رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
وصلنا، سابقا، في مقارنتنا بين "الانتخاب الطبيعي" والديمقراطية الغربية إلى أن "سلام ويستفاليا" (1648) كان اتفاقا على نهاية الدين، كحاكم لتصرفات النخب الأوروبية وإيذانا بانفلات تلك التصرفات إزاء العالم كله وإن بقي الدين يستغل كشعار زائف أمام الشعوب عند اللزوم. والأمثلة على ذلك كثيرة لعل أشهرها، حديثا، غزو أفغانستان والعراق، وما تسمى بالحرب على الإرهاب، التي لم يتورع جورج بوش الابن عن تشبيهها بالحروب الصليبية، قبل أن يتراجع تحت الضغوط. ونشير هنا إلى أن تاريخ الديمقراطية مليء بالتخبط، وأنها في شكلها الحالي، الذي يفترض أنه الشكل النموذجي، كانت نتاجا غير مباشر لـ "نظام ويستفاليا" العالمي. فبعده ظلت هناك، جزئيا، ما تسمى ديمقراطية النبلاء أو "ديمقراطية أثينا" التي روجت الأكاديميات الغربية أنها أم الديمقراطيات في التاريخ. وتلك بدورها ديمقراطية وهمية، أسهب كثيرون في شرح زيفها. ولم تظهر الديمقراطية بمعاييرها الحالية إلا بعد الثورة الفرنسية 1789. وقد تعددت منذ ذلك الحين المسميات التي تطلق على الممارسة السياسية التي ارتأت النخب الغربية إلصاق وصف الديمقراطية بها، بحيث تجرأ عدد من المتأخرين من علماء السياسة، والمتحدثين فيها، على إطلاق اسم "الديمقراطية غير الليبرالية" على أي دولة تنظم انتخابات تعددية بغض النظر عن تزويرها أو انتهاك الحقوق والحريات ومعيار الحياة الكريمة. وإذا كانت الحال هكذا فما قيمة الديمقراطية إذن؟! في الوقت نفسه ظل المتحدثون عن النظام السياسي في الإسلام، مثلا، يقعون في فخ الدوران في فلك المسميات الغربية ويحاولون المقارنة بين نظام الشورى والديمقراطية. وهم في ذلك يمايزون بين الشورى والديمقراطية، مع أن الإنصاف يقتضي التسليم باستيعاب النظام الشوري لأفضل ما في الديمقراطية النموذجية، والاعتراف بأنه ديمقراطية خاصة، يمكن تسميتها "ديمقراطية الشورى". وربما لم ينج من ذاك الفخ إلا قلة من المفكرين منهم عباس محمود العقاد، في كتابه "الديمقراطية في الإسلام". لكن أحدا لم يقل بأن الشورى هي ديمقراطية بحد ذاتها. ولم لا إذا كان الآخرون يلصقون الديمقراطية بكل ما يحلو لهم؟. وهناك إشكاليات جوهرية في أصل الفكرة الديمقراطية، تحدث عنها كثيرون، قديما وحديثا، لذلك أجمل بعضها فيما يلي: فمنها استخدام النخب للمال السياسي للتأثير على توجهات الناخبين من خلال حملات تشويه الخصوم، بينما يفتقر كثير من المستحقين للترشح إلى الدعم المالي. وهذا ينسف معيار التنافس الحر الشريف. ومنها أن أي عمل جماعي سياسي أو غير سياسي يجعل الحرية الفردية تالية أو تابعة لقرارات الأغلبية، والأغلبية هنا أغلبية وهمية، هي أغلبية النصف وواحد، التي وصفها توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة بأنها تمكن نصف الشعب تقريبا من استلاب رأي وحرية النصف الآخر. ومنها أن الديمقراطية أو غيرها لا يمكن أن تتحقق بدون مركزية، والمركز هنا هو مجرد مجموعة غير ممثلة للشعب بأي مقياس، فمعظم من يضعون القوانين والإرشادات للمجتمع هم أشخاص أو موظفون لم ينتخبهم الشعب. وحتى الذين انتخبهم جزء من الشعب "نظريا"، جاءوا بانتخابات لم تتحقق فيها المعايير الصحيحة للحياد وحرية الاختيار. ومنها أن الديمقراطية تقتضي منع الاحتكار سواء السياسي أو الاقتصادي لكنك تجد أن كل شيء تقريبا في النموذج الأمريكي مثلا محكوم بالاحتكار الفج على كل المستويات. وهكذا، فأنت كلما ذهبت تطبق أحد معايير أو متطلبات الديمقراطية وجدته يتناقض مع نفسه أو مع الفكرة الأم للديمقراطية ذاتها والتي قالت مجلة الايكونوميست في عددها الصادر في يوليو 2022 إنها "غير قابلة للتطبيق في المقام الأول"، وما ذاك إلا نتيجة مشكلة جوهرية في الفكر المرجعي وراءها. وللحديث صلة.
1848
| 14 يونيو 2023
من أكثر ما يميز ويعقد في الوقت نفسه دراسة العلوم السياسية، ما تعرف بمعضلة التعريفات. ذلك أنك تجد أنه عندما ينشب خلاف بشأن قضية ما، يكون أصل الخلاف حول تعريف المسألة موضوع البحث أو المشكلة، إذ يذهب كل فريق إلى تعريفها وتوصيفها كما يحلو له ويتفق مع مصالحه. لذلك نجد أن كثيرا من الأحبار أريقت في إطلاق مسميات سواء من جانب باحثين جادين أو من قبل مشوشين مغرضين في مجال انتاج الفكر عبر جامعات ومعاهد غربية سيطرت عليها المصالح الرأسمالية ووجهتها لخدمة أهدافها. بالنتيجة صارت هناك فوضى مسميات ضاعت معها حقائق كثيرة وشوهت مصطلحات ومدلولات أكثر عبر الزمن. من تلك المصطلحات التي تم تشويهها عن عمد في تلك المسيرة، مسيرة السيطرة الرأسمالية، مصطلح المستبد العادل، ذلك المصطلح الذي كان شهيرا في أدبيات السياسة العربية قبل أن يتوارى في العقود الأخيرة، نتيجة خفوت أو ربما انطماس الحديث عنه مثلما انطمست اشياء كثيرة في الفكر العربي نتيجة الهجمة الغربية العنيفة. هنا يتجلى الصدام الحضاري بين حضارة حقيقية هي حضارة العروبة والإسلام وحضارة أقل شأنا هي حضارة الغرب القائمة على الاستعمار وسرقة ثروات الشعوب وتشويه أفكارهم، بعد سرقة النافع منها. وبعيدا عما يسمى نظرية المؤامرة، فإن حضارة الغرب تلك شعرت بالدونية إزاء حضارتنا الأعلى منها شأنا فناصبتها العداء وكادت لها، وشوهت كل ما يتعلق بها دينيا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، وفكريا. فدينيا وسياسيا لا يخفى على أي عربي مسلم حجم حرب التشويه، المادي والمعنوي، التي مورست ضد الدين الإسلامي وما تزال، وأما ثقافيا واجتماعيا، يعلم القاصي والداني أيضا كم التشويه الذي تعرضت له شخصية العربي خاصة والمسلم عامة في الافلام والمسلسلات، والثقافة الغربية عموما، وخاصة في العقود الأخيرة. وأما فكريا فهذه تعيدنا إلى لب الحديث عن المستبد العادل، فمصطلح الاستبداد في حد ذاته لا يحمل دلالة سلبية حقيقية بقدر ما يدل على الحزم والضبط والربط، حتى إن الأولين كانوا يقولون إن "العاجز من لا يستبد". وقد أشار مفكرون عظام كثيرون منهم الراحل محمد عابد الجابري إلى أن لفظة الاستبداد لم يكن لها ذلك المدلول السلبي الذي يحيط بها اليوم في المرجعية العربية القديمة. وهنا يميز الجابري بين الاستبداد والطغيان، فالاستبداد هو الحزم مع العدل أما في غياب العدل فيكون هو الطغيان. وعلى نفس المنوال كانت معظم الثقافات القديمة ومنها فلسفة أفلاطون في الحضارة اليونانية التي هي أم الثقافة الغربية المعاصرة، يجمع بينها مفهوم مشترك بأن الحكم الرشيد لا يتحقق إلا بقائد يجمع بين السلطة النافذة (الاستبداد) والحكمة، وهذا يمثله في التاريخ القديم نموذجا الملك النبي سليمان والاسكندر الأكبر. فمثال الحاكم العادل غير المستبد لا يكاد يكون له سابقة في التاريخ. فكل العادلين الذين تهاونوا قليلا كانت نهايتهم نتيجة عدم حزمهم (استبدادهم)، فهذا هو عثمان بن عفان، وهذا هو عمر بن عبد العزيز، والخليفة العباسي المهتدي بالله قتلهم تغاضيهم عما يدبر لهم خشية الوقوع في الظلم والاستبداد. ولم يحدث هذا في التاريخ القديم فقط فالسنوات القليلة الماضية شهدت نماذج مشابهة في منطقتنا العربية. ووسط الهجمة الغربية على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمستمرة رغم فوزه في انتخابات نزيهة، نضرب مثالا على المعايير الغربية المزدوجة في هذا الصدد بسؤال استنكاري: ألم يكن جورج بوش وتوني بلير من المستبدين بالمدلول الغربي عندما كذبا ولفقا تهما جزافية لأفغانستان والعراق لتبرير غزوهما. فهل حلال لهم الاستبداد مع الظلم حرام على أردوغان برغم العدل والنزاهة؟!.
729
| 07 يونيو 2023
لا شك أن من حقنا نحن الحالمين بانتصار الحق والخير على الظلم والشر أن نفرح بفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة، بعد معركة انتخابية حامية الوطيس لم يحمِها إلا شدة جرأة الواقفين وراء الباطل وتحريشهم للإيقاع بالرجل تحريشا وصل إلى حد إعلان العداء الصريح الذي كشف عورة حقدهم وأهدافهم الدفينة التي لا تريد السماح للديمقراطية بأن تعمل متناسين دندنتهم التي لا تنقطع ليل نهار عن ضرورة تطبيق الديمقراطية في كل أنحاء العالم. لكن بعد هذا الفرح، وبعد أن ظلت الأنفاس محبوسة خوفا من أن يلجأ هؤلاء إلى ألاعيبهم المعروفة والمجربة لإسقاط أردوغان، في أكثر من مناسبة كانت أفدحها محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2106، يحق علينا ويلزمنا أن نتساءل، هل انتهت المعركة حقا وزال الخطر؟ الإجابة هي أن هؤلاء المتشدقين بالدفاع عن الديمقراطية لهم جرائم سابقة أو سوابق إجرامية، إن شئت، في إسقاط الديمقراطيات الحقيقية على مدى عقود طويلة. وكأنهم متخصصون فعلا في إسقاط الديمقراطيات الناجحة والأمثلة في ذلك في أمريكا اللاتينية وآسيا، وأفريقيا أكثر من أن تسعها هذه المساحة. بالأمس قدم الخاسر كليشدار أوغلو ما يمكن اعتباره أول بيان في حرب الدولة العميقة في تركيا ومن وراءها على ديمقراطية تركيا الحقيقية الناجحة، ومضيها نحو سيناريو مماثل لما حدث عربيا بقوله: "إن تركيا ستواجه أياما صعبة في الفترة المقبلة"، مضيفا أنه وحزبه من سيقفون ضدها، مذكرا بمقولات من قبيل "الإرهاب المحتمل". وعلى الفور خرجت الصحف الغربية وفي مقدمتها الإيكونوميست مستأنفة تحريضها ضد أردوغان قائلة: "لقد ضاعت أفضل فرصة خلال عشر سنوات، لتصحيح مسار الديمقراطية في تركيا بفوز أردوغان". والغريب أنها تقول ذلك بينما لم يجرؤ أي فريق مراقبة دولي للانتخابات حتى على الزعم بأن الانتخابات كانت مزورة. فإذا كانت الانتخابات أجريت وفق المعايير الديمقراطية النزيهة فكيف لتلك المجلة التي تمثل وجهة نظر النخب العليا في المجتمع الغربي أن تتجرأ على هذا القول؟ البي بي سي التي ساهمت بدور واضح في التمهيد لانقلابات نشرت، بدورها، تقريرا لها من إسطنبول يصف الرئيس أردوغان بأنه رئيس مستبد والشعب التركي بأنه منقسم على نفسه، ولم تنس أن تشير إلى مسألة أن نصف الشعب تقريبا هم من انتخبوا أردوغان، واختتمت تقريرها بكلام لشبان أتراك يقولون إنهم سيواصلون النضال. بل إن التقرير أفرد مساحة ليست قليلة للشواذ للتعبير عن تشاؤمهم من فوز أردوغان. هذه عينة فقط من انعكاس فوز أردوغان على تلك القوى التي ما فتئت تصنع الانقلابات وتسقط الديمقراطيات، ومن بينها، للأسف، قوى إقليمية عربية. ودعونا لا ننسى أن محاولات التخلص من هوجو شافيز رئيس فنزويلا السابق استمرت سنوات طويلة حتى قتلوه كما قالت مصادر عدة بسلاح سري يسبب سرطان الأنسجة الرخوة العنيف. فهل حقا انتهت المعركة معهم وزال خطرهم الذي لا يهدد تركيا وحدها بل كل أنصار الحق والحقيقة في المنطقة؟
969
| 31 مايو 2023
أحسب أن التجربة الإنسانية قد نضجت بما فيه الكفاية لتمييز السمين من الغث، والحقيقة من الزيف، والخير من الشر. أتحدث هنا عن الحياة الكريمة وأفضل النظم لتحقيقها. أشرت في مقال سابق إلى أن كثيرا من البشر يظنون أن ما تسمى الديمقراطية هي أفضل نظام يحقق الحياة الكريمة، وضربت مثالا، بالولايات المتحدة، على أنها ليست كذلك وأن نظاما مثل النظام القبلي العرفي أو ما أسميه الانتخاب الطبيعي في السياسة أثبت نجاحا حقيقيا في واقع الأمر، وضربت مثالا على ذلك بدولة قطر، وأشير هنا إلى أن هذا النموذج لا ينطبق على كل دول الخليج كما كان الحال من قبل، وسيأتي شرح ذلك لاحقا. ولكن في هذه السطور أواصل مع تفنيد ما تسمى الديمقراطية. ولفهم ذلك لابد من العودة قليلا للوراء لسبر غور الخلفيات التي شكلتها خلال العصور الحديثة، والتي ما زالت تحكم منهجها للآن. النظام الدولي الذي يسير وفقه العالم الآن يعود تأسيسه بدرجة كبيرة إلى اتفاقية تاريخية تسمى «سلام ويستفاليا» لعام 1648. تلك الاتفاقية، اعتبرت نهاية للحروب الدينية في أوروبا، ورغم أنها لم تنه تلك الحروب بالكلية فقد كان من أهم نتائجها تأسيس ما يسمى بالدولة الحديثة التي قسمت مناطق النفوذ بين القوى الأوروبية وقتها وحددتها بحدود ثابتة بحيث لا تتجاوز أي دولة تلك الحدود وعلى أن يكون لها «احتكار العنف» أو استخدام القوة داخل حدودها فقط، أما خارجها فيكون اعتداء على دولة أخرى. من هنا تم اعتبار القبيلة والعشيرة والطائقة كيانات غير ممثلة في ذلك النظام العالمي، بل وتم التعامل معه في الأدبيات السياسية بمنطق الاحتقار والتقزيم. الأخطر أن الاتفاقية كانت إيذانا بفتح الباب على مصراعيه أمام تلك القوى لنهب ثروات المجتمعات الأخرى التي لم يكن ينطبق عليها مصطلح الدولة وفق سلام ويستفاليا، أو هكذا اعتبرها المستعمرون الجدد. والذي يجب الانتباه إليه هنا أن اتفاقية ويستفاليا تلك جاءت لإنهاء صراع بين الأوروبيين تفجر بالدرجة الأهم بعيد سقوط دولة الإسلام في الأندلس أواخر القرن الخامس عشر (1492). ومع رغبة الأوروبيين في تقزيم دور الإسلام والمسلمين في الحضارة، تمت الإشارة إلى مجتمعاتهم بالأساس على أنها مجتمعات قبلية غير متحضرة، مع أن الدولة الإسلامية كانت لقرون طويلة هي عين الحضارة والرقي التي نهل منها الأوروبيون وبنوا نهضتهم من نبعها. وكان ذلك أيضا مقدمة لتبرير نهب كل المجتمعات الأقل تقدما ولو نسبيا علاوة على المجتمعات الجديدة، ومنها الأمريكتان اللتان تؤكد مصادر محايدة عدة أن الإسلام وصلها قبل كولومبوس وفترة ما سمي بالكشوف الجغرافية للعالم الجديد. هنا سيكتشف المتابع أن فكرة الديمقراطية في أساسها كانت من بين الوسائل المعنوية التي استخدمها ذلك الاستعمار، لترتيب العلاقات بين مكوناته وتنظيم التهامهم لبقية مناطق العالم. كما يجب الانتباه هنا إلى أن التضليل أو التشويه الفكري كان أداة أساسية من أدوات السيطرة على العالم، وذلك بالسيطرة على مراكز التعليم والبحث والتنظير، حيث أخذت الجامعات ومراكز البحث من وقتها وللآن مكان الكنيسة والمعبد، وباتت هي مصادر إنتاج الفكر ومعامل تفريخه، وفق ما يحب ويرضى أسياد ذلك النظام.، وذلك بعدما تم وضع الدين جانبا، فالراجح عندي أن «سلام ويستفاليا لم تنه الحروب الدينية بقدر ما أنهت الدين نفسه. وللحديث صلة...
726
| 22 مايو 2023
أجواء الانتخابات التركية والتدخلات الغربية السافرة فيها والتي تتنافى كل التنافي مع مبادئ الديمقراطية تطرح أسئلة مهمة بخصوص معاني الديمقراطية ومدى صلاحيتها للتطبيق. إذا كانت الحياة الكريمة هي الهدف الأسمى المفترض لأي نظام سياسي على وجه هذه الأرض فالمفترض أيضا أن تكون هذه هي القاعدة لتحديد أي تلك النظم أفضل. واذا كانت ما تسمى الديمقراطية بظن أغلبية البشر هي أفضل نظام سياسي، فمن الإنصاف إجراء مقارنة بينها وبين أنظمة أخرى أقل شهرة لكنها ربما تكون أكثر نفعا في تحقيق قاعدة الحياة الكريمة، منها ما أسميه الانتخاب الطبيعي، أو العرف، وهذا مصطلح متفق عليه في العلوم السياسية. الديمقراطية لها توصيفات ومعايير كثيرة يهمنا منها هنا اثنان فقط، الأول أنها تقوم على نظام انتخاب وضعي أساسه الاختيار بين مجموعات وقوى مختلفة حتى تقود إحدى تلك المجموعات ذلك المجتمع، والثاني أن يكون هناك تداول للسلطة بين تلك المجموعات، منعا لاحتكاها. في المقابل، هناك نظام الانتخاب الطبيعي التلقائي أو ما يسمى بالعرف الذي يقوم على التراضي على شخصية أو مجموعة واحدة لقيادة المجتمع، ويمكن النظر إلى هذا النظام على أنه بديل أفضل لسياسة البشر. وربما تتبين ملامح كل من هذين النظامين من خلال مقارنة سريعة بين نموذجين لهما. ولنبدأ باستعراض نموذج النظام الأول ويمثل زيفه وفشله الولايات المتحدة. فبتطبيق المعيارين الأساسيين اللذين تقدم ذكرهما وهما الحياة الكريمة والتداول، نجد أن أيا منهما لا يتحقق هنا. فبالنظر إلى المجتمع الأمريكي ستجد أن به اختلالات عجيبة يفترض ألا تكون موجودة في نظام ديمقراطي مثالي. من ذلك أن ما يقرب من 50 مليون أمريكي، يعيشون تحت خط الفقر وكثير منهم باتوا مشردين بلا مأوى. وهؤلاء وغيرهم لا يتمتعون برعاية صحية من أي نوع. كما أن ما يقدر بنحو 80 بالمئة من القوى العاملة يعيشون بالكاد على رواتب أقل من 30 ألف دولار سنويا،، وهي رواتب لا تصل إلى الحد الأدنى للحياة الكريمة بالمعايير الغربية. أما النقطة الأخرى وهي مسألة تداول السلطة فقد أبطلها احتكار حزبين اثنين فقط لها في الجزء الأكبر من عمر الدولة الامريكية. فهل إذا احتكرتها جماعتان صارت جيدة؟ بالطبع لا. في المقابل يدحض النموذج العرفي الذي تمثله دولة مثل قطر كل الانتقادات والاتهامات التي يكيلها أرباب النظام الديمقراطي للنظام القبلي العرفي. وبنظرة سريعة على مستوى المعيشة في قطر تجد أنه ووفقا للبنك الدولي فإن تصنيف دولة قطر يأتي ضمن الدول الأعلى دخلاً في العالم، برغم كافة المتغيرات والتحديات التي واجهتها خلال السنوات الماضية. والنتيجة أنك لا تجد مواطنا قطريا محروما من الرعاية الصحية، مثلا، أو ينام مشردا في العراء كما هي الحال في أمريكا، هذا من ناحية الحياة الكريمة. أما من ناحية تداول السلطة فإن الاستقرار الحقيقي في السلطة الذي تتمتع به قطر يعد بعدا إيجابيا إذا ما قورن بالاستقرار الوهمي في السياسة الأمريكية. فصحيح أنه نظام واحد مستقر لكنه نظام يرضى عنه الشعب رضا كاملا. ولعل أبرز مثال يؤكد تفوق نظام الانتخاب الطبيعي على ما يسمى بالديمقراطية هو وقوف الشعب القطري وراء قيادته ونظامه خلال ما عرف بسنوات الحصار الذي فرضته بعض الدول على قطر ودام قرابة 3 سنوات بينما في الولايات المتحدة عبر الشعب الأمريكي مرارا عن رفضه لنظامه من خلال استغلاله أي فرصة لكسر النظام والقانون مثل ما يحدث عندما تنقطع الكهرباء على نطاق واسع، فيبدأ الناس بسرقة المحال التجارية وتخريبها.
822
| 15 مايو 2023
مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
2454
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...
2274
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...
1200
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...
780
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...
675
| 11 ديسمبر 2025
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...
660
| 08 ديسمبر 2025
يُتهم الإسلام زورًا وبهتانًا بأنه جاء ليهدم الدنيا...
591
| 07 ديسمبر 2025
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام...
576
| 08 ديسمبر 2025
شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...
570
| 07 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...
558
| 12 ديسمبر 2025
• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...
525
| 11 ديسمبر 2025
نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...
525
| 11 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية