رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يجري الجيشان الروسي والصيني حاليا مناورات بحرية عسكرية ضخمة مشتركة لأول مرة في بحر اليابان قد تستمر لبضعة أيام. وفي واقع الأمر إن قراءة تلك المناورات لاسيما وانها تجرى بين البلدين في موقع جديد لأول مرة وهو بحر اليابان، ينبغي أن يكون من منظور وسياقات أوسع وأعمق. فتلك المناورات ليست تأكيدا على التحالف الروسي- الصيني كما يذهب البعض، وليست أيضا رداً على المناورات الثلاثية الأخيرة بين واشنطن وطوكيو وكوريا الجنوبية، والتي جاءت ردا على تجارب كوريا الشمالية الصاروخية. بل هي بكل وضوح تأكيد على حشد واستعداد كل معسكر للمعركة الكبرى الحاسمة التي ستجرى رحاها في المحيط الهادئ والباسيفيك. لم تنشئ الحرب الروسية- الأوكرانية نظاماً دولياً جديداً، حيث إن تأسيس نظام دولي جديد له شروط ومظاهر محددة أكثر راديكالية ووضوحا- بل أسهمت في تشديد حدة الصراع بين المعسكرين الرئيسيين في النظام الدولي: المعسكر الغربي بقيادة واشنطن ويضم حلفاءها الأوروبيين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وأستراليا. والمعسكر الشرقي بقيادة الصين ويضم روسيا وكوريا الشمالية وإيران وبيلاروسيا. ومدعاة تشديد حدة الصراع تكمن بشكل أساسي من تفاقم مخاوف المعسكر الغربي من هيمنة المعسكر الشرقي على النظام الدولي بعدما اجتاحت روسيا أوكرانيا وهددت ولا تزال باستخدام السلاح النووي ضد الناتو وأوروبا، وهذا سيناريو كان قد استبعده الغرب بصورة كبيرة. لذا، فبخلاف ازدياد التعاون والتضامن بين المعسكر الغربي بعد الحرب الأوكرانية والذي تجسد عمليا في الدعم العسكري الواسع لأوكرانيا؛ قامت اليابان بإصدار وثيقة استراتيجية جديدة تعلن فيها التخلي عن سياسة عدم التسليح ورصد مبالغ هائلة لإعادة تسليح نفسها، وعلى غرار اليابان كانت ألمانيا برصدها ما يناهز الـ 50 مليار يورو في إطار إعادة التسليح. كما أصدر الاتحاد الأوروبي البوصلة الاستراتيجية الرامية لتعزيز التعاون العسكري الأوروبي وتحقيق الاستقلالية الأمنية على المدى البعيد. وعلى جهة أخرى، قام حلف الناتو بعمل عدة مراجعات رامية لزيادة الإنفاق وإعادة التموضع في أوروبا، واستكمال عمليات التوسع الشرقي. ففي قمته الأخيرة قد اعلن رسميا عن ضم السويد، والتي سبقتها فلندا بالانضمام، كما أعلن عن بحث ضم أوكرانيا وجورجيا في المستقبل. ويجدر الذكر أن السويد وفنلندا كانتا من الدول المحايدة منذ الحرب العالمية الثانية الرافضة تماما للانضمام إلى أية تحالفات عسكرية. وتسعى كل من روسيا والصين من مناورات اليابان، إلى إرسال العديد من الرسائل خاصة للولايات المتحدة. وأهمها، أننا مستعدون للمعركة في طول وعرض المحيط الهادئ وليس حول بحر الصين الجنوبي والباسيفيك فقط. هذا علاوة على الأهمية البحرية والاستراتيجية لبحر اليابان، كما أن سياسة حشد التحالفات التي برع فيها بايدن لن تخيفنا ولن تردعنا. وربما تلك الرسالة تعنى أكثر الصين عن روسيا. فروسيا على وجه الخصوص ترمى إلى إرسال رسالة للغرب مفادها أننا ما زالنا قادرين على المواجهة وإدارة الصراعات على حدودنا الشرقية، ولن يكسرنا تقدمنا البطيء في أوكرانيا، ولا الانشقاقات الداخلية كتمرد فاجنر. وربما ترمى روسيا من تلك المناورات إلى الضغط على الغرب وتأكيد استمرارية التحالف مع الشريك الصيني القوى، لإيقاف دعمه العسكري لأوكرانيا الذي تطور إلى تزويد أوكرانيا بطائرات ومضادات صواريخ حديثة. ولا نستبعد أيضا رسائل روسية لليابان مفادها استمرار تمسكنا بالسيادة على الأرخبيل البحري المتنازع عليه مع اليابان، وذلك في ضوء إعادة التسليح الضخمة التي تجريها طوكيو حاليا، لاسيما وان المناورات تجرى بالقرب من اليابان ذاتها. ومن المهم التأكيد على أن إعادة تسليح اليابان بالأساس موجه ضد القوة الصينية وعنادها تجاه الجزر المتنازع عليها مع اليابان في بحر الصين الشرقي. ونافلة القول، في تقديرنا أن مناورات بحر اليابان تمثل شريط البداية لطبول الحرب العالمية الثالثة، حيث ستعقبها سلسلة من المناورات المضادة، والتحالفات الجديدة ستفضى حتما إلى الصدام الأكبر المرتقب بين المعسكرين. فالمعسكر الشرقي على وجه الخصوص يشعر بالقوة الكافية لتحدى الغرب بقيادة واشنطن والسير بخطوات ثابتة نحو القيادة الدولية المستحقة كما يظن. ولعل أكبر دليل على ذلك هو تحدى بكين واشنطن بشكل غير مسبوق في تايوان وبحر الصين الجنوبي. ويعلمنا التاريخ أن الحروب العالمية الكبرى غالبا ما تسبقها مشاحنات رهيبة وتحالفات وحشد معارك وطرف قائد يسعى إلى إدامة قيادة، وطرف صاعد يتحدى بقوة القائد لا يتزعزع عن حلم تبوؤ القيادة الدولية المستحقة نظير امتلاكه كل مقومات القوة القائدة.
1251
| 25 يوليو 2023
بعد مرور قرابة العام والنصف على الاجتياح الروسي لأوكرانيا، لا تزال مسألة فعالية العقوبات الغربية على روسيا مثار تباين واسع. فتلك العقوبات الشديدة والشاملة التي فرضها الغرب- والتي ربما قد راهن على ردع روسيا لإنهاء هذا الغزو سريعا - لم تؤتِ ثمارها بعد. ناهيك عن ذلك، تتضارب التحليلات والتوقعات بشأن مدى تأثير تلك العقوبات على الاقتصاد الروسي، وجدوى استمرارها، وكذلك تأثيرها المستقبلي على نظام بوتين والحرب بصفة عامة. نالت مسألة العقوبات الاقتصادية الدولية خلال العقدين الماضيين مساحة واسعة من الاهتمام الأكاديمي، وتنوعت المقاربات التحليلية لدراسة هذه الظاهرة مستندة على سوابق متعددة للعقوبات الغربية تحديدا ومنها التي فرضت على جنوب أفريقيا، وكوبا، وكوريا الشمالية والعراق، وإيران. وتشابهت مستخلصات تلك المقاربات إلى حد بعيد بشأن مدى الفعالية الحقيقية لظاهرة العقوبات، والتي ستساعدنا إلى حد بعيد في فك لغز فعالية العقوبات الغربية على روسيا. المستخلص أو الحقيقة الأولى والرئيسية التي خلصت إليها تلك المقاربات كان مفادها «صعوبة تحقيق العقوبات أهدافها المتوخاة بصورة فورية في أغلب الأحيان». وهل يعني ذلك أن خيار العقوبات خيار فاشل دائما؟ ليس ذلك بالضبط، بل كل ما في الأمر أن الرهان عليها لتحقيق أهداف سريعة أو فورية وحاسمة رهان غير صائب غالبا. ويعزى ذلك إلى أسباب متعددة ومنها مهارة وقدرة النظام المستهدف بالعقوبات على الالتفاف والتحايل عليها بدعم الحلفاء، صلابة الاقتصاد المستهدف، عدم اكتراث النظام المستهدف بالتأثيرات الشديدة الناجمة على شعبه ما دامت لم تشكل تلك العقوبات تهديداً شديدا على شرعية نظامه، وأخيراً البعد الإنساني المرعى عند تفعيل العقوبات حيث غالبا ما يُتوخى تحقيق التوازن ما بين معاقبة واستهداف النظام وأفراده في حد ذاته، وما بين عدم تشديد العقوبات لدرجة معينة تتسبب في كارثة إنسانية كمنع تصدير بعض المنتجات الغذائية الرئيسية. ويعد بعد التوازن من أكبر أسباب فشل العقوبات في تحقيق أهدافها المرجوة بصورة فورية أو عدم الوصول إليها نهائيا، لاسيما التخلص من نظام شديد القمع والانغلاق والعدوانية كنظام كوريا الشمالية، ونظام صدام حسين في التسعينيات. وبإسقاط هذه الأسباب على نظام بوتين لا نحتاج إلى عصف ذهني شديد وبيانات وتخمينات مرهقة لاستبيان فشل رهان العقوبات الغربية في إيقاف عمليات روسيا العسكرية في أوكرانيا الممتدة منذ أكثر من عام بشكل فوري وحاسم. فرض الغرب على روسيا قائمة عقوبات متنوعة شملت حظر استيراد النفط والغاز، وتصدير المنتجات التكنولوجية، وتجميد أرصدة بنكية، ووقف التعامل المصرفي على نظام سويفت. ورغم تضرر الاقتصاد الروسي بالطبع، إلا أنه لم يتأثر بالدرجة التي كان يتوقعها الغرب. إذ يكفي القول في ذلك إن روسيا لا تزال تصدر النفط والغاز - المصدر الرئيسي لدخلها القومي - إلى حلفائها من أكبر المشترين خاصة الصين والهند، وبكميات كبيرة. خلاصة الأمر في تلك النقطة، أن رهان الغرب على العقوبات لإنهاء الحرب لن يتحقق غالبا في المدى القريب. وهذا يدفعنا إلى المستخلص الثاني العاكس للأول ومفاده «نجاعة العقوبات في تحقيق أهدافها أو بعض منها، أو إحداث تحرك أو تحول إيجابي في الأزمة على المدى البعيد وبشكل متدرج». استنادا إلى سوابق العقوبات الغربية، نجد أنها قد ساهمت بفضل وطأتها واستمرارها في إحداث اختراق ملموس لأزمات كبيرة لكن على المدى البعيد. فالعقوبات الأمريكية المستمرة لسنوات على إيران- على سبيل المثال - كانت من أهم أسباب دفع النظام الإيراني لإبرام الاتفاق النووي مع إدارة أوباما. وكانت كوريا الشمالية قوب قوسين من إبرام اتفاق مع إدارة ترامب للتخلي عن برنامجها النووي بفضل وطأة العقوبات. فمهما كانت صلابة النظام الاقتصادي المستهدف من العقوبات، ومهارة نظامه وشبكة تحالفاته التي تمكنه من التحايل عليها، فلن يستطيع اقتصاد هذا النظام الصمود والرسوخ بنفس الوتيرة على المدى الطويل في نظام دولي معولم وتحديات اقتصادية وأمنية وبيئية متلاحقة تضرب العالم بوتيرة مستمرة. ومن ثم، سيتفاجأ هذا النظام بين ليلة وضحاها أن شرعيته وبقاءه قد بات على المحك بفضل الاحتجاجات المستمرة، والتذمر العام حتى بين نختبه الحاكمة. وبالتالي، سيضطر غالبا إلى إحداث تحول كبير تجاه الأزمة المسببة للعقوبات لضمان بقائه في السلطة. أو قد تؤدي الاحتجاجات المستمرة وحالة التذمر العام إلى ثورة أو انقلاب عسكري لإنهاء هذا النظام. ولعل ذلك أيضا ما يراهن عليه مسؤولون وأكاديميون غربيون كثر. ويستشهدون في ذلك بظهور بوادر على التصدع البطيء التدريجي لنظام بوتين بفضل العقوبات. والتي منها بيانات من جهات مرقومة تشير إلى ركود نوعي في الاقتصاد الروسي، وحالة من الاستياء لدى الشعب الروسي من استمرار الحرب، وتململ بعض الحلفاء كالصين من استمرار الحرب، واستيراد النظام لأسلحة ليست بعالية الكفاءة من حلفائه لسد عجز فجوة التسليح. وأخيراً، تمرد قوات فاجنر الأخير العاكس لارتباك واضح وربما تذمر في أوساط النخبة العسكرية الروسية. إذن نخلص مما سبق بشأن فعالية العقوبات الغربية على روسيا، هو عدم نجاحها المطلق في إيقاف استمرار العمليات العسكرية لروسيا في أوكرانيا على المدى القريب، بل ستستمر تلك العمليات وبقوة على الأقل أكثر من عام إضافي. مقابل ذلك، هو نجاحها المؤكد في إحداث حلحلة في تلك الأزمة أو الحرب على المدى البعيد- وقد ظهرت بعض بوادر ذلك بالفعل - حال استمرارها بنفس القوة التضامنية الغربية. وهنا يجب أن نشير أن استمرار وطأة العقوبات الغربية على روسيا قد يدفع إلى السيناريو الأكثر كارثية وهو لجوء روسيا إلى السلاح النووي، وليس الحلحلة الإيجابية. لكن فيما يبدو لا خيار أمام الغرب إلا الاستمرار في العقوبات وبقوة كما كانت خياره الرئيسي إزاء روسيا النووية.
1359
| 11 يوليو 2023
شكلت الحرب الأوكرانية منعطفاً مفصلياً بشأن إعادة النظر لأهمية وخطورة ملف الطاقة عموما للدول سواء التقليدية أو المتجددة. بل يمكن القول دون أية مواربة إن الطاقة ستمثل أحد أهم المحددات الرئيسية للصراع الجيوسياسى العالمي خلال الفترة القادمة. تسببت الحرب الأوكرانية في أزمة حادة في سوق الطاقة العالمي، استتبعها مباشرة ارتفاع حاد في أسعار الطاقة، وتضخم رهيب وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الاستراتيجية، وارتباك شديد أيضا في اقتصادات دول العالم. أدت التداعيات الكارثية لأزمة الطاقة إلى حدوث مراجعة شاملة موضوعية لسياسات الدول التي تتبعها لتأمين أمن الطاقة، وطرحت هذه المراجعات أسئلة استراتيجية من أهمها، هل حان الوقت لتسريع الاعتماد على الطاقة البديلة عبر ضخ المزيد من المليارات في البحوث والتطوير؟ هل بالفعل نستطيع الاستغناء عن النفط الأحفوري قريبا؟ وماذا عن الغاز الذي تتحكم فيه روسيا؟ وهل نعيد التفكير في الطاقة النووية كبديل؟.. وغيرها من التساؤلات.ومن قراءة تلك المراجعات لاسيما المراجعات الأوروبية، يتبين أنها قد استنتجت استمرار أهمية النفط الأحفوري والغاز وصعوبة الاعتماد على الطاقة البديلة في المستقبل القريب لكن مع العمل في اسرع وقت ممكن على تبنى استراتيجيات قوية للاعتماد على الطاقة البديلة. وقد قادت تلك الاستنتاجات إلى استفاقات استراتيجية أعمق تتلخص في ثلاثة: أهمية وخطورة الطاقة كمصدر رئيسي لقوة الدولة ونفوذها الخارجي، والخطورة الشديدة لمسألة الاعتماد المتبادل في مجال الطاقة (حتمية الاستقلالية التامة في الطاقة)، وخطورة ورقة الطاقة على الأمن القومي الشامل للدولة. وعلى هذا النحو يرتسم سيناريو صراع جيوسياسى قاتم يلوح في الأفق في العالم. فعلى إثر الحرب الأوكرانية، نشب خلاف حاد بين أمريكا وأوروبا حول أسعار النفط والغاز. كذلك، لم تنصع الهند للعقوبات الغربية على روسيا لاستمرار تدفق الغاز الروسي. وأيضا، ترددت بعض من دول أوروبا الشرقية في مسألة فرض العقوبات على روسيا بسبب إمدادات الطاقة. وأيضا قد تنامى نفوذ مجموعة «أوبك بلاس» بقيادة السعودية في النظام الدولي. والأمثلة تطول. وعلى إثر الهواجس الاستراتيجية للدول حول الطاقة، لاسيما السعي الحثيث نحو الاستقلالية الطاقوية، ستشتد وتيرة الصراعات الجيوسياسية في العالم وتتطور بعضها لصراعات عسكرية كمبعث رئيسي للسيطرة على مناطق الطاقة الاستراتيجية، كذلك للسيطرة على مصادر الموارد الطبيعية اللازمة لإنتاج الطاقة البديلة. إذ يلوح في أفق صراع أمريكى-صيني-روسى للهيمنة على القطب الشمالي ذات الموارد الطبيعية الهائلة. كما سيحتدم الصراع في الفضاء السيبرانى للاستحواذ على تقنيات وأسرار الطاقة العادية والبديلة. ووسط ذلك، ستصبح الطاقة ورقة مساومة استراتيجية بيد الدول، وأداة رئيسية للاستقطاب وتشكيل تحالفات استراتيجية وانفكاك أخرى، وتأجيج صراعات داخلية، وتنامى ظاهرة المليشيات غير النظامية «المرتزقة». إذ أن من مهام فاجنر الرئيسية لاسيما في أفريقيا السطو على الموارد الطبيعية هناك. وأيضا، تلعب ورقة الطاقة والموارد الطبيعية دوراً رئيسيا في تأجيج الصراع واستدامة في السودان بقيادة قوات الدعم السريع الغير نظامية. وفوق كل ذلك، ستتصدع تماماً المسعى الدولية الحثيثة للتصدي لظاهرة الاحتباس الحرارى. جهود قطرية لتهدئة وطأة الصراع ليس غريبا عن قطر بفضل قيادتها الرشيدة أن تشتم رائحة الصراعات الكامنة وتستبق الأحداث بالمبادرة لإنهاء تلك الصراعات وتخفيف وطأتها إلى أقصى درجة ممكنة. إذ بفضل ريادتها الدولية في سوق الطاقة وبالأخص في سوق الغاز العالمي، قد قامت-حتى قبل الحرب الأوكرانية- بخطوات دبلوماسية وعملية استباقية من شأنها التخفيف من حدة الصراعات الناجمة عن الطاقة. ومن أبرزها، على سبيل المثال لا الحصر، التأكيد المستمر على خطورة تسييس ملف الطاقة وهو ما تجلى عموما من موقفها المحايد من الحرب الأوكرانية. والإعلان المستمر عن ضخ المزيد من إنتاج الغاز العالمي وبأسعار معقولة للتخفيف من حدة نقص الطاقة، واستدامة حصص الطاقة لدول العالم لاسيما الدول الأوروبية والآسيوية بعد تهديدات انقطاع إمدادات الغاز الروسي. ولأن الغاز الطبيعي-فحسب مراجعات الدول- سيستمر لفترة طويلة محوريا لا غنى عنه في أمن الطاقة خاصة انه غير ملوث؛ فالجهود القطرية الحثيثة تصب في صميم استقرار سوق الطاقة العالمي وتبديد الصراعات الجيوسياسية في المستقبل المنظور والمتوسط. فالجهود القطرية مثلت استعواضا مثاليا للغاز الروسي وما نتج عنه من تجاذبات وضغوطات ومساومات. علاوة على ذلك، لا جدال بأن جهود قطر تمثل حجر الأساس الذى قد يبنى عليه لجهود رامية لسياسات تعاونية دولية في مجال الطاقة. ملخص القول، يتجه النظام الدولي بلا أدنى شك إلى صراع جيوسياسى قاتم على الطاقة، لأنها قد أصبحت المرتكز الرئيسي لضمان الاستقلالية وصيانة الأمن القومي بعد صدمة الحرب الأوكرانية. ولعل بارقة الأمل البارزة حتى الآن للحيلولة دون تفاقم صراع جيوسياسى حاد على الطاقة، يبرز في جهود أو نهج قطر المرتكز على استبعاد ملف الطاقة عن التسييس واللجوء إلى الحوار والتعاون المشترك لتأسيس أطر أوسع وأشمل لتهدئة المخاوف الطاقوية للدول وتعزيز الاعتماد المتبادل الشامل لاسيما في مجال الطاقة المتجددة.
2529
| 04 يوليو 2023
بغض النظر عما اذا كان تمرد فاغنر حركة مسرحية تكتيكية إلا أنها تكشف لنا عن طبيعة كيان المليشيات الموازية للدولة هي وأمثالها كقوات الدعم السريع السودانية وغيرها من تجارب «قوات المرتزقة غير النظامية» أفريقية ولاتينية، وأنه من المحال ترويض الوحش والسيطرة التامة عليه بعد تربيته وتثمينه إلى حد التخمة. فالثمن الباهظ هو غالبا تدمير وانقسام الأوطان وفوضى عارمة ربما تمتد لعقود. تنشئ بعض الأنظمة السلطوية قوات مرتزقة مسلحة لدواع عدة، ومن بينها، ضمان النظام السلطوي الحاكم الولاء التام لمجموعة مسلحة غير نظامية، أو موازية للقوات المسلحة النظامية، خشية من انقلاب الثانية عليه، سيما إن كانت شرعية هذا النظام على المحك. أو لأجل تنفيذ عمليات قذرة من الصعب أن ترتكبها القوات النظامية، أو السعي لعدم التضحية بالقوات النظامية في حروب ومعارك خارجية طائشة. وربما تجسد قوات فاغنر حاصل الأسباب السابقة. إذ ظهرت هذه القوات في الصورة للمرة الأولى في مساندتها للقوات الأوكرانية الانفصالية عام 2014. وبزغ نجمها بوتيرة أعلى في الحرب الأهلية السورية عام 2015، حيث ساهمت بشكل كبير في مساعدة نظام الأسد للانتصار على قوات المعارضة الداخلية، ثم بعد ذلك في ليبيا لمساندة قوات حفتر ضد الحكومة الشرعية عام 2019. وقد نشرت تقارير موثقة عن انتشار قوات فاغنر في بلاد أفريقية عدة لمهام قتالية. وتمثل الحرب الروسية الحالية في أوكرانيا المنعطف الأهم والمفصلي لفاغنر. إذ منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، تضطلع فاغنر بالدور الأكبر في المعارك في أوكرانيا لاسيما للسيطرة على المناطق والمقاطعات العصية التي تواجه بمقاومة أوكرانية عنيفة مثل «باخموت». وقبل نحو أسابيع، ظهر زعيم فاغنر في مقطع مصور على «يوتيوب» غاضبا جداً من عدم إمداد قواته بالذخيرة اللازمة، والظروف الصعبة لجنوده، ملقياً باللوم العنيف على تخاذل وزير الدفاع الروسي ورئيس أركانه. وتوالت فيديوهات وتصريحات أخرى تعرج على نفس المشكلة ومشكلات أخرى مثل مقتل عدد كبير من قوات فاغنر، وعدم تلقي القوات المستحقات المالية المطلوبة. ثم جاءت اللحظة الحاسمة يوم الجمعة الماضي، عندما أذاع قائد فاغنر في مقطع مصور عن عزمه ترك أوكرانيا والزحف نحو موسكو ولم تمر سوى 24 ساعة حتى تم الإعلان عن إنهاء الأزمة بين روسيا وفاغنر عبر وساطة بيلاروسية، تم الاتفاق فيها على عودة قوات فاغنر إلى معسكراتها. تمرد فاغنر الجريء مدعاة أيضا لانعكاسات خطيرة على أرض الواقع، وفي المستقبل، ونذكر أهمها باختصار: •يوحى وربما يشير بجلاء، انقلاب فاغنر بعد عدة أسابيع من الشكاوى المتكررة من العسكريين الروس، قناعة قوية تولدت لدى فاغنر بتخبط وربما عجز روسي عن إدارة المعارك في أوكرانيا وتوفير الذخيرة اللازمة، حيث تسير المعارك بعكس ما توقعت روسيا. إذ واجهت روسيا في أوكرانيا مقاومة أوكرانية عنيفة ودعما غربيا تاما لأوكرانيا. إذ كانت تصورات بوتين ويشاركه عدد لا يستهان به من المحللين العسكريين بسقوط أوكرانيا والسيطرة التامة على كييف العاصمة في غضون شهرين منذ اندلاع المعارك. وربما كل ذلك، قد حفز فاغنر للتمرد على روسيا من منطلق الزهو بالقوة ولا نستبعد كذلك تواصلا استخباراتيا غربيا مع فاغنر للانقلاب على بوتين خشية من سيناريو نووي. • انقلاب فاغنر والمهادنة الروسية معها، تشير بجلاء إلى تضرر الاقتصاد الروسي بفضل العقوبات الغربية. إذ يفقد بوتين رويدا رويدا أهم أسلحته الاقتصادية التي قد اعتمد عليها لمواجهة الغرب في أوكرانيا، واستدامة شرعيته الداخلية. • التمرد يعنى انتصارا معنويا كبيرا لأوكرانيا والغرب، وهو ما سيساهم في استئناف أوكرانيا والغرب الحرب بقوة. إذ إن أول معالم هزيمة الخصم تتأتى من انقسام أو انهيار الجبهة الداخلية. جملة أخيرة، غدت فاغنر وحشا يصعب ترويضه والسيطرة عليه وفي جميع الحالات ستكون من أكبر المساهمين في حقبة عصيبة ستمر بها روسيا في المستقبل.
1449
| 27 يونيو 2023
قال أحد خبراء الأمن السيبرانى في ثمانينيات القرن الماضي - وذلك قبل أن يشهد هذا الفضاء وأدواته هذا التطور المذهل- إن الفضاء السيبرانى سيكون في المستقبل ساحة الحرب الرئيسية بين الدول. يوفر الفضاء السيبرانى للدول والجماعات المتطرفة والقراصنة كثيرا من الميزات التي لا يوفرها أية مجال آخر للصراعات. يأتي في مقدمتها-ولعل أهمها جميعاً- ميزة طمس الهوية الشخصية والمكانية. بمعنى، أن الدولة التي تتعرض لهجمات أو حرب سيبرانية تجد صعوبة بالغة للغاية في معرفة الدولة الفعلية وكذلك الشخص الفعلي المنفذ لتلك الهجمات. حيث ينفذ تلك الهجمات أشخاص "مجهولو الهوية" في فضاء غير مرئي. والأخطر من ذلك، أن هؤلاء الأشخاص أو تلك الدول المتورطة في الهجمات تقوم بتنفيذها عبر تقنيات إعادة توجيه عبر دول عدة، بحيث يتعسر للغاية تحديد المصدر الحقيقي للهجمات. من الميزات الرئيسية الأخرى، هي سهولة التنفيذ والاختراق والسرعة في التنفيذ. إذ كما نقرأ عادة من روايات تشير بتمكن قراصنة مراهقين من اختراق شبكات معلوماتية حساسة لدول عظمى. يضاف إلى ذلك أن السرعة الفائقة التي تنفذ بها الهجمات تتسبب في إرباك شديد وصعوبة في تحديد مصدرها ومحاسبة مرتكبيها. خلال الأعوام القليلة الماضية، احتل الفضاء السيبرانى مساحة مهمة في إطار الصراع بين واشنطن وبكين الممتد على ساحات كثيرة. بل يمكنا الجزم بأن الفضاء السيبرانى سيكون بمثابة ساحة الصراع الرئيسية خلال الفترة المقبلة لأنه محدد رئيسي للتفوق والانتصار في الساحات الأخرى. غالبا ما تسارع واشنطن في توجيه اتهامات لبكين بعمل عمليات سيبرانية ضد مؤسسات ومنشآت أمريكية أو لأصدقاء واشنطن، وعادة بغرض التجسس وسرقات بيانات حساسة. وكان أحدث هذه الاتهامات في أول يونيو عبر مايكروسوفت وتحالف "العيون الخمس" اللذين قد اتهما الصين باختراق منشآت حساسة للاتصالات وغيرها من خلال هجمات سيبرانية. وعادة ما توجه واشنطن الاتهامات، بما في ذلك الأخيرة، دون تقديم أدلة مقنعة على تورط الصين في ضوء التحديات العسيرة للتيقن من المنفذ الفعلي للهجمات. ولكن على الجانب الآخر، لا يمكن تبرئة الصين تماما من التورط في هجمات سيبرانية في السابق تجاه واشنطن وغيرها، والعكس صحيح. الشاهد في الأمر، أن المواجهة بين الطرفين في الفضاء السيبرانى أصبحت مفتوحة وشبه علانية أو رسمية، كأي ساحة صراع أخرى. ويعزى ذلك، إلى جانب الميزات الكبيرة التي توفرها تلك الساحة، إلى رغبة الطرفين الحثيثة في عدم الصدام الخشن أو العسكري والذى قد يدفع العالم كله إلى حافة الهوية. إذ تخبرنا "واقعية ميرشايمر" أن القوة العظمى المتصارعة على الهيمنة، قوة عقلانية تلجأ إلى الحسم العسكري عندما تنقطع سبل الخيارات الأخرى. فالحرب الباردة بين واشنطن وموسكو قد انتهت دون حسم عسكري، بسبب التفوق الناعم والاقتصادي لواشنطن. وعلى هذا المنوال، فعبر الفضاء السيبرانى يسعى كل طرف إلى اختراق وكشف نقاط ضعف الآخر وتحويلها إلى ميزة نسبية له. إذ على سبيل المثال، تسعى الصين عبر الفضاء السيبرانى وهجماته لاختراق وإضعاف الأنظمة العسكرية التكنولوجية المتطورة التي تتلقاها تايوان من واشنطن. وبالتالي المناورة بالملف التايوانى تمهيدا لضمها للصين دون حسم عسكري شديد الضراوة. ونفس الأمر يحدث ضد الأنظمة العسكرية الأمريكية المتطورة في بحر الصين الجنوبي. وبالمثل أيضا، اختراق بيانات حساسة تتعلق بالتطور التكنولوجي والصحة والاقتصاد والصناعات العسكرية واستخدامها وتحويلها لنقاط قوة نسبية، دون صدام عسكري أو في إطار الصراع الناعم للهيمنة. ويوفر الفضاء السيبرانى أيضا قدرة على التشهير ونشر الإشاعات وتأجيج الحرب المعلوماتية. وبالتالي يوفر هذه الفضاء فرصا عظيمة للدولتين لإضعاف القوة الناعمة للآخر، أو إضعاف شرعية الآخر، أو إحداث إرباك سياسي داخلي. وبطبيعة الحال، كل تلك الأمور ستساهم في عرقلة الآخر في سباق الهيمنة العالمية دون صدام عسكري أو حرب اقتصادية شرسة قد تتطور إلى حرب عسكرية. ونذكر هنا، حملة التشهير والإشاعات والمبالغات الأمريكية التي اطلقتها عبر الفضاء السيبرانى تجاه الصين في بدايات أزمة وباء كوفيد-19. وكان بغرض تحميل الصين مسؤولية عالمية عن نشأة الوباء وانتشاره.
1395
| 20 يونيو 2023
في ضوء التنامي الواسع للعلاقات الخليجية-الصينية والذى يسير بالتوازي مع التراجع الواضح للتركيز الاستراتيجي الأمريكي للولايات المتحدة في المنطقة، وفى منطقة الخليج تحديداً. وهذا في ظل أيضا اشتداد حدة الصراع بين الصين وواشنطن والغرب عموماً. غدا السؤال الهام الآن الذى بدأ يتواتر بقوة، هل منطقة الخليج ودولها على أعتاب مرحلة جديدة من التحالف الاستراتيجي الشامل مع الصين، مقابل انفكاك تدريجي للتحالف التاريخي الاستراتيجي بين واشنطن ودول الخليج؟. وفى الأعوام القليلة المنصرمة، تحركت دول الخليج بشكل مستقل، أو لنقل بشكل مناهض إلى حد ما، في ملفات وقضايا عدة، لرؤى وأهواء واشنطن. بصورة أوحت بإيذان تلك المرحلة الجديدة لمنطقة الخليج. ولعل من أبرزها، موقف دول الخليج الحيادي من الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك استقلالية القرار الخليجي بقيادة السعودية في أوبك بلس، تحول دول الخليج إلى التصنيع العسكري والسعي نحو امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية... وغيرها من المواقف. وفى حقيقة الأمر، وإن كانت تلك المواقف تشى بجلاء إلى استقلالية القرار الخليجي أو لكن صرحاء تمرد جريء على الوصاية الأمريكية التقليدية للخليج. لكنها لا تعكس كلياً أفول الشراكة الاستراتيجية بين الخليج والغرب. إذ لاتزال واشنطن القوة العسكرية الرئيسية في الخليج، وترتبط بعلاقات أمنية واقتصادية استراتيجية مع دول الخليج. لكن ما هو أهم من ذلك، أن تلك المواقف لا تعكس أيضا انحيازا تاما لبكين أو لغيرها من القوى كروسيا، بل تعكس زيادة في استقلالية القرار الخليجي مستند على زيادة القوة النسبية لدول الخليج، وتنامى الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج، والقراءة الموضوعية الواقعية لتوازنات القوى عالميا. وبالتالي نخلص، أن الحديث عن اصطفاف أو انحياز خليجي تام للصين، مقابل تنافر في الشراكة الخليجية الغربية، حديث غير موضوعي. إذ يبدو واضحا أن دول الخليج في سعى لإقامة توازن في علاقاتها مع الطرفين. يستند التوازن على عدة معطيات أهمها، طبيعة ونمط النظام الدولي القائم، والعلاقات الدولية والإقليمية. وقدرة وإمكانات ومهارة الدولة على إقامة التوازن. النظام الدولي الراهن هو بحق نظام متعدد الأقطاب والقوى والمصالح والتحديات، وهو الأمر الذى قد جعل دول الخليج بمقدورها المناورة في علاقاتها الخارجية وتنويع شراكاتها، والتأثير على مجريات قضايا وأحداث عالمية كالحرب الأوكرانية عبر ورقة الطاقة. وعلى الجانب المقابل، أصبحت منطقة الخليج ودولها مركز قوى عالميا لا يستهان به بفضل قوته الاقتصادية وثروته النفطية واستثماراته الخارجية المتنوعة وقوته الناعمة. مما سهل أيضا على دول الخليج تحقيق توازن معقول في علاقاتها الخارجية مستندة في ذلك على قدرة ورؤية حكامه الثاقبة في الارتقاء بقوة البلاد وتحسين سمعتها الدولية وتوسيع شبكة تحالفاتها الدولية والإقليمية. ولعل أبلغ مثال على ذلك، نجاح قطر بعد منافسة شرسة في استضافة كأس العالم لعام 2022، مما أسهم في الارتقاء بسمعة قطر عالميا وتعضيد قوتها الناعمة وشبكة أصدقائها وتحالفاتها. وفى ضوء ما سبق، نعيد التأكيد أن دول الخليج بصدد إقامة توازن عملي واقعى في علاقاتها مع الجميع. أما فيما يتعلق بالعلاقات مع بكين وواشنطن. فكل ما سبق، علاوة على واقع المنطقة وظروف دول الخليج، يحتم على دول الخليج الاستمرار في التوازن متسلحة بأن كلا الطرفين في حاجة ماسة إليها أيضا. وخلاصة القول، استطاعت دول الخليج، ولا تزال تستطيع، إقامة علاقات متوازنة بين بكين وواشنطن مطلوبة وحيوية، استنادا إلى التغيير الكبير الواضح في شكل العلاقات الدولية، وزيادة قوة وأهمية منطقة الخليج. ولعل هذا التوزان سيكون أكبر ضامن لدول الخليج للحيلولة دون الاصطفاف التام مجبرة لطرف على حساب الآخر في سياق الحرب الباردة المستعرة بين الطرفين على قيادة النظام الدولي.
1560
| 13 يونيو 2023
يشهد القاصي والداني أن الصين نجحت فيما عجزت عنه أطراف كبرى عدة سابقة إقليمية ودولية، في إحداث تقارب أو تطبيع في العلاقات بين الرياض وطهران في اختراق دبلوماسي في المنطقة غير مسبوق وغير متوقع. وعليه، يركز هذا المقال على الدروس العملية المستفادة من الوساطة الصينية في اختراق هذه القضية الشديدة الحساسية والتعقيد وذات الأبعاد والانعكاسات والصلات الإقليمية والدولية. وتعددت الرؤى بالقطع عن سر نجاح الصين في تحقيق هذا الاختراق، ولأجل التبصر بصورة أعمق، علينا سرد أبرز ما تمتاز به الوساطة الصينية. وهي اختصاراً، الصبر الشديد، عدم الاحتكام مطلقا إلى لغة الإكراه والتهديد، التركيز على جوانب الاتفاق والمصالح المشتركة وتنميتها في ظل قراءة عملية متأنية لمصالح وتحديات الأطراف الرئيسية، التحفيز والتطلع إلى المكاسب جراء التعاون والتقارب. ولأنه صراع طويل مليء بالتحديات والتناقضات والعداء ، فلابد إذن أن نهج الوساطة الصينية في حد ذاته قد مثل العامل الرئيسي في إنجاح التقارب السريع والمفاجئ بين طهران والرياض. إذ بحسب ما سرب ونشر عملت بكين على إقناع الجانبين على التركيز على الجوانب والمصالح المشترك التي يمكن أن تجمعهم وتحقيق أقصى استفادة منها لاقتصادهم وشعوبهم، وهي كثيرة ويأتي في مقدمتها الطاقة والتجارة . وعليه أيضا، ربما قد نجحت الصين في إقناع الجانبين بترك الإشكاليات والتناقضات الحادة بينهم، والتنافس الحاد بينهم أيضا في أزمات المنطقة، جانباً في ضوء القراءة الذكية العملية للصين لواقع العالم والمنطقة وتحديات طهران والرياض الرئيسية في الوقت الراهن وهي في معظمها تحديات اقتصادية. واستنادا إلى ذلك، نستخلص الدرس الأول والأهم من الوساطة الصينية، وهو الاهتمام على "إدارة الصراع" وليس "حل الصراع". بالقطع أن الصراع أو التنافس المعقد بين طهران والرياض لن يحل بين ليلة وضحاها، وربما لن تجد بعض القضايا العالقة بينهما سبيلا للحل مطلقا لنكن صرحاء. وبالتالي، فإدارة الصراع بينهما هو السبيل الوحيد المتاح، كما ارتأت الصين، لإحداث اختراق تقارب بين الجانبين. ويرتكز نهج "إدارة الصراع" التي تبرع فيه الصين، على إقناع أطراف الصراع على التركيز على مساحات المصالح وعوامل التقارب المشتركة، كخطوة أساسية لحل التناقضات والصراعات المعقدة رويدا رويدا أو تواريها مع الزمن الطويل تلقائيا. بل أن زيادة التعاون والتقارب ستكون مساهما رئيسيا في حل هذه التناقضات وتخفيف وطأتها. ولعل الكثير من الصراعات في العالم تدار بمنطق الإدارة وليس الحل، فالصين ذاتها في إدارة صراع مع واشنطن والهند واليابان. والحديث عن إدارة الصراع وأهميته وآليات عمله يحتاج إلى صفحات من الكتب لكننا نكتفي بما أشرنا إليه. والدرس الثاني ذات الأهمية الكبيرة أيضا وهو المتعلق بكينونة الوسيط، وفى هذه الحالة فهي الصين، وتحديدا نجاحها والتزامها أن تكون قوى خارجية في المنطقة على قدر كبير من الحياد، لديها نهج خاص في سياستها في المنطقة يرتكز على تعميق التعاون الاقتصادي والقوة الناعمة، استطاعت أيضا أن تكون نموذجا جاذبا في التنمية الاقتصادية، وملبيا لطموحات الكثير من تطلعات دول المنطقة خاصة دول مجلس التعاون كما أعلنتها في رؤاها الاستراتيجية كرؤية 2030 للسعودية. وبناء على ذلك، نستنتج بأن الوسيط الذي يريد أن يحقق اختراقا في قضية شائكة معقدة للغاية، حتى ولو من منطق إدارة الصراع، فيجب أن يتمتع بمواصفات خاصة وذات جاذبية كبيرة، تخلق له مساحات واسعة من السلاسة والمرونة في إقناع أطراف الصراع، حاصل القول، رسخت الصين عبر الوساطة بين طهران والرياض لنهج جديد سينسحب على معظم أزمات المنطقة الملتهبة يرتكز على "إدارة الصراع" وليس "حل الصراع". ويجد هذا النهج استجابة كبيرة بسبب طبيعة ودور الصين التنموي الحيادي في المنطقة، المنافي تقريبا لجميع أدوار القوى الأخرى خاصة دور واشنطن.
1239
| 06 يونيو 2023
المتابع عن كثب لتطور المشهد الداخلي السوداني منذ الإطاحة بعمر البشير، ثم إبرام اتفاق تقاسم السلطة بين المكونين المدني والعسكري وتشكيل مجلس السيادة الانتقالي؛ كان بالضرورة سيخرج بنتيجة مبكرة مفادها: هيمنة جلية للغاية للمكون العسكري على حاضر المرحلة الانتقالية ومستقبل السودان عامة، وصراع محتوم-مترتب على ذلك، ومن الصعب توقع توقيت حدوثه- بين الجيش وقوات الدعم السريع. منذ اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم في منتصف أبريل، سعت أطراف متعددة داخلية وخارجية للتهدئة والتوسط، كما طرح وسطاء مبادرات محمودة للحل. ومع ذلك، يلاحظ أنه رغم تقديم هذه المبادرات مضامين واقتراحات لحل شامل للأزمة، إلا أن أولوياتها كانت تنصب على "التهدئة" "والوقف الشامل لإطلاق النار" "وتوفير كافة السبل لحماية المدنيين". وبجملة أخرى، يمكن اعتبارها مبادرات للتهدئة والهدنة، وليس للحل النهائي الشامل للصراع. ومرد ذلك-في أغلب الظن- هو علم الوسطاء التام أن تحقيق تسوية شاملة مستحيل تحقيقه مبكراً، ويحتاج إلى وقت وجهود كبيرة وحلول مبتكرة ووساطة دولية قوية معنية بحل الصراع. انزلق السودان في تحد من أصعب التحديات العصية على الحل. إذ هو صراع بين القوة النظامية الرسمية، وبين ميليشيا مسلحة تعد "جيشا مصغرا". أي يمكن اعتبار الصراع في السودان صراعا بين جيشين وكأنه صراع دولي. إن أية جهود رامية لصيغة للتعايش بين الجيش وقوات الدعم، أو لحلول لدمج قوات الدعم في الجيش كما يلمح البعض عبر إجراءات وصيغ جديدة وبشكل متدرج ربما تأخذ سنوات، في ظننا ستبوء بالفشل الذريع. إذ إن إدماج قوات الدعم يرتهن بتوجيه هزيمة شديدة لها، ووقف الدعم الخارجي القوى عنها، وهى مسألة من الصعب رؤيتها قريبا. مقابل ذلك، يبدو واضحاً أن الجيش السوداني بقيادة البرهان لا يرى من أفق للحل سوى استمرار العمليات العسكرية حتى سحق قوات الدعم. وإن كان ما سبق هو التحدي العصي الرئيسي للصراع في السودان، يظهر في الخلف تحد رئيسي كبير لا يزكى الصراع، بقدر ما يساهم في تعقيده وإطالته، ويكمن في سقوط السودان-حتى الآن- من حسابات واهتمامات الكبار. إذ مع تقديرنا البالغ للمبادرات الإقليمية المطروحة للحل، إلا أن الصراع السوداني بتعقده الشديد الذي يحتاج إلى وقت وجهد وحلول مبتكرة وإرادة ومتابعة وفرض النفوذ لتنفيذ المقررات وإيقاف التدخل الخارجي المفسد، في أمس الحاجة لوساطة تقودها قوى دولية بالتنسيق مع/ أو بالتوافق مع المبادرات والدول الإقليمية. وكما هو معروف، أن المنطقة بأكملها تقريبا قد سقطت من حسابات واشنطن الاستراتيجية منذ عقد تقريبا، فضلا عن انشغالها التام بالحرب الأوكرانية. وعلى الجانب الآخر، تعتمد الصين سياسة ترتكز على الحياد وعدم التدخل، وبالتالي كما تسير عليه مواقفها الآن، غير مستعدة للتوسط بقوة في الصراع. وإن كنا نرى أنه لا يزال إمكانية أن تلعب الصين دورا حاسما في الصراع بسبب مصالحها الاقتصادية الكبيرة في السودان والمنطقة عموما، كما نرى أيضا أن قطر بفضل دورها النشط كوسيط على مدار أعوام، وحيادها البارز، وخبراتها التفاوضية الواسعة؛ من الممكن أن تبادر بوساطة بناء ثقة بالتوافق مع القوى الدولية والإقليمية لحلحلة الأزمة، أو على أقل تقدير لإقامة هدنة مستمرة لإيقاف نزيف الدماء وحماية المدنيين. وملخص البيان، انزلق السودان في تحد عسير للغاية، حيث من الصعب للغاية توافر صيغة تعايش بين الجيش وقوات الدعم السريع، كذلك صعوبة تحقيق انتصار حاسم على قوات الدعم مما يدفعها للقبول بخطط الدمج. علاوة على تورط أطراف خارجية مما يساهم في تأجيج حرب الوكالة وإطالة أمد الصراع. وبالتالي، فمن المؤكد أن الحل النهائي في السودان، بل حتى إقامة هدنة مستمرة، يحتاج إلى وقت ووساطة دولية قوية تقدم حلولا مبتكرة. ولنا أسوة في ذلك في ليبيا واليمن وسوريا التي تحولت إلى مناطق صراعات مزمنة بسبب الصراع على النفوذ والثروة والتدخل الخارجي المفسد وغياب الوساطة الدولية الحاسمة.
1959
| 30 مايو 2023
يمكن وصف نمط وشكل العلاقات بين الغرب (الولايات المتحدة، وأوروبا، وحلفائهم)، وبين الصين منذ عقد تقريبا، بأوصاف متعددة، كالتنافسية، أو العدائية، أو الصراعية. وعلى كل الأحوال فهي ليست طيبة أو جيدة، ومتوترة باستمرار. وذلك التنافس أو العداء قد يكون مفهوما، لأن الصين باتت تشكل تهديدا رئيسيا للقيادة العالمية لواشنطن، وتهديدا خطيرا أيضا للنموذج الغربي الليبرالي، وتهديداً خاصا لحلفاء واشنطن الآسيويين. وعلى إثر ذلك، فبجانب تحالفات تلك القوى المعادية للصين لتقويض صعودها وخطورتها؛ تتبنى تلك القوى سردية خاصة بشأن الصين. سعى الغرب بقيادة واشنطن منذ نهاية الحرب الباردة، إلى معاداة أي دولة مناهضة للنموذج أو الأفكار الغربية، وقد تباينت شدة العداء بحسب درجة مصالح الغرب مع تلك الدول، إذ ارتبطت واشنطن بعلاقات وثيقة مع دول شمولية في المنطقة وخارجها على خلفية مصالح حيوية لها مع تلك الدول. إذن نخلص أن الغرب يمارس معايير مزدوجة بشأن قيمه وأفكاره الليبرالية، وهذا يوحي أن الغرض الرئيسي هو الهيمنة والتحكم في الدول والشعوب. ناهيك عن ذلك، هو ضرب الغرب ذاته بهذه القيم عرض الحائط، لاسيما واشنطن، إثر الحروب غير العادلة وغير المشروعة الكثيرة التي خاضتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فضلا عن التضييق الذي يعاني منه المهاجرون والأقليات خاصة المسلمة في أوروبا. وعلى خلفية ذلك، بنى الغرب سردية حول الصين، تتمحور حول ثلاثة أركان رئيسية: الأولى، الصين القوة التعديلية التي تسعى لتغيير النظام الدولي بالعنف والإكراه والقوة العسكرية وبناء نظام دولي جديد تحت قيادتها، والاستيلاء على المصالح السيادية للدول الآسيوية. والثاني، الصين التي تقوم بتقوية اقتصادها بأساليب غير نزيهة وبسرقة التقنيات الغربية وبراءات الاختراع والممارسة التجارية غير العادلة. وأخيرا، الصين الوحش الشمولي المغلق ذو الحزب الواحد أكبر منتهك لحقوق الإنسان في العالم. وحقيقة الأمر، يشوب السردية الغربية حول الصين، الكثير من المغالطات. لا يمكن إنكار أن الصين تسعى جدياً للقيادة العالمية. ومع ذلك، عند عمل مقارنة بين مساعي بكين للهيمنة ومساعي الغرب القديمة للهيمنة، نلاحظ بونا شاسعا. إذ تسعى الصين للهيمنة من منطلق أو بأسلوب غير مسبوق لقوة صاعدة في التاريخ، يستند على الترويج لنموذج متعدد الأبعاد يعكس ماضي وحاضر الصين، بحيث يمزج بين تاريخ وحضارة وثقافة الصين السلمي التعاوني الرابط بين أواصر الحضارات القديمة، كما جسدتها "المملكة الوسطى" وطريق الحرير القديم. وحاضر الصين المعاصر من حيث الازدهار والتنمية الاقتصادية الهائلة، والابتعاد كليا عن العسكرة والتدخل في شئون الدول. إذ بينما يصف الغرب الصعود الصيني بالعنيف أو غير السلمي، لا تستحوذ الصين على قواعد عسكرية خارجية عدا واحدة في جيبوتي لأغراض لوجستية ولمكافحة الإرهاب والقرصنة. في حين تنتشر مئات القواعد العسكرية للغرب في جميع أنحاء العالم. تقدم الصين نموذجها الخاص في القيادة العالمية على أساس ما يسميه أتباع "الجرامشية" "الهيمنة الرضائية أو المقبولة". أي بتصدير نموذجها السلمي التعاوني التنموي، ستقبل الدول أو ترتضي طواعية القيادة الصينية، لأن تلك القيادة ستلبي طموحاتهم وتحترم سيادتهم ومصالحهم الحيوية. وتجسد مبادرة الحزام والطريق الأداة الرئيسية للقيادة الصينية ذلك بصورة كبيرة، إذ تجاوز أعضاؤها حتى كتابة هذه السطور 200 دولة من مختلف العالم وتشمل دولا غربية. انضمام هذا العدد الكبير من الدول للمبادرة، والعدد مرشح للزيادة الكبيرة، هو أبلغ رد على باقي السرديات الغربية حول الصين. فكثير من تلك الدول، انضمت للمبادرة لأجل المكاسب الاقتصادية والمالية والتكنولوجية الكبيرة التي تتحصل عليها من الصين. رغم عدم تبني الصين النموذج الغربي الديمقراطي. ومع ذلك، تشهد مستويات الرفاهية في الصين معدلات مرتفعة تفوق دولا غربية. وهذا يشير بوضوح أن النموذج الغربي ليس فقط هو الطريق الوحيد للتنمية والرفاهية والازدهار. ملخص القول أن تركيز الغرب الشديد على الترويج لسردية خاصة موجهة تحديدا تجاه الصين، وتضخيمها بشكل كبير، يوحي بأن الغرض يتجاوز مسألة الدفاع عن استمرار سمو النموذج الغربي وحقوق الإنسان والتجارة الدولية الحرة وغيرها. إذ إن الغرض الرئيسي هو إدامة الهيمنة الغربية، وتقويض أكبر تهديد لها.
1578
| 24 مايو 2023
جزمت جل التحليلات، وكذلك معظم خبراء الشأن التركي في المنطقة وخارجها، أن الاستحقاق الرئاسي التركي سيكتب نهاية تاريخ أردوغان السياسي الذي مكث في السلطة عشرين عاما بالتمام. وذلك على خلفية أمرين رئيسيين، وبعض الأمور الفرعية، وهما، توحد المعارضة خلف المرشح كليجدار أوغلو لإسقاط أردوغان. والثاني، هو التدهور الكبير الذى يعاني منه الاقتصاد التركي، لاسيما الليرة التركية منذ ثلاثة أعوام تقريبا. فضلا عن ذلك، ثمة أمور أخرى، ومنها، اشتياق الناخب التركي للتغيير، التعامل الحكومي غير المرضي مع كارثة الزلازل، تدهور العلاقات الخارجية لتركيا... وغيرها. ومع ذلك، حقق أردوغان المفاجأة بحصده نحو 49.34 % من أصوات الناخبين. بينما حصد منافسه القوي كليجدار أوغلو نحو 44.90 %. ليتنافس الرجلان في جولة إعادة آخر مايو، فرص أردوغان للفوز فيها أوفر بكثير. لاستبيان أسباب تحقيق أردوغان للمفاجأة، ينبغي توضيح حقيقتين رئيسيتين: أولاهما، هي طبيعة النظام السياسي التركي، إذ هو نظام متجذرة فيه العلمانية بشكل راسخ، ديمقراطي على نحو كبير جدا. ولعل نتيجة الاستحقاق الرئاسي خير دليل على ذلك، حيث لم تتقدم المعارضة بتظلمات رسمية تشكك في نتائج الانتخابات، ولم تمارس الحكومة ضغوطا، أو تلاعبات للتأثير على الناخب والمعارضة. والثاني، هو طبيعة الناخب التركي، إذ في أغلبه الأعظم- أي بقطع النظر عن انتمائه الفكري أو القومي - يعنيه أولا وأخيراً الاقتصاد ولقمة العيش. وقد جاءت نتيجة الجولة الأولى من الاستحقاق الرئاسي لتترجم عمليا ما سبق، وتفند معها بعض الأساطير والمغالطات الشائعة عن تركيا ونظامها السياسي والاقتصادي. إذ عكست نتيجة الاستحقاق تراجعا محدودا في ثقة الناخب التركي في سياسات أردوغان الاقتصادية، وفى مستقبل الاقتصاد التركي عامة تحت قيادة أردوغان. وفي صدد ذلك، يمكننا القول، إن غالبا ما تحدث مقاربات غير علمية أو دقيقة بين الاقتصاد التركي، واقتصادات بعض الدول التي تعاني من انهيار كبير. إذ رغم تراجع الاقتصاد التركي، والتدهور الحاد في الليرة التركية. لكن ما يتم عدم الإشارة إليه كثيرا، أو يتم التغاضي عنه، هو قوة الاقتصاد التركي في حد ذاته، ودواعمه الصلبة الراسخة لاسيما قاعدته الصناعية الضخمة، والتي ساهم أردوغان بصورة كبيرة على مدار ثلاثة عقود في توسيعها وتعزيزها. والتي لا تزال تترجم - رغم أزمة الاقتصاد التركي - في صادرات تركية تناهز مليارات الدولارات، بالتوازي مع عائدات ضخمة جراء السياحة التركية النشطة. وعلى الجانب الآخر، ما يتم تجاهله أيضا، هو برامج الضمانات الاجتماعية والصحية السخية جدا التي يتلقاها الناخب التركي من حكومة أردوغان. بالإضافة إلى الزيادات المتوالية في الرواتب، وتوفير فرص العمل، وتوسيع قاعدة الإسكان الاجتماعي للمحدودين. واستنادا إلى هذه الحقائق، تتبدد لدينا بعض الأساطير الشائعة، وتأتي على رأسها، أسطورة الحاضنة الإسلامية المحافظة القوية الداعمة لأردوغان. لا شك أن أردوغان وحزبه يتمتع بشعبية لدى الأوساط المحافظة في تركيا، لكنها ليست بالضخمة كما يصور البعض، ويعنى معظمها في المقام الأول الأداء والتحسن الاقتصادي. علاوة على ذلك، هناك بعض الشخصيات والتيارات السياسية المحافظة التي تزيد شعبيتها عند تلك الأوساط المحافظة شعبية أردوغان. فضلا عن ذلك، أن النظام التركي- كما أسلفنا - يعمل وفق أسس علمانية راسخة يحترمها الجميع، وفي مناسبات لا تحصى أقر أردوغان شخصيا وعلنا أنه إسلامي يعمل في نظام علماني يستوعب الجميع. وربما قد نسينا أن أردوغان قد فاز في معركته الانتخابية الأولى عام 2002، ببرنامج انتخابي يتوعد بالتحسن الاقتصادي واحترام العلمانية، بعد عقود سوداء عاشتها تركيا جراء انقلابات عسكرية متتالية وفساد حاد، وانهيار اقتصادي تام. ومع إقرارنا أن العامل الاقتصادي هو العامل الحاسم وسيزال على المدى المتوسط، لنجاح أردوغان أو غيره. إلا أن ثمة بعض الإنجازات الأخرى التي تحسب لأردوغان، والتي يجب قراءتها من منظور الناخب التركي، وليس من عدسات غربية. ويأتي من أهمها، نجاح أردوغان في تعزيز وزن تركيا على المستوى العالمي والإقليمي والجيوسياسى أيضا. إذ ما نحسبه مناكفات تركية متهورة مع حلف الناتو وأوروبا وبعض الدول الإقليمية، يحسب الناخب التركي باعتزاز، وباعتباره أيضا حرصا وسعيا واقعيا من دولته على تأمين مصالحها وصيانة أمنها، وتعزيز هوية وكرامة تركيا. إذ إن أردوغان بسياساته قد ناطح الكبار مثل فرنسا في شرق المتوسط، والولايات المتحدة في شمال سوريا. علاوة على ذلك، لدى أردوغان مواقف صارمة فيما يتعلق بقضية جزيرة قبرص، ومحاربة التمرد الكردي وحركاته المسلحة، وتعد تلك قضايا قومية حاسمة للأتراك. وزد على ذلك، تمكن أردوغان من تحجيم نفوذ المؤسسة العسكرية، إذ إن تغولها يثير مخاوف الأتراك بصورة كبيرة لاسيما مناصري العلمانية والليبراليين والاشتراكيين وتعيد ذاكرة سوداء لتركيا، وتهدم بالأساس أركان العلمانية الراسخة التي وضعها أتاتورك. ملخص القول، تحقيق أردوغان المفاجأة يكمن ببساطة في استمرار ثقة قطاع عريض من الأتراك في سياسات أردوغان الاقتصادية - التي أدخلت تركيا إلى نادي العشرين الكبار - والمكاسب التي يتحصلون عليها جراء ذلك. إلى جانب، الرضا العام عن سياسات أردوغان الداخلية والخارجية، أي المحافظة على أسس العلمانية، وتعزيز مكانة تركيا خارجيا. وبطبيعة الحال، يبدو جليا أن تكتل المعارضة لن يتمكن من تقديم بدائل مقنعة.
2283
| 17 مايو 2023
الحديث عن انتهاء هيمنة الدولار على الاقتصاد والتجارة العالمية، سواء بسبب تراجع قوة الاقتصاد الأمريكي، أو بسبب تحد متعمد من جانب القوى الدولية الكبرى وتحديدا الصين، ليس بالجديد. ومنذ اشتعال الحرب الروسية-الأوكرانية، زادت وتيرة هذا الحديث بقوة، بسبب توالي التداعيات الداعمة لذلك، كان آخرها الأخبار شبه المؤكدة عن انضمام السعودية إلى مجموعة «بريكس» بحلول الصيف المقبل. حيث إن انضمام الرياض للمجموعة من شأنه - كما يتداول الحديث عنه - تعظيم بيع النفط بسلة عملات غير الدولار. أو تحديدا انتهاء عصر «البترودولار». مسألة انتهاء هيمنة الدولار، والتحدي المتعمد لتلك الهيمنة، مسألة شائكة وغاية في التعقيد والإجابة عنها ليست بتلك البساطة كما يتصور الكثيرون. وذلك عند تفحص مجموعة من الحقائق الرئيسية وتوخي الموضوعية والحيادية عند اختبارها وتقييمها عملياً دون تدخلات وانحيازات عاطفية وتضليلية. ثمة حقيقة باتت راسخة لا يمكن لعاقل أن ينفيها أو يتجاهلها، وهي انحسار هيمنة الدولار «بدرجة قليلة» في التعاملات التجارية والمصرفية الدولية، نظير ازدهار عملات دولية جديدة أبرزها «اليوان الصيني». فالدولار إذن ما زال العملة المهيمنة في النظام التجاري والمصرفي العالمي، وستستمر هذه الهيمنة لمدة طويلة ربما لعام 2050. وزد على ذلك، من الصعب جدا إيجاد بديل للدولار، أو أن تحل عملة أخرى مكانه كعملة مهيمنة. لأن ذلك سيعني إحداث تحول تام في النظام والبنية المصرفية والتجارية العالمية وأنظمة الدفع والتحول الإلكترونية، التي تأسست وترسخت على الدولار. وبالطبع هذا سيناريو من الصعب تصوره وسيحدث إرباكا شديدا في النظام الاقتصادي العالمي سيؤثر بالسلب الشديد على الجميع. إذ لا يزال الدولار يحتل نصيب الأسد في سلة عملات احتياطيات دول العالم، وديونها أيضا بما في ذلك الدول ذات العملات الدولية الرائدة والمنافسة للدولار كاليابان ودول أوروبا والصين. فالأخيرة تعد ثاني أكبر مشتر لسندات الخزانة الأمريكية، وتستحوذ على ما يقرب من ثلاثة تريليونات دولار كاحتياطي نقد أجنبي. علاوة على ذلك، لا يزال الدولار المهيمن على نظام التحويلات والمقاصات الدولية وأنظمتها الرئيسية. وتلك الحقائق بشأن استمرار هيمنة الدولار الحتمية تجبرنا بلا شك على إعادة النظر حول حقيقية التحدي المتعمد من جانب بعض القوى لكسر هيمنة الدولار. وحقيقة الأمر أن ما تقوم به تلك القوى، خاصة الصين، في شأن ذلك يمكن وصفه بالمساعي الحثيثة للتخفيف من وطأة هيمنة الدولار، وليس السعي مطلقاً إلى انهياره تماماً. لأن انهيار الدولار ستكون عواقبه وخيمة للغاية على اقتصادات تلك القوى بما في ذلك الصين ثاني أكبر حائز على سندات الخزانة الأمريكية. ربما الحقيقة التي يتغافل عنها الكثيرون أن سعي تلك القوى للتخفيف من هيمنة الدولار، يتأتى بالأساس لحماية اقتصاداتهم ومصالحهم الخاصة. هذا بالإضافة إلى بروز مجموعة من المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية الكبرى التي دفعتهم لذلك. تندفع تلك القوى في المقام الأول نحو ذلك إثر تفاقم فجوة الثقة في الاقتصاد الأمريكي والدولار، خاصة بعد الحرب الروسية-الأوكرانية. حيث في ظل أزمة التضخم الرهيبة التي يئن منها الاقتصاد الأمريكي، اضطر الفيدرالي الأمريكي إلى رفع معدلات الفائدة أكثر من مرة على التوالي لكبح جماح التضخم. مما كان له تبعات خطيرة على الاقتصاد العالمي لاسيما التضخم العالمي ومديونيات دول العالم المقومة بالدولار، وربما يتجه العالم نحو ركود تضخمي عام 2024 إذا استمرار الفيدرالي في رفع معدلات الفائدة. وبالتالي للتخفيف من وطأة هذا التضخم الذي ألحق ضرراً بالغا بتلك القوى، يجب الحد من هيمنة الدولار في التعاملات والمدفوعات الدولية عبر الدفع بسلة عملات بديلة، لا سيما اليوان حيث تعد الصين أكبر مصدر ومستثمر ودائن عالمي. ولعل ذلك ما يفسر مساعي الصين لتخفيض حيازتها من السندات الأمريكية في 2023. فضلا عن ذلك، قد وجدت تلك القوى أن هيمنة الدولار ستشكل عائقا أمام تحديهم للعقوبات الدولية، وتحديهم لفك الهيمنة الأمريكية على دول الجنوب والعالم الثالث، كذلك هيمنة الدولار في التحكم في الأسعار العالمية للطاقة والمواد الأساسية. لذلك، نجد على سبيل المثال، أن الهند حليف واشنطن الوثيق قد وافقت على شراء النفط بالروبل الروسي. كما تعزز الصين من مكانة اليوان في تعاملات دول مبادرة الحزام والطريق، لاستكمال نجاح المبادرة. خلاصة الأمر في تلك المسالة أن التخفيف من وطأة هيمنة الدولار لا تخلو بلا شك من أبعاد جيوسياسية، على المدى البعيد، لاسيما من جانب الصين وربما السعودية التي تعمل على زيادة استقلالية قرارها السياسي والخارجي. لكن بأي حال من الأحوال، ان استمرار هيمنة الدولار أو بتعبير آخر استقراره يصب في مصلحة تلك القوى في المقام الأول، خاصة الصين. فانهيار الدولار سيمثل للصين كارثة اقتصادية عظمى، إذ ستنخفض قيمة السندات والديون الدولارية التي بحوزتها بشكل كارثي. كما سيصاب الاقتصاد العالمي بالشلل والارتباك الشديد تكون الصين مصنع العالم أعظم ضحاياه. والأخطر من ذلك بالنسبة للصين، هو احتمالية تخفيض صادراتها بشكل كبير جدا على المدى الطويل نظير ارتفاع الصادرات الأمريكية المنخفضة القيمة بالدولار. ولهذا السبب تتعمد الصين دائما خفض قيمة اليوان كصمام أمان لصادرات صينية واسعة لاسيما للولايات المتحدة التي تستقبل ما يناهز 15% من حجم الصادرات الصينية. بالإضافة بالطبع إلى هروب الاستثمارات الأجنبية من الصين إلى الولايات المتحدة. وكلمة أخيرة، ان النظام النقدي والمالي العالمي قد يتجه صوب نظام «عملات تعددي» في المستقبل البعيد. لكن رغم ذلك، فإن ذلك يشكل خطرا على الاقتصاد العالمي وليس في مصلحته مطلقا. فاستمرار هيمنة الدولار والتي قد تأتت نتاج أوضاع دولية بعد الحرب العالمية الثانية، سيمثل صمام الأمان لاستقرار النظام الاقتصادي العالمي، لأن الدولار ومن ورائه قوة الاقتصاد الأمريكي أصبحا متداخلين ومترابطين في كل مناحي النظام الاقتصادي الدولي بما في ذلك اقتصادات جميع دول العالم.
3267
| 03 أبريل 2023
غدت أوروبا واتحادها الواسع، أكثر مناطق العالم تأثرا بل وانكشافاً تجاه أية أزمة دولية. إذ كلما واجه الاتحاد الأوروبي أزمة عالمية، طفا على السطح بقوة وبسرعة رهيبة مدى الهشاشة والتناقضات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تعتري الاتحاد الأوروبي ومؤسساته ومنظومة قيمة وتشريعاته ونخبه الرئيسية. بحيث تنذر بتفكك لهذا الاتحاد ربما خلال العقود الثلاثة القادمة. بدأت معالم الانكشاف الحقيقي لهشاشة الاتحاد عندما اندلعت الأزمة المالية العالمية عام 2008، وسقوط ثلاث دول أوروبية في شبح الإفلاس، كان أفدحهم اليونان. مما اضطر الاتحاد إلى التدخل عبر حزم إنقاذ مالية بضغوط ألمانية فرنسية قدرت بالمليارات. وكشفت هذه الأزمة أن الأساس الاقتصادي الذي بني عليه الاتحاد يعتريه الكثير من العوار والغموض أيضا. إذ ضم الاتحاد في منظومته دولا هشة اقتصاديا خاصة دول شرق أوروبا، أصبحت عبئا على الدول الاقتصادية الكبيرة كألمانيا، ويماطل حتى الآن مع تركيا الأقوى اقتصاديا بكثير من دول شرق أوروبا، بشان عضويتها الكاملة في الاتحاد. وهذا يؤكد أن غرض التوسع المفرط للاتحاد ينبع من منطلقات سياسية وإيديولوجية محضة باعتباره "ناديا مسيحيا" لحماية الهوية الأوروبية (العلمانية-المسيحية-الليبرالية)، وإضعاف روسيا على وجه التحديد. لكن ما كشفته الأزمة أيضا قد برهن على هشاشة هذه المنطلقات. حيث أدت سياسة الإنقاذ المالي للاتحاد إلى تصاعد الغضب الشعبي في الدولة الغنية تجاه مغزى مساعدات هذه البلدان والتي يتحمل تكلفتها المواطن العادي دافع الضرائب. وتطور هذا الغضب إلى تنامي شكوك شعبية وأكاديمية تجاه جدوى استمرار الاتحاد في حد ذاته. لكن كان الأخطر على الإطلاق هو أن الأزمة كانت بمنزلة الفرصة الذهبية لصعود شعبية اليمين المتطرف في أوروبا. وحلت أزمة اللاجئين في عام 2015، لتعمق الانكشاف الأوروبي على نحو ملفت. إذ دب خلاف كبير بين دول الاتحاد حول مسألة استقبال لاجئي الشرق الأوسط والذين قد تجاوزا آنذاك المليونين. وكانت تلك الأزمة أيضا، البداية الحقيقية لتفكير بريطانيا في الخروج نهائيا من الاتحاد، كما ساهمت الأزمة في احتلال اليمين المتطرف مكانة متقدمة جدا في أوروبا. إذن، قد كشفت الأزمة أن الأساس الليبرالي والأيديولوجي للاتحاد كان يعتريه خلل فادح من الأساس. إذ تم إعلاء الهوية الوطنية على هوية الاتحاد أو الهوية "الأوروبية الجامعة"، كما تم إعلاء المصالح القومية الضيقة بشان استقبال اللاجئين وما يمثله ذلك من تداعيات وأعباء اجتماعية واقتصادية، على مصالح الاتحاد العليا. وأخيرا مدى هشاشة القيم الليبرالية والذي جسدها الصعود القومي لليمين المتطرف. ويرى البعض، أن أزمة كوفيد-19 قد مثلت أخطر الأزمات الكاشفة للهشاشة الكامنة للاتحاد، بل لأزمة المنظومة الليبرالية -القيمية للغرب عموما. حيث ضربت دول الاتحاد لاسيما الكبرى جميع القيم الليبرالية التعاونية عرض الحائط، باحثة كل دولة بمفردها بشكل أناني مفرط عن طوق النجاة من هذه الأزمة الكارثية الوجودية. حيث أغلقت دول الاتحاد حدودها تجاه بعضها البعض، وتآمرت على بعضها البعض من أجل الاستحواذ على المستلزمات الطبيبة والوقائية لمواجهة الأزمة. بالإضافة، كشفت الأزمة على عمق هشاشة النظم الصحية والاجتماعية والاقتصادية لدول الاتحاد في مواجهة الأزمة. ولعل الدرس المستفاد الذي كشفه حال أوروبا في مواجهة الأزمة، أن القيم الليبرالية التي تأسس عليها الاتحاد ويتشدق بها ويريد فرضها على الآخرين، والتي تشمل حقوق الإنسان، والديمقراطية، والتعاون المؤسسي، وحرية التجارة، سرعان ما تذهب إلى أدراج الرياح، وتطفو الواقعية السياسية البرجماتية أمام مواجهة خطر هائل بوزن أزمة كوفيد. ونحن نرى، أن الحرب الأوكرانية تعد أخطر الأزمات الكاشفة تماما لهشاشة الاتحاد الأوروبي ومنظومة قيمه. في أعقاب اندلاع الحرب برزت ثلاثة تطورات شديدة الخطورة. أولها، الهشاشة والانكشاف الأمني الخطير لأوروبا، وهو ما تجسد في إعلان ألمانيا عن نيتها في إعادة تسليح نفسها بسبب تغول الخطر الروسي. كما أعلنت دول أخرى كفنلندا عن رغبتها الانضمام إلى حلف الناتو. وجاءت تلك الإعلانات بعدما عجز حلف الناتو ومن ورائه الولايات المتحدة عن إيقاف التمدد الروسي في أوكرانيا. وهو ما اسهم في زيادة قناعات دول الاتحاد الكبرى خاصة ألمانيا وفرنسا بأن الاستمرار في الاعتماد على الحماية الأمريكية وحلف الناتو كذلك، مجرد لهث وراء السراب. وتبني دول أوروبية لخطط لإعادة تسليح جيوشها، يمثل في واقع الأمر إرباكا شديدا للاتحاد وآليات التعاون والتنسيق بين دوله، كما سيعيد أوروبا إلى حالة من التوترات والمشاحنات، ويزيد من انزواء وأنانية تلك الدول بسبب الكلفة الباهظة للأمن والعسكرة. والتطور الثاني، هو وصول اليمين المتطرف منفردا إلى سد الحكم في بعض الدول الأوربية كإيطاليا والسويد. بعدما وصل الناخب الأوروبي إلى قناعة تامة بفشل النخبة التقليدية المعتادة على مواجهة الأزمات لاسيما الاقتصادية التي خلفتها أزمة كوفيد، وأزمة الهجرة التي فاقمت من حالة الهلع من طمس الهوية الوطنية. وتفرد اليمين بالقرار السياسي سيترتب عليه أمور كثيرة غاية في الخطورة، ومنها الضغط بشان تقليص التعاون مع الاتحاد الأوروبي وربما الانسحاب منه تماما مقابل البحث بصورة ضيقة على المصالح الذاتية، التضييق على الحريات والحقوق خاصة للمهاجرين العرب والمسلمين. وعلى صعيد آخر، ربما الضغط لإعطاء روسيا المزيد من التنازلات بما في ذلك الأراضي الأوكرانية بأكملها. والتطور الثالث، أزمة الطاقة، وهذه الأزمة على وجه الخصوص قد كشفت لأوروبا خطورة مسالة الطاقة ونقصد الطاقة التقليدية (النفط والغاز) على الوضع الاقتصادي والاجتماعي لأوروبا برمته. فبسبب أزمة الطاقة، ارتفع التضخم في أوروبا إلى مستويات قياسية، واضطرت بعض الدول إلى تقليص قطع التيار الكهربائي لعدة ساعات يوميا. بينما لجت دول أخرى إلى العودة لاستخدام الفحم. وعلى إثر ذلك، أدت أزمة الطاقة إلى دفع دول الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم سياساته الداخلية والخارجية حول أمن الطاقة، بعد الفشل الذريع في إيجاد سبل الحل عبر الطاقة البديلة. إذ تفكر بعض الدول الأوروبية في التوسع في استثمارات الطاقة التقليدية داخليا وخارجيا، وهو ما يعني رمي جميع المبادرات والسياسات المتعلقة بخفض التلوث والانبعاثات الحرارية من وراء الظهر، إزاء ضرورة توفير الطاقة بشتى السبل لحماية الأوروبيين من تداعيات شتاء أوربي قارص. وعلى نحو آخر، دفعت أزمة الطاقة الأوروبيين إلى إعادة تموضع في السياسة الخارجية وتعزيز الصلات بأي دولة ستزود أوروبا بالطاقة، رامية وراء ظهرها أيضا أية شوائب تدعيها متعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية قد تعكر صفو تلك الصلات. عندما تم تأسيس الاتحاد الأوروبي أكبر تكتل كونفدرالي في العالم وازدهر اقتصاديا بعد الحرب الباردة، جادل البعض أن تجربة الاتحاد الناجحة قد قطعت الشك باليقين بانتهاء عصر الواقعية الذي سادت فيه الحروب العالمية والصراعات الجيوسياسية والعسكرية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى انتهاء الحرب الباردة على الأراضي الأوروبية. حيث دخل العالم إثر نجاح الاتحاد الأوروبي، العصر الليبرالي الذي يسوده السلم والتعاون والمنفعة الاقتصادية. لكن أثبت واقع العالم بعد الحرب الباردة، أن سيادة العصر الليبرالي مجرد وهم كبير. وأن الاتحاد الأوروبي مجرد شكل من أشكال الواقعية السياسية، تكشفت تدريجيا بمرور الوقت.
3060
| 18 يناير 2023
مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد...
894
| 16 ديسمبر 2025
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي...
744
| 18 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها...
690
| 15 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...
660
| 14 ديسمبر 2025
في عالمٍ تتسارع فيه الأرقام وتتناثر فيه الفرص...
585
| 14 ديسمبر 2025
يأتي الاحتفال باليوم الوطني هذا العام مختلفاً عن...
546
| 16 ديسمبر 2025
إنه احتفال الثامن عشر من ديسمبر من كل...
537
| 18 ديسمبر 2025
يُعد استشعار التقصير نقطة التحول الكبرى في حياة...
537
| 19 ديسمبر 2025
هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي،...
507
| 18 ديسمبر 2025
لقد من الله على بلادنا العزيزة بقيادات حكيمة...
468
| 18 ديسمبر 2025
-إعمار غزة بين التصريح الصريح والموقف الصحيح -...
420
| 14 ديسمبر 2025
يُعَدّ علم الاجتماع، بوصفه علمًا معنيًا بدراسة الحياة...
420
| 15 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية