رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

التعليم عن بُعد خيار أم إجبار؟

يترافق العمل المؤسسي المحوكم مع قواعد وأسس معيارية لتصنيف وتنظيم وترتيب كافة الجوانب المتعلقة بذلك العمل، لاسيما في وضع المعايير المتعلقة بتسكين الوظائف وتقييم وتأهيل الموظفين والاعتبارات المرتبطة بالمؤهلات وكفاءة حامليها، الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا أمام الفروقات الشخصية والاختلافات الفردية والاستثناءات الظرفية. كما أن فهم واستيعاب نظام العمل المؤسسي قد يؤدي احياناً إلى استغلاله والالتفاف عليه وتلبية متطلباته الشكلية، بما يتوافق مع مصالح الأفراد دون النظر لمصلحة المؤسسة وهو ما يتنافى مع مفهوم الحوكمة. على أرض الواقع يتم تقييم شاغلي الوظائف العامة وفق معايير تستند في أساسها على المؤهل الأكاديمي والدرجة العلمية، الأمر الذي يعد بديهيا في ظل صعوبة تقييم الأفراد وفق معايير تستند للمهارات والخبرات والسمات الشخصية، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار ضخامة العينة موضع التقييم وحجم المؤسسات وتعقيداتها الهيكلية، كما أن لتلك القواعد في التقييم جانبا إيجابيا يتمثل في حماية الموظف من تبعات الشخصانية وتحقق له الأمن الوظيفي المنشود. في الوقت ذاته فإن لهذا المسلك، وكما لغيره، جانبا سلبيا يتلخص في أن تقييم المؤهلات قد يتم بالارتكان إلى قوانين وقرارات مضى على تشريعها وإصدارها ما يتجاوز الربع قرن، ما يمثل تحدياً أمام سرعة المتغيرات من حولنا، فضلا عن سلبيات أخرى، منها السعي الحثيث من قبل شاغلي الوظائف أو الباحثين عن عمل للحصول على مؤهل دون النظر في كفاءة المؤسسة التعليمية من جهة، وإغفال جانب تنمية المهارات والخبرات الذاتية من جهة أخرى، ناهيك عن الإشكالية التي بدأت تطفو على السطح في عدد من الدول كتزوير المؤهلات وشراء الشهادات وما يترتب على ذلك من مشكلات جسام. خلال أزمة كورونا الراهنة، لجأ العالم أجمع للدراسة عن بعد وللتعليم المنزلي، كضرورة حتمية واستجابة سريعة لمتطلبات الأمر الواقع، ومع أن الوقت ما زال مبكرا لتقييم التجربة والحكم عليها بالنجاح أو الفشل، ولكن ما يثير الانتباه هنا هو مدى تجاوبنا مع المتغيرات وتطويع التكنولوجيا لخدمة الأهداف التنموية عبر الاستجابة للمتطلبات الظرفية الملحة. والسؤال الذي يتبلور هنا هو: لماذا لم ننتقل تدريجيا إلى تطويع التكنولوجيا كخيار استراتيجي بما يتوافق مع أهدافنا دون الارتهان للظروف الوقتية، سواء في الجانب التعليمي من جهة - وهو موضوعنا هنا - أو في كافة جوانب التحول الرقمي؟. صحيح أننا قطعنا أشواطا في هذا المضمار، بيد أن التجربة أثبتت أن هناك تفاوتا في الأداء بين جهة وأخرى، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن دخول الانترنت إلى منطقتنا كان في منتصف التسعينات، ما يجعل سقف التوقعات يتجاوز الواقع. إن الاشكالية القديمة المتجددة التي تواجه معادلة المؤهلات العلمية واعتماد الشهادت الجامعية المتحصل عليها عبر التعليم عن بعد أو التعليم الإلكتروني أو التعليم المفتوح، سمه ما شئت، كانت وما زالت تنبع من الاعتقاد الراسخ بعدم أهلية وكفاءة الخريجين من البرامج التعليمية المذكورة بسبب الاعتقاد بضعف مخرجات تلك الأساليب والطرق في تلقي المعارف. وعلى الرغم من أن تلك الأساليب الحديثة آخذة في النمو والتزايد في كافة أقطار العالم حتى باتت معتمدة ومعترفا بها من قبل كبرى الجامعات عالميا، ظل البعض مصرا وثابتا على ذلك الموقف المتصلب ضد هذا النوع من التعليم. والآن حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد أصبح التعليم عن بعد أمرا واقعاً بعد ما أجبرتنا الظروف الراهنة وغير المتوقعة إلى اللجوء له باعتباره خيارا وحيدا لاستكمال التعليم، ليس على مستوى المراحل الجامعية وحسب، بل في المراحل التأسيسية أيضا. إن الطريقة التي نتعامل بها مع المؤهلات الجامعية والحاصلين عليها تمثل هاجسا لنا، وتثبت لنا اننا غير متوافقين مع المفاهيم الحديثة في التعامل مع الإنسان وإمكانياته، واننا مستمرون في تبني النظرة التقليدية التي تكاد تختزل الإنسان في كونه رقما وظيفيا أو مؤهلا أكاديميا أو مجموعا تراكميا. إن المفاهيم الحديثة للموارد البشرية ترتقي بالإنسان إلى ما هو أكبر من تلك الاختزالات في التقييم، وتعتبره موردا وثروة وعنصرا أساسيا في بناء المجتمع طبقا لقدراته وامكانياته، بغض النظر عن الطريقة التي حصل بها على درجته العلمية. مؤخراً أقرت الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية جديدة للتوظيف ترتكز على النظر في المهارات الشخصية بدل الشهادات الجامعية، بالتشجيع على إعطاء الأولوية للمهارات الوظيفية، دون الغاء تأثير الحصول على المؤهل في حظوظ التوظيف، ولكنه يجعل المؤهل أقل أهمية في مقابل المهارات. والسؤال المطروح هنا، هل يمكننا اعتبار تلك الخطوة التي صدرت عن أكبر الدول اقتصادا وقوة، صحيحة أم خاطئة؟ ولنسأل أنفسنا قبل الإجابة.. هل ينبغي علينا التطلع إلى تجارب الآخرين دون أن يكون لنا إسهام في تجربة رائدة تتماشى مع طموحاتنا ورؤيتنا فيما يتعلق بحسن استغلال الموارد البشرية وتطوير المنظومة التعليمية؟. لماذا يتوجب علينا دائما الأخذ بتجارب الآخرين واعتبار خلاصات تجاربهم معيارا قياسيا لنا لا يقبل التعديل ونطبقه حرفيا؟. لماذا لا نبادر نحن بإصلاح منظوماتنا سواء التعليمية أو الإدارية أو التقييمية، وفق متطلباتنا وخبراتنا التجريبية واحتياجاتنا التنموية؟. لا عيب في استقاء الخبرات من الآخرين والبناء على تجاربهم الناجحة، بل ان ذلك يعد سبباً من أسباب تحقيق النمو والازدها، ولكن وعلى الجانب الآخر، لماذا ننتظر خوض الآخرين التجربة لنخوض خلفهم ونضع المعايير الاكاديمية والأنظمة الدولية في التعليم موضع التقديس وكأنها صنم معرفي يأبى أن يتزحزح من مخيلتنا؟. لماذا لا نكون نحن مصدر التجارب الملهمة التي يقتدي بها الآخرون؟ إن إعلاءنا وانبهارنا المبالغ فيه بالجامعات الغربية وشروطها ومعاييرها في القبول قد يخدعنا ويؤثر على تقييمنا للطاقات البشرية وحسن استغلالها، فكم من شخص طابق المعايير الأكاديمية لأعرق الجامعات دون أن يحقق الحد الأدنى من التزاماته الوظيفية؟ وفي المقابل كم من موظف قد تعكس سيرته الذاتية هشاشة وضعفا وفق معاييرنا الحالية، ورغم ذلك فهو على أرض الواقع يقدم لوطنه ولأفراد مجتمعه الكثير مما لا يدرّس في أعرق الجامعات، ولكنه يقبع خلف مكتبه عاجزا عن تسلق السلم الوظيفي كغيره لأن سيرته الذاتية غير منمقة ولا تلبي المعايير المطلوبة لارتقاء ذلك السلم. ينبغي الوقوف على هذه المسألة بموضوعية، كما أنه لا بد لنا قبل الخوض فيها أن نفرق بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، فالعلوم الطبيعية لها متطلبات تختلف اختلافا كليا عن متطلبات العلوم الانسانية، وعلى سبيل الايضاح فإنه من الاستحالة بمكان لمن أراد ممارسة الجراحة أن يتلقى التدريبات التطبيقية عن بعد أو عن طريق التعليم المنزلي، وفي مقابل ذلك إذا ما افترضنا أن موظفاً قد اصطدم بمتطلبات ارتقاء السلم الوظيفي وأراد مواصلة دراسته في التخصص الذي يعمل به في فرع من فروع العلوم الإنسانية، فإنه لا محالة سيواجه ويصطدم بمتطلبات صعبة وقاسية، والسؤال هنا، ماذا سيستفيد الموظف الذي أراد مواصلة دراسته في تخصص الإعلام مثلا، من تسكعه في أزقة القاهرة أو عمّان، فقط ليلبي متطلبات معادلة المؤهل، وهل سيساعده ذلك في زيادة استيعابه لنظريات الإعلام والاتصال؟ وماذا سيقدم لجهة عمله وهو يمدد الإجازة تلو الأخرى؟ ليثبت فقط انه "طالب نظامي" إذا ما قورن بالموظف الذي يواصل تحصيله الأكاديمي وهو على رأس عمله، ويتلقى نفس المادة العلمية غير أنه "مخالف للأنظمة والقوانين" وبالتالي لن يلبي المتطلبات لمعادلة شهادته، وسيظل معلقا لا إلى الأرض ولا إلى السماء مربوطا بقرار وتوقيع ينتشله من وضع إلى آخر. لقد أقرت محكمة التمييز الموقرة في حكمها الصادر في مارس من العام الماضي قاعدة مهمة تتعلق بمعادلة الشهادات الأكاديمية ومستوى الجامعة المانحة للمؤهل "دون أن يكون هناك أثر لنظام التعليم المتبع في الجامعة مصدرة الشهادة سواء أكان بنظام التعليم المفتوح أو بنظام الحضور ما دام المشرع لم يحظر الاعتداد بنظام تعليمي معين، والعبرة بالقيمة العلمية للشهادة دون النظام التعليمي المتبع في الجامعة"، كما أوجبت المحكمة تسبيب قرار رفض معادلة الشهادة وأن تُضمن الأسباب صلب القرار. إن هذا القرار يعطينا مؤشرا واضحا على أهمية إعادة النظر ليس بمعالجة الإشكاليات بصورة فردية، ليضطر كل متضرر للجوء إلى القضاء ليحصل على حكم ينصفه، بل إنه يتوجب علينا المواجهة الشجاعة والجريئة لتلك القضية، وإعادة النظر في آليات تقييمنا للإمكانيات والطاقات البشرية لنحسن استغلالها بدل ان تذهب الطاقات الشبابية سدى، وألا ندع من لم تسمح له ظروفه بارتياد أعرق الجامعات لمواجهة مصيره وحيدا يلازمه الشعور بالغبن أمام رفض حصوله على التفرغ لمواصلة تحصيله الأكاديمي وتحسين وضعه الوظيفي نظراً "لحاجة العمل له" في مقابل تفريغ من " لايمثلون أي إضافة أو أهمية لعملهم" والسماح لهم بتحقيق النجاح الوظيفي وارتقاء السلم بكل يسر، وحتى لا يتحرر من حصل على مؤهل معتد به من التزاماته الوظيفية ويكتفي بما حققه في مسيرته دون شعوره للحاجة لتطوير إمكانياته، وحتى لا نطمس الخبرات ونهمش أصحابها. إن الأهداف التنموية والغايات القانونية التي أقرت من أجلها القوانين، تحتم علينا التعامل مع الواقع بمرونة أكبر للوصول إلى الهدف. يجب أن نضع أهدافنا نصب أعيننا ونبحث عن أفضل الطرق للوصول لها، فنحن نريد العنب ولا شأن لنا بالناطور، ينبغي لنا إذا ما أردنا تحقيق غايات التنمية من تنمية الإنسان وتعزيز قدراته أولا، وذلك بألا نعتبر من لم يوفق في تعليمه أو تحصيله الدراسي أو لم تسعفه الظروف لمواصلة مشواره الأكاديمي فاشلا، فيتماهى هو مع نظرة المجتمع ويتوافق مع توقعاته، فالأوطان لا تبنى الا بسواعد ابنائها، والنجاح يجب أن يكون له أكثر من طريق. فبجانب حاجتنا للطبيب والمهندس فنحن أيضاً بحاجة للعامل والفني وصاحب الموهبة التي لا تدرس في الجامعات ولا تكتب في الكتب. ينبغي أن تتعدد طرق النجاح وأن تتسع القوانين والأنظمة وتعدل لتنصف كل صاحب مجهود، وأن توضع الخبرة والمعرفة والتفاني فوق الأوراق المصدقة والمختومة حتى لا يصبح المؤهل غاية بدلا من أن يكون وسيلة.

2153

| 22 أكتوبر 2020

الفيل في الغرفة.. هل من مسألة نسوية في الخليج العربي؟

"الفيل في الغرفة" عبارة مجازية تستخدم في اللغة الانجليزية للدلالة على مشكلة واضحة وكبيرة، يتم تجاهلها وعدم التطرق لها، ويستعاض عن ذلك بالحديث عن قضايا قد تكون هامشية وأقل أهمية. هذا المثال ينطبق على الوضع الخليجي في كثير من الأوجه، فبالنظر إلى غالبية القضايا التي تشغل الرأي العام الخليجي، نجد أن كماً يسيراً منها يمكن اعتباره قضايا جوهرية، في حين أن البقية الباقية ما هي إلا نتائج وأعراض لقضايا كان الأجدر بها أن تتصدر الاهتمام والمعالجة، إلا أنها كانت "فيلاً في الغرفة" لم يره أحد حتى دهسنا بأقدامه. من القضايا التي أخذت بالتضخم وشغل الرأي العام الخليجي قضية النسوية، وبعيداً عن التنميط، لو سألنا أنفسنا.. هل تعد تلك القضية من القضايا المهمة والجوهرية؟ سنجد أنها كذلك، ولكن.. كيف يتم تناولها وبحثها؟ هذا هو السؤال الأجدر بالطرح. إن التطرق لموضوع كموضوع النسوية بالنقد والتحليل يعد تحدياً كبيراً، كونه من الموضوعات التي تكون فيها المواقف والأحكام على طرفي نقيض، وقد يتهم من يتطرق لها بمناهضة النسوية، أو العكس، وبكل سهولة، إلا أن القضية آخذة في التضخم ككرة الثلج، ولابد من طرحها على طاولة النقاش. بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان في عام 2001 أتذكر تلك المشاهد التي بثت على القنوات الإخبارية لنساء أفغانيات ينزعن عن وجوههن "الباروكا" وهو اللباس الأزرق الذي ترتديه النسوة هناك لتغطية أجسادهن من رؤوسهن حتى أخمص أقدامهن، سوى فتحة صغيرة عند العينين مغطاة بالشباك تسمح بالرؤية ونفاذ النور، وقد أثارت تلك اللقطات إعجاب البعض وسخط آخرين، ولكن بعيداً عن وجهات النظر المتباينة حول تلك المشاهد ومدلولاتها وهل كانت حقيقية أم مفبركة، السؤال هو: ماذا حقق الأمريكان للمرأة الأفغانية بعد كشف وجهها وإظهاره على شاشات التلفزة؟ هل انتشلتهن من الفقر إلى الغنى ومن الجهل إلى النور، وكأن ما يغطي جسد المرأة الأفغانية هو مشكلتها الوحيدة، أم أنها رمزية لم تؤت أكلها واستفزت الأفغان وأخرجت المارد من القمقم. لقد خاضت الولايات المتحدة بعد تلك المشاهد حرباً استمرت 19 عاماً مع حركة طالبان، إلى أن أثمرت جهود الدوحة في احتوائها وبدء المفاوضات التي أفضت إلى اتفاق تاريخي بين واشنطن وطالبان تضمن بنوداً كثيرة، منها ما هو متعلق بحقوق المرأة، ولكن وفق الرؤية الأفغانية هذه المرة. يعاني الغرب في تناوله لقضايا المرأة وحقوقها في منطقتنا من إشكالية أزلية ومستمره، وهي اختزال حقوق المرأة في الحجاب والنقاب والجلباب، والتركيز على المظهر الخارجي وتسطيح المفاهيم الحقوقية وإبراز نماذج سطحية وممجوجة ومنفرة، فقد تكررت مسرحية خلع الحجاب في كثير من الأقطار كتونس ومصر، فهل تحقق أي تقدم على أرض الواقع؟ ثم إنه ينبغي لنا عدم إغفال أن القضية أعمق وأكبر من حقوق المرأة وانتهاكها فقط، فما يحدث الآن تشويه متعمد لمسائل حساسة، فحقوق الإنسان الأساسية تنتهك في كثير من الدول وسط مناداة بحقوق المرأة! أليس الأجدر بنا الحديث عن الإنسان بكليته وكينونته بدل التشويه وتحريف الحقائق، وكأن عالمنا العربي تجاوز كافة الإشكالات المتعلقة بكافة الحقوق ولم يتبق له سوى حقوق المرأة ليطالب بها. إن الغرب يعاني من سوء فهم لقضايا حقوق المرأة، فما زال يظن أن الحجاب والنقاب والمظهر الخارجي للمرأة هي العائق أمام تحقيق التنوير الداخلي، ناسين أو متناسين دور الثقافة في تحديد الهوية التي لم يحترمها الغرب ولم يلق لها بالاً، معتقداً أن النموذج الغربي هو النموذج القياسي في كل شيء من لباس ومأكل ومشرب، فهل قَصَف الحجاب رؤوس فتيات اليمن، أم هي الصواريخ التي تلقى على رؤوسهن وسط صمت دولي رهيب، وهل ما قض مضاجع نساء أفغانستان الثكالى هو ارتداء الحجاب والنقاب، أم القنابل التي قتلت الأبرياء وأهلكت الحرث والنسل؟. إن التشويه المتعمد والمخل الذي مارسه الغرب وجد آذاناً صاغية من قبل البعض ونفّر البعض الآخر، وخلق هوة متسعة بين أطياف المجتمع الخليجي، فإما أن تكون مناصراً للمرأة وحقوقها أو ذكورياً مقيتاً، وإما أن تكوني نسوية متحررة أو رجعية متخلفة تعيش في جلباب زوجها، تلك الثنائية المتطرفة أدت إلى تأثيرات سلبية بالغة على المطالبات النسوية والتنفير منها، في مقابل طمس للحقوق المشروعة أو المطالبات الممكنة في إطار موضوعي، فهل تحققت الغاية النسوية بهروب فتاة مراهقة من ذويها واستقبالها بحفاوة في دول الغرب وتصويرها بصورة المناضلة والبطلة؟، وهل خلع الحجاب أو إظهار الأفخاذ هو الغاية الأسمى التي جنتها المطالبات النسوية؟! أم أنه تسطيح للمفاهيم بشكل فج ومبالغ فيه؟ ثم لماذا لا تحتضن تلك الدول سوى نماذج نسوية محددة، وتحرضهن على الهرب كأن الأمر يتم بتعمد واستهداف، لماذا لم نر منقبة تُستقبل بحفاوة بسبب هربها من الظلم والاضطهاد أو لمطالبتها بحرية البحث العلمي مثلا؟. وبالعودة إلى بعض النقاط الجوهرية في المطالبات النسوية، دعونا نأخذ قضية التعنيف أو الاضطهاد والتنمر الأسري على سبيل المثال، وهو بلا شك أمر خاطئ ومرفوض وغير مقبول، ولكن لو تناولنا القضية من زاوية أخرى، ونظرنا إلى أسلوب المجتمع العربي والدور التربوي المنوط بالأسرة، سوف نجد أن هناك مستوى من العنف الأسري في التعامل مع الذكر أو الأنثى، على حد سواء، وقس على ذلك كثيراً من الجوانب في مجتمعنا العربي والخليجي، فالقضية ليست محصورة في ثنائية الذكر والأنثى، بل هي أكبر من ذلك بكثير وتتعلق بغياب تام لفلسفة التربية. وثمة أمر آخر، هو أن الحركة النسوية التي نشطت في الغرب، بنيت أساساً على المساواة بين الجنسين بغية تحقيق العدالة، وعلى اعتبار أن المرأة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات وبناءً عليه فهي مستحقة لكافة الامتيازات، ولها الحق بأن تعامل مثل الرجل تماماً، كما أن المطالبات النسوية تركزت على جانب الفروقات البيولوجية بين الرجل والمرأة وأنها ليست حائلاً بين المرأة وحقوقها ولا سبباً لاضطهادها، وعند مقارنة المفاهيم الغربية بالمطالبات النسوية الخليجية نجد أن المسألة النسوية في الخليج تشوبها الانتقائية، فما زالت المرأة الخليجية في كثير من الأحيان تنظر إلى نفسها بنظرة مختلفة وتختار لنفسها من الخصوصية والتميز والاختلاف ما تشاء وتنبذ ما تشاء، أليست تلك قسمة ضيزى؟. من جهة أخرى، تواجه الحركة النسوية في الأوساط الخليجية في كثير من الأحيان معارضة عنيفة من قبل الرجل والذي يُرَد في الغالب إلى العامل الذكوري وهيمنته، وقد يكون ذلك صحيحاً في جزء منه، ولكن لماذا ننسى أو نتناسى ما تعاني منه مجتمعاتنا من ضيق الهامش في مسألة تقبل الآراء، لماذا تضيق النسويات ذرعاً بتلك المعارضة، في حين أن القضية متعلقة برفض الآخر ورفض كل ما يزعزع معتقدات المجتمع وقناعاته حول مختلف القضايا. الخلاصة هي أن كثيراً من المطالبات النسوية مشروعة، وكثير منها يمكن نقاشها وفق أسس موضوعية وفي سياقات محددة، أما أن يتم خلط الحابل بالنابل والاستنجاد بمنظمات غربية والارتماء في أحضان دول لا هم لها إلا ابتزازنا وتحريض المراهقات ضد أهاليهن وحثهن على التمرد واستقبالهن ليتسكعن في شوارع أوروبا ويظهرن عبر الإعلام بأنهن حققن انتصارات وإنجازات هائلة لمجرد خلع الحجاب أو العباءة أو حلق الشعر وتغيير التصفيفة!!، في حين لم تلتفت تلك الدول لنسائها اللاتي يعرضن أجسادهن في فاترينات وواجهات المحلات، أو لتلكم النسوة اللاتي ينمن على الأرصفة وهن الأجدر بالمساعدة والإنقاذ، بدل أن تتقاضى منهن تلك الدول الضرائب لقاء ما يتحصلن عليه من بيع أجسادهن بسبب الفقر والحاجة.

2907

| 24 سبتمبر 2020

هواوي.. نحو تعدد الأقطاب وتوازن القوى

اقتنيت منذ أيام قليلة هاتف هواوي الجديد بعد صراع وتفكر قادني في النهاية إلى اتخاذ هذا القرار، وقد تبين لي بعد ذلك حجم الفجوة التي خلفتها العقوبات الأمريكية على شركة هواوي، فالهاتف رغم غلاء ثمنه في هذه الظروف الصعبة التي تواجه الشركة من جهة وتواجه العالم أجمع من جهة أخرى، إلا أنه أصبح أشبه بالهاتف المقلد الرخيص لافتقاره لخدمات (قوقل)، إذ بات يستجدي مطوري التطبيقات لتلائم إمكانياته الكبيرة ومتطلبات زبائنه الطموحة، في الحقيقة فإن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت أكثر انكشافا عن السابق، وأكثر صراحةً ووضوحاً في ممارساتها التسلطية على العالم أجمع، وبالأخص تجاه من يتخذ موقفا ترى واشنطن أنه يشكل تهديدا بسحب البساط من تحت تمثال حريتها على حين غرة وهو مستقر في مكانه ينظر للأفق. إن الممارسات الأمريكية ضد شركة هواوي بشكل خاص والمنتجات التقنية الصينية بشكل عام، تنذرنا جميعا بخطر هذا الغول المتوحش، والذي بالرغم من الحجج التي يسوقها والأسباب الواهية التي يبرر بها تلك القرارات، إلا أن العالم أجمع أصبح يدرك يقيناً أن تلك القرارات التي تتخذها أمريكا ضد الشركات الصينية تمثل جزءا من الحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة على الصين، في محاولة لثنيها عن تحقيق طموحها وإحباطها وتحجيمها، سواء عبر أدوات اقتصاد السوق التي أثبتت أمريكا فشلها فيها، أم عبر استخدام أساليب أخرى ملتوية وغير مبنية على أسس اقتصادية نزيهة. وكما أسلفت فإنه وعلى الرغم من علمنا جميعا بأن المنافسة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية أخذت منحى كسر العظم وهي لا تتعلق بالحجج التي تسوقها أمريكا لتبرير الأمر، إلا أن الأخيرة لا تبالي بما يعتقده العالم، وتمثال الحرية غير آبه هو الآخر بانكشاف سوءته للعالمين. مخطئ من يظن أن الحرب القادمة ستشن عبر الصواريخ والترسانات النووية، فالحرب الآن قائمة ومستعرة عبر التكنولوجيا ونظم المعلومات، وساحتها هواتفنا ومعلوماتنا. وما النزاعات والحروب وحروب الوكالة هنا وهناك سوى شجار أطفال في الحي، أما أباطرة المال والمؤثرون في السياسة فلا يخفى على الجميع أنهم أصحاب الشركات التقنية ومواقع التسويق الالكتروني، والمؤثرون في الرأي العام والموجهون لسلوكه هم مشاهير وسائل التواصل، خبراء البرغر والقهوة والعطور، وهو ما يشي بأننها على أعتاب تحولات كبرى خطيرة نكون نحن طرفا ولاعبا أساسيا فيها. ما يثير الاستغراب والسخرية في آن، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد مخطئة بأن هيمنتها وسيطرتها لن تنتهي في يوم قادم، وهي بذلك لم تحتط ولم تعدّ العدة لذلك اليوم الذي بات وشيكا، وهي بكل أسف لم تتعظ بدروس التاريخ، فالولايات المتحدة نفسها وكما يخبرنا التاريخ نشأت وتبلورت على أعقاب الهيمنة البريطانية والأوروبية، وكانت في يوم ما أيقونة للتمرد على السيطرة وبسط النفوذ، فهل تنتظر أمريكا حفلة شاي صينية تغرق فيها السوق بتقنيات بديلة وسياسات أكثر انفتاحا عبر تطبيقها لمقولة "دعه يعمل دعه يمر"، والتي نسيتها أو تناستها أمريكا، وأحسنت الصين تطبيقها، خصوصا إذا ما علمنا بأن عددا من دول أوروبا لبت الدعوة لحفلة الشاي الصينية التي وجهتها هواوي غير آبهة بالتهديدات الأمريكية، والتي تحاول بكل ثقلها منع تقنية الجيل الخامس من الانتشار متحججة بقضية التجسس وأمن المعلومات!. والقضية الأخيرة مثيرة للاهتمام، فتركيز الولايات المتحدة على هذا الجانب تحديدا، أي ما يتعلق بأمن المعلومات والخصوصية والامن السيبراني، يكشف جلياً ما تقوم به من تطويع للتكنولوجيا خدمة لأغراض وأهداف سياسية واقتصادية، وإلا لماذا الخوف من المنافسة الشريفة المبنية على مبادئ اقتصاد السوق؟ ثم لماذا لم تحرك الولايات المتحدة الأمريكية ساكنا أمام ما نشر عبر وسائل الإعلام والتقارير الإخبارية من قيام شركات خاصة بتطوير منتجات تقنية وتطبيقات تكنولوجية تسمح بالتجسس على الهواتف الخاصة عبر أساليب معقدة تم توظيفها في عمليات تجسس كانت عواقبها كارثية ونتائجها خطيرة؟، ألم يرمش طرف لشركة آبل التي تتخذ من الصين مقرا لمصانعها أمام ما انتشر من اختراقات لتقنياتها من قبل شركات إسرائيلية؟! وهل تقنية الجيل الخامس أكثر خطراً وانتهاكا لخصوصيتنا المنتهكة أصلا من برنامج (بيغاسوس) الذي سوقت له شركة (ان اس او) بنجاح في منطقتنا دون ضجيج من قبل ترامب كالذي أحدثه تطبيق "تيك توك"!. باعتقادي أن شركة هواوي تمثل جانبا منا، ذلك الجانب الذي يرفض التسلط والقهر والطغيان، ويمقت التظاهر بالنزاهة وتقديس الحريات وحقوق الإنسان في حين أن ما يدور تحت الطاولة وخلف الستار على العكس من ذلك تماما. وأعتقد أن دعم موقف الشركة ولو معنويا له أهمية مرتبطة بكياننا وموقفنا تجاه تغول الغرب، كما أن الموقف الداعم لا يأتي من كون الصين أو هواوي هي الأفضل والأكثر نزاهة، بل لضرورة تعدد الأقطاب وتوازن القوى بدل أن يكون الأمر كله لترامب. من جهة أخرى، فنحن أمام هذه القضية قد تجاوزنا إشكالية الارتباط بالتكنولوجيا وإدمانها وتحكمها في حياتنا حتى أصبح ارتباطا صعب الانفكاك، ولم نعد نناقشها أساسا، بل الأدهى من ذلك والأمرّ ارتباطنا بتكنولوجيا محددة، أو بصورة أدق ارتباطنا بمنتجات شركة (قوقل) على وجه التحديد، الأمر الذي تبين لي بوضوح بعد استخدامي لهاتف هواوي الجديد، وهو ما زاد من إصراري للمضي قدما وعدم الرجوع القهقرى. نحن الآن أمام تحول مفصلي على كافة المستويات، فإما أن ندعم القوة الأمريكية المتنمرة، دون رغبة واعية، أو أن نتحامل على أنفسنا قليلا ونندد بطغيانها عبر فك الارتباط - إن صح التعبير – بمنتجات جهة معينة وتنويع اعتمادنا على التكنولوجيا، حتى نتحكم بها بدل أن تتحكم بنا، وحتى لا يأتي علينا يوم يكون فيه إنترنت الأشياء قد تمكن من كل مفاصل حياتنا، وحينها فإن غضب الولايات المتحدة علينا قد يجعل من غرف نومنا ظلاما دامسا، وقد يجد أحدنا نفسه وقد خرج من منزله فلا يستطيع أن يعود إليه، لأن تطبيق خرائط قوقل لم يعد يعمل بسبب العقوبات الأمريكية، فيضل الطريق ويقعد ملوماً محسوراً.

2781

| 27 أغسطس 2020

alsharq
السفر في منتصف العام الدراسي... قرار عائلي أم مخاطرة تعليمية

في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...

2025

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
قمة جماهيرية منتظرة

حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي...

1635

| 28 ديسمبر 2025

alsharq
محكمة الاستثمار تنتصر للعدالة بمواجهة الشروط الجاهزة

أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...

1152

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
الملاعب تشتعل عربياً

تستضيف المملكة المغربية نهائيات كأس الأمم الإفريقية في...

1089

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
بكم تحلو.. وبتوجهاتكم تزدهر.. وبتوجيهاتكم تنتصر

-قطر نظمت فأبدعت.. واستضافت فأبهرت - «كأس العرب»...

1023

| 25 ديسمبر 2025

alsharq
حين يتقدم الطب.. من يحمي المريض؟

أدت الثورات الصناعيَّة المُتلاحقة - بعد الحرب العالميَّة...

792

| 29 ديسمبر 2025

alsharq
لماذا قطر؟

لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...

672

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
معجم الدوحة التاريخي للغة العربية… مشروع لغوي قطري يضيء دروب اللغة والهوية

منذ القدم، شكّلت اللغة العربية روح الحضارة العربية...

537

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
أول محامية في العالم بمتلازمة داون: إنجاز يدعونا لتغيير نظرتنا للتعليم

صنعت التاريخ واعتلت قمة المجد كأول محامية معتمدة...

492

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
عولمة قطر اللغوية

حين تتكلم اللغة، فإنها لا تفعل ذلك طلبًا...

459

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
أين المسؤول؟

أين المسؤول؟ سؤال يتصدر المشهد الإداري ويحرج الإدارة...

459

| 29 ديسمبر 2025

alsharq
لُغَتي

‏لُغَتي وما لُغَتي يُسائلُني الذي لاكَ اللسانَ الأعجميَّ...

450

| 24 ديسمبر 2025

أخبار محلية