه بإذن الله. فحق لأهل غزة وسائر فلسطين وأمتنا كلها بأن نفرح بهذا النصر المبين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
2601
| 19 يناير 2025
الإدارة السورية الجديدة لم تحد عن الصواب عندما أعلنت الاتجاه إلى حل هيئة تحرير الشام وغيرها من الفصائل ودمجها في الجيش الوطني، وطالبت في الوقت نفسه كل الطوائف والقوميات أن تسلم السلاح لئلا يكون هناك أي تكتل عسكري مستقل مواز للجيش السوري الجديد. ما تتجه إليه القيادة السورية ضرورة أمنية قصوى، لكنها تتهددها مخاطر رفض بعض الأطراف تسليم السلاح وإصرارها على أن تكون كيانات عسكرية مستقلة بذاتها حتى وإن لم تعلنها في التصريحات الرسمية. وجود أي كيان عسكري مواز للجيش الوطني داخل البلد الواحد كارثة كبرى تهدد استقرار الدولة، لأن هذه الكيانات أو الميليشيات لها أهدافها وسياساتها وتوجهاتها التي تمارسها بعيدًا عن السياق الوطني، وما من دولة سمحت فيها الأنظمة بوجود مثل هذه الميلشيات إلا وأدت إلى كوارث أمنية وسياسية، فإما أن تؤدي إلى صراع عسكري داخلي، أو يتفاقم نفوذ هذه الميليشيات داخل الدولة فتصبح دولة داخل الدولة، ولها توجهاتها المغايرة للتوجهات الرسمية في إطار السياسة الخارجية. أمامنا الحالة السودانية كمثال حي على خطورة وجود ميليشيات مسلحة داخل الدولة في ظل وجود جيش وطني. قوات الدعم السريع في السودان، والتي يتزعمها حميدتي وتضم المرتزقة الأفارقة، وارتكبت وما تزال الجرائم البشعة بحق الشعب السوداني، كانت بالأساس ميليشيات استعان بها الرئيس السابق عمر البشير في دارفور وأضفى عليها الشرعية بتسميتها قوات الدعم السريع. بعد الإطاحة بالبشير، برز حميدتي على المسرح السياسي وعين نائبا للبرهان في المجلس العسكري، ثم عضوا في مجلس السيادة الانتقالي الذي يترأسه البرهان. لكن الخطر الميليشياوي قد أفصح عن نفسه، عندما اختلف حميدتي مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان حول الجدول الزمني للانتقال إلى حكم مدني بموجب الاتفاق الإطاري ودمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني ومن يقود المؤسسة العسكرية التي تتمخض عن دمج الجبهتين، فتم تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائي، واشتعل الصراع المسلح. الأنظمة التي تحرص على استقرار شعوبها وتحقيق مصالحها لا يمكن أن تسمح بوجود ميليشيات مسلحة توازي الكيان العسكري الوطني، ويفرض عليها حماية الوطن عدم وجود السلاح بأيدي الأفراد إلا على جهة الترخيص بشروطه المستوفاة أمنيا، فكيف إذا كانت تكتلات عسكرية لها توجهاتها وأهدافها المستقلة داخل الدولة؟ والحديث ها هنا عن حالة وجود دولة مستقلة لها جيشها الوطني، أنوه إلى ذلك منعا للالتباس، وقطعا للطريق على استغلال هذه السطور في الإسقاط على المقاومة الفلسطينية، ففلسطين دولة محتلة، وليس لها نظام حقيقي يقود مسيرتها، والمقاومة الفلسطينية المسلحة تمارس حقها المشروع في النضال ضد المحتل. ومع الأسف الشديد، هناك بعض الدول العربية تنشأ فيها ميليشيات مسلحة تتقاطع مصالحها مع مصالح الأنظمة، بل وترعاها هذه الأنظمة لتحقيق أهدافها في الداخل، لكنها قنابل موقوتة توشك أن تنفجر في أي وقت وتهدد استقرار هذه الدول. تأسيسا على ذلك، لا ينبغي أن يكون في سوريا الجديدة سوى جيشها الوطني، وأما الفصائل والجماعات والطوائف، فينبغي إذابتها في هذا الجيش الوطني، وإلا كانت سوريا عرضة لاندلاع الاقتتال الداخلي في أي وقت، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
1107
| 12 يناير 2025
السحر ليس تمائم وتعاويذ فحسب، فالبيان سحر، واستمالة المرأة قلب الرجل سحر، وهناك سحر آخر في هذا العصر يتمثل في كرة القدم، والتي أطلق عليها الساحرة المستديرة. ما من بيت في هذا العالم إلا وتجد فيه متابعًا أو أكثر لمباريات كرة القدم، والتي تحولت من كونها هواية ورياضة ترفيهية، إلى صناعة ومجال اقتصادي كبير، يتضمن الصفقات والمقاولات والسمسرة والمراهنات. وعلى الرغم من أهمية كرة القدم في عصرنا هذا، إلا أن كثيرًا من الناس في كافة الشعوب قد تجاوزوا بها الحد، وتحولوا من متفرجين بغرض الاستمتاع والترفيه، إلى جنود يصطفون خلف الفرق التي يشجعونها، ويعقدون عليها معاقد الولاء والبراء، ويدخلون في صراعات ومشاحنات مع مشجعي الفرق الأخرى، سواء في نفس البلد أو من البلدان الأخرى، والطامة الكبرى أن مباريات الكرة صارت أداة بغيضة للفرقة والشقاق والكراهية بين الشعوب. أقسم بالذي رفع السماء بلا عمد، حدثني بعض الثقات من إحدى الدول العربية، أن شابا عُرض عليه فتاتان ليختار بينهما زوجة له، كانت إحداهما أفضل من الأخرى في كل شيء، فاختار التي هي أدنى لأنها تشجع الفريق نفسه الذي يشجعه هو. وحدثني بعضهم، أن زوجين أوشكا على سن الستين، والخلافات تتفاقم بينهما إلى حد لا يطاق يصل إلى القطيعة والتفكير في الانفصال، كل ذلك بسبب أن كلا منهما يشجع فريقا غير الفريق الذي يشجعه الآخر. وبعضهم له أسرة وزوجة وأولاد، وتجده يترك أعماله التي يتكسب منها ليذهب ويقطع المسافات ويطيل السفر، ليشهد مباريات فريقه في المكان الذي تُقام فيه، بل تعدى الأمر إلى إزهاق النفس بسبب الخلاف بين المشجعين. هذا التعصب الأعمى لفرق الكرة على النحو الذي ذكرنا، يعد من أمارات ضعف العقل، فاللاعب إذا خسر المباراة سوف ينزل التدريب في اليوم التالي وينسى ما حدث ويفكر في المباراة التالية، وإذا ربح المباراة فسوف ينال الثناء والتهاني والشهرة والمكافآت المالية المجزئة، فماذا عن المشجع الذي لا يخرج من ذلك إلا بنفسية مستنزفة من فرط الانفعال، وحسرة تؤدي في بعض الأحوال إلى سكتة قلبية والوفاة بسبب خسارة الفريق، وفي حالة الربح لن يجني المشجع من ذلك سوى لحظات من الفرح الصبياني. فكيف يوصف المرء بأنه عاقل وهو لا يستطيع التمييز بين مواطن النفع والضر والربح والخسارة، وكيف يوصف بالعقل وهو يعطي أمرًا عاديًا أكبر من حجمه ويرفعه من كونه مادة ترفيه إلى سقف الأولويات في حياته؟ هذا التعصب على هذا النحو، يدل كذلك على الخواء الروحي وحياة الفراغ، فكلما كان المرء ممتلئا بالأفكار الإيجابية والأهداف السامية، لن يتعدى اهتمامه بالكرة كونها مادة ترفيهية يتعرض لها بكل هدوء، وتنتهي علاقته بها بمجرد انتهاء المباراة ثم يمضي إلى معالي الأمور. هذا الهوس الذي نعيشه في الاهتمام بحياة لاعبي كرة القدم يضعنا في مصاف الحمقى والمغفلين والسذّج، فمع احترامنا لكرة القدم ولاعبيها وأنديتها، إلا أنها في النهاية مجرد رياضة يمارسها اللاعب، ومادة ترفيهية للمشاهد، لكنّ كثيرا من الجماهير ينغمسون في تتبع حياة اللاعبين وتدريباتهم وتنقلاتهم ومشكلاتهم مع الأندية وإداراتها، والأجور التي يحصلون عليها، ومستوياتهم المتغيرة، وعائلاتهم، في الوقت الذي تجد الواحد منهم لا يستطيع أن يذكر لك اسم عالم واحد من علماء بلده في الكيمياء أو الفيزياء أو الطب ونحوه. وأشد مظاهر هذا الخلل، هو التناحر بين الشعوب العربية والإسلامية بسبب مباريات كرة القدم، فهل يعقل أن هذه الشعوب التي ارتبطت بأواصر الدين واللغة والدم والجوار، تفرقها تلك الساحرة المصنوعة من الجلد أو البلاستيك الصناعي ويركلها اللاعبون بالأرجل؟ مثل هذه الحماقات تقتل فينا آمال الوحدة، فإذا سمحنا للكرة أن تفرقنا، فكيف نتصدى للمؤامرات الخارجية التي تنال من وحدتنا؟ أنا لا أدعو للنقمة على رياضة كرة القدم، ولا أدعو الناس إلى مقاطعتها، ولكنني أدعوهم إلى أن يجعلوها في وضعها الصحيح، وألا يسمحوا لأنفسهم بالوقوع أسارى لسحرها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
765
| 05 يناير 2025
مالكوم إكس أو الحاج مالك الشاباز، داعية مسلم أمريكي من أصل إفريقي عاش ما بين 1925 إلى 1965، من ذوي البشرة السوداء، قُتل أبوه وستة من أعمامه وأحرقت بيوتهم بسبب لونهم. وبسبب اللون أيضا، طُردت والدته من العمل كخادمة، ورفضت الهيئات الاجتماعية تقديم المعونة لها، فدخلت إحدى المصحات النفسية، فصار ثمانية أبناء من بينهم مالكوم إكس، وحيدين بلا أب أو أم. وعلى الرغم من أن مالكوم إكس كان تلميذا متفوقا، إلا أنه لم يسلم من العنصرية داخل المدرسة، حتى أن معلمه قد نصحه بالتنازل عن حلمه بأن يكون محاميًا لأنه زنجي، ووجهه إلى العمل كنجار أو إسكافي لأن هذه الأعمال تناسب الزنوج. وبسبب بعض الأعمال الإجرامية المخالفة للقانون، دخل مالكوم إكس السجن، وخلف القضبان أرسل إليه إخوته بأنهم قد أسلموا على يد رجل يسمى إليجاه محمد، زعيم حركة سميت بحركة أمة الإسلام، هذا الرجل اعتنق أفكارا غريبة لا تمت للإسلام بصلة، فدعوته كانت عبارة عن دين للسود وحدهم، وأن الله هو إله السود وحدهم، ويعتبر أن البيض شياطين. ولأن مالكوم إكس قد عاش حياته مكتويا بنيران العنصرية، فقد لاقت هذه الأفكار قبولا لديه، فاعتنق الإسلام على هذه الأفكار الغريبة، وأصبح من أشهر دعاتها. لكن رحلة الحج التي قطعها مالكوم إكس، قد نسفت كل هذه المفاهيم لديه، حيث تعرف على الإسلام الصحيح والعقيدة الصحيحة التي تضبط تصورات الإنسان عن الكون والحياة والبشر، فكانت ولادة جديدة لأفكار مالكوم إكس، فعاش بقية حياته مدافعا مناضلا عن صحيح الاعتقاد. يقودنا هذا السرد المختصر لحياة مالكوم إكس، إلى أن التطرف دائما ينجم عنه تطرف مضاد، ما لم ينضبط بالمنهج الصحيح للإسلام، فالرجل قد واجه تطرفا متمثلا في العنصرية، بتطرف آخر وهو اعتناق فكرة لقيطة منسوبة للإسلام ولا تمت له بصلة، فكان مدفوعا في تطرفه بالحالة النفسية، وهذا نفسه ما حدث في نشأة جماعة التكفير والهجرة في السجون المصرية إبان فترة جمال عبد الناصر، ففي ظل التطرف الذي مورس ضد المعتقلين من قبل النظام متمثلا في التعذيب الشديد، تحول بعض أبناء التيار الإسلامي إلى اعتناق فكرة تكفير النظام وجنوده والمجتمع الساكت على بطشه، فكان التطرف الذي أعقبه تطرف مضاد. لذلك لابد في مواجهة أشكال التطرف بالاعتدال والانضباط بضوابط الشريعة، ففي قضية اللون مثلا، حسم الإسلام الأمر، فجعل الأفضلية للناس بتقواهم لله لا شيئا آخر، فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بتقوى الله، وعلى هذا الأساس قام المجتمع الأول في المدينة، وعندما خرج أحد الصحابة يوما عن هذا المسار، وعيّر صاحبه بأن أمه سوداء، أوقفه النبي صلى الله عليه وسلم على المسار الصحيح ورهّبه لهذه الفكرة الجاهلية، فقال له (إنك امرؤ فيك جاهلية)، فاستقام الرجل واعتذر وأبدى ندمه. فلذلك يجب الحذر في مواجهة الأفكار المتطرفة من الانزلاق نحو أفكار مضادة متطرفة، فالفكر الإرجائي المتطرف الذي يقول بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب، جاء كردة فعل لتطرف آخر وهو تطرف الخوارج الذين كانوا يكفرون الناس بالذنب. بل ينبغي أن نواجه التطرف بإشاعة الفكر الوسطي المعتدل، والذي نعتمد فيه على التقيد بتعاليم الشريعة الغراء، التي لم تترك المعاملات للأهواء والأمزجة، وإلا زدنا التطرف تطرفًا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
669
| 29 ديسمبر 2024
مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
2340
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...
2259
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1458
| 06 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...
1185
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...
765
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...
663
| 11 ديسمبر 2025
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...
642
| 08 ديسمبر 2025
يُتهم الإسلام زورًا وبهتانًا بأنه جاء ليهدم الدنيا...
582
| 07 ديسمبر 2025
شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...
570
| 07 ديسمبر 2025
نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...
510
| 11 ديسمبر 2025
مع دخول شهر ديسمبر، تبدأ الدوحة وكل مدن...
492
| 10 ديسمبر 2025
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام...
468
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية