رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الملوخية الإرهابية !

رغم أن القراء والأصدقاء «يفشلوني» عاماً بعد عام بعدم تهنئتي بيوم مولدي الميمون في الأول من سبتمبر مقرونة بهدايا، إلا أن معظمهم يتذكُّر ما حدث في 11 سبتمبر من عام 2001 عندما هاجم تنظيم القاعدة برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك مما أدى الى مقتل زهاء 3000 شخص، وكلما جاءت سيرة تلك الحادثة تذكرت بدوري كيف توجه شاب سوداني إلى الولايات المتحدة، لنيل شهادات وخبرات إضافية فوق تلك التي نالها سلفا في مجال الطيران، فقالوا له: مجنون أنت؟ مسلم تريد تصير طيار في أمريكا؟ مش كفاية اللي سويتوه في مركز التجارة العالمي؟ وهكذا هبط صاحبنا أرضا، واضطر إلى العمل كسائق تاكسي، لينفق على نفسه كطالب في كلية جليفورد للتكنولوجيا بولاية كارولاينا الشمالية بعد أن صرف النظر عن الطيران الذي بات محرماً على كل ناطق بلا إله إلا الله أو بالعربية!. بعد أحداث 11 سبتمبر تلك بأسابيع قليلة، تم إلقاء القبض على خلية سودانية «نائمة في العسل» في هامبورج بألمانيا، بعد أن بلغ الشرطة أنها تحوز مواد لصنع أسلحة جرثومية، وقد كتبت عن هذا الحدث في حينه، وأعلنت عن تعاطفي مع الشعب الألماني في وجه المؤامرة السودانية الدنيئة، التي كانت تهدف إلى الفتك بالألمان الذين عانوا من ويلات النازية، ثم غارات الحلفاء، ثم تقسيم دولتهم الى شطرين، وكان بديهياً أن أتعاطف معهم لأنني كنت ضحية تلك المواد التي من المؤكد أنها من أسلحة الدمار الكامل، ولا أذيع سراً إذا قلت إن الملحقيات الثقافية الألمانية نقلت ما كتبته حول هذا السلاح الفتاك إلى السلطات الأمنية في برلين، كشهادة دامغة على ضلوع الخلية السودانية الإجرامية في عمل يستحق الإدانة من كل شريف و»شريفة»، فقد كانت المادة التي وجدوها لدى المجموعة تلك هي «الشريفة»، وهذا هو الاسم الحركي للملوخية في السودان، فإذا ذهبت إلى مطعم سوداني وقالوا لك إنهم يقدمون الشريفة فانج بجلدك. ولمصلحة القارئ يجب أن أخرج عن موضوعي (إذا كان هنالك موضوع)، لأقول إن السودانيين يطلقون أسماء مريبة على بعض الأطعمة في المطاعم من باب التمويه: رأس الخروف المحمر اسمه الباسم، (تسمية موفقة لأن الأسنان تكون مكشوفة)، والعدس اسمه السرينة، والفول اسمه الـ»كل يوم معانا»، أما الجقاجق فـ «الجواب من عنوانه»، والاسم لا يوحي بالطمأنينة، ولا داعي للخوض في تفصيلاتها، وعليك تجنبها تجنب السليم للأجرب!. ما علينا فقد كانت تلك الخلية الإجرامية تخزن الملوخية المجففة في المسكن، مع علمهم التام بمضارها وما تفعله بالجهاز الهضمي من اضطرابات وعصيان مدني لا يمكن قمعه إلا بمضادات الغازات، وقاذفات القولون! ولم يسمع بعض المهاجرين المصريين بإدراج الملوخية في قائمة الأسلحة الإرهابية، فذهب اثنان منهم الى كندا حاملين ملوخية مجففة، وزادا الطين بلة بأنهما كانا يحملان كميات من الفسيخ، وهو سلاح جرثومي معروف في مصر والسودان، وبعد جرجرة وتلتلة أثبت المصريان أنهما لا يحملان جينات الإرهاب لأنهما مسيحيان قبطيان، ونالا حريتهما، ولكن الفسيخ تعرض للعزل ثم الإعدام. وقبل أن نفيق نحن السودانيين المسالمين من صدمة خلية الملوخية، وقع في الأسر (حدث هذا قبل سنوات) في أمريكا المدعو مكي حامد مكي، وقال الأمريكيون إنه طيار سابق في القوات المسلحة السودانية، وإنه كان يخطط لاختطاف طائرة لضرب مبنى الكونجرس أو البيت الأبيض، ولدي معلومة خطيرة أقدمها لسلطات الأمن الأمريكية، وهي أن السلاح الذي كان من الوارد أن يستخدمه مكي هو سيارة تاكسي، لأنه كان يعمل حتى اعتقاله سائق تاكسي في مدينة جرينز بورو في ولاية نورث كارولاينا، بعد أن صرف النظر عن مواصلة دراسة الطيران بسبب أحداث سبتمبر، وأقول «مواصلة» لأنه كان أصلاً مساعد طيار في الخطوط الجوية السودانية، ولما يئس من نيل ترقية إلى رتبة طيار ذهب إلى أمريكا، وهكذا اضطر للقيام بهبوط اضطراري من الطائرة إلى تاكسي، ولكن عيون المخابرات الأمريكية تحسب الفأر مُهْرا.

1284

| 22 مارس 2023

مارسوا اللطافة وليس الجلافة

لا أدري ولا أفهم لماذا نتصرف أحيانا بفظاظة وجلافة مع أناس نحبهم؟ مثلا يعلم جميع الرجال المتزوجين أن البيت مملكة الزوجة، وأنها تسعد بترتيب الأشياء فيه وإدارة أموره بحيث يكون مريحا لأجسام وخواطر من يقيمون فيه، والنساء عموما أكثر حبا للنظام وأكثر اهتماما بالجماليات، ويسعدن عندما توصف بيوتهن بالجمال ربما أكثر من سعادتهن بالتغزل بمفاتنهن، وشخص مثلي يعرف كل ذلك عن زوجته ومع هذا أعترف بأنني وفي أحيان كثيرة أمارس فوضى أعرف أن زوجتي ستتحمل عبء تصحيحها! قطعا لا أفعل ذلك بغرض زيادة أعبائها الثقيلة أصلا، ولكن: لماذا نقوم أحياناً بجرح مشاعر أناس عزيزين لدينا؟ لماذا نرفض اتخاذ مبادرات بسيطة تجعل من نحبهم يحسبون أننا نهتم لأمرهم؟ لماذا نصرخ في عيالنا وهم يمارسون طفولتهم، ونحن نعلم أنهم ليسوا ملزمين في سن معينة بقوانين وبروتوكولات معينة لممارسة اللعب والنط وإطلاق الضحكات أو الصرخات؟ لماذا نحرم أحياناً عيالنا من أشياء بسيطة لأن «مزاجنا عكر»؟ ورغم أن للآباء والأمهات وفي جميع الثقافات سلطات ديكتاتورية على العيال، فإن هذا لا يبرر جرح مشاعر العيال من غير أن تصدر عنهم أخطاء تستوجب المساءلة والردع، فمثلا يريد أحدهم أن تقوم بتوصيله إلى بيت أحد الأقارب أو الأصدقاء فننفجر في وجهه: كفى صياعة والزم البيت! وهناك من يقول للبنت أو الولد الذي طلب التوصيل «تسكت وإلا أوصلك المقابر؟».. «تريد تذهب كل يوم لبيت خالتك؟ الله يخلخل ضروسك». أعرف مثلاً أن زوجتي تفرح بهدايا رمزية زهيدة القيمة المادية، ولكنني قد لا أكلف نفسي عناء أن «أجبر بخاطرها»، وقد أعود إلى البيت عشرات المرات محملاً بأشياء يحبها عيالي، دون أن يخطر ببالي أن أشتري لها شيئاً خاصاً بها! بل وقد أدخل البيت حاملا قطع كيك أو علب آيسكريم، دون أن أخصها بواحدة منها. وأحياناً أكتشف أنني أتجاهلها وهي تتحدث معي، ولا أفعل ذلك عامداً بقصد إيذاء مشاعرها، ولكنني أؤذي مشاعرها على كل حال بتجاهلها! ولماذا أحادث زميل دراسة هاتفياً مكالمة تكلفني مائة ريال، ويفوت عليَّ أن أهاتف أختي التي لا تمر بها ساعة دون أن تفكر في حالي وأحوالي؟ لماذا أشتري سيارة بكذا ألف ريال وأسعد بذلك، ولكنني أقيم الدنيا وأقعدها لأن الولد يطلب سيارة بخمسين ريالاً بريموت كونترول ويجد فيها أضعاف السعادة التي أجدها في اقتناء السيارة أم كذا ألف؟ لماذا «أتعنتر» وأحلف بالطلاق لدفع حساب الطعام الذي تناولته مع أصدقائي في مطعم ويكلفني ذلك مئات الريالات وأتعنتر على عيالي إذا رغبوا في شراء سندويتشات شاورما ببضعة ريالات؟ لماذ أكسر إشارة المرور الحمراء، وأعرض حياتي وحياة غيري للخطر بينما الإشارة ستعود خضراء بعد دقيقتين على أبعد تقدير؟ ولماذا أتعمد مضايقة من يكون خلفي بسيارته ويغمز لي بإشارة ضوئية بأنه يريد أن يجتازني لأنه يتعجل الوصول إلى غايته؟ عيوبي وعيوبكم كثيرة ولكن يا ويل من يحاول أن ينبهنا إليها، أشياء بسيطة لو أخذنا بها في الاعتبار، لطابت النفوس وزال الكدر منها! أحياناً نستخسر إلقاء التحية على من يمرون بنا ونعرفهم ويعرفوننا، ومنا من يعتقد أن تحية الناس «اللي تحت» «تنازل» لا يليق به، وأمثال هؤلاء لا يردون التحية إذا صدرت من شخص يعتبرونه «دون المستوى»، وأعترف بأنني أستمتع بتجاهل مثل هذا الشخص الذي يعتقد أنه سيخرق الأرض ويبلغ الجبال طولا، وأعرف أن تجاهلي له يبط كبده و»يفقع» مرارته، لأنه يعتقد أنه وحده مخول بتجاهل الآخرين، وإذا كان لي زميل عمل متعنطز فإنني أتلذذ بتذكيره بأنه من تراب. جرب الاستعلاء واستفزاز شخص مغرور يتعالى عليك وعلى غيرك، ومارِس معه العنطزة والاستخفاف، وسيفقد أعصابه ويسألك يوماً ما: أنت ليش شايف حالك ومنفوخ؟ قل له الجملة التالية وسيصاب بانهيار عصبي: أنا ابن من سجدت له الملائكة!! سيصيح مستنكراً: أنت أنت يا مبهدل يا عديم الأصل والفصل؟ قل ببرود: نعم أنا ابن آدم.. تعرف آدم يا جاهل؟

2154

| 15 مارس 2023

زلل بعضه بسيط وبعضه فادح (2)

كلنا نخطئ وتزل أقدامنا، وبعضنا يقع ولا يقوم، والبعض يتعثر وينهض ويواصل المشوار، (هنالك مثل سوداني جميل في هذا المعنى يقول: العثرة تصلح المشية، وهي كأن تقول إن الإنسان يتعلم من أخطائه وفشله، وخير الخطائين التوابون)، وهناك من يخطئون أو يقعون في الخطأ عامدين قاصدين، وهنا يزول الخط الفاصل بين الخطأ والخطيئة. اعترفت في مقالي هنا الأسبوع الماضي بأنني كنت ضعيفاً في مادة الرياضيات وانني زورت نتيجتي في تلك المادة، فبعد أن حصلت فيها على 19 من 100 صارت الـ 19 بجرة قلم 69، وانكشف أمري لأنني من فرط جهلي بالأرقام لم أعدَّل المجموع النهائي في النتيجة المدرسية، ولم أكن أعرف أن من يحصل على 69 من 100 في الرياضيات يعتبر متفوقاً ومتميزاً بينما كان أهلي يعرفون أنني كنت أحسب ناتج 3+2 على أصابعي وعمري 16 سنة، ولكن جريمتي تلك أخف مما فعله ثلاثة تلاميذ في مدرسة سانتا ماريا ببوينس آيرس بالأرجنتين، فعشية امتحان الرياضيات في نوفمبر الماضي، اكتشف ثلاثتهم بعد (مذاكرة) استمرت سبع ساعات أنهم لا يفهمون كثير شيء في تلك المادة، فقرروا التخلص من الامتحان بالتسلل إلى المدرسة، ولكنهم لم يستطيعوا تحديد مكان تخزين أوراق امتحان الرياضيات فلم يكن أمامهم سوى التخلص من المدرسة نفسها، وهكذا أشعلوا فيها النيران وتخلصوا من الرياضيات والجغرافيا والأسمنت والحديد والخشب، واستمتع المئات من زملائهم بعطلة طويلة لعدم وجود مدرسة بديلة، واستمتع الطلاب الثلاثة بإجازة شبه مفتوحة من التعليم ككل بعد أن تقرر حرمانهم من الدراسة لعامين متتاليين. هذه كبوات وزلات بسيطة نسبيا، ولن أتكلم عن الكبوات الكبيرة لأن في ذلك «كبوة» ذات عواقب وخيمة، يعني تتكلم عنها «تروح فيها». ولكنني سأتوكل على الله وأعطيكم عينة وسأجعل الفاعل مبنيا للمجهول، وأسأل الله ألا يجعلني ذلك نائبا للفاعل: أرسلت دولة عربية وزير خارجيتها على رأس وفد إلى كوريا الشمالية، تلك الدولة التي تُوصَف بالفالتة rogue state لكونها ذات أسنان نووية وخارج بيت الطاعة الأمريكي، لتقديم رسالة إلى رئيسها وقتها كيم جونغ إيل والد الرئيس الحالي، ووصل الوفد الى كوريا والتقى بالرئيس وسلمه الرسالة، ولكن الرئيس قال لهم: ما هذا يا... النمرة غلط، فالمفروض أن تقدموا الرسالة لرئيس كوريا الشمالية وأنا رئيس كوريا الجنوبية، وثمة وفد عربي - أفريقي توجه الى عاصمة دولة مجاورة لحضور مؤتمر حول الأمن الإقليمي، وهناك اتصلوا بوزارة خارجية ذلك البلد لتقديم احتجاج لأنهم لم يجدوا من يستقبلهم في المطار فجاءهم الرد: وأنتم أساسا جايين ليش؟ المهم أن جميع الدول المشاركة في ذلك المؤتمر كانت قد تلقت إخطارا بتأجيل موعد انعقاد المؤتمر، ولكن رسالة التأجيل تلك ضاعت في دهاليز الحكم في الدولة التي أتى منها الوفد، فقال أعضاء الوفد: خيرها في غيرها وقضوا بضعة أيام يمارسون التسوق في البلد المضيف مستفيدين من بدلات المهمة الرسمية. في السودان تقرر افتتاح مصنع ضخم للسكر في يوليو من عام 2011، وجاء المسؤولون الكبار حاملين المقصات، وقبل قص الشريط، أبلغتهم إدارة المصنع بأنه ليس من الممكن تشغيل المصنع، لأن الشركة الأمريكية التي وفرت نظام التشغيل رفضت تسليم الإدارة كلمة المرور الالكترونية بسبب العقوبات التي تفرضها واشنطن على السودان. واليوم المصنع «شغال» ولا أعرف هل استعانوا بهاكر لسرقة كلمة المرور أم وصلتهم «الكلمة» عن طريق وسطاء. ولموازنة المقال حتى يقال إنني أتعمد فضح الكبوات العربية، دعوني أحدثكم عن مفاعل فليبسبيرغ النووي في ألمانيا والذي تديره شركة إي إن بي دبليو ENBW.. فقد ضاعت المفاتيح المؤدية إلى الأجهزة الحساسة والخطرة في المفاعل، ولم تبلغ إدارة المفاعل سلطات الأمن بفقد المفاتيح إلا بعد مرور أسبوع على فقدها.. وليس معروفاً حتى الآن من سرق المفاتيح، وليس مستبعداً أن تتهم المانيا حركة حماس أو جعفر عباس السوداني بسرقة المفاتيح فنحن الطوفة الهبيطة كما يقول الخليجيون (الحائط القصير).. هم يخطئون ويرتكبون الكبائر ثم يحملوننا المسؤولية.. ربنا على الظالم المفتري.

645

| 09 مارس 2023

زلل بعضه بسيط وبعضه فادح

تناولت كثيرا موضوع الزلات والكبوات في مجال الإعلام ومنها ما هو بسيط مثل قول مذيع تلفزيوني «نفاصل بعد الواصل» ومنها ما هو جسيم كما حدث في مصر عندما أشارت صحيفة الى الرئيس المصري الراحل أنور السادات وأسمته الرئيس «المدمن» وهي تقصد «المؤمن»، واستحضر اليوم جانبا من تفاصيل نزاع شرس دار قبل بضعة أعوام بين شركة الكمبيوتر والالكترونيات المعروفة «أبِل» وشركة «أبل آي تيونز» التي كانت وقتها مسجلة باسم فرقة البيتلز (الخنافس) الموسيقية الانجليزية والتي لم يبق من مؤسسيها سوى بول مكارتني (طلق زوجته واضطر الى ان يدفع لها 600 مليون دولار.. خلو طرف!!! ولهذا فإن بعض الطلاق مربح ومجزٍ أكثر من الزواج في الغرب، وبما ان الشيء بالشيء يذكر فان الملياردير بيل غيتس بصدد تطليق زوجته ميليندا وسيدفع لها نحو 65 مليار دولار، ويقال إنها تعتزم ان تعرض عليّ الزواج «مسيار» وأملي عظيم في ان أم الجعافر لن تمانع). ​كان النزاع بين الطرفين حول «الشعار» الذي هو التفاحة المشهورة، وقرر تلفزيون بي بي سي استضافة خبير في تكنولوجيا المعلومات اسمه غاي كيوني ليتكلم حول هذا الموضوع، وجلس غاي في قاعة الانتظار في مبنى تلفزيون بي بي سي، الى حين بدء البرنامج الذي سيشارك فيه، وبالمصادفة كان في نفس القاعة شخص جعفر عباسي الملامح من الكونغو، كان اسمه الأول أيضا «غاي» واسم عائلته غوما، وكان قد تقدم للعمل كسائق لدى بي بي سي، ودخلت القاعة شابة وقالت بصوت رقيق: كان مستر غاي كم وِذ مي فور ذا إنترفيو؟ هل يتفضل المستر غاي بمرافقتي لإجراء الإنترفيو (المقابلة)! ولم يسمع غاي كيوني خبير الكمبيوتر ما قالته الفتاة، في حين نهض غاي الكونغولي الذي يحلم بالعمل سائقا لدى بي بي سي وتبع الفتاة وانتهى به الأمر جالسا داخل استوديو (شاهدت بنفسي تفاصيل ما حدث كما ان بي بي سي وشبكة سي ان ان بثتا الواقعة كما هي لاحقا) . وبعد أن تفرشخ الكنغولي داخل الاستوديو، وهو يتعجب لماذا كل هذه الكشافات والأشخاص المحيطين بالمكان وعلى آذانهم السماعات، في حين أن الأمر يتعلق بمدى قدرته على قيادة السيارات ومعرفته بشوارع لندن. المهم، طلبت المذيعة من ضيفها غاي ان يقدم لها نبذة عن طبيعة النزاع بين الشركتين حول شعار التفاحة، فتلعثم بلدياتي غاي الذي لم يفهم العلاقة بين قيادة السيارات وشركتين لم يسمع بهما، أو لماذا يتشاجر طرفان حول تفاحة ليتعرض هو لأسئلة سخيفة حولها، ولما لاحظت المذيعة أن ضيفها «تبكّم» طرحت السؤال بصيغة أخرى ولكن غاي قال لها: آي هاف نو آيدِيا آتوول.. ليست لدي أدنى فكرة على الإطلاق. هنا أحست المذيعة بأن هناك خطأ ما وقطعت بي بي سي الارسال وبعد اكتشاف الخطأ تمت استضافة غاي كيوني وسط ضحكات مجلجلة وتكلم في الموضوع كلام العارف الخبير. المهم في الحكاية ان غاي الكونغولي صار أشهر شخصية في بريطانيا فقد ظهرت صورته في الصفحات الأولى لجميع صحف بريطانيا وصار أينما ذهب موضع اهتمام الناس وتلقى عروضا من عشرات الشركات الكبرى بالعمل لديها، وفاز بوظيفة كاملة الدسم وصار من محبي التفاح. ​تلك كبوة لهيئة كبرى معروفة عالميا ولكننا وكأفراد كثيرا ما نرتكب أخطاء فادحة او مخجلة وشخصيا هناك أشياء أتيتها في حياتي أتمنى لو ان هناك استيكة/محاية تزيل آثارها من ذاكرتي وذاكرات من شهدوها. طبعا لن أحدثكم عنها.. معليش، سأحدثكم عن واحدة فقط، وتتعلق بأنني أحرزت مرة 19 من 100 في امتحان الرياضيات، وبكل عبقرية جعلت درجتي 69 من 100 بإضافة «شرطة/ تحويلة» قصيرة على الرقم (1) في الرقم (19)، وعرف أهلي أنني عبقري في الرياضيات لأنني نسيت تعديل المجموع الكلي للدرجات بما يعكس ال50 درجة التي أضفتها الى درجتي في الرياضيات. بل أن شقيقي الأكبر لم يكن محتاجا الى مراجعة المجموع الكلي ليعرف بأمر التزوير الذي قمت به، إذ ما ان رأى انني احرزت 69 من 100 في الرياضيات حتى صاح متعجبا: دي عملتها كيف؟

810

| 28 فبراير 2023

اكبسها ولكن بحساب

​أمامي مقتطفات من تقرير في مجلة جمعية القلب الأمريكية، فيه بشرى لمن يعانون من زيادة في وزن الجسم، ونزل من ثم برداً وسلاماً على كثير من الناس، والنساء على وجه خاص، فقد قالت المجلة إن النساء اللواتي يشبهن ذكر الجراد من فرط «الرشاقة» معرضات لانسداد الشرايين أكثر من اللواتي لديهن مخزون شحوم في الأذرع والسيقان والأفخاذ والأرداف، وكان ذلك في ضوء دراسة أجراها فريق طبي في الدنمارك، وكان من بين نتائجها المدهشة أن معدل الوفيات بين البدينات أقل من معدله بين الرشيقات، لأن انعدام الدهون السطحية يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض الأوعية الدموية. وياما قال أبو الجعافر إن الهوس بالرشاقة، أدى إلى إصابة ملايين الفتيات الصغيرات بفقر الدم وفقر العرسان، ولكن مغني الحي لا يطرب، ولهذا كان للمطرب الأمريكي الراحل مايكل جاكسون معجبون عرب لا يحلم عبد الله بلخير بواحد على المليون منهم، ولو غنى في استاد يلعب فيه ريال مدريد وبرشلونة، بل إن تحوُّل برشلونة ومانشستر يونايتد إلى أندية تتمتع بجماهيرية عربية تناهز جماهيرية العجرمية وهيفاء بين المراهقين (ما بين سن ال16 وال76)، دليل على رواج عقلية الجار قبل الدار، خصوصا اذا كان الجار أوروبيا أو أمريكيا. ​ يا بنات على مسؤوليتي فإن الشباب العربي يزن ويقيم الجمال بالكيلو، ويا ما قلت لكنّ إنه ما من شاعر تغزل بعظام حبيبته الناتئة أو ببروز عظام خدها! فالجمال لا يكمن في الهيكل العظمي بل في اللحم الذي يكسو العظم، وعلى كل حال حصل خير فهيا إلى الكبسة وهيا إلى الهريس والهردبيس، والمكرونة بالبشاميل (لذوي الثقافة المطبخية المحدودة أقول إن البشاميل مادة توضع في صينية المكرونة وتتألف من القشطة والبيض والزبادي والعجين والغراء وثاني أوكسيد الكاربوهيدرات ومن ثم فإن لقمة واحدة من البشاميل تزيد وزن الجسم كيلوجراما ونصف الكيلو) . والكلام عن أن البدينات أفضل صحة من الرشيقات المكعكعات جاء على لسان اختصاصية أمراض قلب دنماركية اسمها ماري آن مالوي، التي أضافت أن السمنة ليست خطراً على النساء اللواتي لا يعانين من ارتفاع ضغط الدم، وتكون معدلات السكر والكولسترول عندهن طبيعية، طالما أن الدهون عندهن ليست حول البطن وموزعة توزيعاً «عادلاً»، وهنا بيت القصيد ومكمن الداء والعلة: توزيعاً عادلاً!! ما من شيء عندنا موزع توزيعاً عادلاً غير الهم والنكد، والشحم ليس من التهذيب بحيث يحترم الجسم الذي يستضيفه، ويوزع نفسه بالتساوي بين أعضاء الجسم. وبوصفي أخصائياً في «القلب»، وأجيد قلب الأشياء أي جعلها مقلوبة فإنني أقول بقلب جامد إن كلام الفريق الطبي الدنماركي تخريف وتخبيص، وما زلت عند رأيي بأن الكبسة قد تكون مع البعض ليست أقل خطراً من التدخين، ويصدق هذا على كل الأكلات العربية التي يتم فيها تشبيع الأرز بالدهن الذي في اللحم الذي يطبخ معه (المندي والكوارع والثريد/ الفتة على سبيل المثال لا الحصر). وراجع كلام الدكتورة ماري آن مالوي: لا بأس في البدانة والشحم طالما أن الإنسان خال من السكري وارتفاع ضغط الدم والكولسترول! حتى شعبان عبد الرحيم يعرف أن هذا الكلام ساذج وسخيف لأن الشحم والبدانة هي التي تسبب – بدرجة أو بأخرى – السكري وارتفاع ضغط الدم والكولسترول. ​ودعكم من كلام شاعركم الأرعن: ونحن أناس لا توسط عندنا/ لنا الصدر دون العالمين أو القبر، واختاروا خير الأمور التي هو الوسط، ووسط الجسم الذي هو الخصر هو الموضع الذي ينبغي منع تكدس الأمتعة الزائدة فيه، فأخطر الشحوم هي تلك التي تجعل الجسم يبدو وكأن به مطبات في منطقة التقاء البطن بالحوض. يعني كفاكم هوساً بالرشاقة، وفي نفس الوقت ارحموا أجسامكم وصحتكم بالابتعاد عما يرهقها من طعام وشراب وتبغ وباقي المضار الأخرى.. كفاية علينا النيكوتين الحكومي الذي نستنشقه في نشرات الأخبار.

858

| 23 فبراير 2023

الفعل الماضي قد يكون ناقصاً

يغيظني كثيرا أننا نربط الماضي القريب والبعيد بكل ما هو جميل مقارنة بالحاضر، مع أننا نعرف ان فعل الماضي قد يكون ناقصا بينما الفعل المضارع حاضر ومستمر، واستعيد هنا ​حكايتي مع صاحبي الذي قلت له إنني ومنذ أن نصحني الأطباء بتناول أدوية ارتفاع ضغط الدم، لم أفوت جرعة، بل ربما اعمل بحكم سجود السهو، واتناول قرصا إضافيا إذا تشككت في أمر تناولي الجرعة الدوائية في موعدها، أتعرفون ماذا قال لي صاحبي؟ أنت جبان، تخاف من المرض!! وليته اكتفى بتلك التهمة، تمادى وشرح لي كيف أن «كثرة» الأدوية ضارة بالصحة، وأنه لا يعقل أن يستمر شخص في تناول أدوية الضغط والسكري أو القلب مدى الحياة!! قلت له إن الناس يتناولون الأدوية لجعل مدى الحياة طويلاً بعض الشيء، فكان جوابه إعادة الموال المعتاد عن جده الذي كان يأكل خروفاً كاملاً بمفرده، ويشرب كوباً من السمن (الزبدة) كل صباح، وعاش عمراً طويلاً دون يذهب إلى الطبيب مرة واحدة (يحلو لجيل الآباء والأجداد أن يحدثوا الأحفاد عن زمن جميل مُتَوهّم، كان فيه سعر الخروف في مثل سعر الدجاجة اليوم، ولكنهم لا يذكرون لهم أن حظهم من لحم الضأن لم يكن يزيد على 3 كيلو غرامات في السنة، وأن الدريهمات التي كانت تكفي لشراء خروف قبل خمسين سنة، أعلى من حيث القيمة من سعر عجل هولندي على أيامنا هذه) قلت له إنني أعرف شخصاً ظل يشرب ويدخن وعاش أكثر من سبعين سنة، ولكن هذا لا يعني أن طول العمر عنده يعزى إلى أن التدخين والمنكرات مفيدتان للصحة!! وسردت عليه مشهداً في التلفزيون الأردني في سياق حملة لمكافحة التدخين، حين كانت كاميراته تجول في الشوارع في بث حي، وعثر المذيع على كنز ثمين: رجل فوق الثمانين لم يمارس التدخين قط وبعد التي واللتيا، قال له المذيع: من المؤكد أن احتفاظك بصحة طيبة في هذا العمر يعود إلى عدم ممارستك للتدخين، فما كان من الرجل إلا أن قال: أخي الكبير عمره 95 سنة ومازال أقوى مني بنية وهو يدخن ثلاثين سيجارة يوميا منذ 80 سنة!! حاولت أن أشرح لصاحبي أن القاعدة هي أن من يهتم بصحته يعيش أطول لأنه أخذ بالأسباب، وأن الاستثناء هو أن أشخاصاً مثل جده الذي كان يشرب الكولسترول المصفى، وأن بعض مدمني المسكرات والسجائر عاشوا طويلاً رغم أن «سلوكهم» كان مجافياً لمقتضيات الصحة الطيبة! مفيش فايدة، ويبدو أنني زدت الطين بلة بأن قلت لصاحبي إن ضغط الدم عندي تحت السيطرة بفضل تجنب الملح الكثير في الطعام، وكل ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، فقد تأكد للرجل أنني فعلاً جبان ورعديد، وحدثني عن فوائد الجبن والملح والفسيخ بالبصل ( لعلم أهل الخليج: الفسيخ يتألف من ملح مضاف إليه سمك صغير الحجم، وإذا تناولت لقمة واحدة من الفسيخ فإنك تكون قد تناولت حصتك من الملح لمدة 235 يوماً، وهو ابن عام المهياوة بالرضاع. واسألوا عواجيزكم عن المهياوة)! إنه منطق «أسأل مجرب ولا تسأل طبيب»، الذي يفتقر إلى «المنطق»!! فكل من تلاقيه يريد منك أن تجعل فلاناً مثلك الأعلى في الشؤون الصحية، والقاسم المشترك بين هؤلاء «الفلانات» هو أنهم لم يكونوا يذهبون إلى الأطباء عندما يمرضون!! ومن الطبيعي أن الشخص المطلوب منه تعاطي عقار طبي معين طوال حياته يشعر بالسأم، وقد يهمل أمر الانتظام في العلاج لبعض الوقت، ولكن ما قولك فيمن يكون مصاباً بمرض في القلب، ويقدم له أفراد عائلته قرص الدواء المقرر، فيضعه تحت لسانه ليبصقه لاحقاً، وماذا تقول في الذي يتعاطى دواء من النوع المصنف كـ «مُنقذ للحياة»، فيتناول جرعة الأسبوع الواحد في أسبوعين من باب ترشيد الإنفاق، ويبرر ذلك بأن الدواء «غالي».

3294

| 14 فبراير 2023

العين باردة وحارة

يزعجني كثيرا أننا نستخدم العديد من الشماعات لنعلق عليها قصورنا وقعودنا وتبقى التنمية الاقتصادية متوقفة بسبب تآمر إسرائيل علينا، ونتغيب عن عمل ضروري لأن الطقس حار أو بارد جدا (حكى سوداني ابتعث مع نفر من بني وطنه إلى لندن للدراسة في ستينيات القرن الماضي أن السفارة جاءت تبحث عنهم في مكان إقامتهم لأنهم لم يذهبوا إلى الكلية التي تم تسجيلهم بها لعدة أيام منذ وصولهم المدينة، فتعللوا بأنه كلما تأهبوا للخروج فوجئوا بهطول الأمطار، فقال لهم مندوب السفارة: لو انتظرتم توقف الأمطار فسترتدون للأمية). ذات مرة انتبهت إلى أن زميلاً لي في العمل يهمهم ويبرطم، وتبدو عليه علامات الهلع كلما دخل علينا رجل مسن، يشغل وظيفة عمالية بسيطة، فاستجمعت جلافتي وسألته عن سر الرعب الذي يسري في أوصاله كلما دخل علينا ذلك العامل، فقال: عينه حارة، هنا استجمعت وقاحتي وسألته: وهل قست درجة حرارة عينه؟ وطالما أنك تقول إن عينه حارة، (بصيغة المفرد)، وهو مزود بعينين، فأيهما هي الحارة: العين اليمنى أم اليسرى؟ طبعاً كنت أقصد أن أسأله: هل لديك دليل على أن عين الرجل حارة ومؤذية؟ فقال لي إن الكثيرين في مكان العمل يعرفون الأمر، ويتحصنون بالمعوذتين كلما دخل عليهم مقدماً الشاي أو جالباً الأوراق والملفات، ودخلنا في جدل طويل، وكانت وجهة نظري هي أن الرجل قد يكون مظلوماً، وأن شخصاً ما ألحق به التهمة، كما حدث مع آخرين أبرياء، وياما سمعت نساء قريباتي أو صديقات للعائلة عزون إصابة أطفالهن بالحمى أو كسور إلى أن فلانة أو علانة قالت عنهم إنهم أي العيال "حلوين"! أو أن الولد صار بليدا في الدراسة بعد أن قالت إحداهن إنه "ذكي". (تحضرني هنا طرفة امرأة كانت تحمل طفلا في حافلة عامة، ولاحظ رجل يجلس بالقرب منها، أنها تبكي فسألها عن سبب بكائها، فأبلغته أنها عندما شرعت في ركوب الحافلة، قال راكب عنها إنها تحمل قردا، فقال لها الرجل العطوف: أعطيني القرد الذي تحملينه هذا وروحي اشتميه شتيمة الأراذل). المهم أنني كنت أعرف أن ذلك العامل يحب الثرثرة، وأنه مجامل إلى درجة البكش، وأنه يمدح أشياء الآخرين، وصادف أن قال إن فلاناً اشترى سيارة تشبه السيف، وكانت سيارة رياضية شكلها أقرب إلى شكل الضفدع، وبعد يومين أو ثلاثة سمعنا أن صاحب السيارة في المستشفى بعد حادث انقلبت فيه سيارته خمس مرات في شارع رئيسي، وقليلون من قالوا إن المصاب جنى على نفسه لأنه كان معروفاً بقيادة السيارة بالطريقة الثعبانية بسرعات عالية، ولكن كثيرين ربطوا بين الحادث وما قاله عنها ذلك العامل، وذات يوم "سايست" الأخير، وبعد لف ودوران أصاب شفتي بالجفاف نصحته أن يكف عن التعليق وإبداء الملاحظات حول الآخرين وملابسهم وممتلكاتهم، كي لا "يتهموك بأنك صاحب عين حارة"، فكانت المفاجأة أن الرجل أكد لي أن عينه حارة بالفعل، ونصحني أن "أعمل حسابي!!"، هنا استنتجت أن الرجل ربما روج لحكاية عينه الحارة لشيء في نفسه، فهناك أناس يعانون مما يسمى بالإنجليزية "أتينشن ديفيست"، وترجمتها غير الدقيقة هي "قصور في الاهتمام"، ومعناها الدقيق هو أن المصاب يفعل أشياء كثيرة، وربما يؤذي نفسه للفت انتباه الآخرين، بل معروف أن أمهات مصابات بذلك المرض يؤذين عيالهن، ويبلغون المستشفيات عن إصابتهم بأمراض من نسج خيالهن ليصبحن هنّ موضع انتباه الآخرين. المهم أنني عرفت لاحقاً أنه يبتز بعض زملاء العمل بأن يدخل على الواحد منهم ويطلب منه مالا أو خدمة معينة وهو "يُقلب" عينيه، فينال ما يريد لأن الكثيرين كانوا يحرصون على شراء رضاه! وتحضرني هنا حكاية أم صبحي الأردنية التي نقلتها بعض الصحف، وأدهشني أنها سردت كيف أنها استخدمت "عينها" لتقطيع ملابس الآخرين، وكيف أن سيدة استأجرت عينها لإيذاء زوجة أخيها، فقامت بالمهمة خير قيام، فسقط جنين زوجة أخ تلك السيدة، وقالت أم صبحي إن زوجها يخاف منها ولا يرفض لها طلباً، خاصة بعد أن غادرت البيت ذات يوم بعد أن تشاجر معها فأصيب بعلة طارئة ألزمته المستشفى. ويبدو أنها بلطجية تتسلح بمنطق: أعطوني ما أريد أكف عنكم عينيّ!

1812

| 08 فبراير 2023

حاشا أن أستخف بالنساء

قلت في أكثر من مقال إن من أكثر الأسئلة التي تعكنني وتجنني خلال المحاورات العادية أو الإعلامية، أن يقول لي أحدهم: لماذا تستفز النساء في مقالاتك؟ أو ما هو أسوأ من ذلك: لماذا تستخف بالنساء؟ يستفزني السؤال، لأنني أحس بأن من يطرحه غبي، ولا يفهم سطراً مما أكتب، لأنه لا يستخدم المادة الرمادية في رأسه لاستيعاب الأمور. أستفز النساء معقولة ومفهومة، لأنني أتعمد مناكفتهن، لأنني أحب المناكفات المرحة والبريئة، ولكن أستخف بهن؟ حاشا وأنا أبو البنات وأخو البنات (وصف شخص بأنه «أخو البنات» يعتبر قمة المدح في السودان، وهي صفة تطلق على الشخص الشهم الكريم، ذي المروءة)، أما لقب «مقنع الكاشفات» فلا يفوز به إلا الشهم النبيل العفيف الذي يغطي السوءات المكشوفة، وكتبت كثيرا عن كيف أن الرجل في السودان عندما يتفاخر بنفسه وشرفه فإنه يقول: «أنا أبوكِ يا فاطمة أو نورة أو سوسن، لا يمكن أن أفعل كذا وكذا، وليس من الوارد أن آتي العمل الشين»، وقلت لكم مليون أُس تريليون مرة، إن بعضنا في السودان يتسمى رسمياً وفي شهادة الميلاد بأسماء مثل أبو فاطمة وأبو نورة وأبو عائشة، وتكون تلك الفاطمة أو النورة أو العائشة، هي أم أو أخت أو عمة أو خالة حامل الاسم. وبكل فخر فإنني أنتمي إلى ثقافة لا «تستعر» من البنات ولا تعتبر أسماءهن «عورة»، وعندنا في ديار النوبة فإن الشخص يُعرف دائماً باسم أمه وإذا قابلت شخصاً بلدياتي لم يتعرف عليَّ، بادرته بأنني «جافر آمنة فقيرن تود»، وجافر هو جعفر وقد تحولت العين إلى ألف «للتعذر» لأن اللسان النوبي غير مبرمج لنطق حرف العين، أما آمنة فهي أمي، وفقير هو أبوها الذي هو جدي (وقد تستنتج من هذا الاسم أن الفقر في عائلتنا وراثي، وهو كذلك، ولكن فقير في السودان تعني العالم معلم القرآن، لأنها تحوير لكلمة «فقيه»، والاسم الأصلي لجدي لأمي هو حامد ولكن غطى عليه لقب فقير المقابل للقب «شيخ» أو «مطوع» عند عرب الخليج) و»تود» تعني ولد، أي أنني أعرِّف نفسي: جعفر ولد آمنة فقير. المهم أنني لا أستخف بآدمي بسبب الجنس أو العرق أو اللون أو شكل البنطلون، أو حتى إذا خالفني الرأي، وبهذه المناسبة فإنني أشكر القارئ س. ج. الذي بعث إليَّ برسالة ينبهني فيها إلى أن هذه الصحيفة (جريدة الشرق التي ما زال حبل سري يربطني بها باعتبارها مسقط رأس زاويتي المنفرجة) استخفت بي ومارست الاستعلاء العرقي بحقي، لأنها ظلت تنشر إعلانات بصورة راتبة ومنتظمة في الفترة الأخيرة، عن جراحات لتجميل وتعديل عرض «الأنف»، وأحيل شكواي في هذا الصدد إلى هيئة حقوق الإنسان والاتحاد الأفريقي، والرئيس الزيمبابوي السابق روبرت موغابي على وجه الخصوص، والذي يعتبر أنفي عجرميا مقارنة بأنفه، وأعتقد أن الاستفزاز غير المباشر لمشاعري، بدأ بعد أن صار ظهري مكشوفا برحيل ابن العم باراك أوباما عن كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة، وصار السود في العهد الترامبوني وما تلاه مضطهدين حتى في البلاد التي صارت أوطانهم حتف أنوفهم. وبالمناسبة، فقد توصلت دوائر علمية في بريطانيا إلى اكتشاف خطير مفاده أن البيرة تحتوي على هرمونات الأنوثة، وأن الرجال الذين يشربون البيرة لا يعرضون فقط صحتهم وحياتهم الاجتماعية والمادية للخطر، ولكنهم يواجهون احتمالات التحول إلى نساء، ذلك أن «الهوبس» والتي يسميها بعض العرب حشيشة الدينار، التي تصنع منها البيرة تحتوي على الفيتوستروجين، ولإثبات صحة هذا الاكتشاف قام العلماء بمراقبة أشخاص يشربون ست زجاجات من البيرة خلال ساعة واحدة وكانت النتيجة أنهم جميعاً صاروا بمرور الزمن أكثر بدانة، وصاروا يتكلمون بلا انقطاع في لغة انفعالية ويتجادلون حول «لا شيء»، وصاروا عاطفيين، بعضهم سريع الغضب والبعض الآخر سريع البكاء وعجزوا عن قيادة السيارات بكفاءة، وصاروا يرفضون الاعتذار عند مواجهتهم بأخطائهم!! لماذا؟ صاحب العقل يميز!

1686

| 31 يناير 2023

تنتحر أو تنفجر.. هي حرة

تصديق الناس معظم ما يصلهم عبر تطبيق واتساب وتداوله وكأنه نص مقدس، يجعلني استعيد فحوى رسالة واتساب وصلتني من عدة مصادر وتحوي صوراً حية أي فيديو لسيدة سوداء، تشتعل النيران في جسدها، ويحاول بعض المارة إنقاذها، والكلام المصاحب للصورة يقول إن تلك السيدة تقدمت بطلب إلى السلطات البلجيكية، لنيل رخصة لإقامة محل تجاري في وسط مدينة لكسمبورج، وعندما رفضت السلطات الطلب وقفت في شارع رئيسي، وأشعلت النار في ملابسها، (لماذا أحرق بلجيكيون سيارات الشرطة واعتدوا على المرافق العامة عندما خسر منتخب بلادهم مباراته امام المغرب مؤخرا؟ هل كانت الحكومة هي التي خاضت المنافسة؟)، المهم، كان التعليق المصاحب للصورة المتداولة على نطاق واسع يقول: انظروا كيف يستميت الناس دفاعاً عن حقوقهم بينما نحن نعيش في ذل وهوان، وندعو بالخير لمن أذاقونا الذل والهوان. شخصيا لم أتأثر بمشهد المرأة والنيران تلتهم ملابسها ولحمها لأنه كان من السهل عليَّ إدراك أن الصورة مفبركة ومركبة، ثم منذ متى صارت لكسمبورج بلجيكية؟ هذه دولة وتلك دولة أخرى (تذكرت المعلق الكروي العربي الذي كان ينثر الدرر خلال مباراة بين منتخبي بلجيكا والمكسيك لكرة القدم، وبعد خشونة متعمدة من أحد اللاعبين، وقف الحكم يتكلم مع لاعب مكسيكي وآخر بلجيكي، فقال المعلق: ما شاء الله عليه هذا الحكم. يحكي بلجيكي ومكسيكي، وما فات على المسكين هو انه لا توجد لغة بلجيكية أو مكسيكية). ثم هب أنها كانت صورة حقيقية لتلك المرأة وهي تحاول الانتحار بحرق نفسها: ما الذي يحملني على التعاطف مع إنسان أخرق، أبله يتصرف بطفولية، ويعتقد أن حركة الكون ستتوقف إذا انتحر في مكان عام؟ وهل انتحارها حرقاً سيكفل لها الحصول على الرخصة؟ وهل السلطات البلجيكية أو اللكسمبورجية ملزمة بمنح رخصة تجارية لكل من يطلبها؟ دعك من كل هذا ولنتوقف عند التعليق المصاحب لتلك الصور، والذي يتضمن إشادة وإعجاباً بإشعال تلك المرأة النار في جسمها: «كيف يستميت الناس دفاعاً عن حقوقهم». هل الحصول على رخصة بفتح محل تجاري في موقع معين «حق» يجب أن تكفله الحكومات والقوانين؟ ثم لماذا الإشادة بالاستماتة (وهي كلمة مشتقة من الموت)؟. في أبوظبي ظللت محروماً من رخصة قيادة السيارة لشهور عديدة لأن رجال المرور كانوا يتفننون في اكتشاف أخطاء في طريقتي في قيادة السيارة، فهل كان الإجراء الصحيح أن أقف عند النافورة العملاقة في كورنيش أبوظبي وأشعل النار في جسمي أو أقفز إلى مياه الخليج كي أحصل على تلك الرخصة التي كنت مقتنعاً بأنني أستحقها منذ الاختبار الأول؟ بيننا كثيرون يحملون جينات الداعشية يعتبرون القاتل بطلاً، والقتيل بطلا، وهكذا فإن المرأة تلك التي شرعت في الانتحار في شارع مزدحم (بافتراض أن المحاولة والصور التي شاهدتها لها كانت حقيقية) صارت رمزاً للاستماتة في الدفاع عن الحقوق! يذكرني ذلك بحماقات يرتكبها الأطفال لتسجيل «مواقف»، أي من باب الاحتجاج، أذكر أنني رفضت الطعام أكثر من مرة في طفولتي وصباي كوسيلة لـ «معاقبة» أمي أو أبي لأن طلباتي قوبلت بالرفض، وأذكر أن أمي كانت تحاول المرة بعد الأخرى إقناعي بتناول الطعام فأزداد عناداً، فتنصرف عني ثم يقرص الجوع أمعائي حتى أتلوى من الألم. وأعيش على أمل أن أمي ستكرر محاولة إقناعي بتناول الطعام، ولكن هيهات. كان ذلك زمان كان الناس يأكلون فيه كل ما يوضع أمامهم لعدم وجود ثلاجات، ولم تكن «كرامتي» تسمح لي باستجداء أمي لتعد لي طعاماً بديلاً لذلك الذي رفضته، فأضطر إلى المناورة والمداورة حتى أحصل (سراً) على بضع تمرات أو خبز حاف جاف أسكت به عقارب بطني. وقد توقف عيالي عن ممارسات تلك التكتيكات لأنه لو رفض الواحد منهم وجبة من باب الاحتجاج على أمر ما فإنني أبلغه بأنه محروم من الوجبة التالية أيضاً وممنوع من الاقتراب من الثلاجة.

2541

| 25 يناير 2023

البقشيش صار رشوة مكشوفة

قرأت حكاية جميلة في عمود (نسيت اسم كاتبه) في صحيفة نسيت اسمها، عن رجل عربي كان في زيارة إلى بلد أجنبي لا يعرف شيئاً من لغة أهله، وقرر القيام بجولة في المناطق القريبة من الفندق الذي كان يقيم فيه، وعلى بعد خطوات من الفندق استوقفه صبي وطفق يبرطم بكلام غير مفهوم لدى السائح العربي، الذي استنتج أن الفتى يستجدي المال فمد إليه قطعة معدنية، التقطها الصبي فرحاً مبتسماً ثم ابتعد مسرعاً، وتجول الرجل لنحو ساعتين حتى كلت قدماه فقرر العودة إلى الفندق، وظل يمشي ويمشي دون أن يعثر على أثر للفندق، وحال حاجز اللغة دون استفساره عن موقع الفندق، فظل يهيم على وجهه أربع ساعات، وفجأة وجد الصبي المتسول أمامه فاستخدم الأسلوب العربي المعتاد للتخاطب مع الغرباء، وهو الفتك باللغة العربية: أنا في مسكين.. رجل مال أنا يعورني.. شوية بعد أنا في طيح.. واجد تعبان ولازم روح هوتيل الحين.. ست ساعة أنا ما في يأكل هَم هَم.. مي نو تاكسي منشان أنا ما يعرف أدريس (عنوان) مال هوتيل!! ولكن الصبي لم يفهم منه شيئاً، فاستخدم لغة الإشارة كي يفهمه أنه تائه وأنه يريد العودة إلى الفندق الذي يعرف فقط اسمه وليس عنوانه، فابتسم الصبي وأشار إليه أن يتبعه، وبعد نحو ساعة كان الرجل قد وصل مدخل فندقه، وإعراباً منه لتقديره للعون الذي وجده من الصبي، فتح محفظة نقوده ومد إلى الصبي مبلغاً كبيراً نسبياً، ولكن الصبي رفض قبول المبلغ وهو يرطن بلهجة غاضبة، فما كان من السائح العربي إلا أن زاد المبلغ المعروض على الصبي، الذي ازداد غضباً، واستمرت المزايدة مالا من جانب الرجل وغضباً من جانب الصبي، حتى جاء أحد العاملين في الفندق لفك الاشتباك، فشرح له الرجل ما كان من أمر إرشاد الصبي له إلى موقع الفندق وسخائه في مكافأته، وجشع الأخير في المطالبة بالمزيد، وتراطن الصبي وعامل الفندق الذي سرعان ما ابتسم وقال للرجل إن الصبي غاضب لأنك قدمت له مالاً، فهو يعتبر ذلك إهانة، ففي المرة الأولى طلب هو منك صدقة فأعطيته، وفي المرة الثانية سنحت له الفرصة لرد الجميل إليك بمساعدتك على العودة إلى الفندق، وهو يرفض المال نظير مساعدة «صديق»!! ذلك الصبي متسول محترف، ويعيش على استجداء المال، ولكنه يحفظ الجميل ولم يتجرد من العواطف الإنسانية! هذه الحكاية التي نقلتها عن الصحيفة التي لا أذكر اسمها أثارت في ذهني تساؤلاً ظل يحيرني على مدى سنوات: لماذا نعطي الجرسون في المطعم أو سائق التاكسي أو عامل الفندق بقشيشاً نظير أداء عمله الذي يتقاضى عنه أجراً من صاحب العمل، وندفع نحن عنه المبلغ المطلوب بالكامل؟ طبعاً أدفع البقشيش في المطاعم وغيرها ولكنني أحس بالذنب لأنني أعتقد أن البقشيش نوع من الرشوة (ومن يدفعون بقشيشا كبيرا يبررون ذلك بأنهم يحصلون على خدمات خاصة وسريعة في زياراتهم اللاحقة للمطاعم)، ولأن البقشيش صار شبه إلزامي، فالفنادق والمطاعم الكبيرة تعطي الجرسونات رواتب بائسة وتقول لهم: البركة في الزبائن!! (رفع العاملون في سلسلة مقاهي كوستا كوفي قضية على إدارة الشركة التي كانت تقتطع لنفسها نسبة ثابتة من بقاشيش العاملين، وقضت المحكمة بتغريم الشركة قرابة 200 مليون دولار ليُعاد توزيعها على العاملين). قضت الأقدار بأن تنجب زوجتي طفلنا الثاني في عاصمة عربية، وجاءتني ممرضة وطالبت بالحلاوة فمددت إليها طبقاً من الشوكلاتة لتتناول منه ما تشاء، ولكنها طالبتني صراحة بتقديم بعض المال لها، فصحت فيها: ليه؟ هل تقاسمت مع زوجتي أعباء الحمل وأوجاع الولادة؟ بمعنى ما هي مساهمتك في الحمل والانجاب؟ ثم أضفت: هي بنت! أي حلاوة وأي بطيخ، الوطن العربي محتاج لرجال يولدون بشواربهم! ونحن في السودان نلطم عندما نرزق ببنت (وهذه كذبة فنحن ربما الشعب الوحيد في المنطقة الذي يتفاخر فيه الرجال بالانتساب لبناتهم: أنا أبوكِ يا مروة/‏ فاطمة /‏ سلوى، ولسنا مثل البعض الذين يستعرون حتى من أسماء أمهاتهم).

2271

| 18 يناير 2023

رفس النعمة فرفسته

أمامي قصاصة من صحيفة خليجية بدون تاريخ بها حكاية مواطن اسمه راشد، يملك هاتفاً جوالاً يعمل بالبطاقة مسبقة الدفع، أي ما يعرف بالشحن كما هواتف هلا في شبكة أوريدو القطرية، واستفسر عن رصيد بطاقته واكتشف أنه يبلغ 429 مليوناً وخمسمائة ألف ريال (429,500,000 ريال)، ولأنه ابن ناس (وفي رواية أخرى «مش وِش نعمة») فقد كرر الاستفسار عن الرصيد حتى زهج كمبيوتر شركة الاتصالات، وصاح: يا عمي ذبحتنا... قلنا لك رصيدك «429 مليون ونص»، ثم أضاف الكمبيوتر: علي بالطلاق تسأل تاني عن الرصيد، أقطع خط هاتفك وخدمات الماء والكهرباء عن بيتكم وبيوت جيرانكم.. مفهوم؟ يللا حِل عن سماي.. (إليكم حكاية الرجل الذي اشترى سيارة فاخرة يقوم الكمبيوتر المركب في داخلها بإصلاح كل عطل يطرأ عليها بإصدار تعليمات صوتية.. وأراد الرجل تجريب قدرات الكمبيوتر والسيارة فجاء بمطرقة وهشم زجاجها الأمامي فقال الكمبيوتر: الزجاج الأمامي مهشم.. مطلوب إصلاح سريع.. وخلال دقائق كانت السيارة قد نفثت خيوطاً دقيقة تشكلت بسرعة إلى زجاج سد واجهة السيارة، وانبسط صاحبنا وخلع المرآة الجانبية للسيارة فما كان من الكمبيوتر إلا أن قال: المرآة الاحتياطية تحركي لتأخذي مكان المرآة المخلوعة.. ومن فرط سعادة الرجل بسيارته الذكية، قرر إخضاعها لاختبار كبير، فسار بها بسرعة جنونية فوق جسر واصطدم عامداً بحاجز الجسر فطارت السيارة والكمبيوتر يقول: «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية...» إلى آخر الآية الكريمة). المهم أن صاحبنا استفسر عشرات المرات عن رصيده وجاءه التأكيد بأنه مليونير، وبدلاً من الاتصال بالخبير المالي المشهور أبو الجعافر (يقال إنه أصلاً من جمهورية «مالي»، في غرب إفريقيا)، ليعرف كيف يستثمر ثروته تلك، قام بالاتصال برقم الاستعلام عن الرصيد في شبكة الهاتف الجوال فجاءه الرد: رصيدك 429 مليوناً ونصف المليون، وكان الرد بصوت نسائي يقطر عذوبة ورقة، ولكنه لم يرد عليها بكلام من شاكلة: تسلمي يا بعد كبدي.. يا عسل أنت.. تعالي خذي بقشيش ثلاثة ملايين! بل قال: زين يصير خير (وانت وجه خير؟).. أتعرفون ماذا حدث بعد ذلك؟ حاول راشد إجراء مكالمة دولية، فإذا بهاتفه قليل الذوق يرفض تمرير المكالمة! ليش؟ قال: ما عندك رصيد!! والذي قال ذلك الكلام السخيف كان نفس الصوت النسائي الرقيق الذي أكد له أنه مليونير!.. طيب يا بنت الناس.. إنتي من شوي قلتي لي رصيدي 429 مليون وما يصير... ! ولكن صاحبة الصوت الرقيق «سكَّرت» الخط في وجهه!! وهكذا، ومن صاحب ملايين تحول صاحبنا إلى حامل بطاقة هاتفية عديمة القيمة! وهذا ما جناه على نفسه وما جناه عليه أحد! يقال إن امرأة تطلقت من زوجها العجوز ذات صيف، وتزوجت بشاب حليوة، ولكنه مبهدل مادياً، وذات مرة أرسلت إلى طليقها (العجوز) تطلب منه بعض اللبن، فقال لها ما صار مثلاً: الصيف ضيعت اللبن! ولو استشارني راشد لاشتريت له ولنفسي تذاكر طائرة بالدرجة الأولى... لا... كنت سأستأجر طائرة إيرباص خاصة، ونسافر بها سوياً إلى لاهاي في هولندا، حيث محكمة العدل الدولية، ونقف أمام تسعة قضاة ليسمعوا شركة الاتصالات تلك وهي تعترف بأن لديها أمانة ووديعة من طرف «موكلي» بقيمة كذا وكذا مليون، ثم نسافر إلى سويسرا لنضع هاتفه الجوال في بنك... ثم نصل إلى اتفاق مع شركة الاتصالات بأن تعطينا أنا وشريكي/ موكلي أسهماً بثلاثمائة مليون ريال.. طيب والباقي؟ بعد إذن شريكي،.. نقيم حفلاً ضخماً وندعو إليه أشهر المطربات ومذيعات القنوات الفضائية العربية التجارية من الصنف الذي يبطل الوضوء ويوجب الغسل.. وندعوهن للجلوس في صفوف على المسرح ثم نأتي بمجموعة من المارينز الأمريكان، ونقول لهم إن الفتيات الجالسات في المسرح من داعش. فينقلوهن إلى سجن غوانتنامو، ونكون بذلك قد أسهمنا في الحفاظ على البيئة بمنع التلوث.

3906

| 11 يناير 2023

يريد للبنت تعليماً مكلفتاً

قبل سنوات جاء صديقي يسألني عن الجامعة التي تدرس بها بنتي، لأنه كان بصدد الحاق أحد عياله بالجامعة ولأنه كان يعرف أن ثقافتي عن التعليم الجامعي في مختلف أنحاء العالم عالية، فعلى مدى سنوات طوال ظللت أنقب عن الجامعات وبرامجها ـ وبدأ ذلك عندما حان موعد التحاق ولدي الأكبر بالجامعة، حيث جلسنا أنا وهو أمام الإنترنت شهوراً طوالا نتراسل مع الجامعات في مختلف البلدان – ماعدا البلدان العربية لأسباب بديهية! – واجتمعت لديّ في البيت تلال من الكتيبات والمنشورات من جامعات أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا وإفريقيا (جنوب إفريقيا فقط)، يعود كثير منها إلى عصر ما قبل الإنترنت، وقبلوه في جامعات بريطانية وكندية أسترالية ومالطية وسنغافورية وكورية جنوبية، واستقر رأينا على نيوزيلندا (لأنه يشبه سكانها الأصليين ولأنها أقل تلك البلدان جرائم وليس بها تمييز عنصري! ولأن تكلفة التعليم فيها ليست عالية جدا مقارنة بالدول الأخرى)، وازددت معرفة بأحوال التعليم الجامعي في مختلف القارات، وأنا أناقش مع عيالي الثلاثة الآخرين، خياراتهم الأكاديمية في مرحلة التعليم العالي وكما أردد مرارا فإنني أعتقد أن اختيار الجامعة ونوع الدراسة بها هو أهم قرار يتخذه الطالب في حياته، (إلى جانب قرار اختيار شريك الحياة الزوجية)، ومن ثم فإنني أولي تلك المسألة اهتماماً كبيراً، دون أن يعني ذلك أنني أفرض على عيالي كليات بعينها، بل أترك لهم اختيار أكثر من مادة للتخصص، ثم أقضي وقتاً طويلاً في اختيار الجامعة في ضوء اعتبارات أكاديمية واجتماعية ومالية وثقافية!! المهم أجبت على استفسارات ذلك الصديق عن الجامعة التي تدرس بها بنتي، فتحمس لإلحاق بنته بها، ثم سألني عن المصروفات الدراسية فأجبته على سؤاله، فما كان منه إلا أن انتفض واقفاً وهو يصيح: مجنون أنت؟ تصرف على بنت كل تلك الآلاف بعدين يجي واحد يتزوجها وفلوسك تروح في الهوا؟ أحتفظ لنفسي عادة بمساحة خاصة لا أسمح لأي كائن باقتحامها، فقلت لصاحبي: مش شغلك كيف وأين أعلم بنتي وكم يكلفني تعليمها! فحاول الاستدراك وقال إنه يعني أن البنت لزوجها وإنه يكفي تزويدها بتعليم بسعر التكلفة. يعني شهادة جامعية أي كلام من أي مكان! قلت له: برضو مش شغلك! ولأنه كان في بيتي فقد حاولت تلطيف تعقيبي الجاف على كلامه ووجهت إليه سيلاً من الأسئلة: ماذا لو لم تجد بنتي من يتزوجها؟ ماذا لو تزوجت ثم تطلقت أو ترملت؟ ماذا لو تزوجت وأصيب زوجها بإعاقة؟ ماذا لو تزوجت برجل جلدة وقيحة يحرمها من ضروريات الحياة مثل صاحبنا فلان (وذكرت اسم شخص يعرفه كلانا بالبخل بدرجة أنه يلزم زوجته التي اضطرت إلى دخول الحياة العملية لتأكل وتلبس وتعالج نفسها وعيالهما على نفقتها)؟ ماذا لو لم تتزوج وأصبحنا أنا وأمها عواجيز مكعكعين بلا عائل ونحن ننتمي إلى بلد ليس فيه ضمان للعجزة وكبار السن وصغار السن شأنه شأن بعض جيرانه العرب والأفارقة؟ وقلت له: هل تريد مني أن آخذ اعتبارات الربح والخسارة في تربية وتأهيل بنتي؟ ومن يضمن لك أن "الولد" الذي تعتقد أنه أحق بالتعليم العالي "الغالي" سيكون باراً وحافظاً للجميل وسيرد إليك الجميل عدا نقدا بعد أن يدخل الحياة العملية؟ هنا وجدها صديقي فرصة ليسألني: ألا يدفع لك ولدك الذي دخل الحياة العملية جزءاً ثابتاً من راتبه؟ قلت له: هذه ايضا مش شغلك.. أنا لم أنفق على تعليمه ما أنفقت كي "أحاسبه" لاحقاً.. ولعلمك فهو لا يعطيني فلساً واحداً.. ولكن ذلك كان بإيعاز مني... والبركة في أمه التي باتت تتقاضى منه راتباً ثابتاً وصارت تقول لي: الحمد لله فولدي جنبني وقوف الكريم على باب اللئيم... واللئيم هنا هو أبو الجعافر.. وربنا على المفتري. Jafabbas19@gmail.com

2775

| 03 يناير 2023

alsharq
المدرجات تبكي فراق الجماهير

كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...

2559

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
حدود العنكبوت

حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...

2472

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
انخفاض معدلات المواليد في قطر.. وبعض الحلول 2-2

اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...

2085

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
طال ليلك أيها الحاسد

نعم… طال ليلك ونهارك أيها الحاسد. وطالت أوقاتك...

1509

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
العالم في قطر

8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...

1464

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
حين يصبح النجاح ديكوراً لملتقيات فوضوية

من الطرائف العجيبة أن تجد اسمك يتصدر أجندة...

1200

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
حين يوقظك الموت قبل أن تموت

في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...

1137

| 29 أكتوبر 2025

alsharq
الكفالات البنكية... حماية ضرورية أم عبء؟

تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...

867

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
نحو تفويض واضح للقوة الدولية في غزة

تسعى قطر جاهدة لتثبيت وقف اطلاق النار في...

843

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
مِن أدوات الصهيونية في هدم الأسرة

ما من ريبٍ أن الحلم الصهيوني لم يكن...

765

| 02 نوفمبر 2025

alsharq
من المسؤول؟

أحيانًا أسمع أولياء أمور أطفال ذوي الإعاقة يتحدثون...

750

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
بعد آخر توقيع... تبدأ الحكاية

ليست كل النهايات نهاية، فبعضها بداية في ثوب...

702

| 29 أكتوبر 2025

أخبار محلية