رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أتذكر التعريف الذي يبرز النخبة عن بقية الفئات، بأنها السلعة ذات النوعية الممتازة، وأقف عندها مرات عديدة كي أستيقن ان كان التميز في السلعة أو من هو وراء صناعة هذه السلعة. لربما مسألة النخبة وبحكم أبعادها الثقافية والفكرية والبيروقراطية، قد تكون أكثر عمومية في الوصف في هذه الحال، ولكن إن نظرنا أكثر في سمة التميز فلربما سنجد أن وراء جودة السلع أو الصورة والمشهد الراسخ تكمن الصناعة بشرية، خاصة عندما تتجرد من الاعتياد في بناء الأمور وتخطي الروتين في رسم تصور يتشابه مع صور كثيرة وموجودة. في المقدمة أعلاه وبين الأسطر، لربما نستطيع أن نستيقن سمة الابداع، عندما يستفرد المرء في الشيء، ويصنع منه صورة غير اعتيادية، راسخة في الذاكرة ومحركة لوسائل التعبير. هذا المنظور الذي ترغب أولاً أن تطوره في مرحلة صناعة الابداع، التجرد في الفكرة وبنائها بحسب نظرة فردية تجسد الفن من تعابير خالصة، وترسم التفاصيل بخطوط غير عادية. بل وتصنع الفارق في المبادرات، من خلال صوت جديد يخرج من وسط عمل فني أو مشهد درامي مؤثر او حتى مشروع تكاملي يجسد فكرة شكلت الفارق في مستوى التمثيل، فالمسألة في النهاية لا ترى بالشكل، إنما ينظر لها من خلال تفاصيلها العميقة التي تجسد المعنى المغاير. فكل الصناعات الثقافية باختلاف سبل التعبير عنها واسقاطها فنياً وثقافياً تقف عند مبدأ واحد: التجرد. فكلما أصبحت هناك فكرة ولدت من تراكمات حسية عميقة ومشاعر ترتبط برسائل محددة، سيكون لديك عمل يعبر بصوت ويؤثر على المدى البعيد. الإشكالية في الصناعة الابداعية أنها لا تخرج من باب الاعتياد الثقافي، وليس لها وقفة للحد من التقليد. بل أصبح المجال أكثر استهلاكاُ من ولادته الخاصة في كينونته التي تخرج بهدوء إلى حين استيعابها كفكرة ورسالة حتى تنطلق بقوة. إذ إن المسألة تظل أيضاً وقتية بحكم ظهورها المتجرد والذي يتطلب هضما زمنيا لفكرة لا تحاكي اليوم، بل تعبر إما عن الأمس أو تتقدم معك لتحاكي واقعا لم يحدث للغد بعد. لذلك، فإن الصناعة الإبداعية تظل مسألة زمانكية، يحددها المكان وتعكس الزمان في آن واحد، تخلق الصورة وفي نفس الوقت تجعلك تقرأها من باب أعمق، فتقرأ التفاصيل وترتبط بأبسط المشاهد وتقف عن حقبة الزمان كي ترتبط حتى ولو كنت جيلا لم يتعايش مع نفس الحدث. وحتى على المستوى الحديث، فقراءاتك لمشروع جديد لا يعني تجردك من أطر ثقافية معينة، إنما قدرتك الإبداعية في بناء أبعاد ثقافية جديدة، تواكب أساليب التعبير المعاصرة، وتحاكي أجيالا لها تفضيلات مختلفة مقارنة بالصور والمشاريع التقليدية. فالانطلاقات لمشاريع متجددة، تتطلب عنصرا بشريا يبني تلك السلع ذات النوعية الممتازة والتي تواكب زمانكية المشهد. فلنعد مرة أخرى لتعريف النخبة بأنهم السلعة ذات النوعية الممتازة، لربما قد ندرك وأخيرا أن الصناعة الإبداعية هي ولادة وتجسيد للنخب في هذه الحال باعتبارهم الناتج الذي يعمل على تشكيل السلع، فالهدف صقل الإمكانيات التي تصنع في النهاية التميز الفارق!.
120
| 21 أكتوبر 2025
بناء على كل الظروف وكل الأزمنة وكل التقلبات التي تمر، إلا أننا نجد أنفسنا دائما في محط تساؤل واستفسار في الأين؟ والبحث عن أجوبة يصعب الرد عليها في لحظتها، إنما تظل تعود إما للوراء للنبش في إجابة أو البحث في المستقبل للتنبؤات واسترسال التوقعات قبل حدوثها. هذه دائرة شائكة تقوم على مبدأ بناء الاستفسارات وتراكم الأحداث واختزال الأسباب من عدة أزمنة وكم من الأحداث. نتوجه لعدة استفسارات نحاول أن نطرحها على أنفسنا ونظل نبحث عن اجاباتها دوماً، فمن أنا لنفسي، ومن أنا من بينهم ومن أنا في مجموعة، ومن أنا في عالم كبير. مجرد سؤال واحد يدفعنا للبحث في الذات والتاريخ والحروب والحضارة والصناعة والثقافة والتغييرات الاجتماعية والظروف الحالية التي شكلت الأنا من بعد كل تلك التراكمات السابقة. فلا بد من خلال هذا المنظور ان نتشكل بناء على أنساق ثقافية واردة، ثوابت لا تتغير وتساؤلات تفتح المجال للبحث عن الذات في التاريخ المعاصر والسابق، ولا تغير من مسار الحديث عن الماهية التي تتشكل معك وتتشكل مع غيرك من نفس المجموعة. فهي تلك الخصوصية التي تبقى الذاكرة حية، يقظة من حيث الارتباط بالماضي عندما تكون هناك مشاهد رسخت في الاذهان وسلوكيات لن تتغير مع الزمان، ومتطلعة نحو الحاضر في حين أنها لا تنجرف بعيداً عن التقليد، وتظل متمسكة في مقومات الثبات التي اتفقت عليها نفس المجموعة. فأصبح التشكيل في هذه الحال تشكيلا اجتماعيا متلاحما، يبنى على أساسيات تراكمية تاريخية. وان بان التغيير على تلك الذاكرة، لا يعني في الضرورة التأثير السلبي عليها، إنما أصبح هناك تمثلات حديثة تسمح للانخراط والتأثير. ولا شك ان هناك عدة تيارات خارجية تلعب أدواراً متعددة في مسألة التشكيل، ليست بالضرورة سلبية كلياً ولا إيجابية حرفياً، فالمقومات الغربية سائدة من حيث مستوى التأثير، ولكن تظل المسألة مبنية على أسس مدى الانجذاب وسرعة الاختراق المسببة لما نراه سلوكا وتبعات لمحددات أثرت على التغيير. ما وصفته في الأعلى هو تعريف من زاوية أخرى للهوية، حيث نعبر عن هذا المفهوم على انها تراكمات تاريخية، لا يمكن بناؤها من حقبة زمنية واحدة، أو من حديث تاريخ واحد، إنما هي بناءات للمفهوم، ومعانٍ تجسد السلوك والانفعالات للحفاظ على القيم من وراء هذه الذاكرة المتراكمة. فالهوية ليست مسألة وقتية، إنما هي تشكيل كلي للأنا التي تتعمد أن تضع القيم وكل القيم في المقدمة.
240
| 07 أكتوبر 2025
تعلمنا من الأجداد ألا تستقيم أي علاقة إلا من بعد صبر وبال طويل، وهذا البال لابد أن يكون جوهرا أساسيا لطيلة الانتظار ومواجهة عدة عقبات ولربما العيش تحت ضغط إلى حين الافراج والاستقرار. دائماً نسمعهم يرددون ويناجون، أو يروون قصة سيدنا يونس في بطن الحوت للعبرة واليقين أن كل ضيقة لابد وأن تفرج بأمر من الله. خاصة ونحن نتحدث عن زمان عسير كان يعاني فيه المجتمع من شح كل شيء، وعلى ذلك ظلت تلك العلاقات في مأمن الصبر وانتظار الفرج ولو طال فيهم الدهر. ما ذكرته في الأعلى لا يعتبر مجرد قصة للعبرة، إنما هي قصة بثوابت، وبمبدأ لا يتغير. وهنا تكمن قوة الصمود والمواجهة، تكمن الإمكانيات في تعلم الصبر وعدم الاستعجال في قرارات قد تنقلب في الأخير بشكل كارثي من دون الادراك المسبق، إنما هذه عبرة تشكلت مع ثوابت العادات والتقاليد وما لا تستطيع تغييره في المجتمع، ماهيته التي تميزه عن الآخرين، وخصوصيته التي تتشكل فيها شخوصه ومميزاته التي تستثنى عن البقية. الصمود بحلة البقاء، والهدوء رغم الضجيج. وما يقلق عند هذا الصمود والحفاظ على الثوابت، من لا يراك إلا مستفزا له، خاصة في سلوكياتك الثابتة، راسخ في المبدأ وغير مكترث في التغييرات التي تطرأ حولك والتي لا شأن لها في التأثير على مبادئك، ولكن يظل في وضعية الاستفزاز، وكأنه يشعر أنه لم يستطع أن يحرك مشاعرك نحو الغضب، بل وفشل من كثرة المحاولات، وكأنه يراك خلف حاجز لا تستطيع التأثير عليه، ظنا أنه قادر أن يؤثر عليك بشكل مباشر ومؤلم حتى. ويظل هذا الطرف المستفز مستمرأ في التخطيط الداخلي، محاولا أن يكتشف مكامن ضعفك، ويظل يبحث عن أي مبررات تسمح له بالتضييق عليك على الرغم من كونك ثابتا في مبادئك، وملتزما بمعاييرك. وهذا ما يرعب الطرف المستفز أكثر، بأن النار لا تواجه النار كما يريد، بل ما يراه حاصلا أن النار تواجه بردا حتى لا تهيج. إلى أن يأتي هذا اليوم الذي يرى فيه الطرف المستفز نفسه وحيداً، بينما تستمر تؤثر فيمن هم حولك بنفس تلك المبادئ الثابتة بلا تغيير، منادياً المناصرة والتأييد ضد من حاول أن ينفجر من شدة حقده لفترة باتت طويلة. الوساطة القطرية، هي العبرة الثابتة التي استمرت بلا رادع، والتزمت بأخلاقياتها بلا تأثير. هي المحرك المؤثر الذي بات صداه مسموعا، ودعوته للسلام الشامل مطلبا دوليا. لا شك بأن ما وصل إليه الطرف المستفز ليس إلا اثباتاً على العشوائية وكسر المعايير الدولية، إذ مصطلح السلام لا يندرج لديه في معجم المعاني، إذا باتت مصطلحاته محدودة بحسب ما يفهمه من دمار وقتل وتجويع وتخويف ظنا بأنه يمد ين العون للسلم على حساب طفل يعاني وآخر تنتزع منه الروح ضحية نفس الحاقد الأناني. هنيئاً للثوابت، التي ترى في الوساطة الحل ولو طالت الأزمة والمماطلة في حل النزاعات، وهنيئا للوساطة عندما تظل متزنة وموثوقة. فهي المبادئ.. ثابتة لا تهتز.
297
| 23 سبتمبر 2025
في ظل زمن جداً متسارع، أتساءل دوماً ان كان النقد الجذري بإمكانه أن يواكب سرعة مستمرة في الابتكار والتطور والمواكبة وحتى الذهنية الجديدة المعاصرة. فبينما نحلل الإشكالية من جذورها، تستمر ديناميكية الحياة بلا توقف، وتتسع دائرة العولمة وتتغلغل من خلال أدواتها المبتكرة في كل منزل بلا حدود، بل ويصبح مبدأ الاغتراب طابعا يوميا من دون وجود رادع نسبي يحد من مستويات التأثير، ولنا في حظر أحد الألعاب الالكترونية دروس مستفادة. هنا نواجه إشكالية متى ولماذا نقبل أو نرفض التغيير، بل ومتى يحين تقبل التغيير من دون وضع ثوابت مطلقة تحد من الممارسة وليس التجريد. الغريب في الموضوع وبحسب ما ذكرته في المقدمة أن التغيير هو جزء من سرعة زمن لا يعرف التريث، بينما يتسارع الزمن في مواكبة المستجدات، بينما تحاول في المقابل أن تواكب العمق الفكري لمدى تقبل هذا التغيير الذي هو مستمر في عملية التأثير، فيظل النقد يدور في محيطه الذي يبحث عن الثوابت ويقاوم التغييرات وهو يعيش نفس التغيير في الوقت ذاته! وهذه الإشكالية بحد ذاتها ليست في النقد الثقافي، إنما في مسألة كيفية التعامل مع التغيير. والتغيير من وجهة نظري في هذا المقال ما يتعلق بالأنساق الثقافية العمومية والجماعية التي يتمسك بها المجتمع كثوابت مطلقة من دون النظر في تحولاتها الحالية. فعلى سبيل المثال مسألة الهوية، التي تتأثر دوماً عند استشعار التغييرات التي قد تمس المفهوم ومدى انفعال المجتمع عندما يستشعر هذه التغييرات التي قد تؤثر على الهوية كمحددات ثابته بالنسبة له. وهنا يكمن اللبس الخاطئ في أن مسألة الهوية هي مثارة وحساسة أمام التغييرات، بينما في واقع الأمر مسألة الهوية لربما هي حبيسة في المفهوم بين محددات ذاتية أكثر من كونها مفهوما هلاميا قابلا للتطور ومواكبة الصورة الجماعية، بل وقابلة للتغير عبر التاريخ وفقاً للممارسات والأحداث والسلوكيات الاجتماعية. ولأن بعض المفاهيم تظل ذاتيه في مطلقها، يبقى هاجس الخوف طاغياً، ظناً بأنها الطريقة الوحيدة والأنسب لحمايتها من التغيير، إذ يكون هاجس الماضي أكثر سيطرة على تقبل التجديد فيه وبناء ملاحم تاريخية متجددة، حتى يبقى هذا الماضي في إطاره الثابت، لأن هاجس الخوف عليه يسيطر على تقبل مفهوم التغيير، فينتهي الأمر بالثبات على ما هو موجود والهروب من فكرة تغيير تركيبة قديمة ظلت في الماضي، ولكنها تواكب اليوم زمنا متسارعا في التغيرات ومعاصرا في التحولات الاجتماعية والأنماط السلوكية. وفي هذه الجزئية، تكمن إشكاليات أخرى تباعا للتغييرات، فليس كل تغيير نمط سلوكي مناسبا، إنما تظل هناك تغييرات وسلوكيات اجتماعية تصبح عكسية على الثوابت والمبادئ من الأساس، فالفردانية على سبيل المثال تعتبر أحد تبعات الزمن المتسارع والذهنية الحديثة، التي أصبحت بعيدة عن الإطار المطلق وقريبة من السرعة نفسها التي لا تعرف الوقوف عند الأخلاقيات والسلوكيات الجماعية الخاصة. وهنا أكرر نفس المقدمة، ماذا نعرف عن التغيير، وكيف نتقبل التغيير وهل نلامس ونتقبل التغيير بينما نحارب من أجل الحفاظ على الثوابت.
234
| 09 سبتمبر 2025
التحولات الاجتماعية هي مسألة ترتبط بالفترات الزمنية الانتقالية، فلو أخذنا على سبيل المثال البدايات كفترة الغوص والاعتماد المحدود على مصادر البر والبحر، وصولا إلى مرحلة البترول والتي أنتجت صدمة ثقافية انتقالية، غيرت من خصوصية مجتمع من قاعدة تقليدية إلى نمو اجتماعي متكامل المعالم، انتقل من خلالها انسان المنطقة من كونه حرفيا إلى مهني بمسمى وظيفي ودراسات تخصصية وانضمامه لمنظومة حكومية. فالانتقال المفاجئ يعتبر أيضاً نقلة نوعية لامست تاريخا وماضيا التبس عليه الحال فور دخول تيارات جديدة غيرت من نمط العيش وطبيعة الحياة الاعتيادية إلى طبيعة اعتيادية أخرى. فعندما نتطرق إلى مسألة الصدمة الثقافية بشكل خاص، لا بد وأن نستيقن أبعاد تلك الصدمة الزمانية أيضا، لم تظل هذه الصدمة أسيرة فترة ظهور البناء والتأسيس، إنما أثر الصدمات الثقافية مستمر بحسب الطفرات الزمانية والتغييرات الاجتماعية، فتعددت الطفرات وازدادت التحديات، وتفاوتت الإشكاليات، بل وتفرعت فيها الجذور. ولكل زمن انتقالاته النوعية، وتغييراتها الطارئة وظروفها الخاصة بالتأكيد. ولو أخذنا أحد جوانب الصدمات الثقافية، لربما نستيقن أن المجتمع عاشر تبني الصدمات، وانتقل مع التغييرات، وتحول إلى الشخصية الازدواجية، التي تبنت الحاضر وتمسكت بالماضي في نفس الوقت، وهذا بحد ذاته كان سببا للتحولات الاجتماعية المتفاوتة، كتمكين المرأة، وبناء المجتمع وتطوير مقوماته التنموية، بل حتى أصبح الموضوع يرتبط بإنتاجية نفس المجتمع. فالتكوين الجديد خلال الصدمة الثقافية ظلت فيها تبعات لهذه الانتقالية، كتعريف الهوية الجديدة، وبناء الذاكرة الجماعية الوطنية المتجانسة، وطرح التطلعات المستقبلية من حيث مدى تمكين المجتمع أن يكون في صفوف التعليم ومحو الأمية انطلاقاً لبدايات التنمية الشاملة. الجانب الاجتماعي في التحولات الثقافية يعتبر من أكثر الأطر حساسية، ومدى فهم والالمام في مستويات التقبل لمثل هذه التغييرات التي جعلت لكل من الطرفين دورا فاعلا خارج سور المنزل وبعيدا عن الحرفية التي كانت أساس الانتاجية بحسب حجم المجتمع وما يحتاجه من معيشة تسد يومه بفائض انتاجي محدود. فالانتقال أصبح أكثر إنتاجية لما هو خارج خريطة الدولة، وأصبح التمويل أكثر سعة من حدود المجتمع في الداخل، فتداخلت التيارات، وأصبحت العولمة أيدلوجية استطاعت أن تؤثر على نمطية التفكير والتأقلم من حيث التأثير الحديث والبنيوية المتقدمة حتى على الطبيعة الخاصة لمجتمع بأكمله. اختلفت الدوافع وزاد الاهتمام في تصدير الإنتاج للخارج، حتى أصبحت الحرفية الجزء الصوري والسياحي، متجردة من حرف مارسها الأجداد كمعيشة لا فن، كشدة لا رفاهية. ومن هذه المفارقة أصبحت الانتقالية خلال الصدمة الثقافية «تأقلم» أكثر من كونها «تبني»، فالانتقال المدني أصبح بعباءة الموظف الحديث مقارنة مع الحرفي القديم. وعلى هذا الانتقال الجذري، هل نظل نعتبر أن الصدمة الثقافية لازال لها تأثير؟ وكيف نستطيع فهم هذه الصدمة الثقافية التي ظلت لفترات طويلة كفراغ من دون تفسير لما حدث من تبعات خصوصية ومحلية في الفترة الانتقالية تحديداً. التساؤل هنا عميق، وأعماقه متفرعة في الأخلاقيات، فهم التغييرات الاجتماعية، ذهنية، جماعية- فردانية حديثة، وإصلاحات تنموية، هوية وطنية تمثل جزئياً تقاليد– لربما أصبحت أكثر صورية.
309
| 02 سبتمبر 2025
من الشيق دائماً أن تبدأ من أساس كل شيء حتى يكون لك كبداية لفهم الانطلاقات، فأنت لا تقرأ التاريخ على سبيل المثال لمجرد القراءة والمعرفة، بل من المفترض أن تقرأ ما في التاريخ حتى تكون مخزونك الخاص لصقل ذهنية متجددة لمقومات وأساسيات التغييرات والتحولات الاجتماعية على سبيل المثال. فقراءتك قد تكون قصيرة المدى من دون النظرة النقدية والتصور الافتراضي لفهم ما سيكون تبعات لتراكمات تاريخية. ومن هنا يكمن جوهر الفهم، ويبنى التصور الواسع والتأملات المستقبلية. اليوم عندما ننظر للتحولات الاجتماعية في دولة قطر تحديداً، بالتأكيد نسند هذا البناء التنموي على مقومات أساسية كالتعليم والصحة والاقتصاد. ففي مثل هذه الأساسيات، استطاعت الدولة أن تشكل حضارة بأكملها، قادرة أن تستوفي شروط التنمية، وبناء الفرص وخلق الإمكانيات المستدامة التي تنظر للمستقبل وما يتطلب من تأهيل مستدام. ولكن، يحول الأمر على طبيعة هذا المجتمع، ومستوى التغيرات التي طرأت وتطرأ عليه، بل ومستوى التأثير والتأثر من التغيرات والنقلات النوعية. فعلى الرغم من الارتفاعات المستمرة في نسب التعليم، والوظيفة، والمساواة حتى بين الرجل والمرأة على الصعيد المهني، إلا أنه لا تزال هناك ثغرة اجتماعية مفقودة، ولربما تكون حلقة الوصل لفهم مدى التقدم بحسب رتيبته البطيئة أو السريعة، فعلى الرغم من تحقيق نمو بشري مزدهر، والاستفادة القصوى من وسائل التعليم والمواصلات وكافة التسهيلات لبناء مجتمع متعلم وبناء، إلا أنه تظل الإشكالية دائما قائمة على ارتباط هذا التقدم بمفهوم مجتمعي، من نحن كمجتمع يرتبط بالعادات والتقاليد وفي نفس الوقت يتطلع نحو الأمام؟ في حقيقة الأمر، إن هذا السؤال التفكري يعتبر سؤالا مناطقيا يشمل منطقة الخليج العربي عموماً، حيث تتشابه المقومات، باختلاف المسافات، وتتشارك العادات على الرغم من تفاوت الموارد. يكمن الجواب في زوايا تحليلية مختلفة، ولن يسعني من خلال هذا المقال إلا أن أسلط الضوء على تحليل واحد فقط يرتبط بشكل كبير في مسألة الزمانكية، حيث مراعاة الزمان والمكان في آن واحد، والتيقن ان كان الزمن متغيرا فكيف لا تكون هناك تغييرات على ذهنية المجتمع أيضاً. بالتأكيد تظل العادات والتقاليد إحدى السمات الرئيسية في التعريف عن أي مجتمع، فعدم وجود العادات يستنقص من قيمة المجتمع بأنه بلا كيان ولا ميزة مقارنة في المجتمعات الأخرى. فالمدنية في هذه الحال لن تبرز من دون ابراز جوهر تلك المدنية والتي تكمن فيما يميز هذا المجتمع عن غيره من المجتمعات، خاصة وسط مجتمعات وجغرافيا متشابهة. ولكن تظل المسألة في الذهنية والأهمية في مدى التأقلم، والاعتياد على التغيير بدلا من الجمود الفكري الثقافي الذي يستند على نمطية سابقة لا تواكب التطلعات الحديثة بقياس التغييرات الاجتماعية. ما زلنا نتحدث في كل الحالات عن تغييرات بشرية، فالعادات والتقاليد هي أساس تكوين بشري على مر التاريخ، كما هي الحضارة التي تتقدم بتقدم الذهنية الاجتماعية لدى الفرد. فكيف نستطيع أن نساير التقاليد مع الحضارة، خاصة إن كانت التقاليد ماضياً لا يتجدد، في حين أن الحضارة متطلعة ولا تنظر للخلف، فلربما تكون سمة أكثر من كونها إشكالية في القدرة على تحرير الذهنية والثبات على الكلاسيكية.
402
| 19 أغسطس 2025
قررت أن أعيش في المثالية لهذا المقال، وان أرى من منظور سهل ممتنع بسؤال «ماذا لو»، حيث المثالية في الموهبة وحصولها على كافة التسهيلات والدعم كي تعبر بلا توقف، والمبدع بتطلعات نحو أعمال تطمح للعالمية. المسألة المثالية لا ينقصها مفتاح، إنما تفتقد ملء الفراغ والنظر في أعمق من التطلعات والآمال، وحتى أن نكون قادرين على سد هذه الثغرة، علينا النظر أكثر في مسألة التسهيلات كأحد عوامل تقويم التطلعات وبناء الرؤية وصقل الإمكانيات وتحديد الاحتياجات وفهم الاحتياجات حتى. وأقف كثيراً ومطولاً عند مسألة الاحتياجات، ولربما أطرح عدة تساؤلات هنا، ماهي الاحتياجات، وهل للمؤسسات دور في تلبية الاحتياجات أو حتى تحقيق جزء منها على الصعيد الفردي، المجتمع وحتى الكلي. نعود مرة أخرى للرومانسية المثالية، «ماذا لو» عملك لاقى الصدى المؤسسي المطلوب، فأصبحت جزءا من عجلة فاعلة تضمن لك الاستمرارية، وتدعم امكانياتك لتحقيق طموحاتك الكبيرة. لأن عملك لاقى اهتمام المؤسسة، فأصبحت الكفاءات الإدارية تتسابق عليك وتحاول العمل معك لصقل موهبتك أولاً ولإبرازك بشكل مستمر في محافل دولية، واستغلال الفرص لإبرازك محلياً حتى. ولأنك مبدع ومهتم، تلاقي الاهتمام الجماهيري تشجيعا نحو الاستمرارية، وتخصص أوقاتا لبناء أعمال حصرية. ولأن الكفاءات الإدارية على تواصل مستمر معك، أصبحت أكثر إلماما بالمجال، ولربما فتحت لك الأبواب والفرص للتعرف على قامة المواهب وأكثرها خبرة، بل أصبحت أكثر انطلاقاً واستقلالية. باختصار، أصبحت جزءا من المشهد الثقافي، أصبحت قوة ناعمة لها دور في الحراك المحلي المعاصر، أصبحت فاعلا من حيث الاستمرارية والتأثير من خلال اكتشاف المزيد من المواهب. بدأت تتأمل نفسك كجزء من معرض يبرز موهبتك، وجلسة نقاشية تحاورك حول أبرز أعمالك، وتنتقدك وتحاور أبرز صعوباتك في إخراج نصوصك وسرديتك. عطاؤك بلا توقف في فترة حضورك وفاعليتك في المشهد الثقافي، فلاتزال الكفاءات الإدارية تعمل لإبرازك، محاولة أن تشجع من حولك للتمثل على خطى انجازاتك، مقدمة لك التسهيلات والأدوات والإرشاد بداية من أولى الخطوات. كما أصبحت أنت المساهم في استقطاب وتشجيع المبدعين للعمل على تحسين وصقل مهاراتهم، بل شكلت مع المؤسسة ذراعا ثقافيا متكاملا تواصل جهودها لتحافظ على استمرارية الأداء وفاعلية تجديد المشاريع. لربما تعتبر هذه المثالية السردية في الأعلى جانبا اتكاليا، ولكن لو نظرت إليها من حيث سد الثغرات وصقل المهارات، لن تستهين بهذا المنظور، ولو تعمقت فيه المضمون بشكل أعمق ستلاحظ وجود المقومات الأساسية التي تضمن عدم تقوقع المبدع حول نفسه. تجد الجواب واضحا من بناء صورة مثالية بمقومات جداً واقعية ينقصها التطبيق الصحيح، فالكفاءة الإدارية على الصعيد المحلي هي أساس تلك المقومات التي تندرج تحتها أساسيات بناء وتجديد المشهد، بداية من فهم الاحتياجات الثقافية واكتشاف وسائل البناء المعنوي العميق للثقافة، تعزيز القدرات المالية، دراسة المحيط من حيث فهم نواقصه وتطوير أنساقه الثقافية، مصحوباً ببناء قاعدة جماهرية مستدامة، وأخيرا التأثير والتأثر لدفع عجلة استقطاب المواهب. تستيقن أن الصورة الثقافية هي تكميلية لرؤية مجتمع، فالسردية الثقافية لا تكتمل إلا بخصوصية استراتيجية تتطلب الوقت، التمويل، وتكريس الجهود الجماعية للوصول إلى بناء المشهد الثقافي المطلوب والطموح والمواكب. ما تم ذكره في الأعلى ليس يوتوبيا أو مثالية، بل من الممكن جدا أن يتحول إلى واقع فعلي. ماذا لو طبقت هذه السلاسة على تمكين واستقطاب المواهب، أين العوائق؟ وأين تكمن صعوبة تحقيق النتائج؟ لربما نستيقن من هذه التأملات أن قدرات الاستقطاب ليست بالأمر التعجيزي على المستوى الإداري لدى المؤسسات وحتى الأفراد، بل تتطلب إعادة تشكيل الكفاءات ممن لهم النظرة النوعية، الإدارية، والشمولية لاستقطاب المواهب وتعزيز إمكانياتهم، بل واستغلال الموارد المالية بشكل متزن وصحيح من أجل تحقيق الرؤى الثقافية من مناظير مختلفة نابعة من أساس المجتمع. فلا تضع كل آمالك على « ماذا لو» المثالية، وهي أقرب إلى الواقع مما تظن!
384
| 05 أغسطس 2025
مررنا بملاحم مهمة محلياً واجتزنا جائحة غيرت مجرى الحياة للاعتياد على ما أطلقنا عليه الأسلوب الحياتي الجديد. تغيرت مجريات الإدارة حتى، بمجرد ظروف كانت لها الأثر الكبير في إعادة النظر في الأمور وتغيير نمطية العيش والحياة العملية من منظور مغاير. إن نظرنا بشكل أكثر عمقاً نحو هذا التغيير، قد ندرك أن الإدارة فاعليتها على الرغم من التغييرات التي تطرأ عليها لا تكمن في استراتيجية تبنى وفقا لتلك التغييرات، ولا تقف عند موظف بحضوره التقليدي، إنما فاعليتها تبدأ من موظف مواكب تغييرات تؤثر عليه أولاً وعلى نمط أسلوبه الإداري بشكل جذري. هنا نستيقن أن الإدارة تتشكل من حيث التجديد، ولا تظل تقليدية خاصة عند مواكبة أحداث جديدة، ظروف وأزمنة ساهمت في تغيير نمطية التركيبة الإدارية والحياة المهنية عموماً. وبما ان الإدارة هي عمل اجتماعي، تتلخص مهمتها في بناء قيم، توفير وسائل وبناء غاية، فإننا في هذه الحال قد نواجه إشكالية كبيرة في هذا الانعكاس الإداري – الاجتماعي، أولاً من حيث الجمود الثقافي في نمطية أداء الموظف، وثانيا من حيث قدرة المؤسسة على إعادة التشكيل والبناء والتجديد لمواكبة احتياجات نفس المجتمع! هذه المواكبة تتطلب تغييرا في السلوكيات وتغيير في الأفكار للمساهمة بشكل فعال نحو التحسين وبناء الماهية بحداثة وتطوير. ولو نظرنا إلى هذا الجمود من الجانب الثقافي، فسنلاحظ بأن قد تكون الثقافة ضحية الإدارة التقليدية، وسجينة الأفكار التوجيهية والرقابة الاحتكارية. فمن الطبيعي أن الثقافة من حيث بناء المفهوم الذي يتمحور حول الصناعة الإبداعية لا يزال في طور التشكيل، فعلى الرغم من كونها خدمية بشكل نوعي إلا انها لا تزال لا تستوفي الطاقة السوقية، ناهيك طبعا عن محدودية جمهورها. بالتالي، لا تزال الثقافة ينظر لها بمحدودية البعد الكمي ومدى تحقيق استراتيجية المؤسسة من حيث زيادة الأرقام من دون تحقيق بالضرورة نوعية البناء التكاملي المطلوب. وأخشى من هذا المنظور تحديداً أن تساهم الإدارة التقليدية في إضعاف المجتمع بدلاً من تشجيعه على استمرارية العطاء ودعم صناعة الابداع بجوانبه المتنوعة. خاصة عندما تكون الثقافة موجهة وتتسم بصراحتها في مستوى التنفيس عن الفن والحرية الإبداعية، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى خلق مجتمع اتكالي، لا يستطيع أن يولد سرديته ويرسم تمثلاته، مستمراً أن يكون في حاجة أدوات المؤسسة. بينما يمكن إعادة هذه النمطية في زيادة دور المؤسسة من حيث تحفيز الأدوات وتغيير الفكر الإداري والذي سيتبعه سلوك متجدد بإمكانه أن يصقل الإمكانيات، يكتشف المواهب ويساهم في دعم المجتمع لاستمرارية صناعته الإبداعية. السؤال الجوهري يكمن في مدى الحاجة لتجديد الثقافة، لماذا علينا التجديد؟ وكيف نساهم كموظفين نحو المجتمع في بناء بيئة إبداعية تدفع عجلة الثقافة للأمام، منتجة بلا توقف. بإمكاني أن أظل موظفاً، ولكن قد لا أستطيع أن أدعم مثقفا أو مبدعا إلا بمحدودية أدائي، وبإمكاني كموظف أيضاً أن أتعامل مع المؤسسة كحالة دراسية واكبت عدت تغييرات، حيث أثبتت مقدرتها على التغيير والتجديد. حينها يجب أن نتطلع لموظف تربطه علاقة بالمبدع وصانعي الفرق والأثر، موظف لا يقيس أداءه بالأرقام، بل ينظر لجوانب البناء والاستمرارية في الحفاظ على دعم وصقل الأدوار والأداء، رافعاً شعار: أنا موظف، فأنا فاعل، مغير ومساهم.
363
| 29 يوليو 2025
أؤمن بأن طاقتنا الاستيعابية للمنطق لا تقتصر على السطحية في التنظير، ولكن يصعب على المرء أحياناً أن يكون صريحاً بما فيه الكفاية وعموميا لدرجة أن يقدم أصدق المناظير وأكثر الحلول ملائمة للمشهد الثقافي وأبعاده التي تضيق أكثر من انها تتسع في الفرص! اليوم وفي زمن تتفاوت فيه الإمكانيات والأدوات، نراهن على مستويات الابداع، ولكن نقف كثيرا على ما بعد الابداع، ونستوقف أكثر عند مسألة الاستمرارية التي من المفترض أن تتخطى الابداع وتتجاوز الشغف كي تصبح جزءا تنمويا بأثر اقتصادي يحرك الصناعة الإبداعية بشكل تكاملي وليس الفردي أو الاحتكاري. لا يمكن أن ينظر للحراك الثقافي المحلي اليوم على انه مختزل في الشغف فقط، خاصة عندما نتكلم عن الطاقات الإبداعية والامكانيات التي تتطلب المزيد من الدعم والإرشاد للاستمرار. التوسع في المفهوم أولاً والتيقن بعمق بأن الأبعاد والمقومات الثقافية هي استقطاب تكاملي لأكثر من فرد فاعل فيه. فلا يمكن أن يظل المنظور الثقافي سائدا بنفس مقوماته السابقة وليس قابلاً حتى للتعميم من دون أن يعاد النظر فيه، قد تكون هذه النظرة فاعلة في عقد سابق من الزمن، ولكن اليوم مع مرور عدة ملاحم محلية، وظروف خالدة في الذاكرة الجماعية، حان الوقت أن يكون النداء ليس من باب الشغف، بل من باب الصناعة والاستثمار فيه. ومن هذا المنطلق، من المفترض ألا نناظر على الثقافة من جانب الخطاب والمحتوى فقط، بل لا بد النظر حتى في الممارسات الإدارية تقدم بعدا أكثر ضماناً وعملية لتحريك المشهد الثقافي اليوم وبشكل مستمر ومستدام. ولا شك بأن هناك عراقيل باتت تؤرق المشهد الثقافي بشكل تتطلع له الرؤى المثالية، فلا تكتمل الصورة بالتأكيد إلا بعد رؤية حصاد محاولات واستثمار يعتمد على الشغف أولا، تعزيز الإمكانيات وتهيئة بيئة جاذبة وخصبة تعمل كديناميكية لاستقطاب محركات أكثر لمشهد يتطلب البناء المستمر وليس الوقوف على مواهب محدودة، ممارسات ظلت من دون تطوير، ناهيك عن الغرضية الثقافية التي حال عليها الزمن ولم تتقدم. إذ ان التقدم الثقافي في هذه الحال لا يعني بالضرورة الانفتاح، إنما كسب المزيد من المواهب للتفرع أكثر في بناء السردية المحلية على سبيل المثال، والعمل على خلق الصور الإبداعية بشكل تكاملي أسوة مع بقية الأدوات المؤسساتية التي تدعم الاستمرارية من حيث اكتشاف العقول، تبني الأفكار وضمان الإنتاجية المستمرة، معادلة تضمن الدفع الاقتصادي التكاملي في الثقافة التي يصعب العمل فيها بفردانية. لا بد أن يضم الحوار اليوم الجانب المؤسسي من أجل الحفاظ على الشغف، إذ ان بنية المؤسسة إدارياً تعد من أهم العوامل اليوم التي تنشأ العلاقات وتخلق النظام التخصصي الذي بإمكانه خلق بيئة حيوية قادرة على تحريك المشهد الثقافي باستمرار. الحالات تتفاوت في بناء المشهد الثقافي، وعلى الصعيد المحلي، تعمل المؤسسات بشكل ديناميكي وكبير في تعزيز هذا المشهد، ولكن يتطلب إلى إدارة لا تحارب الثقافة ولا تحصرها في منظورها الضيق، فصانعو الثقافة بحاجة إلى المدراء المتخصصين والذين لا يقفون عند حدود تحقيق الأهداف الإدارية، إنما النظر فيما هو أبعد من ذلك من خلال خلق الرسائل، تقوية وتحفيز القطاع الخاص، تجديد الهوية، استمرارية بناء الذاكرة الجماعية، الانفتاح على وسائل الابداع، دفع عجلة التنمية الاقتصادية من خلال الاستدامة في صقل المواهب. الخلاصة: لا يُقتل الشغف إن توفرت الممارسات الإدارية لتنمية ودعم الثقافة بأبعادها الاستثمارية وتطلعاتها المتجددة. فلا يستحق الشغف أن يكون ضحية المشهد!
372
| 15 يوليو 2025
من السهل أن تكوِّن رأيا بحسب ما تقرأ، حيث تستطيع أن تستند إلى دليل من صفحة في هذا الكتاب، ولربما تربط الأحداث كأدلة جمعية من عدة صفحات من كتب متفرقة في نفس الوقت. ستتمكن من أن يكون لك وجهة نظر أولاً، تطلعات لأبعاد جديدة لربما، والأهم أن يكون لك نتائج ترغب أن تراها في واقعك. هذه مقدمة سهلة القراءة، سلسة في الاستنباط وسريعة في استيقان الخطوات. ولكن، تظل الإشكالية قائمة في الجانب التطبيقي الذي يبدو وكأنه حالة دراسية- نظرية ناجحة، لم تطبق بعد على أرض الواقع، إذ يقاس نجاحها على الورق قبل مرحلة التطبيق. وعندما ننظر للجانب النظري في هذه الحال بتطلعاته التجريبية، أتساءل ثقافياً، إن وصلنا لمرحلة المراوغة في الثقافة بدلا من تحسينها والتقدم فيها، أو ان أصبحنا نفضل أن تكون الثقافة بطابعها الثابت الذي أصبح اعتيادياً ومقاوماً للتغيير، فمن الواضح أننا نتطاول ونكابر في تبني عدة جوانب من تعريف الثقافة الذي يتسع لأكثر من الاعتيادية والكلاسيكية اليوم. بالتأكيد يمر المثقف في علل وعاهات كثيرة بحسب موقفه من المتغيرات والعوامل التي تؤثر على الثقافة، حتى يشعر المثقف بالداء الذي يصعب الشفاء منه، وسبق أن ذكرنا الظروف التي تضع المثقف في تلك المواقف التي يشعر وكأنه في برجه العاجي بمفهوم ثقافة واسع وعام يصعب عليه ألا يعتاد إلا على جزء منه حتى يعجز أن يطلقه خارج قيوده. ولكن يأتي الأمر في الجانب التطبيقي للمفهوم، فهل جربت أن تنقل مفهوما تجاوز الـ 300 تعريف إلى الواقع وبشكل تطبيقي، الأمر الذي بإمكانه أن يغير مسار اعتيادك نحو وضع الثقافة في إطارها الركيك والروتيني. إذ توصلت إلى أن الثقافة التطبيقية هي الجانب النوعي المفقود، الذي بإمكانه أن ينفذ المفاهيم وأن يخلق الصورة التي تكونت أيديولوجيا ولفترة طويلة من الكتب والممارسات الاجتماعية. الثقافة التطبيقية ليست مجرد بناء المشروع بحسب موارده الاجتماعية المؤثرة، إنما النظر في نوعية هذا المشروع الذي يخلق لك بعدا آخر جديدا ينعكس على مفاهيم الثقافة الأكثر من 300. لماذا نحتاج البعد الآخر الجديد؟ لأن الثقافة ليست حكرا على مشروع واحد متكرر، ولا أن المشروع حكر على مفهوم ثقافي واحد. كما أؤمن بأننا نستيقن أن الثقافة لم تعد مبدأ ثابتا غير متجدد، هي جوانب مختلفة، مسارات مباشرة وغير مباشرة، بل وهي نظرة اقتصادية جريئة لتحريك المفاهيم وقياس أثرها على المتلقين، ولنضع خطوطا عديدة على الجانب الاقتصادي. نلاحظ من هذا المنظور التطبيقي أننا نقدم مخرجات بأثر متجدد، ليس بالضرورة أن يكون واعدا في بادئ الأمر، فلنكن أكثر صراحة أن الثقافة لا تزال حكرا على مثقفين محدودين يؤثرون على المبدأ بالمناظرة ويعجزون عن التطبيق على الرغم من وفرة أو محدودية التمويل. لذلك، نلاحظ أن الأثر في الثقافة من عدة جوانب في تباطؤ وخذلان، إذ تحتاج إلى التحريك المتجدد وكسر الروتين لمثقف يتمسك بالأمس مدعيا أنه مثقف اليوم. ودعونا لا نضع حملاً وثقلا على مثقف محدود التطلعات وحذر في التحرك، فلنكن أكثر واقعية بالمحركات التي بإمكانها أن تؤثر على المثقف بشكل سريع، فبات المثقف أسير مبادئ تراكمية، حتى يأتي المحرك المؤسسي برؤية وتنمية اقتصادية تغير مجرى التطلعات. فالمشروع الثقافي قبل أن يكون نتاجا فرديا، فهو نتاج مؤسسي حضاري يؤثر على الثقافة كمشروع تنموي داخلي يسيطر على التمويل، التدريب، وحتى التعيين. فالمدرسة الحديثة اليوم لا تنتظر التغيير الخارجي لتلائم الإجراء الداخلي المطلوب. إنما ينعكس الأمر اليوم في خلق مثقف تخصصي يستطيع أن يؤثر من الداخل أولاً لتنعكس الصورة على مشروع تكون فيه الثقافة نتيجة تنمية اقتصادية قادرة على تحريك الظروف الاجتماعية وإعادة تشكيل المسارات الثقافية أو تمسكها في الكلاسيكية بحسب عقلية المثقف المؤسسي. وهذا تحد بحد ذاته. الثقافة التطبيقية هي رهان إداري، فلابد أن نستيقن هذا المفتاح أكثر، قد يكون بناءً للمبدأ، معززا للنوعية بحسب قدرتها وقبولها على تبني والتنوع في المفاهيم الـ 300. فهي تتطلب منظومة مؤسسية تغرس في الأفراد الرغبة في الفهم العميق أولا، والنظر في المشاريع بأثرها البعيد. الثقافة ليست مشروع اللحظة ونجاح اليوم الذي يتوارد في الأخبار وعبر منصات الإعلام بشكل لحظي، إنما هي النوعية التي تبقى والتحدي الذي يكسر النمطية الاعتيادية في التعامل مع الثقافة.
228
| 08 يوليو 2025
لا ننكر الحقائق، كوجود دول عظمى تتصارع منذ الأزل مع الخصوم، وهناك من المعاهدات التي تهدم من أجل ضرب وقتل وهدم بيوت. هذه حقائق نشاهدها كل يوم، ونتحاور فيها من منظورنا نحن كمجتمع مدني متابع، ومن منظور فرد يحزن بمساهمات محدودة. حقيقة أن الدول المتأزمة تتصارع على عدة إشكاليات، أحدها تراكم مع الزمن، وأخرى أساسها ديني وغيرها أساسها فرض سيطرة وتأكيد حضور ونفوذ. وحقيقة أخرى، ان ظلت تلك الدول في حروب مباشرة ومبطنة، فهي في مأزق مستمر، ودوامة تتراكم فيها الأسباب وتخترق فيها بنود الاتفاقيات، حتى يأتي الأمر بضحايا الحروب إذ ينجون أو لا ينجون من هدم البيوت، أو في مدارس أصبحت ملاجئ ومدافن. فلغة الحرب واحدة، الهدم، خاصة وان اختفى دور المجتمع الدولي في التدخل والإغاثة كتبعات دمار وليس بناء. فإن كان البناء جبراً، فالتزمت الدول بالتحكم في مواقفها، والثبات على قوانينها الدولية. ثم يأتي الثابت، المبدأ الذي لا يتغير، والقوة التي تحل محل الدمار وتفادي زيادة أعداد الموتى باستمرار. القوة التي تقف شامخة أمام أخطر الأحداث وأعظم المواقف التي تخلد. ان كانت الحروب بلا حواجز ولا توقف إلا مع أكثر المشاهد هدما، فلابد أن يكون هناك رادع غير الأسلحة والدمار الشامل. فلم تعد القوة الصلبة أو العنيفة هي الحل نحو السلم، ولم تكن كذلك، فلم تخلف الحروب إلا هدما يستدعي إعادة بناء، وإنسانا يناجي لتأهيل وتنمية كي يكون جزءا من مجتمع حضاري له حقوقه وكرامته على أرضه. نعود مرة أخرى للثابت، فهو ليس الثابت في مكانه يشاهد الوضع والأزمات في محيطه الجيوسياسي من دون أن يتخذ خطوات نحو الإغاثة ودعم الانسان وإعادة بناء مستقبله. هو ليس الثابت في عطاياه، حيث يقدم القليل ويعتاد على الدعم بحدود. بل نحن نتكلم عن الثابت في مبادئه، سياساته التي لم تتغير ومواقفه الصامدة نحو أمن وسلامة المنطقة. قطر، بدبلوماسيتها المحنكة ودورها الثابت في الوساطة استطاعت أن تكون لاعبا فعليا وقويا جديا في الحد من التصعيد ووضع الانسان في المقدمة كمسؤولية تجاه المجتمع الدولي بأكمله. نحن نتكلم عن تأثير القوة الناعمة على أكبر الدول وسط أكثر الأزمات غير المستقرة. ولا بد من الإقرار هنا، أن أثر القوة أولا يتطلب بالا طويلا، ولا يقتصر على حدث مؤقت وتأثير في وقت وجيز، وهذا الأمر بحد ذاته يعكس صفة الثبات لدى دولة قطر. الثبات في المبدأ والحلول وعدم التشكيك في دبلوماسيتها كحل من أجل التوسط في الأمور، إلا بسعة البال والثبات على مبدأ يبني ولا يهدم، يهدئ بلا تهييج، لا يصعد المسائل، بل يدعو إلى الجلوس على طاولة واحدة للتفاوض. فما هو ثابت ليس إلا انعكاسا لقيادة مؤثرة، تمكنت وتستمر في استعمالها القوة الناعمة من حيث الاقناع، الجذب والتأثير. نحن نتكلم عن فنون صناعة السياسة الخارجية والتي لا تنعكس على دور الدولة، إنما أيضا تجسد رؤية شعب بأكمله حيث أصبح جزءاً من هذه الهوية، ببنائها الفكري والتأثير بوسطها القيادي المؤثر. سنتذكر ليلة لن تنسى، ولكن نسردها كقصة للأجيال بصيغة أكثر شجاعة: في ليلة لم تكن في الحسبان، أضاءت السماء نوراً وسط ذهول الناس، وبدأت حرب النجوم بصوت هز الأنفاس. فلم تكن السماء تمطر قنابل، لأن المطر غيث يسقي ولا يهدم بيوتا ومنازل. ولا يدري الناس من هو الرابح أو الخاسر.. من حرب لم تسقط قنابل، حتى جاء الثابت، البطل الذي لا يقف مع الهدم وزرع المخاوف، واجه الخطر ليعود كل فرد إلى منزله سالما.
1170
| 01 يوليو 2025
تخيل أننا اليوم نتكلم عن عكس الصورة، فتلاحظ ما يحدث في العالم بدلاً من التهدئة والحث على الجلوس للتفاوض والسلام على حساب التحفيز للحرب! تجد القذائف مجهزة وبأبهى استعداداتها أكثر من الورود! والهدم يسهل على العدو أكثر من بناء السور. أصبحت المدارس مأوى الأموات، بينما ساحة الحروب ملجأ للهدوء؟ أليس غريبا ما يحدث من تقلبات، بل نعجز عن وصف هذا الشعور. على الرغم من رسمية الضوابط والأخلاقيات في الحروب ولو بشكلها النظري، إلا أن الموضوع بات أكثر انفعالا جراء مشاعر سياسية لا تزرع الحب على قدر غرسها البارود، ولا تنادي للسلام لأنها تبني قومية تحرض مشاعر تعارض الآخر. وهذا لا يعتبر انطباعا بحسب جوليان بيندا، بل هو وصف لمشاعر في لحظة إدراك ووعي، لها حاجة. تظل الشعوب بمشاعر مؤقتة تتحرك بحسب تأثير المشاعر السياسية. ولو تعمقنا أكثر في هذه المشاعر، سندرك أنها تتحكم بمشاعر الجماعة، خاصة عندما تتسم بالقوة والتناغم لنفس الكره السياسي. بينما تظل المشاعر عادة في شتات، أي لا تتقيد برأي الآخر ولا ترتبط فيه بالضرورة لأنها تظل مشاعر شخصية، فردية تبني نظرياتها على أساس وبعد محدود من دون أي انطباع فعلي أو حتمي لواقع الأمر، إلا إذا شاركتها مشاعر أخرى. وهنا يكمن التساؤل، إن كانت مشاعر الفرد تقوى وتصقل عندما يجد مجموعة من المشاعر المماثلة متحدة بقوة واحدة. وهذا الأمر جائز بالتأكيد وأكثر تأثيراً، خاصة عندما تتجسد وتعبر من خلال وسيلة يسمع من خلالها صوت واحد متلاحم في التعبير وتخيل عندما تحدد تلك المشاعر خصمها، ومن هنا تحديداً ينادى للحروب بصوت واحد مسموع من دون تراجع او وجود لواسطة تطفئ الهدم وتنقذ الروح. لأن المشاعر عموماً هي صفة استمرارية، أي تتراكم بحسب قدرة التجاوز أو عدم المقدرة على التخطي. ولا سيما أن العقل المعاصر اليوم يصعب عليه التخطي خاصة في ظل مظاهر ظلم وقمع ودمار لا يحرك ساكنا لصالح الإصلاح في لحظتها، فتظل المشاعر تنادي بأعلى صوتها السياسة أولاً بحلتها الشرسة وما يترتب عليها من تبعات كحاجة للتنفيذ من دون النظر للسلام والذي أصبح كمعنى في الواقع وعرضة للمخاطر أكثر من كونه ملجأ للتفكير والتحاور. إذ يتم التغافل عن هذا المعنى الذي يدعى للسلم في أسوأ ظروفه، ليحل محله الموقف الأخلاقي والاثبات الوجودي لهوية وطنية متزينة بالروحانية والعشق الديني بحسب وصف جوليان بيندا، حيث تتحول تلك المشاعر من مجرد شعور إلى رغبة في فرض الرأي والتعبير العسكري والدفاعي الكامل. يظل السلم عند من يتجرد من تلك المشاعر، من لا تزال لديه المبادئ الثابتة والقيم التي تضع الشعوب أمامها أولاً، وتراعي التبعات قبل وقوعها، وتسعى في بناء القنوات حتى مع خصومها. المشاعر السياسية لن تتوقف يوماً ما، إنما تتحول في الأخير لمشاعر قومية تنتمي لغالبية الشعوب أكثر من الوعي بالمصالح القومية، والفرق كبير عند النظر في القياسين. الأول يتجرد من النظر للمستقبل، والثاني يعيش في المستقبل قبل حدوثه. الأول يتفاخر بالمشاعر الجياشة في لحظتها، وفي الثاني تهدأ النفوس وينظر في الاتفاقيات ويبنى عليها أخرى من أجل أجيال لها حقوق مدنية مستحقة وعيش كريم منتظر. هنا ننظر للحرب بتدريج مبسط، حيث المشاعر عندما تنتقل من كونها فردية إلى سياسية مشتركة مع الأغلبية، حتى تتحول إلى تلاحم قومي من حيث الوعي والتمسك في ذاكرة مشحونة، وصولاً إلى التيقن من المخرجات التي كانت نتيجة تلاحم الذاكرة والمشاعر الجماعية. مسألة تدور وتعود مرة أخرى في مدى التحكم بالمشاعر والسيطرة على شراسة الموقف في الأخير.
402
| 17 يونيو 2025
مساحة إعلانية
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...
7071
| 14 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
2991
| 20 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2856
| 16 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
2754
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2562
| 21 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2313
| 16 أكتوبر 2025
قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....
1623
| 14 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1401
| 16 أكتوبر 2025
الوقت الآن ليس للكلام ولا للأعذار، بل للفعل...
1251
| 14 أكتوبر 2025
لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...
1128
| 14 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
966
| 20 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
903
| 21 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية