رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

المثقفون: استنزاف طاقات وجمود الحركة!

أحياناً أجد أن مساحة العمود الصحفي تكفي للتنفيس وإبداء الرأي الوجيز حول البعد الحضاري والتمني المستقبلي لما هو في صالح الثقافة، وأحياناً كثيرة أطمع لمساحة أكبر للتعبير! ودعوني أؤكد لكم بأن محور الثقافة ليس أقل شأناً من أي محور استراتيجي آخر لبناء الانسان، بل هو الخيط الخفي الذي يعمل على بناء الشخصية الوطنية متضمناً هواجسه الثقافية ومنابع إلهامه. وبحكم اهتمامي العميق في الحراك الثقافي المحلي، لدي ملاحظات أود أعبر عنها من خلال دراسة المشهد الثقافي في دولة قطر، حيث يتطلب وبقوة التمكين والقدرة على بناء المكسب من وجود المثقفين، بعيدا عن استنزاف طاقاتهم (ولي في كلمة استنزاف وجهة نظر)،. وهنا يكمن المحور الاستراتيجي والتركيز على أهميته لصقل الشخصية الوطنية الثقافية خاصة، ولِمَ لا عندما نوجه هذا التمكين لفئة الشباب كونهم مثقفي اليوم! وهذا الجزء بالتحديد أجده مكملاً لمساعي من يحمل على عاتقه الثقافة بصورها المتجددة والحضارية. لأن صناعة الانسان تعني أيضا صناعة ذاته وإعطاءه تلك المساحة التي تمنحه القدرة على التعبير في المنصات المتعددة. فدعنا لا نثقل على الثقافة ونضيق عليها في منصة واحدة تستنزف إمكانياتها وتستهلك طاقاتها من دون أن تجد لها سبيلاً آخر. فهي ليست شكلية ولاهي كمية تكتفي بالظاهر وتتغافل عن النوعية فيه. وفي الحديث عن المنهج الكمي، فإن الخطة الاستراتيجية في صناعة الانسان المثقف ووضع التوقعات لحال المشهد الثقافي ومواكبته المعاصرة قد تقع تحت الدلالات المحدودة للثقافة والتي تحد مفهومها الواسع بقياس العددية وليس النوعية وكلاهما مهم بنفس حال التركيز على الثقافة بأنها المادية وغير المادية، وهذا موضوع شيق آخر. كما تجد أحياناً دراسات الأهداف الثقافية محدودة على إنها حصرا على هوية، أو الاكتفاء بكونها التراث وما بين طياته من فنون شعبية. ولا تستبعد أيضاً حكر المفهوم على الأكاديميين والمحاضرات بتفاصيلها التاريخية أو بالنصوص الجامدة. وهذه المحدودات الثقافية تظل نتيجة التضييق الدلالي على المفهوم الثقافي. وبالتأكيد كل تلك التصنيفات لا غنى عنها، ولكنها إن طغت على تصنيفات التمكين الإبداعي والفنون فذلك يعني أنها أصبحت استنزاف طاقات وهدر إمكانيات ثقافية وعددية، أكثر من كونها انعكاسا لحراك ثقافي نشط يشمل جميع الفئات ويمنح المحتوى الإبداعي مساحته الخاصة لاستدامة عطائه وتقديم خدماته التي من المفترض أن تنعكس على المحور الاستراتيجي الثقافي كجزء من عملية الانصهار الثقافي وبشكله المتجدد والمعاصر. لذلك، جزء من الاستراتيجية الثقافية يجب أن تركز على الحد من استنزاف طاقات المثقفين، وذلك من خلال تقديم أفضل الدلالات المدروسة لأهداف تشمل الجميع في المشهد الثقافي بشكل مستدام يضمن الحراك الاجتماعي المستمر والمتجدد باعتبارها نقطة مهمة تسهم بشكل كبير في التركيز على الجودة الجوهرية واللامادية لقيم الانسان، وتمنحه الفرصة في تطوير المفهوم وليس التضييق عليه. كما أن التطور الدلالي للمفهوم الثقافي على الصعيد الاستراتيجي سيمنحه فرصة كبيرة لدعم المجتمع في التخطيط لمشاريعه الثقافية الخاصة باعتبارها محورا رئيسيا لإثراء البشرية ومواكبة أيضاً للزمان والمكان. baljanahi86@gmail.com

3326

| 01 مارس 2022

شعبوية التنمر!

سؤال ماذا نريد؟ لا يقتصر فقط على التطلعات الانشائية عند الحديث عن بناء الذات أو للسعي وراء الفرص وتحقيقها ليتم السعي وراء فرص أخرى كي تشعر بأنك حققت إنجازات على مدى سنوات! ولكن يجب أن تضع هذا السؤال أيضاً من منظوره الأوسع والأشمل، الذي ينسب إليه الجمع وتنسب فيه للجمع بما فيه من شيوع واتفاق واختلاف أحياناً في ظل التلاحم. فكي تحقق الامتداد الثقافي على سبيل المثال، عليك أن تقر بأنها الخلفيات المتنوعة بحسب ما جاء في الوعي التاريخي تحت مظلة الوحدوية التي تتطلع من خلالها للإجابة عن سؤالك الأسمى مع من حولك، ماذا تريد وماذا يريد مجتمعك؟ وما هي المقاييس التي تضعونها سوياً لامتداد ثقافي واضح وصريح لا يمس ولا يطال ولا يتأثر من الداخل أو الخارج. في الحقيقة في هذا السؤال عدة تطلعات وعدة تناقضات أيضاً في نفس الوقت، لأن المجتمع يريد أن يكون متشابها تحت مظلة الوحدة والهوية والأصالة، ولكنه يرفض التنوع تحت نفس المظلة الوحدوية، فهو يفضل التشابه تحت مظلة التشابه. فإما أن تكون معه في نفس الرأي ونفس التيار، ونفس النمط ونفس الخلفيات. وان كنت ضده، سيتم مواجهتك بالتنمر، وهذا كسب بحد ذاته لهجوم أكبر عليك. لأن المجتمع طالك بالتنمر والاستهتار والتشكيك في هويتك، أصلك، ومدى انتمائك أو اختبار تحريضك بانتقاء ما يلائم الهجوم عليك. ولا أعمم بالتأكيد هذا النمط المتنمر الحاصل في نوعية الهجوم الذي يتعرض له العديد ممن لديهم رأي متفرد، إنما نلاحظ الوسط الافتراضي الذي سمح أن يكون مساحة الهجوم المشخصن بدلاً من أن يكون منبراً للنقاش. ونعيد السؤال الذي نطرحه على أنفسنا، ماذا نريد؟ وكيف نرى الثبات والتحول في مجتمعاتنا، وما هو دورنا عند التحول في ظل عدة متغيرات وعدة عوامل لها الدور الرئيسي والتحدي الحق في تمكيننا في الانتقال بينما نتمسك بما هو ثابت. ولا يوجد قياس دقيق عند المقارنات بين الأجيال، خاصة وإن لم نضع في الحسبان العوامل الجديدة التي تؤثر على تغير نمط الحياة والعيش والسلوكيات. وهذا تحد متغير من حقبة إلى أخرى نواجه جميعنا بحسب تلك العوامل المؤثرة الجديدة وباختلاف معايير الصعوبات فيها على مدى قدرة تأثيرنا على أجيال قادمة. وهذه تعتبر ظاهرة حياتية في انتقال الأجيال والتغيرات التي تطرأ عليه، حيث تعتبر دائرة متكررة بمحيط مختلف عما سبق وبتحد أزلي حول الحفاظ على ما هو ثابت. وجزء من التحدي يشمل أيضا لغة الخطاب عند الهجوم على صاحب الرأي الصريح بالتنمر بدلاً من المواجهة المثلى. إذ نحن أصحاب مشهد اليوم نراقبه عن كثب ونرى الواقع ونخشى من المستقبل، فبلا شك مواجهة جرأة الطرح يقابلها تطور الذات الثقافية بمستوى نقدها وإضافاتها النوعية. أو على الأقل هذا ما نتصوره ونأمل أن يبرز في الساحة الفكرية عند مواجهة الرأي والرأي الآخر. ولكن ما يحدث ليس إلا مواجهة شعبوية افتراضية تبرز جانبها اللا أخلاقي بدلاً من حضورها النقدي. لربما تريد أن تكون مؤثراً في رأيك، وهذا من حقك بالتأكيد، ولكن التأثير لا يكون بالتنمر ولا بالإساءة، لأنك تتصدى النقد بسلوكياتك الدونية والشعبوية التي لا ترتقي لدرجة المواجهة البناءة او حتى المناظرة الجريئة. فخوفي عليك أن تكون ضحية تأهيل اجتماعي محدود في شبكة تواصل اجتماعي وتتمسك في شعبويتك على أنها مصدر تأثير. فنصيحتي قبل فوات الأوان أن تكون منتجاً للأفكار وليس منظماً وقائداً في التظاهرات الكلامية!. تريد أن تكون مشروعاً ثقافياً وممثلاً نخبوياً في وجهات نظرك في الحراك الاجتماعي، فلتكن الفكرة نابعة من توطين مفهوم كونك من ضمن شريحة مؤثرة وليس من منظور طبقة عنصرية متنمرة. لأنك تعمل على إلمام الجموع بالسوقية بدلاً من إلهامهم بفكرة رسالية. فالوعي الجماعي لن يكون له أثر إن كنت تحرضه عبر السوقية الشعبوية. baljanahi86@gmail.com

4197

| 15 فبراير 2022

العولمة وإسقاطها الجيوغرافي على إنسان المنطقة!

الحديث عن العولمة لا يقتصر على التوحدية في المبادئ والاجماع على الأسس المعاصرة لأي مجتمع حديث. ولكن أيضاً يتطلب النظر من خلالها على بناء الأسس التي تسهم في تفويض المبادئ وتعزيز القيم الثقافية لمجتمع يعاصر الحداثة بينما يتمسك بالعادات الاجتماعية والتقاليد ولا يزال يتطلع للأمام وهو حبيس كينونته وعزلته المنغلقة على نفسها! ودعنا لا نقلل من أهمية الخصخصة وترسيخ الهوية الجمعية، فلربما تتضارب الفكرة بين ما هو عاطفي وما هو تنموي، أو ما هو بنيوي وما هو رجعي. وتظل هناك العوامل التي تسهم في الانتقال الزمني والنوعي للبشرية من حيث مدى التغيير والانتقال الحدثي، وذلك بحسب الطفرة أو الظاهرة التي تمر من عليه بتأثيراتها المختلفة. ولا أستطيع أن أقف عند العولمة بمفهومها الواسع والحاضن للعالم من دون أن أنظر إلى فاعليتها على المجتمعات التقليدية كمنطقة الخليج على سبيل المثال ومحاولة فهم المراحل الانتقالية للمنطقة. وما اسهامات العولمة في هذه الحال في بناء مواطن عالمي متبني الأسس الثقافية الحديثة. وهنا تكمن عدة مفارقات في تصنيف المواطن الخليجي في البدايات بحسب الأسس الثقافية التي انتقلت معه. إذ ان بناء الفرد في المنطقة يأتي منذ زمن البناء الإنساني اليدوي، ومن صنعة اليد وامتهان الحرف اليدوية والمهن البرية والبحرية، وصولاً إلى أكبر طفرة واجهت منطقة الخليج على سبيل المثال، مما سببت له فجوة ونقلة سريعة لم يستطع انسان المنطقة مواكبتها إلا عن طريق الانتقال السريع والمباشر مما أدى إلى ضياع الهوية التقليدية وامتهان ما هو مواكب للطفرة البترولية. وعلى الرغم من تلك الصدمة، واكب انسان المنطقة الانتقال بين الحرفة والمهنية والمواطنة، ولكنه ظل متمسكاً في نوستالجيا الماضي على أنها تقاليد وعادات اجتماعية، حتى ولو كان غير ممتهناً فيها، إنما تظل منها شكلية تستمر معه مواكبة مع عصره. وأعتقد من تلك الفجوة بنيت مسألة الانتقالية ما بين التقليد والحداثة على بنيوية مواطن المنطقة الجديد. ومن تلك الفجوة أيضا بني هذا المواطن أسسه التقليدية وبنى عليها تيارات الحداثة على الرغم من التصادمات التي واجهها مع الأسس الثقافية. وهنا تكمن الإشكالية في الانتقالية الحديثة بغياب مظاهرها وسماتها الفكرية والعلمية على مستوى حقوق الانسان على سبيل المثال، التفكير النقدي أو حتى التعددية الثقافية. إنما غلب على الانتقال الحديث طابع المواكبة، حيث يصعب عليه أحياناً مواجهة الاختلافات الثقافية بتنوع أسسها ومنهجياتها للتعامل مع الواقع ومواجهة قضايا الساعة بين منظوري الأسس الثقافية الجيوغرافية عندما ترتبط بالتقاليد والعادات والاجتماعية وبين منظور الأسس الحديثة والتي تجد في سماتها الثقافية التعددية الفكرية، وحرية التعبير، حوار الثقافات وغيرها. كما تظهر عقبات أخرى لا توجد لها أرضية مشتركة أو موحدة لآلية التعامل مع الواقع بمنظوريه التقليدي والمعاصر في آن واحد وتحت مظلة العولمة الوحدوية. إذ يعتمد الموضوع على القدرة في استخدام الأدوات والأساليب للوصول إلى الواقعية من دون حشر الثقافة في زاوية العنصرية، أو التسيس الثقافي. واحدى تلك العقبات تكون بسبب الخطاب الثقافي الفوقي، مما يؤدي إلى تهميش التعددية الثقافية وتمييز بعضها، ولربما يقود إلى دوامة الأسس الثقافية التقليدية المبنية على الخطاب الثقافي الانتقائي وليس على أساس التنوع الثقافي بناء على أسس العولمة التنموية الحديثة. بالتالي، تظل العولمة مفهوما واسعا، خاصة ان تركناها في مكانها العام من دون أن نفهم فاعليتها على الأسس الثقافية على المنطقة ومدى ابتعادها أو قربها من مظاهر التنمية ومدارك التعبير باختلافها، والتعددية الفكرية بتنوع ثقافاتها. العولمة تظل هيمنة سائدة ولكن لا تستطيع فهمها إلا إذا أسقطتها على الواقع الجيوغرافي بشكل تفصيلي. baljanahi86@gmail.com

4316

| 08 فبراير 2022

تناقضات التقدم الثقافي: بين التمدن والتأصيل

قد يكون في مقالي هذا نوع من التناقض، ولا تلوموني على هذا الاضطراب الفكري، فالوضع على المستوى الثقافي ومدى تقدمه وتأخره في آن واحد يحير الكثير من العقول ويعيق تحليل واقعها إن كان مواكباً حقا مع المجتمع المدني، أم انه متأصل وراسخ في محوره التقليدي السابق. وهذا ظاهرة ثنائية نتعايش معها دائماً ونمر في تناقضاتها ومستويات الخلل على الانسان بشكل متكرر. فلا ينبغي أن نتأمل المستقبل لنصلح الثقافة، خاصة إن كانت الثقافة تستنجد من عدة أحمال كنا سببا فيها وأصبحنا نتعايش معها يومياً من دون أن نرسم لها الخرائط الواضحة للمستقبل. فالمستقبل لا شيء من دون نظرة التيقن والتخطيط بتأمل وتطلع مشرق، أو التخطيط للمستقبل بأسوأ التوقعات، إذ يعود الأمر في النهاية على العقلاني الذي يتيقن ما يراه في مستقبله وما يحتاج إليه من مشروعه الثقافي. بالتالي، من هذا التناقض أجد علامات استفهام متعددة لم تفسر بعد ولم نحصل على إجابتها على قدر حملها على عاتقنا، فالعيش في الواقع يعني التعايش مع الحقبة كاملة ومراقبة المشهد الذي قد يحمل عبئاً ثقافياً أكثر من ملاحظة الارتقاء والتقدم الثقافي فيه ومن نفس المشهد. وهذا الأمر يقلقني كثيراً، خاصة عندما يكون الشأن الثقافي أقل وزناً من الشأن المادي، وعندما يتم تفضيل ما هو غير الثقافة والتنازل عما يعتبر رفاهية ثقافية لإقصائه لأنه أقل تفضيلاً. كما يحزنني التجرد الفعلي من جوهر الثقافة عندما تكون غير واقعية ولا تصلح للواقع الجديد، على قدر كونها ثقافة مشوهة أو حتى قشرة ثقافية نتبناها لفترة وجيزة ومن ثم نتركها للاهتمام في الأمور الأخرى. فيحيل على الثقافة الحول وتموت في أغلب أوقاتها. ومن هذا المنطلق، يجب ألا تكون الثقافة إلا وازعاً فردياً يأتي نتيجة اجتماعية تكتشف حاجة المجتمع له، وتساهم في تنميته بحسب نظرتها إلى نفسها وللآخر على القدر الذي تستحقه الثقافة بمعناها الذي يرسم المشروع الذي يحتاج إليه المجتمع كي يتقدم، ولكن يظل بناء تلك الحاجة التنموية على المستوى الاجتماعي بطيئا، وهنا أتوقع أني سأبدأ التناقض مع نفسي. ولكن تناقضاتي في هذه الحال لن تتعارض مع مبدأ يقر بأن لا البطء ولا السرعة سمات يجب أن تغلب على الأخرى، فكلتا السمتين تهتم في دعم الحاجة والمواكبة، وكلتا السمتين أيضاً تحددان الخلل الذي قد تخلفانه من وراء سرعة التقدم، والتمييز الزمني الذي قد تخلفانه من سرعة الحداثة. وهنا عدة أسئلة أطرحها على نفسي كي أتمكن من استيعاب هذا الكم من التناقض الذي نتعايش معه من دون الخروج منه بسهولة. ما هي الثقافة الخاصة التي نعتمد عليها وتساعدنا على التقدم، وما هي تلك الأسس الثقافية التي من الممكن طرحها كي تتماشي مع الواقع الجديد. الخوف من أن تكون الأجوبة مكررة حيث تعيد نفس الإجابة، والرجوع لنفس النظرة الثقافية التقليدية، لأنه سينبع شعور الخوف في الإدلاء والتعبير في رغبة التقدم. بل وسيتم التيقن العمومي حول مصير أجيال بالانهيار، كما سيتم التعبير عن تلك الأسئلة بالموجات العمومية، إما مع أو ضد، وننتج في نهاية الأمر معوقات التطور الثقافي بأنفسنا. ولا شك أن تظل هناك عدة مؤثرات على تطور المشروع الثقافي، تمثل ظواهر الافرازات التي أثرت على التحولات الثقافية الجوهرية وابقائها في سطحيتها وقشرتها المحدودة، وما انعكس عليه من تفضيل مالي وشكلي. ولكن يظل الانتقال من الثقافة التقليدية إلى مواكبة الدولة الحديثة يعني مشروع النهضة الثقافية الذي لا بد أن ينقل الانسان إلى اكتساب المفهوم الثقافي بما يتناسب مع طبيعته المدنية المعاصرة. ولا شك بأن علامة الاستفهام للسؤال الأكبر حول ماهية الثقافة لن تكون الإجابة عليها سهلة، ولن تخرج منها بسهولة من دون تناقضات المع والضد لأسس تجديدها، فلا تزال أنت مسؤولاً عن تقدم الثقافة كما تظل مسؤولاً عن تراجعها. ستشعر بالتناقض أيضاً، أنا متأكدة! baljanahi86@gmail.com

6671

| 25 يناير 2022

الرمزية الجندرية في المشهد الثقافي المحلي

بعد أن توصلنا لمفاهيم متجددة للثقافة خاصة عند اسقاطها على المنظور المحلي وما حولها من معان، والتي نستدل من خلالها على الإحساس والتعبير واستخدام الأدوات الإبداعية بشكل تجريدي يعبر عن الداخل ويصقل الإمكانيات بالخارج من حيث تحديد المسار وتخصيص الهوية وغيرها. كما حاولنا أن نحدد مسيرة المشهد الثقافي وفقاً لعدة عوامل تبرز في التعليم، التمكين والدور الإعلامي وحتى فهم المشهد الثقافي خلال فترة الأزمات. وكل تلك العوامل تستحق مقالاً آخر للحديث عن أثرها الثقافي العميق على المجتمع. نأتي الآن إلى المنظور الجندري، وذلك لأجل الاقتراب من المفهوم بشكل إنساني معمم، خاصة وعندما ننوه عن المرأة وعلاقتها بالحراك الثقافي. وأنا أكتب لأجل المرأة لهذا المقال بالتحديد، أدرك تماماً ان ابراز المرأة في كل شيء والتنويه على وجودها يعني التأكيد على استثنائيتها في المواضيع عامة، وكأنها تطلب لفت النظر للمساواة حتى في سياق الحديث! وأنا ضد حشر المرأة في زاوية التمييز، بعكس المتداول والذي يتم بشكل اعتيادي عند الحديث عن الرجل لأنه يشمل عموم المجتمع من دون التنويه على أهمية وجوده، فهو في واقع الامر مهم كحال المرأة ولكن باختلاف مستوى الحشر الجندري في مواضيع حقوقية وتنافسية على سبيل المثال. بالتالي، ما يحدث أن المرأة في هذه الحال تظل العنصر الحساس بحسب مكانتها من النقاش المحوري. وأنا شخصياً لا أحب تمييز المرأة ولا أحبذ التنويه على مكانتها بالحراك الثقافي. لأنني في هذه الحال سأنساب نحو الإنشاء في سرد إنجازاتها في كافة المجالات وسأتغافل عن الحديث عن محوريتها الرئيسية في كل تلك المجالات بما فيها الثقافة. ولكن، لابد من التعبير عن جذور الثقافة القطرية وفهم موقف الثقافة من المرأة. فليس بغريب أن نعبر عن ذلك الموقف بناء على تجسيد الثقافة التقليدية وفقا لعلاقتها مع النظام الاجتماعي والهرمي. ولا بد أن تكون لهذه العلاقات ملامح داخلية مؤثرة يتضمن الوجه القبلي وغير القبلي، الانفتاح الحضاري وخصوصية المجتمع. كل تلك العوامل لعبت أدواراً مختلفة على مر السنوات في صقل مكانة المرأة وبناء مكانتها الرمزية في دولة قطر على المستوى الثقافي في عدة تصنيفات فنية وثقافية، سواء كانت في الدراما، أو المسرح، والأدب، والشعر، والفنون والسياسة. ولا أشكك في محاولتها المستمرة في تحقيق إنجازاتها، ولكن تظل المرأة كمخرج لمجتمع تقليدي تجاوزته بعراقيل مختلفة، بل ولعبت الدور الأمثل فيه. وبلا شك أن المرأة لم تغب عن المشهد الثقافي اليوم كونها رمزية ثقافية رفيعة المستوى قادرة أن تواكب الفن وتبرزه بأشكاله المتنوعة، كما تظل هي الصورة الثقافية المعبرة على المستوى الأدبي والعلمي. ولكنها تظل مغيبة في الخطاب الثقافي وعن منجزات المرأة في تلك التصنيفات الثقافية وما لها وما تأمل منه في المستقبل. وقد نقع في نفس السياق المتداول عادة حول مأزق الثقافة، عندما يتغنى المخضرمون على الأولين، وينادي الأولون لأسماء الحاضرين للمخضرمين وهلم جرا، إذ نعود مرة أخرى وندور في نفس الدائرة التي تجلب السابقين لإعادة الاسترسال لأمجاد الماضي بسنواته العريقة في المشهد الثقافي خلال المحافل الكبيرة. بينما يغفل عن تلك الدائرة المواكبة العصرية وإدخال عنصر الشباب بما لديه من إنجازات وعقبات في الساحة الثقافية لمناظرة صريحة وحلول واضحة، وهنا تختفي المرأة عن تلك الدائرة التقليدية أيضاً ويختفي معها العنصر الشبابي المواكب. أعتقد أني حاولت أن أعبر عن المرأة بمنظور جديد في المشهد الثقافي ولو كان بشكل محدود، وفي نفس الوقت أفترض أني وددت أن أرى لها حضوراً أكبر كرمزية ثقافية في المشهد الثقافي، وليس حصراً في محفل سنوي كبير، إنما في مشاريع ثقافية مستدامة طوال السنة، تعكس منجزاتها في ذلك المحفل السنوي!. baljanahi86@gmail.com

6611

| 18 يناير 2022

بيجامة العقاد وثقافة البيجامة!

أدرك تماماً مدى استغرابكم من العنوان، ولكن لا تستغربوا من واقعيته، فنحن لا نتكلم عن مجرد مظهر ولن ندخل في الشخصيات لتحليل انفعالاتهم ومشاعرهم، ولكن بالتأكيد لنا وقفات عند آرائهم ومواقفهم. إذ نحن في صدد رؤية الثقافة بالعين المجردة، نريد أن نستشعرها في محيط وفكر وعقل وذائقة، لأننا وصلنا في اعتقادي لمرحلة أحكمنا على العقل لفهم الثقافة ككلمة منزوعة المعنى، بل وأسقطنا عليها كل شيء من دون أن نشعر في ذاتها ومدى انعكاسها على محيط بالكامل. والأهم، كيف نرى هذا الانعكاس في محيطنا يعمل ويفكر ويحرك؟. وبيجامة العقاد ليست إلا طابعا يحمل الإدراك للثقافة أكثر من المفهوم نفسه، بل ويعكس الجاذبية نحو صقل الذات بالنقد والمسارعة بالمقارنة في المعارف في محيط يتسع، من بإمكانه أن يقاوم المظهر ويعبر عن ذاته بصراحة عما هو حوله، فإن اتفقت في الرأي فلك تبريراتك وإن اختلفت فلديك الجرأة في الرد، ولربما المقاومة بدلاً من الاقتناع بسهولة. يهم الوسط الذي ينشأ فيه الإدراك الثقافي، ويهم ما يخرج من ذلك الوسط وما يعود معك وعليك لهذا الوسط أيضاً. فالكم الذي بحوزتك يتطلب المساحة التي ينطلق فيها الرأي، وتستمع لها الأذهان قبل الآذان. وكل تلك الغايات لا تتطلب الشهادات أو الوجاهة أو الطبقية لكي تكون في قمة تنويرها، إنما تظل هذه القاعدة النشأوية التي تخلق الجيل صاحب الرأي وصاحب القضية والساعي للمعرفة والمطلع والمعبر والهاوي والمرح. جيلاً لن يجد في نفسه إلا اللا طبقية عندما يدرك أن الثقافة تجاوزت المكانة وخلقت الروح السوية باختلاف مفكريها المتنافسين ومواهبها المعبرين. فالثقافة ليست استحضاراً في حدث معين، ولن تكون موسماً نتذكره مدة عشرة أيام كي ننساه من جديد، أو يصعب علينا استحضاره في المواسم الأخرى. الثقافة ليست الشريط الأحمر ولا المقص الذهبي ولا هي عرس نحتفل فيه كي نحزن على انفصاله عنا لاحقاً. إذا لم نقدر الثقافة على انها أكثر من كونها شكليات مؤقتة وحشوا إعلاميا، لن نجد للثقافة روحاً ولا منبعاً يظل يعطي ويسيل من خلاله العقل والروح والقلب بلا توقف، فأنت بحاجة إلى من يوحي لك المعنى قبل أن يسايرك في الحدث. أقلامنا تنتعش لفترة ولأسباب إعلامية بشكلياتها المتعددة، وقد تجتاز تبريكات المخضرمين مضموناً وتفشل عند الآخرين تسويقاً. ولكننا نظل نناجي من جديد لأن تحكمنا قلة التعددية في استغلال الوسائل. ما يهم أن يكون الدافع تنشئة الأجيال على الإدراك الثقافي، ولا يتطلب هذا الأمر اللقب ولا المنصب ولا الشهادات العليا ولا البدلة الرسمية، إنما يحتاج إلى الغرس والاكتساب من ذلك الغرس حتى نكون مجددين للجلسات الثقافية المستمرة ذات الروح والحس، والتي تتجاوز الرسمية ولا تنتظرها، حيث نخلق تلك الأبعاد التي تعطي المساحة لصاحب الرأي أن يصقل رأيه بالوسيلة الحديثة، حتى لا تكون الثقافة في نهاية الأمر موسماً. بيجامة العقاد ليست رمزية خالصة لماهية المثقف، ولكنها بالتأكيد تجرد واف يعبر عن الثقافة مضموناً. تظل حاجتنا لمواكبة عصرنا بروح تتشابه مع تواضع العقاد وإدراكه المحوري للثقافة واتساعها كي تكون ثقلاً في محيط يقدمها كنمط حياتي وليس كرسمية ديباجية. baljanahi86@gmail.com

7792

| 11 يناير 2022

مزيد من المال، كثير من التشابه، وقليل من التميز!

على قدر السنوات التي كنا في محيط المدارس، إلا أن تلك السنوات لم تكن بالنسبة لنا إلا الطريق الذي سنكون فيه مثل الجميع. لا تعتبر هذه الجملة مدحاً وليست بدرجة كبيرة ذماً. ولكن إن طرحنا السؤال على أنفسنا من حيث منجزات التعليم علينا كطبقة وسطى ممتدة وتتسع بشكل مستمر، فلم نتلق إلا الأساس الذي يجعلني أتشابه معك في الحساب ومستوى القراءة. بل وتشابه حتى معك في تعاملي الحياتي لما هو أساسي. أما كل شيء أعمق، فهو يعتبر حصيلتك أنت في اكتشاف ذاتك والحفاظ على خصوصيتك التي تميزك عن الآخر، وذلك بحسب حجم الطاقة التي تقدمها لنفسك وتقدمها لمن هم حولك. هنا تختلف. بل ويختلف معك استفرادك عن البقية، كونك سيد نفسك، وقِسْ تلك السيادة على عدة أمور لا تقف عند ماذا تقرأ، بل ماذا تعمل. ولا نختلف في هذه الحال كثيراً على قدر تشابهنا ببعضنا البعض، بل قد نتبع بعضنا في التقليد والتسابق على نفس القدر من التفكير المادي، باختلاف القدرة على التواصل ومستوى السيطرة الجماهرية التي سترفع أحدا على آخر وتعطي أولوية لطرف عن آخر. إذ تصبح القيمة الفعلية للجميع متشابهة، حتى ويصبح عامل النجاح المال أكثر من أي شيء آخر، ويتحول مستوى الشهرة إلى ظهور اجتماعي يحجب التعليم عن الاستهلاك، ويحجب النهضة عن الترفيه. بالتالي، تتشارك الأغلبية بشؤون المعيشة ومستوى الترفيه كأقصى همومها التي لا يستطع تداركها للوصول إلى مشاريع أكبر تضعه هو المحرك بدلاً من أن يكون مجرد وسيط لمشاريع أكبر حيث يكون فيها عاملاً منزوع الحيوية كقوة محركة تشبع رأسمالية ضخمة على حساب طبقة وسطى عرضية حتى تغيب فيها الحرفة إلى الوظيفة، وتتشابه طبيعة الأعمال وتتوحد من خلالها الإنتاجية للثروة لصالح رأس مالية أكبر تخدم أسياداً تفردوا عن المتشابهين. من هنا، وهذا الواقع العام، نجد أن هناك عدة أبعاد خضعت لها العامة وهي موحدة في التأمين على الترفيه والمعيشة. حيث يغيب العمق، وتفقد الحرفة، وتنتعش نظرية التفاهة عبر إخماد الفكر وتغييب الأدب الرفيع، إلى العقل الجمعي الذي يميل ويتفق على فهمه للأدب الشائع. إذ تنتج هذه الظواهر الضخمة الطفيليين على الثقافة ومستهلكي الثروة بشكلها المظهري والاستهلاكي المبالغ فيه. نحن في زمن لا يعتمد فقط على التعليم لتنشئة أجيال منافسة قد تتجاوز مبادئ ونهضة العصر، ولكن ان استمر الانسان أن يخضع للجماعة وتشابهه مع الآخرين، ففي نهاية الأمر سيكون حتماً جزءاً غير مكمل لاستمرارية المبدأ، بل ستظل الوسيط التي يعمل كقوة لتفريغ المبادئ جوهرياً. كما يظل وجوده مستمراً لإشباع حاجته من دون الإدراك العميق لقدراته ومهاراته الخاصة، وحسه الذي من خلاله يستطيع أن يعبر ويستطيع ان يكون الأنا التي تميزه عن الآخر. لا تشبع نظرية التفاهة ولن تقف، طالما ظل الانسان يلحق التوافه من أجل استدامة الترفيه والمظهر الاستهلاكي، ولن يتحرر الإنسان مالم يذق الاختلاف. فكل ما تحتاجه النظرية كي تنتعش مزيداً من المال، كثيراً من التشابه، وقليلاً من التميز! baljanahi86@gmail.com

7398

| 04 يناير 2022

بين الآخر المرغوب والمنبوذ!

أي هوية متماسكة تحد من الآخر الدخيل، على الرغم من قوة التأثير التي تستمر في الولوج بشكل غير مباشر على المجتمعات، هذا باختصار محط الاهتمام نحو فهم الهوية ومدى قدرتها على مقاومة الآخر على انه غريب، خاصة عندما تحدد له خطوطه الحمراء في محيط يصعب من خلاله الترحيب فيه! يحصل أن تتحول الهوية إلى عنصر هش، عندما يتقبل المجتمع المحلي ذاك الغريب بقيمه وأخلاقياته ويتقمص تلك الهوية على انها انفتاح حضاري عليه وعلى الآخر أيضاً، هنا يكمن الفرق الخطير، ومن هنا تتضح الصورة أكثر لمدى الخوف والقلق على الهوية من الانهيار ومدى هشاشتها أمام الغريب الآخر. وهذه نظرة عامة، ولكن أجد أنها صريحة جداً حول مدى وازع وقيم المجتمع في وضعه للخطوط الحمراء أمام الآخر غير المرغوب به، ولو أصبح تقبل الآخر نابتا وسط المجتمع اليوم، وهنا يكمن القلق الفعلي، عندما تحصر الهوية في تعريف وتتعامل معها في محيطك بتعريف آخر، بل عندما تتعايش مع الآخر في أجهزتك وتواصلك الاجتماعي وحياتك الشخصية، وتترفع عنها مع الجماعة على أن الغريب غير مرحب به!. وهذا بحد ذاته يعتبر هوسا جدليا مستمرا لسؤال من نحن في ذروة ثقافية نعيشها ويصعب علينا أحياناً كثيرة التصدي لها، فيبدأ الناس في هذه الحال الاهتمام أكثر بسؤال الماهية خلال ذروة القلق، وحاملين هم التنشئة الاجتماعية بشكلها الجماعي وأثرها على أجيال تبتعد من الآن من مبادئ وأخلاقيات المجتمع وتتقبل الآخر لأنه منفتح، منطلق مبدع ومتجرد، ويضع نفسه المهم أمام كل شيء آخر. نشء ينظر للنواة والوحدوية باختصار على انها انطلاق وحرية وقوة في الشخصية. ولا أستطيع في الحقيقة في هذه الحال أن أضع حملاً على المنزل، الأسرة أو المؤسسة وحدهما لتعزيز الانتماء وتقوية الهوية، إلا إذا كان جهداً يتوحد في المفهوم أولاً والمبادئ التي تبرز من خلالها الرسالة التوعوية، بأهمية الحفاظ على هوية مجتمع تميزه عن الآخر ولا تتشابه معه في منكراته، وما يتوارد الآن في الوسط المجتمعي من دون تعميم هو الخوف على الهوية الظاهرية واستنكارها لأنها تختلف عن ظاهرية المجتمع، وهذا جزء واحد لمنظور هوية يخشى على حدوده من الغريب. وبالنسبة لي، استبق موضوع الهوية جزء آخر أهم منه بكثير! تظل مثل هذه الجدليات الثقافية مستمرة من دون أن تجد لها حلاً واضحاً وجواباً موحداً، خاصة إن ظل مفهوم المواطنة أيضا من دون تعريف موحد يعكس منظور الهوية من خلال تعريف القطري لنفسه، من أنت كقطري وكقطرية، كيف تعرف نفسك على أنك قطري؟ أو كيف يعرفك القطري الآخر على أنك قطري؟ هل يراك الآخر بأنك قطري تتشابه معه في الحقوق والواجبات والمواطنة. إذ يعتبر جزء المواطنة مساراً أعمق من مجرد طرح موضوع الهوية في ذروة القلق والخوف على مجتمع من الخارج. بل من المفترض أن ينبع المفهوم من الداخل وتبرز فيه روح الانتماء بتشابه المواطنة ولو تنوع تاريخها الثقافي الحافل واختلفت أطيافها. فلا غنى عن تلك العناصر التي تصنع الهوية الوطنية وتربط علاقتها الاجتماعية بالجماعة بشكل أعمق وأقوى، إذ إن الوطن والثقافة يعتبران العنصرين اللذين لا غنى عنهما في تشكيل أي هوية في العالم، فمن دونهما لن تكون هناك شخصنة مجتمع، ولن تتشكل القيم التي تختلف من جغرافيا لأخرى. بالتالي، لن تجد الإجابة الواضحة للهوية لتصدي الآخر الظاهري الذي لا ترغب فيه، طالما لا توجد مقاربة مشتركة وموحدة للمواطنة والهوية بنظرة الداخل وتقبله لقطري اليوم وقطري الأمس، إذ نختلف هنا في تقبل الآخر حينما يكون مرغوباً وحينما يكون منبوذاً، ولابد من تقبل الآخر المرغوب ممن يمثل بعلمه، يعكس وطنه، يكرس حياته باسم وطن، وحام لقيمه ومبادئه. فلا بد أن تنظر للآخر من الداخل ولا تخشى منبوذ الخارج عندما يكون طفرة تأتي وتذهب إن ظلت معايير الهوية والمواطنة واحدة، وقاومت المنبوذ بمواطنة تقاومه وتعي قيمها ضده!. ولا شك بأن العولمة لن تترك المجال للخصوصية أن تكون محدودة داخل أسوار المنزل ولا جغرافيا الدول، بل اجتازت الأسوار واخترقت الشبكات كي تكون عند كل فرد في نفس المنزل، وفي كل منزل من نفس المجتمع. بالتالي، يظل التحدي مستمراً في تشكيل وحماية الهوية من الانهيار في ظل موجات خطيرة لها دخول غير مرحب به وبشكل مبطن لعملية تقبل الآخر، ولكن تظل الموازنة مهمة في الوعي بالقيم والوازع الديني والأخلاقي والذي سيظل يقابله الانفتاح على الآخر بشكل مستمر سواء كان جزءاً من تنمية وطنية أم من دخيل عابر!. baljanahi86@gmail.com

6826

| 07 ديسمبر 2021

المراهنة على مجتمع عرفي!

من الصعب أن ينتشل الإنسان من الزمان والمكان الذي كون من خلاله انتماءه، وتخيل عندما تتبنى الجماعة نفس هذا الحس وشعور الأمان بأنه جزء من ذكريات ومكان ظل في الذاكرة ورسخ الزمان الذي خلد له الولاء من ذاك الظرف وذاك المحيط الذي ولد له الحس وكون حوله جماعة ينتمي إليها وتنتمي إليه. ولا يسبق الزمان المكان، على قدر ثبات المكان ليكون طيفاً يعود من خلاله الزمان وتبدأ مرحلة المقارنات بين اليوم والأمس، وتتناقل القصص عما كان أفضل من اليوم وكيف كان المجتمع أقرب للموروث مما هو عليه اليوم. مقدمة قد يتباكى عليها الكثير من جيل سابق يحن لقناعة الماضي وتواضعه، وقد يظل هناك دون أن يدرك بأنه يمر في كل تلك الحقب التي جعلته متغيراً، في حين لم يعد ذاك الزمان وذاك المكان من دون أن تطرأ عليه تغييرات اجتماعية عدة. إذ يصعب عليه في هذه الحال الانتقال، كما يصعب عليه التجرد من موروثاته الفردية ومرجعياته التقليدية، أياً كانت معاييرها وقناعاته حولها. ولن يكون الأمر يسيراً على الجماعة، إن ظلت المرجعيات القديمة في عزلة عن التجديد. وقيس هذا الانتماء المتعصب للماضي لما فيه من مرجعيات تقليدية وأثرها على أجيال شعرت بالخلخلة من تلك المنظومة التقليدية والتي لا رابط لها في تلك الموروثات إلا مفهوم هوية معاصر يحدد مكانته اليوم، أهميته ودوره الفاعل وغير الفاعل حتى لمجرد إنه جزء من وطن!. فالمفاهيم تتغير، ولا تقف عند زمان واحد، حتى لو ظلت الأصالة صامدة في زمانها ومكانها، إلا إنها بلا شك قابلة للتمدن وقادرة على العصرنة كي تواكب العصر وتتماشى مع أجيال جديدة، تتمسك في الماضي لأنه جزء من هوية جماعة يعرف من خلاله نفسه، بينما يستطيع أن يتطلع للمستقبل من دون تبعات قد تجره للوراء مع من واكب ذاك العصر وظل معزولاً فيه. فما يحدث في هذه الحال في الحداثة حتى ولو كانت قائمة يعتبر تشويهاً لما تنتجه بناء على مخرجات غير مستقرة في ماهيتها، أي من المجتمع من الداخل، غير قادرة على الانطلاق في ظل المجتمع التقليدي ولا هي قادرة على البقاء والصمود مع الموروثات الفردية كعقليات جامدة، ولا قادرة بالخروج كي تتجرد منها لتطلعات مستقبلية أقرب إلى الابداع كإجراء توظيفي وتشغيلي لها وعلى مستوى حديث بأقل الأضرار والعراقيل التي تأتي من مرجعيات تقليدية فردية وسلوكيات اجتماعية سابقة. ومن هنا يأتي مفهوم الحداثة أكثر إدراكاً لطرق التعامل مع البعد الأخلاقي والتقليدي عند المجتمع، من حيث قدرة الحداثة على التوسع من ضائقة الموروثات السابقة كسبب منطقي وفكري لانفتاح المجتمع كي يكون أكثر مدنية وبروح وطنية عالية. وقيسها أيضاً على انطلاقة الفرد كعنصر إبداعي يترقب الانطلاق من نفس ذاك المجتمع العرفي. وهذا الشعور والتحول الاجتماعي لن يأتي بشكل سهل إن لم يكن نابعاً من الداخل ومواجهاً لعقبات الحداثة عندما تصبح دخيلة، بل حتى وعقبات الموروث عندما يكون عائقاً. ويصعب علي في حقيقة الأمر أن أراهن على مجتمع متقدم من دون أن أحزن على أعرافه الاجتماعية التي لا يتجرأ أن يبقيها معزولة ولو لوهلة خاصة وعندما نبدأ الحديث عن التنمية والمحاولة للخروج إلى الانتماءات المجتمعية الحديثة التي يشعر من خلالها الفرد بأنه عضو فعال لا يضيق عليه محيطه بسبب مرجعيات تقليدية قد لا تكون إلا عرفاً لا غاية له إلا البقاء في الماضي والاحتماء فيه!. والمشكلة ليست مؤسسية من وجهة نظري في هذا المقال، بل تظل المؤسسة لديها القدرة على إحداث التحولات الاجتماعية المطلوبة وتمكين الإبداع بشكل مركزي أكثر، إلا إن يظل للمجتمع الهيمنة العرفية من خلال قدرته الفردية على فرض رغباته على سياق رجعي أو تقليدي معين، إذ يعمل على اخماد شرارة الإبداع بشكل تلقائي وشرس. ويطرح بعض المفكرين سؤالاً تفكرياً مهماً: ما حاجة المجتمع إلى الجديد عندما يملك ثقافة وتقاليد؟ وفي الحقيقة يظل هذا السؤال عميقاً ولكن الجواب عليه قد يقتصر على جملة بسيطة، بأنها مسألة توجيهية تقاس من خلال آلية تقبل التمدن وتمكين التحولات الاجتماعية المعاصرة من خلال الضرر الأقل على خصخصة مجتمع، بالإضافة إلى القدرة التوجيهية على إتاحة فرصة الابداع من خلال رسم الخطوط الحمراء والخضراء على أبعاد الثقافة وأبعاد التقاليد التي تساهم في الحفاظ على تأصيل المجتمع، وفي نفس الوقت تتيح له الاستمرارية المعاصرة لأبعاد اجتماعية متجددة تواكب الحداثة بينما تظل ماهيتها صلبة وبروح إبداعية محركة. هذا أفضل سيناريو نقيس عليه مسألة التمدن مع أجيال ترغب في تحديد إطارها الوطني بحس ابداعي وبتقليل ضرر العرف الاجتماعي عليها. وفي نهاية الأمر، يظل التحدي قائماً في فهم آلية التنفيذ التنموية ورسم الخطوط الحمراء والخضراء لتغييرات المجتمع وتقاليده في زمن الحداثة بمعناه الفكري والتجريدي لمنظومات اجتماعية سابقة. هل تراهن على مجتمع متقدم عندما ينجرف وراء عرفه بنفسه؟! baljanahi86@gmail.com

7312

| 23 نوفمبر 2021

هيمنة العرف المتربع!

دائماً ما يشغلني المجال الثقافي لأنه دائماً ما يكون محدوداً في دائرة نقاشية أو ظرفية لا يتم استيعابها على سلوكيات تنظيمية أكبر. وفي الحقيقة التي لا تدرك بشكل واضح بأن المجال الثقافي هو أساساً ذلك السلوك الأكبر الذي يسير عليه مجرى حياتي وإداري واجتماعي واقتصادي عام وعلى مستوى دول. فليس من السهل إدراك الأهمية الثقافية، لأن المسألة تركيبية، إذ تتطلب الإدراك التكيفي ما بين محيطين داخلي وخارجي في نفس المكان، وخلق التوازن من حيث تمكين آلية التطويع الثقافية بشكل يساهم في التغيير وليس في التطبيع، وبعيداً عن خلق مناطق الشك وفقدان الثقة، وهذا يعتبر التحدي الأكبر. وبناء على هذه المقدمة الموجزة، يتطلب منا النظر بشكل أعمق في المناظير الإستراتيجية في المؤسسات ومدى قدرتها على مواكبة التغييرات الاجتماعية والاقتصادية من خلال مبدأ الثقافة التسييرية. إذ لابد وأن نضع الثقافة بعين الاعتبار على أنها محرك فاعل وتركيبة معقدة تعمل على التوازن أو تسبب الخلل. بالتالي، عملية دمج المفاهيم الاجتماعية نحو التنمية الاجتماعية قد تكون صعبة ومعقدة في إدراك تبعاتها على المجتمع بشكل واضح، ولكن من المفترض أن ترى في نهاية الأمر الصورة الأكبر ليس للتنمية بالمنظور الإستراتيجي، إنما لهوية سادت على تلك التنمية وحددت مسارها الثقافي على مستوى عام ومؤسسي. وهذا ليس بمدح، خاصة إن ظلت هذه الهوية تسبب التعطيل بدلاً من التكييف. فلنلاحظ في هذه الحال، مدى تمكن العزلة الثقافية في مؤسسة ما وكأنها هيمنة عرفية وإقرار من جماعة. ولا أخص بالثقافة هنا ما يتعلق بالفن والتجريد فقط، إنما العرف الاجتماعي الذي يخلق الوعي المجتمعي من نفس المجتمع ويقوم بمهاجمة نفس المجتمع من خلال نفس الوعي الذي اتفق عليه المجتمع! سبق وذكرت لكم مدى تعقيد هذه العلاقة التي تربط العرف بالتجديد، لأن من الصعب أن نحصر العرف على الحدود الأسرية، خاصة وإذا لم نستيقن أنه ما زال هناك عدة قرارات غير مكتوبة قد تكون نتاجاً لأعراف اجتماعية في المحيطين والتي تضعف عندما تحاول أن تخلق الوعي المضاد للعرف. فلا أحد يمتلك القوة لنكران العرف على قدر امتلاك القوة للتحكم بالقوانين وتشريعاتها. لهذه الدرجة اكتشفت أن للعرف الاجتماعي هيمنة خطيرة، خاصة وعندما ينتج المجتمع العرف الذي يمثل له العائق، من دون الجرأة لمواجهة هذا النتاج العضوي المجتمعي. ولنتخيل نفس هذا المجتمع الذي ينتج تضييقاته بنفسه، هم نفس الجماعة التي تتربع على الكراسي الإدارية في مؤسسات من المفترض أن تواكب التغييرات الاجتماعية والاقتصادية بشكل أكثر إبداعي وسلس، من حيث فهم الخصوصيات وتفكيك القيم التي لا تتلاءم مع عمليات التطوير في نفس الوقت. وكما سبق وذكرت بأن مثل هذه الخطوات قد تعتبر خطوات صارخة لمعايير عرفية خلقتها الجماعة بنفسها لدرجة أنه أصبح لحرية الفعل داخل المؤسسة هوامش تضييقية نحو السلوكيات التنظيمية، حيث تجد مناطق الشك في صيرورة العمل والتي قد تكون رادعاً للتقدم، المواجهة، لدرجة تفقد من خلالها الثقة في اتخاذ القرارات الفرعية والمركزية على مستوى تفقد فيها السيطرة أيضاً على احتواء الكفاءة والتي قد تتحول إلى كفاءة مسيرة، وفاعلية الاتصال والخطط الإستراتيجية الرشيقة. والأهم، مواكبة التقدم بالتوازن مع معايير السلوكيات الأخلاقية والقيم. خلاصة: ما يقابل التغيير المؤسسي ثقافة تلعب الدور المحرك للسلوك التنظيمي، ولا شك بأن القيم والمعايير تظل أساساً خاصاً للجماعة، ولكن يظل التوازن مطلوبا والقدرة على تفكيك القيم بما يتناسب مع الحركة التنموية لمنح أكبر فضاء ممكن للمثاقفة والتبادل. من هذه التركيبة نحن نخلق المرونة في التقدم على المستوى المجتمعي، وتقبل التكيف من خلال منح المنظور الثقافي التسييري القدرة على التجديد، حيث تكون مقاومة للتربع الإداري الهامشي لحرية الفعل من خلال خلق مناطق الشك، على حساب هيمنة سلطة العرف الاجتماعي في المؤسسة. baljanahi86@gmail.com

6222

| 16 نوفمبر 2021

الاستشاري الثقافي: بالعرف الاجتماعي المسير!

لأني أؤمن بأن الحراك الثقافي اليوم لا يكتمل إلا مع الملمين بتغييرات ذلك الحراك وما يحتاجه من أدوات تساهم في زيادة الحركة الثقافية التنموية على المستوى المجتمعي بشكل خاص. وقد يكون هذا الوصف عاماً، ولكن إن تمكنا من التقريب أكثر، فالحراك الثقافي يظل في حاجة إلى تلك الأعمدة التي تعمل على خلق بيئة نشطة دائماً لاستمرارية التقدم وتزويده بكافة الوسائل التي تساهم في دعم التنفيذ قدر المستطاع. ويظل هذا الوصف عاماً، ولكن إذا ما حاولنا أن نحدد الحاجة أكثر، فإننا في هذه الحال نتطلع إلى البعد الثقافي المحلي بشكل أكبر وأكثر فهماً للوسط المحيط. بهذه الطريقة سيتم تلبية احتياجات المفهوم بناء على طبيعة مجتمع، وتدعم طبيعة مجتمع بناء على ما تقدمه له من احتياجات ثقافية موضعية، أي يرى من خلالها الانتماء بدلاً من الابتعاد والتغريب. وهذه التتمة هي بالتحديد المختصر الذي يجب أن تكون التعريف الثابت والمخصخص تحديداً للثقافة باختلاف جغرافيتها. ومن هذه الخصخصة ووضع الثقافة في إطار محدود، تظل الثقافة أسلوب حياة وعنصرا باطنيا عميقا، ولكن لا يمكن أن يكتمل من دون العامل البشري الذي يساهم في انعكاس الباطن والتنفيس عنه من خلال إضافة الحافز اليقظ والإبداعي والتشويقي لهذا المفهوم العريض والواسع. وهنا أحاول أن أقدم للاستشاري الثقافي مكانة خاصة منافسةً مكانته في هذا المجال. ولا أشيد هنا بجانب المدح للاستشاري وهو يتمثل بالثقافة على أنه أهل الاختصاص وصاحب الخبرات التراكمية العريضة والشهادات اللامنتهية. لا يهم العدد، ولا كل تلك الأشياء التي قد تعني شيئاً ولا شيئاً في نفس الوقت، خاصة إن ظل الاستشاري في هذه الحال مسيراً وليس يسيراً على التجديد. بالتأكيد لن أكون الجانب الذي يبرز ديباجية الاستشاري أو أي شخصية أخرى خاصة عندما تكون الصفات الديباجية لبساً مؤقتاً ورونقاً زائفاً، وفي حالة الاستشارة الثقافية سيكون قيمة غير مضافة ولا نافعة ولن تمنع في هذه الحال أي زيف أو تفاخر إن غاب المحتوى وهمش القياس الفعلي والواقعي. ولن أتطرق بعد إلى فهم العلاقات بين الاستشاري الثقافي والعرف الاجتماعي، ولي في هذا الجانب تعبير طويل سأشارككم فيه للممرات القادمة بإذن الله. ولكن بشكل مختصر لفهم هذه العلاقة، فأنا أصنفها بأنها من أكثر العلاقات تعقيداً والتي قد تجعل من الاستشاري شخصية تتبنى واقعا وتخذل الإبداع بشكل سريع كنتيجة متوقعة. لأنه تطبع بالعرف السائد من دون مقاومته. في حين ينتصر العرف على التطلعات المعاصرة وتنفي التجديد. وهذه تركيبة معقدة بحد ذاتها، عندما يكون الاستشاري محايداً ومستقلاً عن آراء غالبية خصخصت طبيعتها بحسب ما قيدته في طابعها وتطبعت بشخوصها. وهذا الدور أجده بطولياً في الحقيقة للاستشاري الثقافي، إن كان بمقدوره أن يفك التركيبة وينافس الجماعات في خلق ما يجعل من أسلوب حياتهم متجددا وليس جديدا. يعتبر هذا المقال لمحة مستقبلية لمواضيع عميقة للعرف الاجتماعي وعلاقاتها بالمحيط التنموي، فهو ليس تفصيلاً بعد! baljanahi86@gmail.com

5796

| 09 نوفمبر 2021

المثقف: صراع البقاء والإقصاء!

من المشكلات التي تتعرض لها الثقافة، بأنها هي المشكلة نفسها! ما واجهته الثقافة من خلال الظروف العالمية أثبتت أولية الإقصاء والتضييق على المجال الثقافي بشكل عام. الجانب الذي يتنفس، وهذا ما أجده في الثقافة، النفس، الحياة والوجدان. بل هو الوهم الذي تحتاجه كي تبتعد قليلاً وتتجرد من واقع مغمور بالضغوط. كما إن الثقافة تعتبر كالمفر الذي يخفف حمل الازمات ويبرز النور ولو كان في أواخر الطريق. بل هو الاهتمام الذي يحافظ على ملكة إنسانية ويبرز قدرات معرفية تراكمية. ولكن، يبقى السؤال الأهم هنا عن سبب الالتفاف نحو الثقافة بشكل عام لعملية الاستبعاد والتنازل عن غيرها من المجالات. يظل هذا السؤال بالنسبة لي أزمة وأحاول أن أجد له إجابات مقنعة. لذلك، قررت أن أحلل الإجابة بمنظوري الموجز هنا، لربما أقنع صانعي القرار ومن هم حولي من المهتمين عبر المنظور التحليلي عن تلك الأبعاد التي ترتقي من خلالها الثقافة المعاصرة بدلاً من تغييبها واستثنائها. أولاً، كي نكون واقعيين أكثر، لابد وأن ننوه عن جذور التاريخ حول رؤية المثقف لنفسه ومدى ارتباطه بالمجتمع وعلاقته بالسلطة أيضاً. ففي عهد الدولة العثمانية، كان الترابط بين المثقف والسلطة يعتبر إخلاصاً أكثر مما هو عملاً. إذ تتحد إطار الأيديولوجيات بين الطرفين على ان الوحدة مؤسسية تجمع ما بين العلماء والسلطة سوياً على أساس الإسلام. وبشكل موجز أكثر، فإن الدولة العثمانية كانت تستمد ثقافتها العثمانية في آلية الحكم من خلال الشرع الإسلامي والقانون العثماني لتسيير شؤون الحياة الإدارية والحياتية. أما بالنسبة للمثقف ككيان مواز للسلطة، فهو يعتبر نفسه مخلصا لله عزوجل، والإخلاص في الدولة العثمانية كان لا يتطلب عائداً مادياً للمثقفين، إذ كان ولاءً لأصحاب السلطة، باعتبار أن ما يقومون به أعمال يؤدونها لوجه الله ويؤجرون عليها في الآخرة، ويظل عمل المثقف أصيلاً أي من حيث إخلاصه للتعليم وتمكينه في بناء ثقافته الإسلامية بمنظومتي العلم والأخلاق باعتبارهما تحصيلاً معرفياً وتكميلاً لعلوم الأنبياء والمرسلين. ومن هذا المنطلق ظلت الثقافة في الدولة العثمانية في سبيل الله، يعتز بها صاحبها بعلمها ولغاتها ورجاحة المنطق فيها، بل وتطورت من خلالها المواهب والملكات الإنسانية، عبر مجالس أدب المثقفين على سبيل المثال. هذا موجز لتاريخ حدد مساره الثقافة في بناء علاقته مع المثقفين. ولو كان هذا المبدأ في تلك الحقبة أصيلاً بحسب رأي العلماء عن الدولة العثمانية بعلاقتها بين السلطة والمثقفين، إلا إننا ندرك تماماً أن المتغيرات تظل العوامل التي تؤثر على عدة أمور، خاصة في أزمنة متغيرة وعصور منفتحة على اتصالات مختلفة وثقافات متنوعة، واعتقد أن ظل العامل الثابت فيما يتعلق بالثقافة بأنها إخلاص لا مادي، ولربما انجرف المسار من هذا الإخلاص إلى الاستغلالية لمكانة المثقف مقارنة في زمن الدولة العثمانية من كونها بلاطاً سلطوياً ورفعة ثقافية، إلى تحولها للمنظور الإداري حيث ينظر للا-مادية على انها غير مهمة. وشتان بين رؤية دولة عثمانية لمكانة المثقف وإخلاصه الديني مقارنة بمكانة المثقف وضياعه الدنيوي المعاصر من خلال النظام الإداري. ودعنا نصر على أن الثقافة ليست استهلاكاً رخيصاً حتى لو تدهورت عبر الزمان. وما يجب الإجماع عليه هو الوجدان الفعلي للمثقف وصراعه للتعبير عن ذلك الوجدان حتى في ظل أزمة تؤثر إدارياً عليه وتقصيه هو أولاً. ولن ألوم أو أحمل العبء على مبادئ قيمية جملت ورفعت من مكانة المثقف اللا-مادية في أزمنة سابقة. إنما أحلل إمكانيات المثقف نفسه وإمكانياته في ان يظل على نفس الرفعة والمكانة التي ارتقى من خلالها في السابق، هل استطاع أن يحافظ على هذه المكانة؟ أم ان غلبت عليه الظروف المعاصرة والأولويات الأخرى التي ضيقت عليه رفعته في زمن أبعاده التنموية أصبحت متشعبة؟!. أعتقد أن المثقف يستمد قوته من مدى ارتباطه بالسلطة على مر الأزمان، أعتقد بأن هذا أفضل تحليل أستطيع أن أقنع فيه نفسي كإجابة على سؤال كبير لا يكفيه تحليل موجز وسبب واحد من خلال عمود صحفي. ولكن، مع ظهور الدولة تأتي الجماعات وترسخ الإيديولوجيات، ليس بالضرورة أن تكون راديكالية، إنما تظل سمة الوحدة بين السلطة والمثقف هي البقاء والاستمرارية والاستدامة لرؤية مثقف معاصر، والأهم بناء وضمان الرابطة بين الدولة والمجتمع لأهداف مشتركة. هل ستكون رؤية المثقف في هذه الحال كما نأملها بتلك الصفات المثالية وتحرره الواسع الفكري والوجداني؟ ليس بالضرورة! إنما يظل المثقف محسوباً على دائرته التي يمشي على حدودها، إما أن يكون محظوظاً ليستمر في الدائرة الإدارية، أو يقصى ويهمل في حال أصبح ضدها أو لا ينتمي لها!. هذه محاولة تحليلية على التغييرات التي تطرأ على الأنظمة على المثقف من كونه مثقفاً ديناً إلى تحوله إلى مثقفاً دنيوياً. ومن الصعب الاختيار بين الاثنين كأفضلية في ظل أزمنة متغيرة!. baljanahi86@gmail.com

5622

| 26 أكتوبر 2021

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4353

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

2298

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

2250

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1458

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

1140

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

756

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

681

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
النضج المهني

هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...

660

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
أنصاف مثقفين!

حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...

636

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
الإسلام منهج إصلاح لا استبدال

يُتهم الإسلام زورًا وبهتانًا بأنه جاء ليهدم الدنيا...

579

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

570

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
الرقمنة والتحول الرقمي في قطر.. إنجازات وتحديات

تعود بي الذكريات الى أواسط التسعينيات وكنت في...

486

| 05 ديسمبر 2025

أخبار محلية