رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مرّت أكثر من تسعة شهور على بدء الثورة السورية ، وقد خاض فيها القاصي والداني دون أن نسمع أو نقرأ تصريحاً لحركة حماس – باستثناء تصريح يتيم ومقتضب جداً في الأيام الأولى - حول موقفها من الوضع السوري على غرار موقف حزب الله وإيران ومن يحسبون على ما كان يسمى بمحور المقاومة والممانعة. فجأة ، وبعد كل هذه الشهور تخرج حماس للتحدث بأريحية عن الموضوع السوري ، وهذا ما بدا في تصريح مكتوب للحركة في 24 من الشهر الجاري تقول فيه إنها بذلت ولا تزال تبذل الجهود لحل الأزمة في سوريا سياسياً بعيداً عن العنف وسفك الدماء ، ثم جاء الحديث المطول لرئيس المكتب السياسي للحركة الأستاذ خالد مشعل مع الزميل محمد كريشان عبر قناة الجزيرة ضمن " لقاء خاص "، تحدث فيه عن الأزمة السورية. وقد بدا الأستاذ مشعل مرتاحاً خلافاً لما كان يشاع من أن الحركة تحاول عدم الخوض في الموضوع السوري حتى في ذروة اللغط الذي تناول خروج قيادات الحركة من دمشق الى غزة بعد تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية. لم يفصل مشعل في الأسباب التي دفعت بعض قيادات الحركة وكوادرها للخروج من سوريا بل تحدث عن دعمه لقيم الحرية والعدالة والديمقراطية التي تطالب بها الشعوب العربية ومنها الشعب السوري على ألا يكون ذلك على حساب السياسسة الخارجية التي اعتمدتها سوريا في علاقتها مع المقاومة. وانما استمع للسيد مشعل تذكرت تصريحات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حول الوضع السوري ، وكان بودي أن يكون كلام نصر الله مماثلاً لكلام مشعل ، فغالبنا كان ينظر بتقدير واحترام للدور الذي يقومان به في مواجهة الإحتلال ، إلا ان الأزمة السورية حدّت كثيراً من عدد الداعمين لحزب الله لموقفه القاسي بحق الشعب السوري وتبنيه وجهة نظر النظام بكل تفاصيلها ، هذا في حال لم تصح – ونرجو ألا تكون – الانباء التي تقول بتورط حزب الله عسكرياً ولوجستيا إلى جانب التيار الصدري والحرس الثوري الإيراني بدعم النظام في قمع الشعب السوري . فما الذي كان يضير حزب الله لو اعتمد نفس النهج الذي انتهجته حركة حماس في الموضوع السوري . فحزب الله لا تعيش قياداته في سوريا كما هو الحال لحركة حماس ولا يعقل أن يكون على علم بحقيقة الاحداث أكثر من حماس . وكان بودي أن يتعلم حزب الله من حركة حماس التي تعملت من تجربة حركة فتح تاريخياً حيث أن فتح تورطت في ملفات البلاد التي لجأت اليها قياداتها بدءاً بالأردن وأيلول الأسود مروراً بلبنان وحرب أبو عمار في طرابلس وصولا إلى الخليج ودعم الرئيس ياسر عرفات لنظام صدام في غزو الكويت في العام 1990 وما جرّه ذلك من ويلات على الفلسطينيين حتى يومنا هذا . لقد تعلمت حماس من تجربة فتح أنه لا يجوز للفلسطيني ، مهما كبر حجمه ، ألا يكون له دور سلبي في البلاد التي لجأ إليها ، فهو ليس أكثر من لاجئ يبحث عن داعم لقضيته المركزية وهي قضية فلسطين ، ما عدا ذلك هو صرف للنظر عن القضية الأساسية للشعب الفلسطيني.. أحسن مشعل في حديثه وأخرج حركته من أيّ حرج حين برر موقف الحركة المقتضب من الوضوع السوري بقول النبي عليه الصلاة والسلام : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " فالحركة راعية ورعيتها هم الشعب الفلسطيني وهي بالكاد تقوم بواجبها الأساسي تجاه رعيتها.. لكن حين تُسأل وتستشار في موضوع آخر فإنها تقول وجهة نظرها ولا تجد فيه حرجاً وهي حريصة على الشعب السوري وفاءاً له كما هي حريصة على سياسات سوريا الخارجية التي دعمت المقاومة في كل مراحلها .. هل كان يصعب على حزب الله أن يقول ذلك؟ أم أنه يريد أن يكرر تجربة أبو عمار بعدما وجد أن لبنان بات صغيراً عليه ؟ وهل قدر عليه ألا يستفيد من تجربة المارونية السياسية في لبنان ؟.
2438
| 31 ديسمبر 2011
حالي كحال الكثيرين من المراقبين العرب الذين يلهفون لرصد أي كلمة تصدر عن التيارات الإسلامية التي تعتلي المشهد السياسي في البلدان العربية التي تحررت شعوبها من نير الديكتاتورية كما هو الحال في مصر وتونس وليبيا، ولا شك أن العين تجحظ أكثر نحو "إسلامي- مصر"، وتحديداً نحو "حزب النور" ذي التوجه السلفي، حيث لم نتفاجأ بحصول حركة الإخوان المسلمين على النسبة العالية من أصوات المصريين بحكم حضورها ونضالها التاريخي وتنظيمها الدقيق وقدرتها على الحشد، فضلاً عن المظلومية التي ألحقت بها منذ الملك فاروق وحتى الرئيس المخلوع حسني مبارك. لا شك أن مجيء "حزب النور" السلفي في المرتبة الثانية بعد "حزب العدالة والحرية"، الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين، كان مفاجئاً للجميع لاسيَّما وأن الحزب نال نسبة تزيد عن %20 من أصوات المصريين، ما عجّل بطرح إشكالية الأداء السياسي للحزب الذي لا يُعرف له نشاط سياسي سابق في مصر، ولا يتوقف الأمر عند حدود السياسة الداخلية التي ترافقها في العادة أسئلة حول الديمقراطية وحقوق المرأة السياسية، وإذا كان المسيحيون "أهل الذمة" مواطنين من الدرجة الثانية.. إلى غير ذلك من الأسئلة الكلاسيكية التي تطرح عند الحديث عن مشاركة الإسلاميين في الحكم، وإنما يصل الأمر – خصوصا في الحالة المصرية – إلى السياسة الخارجية مثل كيفية التعامل مع اتفاقية كامب ديفيد والعلاقة مع كل من الولايات المتحدة وإيران. لعل ما صرّح به رئيس حزب النور عماد عبد الغفور لموقع "الجزيرة نت" يثير المزيد من التساؤل أكثر مما يجيب عن أسئلة مطروحة في الأساس. فإذا بدأنا بمعاهدة كامب ديفيد، فإن عبد الغفور يؤكد احترامها ويقول: " بالنسبة للمعاهدات التي ترتبط بها مصر يجب أن نحترمها ونطلب أن يتم تفعيلها". ولا تقف الدهشة عند هذا الحد، بل تبلغ مداها حين يجيب عبد الغفور عن مشروع التسوية في المنطقة على أساس حلّ الدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالقول: "هذا الأمر قبل به الفلسطينيون، وما يقبله الفلسطينيون سوف نقبل به". حقيقة ليس مفهوماً ما إذا كان هذا الطرح يتناسب مع ما تحمله التيارات الإسلامية من مبادئ وأفكار متعلقة بفلسطين التاريخية. وما يثير الدهشة أكثر هو قبول المتحدث باسم حزب النور الدكتور يسري حمّاد الحديث إلى "راديو إسرائيل" حسب ما نقلت عنه صحيفة "المصري اليوم "، فالدكتور حماد أكد للصحيفة أنه أجرى لقاءً مع "راديو إسرائيل" عبر مراسل الإذاعة "جاكي خوجة" الذي اتصل به ليسأله عن هواجس إسرائيل من وصول السلفيين إلى الحكم.. فكيف للدكتور أن يقبل بالحديث مع مؤسسة رسمية في دولة إسرائيل؟ ألا يعتبر ذلك تطبيعاً إعلامياً.. وجميعنا يعلم موقف الأحزاب المصرية في رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع الاحتلال ومن ضمنها الإعلام الإسرائيلي.. أما فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران فقال عبد الغفور: "إيران تربطنا بها روابط قوية لأنها دولة إسلامية، ولأنها خاضت تجربة قوية لكي تكون لها حرية قرار وحرية إرادة وحركة... كون أن هناك خلافا مع فكر أو أيديولوجية الدولة لن يدفعنا للعداء معها، والأمر متوقف على المصالح التي تعود على الشعب المصري". وهذا بصراحة موقف يُشهد له، حيث ما نحتاج إليه في عالمنا العربي هو فتح حوار مع إيران بناء على روابط القربى والدين والمصالح المشتركة وليس صراعا مذهبياً أو أيديولوجيا، وبالتالي فإن موقفاً كهذا الذي صدر عن حزب النور يعتبر أنموذجا للأحزاب الإسلامية واليسارية والقومية في الدول العربية. ويبدو أن السلفيين يتطلعون إلى علاقة دولية متوازنة ومتعددة وفي ذلك يقول عبد الغفور: "فالنظام السابق كان يقيم علاقة بدولة واحدة (أمريكا) وكان له عداء مع النظم الأخرى، مصالحنا تكاد تكون ضائعة مع الدول الأخرى كاليابان والصين مثلا". فهل كان ما قدمه حزب النور لجهة العلاقة مع إسرائيل وحل الدولتين لا يعدو كونه زلة قدم في محاولة لطمأنة العالم حول وصوله للسلطة؟ أم أنها سياسة جديدة لتيار إسلامي؟ لم نعهد أن شاهدنا هذا النوع من الفكر السياسي الإسلامي في تعاطيه مع ما يعتبر مسلمات لا تقبل النقاش.. يبقى من المبكر الحكم على الحزب ومدى مرونته ونضوجه السياسي في قيادة مصر ومن حقه أن يأخذ وقته في ذلك، ولا ننسى ما قاله المفكر التونسي راشد الغونشي من أن مشاركة الإسلاميين وتحديدا السلفيين في الحكم سيضيق مساحة التنظير في فكر هذه الحركات لصالح الحلول الواقعية من خلال الاحتكاك المباشر بالواقع وتحدياته.
347
| 24 ديسمبر 2011
قد يصدم المرء من تصريحات رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي التي تفوقت حركته على جميع منافسيها في الانتخابات الأخيرة في تونس، فالغنوشي ومنذ إقامته في لندن ولحين عودته إلى بلده كانت مقالاته وكتاباته لعقدين من الزمن تتركز حول الاستبداد والديمقراطية والتعايش الإسلامي مع المتغيرات الثقافية والاجتماعية والسياسية. وبقدر ما كانت تلك المقالات تنبري للدفاع عن وجهة نظر الإسلاميين في القضايا التي يُتهمون فيها بالرجعية والإقصائية والاستعلائية بقدر ما كانت تثير تساؤلات جديدة ربما أكثر حدة من تلك التي كان يحاول الغنوشي الإجابة عنها في معرض دفاعه عن المشروع الإسلامي وضرورته في نهضة العالم العربي. ولعل تصريحات الغنوشي خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة تذكرنا باجتهادات زعيم الحركة الإسلامية ومؤسسها في السودان الدكتور حسن الترابي الذي خرج بعدة فتاوى اعتبرها كثيرون خروجا عن المألوف في فهم النص الديني بل حتى خروج عن الإجماع الديني. وهنا لا نجرم الشيخ الغنوشي في فتاويه بقدر ما نرى أنها نهج جديد في الأداء السياسي لم يعتد عليه الإسلاميون سابقاً الذين كانوا يقرأون بشمولية ويهاجمون بشمولية ويتبرعون بإصدار الأحكام دون طلب، ما جلب عليهم الويل أكثر مما برأ ساحتهم، فجعلهم هدفاً للديكتاتور الداخلي الذي كان يسوق نفسه صمام أمان لحماية الأقليات ونشر الاستقرار، وهدفاً للخارج الذي كان يرى مصالحه أهمّ من دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان إذا كانت ستوصل إلى الحكم خمينيين جدد (نسبة إلى الإمام الخميني مفجر الثورة الإسلامية في إيران). الغنوشي أدرك هذه الحيثية، وأراد الاستفادة من إقصاء الإخوة عن أي عمل تقدم عليه حركته التي يتربص بها خصوم كثيرون لاسيَّما بعد فوزها في الانتخابات. وقد بدا ذلك جلياً على الشيخ خلال محاضراته في معاهد الدراسات الفكرية والسياسية في الولايات المتحدة. فمن تصريحاته الصادمة قوله " إن الناس أحرار في أن يغيروا دينهم" وأنه مع حرية تغيير العقيدة والدين للأفراد في بلاده حين سُئل عن قتل المرتد في الإسلام. وقد بدأ الغنوشي سياسياً من الطراز الرفيع حين أجاب بدبلوماسية ملفتة حول الأسئلة الحرجة التي انهالت عليه سواء فيما يتعلق بدعمه لحركة حماس والإشادة بها في مواجهتها للكيان الإسرائيلي جيشاً وشعباً أو فيما يتعلق بمهاجمته للسياسات الغربية الأمريكية والفرنسية في العالم العربي قبل عودته لتونس. ولدى سؤاله عن تصريحات سابقة له ضد وجود إسرائيل، وفيها إشادات بالعمل العسكري الفلسطيني، أجاب: "أود أن أركز هنا على تونس.. بلادي تعاني مشاكل كثيرة، وفيها مليون عاطل". بل بدا أكثر ذكاء وحدة حين قال إن الدستور الجديد في تونس (أي في ظل أكثرية حركة النهضة) لن يتضمن أي مواد تدين إسرائيل. وهذا تصريح أشبه بالنكتة إذ لا يوجد دستور في العالم تتضمن بنوده الحديث عن عدائية دولة أو صداقتها، وفقهاء الدستور يعلمون تماماً الحيلة الدستورية التي قام بها الغنوشي للهروب من إصدار الأحكام حول ما إذا كانت إسرائيل كيانا مغتصبا ينبغي تدميرها! وفي الإشارة إلى مدى انفتاح حركته على الأحزاب المخالفة إيديولوجياً قال الغنوشي: "إنه يشترك في مفاوضات مع أحزاب علمانية تونسية لإدخالها في الوزارة القادمة"، وأردف: "ليكون هذا دليلا بأن الإسلاميين يمكنهم أن يتعاونوا مع العلمانيين". لعل الغنوشي مازال مسكوناً بالأحداث الدموية التي عاشتها الجزائر بداية تسعينيات القرن الماضي حين انقلب الجيش على الديمقراطية وأوقف المسار الانتخابي الذي أوصل الجبهة الإسلامية للإنقاذ.. وسواء كنا نتفق مع الغنوشي أو لا فإن الأمور اليوم تغيرت ووصول الإسلاميين إلى الحكم لم يعد عليه فيتو غربي بدليل ما حصل في أكثر من قطر في زمن الربيع العربي. المعلوم أيضاً أن الحركات الإسلامية في المغرب العربي ربما تكون أكثر انفتاحاً مما هي عليه مثيلاتها في المشرق العربي حتى ولو كانت الأخيرة هي الملهم لسابقاتها. وبقليل من المقارنة بين تصريحات حركة العدالة والتنمية المغربية وحركة النهضة التونسية من ناحية وبين تصريحات السلفيين والإخوان في مصر من ناحية أخرى نجد فرقاً واضحاً في النضج التي تعيشه الحركات الإسلامية بين المشرق العربي ومغربه. وإذا كانت توصيات الغنوشي لإخوان مصر أن يشركوا في حكومتهم القادمة أقباطا وعلمانيين فإنه يدرك تماماً أن عملية الإقصاء والتبدل الجذري الذي كان ينادي بها سيد قطب رحمه الله لم يعد لها وجود في واقعنا المعاصر لمن أراد بالفعل أن يكون جزءاً من الحراك السياسي والاجتماعي للشعوب العربية. ومن هنا نفهم وجهة نظر الغنوشي التي ترى "أن دخول الإسلاميين في الحكومات يقلل تطرفهم".
762
| 10 ديسمبر 2011
قد يقول قائل: لقد أنقذ نجيب ميقاتي حكومته في اللحظة الأخيرة بعد أن مرّر تمويل حصة لبنان من المحكمة الدولية الخاص باغتيال رفيق الحريري، وهو الذي لوح بالاستقالة عدة مرات، وما خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في تأكيده على موقف الحزب في رفض التمويل للمحكمة رغم إرسال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حصة لبنان من التمويل إلا تأكيد على القبول الضمني أو رضوخ المضطر. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا قبل حزب الله أو أذعن لرغبة الرئيس نجيب ميقاتي؟ ومعلوم للجميع أن الحزب ما فتئ يكرر أن المحكمة لم يكن في نيتها الوصول إلى حقيقة من قتل رفيق الحريري ومعاقبتهم وإنما هدفها ملاحقة قيادات حزب الله وكشف تركيبته التنظيمية الداخلية وتعريته من حاضنته الشعبية في الداخل والخارج. وفي سبيل ذلك فقد حاول الحزب مراراً وتكراراً إقناع المجتمع اللبناني أن القاتل إسرائيل، وأن ما لديه من معلومات ووثائق يؤكد ذلك. وقد أبدى استعداده لتمكين المحكمة من الحصول على تلك الوثائق إلا أن المحكمة لم تستجب لذلك وقد عُلل في حينها أن ما كشفه حزب الله من أدلة ووثائق على فترات متقطعة لا تؤكد صحة ما ذهب إليه. يقول العارفون إن ميقاتي كان يعلم أن مخرجاً ما للأزمة قد يلوح في الأفق مع بدء العد العكسي لجلسة مجلس الوزراء نهاية الشهر الفائت التي كان من المتوقع أن يطرح ميقاتي عليها موضوع تمويل المحكمة للتصويت عليه. العارفون أيضاً بكواليس السياسة اللبنانية يرون أن التمويل وإن جرى على يد الرئيس نجيب ميقاتي فإن قراره كان داخلياً وإقليمياً وذلك للحاجة الضرورية لبقاء الحكومة اللبنانية تزامناً مع الصراع القائم بين المجتمع الدولي والجامعة العربية من ناحية وبين سوريا ومن يدعمها من دول وجهات من ناحية أخر، في وقت يضيق الخناق شيئاً فشياً على النظام السوري الذي يراهن الغرب أن أيامه باتت معدودة وأن الوقت المتبقي هو لتهيئة المعارضة السورية لاستلام الحكم دون أي خطر قد يلحق بسوريا أرضا وشعبا ودولة بعيد رحيل الأسد. وبناء عليه فإن موضوع التمويل يصبح تفصيلاً غير ذي قيمة إذا ما قارنا تداعياته بتداعيات انهيار النظام السوري على مصالح إيران وحزب الله. يضيف هؤلاء أن رغبة أمريكية أوروبية باستمرار حكومة نجيب ميقاتي حتى انقضاء الفترة الانتقالية في سوريا أو حلول موعد الاستحقاق النيابي في العام 2013، فالغرب يخشى من دخول لبنان مرحلة الفراغ السياسي من استقالة حكومة ميقاتي علماً أن قناعة يتقاسمها الجميع في الداخل والخارج أنه في حال استقالة حكومة ميقاتي فإن لبنان سيعجز عن تشكيل حكومة جديدة مما يسهل دخول لبنان في دوامة من الفوضى السياسية التي قد تستجلب فوضى أمنية لاسيَّما أن الرهان على تحويل لبنان إلى منصة لإرسال الرسائل الدولية يصبح أكثر جدياً. وتبعاً لذلك فإن الغرب يريد تفويت الفرصة على النظام السوري الذي سيعمل على استغلال لبنان لنقل الصراع من دمشق إلى بيروت في محاولة لإرباك المجتمع الدولي الذي يركز حالياً على حسم المعركة داخل الحدود السورية. في المقابل يرى آخرون أن مصلحة سوريا في بقاء حكومة ميقاتي لكسب التغطية الدبلوماسية والسياسية التي يحتاجها النظام السوري سواء في ملاحقة المنشقين والمعارضين السوريين على الأرض اللبنانية أو في كسب الدعم السياسي في رفض لبنان السير بالعقوبات العربية على سوريا. ولعل الأخطر بالنسبة للنظام السوري في حال رحلت حكومة ميقاتي أن تزداد عمليات التهريب للسلاح والمقاتلين إلى سوريا وفقاً لما يدعي أنصار النظام السوري في لبنان. ومن هنا جاء بقاء حكومة ميقاتي في لحظة تقاطع للمصالح بين خصمين لدودين دخل كل منهما في مرحلة الحسم. وإزاء هذا الوضع يصبح من السهل على حزب الله البقاء على حكومة ميقاتي والسير معه في تمويل المحكمة الدولية على أمل أن تكون الخسارة أقل ببقاء الحكومة من رحيلها.. وسواء صحت هذه التحليلات أو أخطأت فإن المرجح أنه لا شيء سيتغير في المشهد السياسي العام وإن جلّ ما يقوم به حزب الله هو تأجيل للأزمة وإن ضخ الأكسجين في رئة ميقاتي.
362
| 03 ديسمبر 2011
لم يكن مفاجئاً موقف وزير الخارجية اللبنانية عدنان منصور في الجامعة العربية حين صوّت إلى جانب اليمن ضد قرار عربي بتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، وكي أكون أكثر وضوحاً فإن الأمر كان متوقعاً للمؤيد للحكومة الحالية والمعارض لها على السواء . وربما الأمر نفسه كان بالنسبة للدول العربية التي –على ما يبدو- لم تتفاجأ بالموقف اللبناني، وكان على علم مسبق به. لا شك أن موقف الحكومة اللبنانية أشعل سجالاً حادا في لبنان ما بين مؤيد للموقف وبين معارض له. وكل له رأيه ووجهة نظره وقد وجد خصوم ميقاتي ومعارضو حكومته في الموقف فرصة سانحة للنيل من ميقاتي وحكومته وإحراجها في الشارع في حين استمات مؤيدو الحكومة بالدفاع عن موقفها باحثين عن الأعذار المنطقية وغير المنطقية، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للتصريح عبر موقع تويتر في معرض ردّه على منتقديه: إن من السهل على السياسي أن يتخذ موقفاً شعبوياً يتناسب مع المزاج العام، لكن من الصعب وربما يحتاج إلى دراية ونضوج سياسي أن يتخذ موقفاً أكثر برغماتية للحفاظ على مصالح شعبه وبلده.. هذا على الصعيد الداخلي، أما على الصعيد الخارجي فقد بدأ ميقاتي سلسلة لقاءات مع سفراء الدول الغربية والعربية لشرح الموقف اللبناني الذي بدا وكأنه ضد الموقف العربي والدولي تجاه الأوضاع السورية. والموقف الحكومي اللبناني لا يقتصر الحرج فيه على موقفه في الجامعة العربية فحسب، بل يطال ملفات أخرى لا تقل تعقيدا وخطورة وهو يطال السيادة اللبنانية كتلك المرتبطة بخطف معارضين سوريين والحديث عن تورط لبناني بتسليم معارضين لسوريا بعد فرارهم إلى لبنان وغضّ النظر عن حماية وتوفير مخيمات للعائلات السورية الفارة من جحيم الصراع في الداخل، والضرب بعرض الحائط أو التغاضي عن كل النداءات الدولية للحكومة اللبنانية لتوفير الحماية والتعامل وفق القرارات الدولية مع اللاجئيين السوريين. وبالعودة لموقف الحكومة في الجامعة فإن السؤال الأهم: هل كان بإمكان الحكومة اللبنانية اتخاذ موقف آخر في الجامعة العربية؟ ربما الإجابة ستكون بالإجماع "لا" . ولو كان معارضو ومنتقدو الحكومة في السلطة حالياً لما اتخذوا موقفاً أكثر حدّة من موقف الحكومة الحالية. وهم حين كانوا في السلطة كانوا يتوددون للنظام السوري ربما أكثر مما يقوم به الرئيس ميقاتي على الصعيد الشخصي. وهذا لا يعني أن الرئيس ميقاتي يقف إلى جانب النظام السوري ظالماً ومظلوماً كما هو حال شأن بعض الأحزاب المشاركة في حكومته بقدر اجتهاده في مصلحة لبنان الذي يخضع لاعتبارات تاريخية وجغرافية وسياسية في تعاطيه مع الملف السوري تقوم على قاعدة كان رئيس الجمهورية ميشال سليمان قد حددها قبل يومين في تصريح له من مدينة طرابلس بأن لبنان لا يستطيع السير وسط حقل الألغام القائم حالياً بدون اعتماد "الحياد الإيجابي" أي تعايش لبنان مع الوضع في سوريا وكأن أمراً لم يكن وذلك خشية من ارتداد الوضع السوري على الوضع الهش في لبنان، وهناك جهات لا تألو جهدا لنقل هذا الصراع الى الداخل اللبناني لما فيه من مكاسب استراتيجية لها فيه. والمتأمل في كلام ميقاتي على تويتر يدرك أن ميقاتي يلمس امتعاضاً لسياسته في الشارع اللبناني، ليست في ساحته السنية فقط حيث يتعرض لضغط شديد من الطائفة التي تقف كلها لجانب المعارضة السورية، بل من أطياف شعبية أخرى ترى حكومته تثبت يوماً بعد يوم أنها ليست حكومة مستقلة بقدر ما هي خاضعة بشكل أو بآخر للقرار السوري أو لقرار حليفه في لبنان حزب الله.. ربما يريد الرئيس ميقاتي حماية لبنان، على قاعدة، أن لبنان بلد صغير وسوريا بالنسبة له الرئة التي يتنفس منها، وليس من مصلحة لبنان تحمل تكاليف إغضاب النظام السوري مهما كان تصوره لطبيعة الأحداث التي تجري في سوريا فاتخذ هذا القرار فضلاً عن أن الأركان الأساسية المشاركة في حكومة ميقاتي تتبنى وجهة نظر النظام السوري وتدافع عنها وتتطوع لها. أمام هذه الحالة، لا يجد الرئيس ميقاتي بداً من السير بهذا الخيار وإن سبب ذلك ضرراً على شعبيته أو هدد مستقبله السياسي في مدينته طرابلس . فهل خيارات الرئيس ميقاتي ومبررات حكومته ستشفق عليه في الاستحقاقات الانتخابية القادمة؟!
531
| 19 نوفمبر 2011
لعل اللافت في خضم كل هذا الضجيج السياسي في الشوارع العربية هو الموقف الغربي المستجد تجاه "الإسلاميين" . فلم يكن أحد منا يتوقع قبل ولادة الربيع العربي أن يصل الغرب لقناعة أن من حق الإسلاميين كغيرهم من الأحزاب والتيارات السياسية المشاركة في العمل السياسي انتخاباً وترشيحاً وحكماً. فقد ظلّ الغرب ولعقود طويلة متواطئاً مع الأنظمة العربية في تصنيف الإسلاميين ، فهم لا يستحقون الثقة وليس من حقهم الوصول الى الحكم حتى لو كان الشارع برمته في صالحهم ، والسبب هو الشعارات المستفزة للغرب التي رفعها الإسلاميون دوماً. لقد كانت هذه الشعارات كافية للغرب أن يقبل بالتواطؤ مع الأنظمة الديكتاتورية في عالمنا العربي في تشويه صورة الإسلاميين ، ووضعهم جميعا في خانة واحدة هي الإرهاب ، وأن يبالغ من حجم خطرهم بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 ، الأمر الذي سمح للنّظم العربية التمادي في قمع شعوبها وسلبها ما تبقى من حقوق سياسية بحجة حمايتها من العدو الإفتراضي داخلياً وخارجياً. ربما كان الغرب بحاجة إلى "الربيع العربي" لإداراك حجم الخطأ الذي أوقع نفسه فيه، والذي بسببه استحق هذا الكمّ من الكراهية في العالم العربي لتعامله مع أنظمة لا تملك الحد الأدنى من الحس الإنساني في تعاطيها مع محكوميها الذين سُحقت كرامتهم تحت أحذية حكامهم ، فعاش الشعب واقعاً مأزوماً عقيماً لا يقدر على الولادة . كان الإسلاميون ولعقود عدة إرهابيين غير جدرين بالثقة ولا يملكون اية حقوق سياسية طالما انهم يقبلون بممارسة الديمقراطية لمرة واحدة فقط فإذا ما وصلوا الى الحكم انقضوا على الديمقراطية وحرموا المرأة من حقوقها التي أكسبتها إياها المدنية الحديثة ، فما الذي طرأ على هذه المسلمات حتى يرحب وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه حركة النهضة الإسلاميى على فوزها في الانتخابات التونسية ، وبلاده هي أول دولة غربية انقضّت على فوز الإسلاميين في الجزائر مطلع التسعينيات من القرن الماضي ودعمت انقلاب الجيش على الديمقراطية ؟! وليس ببعيد عن الموقف الفرنسي ذاك الموقف الذي اتخذته واشنطن تجاه الإسلاميين وهي التي حذرت لسنوات طويلة من وصول الإسلاميين للحكم ، فقد جاء على لسان وزيرة الخاريجية الأمريكية هيلاري كلينتون تقول ان بلادها مستعدة للتعامل مع الإسلاميين في تونس مؤكدة ان "العديد من الأحزاب ذات التوجه الإسلامي في العالم تنخرط طبيعيا في لعبة الديمقراطية" . كلام كلينتون الذي جاء قبل أيام قليلة امام "أن دي أي" - وهو مركز للدفاع عن الديمقراطية - كان لافتاً فيه اعترافها الضمني بمسؤولية بلادها تارخياً في دعم الديكتاتوريات في العالم العربي وان لم تصرح بذلك بشكل واضح وعلني ، فقد قالت كلينتون وهي تتحدث عن تعامل بلادها مع الدكتاتوريات في المنطقة : "طوال سنوات، قال الطغاة لشعوبهم إن عليهم أن يقبلوا بهم لتحاشي المتطرفين، وغالبا ما كنا نحن أنفسنا نقبل هذا المنطق". أما وقد بدأ العالم الغربي بإعادة النظر في حكمه على الإسلاميين ، حتى قبل ان يرى ما إذا كانوا سينجحون في حكم بلدناهم ، فإن الخشية أن يكون الغرب يراهن على خلق إسلاميين جدد لا يعرقلون مصالحه في العالم العربي حتى لو كانت على حساب حقوق شعوبهم . وفي مقابل المواقف الغربية المستجدة ، فإن النظم العربية الرافضة للتغيير والإصلاح تحاول ان تجاري التغييرات الحاصلة من خلال الترويج لتصنيف جديد للإسلاميين ، مختلف الى حدّ ما عن التصنيف الذي ساد خلال السنوات الماضية ، حيث يقسم التصنيف الجديد الإسلاميين الى فسطاطين ، فسطاط على شاكلة العدالة والتنمية التركي الراغب بالإنضام للإتحاد الاوروبي والمتعايش مع دولة اسرائيل وفكرة وجودها ، وبين إسلاميين ممانعين للمصالح الغربية ، مقاومين لوجود إسرائيل في المنطقة . وبين غرب يريد التصالح مع الإسلاميين الوافدين إلى الحكم بفعل الديمقراطية ، وبين أنظمة قائمة تلعب ورقة الإسلاميين من جديد من خلال تقسيمهم بين "إسلامي - صناعة غربية" يتآمر مع الغرب لرسم المنطقة من جديد ، وبين "اسلامي - صناعة وطنية وقومية " يتساءل المرء ما إذا كان الإسلاميون سيسمحون من جديد، لأي كان، أن يتعامل معهم كورقة قابلة للتفاوض حولها !.
394
| 12 نوفمبر 2011
قراءات كثيرة تتكهن بالأسباب التي دفعت دمشق للقبول بالمبادرة العربية لحل الأزمة السورية بعد تعنت واضح، أو على الأقل، بعد تحفظ على نقطتين أساسيتين فيها، الأولى: الحوار مع المعارضة خارج الحدود السورية، والثانية: ترؤس قطر للّجنة العربية. أياً تكن الأسباب التي دفعت دمشق لإعادة النظر في النقطتين سالفتي الذكر، فإن اللافت هو القلق السوري من تدويل القضية في حال قطعت دمشق الطريق على رؤية الجامعة العربية لحل الأزمة. من هنا، ربما نفهم مضمون الحوارين اللذين أجراهما الرئيس السوري بشار الأسد مع كل صحيفة "صاندي تلغراف" و"التلفزيون الروسي"، حيث حذر من أن التدخل الدولي في سوريا سيخلق عشرات الحالات من أفغانستان في الشرق الأوسط، تزامن ذلك مع الثناء التام على الموقف الروسي الداعم حتى حينه لدمشق في المحافل الدولية، ومؤكداً على حاجة دمشق لبقاء الدعم الروسي لها. مضمون ما جاء في الحوارين، في الوقت الذي تتحدث فيه دمشق عن تفاهم مع الجامعة العربية لحل الأزمة، يكشف عن قلق سوري دفين من تحول ما في الموقف الروسي الداعم للمبادرة العربية، لاسيَّما وأن تصريحات كل من واشنطن وأنقرة تزداد حدّة ضد النظام، وليس عفوياً في التوقيت أن يقول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إن بشار الأسد فقد شرعيته وإن الشعب السوري سينتصر في نهاية المطاف. وإذا ما جمعنا هذه الأحداث مع بعضها يُرجح لدينا صحة المعلومات المسربة من أنقرة أن حواراً روسياً تركياً مكثفاً، بدء به الأتراك وبإيعاز أمريكي لتطمين روسيا على مصالحها في المنطقة بعد رحيل النظام السوري. وفي هذا، فإن مهمة أنقرة تنحصر في طمأنة موسكو حول هواجسها المتمثلة في النقاط التالية: * الأولى: القلق الروسي من تنامي النفوذ التركي وتمدده نحو أراضيها، وأثر ذلك على القوميات الروسية التي تنحدر من أصول تركية، سواء داخل الحدود الروسية الرسمية أو تلك المتولدة من الاتحاد السوفيتي السابق والذي تملك فيه روسيا نفوذا قويا وكبيرا. * النقطة الثانية: تتخوف روسيا من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بسبب جذوره الإسلامية، وهي قلقة من أن يعزز ذلك تنامي نفوذ الإسلاميين في الشيشان وداغستان وغيرها من المناطق الروسية التي شهدت انتفاضات إسلامية راغبة بالانفصال عن الجسم الروسي. وقد سبق لتركيا تاريخيا أن كان لها تأثير واضح على مسار التحركات في تلك المناطق والأقاليم وهي إلى جانب إيران تعتبر من اللاعبين الأساسيين في التأثير على العرقيات الروسية المنتشرة على بقاع من أراضي روسيا المترامية الأطراف. * النقطة الأكثر جدلاً لروسيا هو سماح أنقرة لحلف الأطلسي نشر دره الصاروخي في تركيا. . وموسكو، وإن كانت تعتبر ذلك موجها بالدرجة الأولى للخطر النووي الإيراني فإنها ترى في نشر الدرع خطورة على أمنها القومي حيث قد يلعب دوراً كبيراً في التجسس ويشكل تهديداً للهيبة الروسية في الإقليم، كما قد يؤثر على أوراق موسكو الداعم لطهران في المحافل الدولية حيث استغلت دعمها لطهران في تحسين شروط التفاهمات مع الولايات المتحدة. وروسيا، وهي دولة تأمل حالياً أن تعود لسابق عهدها ونفوذها التاريخي الذي يحلم به رئيس الوزراء بوتن الراغب بالعودة من جديد إلى الكرملين، ترى الفرصة متاحة لها اليوم للعودة لنفوذها القديم بعد الضربات التي تتلقاها "منطقة اليورو" ما قد يؤثر على مستقبل الاتحاد الأوروبي برمته الذي أنشأ أصلاً لحماية دول الاتحاد من النفوذ الروسي ولمنافسة الأقطاب الاقتصادية العالمية مثل اليابان والصين والهند وغيرها. روسيا، المفاوضة من أجل مصالحها والراغبة دائما بالبقاء حيث أماكن نفوذها، ترى سقوط النظام في سوريا يشكل خطراً على مصالحها. وهي، كما يرى المراقبون، غير معنية بحماية النظام السوري كما غير معنية بدماء شعبه، وإنما عينها على استثمار الورقة السورية في المحافل الدولية للحفاظ على أكبر قدر من مصالحها مع خصومها التاريخيين، الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي. ومن هنا، فإن العبء الملقى على عاتق أنقرة، من خلال الحوارات السارية حالياً، هو تطمين روسيا حول تنامي النفوذ التركي، ومن ثم إقناعها أنه ليس من مصلحتها تكرار موقفها مع الأزمة الليبية التي كانت روسيا أكبر الخاسرين فيها، وبناء عليه، فإنه ينبغي أن تتخذ موقفاً أكثر ليونة مع المجتمع الدولي.. ولعل توجه الرئيس السوري بشار الأسد عبر "تلفزيون روسيا اليوم" بالشكر لروسيا على موقفها في مجلس الأمن وتأكيده على حاجة دمشق لدعمها يعكس قلق سوريا من تحول في الموقف الروسي كلما طالت الأزمة وعجزت دمشق عن احتوائها.
406
| 05 نوفمبر 2011
لا شك أن لعبة الصراع على إدارة الحكومة اللبنانية وصلت إلى خواتيمها أو هي في طريق الوصول بعد أن حلّ استحقاق تمويل المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث إن السجال القائم حالياً بين الفرقاء السياسيين ينذر بتصدع "الأكثرية الجديدة" التي تتشكل من الرئيس ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط رئيس جبهة النضال الوطني إضافة إلى تكتل قوى 8 مارس المكونة من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحرّ.. لقد بدا التمايز واضحاً ويزداد اتساعا يوما بعد يوم مع دنو موعد استحقاق تمويل المحكمة الدولية، حيث يصرّ فريق الثامن من مارس وعلى رأسه حزب الله على رفض تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على اعتبار أنها محكمة إسرائيلية هدفها الأساسي هو النيل من قيادات الحزب والمقاومة وصولاً إلى أجندات مرتبطة بضرب سوريا وإيران. يدعم حزب الله في ذلك التيارُ الوطني الحر الذي لا يبدو مقتنعاً بمبررات حزب الله كثيراً، وإن كان ينساق خلفه في رفضه لتمويل المحكمة ويكاد يتماهى معه في كل أطروحاته الداخلية والخارجية. ولعل التيار الوطني الحرّ بقيادة الجنرال ميشال عون وجد طريقاً آخر لتبرير سلوكه الرافض للمحكمة الدولية، وهو ما جاء على لسان النائب في تكتل "التغيير والإصلاح" الدكتور ناجي جاريوس الذي أرجع رفض التيار تمويل المحكمة لأسباب مرتبطة بتشكيلها غير الدستوري"، معتبراً أن "البيان الوزاري وإن تطرق إلى تمويل المحكمة، إلا أنه تم التأكيد على شفافية عملها والابتعاد عن التسريبات وهو ما لم يحصل في الفترة الفائتة". ويتساءل جاريوس: "لماذا يهبّ المجتمع الدولي والعربي لمطالبة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتطبيق القرارات الدولية في ما يتعلق بالمحكمة، ولا يتحرك أحد منهم لمطالبة دولة إسرائيل العنصرية ورئيس الوزراء الإسرائيلي بتطبيق القرارات الدولية". وبعيدا عما إذا كان طرح التيار الوطني الرافض لتمويل المحكمة مقنعاً للمراقبين وهو أحد الأطراف التي صاغت البيان الوزاري لحكومة ميقاتي الذي أكد احترام والتزام كافة الاتفاقات والمواثيق الدولية ومنها تنفيذ لبنان تعهداته بتمويل المحكمة، فإن العين تقع اليوم على كل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط، وإلى حدّ ما رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي يحاول أن يلعب دور الراعي للجميع بحكم منصبه وحدود صلاحياته. وإذا كان جنبلاط بدا مستاء من أداء حلفائه لاسيَّما حزب الله وقد ظهر ذلك جلياً خلال الحوار التلفزيوني الذي أجرته معه قناة المنار التابعة لحزب الله حيث لم ينفك جنبلاط أن يوجه النصائح للنظام السوري ويحذره من استمرار الحلّ الأمني ناسفاً الرواية السورية المدعومة من حزب الله بأن جماعات مسلحة تقف وراء الأحداث في سوريا، فإن المعلومات المتوافرة تؤكد أن وزراءه في الحكومة سيلتزمون بقرار تمويل المحكمة داخل مجلس الوزراء وإن كانت أغلبية الأصوات ستصوت بـ "لا" تماشياً مع رغبة حزب الله، أمّا خيارات الرئيس نجيب ميقاتي كلها مرةّ، لأن التسريبات تشير إلى أنه سمع في الآونة الأخيرة كلاماً واضحاً من حزب الله برفض الحزب تمويل المحكمة رفضاً قاطعاً، وأن على ميقاتي إما القبول بلعبة التصويت داخل مجلس الوزراء التي لن تكون لصالح التمويل وإما الاستقالة. ولا يبدو أن ميقاتي الذي يتطلع لإقناع ساحته السنية بزعامته ويحرص على تكريسها قادر على أن يجازف برصيده السني بعد الاتهامات التي يوجهها إليه تيار المستقبل بأنه يرأس حكومة حزب الله في لبنان أو خسارة ثقة المجتمع الدولي بحكومته وبلبنان في حال لم تلتزم حكومته بالتعاون مع المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ولا هو قادر على خسارة حلفائه في لبنان وسوريا أو الدخول في مواجهة مع حزب الله الذي جاء به إلى الحكومة.. وبين هذا وذاك يبدو أن ميقاتي سيفكر مرتين في الأيام القادمة قبل أن يخرج ورقة الاستقالة من حكومته أو يراهن بكل ما لديه من أوراق بالبقاء حتى موعد الانتخابات النيابية في العام 2013 ضارباً بعرض الحائط كل الهواجس التي تنتابه عن مستقبله السياسي.
524
| 22 أكتوبر 2011
لم يكن مفاجئا أن يخرج الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري ليتحدث واعظا في الشعب السوري الذي يتحرك منذ عدة أشهر باتجاه بناء دولة جديدة تقوم على التعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان، سواء كان ذلك التحرك عبر الدعوة إلى التغيير الجذري تحت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" أو عبر الإصلاح التي دعت إليه السلطة السورية وجارها في ذلك بعد أطياف المعارضة.. جميعنا يعلم أنه كلما طال أمد الأزمة في سوريا، كلما زادت المخاطر من أن تنزلق البلاد إلى حرب طائفيا، يحاول كثيرون أن يدفعوا بالأحداث نحو هذا المنزلق، وما خطاب أيمن الظواهري الذي وصف فيه نظام الرئيس الأسد بأنه حارس حدود إسرائيل "طوال عهده ودعوته المتظاهرين لينددوا بالولايات المتحدة كما ينددون بنظام الأسد بالقول: "نحن أبناء الفاتحين وسلالة المجاهدين وورثة المرابطين، إننا نخوض معركة التحرر والتحرير، التحرر من الطواغيت المفسدين والتحرير لديار المسلمين"، إلا كمن يصب الزيت على النار. وإذا أردنا أن نحلل خطاب الظواهري في سياقه العام والخاص، نجد أنه ينقسم إلى شقين، شق مرتبط بمرام وأهداف مرتبطة ببنية التنظيم نفسه وشق آخر مرتبط بالأحداث في سوريا. ففي الشق الأول، شهدنا وسنشهد مزيدا من الخطابات والتصريحات للظواهري في الأيام القادمة، لأن الرجل يريد أن يملأ الفراغ الذي أحدثه رحيل مؤسس التنظيم أسامة بن لادن، علما بأن الظواهري يفتقد للكاريزما التي كان يمتلكها بن لادن وإظهار أن التنظيم متماسك وقد استوعب صدمة مقتل زعيمه بن لادن وأن جهده ينصب حاليا على الأهداف التي من أجلها أنشأ وأنه - أي التنظيم - فرغ من إعادة ترتيب بيته الداخلي. لكن الإشكالية الأكثر تحديا للتنظيم والتي جاءت متزامنة مع مقتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن، هي مدى شرعية أطروحات التنظيم بعد نجاح التحركات السلمية للشعوب في التغيير دون كلفة كبيرة وفي فترة زمنية قصيرة ما أثر على أدبيات التنظيم التي كانت ترى في ممارسة العنف الشديد سبيلا وحيدا لقلب نظم الحكم في العالمين العربي والإسلامي. أما في الشق السوري، وانسحابا على غيره من البلدان التي تشهد تحولات سياسية، فإن القاعدة تريد من خلال تصريحاته وخطاباته القول إن لا تناقض بين مسارها وبين ما حققته الشعوب من إنجازات، مستغلا حالة الغليان التي تشهدها الشوارع العربية في محاولة لركوب الموجة وحصد إنجازات الشعوب من ناحية وإعادة الصراع بين الغرب والعالم الإسلامي إلى بعده الديني، وهذا بدا واضحا في دعوة الظواهري السوريين للتنديد بالولايات المتحدة كشريك أساسي لنظام الأسد. لكن تصريحات الظواهري وتقييمه للوضع في سوريا في تظهر مدى سطحيته في قراءة المشهد السوري حيث حملت تصريحاته جملة من التناقضات تؤكد أن التنظيم عمليا لا يفهم حقيقة ما يجري على الأرض السوري. فهو يحاول أن يغذي التصور القائل إن السنة مستهدفون في سوريا طائفيا وبالتالي هو ينفخ في البالون الطائفي لتحويل المشهد من حراك سياسي نحو التغيير إلى صراع مذهبي ديني يعزز من فكر القاعدة ويهيئ لها تربة خصبة للوجود تحت ستار حماية أهل السنة ومواجهة ما يتعرضون له، فضلا عن أن هذا النمط من التحليل لا يخدم الحراك الشعبي في سوريا، بل على العكس يحاول أن يؤدلجه ويعطيه بعدا دينيا ومذهبيا وهذا كفيل بصراحة بأن يشرذم سوريا ويفكك وحدتها الداخلية ويدخلها في اتون حرب أهلية طاحنة، في حين أن التنظيم يستفيد حيث ينشط في البيئات المتوترة دينيا ومذهبيا وحتى سياسيا. النقطة الثانية في هذا الملف هو محاولته استثمار التعاطي الأمريكي مع الأحداث في سوريا ليقول لمنظمي الاحتجاجات أن العدو الأساسي لهم هو الولايات المتحدة التي تدعم النظام لقمع شعبه، وأن النظام ليس إلا واجهة للإمبريالية الأمريكية والإسرائيلية، وهذا كلام فيه كثير من المغالطات، إذ إن المشهد السوري أكثر تعقيدا وتداخلا من أي بلد عربي آخر يشهد مثل هذه التحولات، وعلاقاته مع الولايات المتحدة ليست بتلك التي يصورها الظواهري، فلواشنطن مصالح واضحة في الضغط على نظام الأسد لأسباب يعرفها القاصي والداني وهي لا تختلف عن القاعدة في محاولة ركوب موجة التحركات الشعبية في سوريا لإظهار نفسها بأنها مع مصالح وتطلعات الشعب السوري.
483
| 30 يوليو 2011
لم يكن غريباً – نظراً للفرز السياسي المزمن- أن تصف قيادات 14 آذار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أنها حكومة " صُنع في سوريا " أو أنها "حكومة حزب الله في لبنان أو تكون الأمرين معاً على حد قول السفير الأمريكي السابق في لبنان ومستشار وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان: "إنها في أحسن الأحوال حكومة سوريا في لبنان وفي أسوء الأحوال حكومة إيران في لبنان ". فالاتهامات الكبيرة أمر معتاد في العمل السياسي بين القوى اللبنانية، لكن السؤال الأكثر تحدياً اليوم على تلك القوى، سواء المشاركة في الحكومة أو خارجها، هل بالإمكان إعطاء الحكومة التي شكلها الرئيس نجيب ميقاتي فرصة لإثبات إمكانية ممارسة العمل السياسي وقيادة الحكومة – أيا كان أعضاء تلك الحكومة- وفقاً لمرجعية " الوسطية في التعاطي مع جميع الأطراف " دون التخوين والإقصاء والإبعاد والكيدية من الآخر، المخالف في التوجه أو الممارسة؟ وسبب دعوتي هذه، ليس لأني معجب بالحكومة التي شكلها الرئيس ميقاتي، أو أني قلق على مستقبل 14 آذار بعد وصول تحالف (عون- بري- حزب الله) إلى الحكومة، بل أملاً في تحطيم "مسلمة سياسية" مفادها: لا مكان في لبنان لأي فكر أو ممارسة وسطية، فإما أن تكون معي في خطي ونهجي وهدفي وإما أنك تحمل أجندة خارجية تآمرية على البلد ومنجزاته التاريخية. وبناء على هذه "المسلمة" التي تكرست عرفاً سياسياً في العقود الأربعة الماضية في لبنان فإننا لم نر يوماً جهة مستقلة أو تُوصف بأنها جهة سياسية محايدة تنأى بنفسها عن الفرز السياسي القائم في البلد. الشخص الوحيد الذي وصل إلى رئاسة الحكومة في ظل الوجود السوري وبعد خروجه من لبنان، وأعلن عن نفسه أنه لا مكان له على خريطة الفرز السياسي داخلياً وخارجياً هو نجيب ميقاتي الذي تربطه علاقات وصداقات تمتد من دمشق إلى السعودية مروراً بعواصم الخليج وصولاً إلى باريس وواشنطن. وقد ترجم ميقاتي ذلك عملياً خلال انخراطه في العمل العام منذ تولي أول وزارة له في حكومة الحريري الأب وإلى اليوم. حتى في عز المحن والفرز والاحتقان المذهبي والسياسي الذي مر فيه لبنان ودفع جميع قياداته السياسية إلى التورط بزلاّت لسان أو مواقف، كان ميقاتي يدرس كلاماته ويوزنها بشكل لا يحتمل اللبس ولا التأويل وذلك للحيلولة دون أن يخسر أي من حلفائه أو أن يخلق أعداء له في لبنان. هذا البلد الذي يعتبر العمل السياسي فيه هو بمثابة من يرقص على رزمة أوتار ترتفع بضعة سنتمترات عن أرض مليئة بالمفخخات والمتفجرات. وإذا كانت حكومة ميقاتي هي الحكومة الأولى في لبنان التي تتشكل من لون سياسي واحد، وهو ما يحمل مفارقة سياسية غريبة، كيف أن حكومة يشكلها شخص، يعلن الوسطية منهجاً له، تكون من لون سياسي واحد خلافاً لكل الأعراف والتقاليد السائدة في لبنان، والتي دعت رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن يعلن مراراً أنه لا يوقع يوماً على حكومة من لون واحد لأنها لن تكون "حكومة ميثاقية"، على قاعدة أن كلّ عمل عام في لبنان، من السياسي إلى الاقتصادي إلى الاجتماعي لا يكون إلا بالتراضي بين القيادات الفاعلة على الأرض، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل قادر ميقاتي بـ"حكومة اللون الواحد" وبشعار "كلنا للعمل " الذي هو جزء من النشيد الوطني اللبناني أن يبرهن على وسطية داخل لون واحد بعيداً عن الكيدية والإلغاء؟ قد تكون الإجابة صعبة صراحة، لكن لابد من منحه فرصة، ولا مناص أمام قوى 14 آذار سوى منحه هذه الفرصة علماً أن ذلك لا يعني أن عليهم أن يتخلوا عن المعارضة البناءة داخل البرلمان أو أن يشكلوا حكومة ظل تراقب كلّ تحركات وأنفاس الحكومة، وما يزيد ذلك ضرورة هو أن حكومة ميقاتي أمامها ملفات كثيرة وشائكة، منها ما هو مرتبط بملف المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري ومنها ما هو مرتبط بإعداد قانون انتخاب عصري يتناسب مع المعايير الدولية، حيث لدينا استحقاقات انتخابية في العام 2013، ومنها ما هو مرتبط بترميم العلاقة مع سوريا بما يحفظ وحدة وسيادة البلدين. ولعل ما يحمله ميقاتي من إرث وسطي قادر ربما أن يعطينا أسلوبا جديداً في العمل السياسي، يغيّر، ولو بالحد الأدنى، من المعادلات السياسية" ويكرس معادلة جديدة مفادها انه بإمكان السياسي الناجح أيضاً أن ينأى بنفسه عن أي معادلة سياسية تقوم على الخصام والإلغاء والتخوين للطرف الآخر وهي مفردات ومصطلحات وجملة كاملة اعتدنا على سماعها من جميع الجهات السياسية العاملة في لبنان. ولا عذر لميقاتي أن يقول يوماً إنه فشل في ذلك، فهو يملك إلى جانب جنبلاط وسليمان ما يعرف بـ"الثلث المعطل" داخل الحكومة ما يمنحه القدرة على رفض أي قرار وزاري يتناقض مع الخط الذي رسمه لنفسه. وبما أن حكومته من لون سياسي واحد فإن المطلوب اليوم أن يبرهن لنا ميقاتي بعد الشك الذي لحق فيه مع تأخير دام أربعة أشهر على تأليف الحكومة، أن في لبنان يمكن لك أن تكون سياسيا أو تنشأ حزبا سياسيا دون أن تستعدي سوريا أو السعودية أو واشنطن أو أي دولة أخرى، ودون أن تتهم خصمك السياسي بالتخوين والعمالة والفساد، وإنما ترتقي بالعمل السياسي العام ليتلاقى مع الديمقراطية التي يتمتع بها لبنان فيقدم مولوداً غير مشوّهاً في العمل السياسي.
614
| 25 يونيو 2011
قبل أزيد من سنة بقليل وقعت مجزرة أسطول الحرية وتحديدا في 31 مايو أيار من العام الماضي حيث قتل تسعة متضامنين اتراك جاءوا على متن سفينة "مافي مرمرة" الى غزة في محاولة لكسر الحصار عن القطاع ما اُعتبر حينها انعطافة خطيرة في العلاقات الإسرائيلية التركية التي بدأت تنزلق من سيء إلى أسوء بعد أن تأزمت العلاقات بين البلدين على خلفية الحرب الإسرائيلية التي شُنّت على قطاع غزة نهاية العام 2008 وبداية العام 2009 وحصدت 1400 شهيد فلسطيني. وعلى خلفية التوتر التركي الإسرائيلي فقد شكلت الأمم المتحدة لجنة لتقصي الحقائق في اعتداء البحرية الإسرائيلية على المتضامنين ، وحتى الآن لم يصدر التقرر النهائي لعمل هذه اللجنة بعد أن مدد الأمين العام للأمم المتحدة عملها الأسبوع الماضي، بيد أن لجنة تيركل التي شكلتها الحكومة الإسرائيلية أقرت بشرعية الهجوم على سفينة مرمرة باعتباره جزءا من الدفاع عن النفس. منذ ذلك الحين والحكومة التركية لا تدع فرصة أو مناسبة تمرّ دون التنديد بالممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في غزة ، أما على المستوى الشعبي فذاك حديث آخر ، حيث جاب اسطنبول في الذكرى الأولى لمجزرة الأسطول عشرات آلاف الأتراك ، مؤكدين على أن الدم التركي لن يذهب هدراً وأنه مصمم أكثر من أي وقت مضى على كسر الحصار المضروب على قطاع غزة . وإذا ما علمنا أن "اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة" التي سيّرت "أسطول الحرية 1" تعمل الآن على تجهيز الأسطول الثاني لينطلق في نهاية الشهر الحالي ، فإن التساؤل المطروح : هل ستكرر إسرائيل مع "أسطول الحرية 2" سيناريو ما قامت به مع "أسطول الحرية1" ؟ لا شك أن القائمين على تجهيز الأسطول الذي سسيتوجه خلال أيام إلى غزة يتابعون باهتمام ما يجري من نقاش داخل إسرائيل في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن إجراء الجيش الإسرائيلي تدريبات على اقتحام السفن ، إلا أن ذلك لا يردعهم – على ما يبدو حتى الآن- حيث إنهم مصرون على الإبحار نحو غزة حتى لو تكررت المجزرة فما السبب الذي قد يفعهم إلى هذا التحدي ؟ لعله أمران ، الأول أن المنظمين يعتقدون أن الاحتلال يشن حرباً نفسية ليس إلا وهو يتقن هذه الحرب ويمارسها سواء مع تهديداته المتواصلة لفصائل المقاومة في غزة أو لحزب الله في لبنان . الثاني أن الاحتلال الذي ارتكب المجزرة الأولى خسر معركته في على متن "مافي مرمرة" فهو حوصر إعلاميا وسياسيا ، وبالتالي من الأجدر ألا يقدم على تكرار نفس الفعل وهو لا يزال يعيش هذه العزلة وتداعياته فضلاً عن انه يراقب عن كثب فتح مصر لمعبر رفح من ناحية ، وما ستقدم عليه السلطة الفلسطينية في سبتمبر أيلول القادم في الأمم المتحدة حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية. أما بالنسبة للجانب التركي بعد تأييد الشعب لحزب العدالة والتنمية فأظن أنه يعتبر أن القضية اليوم هي قضية تحدي ، والمرة الماضية لأم الشعب التركي الساسة الأتراك على موقفهم مما حصل على متن سفينة مرمرة .. ولعل الشعب اليوم يريد من حكومته موقفاً أكثر صلابة وتحدي ، علماً أن الاحتلال لم يفرج عن أي من سفن الأسطول باستثناء السفن التركية فقط . وبين الترقب الحذر والرغبة الملحة في الوصول إلى قطاع غزة ، يبدو أن الأسطول 2 الذي يتشكل من 15 الى 20 سفينة والذي ستنطلق معظم سفنه من اليونان وإسبانيا وتركيا وربما بعضها من دول عربية يريد أن يقول إن زمن البلطجة الإسرائيلية على اليابسة والبحر قد انتهى ، وأنه مع ربيع الثورات لم يعد العالم العربي والإسلامي كما كان ، وأن إسرائيل ربما تحتاج إلى استراتيجيات جديدة للتعاطي مع عالم عربي جديد لم يكن مألوفا لها من قبل .
457
| 18 يونيو 2011
يسود جدل في لبنان اليوم حول صلاحيات رئيس الجمهورية بعد أن أطلق البطريرك الماروني الجديد بشارة الراعي دعوة لتعديل بنود "اتفاق الطائف" الذي هو دستور لبنان، معللاً سبب دعوته بالأزمة الحكومية التي يعيشها لبنان منذ أربعة أشهر وحتى اليوم، حيث يعجز الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في تشكيل الحكومة العتيدة بسبب الصراع بين "الأكثرية الجديدة" حول عدد الحصص الوزارية ونوعها التي يريدها كل فريق سياسي داخل هذه الأكثرية، إذ أن الدستور المنبثق من اتفاق الطائف لا يحدد لرئيس الحكومة المكلف مهلة زمنية لإعلان حكومته. الدعوة إلى تعديل الدستور لا شيء فيها لكن قبل الحكم على الموضوع من المناسب أن نطلع قليلاً على "اتفاق الطائف" وكيف وضع؟ وما هي الظروف التي أنتجته؟ فـ"وثيقة الطائف" التي أقرت من قبل المجلس النيابي اللبناني في 5 نوفمبر 1989 جاءت لتضع حداً للحرب الأهلية التي استمرت لعقدين، ولأسباب تلك الحرب وتداعياته السياسية والاجتماعية حيث كان الحكم السياسي ما قبل وثيقة الطائف نظاماً رئاسياً بيد الطائفة المارونية التي تعتبر ثالث أكبر طائفة في لبنان بعد الطائفتين الشيعة والسنة. فعلى صعيد المبادئ العامة للدستور الجديد الذي أسس للجمهورية الثانية في لبنان فإن اتفاق الطائف أضاف إلى مقدمة الدستور فقرة حسمت نقاشاَ طويلاً حول هوية لبنان، فقد أكدت أن "لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم قوانينها "، كما أكدت الفقرة "ط" على "رفض التجزئة والتقسيم والتوطين"، وكذلك أكدت الفقرة "ح" على أن "إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية "، وهذا وحده أُعتبر إنجازاً عظيماً للشعب اللبناني حيث قضى بذلك على غالبية مسببات الحرب اللبنانية. أما على صعيد صلاحيات رئيس الجمهورية (من الطائفة المارونية) فقد أجرى الطائف تعديلات كثيرة عليها إذ قلّصها لمصلحة مجلس الوزراء مجتمعاً ورئيس مجلس الوزراء (من الطائفة السنية) الذي أصبح شريكاً أساسياً في الحكم، وتوقيعه أساسا في جميع المراسيم، ما خلا مرسوما تسميته رئيساً للحكومة أو استقالته أو اعتبار الحكومة مستقيلة، علماً أن رئيس الحكومة يُكلَف من قبل رئيس الجمهورية بعد أن تسميه أغلبية الكتل النيابية المنتخبة من الشعب بطريقة ديمقراطية، وبهذا تكون السلطة التنفيذية المتمثلة في مجلس الوزراء مجتمعاً تُمثل إرادة الشعب وتوجهاته، كما حُرم رئيس الجمهورية من حق حلّ مجلس النواب وقيِّد بمهل زمنية لنشر وتوقيع القوانين والمراسيم كما كان الأمر قبل الطائف في حين لا توجد مثل هذه القيود على سائر الرؤساء وحتى الوزراء. وقبل الحديث عن جدوى تعديل الدستور، لابد من السؤال: هل اتفاق الطائف هو السبب فيما نعنيه من أزمات سياسية ؟ ولماذا لم تُطبق بنود اتفاق الطائف بكاملها التي نصت على تشكيل "مجلس الشيوخ"؟ وأين القانون الذي نص على جعل لبنان دائرة واحدة في أي انتخابات برلمانية. الجميع في لبنان يعلم أن اتفاق الطائف لم يطبق بكامله بل طُبّق بطريقة استنسابية وبصورة انتقائية تتناسب والتدخلات الإقليمية، إذ أن الاتفاق نصّ على خروج جميع الجيوش الأجنبية من لبنان بعد مهلة محددة في إشارة إلى الوجود العسكري السوري الذي لم يخرج من لبنان إلا في عام 2005 تحت ضغط المجتمع الدولي على خلفية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، كما أن اتفاق الطائف نصّ على نزع سلاح المليشيات جميعها وسحب السلاح من كل الفصائل السياسية اللبنانية والفلسطينية ولم يطبق هذا القرار حتى كتابة هذه السطور. والأخطر من كل ذلك أن اتفاق الطائف هدف بشكل أساسي إلى إلغاء الطائفية السياسية في البلد لكن الأفرقاء اللبنانيين ومعهم النفوذ الإقليمي لم يعمل على تطبيق بند إلغاء الطائفية لأن مصلحتهم تتناقض وحالة الإلغاء. ولو سلمنا جدلاً بضرورة تعديل صلاحيات الرئيس مرة أخرى لتلافى المشاكل السياسية فإننا نتساءل عن النقاط التي أُخذت من الرئيس ويريدون استرجاعها له؟ وهل توقيت طرح الموضوع يتناسب في ظل الانقسامات السياسية الحادة اليوم وفي ظل تعدد الآراء حول هذا الاتفاق مما يجعله موضوعا ملتهبا قابلا لاستحداث المزيد من الانقسامات ليس فقط السياسية إنما أيضاً الطائفية. لعل المطلوب اليوم من البطريرك الراعي وغيره من الحريصين على وحدة لبنان وشعبه أن يدعو لتطبيق كامل بنود اتفاق الطائف الذي حسم هوية لبنان وحفظ وحدة ترابه إذ أن المأساة لا تكمن في الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية وإنما في الانقلاب على الطائف منذ عام 1992 وحتى اليوم لضمان بقاء النفوذ السوري في لبنان من ناحية وضمان بقاء امتيازات زعماء الحرب الأهلية لما بعد الطائف من ناحية أخرى.
525
| 04 يونيو 2011
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
4227
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
1872
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1770
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
1611
| 02 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1422
| 06 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1161
| 04 ديسمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
1149
| 03 ديسمبر 2025
لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...
903
| 03 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
663
| 05 ديسمبر 2025
تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...
630
| 04 ديسمبر 2025
شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...
552
| 07 ديسمبر 2025
ليس بكاتب، إنما مقاوم فلسطيني حر، احترف تصويب...
501
| 03 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية