رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الإدمان أشكال وألوان

قلتها مرارا: علاقتي بالرياضة لا تختلف عن علاقتي بـ"الرياضيات"، ولم أدخل ملعبا رياضيا لمشاهدة مباراة من أي نوع منذ أن بارحت الصف الثاني في المرحلة الثانوية. وقد سردت عليكم في آخر مقال لي هنا حكاية اللورد البريطاني الذي بدد مئات الملايين بسبب إدمانه المخدرات، وكنت في بداية ذلك المقال قد قلت إن الإدمان أشكال وألوان، وإنه ليس بالضرورة متعلقا بمواد محظورة او خطرة على الصحة.. نعم فهناك مدمنو كرة القدم ولكن ليس بمعنى أنهم يمارسونها بانتظام، بل إن مدمن كرة القدم قد يكون جاهلا بفنونها، وكل ما هناك هو أنه لا يفوت مباراة، فيرتاد ملاعب الكرة او يجلس أمام شاشة التلفزيون كأبي الهول وعيناه مسمرتان على تلك البالونة المستديرة، او صور اللاعبين المعلقة على جدران غرفته، ويصل الإدمان أقصى تجلياته عندما يكون الشخص مشجعا لناد رياضي معين. قبل سنوات قليلة قامت طائرة بهبوط اضطراري في مطار صغير الى الشمال من ليما عاصمة جمهورية بيرو، وكان قائد الطائرة قد أبلغ سلطات مطار بيورا أن وقود الطائرة نفد وأنه لا يستطيع مواصلة الرحلة فهرع رجال الإطفاء والإسعاف الى المطار الصغير، ولكن الطائرة لامست الأرض بسلام وخلال دقائق كان 300 شخص قد خرجوا من جوفها وغادروا أرض المطار دون ان يبدو عليهم أي أثر للجزع الذي لابد وأن يصيب كل من يكون على طائرة تقوم بهبوط اضطراري.. حقيقة الأمر هي ان الطائرة كانت تحمل مواطنين من جمهورية غامبيا في غرب أفريقيا وكان فريق بلادهم للشباب يخوض مباراته الأولى في العاصمة البيروفية ليما، ولما كان السفر الى بيرو لتشجيع الفريق يتطلب الحصول على تأشيرات والكثير من وجع الدماغ فقد استأجروا طائرة، واجتازوا المحيط الأطلسي ونصف قارة أمريكا الجنوبية ثم طلبوا من قائدها إقناع سلطات الطيران في بيرو بحكاية نفاد الوقود والنزول في مطار صغير ليس فيه إجراءات جوازات وهجرة، وهكذا تمكنوا من الوصول الى الملعب وتشجيع فريقهم وهو يخوض مباراة ودية ضد فريق محلي في الدرجة الثانية من الدوري الممتاز. وكان ضمن الذين وصلوا الى بيرو وشاركوا في إخراج الفيلم الهندي عن الهبوط الاضطراري مسؤول رفيع في حكومة غامبيا أبلغ المسؤولين في المطار أن من استأجر الطائرة هو رئيس غامبيا شخصيا. ع. ه. شاب خليجي لا تمل مجالسته، وحكى لي إنه كان يعمل في مستشفى كبير وذات مساء كان الفريق الذي يشجعه يخوض مباراة حاسمة ولكن ولسوء حظه كانت نوبة عمله في نفس وقت المباراة، فأقنع زميلا له بان يحل محله في العمل، وقبل ان يصل الزميل هذا الى موقع العمل كان ع.ه. قد غادر المستشفى، وشاءت الأقدار ألا يتمكن ذلك الزميل من الحضور الى المستشفى لـ "يغطي" غيابه، وفي اليوم التالي وقف ع.ه. أمام مدير الإدارة الذي سأله عن سر غيابه فقال: جدي كان تعبان ودخلوه العناية الفائقة في مستشفى خارج العاصمة، وكنت منزعجا وغادرت المستشفى.. هنا ضغط المدير على ريموت كونترول جهاز الفيديو، ورأى ع.ه. نفسه على شاشة التلفزيون وهو يرقص في الاستاد مرتديا زي النادي الذي كان يشجعه في اليوم الفائت. ولكن هل يتوب المدمن بسهولة؟ صاحبنا ع. ه. كان عقابه عن ترك العمل لمشاهدة مباراة كرة قدم خصم راتب أسبوع كامل، وكانت لي صلات طيبة مع عدد من كبار إداريي المستشفى الذي يعمل فيه وطلب مني أن أكون "واسطة" ليعيدوه الى وظيفته، فسألته عن كيفية فقدانه لوظيفته، فقال: الله يقطع الانترنت وسنين الانترنت، فقد كنت في مناوبة ليلية وأحسست بالملل فنزلت واختبأت تحت الكاونتر وصرت أشاهد لقطات من مباريات دوري الكرة الإسباني على يوتيوب، وضبطوني وصار ما صار، فقلت له إنه يحتاج إلى واسطة أقوى مني، وأوصيته باللجوء الى كرستيان رونالدو.

684

| 13 يونيو 2023

شم واشفط وتهبط وتسقط

قد يعتاد الإنسان على شيء ما طعاما أو شرابا أو سلوكا، حتى الإجرام يصبح اعتيادا ثم إدمانا، وإدمان القهوة يبدأ برشفة، وإدمان السجائر يبدأ ب"شفطة"، وإدمان أي شيء يبدأ ب"غواية"، ففي لحظة معينة يكون الإنسان مهيأ لقبول أشياء ما كان ليقبل بها في لحظات وظروف أخرى: "خد كأسا يعدل مزاجك" !! شمة واحدة من هذه البودرة وتنسي الماضي والآتي، وهكذا قد يؤدي الكأس الأول الى الكأس الثالث بعد الألف، والشمة المحاية التي تمسح الماضي وتجعل الحاضر ضبابيا، قد تحولك الى "شمام" محترف، ومن تفانين محبي الخمر أنهم يشجعون من لم يجربوا تعاطيه بزعم أنه دواء لكل داء، ومن إبداعاتهم التي ذكرتها في أكثر من مقال أنهم يقولون لمن يشكو من الإمساك أنه يجعل الجهاز الهضمي سالكا، ولمن يعاني من الإسهال أنه يكون بمثابة سدادة تمنع وصول فضلات الطعام من المعدة والأمعاء الى المستقيم والادمان لا يكون بالضرورة بتعاطي أشياء محرمة دينيا أو بحكم القانون أو حتى ضارة صحيا، إنه في أبسط تعريفاته نوع من الاعتياد على شيء معين بحيث يمثل الإقلاع عنه عنتا ومشقة عضوية أو نفسية. أنا شخصيا مدمن شاي وعلى استعداد لشرب عشرة أكواب من الحجم الكبير منه يوميا، ورغم ان الشاي مفيد للجسم/ الصحة إلا انني لم أكن مرتاحا لكوني "أدمنه" فالمدمن مُستعبَد، ثم انتبهت إلى أنني لست "مدمن شاي"، لأن ظروفا معينة قد تحرمني من شربه فلا أحس بضيق أو صداع، ولكن جميع أشكال الإدمان كوم وادمان المخدرات كوم آخر، فمدمن المخدرات يتحول الى شخص ماكر وغادر حتى تجاه أقرب الناس اليه، خاصة وان المخدرات باهظة التكاليف، وفي الصحف حكايات شبه يومية عن مدمنين يقتلون آباءهم وأمهاتهم من أجل دريهمات يشترون بها جرعة واحدة من المادة التي يدمنونها. سأحكي لكم اليوم حكاية جون هيرفي سليل أسرة من النبلاء، ويحمل لقب ماركيز، وكان يقيم في بيت يتوسط أرضا زراعية مساحتها 30 ألف إيكر (الإيكر الواحد نحو 4000 متر مربع) في مقاطعة إيست انجليا بانجلترا، وحتى قبل سنوات قليلة كان الكاش الذي في حسابه المصرفي نحو خمسين مليون دولار.. ومات هيرفي عن 44 عاما بعد حياة حافلة بالفرفشة والسفر الى مختلف المصايف الجميلة.. مات بعد ان تعطلت عنده وظائف الكبد والكلى والرئة دفعة واحدة! والسبب هو الكوكايين والهيروين.. وبعد موته اكتشف أقاربه انه لا يملك في حسابه المصرفي حتى ما يغطي نفقات جنازته.. يعني باع بيته وكل تلك المساحات الشاسعة من الأراضي، وباع التحف والأناتيك التي توارثها أفراد أسرته عبر القرون، وكما يحدث لكل السفهاء فقد انتهى الأمر بجون هيرفي في سنواته الأخيرة وهو يدفع أجرة شهرية ليقيم في جزء بائس من المزرعة الضخمة التي ورثها عن أجداده.. ثم عجز عن سداد الأجرة فتم طرده بقوة القانون وإدمان المخدرات يجرد الإنسان من القيم والمُثُل، وهكذا اضطر هذا "النبيل" الذي كان يحمل لقب لورد بريستول الى تهريب المخدرات وبيعها بالجملة والقطعة لكسب المال، ووقع في قبضة الشرطة ودخل السجن.. وإذا رجعت عزيزي القارئ الى مساحة الأرض التي كان هيرفي هذا يملكها ووضعت لها قيمة تقديرية ستعرف ان الرجل الذي مات وعمره 44 سنة بدد بسبب المخدرات أكثر من مليار دولار!! لماذا سردت عليكم حكاية هذا الرجل الذي رحل عن الدنيا غير مأسوف عليه؟ فعلت ذلك كي تدرك ان الحكايات الطريفة التي تسمعها عن المساطيل تخفي مآسي بشعة، وإذا كنت تود الإسهام في مكافحة المخدرات فلا تردد نكات المساطيل والحشاشين لأن تلك النكات توحي بأن المخدرات تجلب الانبساط وتجعل من يستخدمها خفيف الدم والظل، بينما هي في حقيقة الأمر تجعله "أهبل"

831

| 06 يونيو 2023

شم واشفط وتهبط وتسقط

قد يعتاد الإنسان على شيء ما طعاما أو شرابا أو سلوكا، حتى الإجرام يصبح اعتيادا ثم ادمانا، وإدمان القهوة يبدأ برشفة، وإدمان السجائر يبدأ بـ "شفطة"، وإدمان أي شيء يبدأ بـ "غواية"، ففي لحظة معينة يكون الإنسان مهيأً لقبول أشياء ما كان ليقبل بها في لحظات وظروف أخرى: خد كاس يعدل مزاجك!! شمة واحدة من هذه البودرة وتنسى الماضي والآتي، وهكذا قد يؤدي الكأس الأول الى الكأس الثالث بعد الألف، والشمة المحاية التي تمسح الماضي وتجعل الحاضر ضبابيا، قد تحولك الى "شمام" محترف، ومن تفانين محبي الخمر أنهم يشجعون من لم يجربوا تعاطيه بزعم أنه دواء لكل داء، ومن إبداعاتهم التي ذكرتها في أكثر من مقال أنهم يقولون لمن يشكو من الإمساك أنه يجعل الجهاز الهضمي سالكا، ولمن يعاني من الإسهال أنه يكون بمثابة سدادة تمنع وصول فضلات الطعام من المعدة والأمعاء الى المستقيم والادمان لا يكون بالضرورة بتعاطي أشياء محرمة دينيا أو بحكم القانون أو حتى ضارة صحيا، إنه في أبسط تعريفاته نوع من الاعتياد على شيء معين بحيث يمثل الإقلاع عنه عنتا ومشقة عضوية أو نفسية. أنا شخصيا مدمن شاي وعلى استعداد لشرب عشرة أكواب من الحجم الكبير منه يوميا، ورغم ان الشاي مفيد للجسم/ الصحة إلا انني لم أكن مرتاحا لكوني "أدمنه" فالمدمن مُستعبَد، ثم انتبهت إلى أنني لست "مدمن شاي"، لأن ظروفا معينة قد تحرمني من شربه فلا أحس بضيق أو صداع، ولكن جميع أشكال الإدمان كوم وادمان المخدرات كوم آخر، فمدمن المخدرات يتحول الى شخص ماكر وغادر حتى تجاه أقرب الناس اليه، خاصة وان المخدرات باهظة التكاليف، وفي الصحف حكايات شبه يومية عن مدمنين يقتلون آباءهم وأمهاتهم من أجل دريهمات يشترون بها جرعة واحدة من المادة التي يدمنونها. سأحكي لكم اليوم حكاية جون هيرفي سليل أسرة من النبلاء، ويحمل لقب ماركيز، وكان يقيم في بيت يتوسط أرضا زراعية مساحتها 30 ألف إيكر (الإيكر الواحد نحو 4000 متر مربع) في مقاطعة إيست انجليا بانجلترا، وحتى قبل سنوات قليلة كان الكاش الذي في حسابه المصرفي نحو خمسين مليون دولار.. ومات هيرفي عن 44 عاما بعد حياة حافلة بالفرفشة والسفر الى مختلف المصايف الجميلة.. مات بعد ان تعطلت عنده وظائف الكبد والكلى والرئة دفعة واحدة! والسبب هو الكوكايين والهيروين.. وبعد موته اكتشف أقاربه انه لا يملك في حسابه المصرفي حتى ما يغطي نفقات جنازته.. يعني باع بيته وكل تلك المساحات الشاسعة من الأراضي، وباع التحف والأناتيك التي توارثها أفراد أسرته عبر القرون، وكما يحدث لكل السفهاء فقد انتهى الأمر بجون هيرفي في سنواته الأخيرة وهو يدفع أجرة شهرية ليقيم في جزء بائس من المزرعة الضخمة التي ورثها عن أجداده.. ثم عجز عن سداد الأجرة فتم طرده بقوة القانون. وإدمان المخدرات يجرد الإنسان من القيم والمُثُل، وهكذا اضطر هذا "النبيل" الذي كان يحمل لقب لورد بريستول الى تهريب المخدرات وبيعها بالجملة والقطعة لكسب المال، ووقع في قبضة الشرطة ودخل السجن.. وإذا رجعت عزيزي القارئ الى مساحة الأرض التي كان هيرفي هذا يملكها ووضعت لها قيمة تقديرية ستعرف ان الرجل الذي مات وعمره 44 سنة بدد بسبب المخدرات أكثر من مليار دولار!! لماذا سردت عليكم حكاية هذا الرجل الذي رحل عن الدنيا غير مأسوف عليه؟ فعلت ذلك كي تدرك ان الحكايات الطريفة التي تسمعها عن المساطيل تخفي مآسي بشعة، وإذا كنت تود الإسهام في مكافحة المخدرات فلا تردد نكات المساطيل والحشاشين لأن تلك النكات توحي بأن المخدرات تجلب الانبساط وتجعل من يستخدمها خفيف الدم والظل، بينما هي في حقيقة الأمر تجعله "أهبل".

3123

| 30 مايو 2023

نصحني بزوجة احتياطية

بحمد الله، لست كثير الشكوى حتى في حال المرض والضيق، بل ابتعد عن كل من يحترف الشكوى من اعتلال الصحة أو قلة المال أو عدم نيل ترقية، كما أنني لست ميالا لتقديم النصح لمن لا يطلبه مني، ما لم تكن تربطني به علاقة دم أو مودة قوية، وفي نفس الوقت لا أستشير أحدا خارج العائلة في أمر عائلي "خصوصي"، إلا أن هناك من يتطوع بين الحين والآخر لإسداء نصح لم أطلبه، ومن المشاكل التي شغلت بالي لحين طويل من الزمان الحالة الصحية لزوجتي، فبسبب انضغاط عصب في منطقتي العنق والظهر فإنها تعاني من آلام متواصلة تمنعها في أحيان كثيرة تصريف بعض شؤون البيت، (ومن ثم فأنا والعيال نتعرض لأوامرها التي لا تنتهي، لأنها تحب النظام والترتيب، في حين أنني وعيالي لا نبالي بالفوضى ونستمتع بها أحيانا)، ومعاناة زوجتي تلك ليست سرا، بل إن جميع أقاربنا وأصدقائنا يعلمون بها، وهي على كل حال ليست طريحة الفراش ولا عاجزة عن الحركة وكل ما هناك هو ان المجهود الجسماني لمدة طويلة يسبب لها آلاما مبرحة، فنحرص من ثم على تجنيبها المهام الصعبة، ونخرسها بأقراص طبية تسكت الألم واللسان. وقبل حين من الزمان سألني صديق عن أخبار المدام وصحتها، فقلت له الحمد لله حالتها مستقرة طالما أنها مرتاحة جسديا. وبدأ صاحبنا يقول كلاما طيبا عن أهمية دور الزوجة والأم في رعاية شؤون الزوج والعيال والبيت، وقال ان كل من يعرف زوجتي يمدحها لكونها سيدة طيبة وخلوقة و"خدومة" وتعرف الواجب. ولحدِّ هنا كويسين! ولكنه تحدث عن ضرورة قيامي بمبادرة لتخفيف العبء على زوجتي فقلت له إنني طفت بها مستشفيات أربع قارات بحثا عن مخرج غير جراحي يعالج آلامها. وأحس صاحبنا أنني غبي فدخل في "الموضوع" وقال انه يرى ان من حقي أن أتزوج بأخرى ترعى شؤوني وشؤون عيالي، وتساعد المدام في تصريف شؤون البيت. قلت له بالحرف الواحد: هل تعتقد انني كنت جاهلا بحقوقي في التثنية والتثليث والتربيع، وكنت في انتظار شخص فاعل خير عبقري مثلك لينبهني إليها! ولأن الشخص الحشري بارد بطبعه فقد رد علي بقوله: الإنسان ومهما بلغت درجة وعيه قد لا يتوصل إلى حل لمشكلاته بينما الحلول متاحة!. سأحدثكم عن عيب كبير في شخصيتي: بصفة عامة أنا ميال للمرح والفرح ولكنني سريع الاشتعال عندما يتخطى من يتعامل معي الخطوط الحمراء للتهذيب والاحترام، وهناك أناس لا أطيقهم، أولهم المتغطرس، ثم الغبي الذي يتذاكى، ثم الجلف قليل الذوق ثم فيفي عبده، ثم فلاديمير بوتين والكوسا! نظرت الى صاحبي ذاك لنحو عشر ثوان مستعيذا من الشيطان لأن أول ما خطر ببالي عندما اقترح عليّ الزواج بأخرى هو أن أصفعه! أو أصيح فيه: فِز واطلع من بيتي، ولكنني لعنت إبليس وأخذت نفسا عميقا وقلت له: أتزوج على زوجتي لأنها تعاني من آلام تمنعها أحيانا من تصريف شؤون البيت؟ هب أنها كانت أو صارت معاقة – لا قدر الله- هل تعتقد أنني سأخفف وقع آلامها ومعاناتها بالزواج بثانية؟ ثم طالما أن الزواج بأخرى يتعلق بمساعدة زوجتي على إدارة الشؤون المنزلية هل تقترح لي الزواج بـ "الخدامة"؟ أم أن لديك قريبة بائرة وصلاحيتها منتهية وتريد أن تشبكها في رقبتي!، حاول الرجل ان يؤكد لي ان قلبه عليّ وأنه اقترح موضوع الزواج "لمصلحتي"، فسألته: ومن أعطاك حق رعاية مصالحي؟ وهل تعتقد انك أكثر مني رجاحة عقل حتى تعطي نفسك حق الوصاية علي. وقلت له في ما قلت: حتى لو سمعت بوفاة زوجتي إياك ان تقترح علي الزواج. أدرك الرجل ان استمراره في مناقشة ذلك الموضوع سينتهي به في قسم العناية الفائقة في المستشفى، فاعتذر لي وخرج ولم يعد، بعد أن عرف أن زوجتي ليست هيونداي او تويوتا او بي أم دبليو أستبدلها او "أركنها على جنب" إذا أصيبت بعطل.

2118

| 23 مايو 2023

ادنبره تستأهل الحب

المسافة بين مدينة غلاسغو ومدينة أدنبره عاصمة اسكتلندا لا تزيد على أربعين دقيقة بسيارة تعبانة، ولكن ما أن تصل إلى أدنبره حتى تدرك أن المسافة بينهما كالمسافة بين العالم العربي والعلوم الحديثة، فأدنبره مدينة بارعة الجمال. وهي بأكملها عبارة عن متحف ضخم تشم فيه رائحة نضال الشعب الأسكتلندي للانعتاق من ني ر الاستعمار الانجليزي على مدى قرون طوال، وفيها تلتحم العراقة بالخضرة والماء (لا أجزم بأمر حسن الوجوه فيها)، فتكون النتيجة ملحمة جمالية مبهرة. وربما سمع القارئ بأدنبره بوصفها مسقط رأس النعجة دوللي وهي أول حيوان تم استنساخه في التاريخ. وسألت عن تلك النعجة خلال زيارتي الأخيرة للمدينة، فعرَّضت نفسي للسخرية لأنني لم أسمع بوفاتها ولم أقم بواجب العزاء. المهم أن أي عربي يزعم أنه يزور بريطانيا للسياحة والترويح عن النفس ثم يتسكع في لندن دون غيرها، إما «مستهبل» أو يخدع نفسه أو نواياه غير شريفة!! فمن يريد السياحة والترويح عن النفس بالغزل عليه بمقاطعة البحيرات (ليك ديستريكت) ثم أدنبره. تتغزل في إيه وللا إيه؟ تصبح عينك زائغة، وتظل تتلفت حتى تصاب عيناك بشد عضلي. لا تجعل خيالك يودي ويجيب ويروح لبعيد، فأنا أتكلم عن التغزل في الطبيعة. والمعمار الذي في غاية الابهار، وفي صيف كل عام تستضيف أدنبره مهرجاناً ثقافياً رائعاً يجعل كل زاوية في قلبها تنبض بالجمال والموسيقى المحلية الرائعة - موسيقى القِرَب التي يعزفها رجال قليلو الحياء يرتدون تنانير (اسكيرتات) لا تغطي الركبة، ولكن ما أن تتحرك الأصابع على مزامير القربة هبوطاً وصعوداً حتى يتغلغل سحر اسكتلندا وخصوصيتها إلى خلاياك. لدينا منذ نحو قرن فرقة لموسيقى القرب تابعة للجيش السوداني وكانت في الأصل تابعة للفرقة الأسكتلندية المرابطة في السودان خلال الحكم البريطاني، وأفضل فرقة لتلك الموسيقى خارج إسكتلندا في عالم اليوم هي تلك التي تتبع لجيش سلطنة عمان. كنت مأخوذا بجمال قلعة أدنبره الشهيرة والحديقة البديعة المحيطة بها عندما تدفق الآلاف صوبها في طوابير منتظمة، ولا شيء يعكنن مزاجي مثل الطوابير والانتظار، مما يؤكد أنني أحمل جينات عربية كثيرة رغم أنني نوبي الأصل واللسان، وكانوا يصطفون لحضور ما قالوا إنه ال»تاتو»، وضحكت لبلاهتهم لأن التاتو هو الوشم، وما من شيء يعكنني مثل الوشم على جسم انسان، أو قرط (حَلَق) في أُذن رجل! أنا لا أفهم لماذا تثقب امرأة أذنها وتعرض نفسها للآلام والالتهابات من أجل وضع حلقة في أذنها، فكيف أقبل ذاك من رجل يفترض أن يعرف أن لكل جنس زينته الخاصة؟ وهكذا كان مفهوماً أن أسأل رفاقي السودانيين المقيمين في أدنبره عن سر بلاهة الاسكتلنديين الذين يصطف الآلاف منهم من أجل التاتو، فقالوا لي: أنت الأبله، لأنه من المعروف عالمياً أن التاتو هو عرض عسكري موسيقي سنوي تشتهر به أدنبره، وأن تلك الآلاف أتت لتتفرج على جيش عريق ذي تقاليد راسخة ولن أنسى ما حييت كيف أن التاتو تغلغل الى وجداني بدرجة أنني صرت اسكتلندي الهوى، وزرت الإقليم عدة مرات بعد ان اكتشفت ان الاسكتلنديين ودودون وبسطاء بعكس الإنجليز الذين كلما عاشرتهم ازددت نفورا منهم، ثم كان ما كان من أمر تصويت البريطانيين لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي مؤخرا، فصار من المرجح أن يصوت الاسكتلنديون لصالح الانفصال عن بريطانيا، وكسوداني لديه خبرة واسعة في تشكيل حركات «التحرير»، فإنني على استعداد لمساعدة اسكتلندا على الانفصال مقابل مكافأة رمزية هي الفوز بجواز سفر اسكتلندي لأنني بصراحة «ملّيت التحرير»

3468

| 16 مايو 2023

وظلمت الفتاة الفرنسية

سبحان الله، قد يعيش البعض المعجب بكل ما هو غربي بين العرب طول عمره، وهو لا يكف عن الشكوى منهم: أجلاف.. متخلفون.. متعنطزون.. على الهبشة، أي أن الواحد منهم سريع الاشتعال والانفعال، ثم يذهب إلى عاصمة أوروبية مثلا، فيحس بالطمأنينة كلما أدرك أن حوله آلافا مؤلفة من العرب، فيجد نفسه منجذبا إليهم، وهم منجذبون إليه. بشاشة متبادلة: انت منهم، وهم منك. أشخاص لا يعرفونك يهتفون كلما مروا بك: يا هلا.. حي الله.. السلام عليكم.. منتهى المودة والذوق، وخلال زيارة للندن رأيت عربياً سرقت حافظة نقوده فجلس على الرصيف يبكي. توقف عنده شخصان، ثم خمسة، ثم عشرة، وأدخل أحدهم يده في جيبه وقدم له ورقة مالية، وحذا الآخرون حذوه، وخلال دقائق كان نحو اربعين عربياً مروا مصادفة بذلك المكان قد تبرعوا للرجل المنكوب حتى ارتفع صوته بالبكاء الذي يرطب القلب: شكرا يا جماعة.. هذا المبلغ اللي جمعتموه أكثر من اللي انسرق مني، وكان مشهداً رائعاً عندما عانق الرجل تلك العشرات ونال من البوسات مثل ما نال من النقود. على ذكر البوسات، سبق لي مرارا أن ناشدت اصدقائي الخليجيين عدم بوسي عند تبادل التحية معي، وأن يتذكروا دائما انني جعفر عباس، الذي لا يبوس ولا ينباس، ومع هذا لم تُكتب السلامة من البوسات الا بقدوم الفك المفترس كوفيد 19، رافعا لواء الكورونا، فصرت أندفع نحو زملائي القطريين في مكان العمل لأشبعهم بوسا على الخدود والخشوم، فيهربون طلبا للسلامة، وهكذا وقعت معهم معاهدات عدم اعتداء في عصر الكورونا وما بعدها. ثم كان ما كان في مدينة ديزني - باريس، عندما ذهبت إلى موظفة الاستقبال في الفندق لأسألها عن كيفية الوصول إلى قلب المدينة، فطفقت تبرطم بالفرنسية، وتردد بين الحين والآخر عبارات مثل «بوس تروا»، و»بوس ست»، قلت لها بالعربية: يا قليلة الحياء.. أنا مش بتاع حاجات زي دي.. أنا أبو الجعافر بن عباس الذي لا يبوس ولا ينباس، وتأتين أنت أيتها الفرنسية الملسوعة المزلوعة الكلكوعة لتعرضي على (بوس تروا). ثلاث بوسات، ثم، وبكل بجاحة ووقاحة تضاعفين العدد إلى (بوس ست) أي ست قبلات/ بوسات دفعة واحدة، كي يتسنى لك التباهي بأنك فزت بها من حفيد عنترة فارس بني عبس، وتزعمين أنك نلت ما لم تنله عبلة الخبلة من جده عنترة؟ ولحسن حظي فقد كانت معي بنتي التي تجيد الفرنسية، ولكنها خجولة، ولا تحب التعامل مع الغرباء، واستنجدت بها، بل وبكل صراحة أمرتها أن تهب لتدافع عن «شرف بابا»، وحكيت لها ما حصل فضحكت وقالت: ما تخاف يا أبوي، لن تبوس ولن تنباس، لأن (بوس) بالفرنسية تعني (باص / حافلة) وكانت تحدثك عن ركوب البوس رقم ثلاثة، ثم رقم ست أي سبعة وليس «ستة» كما ظننت. الاحكام المسبقة على الشعوب والأفراد توقع الإنسان في الحرج والخطأ. ففرنسا في الخيال العربي هي بلد العري والجنس والتبرج وهكذا أسأت الظن بفتاة كانت تريد مساعدتي، وفي مدينة ديزني في باريس، توجهت إلى الحمامات الرجالية، وفوجئت بسيدتين تقفان بداخلها، فظننت أنني أخطأت - ولي سوابق في هذا المجال بسبب تشتت الذهن وعدم التركيز - فانسحبت وأنا أحس بالحرج ودخلت إلى الحمامات (المقابلة) وهناك وجدت طابورا من النساء يبتسمن في وجهي، وفهمت من برطمتهن أنني أيضاً في الحمام الخطأ وخرجت وأنا في حجم السمسمة، ونظرت إلى لافتة الحمامات التي دخلتها في المرة الأولى، فوجدت أنها فعلاً رجالية، ولكن المرأتين كانتا لا تزالان تقفان أمام أحواض الغسيل هناك. كانتا عاملتي نظافة، ومع هذا لم أدخل تلك الحمامات: يا فرنسيين يا بتوع الحضارة، لماذا تكلفون نساء بتنظيف حمامات الرجال؟ ويا رجال أوروبا المتحضرة، كيف تدخلون حمامات تقف أمام أبوابها نساء مندمجات في الونسة؟.

1821

| 09 مايو 2023

بلا جراحة بلا ليزك

استغل بعض الأطباء هوى الناس بجمال الشكل، وتخصصوا في ترقيع الجسم البشري وبموازاة ذلك نشط طب العيون في الترويج لعمليات الليزك التي تُغني البعض عن استخدام النظارات لتعويض ضعف النظر، وشخصيا ما من شيء يضايقني في حياتي اليومية مثل ارتداء النظارة الطبية على مدار الساعة، بدرجة أنني أحياناً أنام بها لأن أحلامي بدونها صارت ضبابية، وأستيقظ وأنا لا أذكر ملامح الناس والأشياء التي رأيتها فيها (الأحلام)، ومع هذا أتحدى من رآني بدون نظارة ولو لخمس ثوان، ما لم يكن ذلك لغسل وجهي، فقد صار الأمر بالنسبة لي إدماناً من جهة، وخوفاً من الجراحة المعروفة بالليزك من جهة أخرى، فهذه الجراحة تساعد الكثيرين على التخلص نهائياً من قصر النظر والنظارة، ولكن يتم إجراؤها بأشعة الليزر، وهذه الأشعة تستخدم كسلاح دمار يخترق أعتى التحصينات الكونكريتية المسلحة، فهل يعقل أن يجازف رجل شجاع مثلي من نسل عنترة بتسليم عينه لشخص ما ليخترقها بالليزر؟ وفي الاعتراف فضيلة، فأنا مثل عادل إمام أخاف من الأرنب فكيف بي إذا طلع لي أسد، ويحضرني هنا الشاعر العربي الذي قال إنه يخاف البحر لأنه يخشى المعاطب "طين أنا وهو ماء / والطين في الماء ذائب" طيب ستقول ولماذا لا تستخدم العدسات اللاصقة؟ عندما أرى شخصاً يضع أو ينزع عدسة لاصقة من عينه فإن شعر جسمي كله يشكل زاوية قائمة مع جلدي وأحس بقشعريرة، لأنني أتذكر كيف أن نزع اللصقات الطبية من الجلد تسبب ألما شديدا، فكيف يتحمل إنسان أن يضع جسماً غريباً على عينه الهشة الطرية؟ والأمر الآخر هو أن استخدام النظارة لسنوات طويلة جعل عيني شرق آسيوية، أي ذابلتين مثل خدي عبد الله بلخير، مما يجعل النظارة (سترة)! وبالمناسبة فقد لا يكون سراً لدى بعضكم أن معظم مذيعات المطربات والممثلات عيونهن مزورة، أقول هذا كشخص قضى العديد من سنوات عمره عاملاً في المجال التلفزيوني ودرس جانبا من صناعة السينما. راقب أي واحدة منهن لعدة أيام، وستكتشف أن عينيها اللتين كانتا خضراوين يوم السبت صارتا عسليتين يوم الثلاثاء (لثقافتك العامة افتح جواز سفر قديما لأي سوداني وستجد أن طوله 5 أقدام و6 بوصات ولون عينيه عسلي. قلت "قديم" لأن السودان لحق بالعصر في مجال جوازات السفر الإلكترونية منذ عشر سنوات). يشترين العدسات اللاصقة بالكرتون، فقد صارت الموضة أن يكون لون العين مثل لون الفستان والجزمة. المهم لديَّ أخبار سارة لمن يرتدون النظارات ويتضايقون منها: تستطيع قضاء يومك كله بدون نظارة ونظرك 20/20 رغم أنه في واقع الأمر 8/20!! كيف؟ البركة في الـ (أورثوكيرتولوجي). ما عليك من هذا الاسم الذي يسد النفس بل عليك بوضع عدسة معينة داخل عينك ليلاً فتصحو في اليوم التالي وبصرك حديد. شايف كل شيء بوضوح كامل بدون نظارة. ما زلت تسأل كيف؟ ينجم قصر النظر عن عدم تركيز بؤرة الضوء على شبكية العين على النحو الصحيح وتتولى النظارة والعدسة اللاصقة معالجة ذلك القصور، وتقنية الأورثوكيرتولوجي تقوم على استخدام عدسة من نوع خاص تتولى تسطيح القرنية (جعلها مسطحة ومنبسطة) دون الحاجة إلى تدخل جراحي، وبينما يعارض أطباء العيون استخدام العدسات لمن هم دون الثامنة عشرة فإن العدسات الجديدة هذه تصلح لكافة الأعمار، لكن للأسف لا يمكن استخدامها بطريقة القيافة والهيافة التي تستخدم بها العدسات اللاصقة العادية بل لابد من الذهاب إلى طبيب عيون متدرب على هذه التقنية ليستخدم جهازا لرسم خارطة لسطحَيْ عينيك ليتم تفصيل العدسة على مقاسيهما. وإذا رأيت أن الاستغناء عن النظارة يستحق أن تنام كل ليلة مدى الحياة مرتديا عدسة، فهنيئاً لك بما توصل إليه الأورثوكيرتولوجي بتسعيرة تتراوح حالياً بين 1000 و1500 دولار! أما إذا كنت مفلساً فعليك بطريقة بلدية ما زال بعض الصينيين يستخدمونها لعلاج ضعف النظر: يربطون على عيونهم أكياس رمل صغيرة عند النوم ويزعمون أن الإنسان يصحو ونظره أكثر قوة وحدة. (ولا تقل لي إن عيونهم "مضروبة") Jafabbas19@gmail.com

1236

| 02 مايو 2023

كم كلمة تجعل منك مثقفا

عشت سنوات طويلة كنت خلالها أعتقد أن "الأوزون" من مشتقات البترول، فعلى عهدنا بالدراسة لم يحدثنا أحد عن هذا الشيء لا في حصص الجغرافيا ولا في حصص التربية البدنية، ولا يعني هذا أنني أعرف عنه الكثير الآن، فكل الذي أعرفه عنه إنه شيء موجود في الكون، وأنه تعرض إلى كثير من التلف بسبب التلوث الناجم عن أدخنة المصانع في الدول المتقدمة. وأعرف أيضاً أن توسيع ثقب الأوزون، بل أن نسف الأوزون، سيرفع درجة الحرارة على كوكب الأرض بحيث يضطر الأوروبيون والأمريكيون إلى قضاء معظم شهور السنة في بلداننا حاملين معهم أكياس العملات الصعبة لأن الحر عندنا سيظل محتفظاً بـ "أصالته" بينما سيكون الحر عندهم "مفبركاً" وخانقاً. وإنني وعبر هذه الزاوية أهيب بشعوب العالم الثالث أن تعمل على تطوير الأسلحة اللازمة لقصف الأوزون حتى يزول نهائياً فترتفع درجة الحرارة، ويذوب القطب الشمالي، وتبتلع المياه معظم أجزاء أوروبا فيضطر سكانها إلى اللجوء إلينا، نحن أهل الجنوب، حاملين معهم مصانعهم، فنريهم النجوم في عز الظهيرة في المطارات، وبعد ذلك نسمح لهم بالعمل لدينا كأجراء "لا شركاء"، عملا بوصية صاحب مقولة "زنقة، زنقة، بيت، بيت"، سيئ الذكر معمر الجزافي، فتختفي بذلك الهوة بين الشمال الغني والجنوب الفقير ونصبح "كلنا في البؤس شرق"!! ورغم جهلي بشؤون الأوزون إلا أنني أحسن حالاً من صاحبنا الذي كان يعتقد أن الديموقراطية نوع من الأمراض الجلدية المعدية والفتاكة، ويقول صاحبنا إن ما عزز عنده هذا الاعتقاد أنه سمع عبارة "أن علاج الديمقراطية هو المزيد من الديمقراطية"، فقد فهم صاحبنا من هذه العبارة أن التطعيم بمصل واقٍ يمنع الإصابة بالديموقراطية لأنه كان يعرف أن التطعيم هو تزويد الجسم بجرعة من الميكروب أو الطفيل الذي يسبب مرضاً بعينه، وقياساً على هذا فأن حقن الجسم بمصل "الديمقراطية" يمنع الإصابة بالديموقراطية. ولسبب لا أفهمه كان أحد أقربائي يربط "عدم الفهم" بسنغافورة، فإذا قلت له شيئاً حسب أن القصد من ورائه هو "الاستغفال"، أو "الاستهبال" فأنه يرد عليك: فاكرني من سنغافورة؟ (هل تحسبني من سنغافورة؟)، وقد فشلت كافة المحاولات لإقناعه بأن أهل سنغافورة أذكياء وممتلئون حركة ونشاطاً، وأنهم يجنون الثروات من بيع كل شيء، بما في ذلك الاوكسجين. كل ذلك من دون طائل، فإذا أراد قريبنا هذا أن يصمك بالغباء فإنه يقول إن مكانك الطبيعي هو سنغافورة! ورغم أن الكل كان يرد على ذلك بعبارة "يا ريت" فإنه لم يتنازل إلى يومنا هذا عن موقفه مما يدل على أنه "ينتمي إلى سنغافورة"... بمفهومه هو بالطبع!! وأجمل مافي هذا كله أنني مع جهلي بأمر الأوزون، وصاحبي الديمقراطي، وقريبي السنغافوري، جميعنا "مثقفون" لأن العبرة ليست بالمعاني، بل بالعبارات والألفاظ والأسماء الرنانة. فإذا صعدت إلى منبر وأعلنت أمام الملأ وأنا متسلح بنظارتين وكرافته "إن معهد انزايم في ولاية سامبدوريا الأمريكية توصل إلى أن الفسيخ يحوي كاربوهيدرات البلوتونيوم مما يجعله خطراً على الأوزون والبروتون"، فإن جملة مثل هذه كفيلة بتوصيلي إلى استوديوهات التلفزيون لإجراء حوارات ب"الشيء الفلاني"، وصالات الفنادق الفخمة لتناول الوجبات المجانية. (كم يساوي "الشيء الفلاني" تقريبا؟) باختصار فإن بضع كلمات طنانة مطعمة بمفردات أفرنجية تكفي لايصال قائلها إلى غايات المجد وارضاء نزعاته الشوفينية *، باعتبار هذه الكلمة الأخيرة مشتقة من اللفظة العامية "شوفوني". ولا يعرف كثير من المثقفين أن أصل الكلمة يعود إلى منطقة "الشوف" في لبنان، التي يشتهر أهلها بالعصبية الزائدة في انتمائهم الإقليمي والقومي والدولي، ويعود الفضل في انتشار الكلمة إلى الحزب الشيوعي اللبناني الذي عجز عن بناء خلايا في الشوف فأصبح يصف كل من يرفض عضويته بأنه "شوفيني". * لعلم القارئ الذي لم يسمع بهذا الكلمة فإنها تعني على وجه العموم التعصب القومي/ الوطني الأعمى مقرونا بالاستعلاء. Jafabbas19@gmail.com

3150

| 25 أبريل 2023

الطلب الذي جنّن الجن

كان أحد أبناء ديار عدنان وقحطان، المنتشرين في المهاجر بعد أن ضاقت بهم مواطن الأجداد، يجلس قرب شاطئ البحر في موطنه الجديد اليونان، وهو يندب حظه الذي رماه في البلد الأوروبي الوحيد، الذي ينتمي اقتصاديا للعالم الثالث، متسائلا: هل أنا يا بحر منكا/ أصحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟ أم ترى ما زعموا زورا وبهتانا وإفكا؟ هل كنا بالفعل ذات يوم سادة البحار والبراري، يقودنا البواسل الضواري أم ان المسألة كلها «إخرطي»؟ وحتى لو كان ذلك صحيحا فلماذا صار الحال يغني عن السؤال؟ ثم رأى جرة محكمة السداد، قذفت بها الأمواج إلى الشاطئ فداعبت الآمال خاطره: ياما أنت كريم يا رب، ربما أجد بداخلها فسيخاً معتقاً أو مهياوه أو مخللا، أجد فيه طعم الوطن، وربما أجد تشكيلة من المعادن الثمينة والأحجار غير البخيلة، وتلفت يمنة ويسرة وتأكد له خلو الشاطئ من البشر، فاطمأن قلبه وفتح الجرة بيد مرتعشة وقلب مترقب، خاصة وأنه وجدها ثقيلة الوزن، فتسرب منها دخان خفيف ثم تشكل الدخان على هيئة كائن حي، فإذا به جني يعاني من سوء التغذية والهزال. ترنح الجني قليلاً ثم شكر صاحبنا العربي قائلاً إنه ظل رهن الاعتقال التحفظي في انتظار تقديمه للمحاكمة طوال 2345 سنة، بعد أن اتهمه زعيم الجن بضعف الولاء لثوابت الأمة الجنية، وظل طوال فترة الاعتقال محروماً من الطعام الجيد والرعاية الصحية ثم اختتم الجني حديثه بأن توسل إلى الرجل أن يأتيه بسندويتش فول وفلافل، وآخر شاورما. هنا لطم صاحبنا المسكين خده وصاح: أي تعاسة هذه؟ وعلى رأي المصريين «جات الحزينة تفرح ما لقتلهاش مطرح». غيري يخرج جنياً من القمم فيعطيه حق تمني ثلاثة أشياء، كما يشاء، بينما أحرر أنا جنياً فإذا به كحيان ومن مستحقي الزكاة ومن فرط خيبته لا يشتهي سوى الفول والفلافل والشاورما. الله يفلفلك ويشورمك. حتى الجرة خسارة فيك. لمح الجني الإحساس بالخيبة لدى صاحبنا، فقال له: لا تحزن يا من أنقذتني من الحبس، فعلى هزالي وبؤس حالي فإنني ملتزم بقواعد الجن في رد الجميل لمن يحررونهم، ولكنني غلبان وصلاحياتي محدودة، ولن أستطيع أن أُلبي لك سوى أمنية واحدة، وعليك بالتالي أن تفكر جيداً لتطلب ما تشتهيه نفسك. فما كان من فتى يعرب إلا أن انطلق إلى مطعم مجاور واشترى سندويتشين فول ومثلهما فلافل وثلاثة شاورما، فمنحه صاحب المطعم بعض المخلل كـ «بونص» أي منحة بلا مقابل. ولكن صاحبنا رأى أن تقديم المخلل للجني الهزيل قد يفتح شهيته فيطالب المزيد من الطعام، وربما يطلب سوشي أو كافيار، أو صنفا من الطعام لم يره هو إلا على الشاشات، فشكر صاحب المطعم وأعاد إليه المخلل وتوجه إلى شاطئ البحر حيث قدم السندويتشات إلى الجني الذي التهم السبعة في لقمة واحدة، ثم تجشأ كما يفعل كل من يأكل الفول المشهود له بتوليد غاز السيانيد السام في الرئتين مما يعرض مدمني الفول للسكتة الدماغية. بعد ذلك انفجرت أسارير الجني وقال لصاحبه: يللا لك أمنية واحدة أحققها لك، شبيك لبيك أنا بين يديك فكر العربي وقدر ثم قال: والله هاي فرصة أفتَّك من اليونان، وأمنيتي الآن أن أعيش في مدينة نيويورك، ولكن وبالنظر إلى خوفي من ركوب الطائرات، فإنني أريد منك أن ترصف لي شارعا من اليونان إلى نيويورك عبر البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، انتفض الجني حتى تحول إلى مارد: اسمع يا حمار، أعطيك فرصة لتحقق حلم حياتك فتطلب مني أن أزور جميع مصانع الأسمنت والحديد في العالم لأوفر المواد اللازمة لطريقك عديم الجدوى هذا؟ قاطعه العربي: أوكي مستر جني، لن أكون أنانيا في طلبي، فقط أرجو أن تشحن العرب سياسيا وعاطفيا كي يحرروا فلسطين. صمت الجني برهة وسأله: تريد طريق اليونان - نيويورك باتجاهين أم اتجاه واحد.

4887

| 18 أبريل 2023

احذروا غضب الحليمة

نبشت في أرشيفي من القصاصات الصحفية وعثرت على حكاية سيدة مصرية من منطقة ميت عقبة بالعجوزة بمحافظة الجيزة اسمها هويدا، ترملت وهي شابة، وأنصح القراء بالابتعاد عنها وعن مثيلاتها، لأنها كانت تواجه تهمة قتل زوجها، وملخص قضيتها هو أنها كانت متزوجة برجل وصفته بأنه «جِلدة/ قيحة» يعني بخيل جدا: البيت ما فيهوش لحمة. وما تنساش تجيب معاك رغيف مرحرح.. يا ولية انتي متعرفيش إن اللحمة فيها كولسترول وتسبب النقرس.. وبعدين فين الرغيف اللي اشتريناه يوم الأحد اللي قبل اللي فات؟ وتكرر المشهد والسيناريو حسب رواية هويدا، عندما سألها يوما ما عن وجبة الغداء فقالت له: منين يا حسرة وإحنا لينا أسبوع ما اشتريناش لا عيش ولا لحمة، فانفعل البعل واتهمها بالتبذير، ففقدت هويدا أعصابها بعد أن فاض بها الكيل وهجمت على الزوج وغرزت أسنانها في صدره، فصارت أرملة. يعني زوجها مات فورا. ولكن العض الذي مارسته هويدا لم يكن بطريقة أكلة لحوم البشر، بل اكتفت أن غرست أسنانها في صدره لبضع ثوان ثم تركته. يعني عضة على خفيف لم تسبب له نزفاً في الصدر ولم تنهش قطعة من صدره بل كانت عضة من النوع الذي يترك آثاراً بسيطة. نعم كانت عضة شخص (مقهور) وغاضب ولم تكن عضة «وحشية»، ولكن الرجل سقط جثة هامدة ونقلوه إلى المستشفى وقال الطبيب إن السبب المباشر للوفاة السكتة القلبية، ومن المؤكد أن العضة سببت تلك السكتة، ليس لشراستها، ولكن لأن البعل الراحل لم يصدق أن زوجته «النعجة» قادرة على التمرد المسلح ولو بالأسنان وهي التي لم تكن تحتج حتى باللسان إلا في حدود مقبولة كما هو الحال في معظم البيوت تابعت قضية هويدا ويسعدني أن أقول إنها انتهت على خير وتم إطلاق سراحها بعد اعتبار المدة التي قضتها رهن الاعتقال للاستجواب عقوبة كافية لانتفاء القصد الجنائي وسبق الإصرار والترصد، ولكن الدرس الذي يجب علينا نحن معشر الرجال أن نتعلمه من حكاية هويدا هذه هو: الفلوس رايحة رايحة.. اشتر راحة بالك وسلامتك بفلوسك، لأن ذلك الكائن الوديع الجالس أمامك والذي قد يرتجف أحياناً إذا رمقته بنظرة حادة قد يملك مخالب وأسناناً تسبب الفشل الكلوي أو انسداد الشرايين. والمرأة صبورة وطويلة البال، ولكن حكماءنا نصحونا بتجنب غضب الحليم، وأنا أنصحك بتجنب غضب «حليمة»، وكلنا سمعنا بزوجات قمن بتقطيع أزواجهن ترنشات بالساطور ووضعنهم في أكياس القمامة، وأفادت دراسات اجتماعية بأن أكثر من نصف الرجال في أحد البلدان العربية يتعرضون للضرب على أيدي زوجاتهم. وبالمناسبة فإنني لا أتهم أولئك الزوجات بالشراسة، فمن الثابت في الشرق والغرب وفي كل الملل والنحل أن المرأة أكثر رقة وحناناً ورحمة، وأقل ميلاً إلى العنف.. وفي معظم الأحوال فإن الزوجة لا تلجأ إلى العنف ضد الزوج إلا في حالتين: يفيض بها الكيل فتفقد السيطرة على أعصابها وتوازنها لأن في الزوج عيوبا كبيرة لم يفلح في معالجتها أو الإقلاع عنها، أو لأن الزوج ضعيف الشخصية (وما يجيش إلا بالضرب).. وأعرف رجالاً كثيرين يستأهلون الضرب بالجزمة القديمة: رجل يكفي دخله الشهري بالكاد لتوفير الخبز وينفق جانباً كبيراً منه على السجائر أو الخمر أو حتى شراء الجرائد.. نعم فشراء الصحف والكتب يكون ضرباً من السفه والبذخ إذا كان المشتري قليل الحيلة مالياً، وراتبه لا يكفي لشراء ضروريات الحياة لأفراد أسرته.. وكذلك الرجل الذي لا يقصر في أمور أناقته ومظهره الاجتماعي فيزور المطاعم الراقية ويشتري فاخر الثياب وزوجته حبيسة الجدران وتستحي حتى من زيارة أهلها كي لا يروها في الأسمال التي كانت قبل خمس سنوات ملابس زفافها. هذا لا ينفي أن هناك نساء شرسات، ولكن لجوء المرأة إلى العنف ضد الرجل يكون في غالب الأحوال بسبب عيب في الرجل... وبعيداً عن عالم الغم والضرب: يقال إن رجلاً قال لزوجته إنه قتل ثلاث ذبابات من الذكور وأنثى واحدة وسألته كيف عرف جنس الذباب، فقال إن الذكور كانوا يجتمعون فوق السكر بينما الأنثى كانت على المرآة.

4470

| 11 أبريل 2023

غريبات عن أصولهن وثقافتهن

من الأدلة القاطعة على أن الغربيين لا يفهمون الكثير عن تراث وتقاليد وعادات العرب والمسلمين، أنهم يحكمون عليهم بقشور الأمور، ويعممون السلوك السيئ لفرد مسلم على عموم المسلمين، ويعتبرون رفض المسلم لسلوكيات معينة شائعة في الغرب دليل تخلف، (وفي ذاكرة الكون كله التباكي الذي صاحب منافسات كأس العالم في قطر على حظر الشذوذ الجنسي)، فقبل عشرين ونيف سنة ما أن أفلح الأمريكان في الإطاحة بحكم طالبان في أفغانستان، حتى سمعنا عن شابة تشبه شعبان عبدالرحيم قررت خوض مسابقة ملكة جمال العالم، ثم تشكيل فريق نسائي لكرة القدم في أفغانستان، ولحين من الدهر طبلت صحف بريطانيا لسارة مندلي، لأنها قررت خوض مسابقة ملكة جمال انجلترا ولكونها أول مسلمة في تاريخ ذلك البلد تخوض تلك المسابقة. وسارة هذه ليست «خواجية/ غربية» بالميلاد، بل وصلت بريطانيا قبل فترة ليست بالبعيدة بعد أن نالت أسرتها حق اللجوء السياسي هناك، والغريب في الأمر أنها تحمل درجة جامعية في الكيمياء الحيوية، يعني أمامها مستقبل علمي ومهني زاهر في بلد يحترم التخصصات العلمية، ولكن يبدو أن تعليمها من النوع الذي نقول عنه في السودان «القلم لا يزيل بلم» والبلم هو البلاهة والغباء. أذكر جيدا كيف خاضت المنافسة مع سارة مندلي مسلمات أخريات هن ديلاي طوبوزغلو (سويدية من أصل تركي) وسونيا حسنين وحماسا كوهيستاني وهي أي حماسا، أيضاً من أسرة لاجئة في إنجلترا هربت من أوزبكستان، وقد فازت باللقب وظهرت على الشاشات بتاج يغطي رأسها بينما بقية جسمها معروض «للفرجة»، وكانت مبسوطة ومفرفشة لأن الكاميرات واصلت نهش لحمها وعرضه في الفترينات «هُبر، هُبَر» كما يقول المصريون عن كتل اللحم الكبيرة. وصار من حق حماسا كوهيستاني أن تمثل إنجلترا في مسابقات ملكة جمال الكون، حيث تم عرض اللحوم البيضاء والسمراء والصفراء عبر الأقمار الصناعية وخضعت للتقييم على أيدي سماسرة لا يختلفون كثيراً عن نظرائهم في سوق الغنم الذين يقومون بتثمين وتسعير البهائم بعد فحصها بعيونهم وأيديهم (تساءلت أكثر من مرة لماذا يتحسس من يريدون شراء الخرفان ذيولها؟ يعني اقتنعت على مضض بأنهم يفحصون أسنانها ليعرفوا كم عمرها، فوجود أسنان مفقودة أو مسوسة قد يعني أن الخروف بلاستيكي اللحم، ولكن ما هي الذبذبة التي تصدر عن ذنب الخروف ليعرف المشتري ما إذا كان الخروف في عز الشباب او من فئة «هرمنا»؟). المهم أرى أنه من واجبي أن أقول لسارة مندلي: معلش خسارة اللقب، وكفاية عليك لقب ملكة جمال بيرمنجهام.. بس لو تريدين أن تفوزي في مسابقات مقبلة لا تجعلي داود حسين مثلك الأعلى في الرشاقة، وبلاش تأكلي الباجا (أكلة لذيذة من فصيلة الكوارع). طوال تصفيات مسابقات ملكة جمال إنجلترا تلك وكانت قبل بضع سنوات، ظلت كلمات مثل مسلمة ومسلم وإسلام تظهر في عناوين الأخبار المتعلقة بها، طبعاً ليس بغرض التشهير بالإسلام بل من باب التنويه إلى أن هناك مسلمات «مستنيرات» ومن باب «يا ناس يا عسل تأثير العولمة وصل». ثم جاءت حكاية برنامج بيغ براذر (الأخ الأكبر) على القناة الرابعة للتلفزيون البريطاني الذي شاركت فيه كينغا. وهذه البرامج من الفئة المسماة تلفزيون الواقع (رياليتي) وخلال البرامج شربت كينغا الخمر أمام الكاميرات وخلعت ملابسها وصرحت بأن لها ابناً غير شرعي وبأنها شاذة جنسياً وبأنها عملت راقصة في الحانات. والد كينغا هذه (عربي غير مسلم) التقى بأمها في بولندا وتزوجها ثم خرج ولم يعد. ولكن حتى الخواجات قالوا إن كينغا ثورية ولكنها «فاتت الحد وزودتها حبتين» فقالت المسكينة إن منتجي البرنامج خدعوها وطلبوا منها أن تفعل ما فعلت. (ثورية التي قصدوها ربما عكس بَقَرِيّة) عندما تجد طفلاً فالتا وسيئ الأدب تستنتج أن والديه قصرا في حقه، وهكذا فإن آباء وأمهات هؤلاء الفتيات اللاتي ارتضين إخضاع لحومهن للتقييم هن/هم من يستحقون التذكير بالانتماء إلى أمة ينبغي أن تموت فيها الحرة ولا تأكل بثدييها وأردافها.

1035

| 04 أبريل 2023

بين جدي وقائد أُموي

أذكر جيداً الهوجة الصحفية العارمة المدمدمة لأن الدستور العراقي الذي صدر على عهد نوري المالكي، لم ينص صراحة على انتماء العراق إلى الأمة العربية: غضب الكتاب القومجية والشعبيون، وكأنما الانتماء إلى أمة أو جنس أو عرق أو ملة بحاجة إلى (شهادة رسمية)، ولا يثبت إلا بالتدوين والتوثيق، والدساتير التي تحظى باحترام الحكام والشعوب في عالمنا المعاصر ليس في كثير منها أي ذكر للانتماء العرقي أو الجغرافي، والعجيب في الأمر أن الدول التي لديها دساتير عليها القيمة، تعترف بأن مواطنيها هجين بينما في كل واحدة من دولنا من يزعمون النقاء العربي العرقي، وبعد سقوط نظام صدام حسين أدرك الساسة العراقيون أن السبيل الوحيد لامتصاص النعرات الانفصالية لدى الأكراد والأشوريين وغيرهم يتأتى من عدم إضفاء جنسية واحدة على أبناء وبنات البلد بالجملة. وقبل وبعد كل ذلك فإن عدم ذكر الدستور المذكور أن العراق عربي، لن يجرده من عروبته، وتبرؤ الأب من ولده لا يلغي حقيقة أنه والده، وأن المُتبرَّأ منه ولده. وكثرة التباكي على كون الدستور العراقي لم ينص صراحة على عروبة العراق جعلني أتذكر الانتقادات المتكررة التي توجه إليَّ لأنني أعلن بين الحين والآخر أنني نوبي. فيعتبرني البعض «مرتدا»، وكثيرا ما يستوقفني أحدهم قائلا: عندي لكم سؤال، لماذا تقول إنك نوبي بينما أنت عربي؟ جواب: هل تعرفني أكثر من نفسي؟ أنا نوبي الجينات والسحنة واللسان والثقافة، ولكن الإسلام هو الذي أسهم في تعريب ألسنتنا والثقافة الإسلامية كانت هي الرابط بيننا والعرب، فلا تعربوا الناس بـ (العافية)، ولا أنا أتنصل من أنني اكتسبت العروبة باللسان، وفي جميع الأحوال فإن النوبيين يحسون بأنهم وبحكم روابط الدين والجغرافيا والتاريخ والدم جزء من الأمة العربية، وينفعلون بقضاياها، ولا تتفشى في صفوفهم النعرات الانفصالية ولا يعانون عقدة الاضطهاد، رغم ما تعرضوا له من تهميش وتهويش! هل تودون معرفة لماذا نحن النوبيين شديدو الاعتزاز بجذورنا؟ اقرأوا معي حكاية من التاريخ العربي: كان الخليفة العباسي المنصور يتسامر مع نفر من خلصائه عندما قال: إن مؤسسي الدولة الأموية كانوا على استقامة، ولكن أبناءهم المترفين قصدوا الشهوات واللذات وارتكبوا المعاصي والمساخط فسلبهم الله العز ونقل عنهم النعمة، فاقترح عليه صالح بن علي أن يسمع من الأموي عبد الله بن مروان الذي كان في أحد سجون المنصور عن حكايته مع ملك النوبة، فأمر المنصور بإحضاره، وسأله عن القصة فقال: هربنا بعد زوال ملكنا إلى بلاد النوبة غير المسلمة، وبينما نحن جلوس في دار للضيافة بعد أن فرشنا عليها ثيابنا، دخل علينا ملكهم وكان فارع القوام أقني الأنف (مثل الأنف الذي تراه في الصورة أعلاه) حسن الوجه (كما في الصورة أيضا، قل: ما شاء الله) جلس ملك النوبة على الأرض فسألناه: لماذا لا تجلس على ثيابنا؟ فكان رده: إن على الملك أن يتواضع لعظمة الله إذا رفعه. ثم سألني: لماذا تشربون الخمر وهي محرمة عليكم؟ قلت (والكلام لعبد الله بن مروان): اجترأ عبيدنا وغلماننا علينا. وسألهم الملك النوبي: ولماذا تطأون الزرع بدوابكم والفساد محرم عليكم؟ ج: نحن لا نفعل ذلك بل يفعله عبيدنا وأتباعنا لجهلهم. سؤال: فلِم تلبسون الحرير والديباج والذهب والفضة وقد حرم الله ذلك على رجالكم؟ ج: قلَّ أنصارنا فانتصرنا بقوم من العجم أتونا بعاداتهم فلبسوا ذلك على كره منا. طفق ملك النوبة ينكت الأرض ويردد: عبيدنا وأتباعنا وقوم استنجدنا بهم.. ثم قال: ليس الأمر كذلك، بل أنتم قوم استحللتم ما حرم الله وركبتم ما نهاكم عنه، وظلمتم من ملكتم أمرهم، فسلبكم الله العز وألبسكم الذل بثيابكم، وأخاف أن يحل بكم العذاب وأنتم في بلدي، وللضيافة ثلاثة أيام فتزودوا بحاجتكم وارتحلوا عن بلدي. هذا الرجل من أجدادي، أفلا يحق لي أن أفتخر بالانتساب إليه؟

1956

| 28 مارس 2023

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6192

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

5067

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3756

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2856

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2499

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1554

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1482

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1077

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

990

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

984

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

957

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

864

| 20 أكتوبر 2025

أخبار محلية