رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ثَمنُ الحرية.. «إنهم لن يستطيعوا أن يقتلونا جميعا»!

في 20 ديسمبر الماضي كان عنوان مقالي «يا شعوب العالم اتحدوا». حذرت فيه من أن ما يُفعل بأهل غزة سيكون مصير كل الشعوب في أي مكان تتحكم فيه النخب الرأسمالية الغربية، «أعداء الإنسانية»، متى خالفوهم الرأي. وها نحن بعد نحو 4 شهور، ينتفض طلاب الجامعات في أمريكا ودول أخرى، دفاعا عن الإنسانية في ضوء ما يتعرض له قطاع غزة من إبادة جماعية، فيقابلها أعداء الإنسانية بالقمع والاعتقال ومصادرة الحريات. والاختلاف الوحيد هو فقط في حجم ونوعية الاعتداءات، التي ترتكبها «مليشيات» حكومات تلك الدول المسماة بالشرطة، والتي ستزداد حتما مع تزايد واتساع حجم ونوعية الاحتجاجات. وهم لن يتورعوا عن سحل وقتل الطلاب كما فعلوا من قبل خلال الاحتجاجات الطلابية على حرب فيتنام. فضمن سلسلة طويلة من الاعتداءات قتلت قوات الحرس الوطني بولاية أوهايو أربعة طلاب وأصابت آخرين فيما عرف بـ»مذبحة مدينة كينيت» عام 1970. لكن ذلك لم يمر دون ثمن فقد أدت تلكم المذبحة إلى اتساع الاضرابات وانتشار الاحتجاجات التي لم تنته إلا بوقف حرب فيتنام وتفجر فضيحة ووتر جيت التي أدت لاستقالة الرئيس الأسبق نيكسون نتيجة لجوئه لإجراءات غير قانونية لقمع قادة الحركة الطلابية. لكن موقفا حازما من جون إدغار هوفر، رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) آنذاك أحبط مساعي نيكسون، بل كان السبب المباشر في فضحه واستقالته استباقا أن يعزله الكونجرس. وقد ظهرت هذه القصة في فيلم مهم بعنوان «مارك فيلت» من بطولة ليام نيسون الذي أدى دور هوفر وكان يطلق عليه لقب «الصوت العميق» نظرا لأنه كان يسرب المعلومات عن تحركات نيكسون غير القانونية. وكان من أبرز الشعارات التي ظهرت خلال تلك الاحتجاجات، التي كانت دموية في بعض الأحيان، شعار تبناه طلاب جامعة نيويورك يقول «إنهم لن يستطيعوا أن يقتلونا جميعا». وكانت هذه هي كلمة السر في توحيد صفوف الطلاب. وفي مواجهة الاحتجاجات التي وصفها كاتب خطابات نيكسون آنذاك ريموند برايس بـ»الحرب الأهلية» بدأت آلة الإعلام الصهيونية يوجهها نيكسون ذاته، في تشويه المحتجين باتهامهم بأنهم عملاء للشيوعية، وكانت تلك هي التهمة التي يوجهونها لمن يخالفهم الرأي آنذاك، واستبدلوها الآن بما يسمى»معاداة السامية». وتم حينها استدعاء الجيش للتدخل، ونقل الرئيس إلى مكان آمن، لدرجة أن مستشاره تشارلز كولسون الذي أوصله للرئاسة وكان يوصف بأنه «بلطجي نيكسون»، قال بالحرف «لا يمكن أن تكون هذه هي الولايات المتحدة.. لا يمكن أن تكون هذه أعظم ديمقراطية في العالم. هذه أمة في حالة حرب مع نفسها». لكن،،، بعد أن انتهت الحرب واستقال نيكسون عادت الأمور لما كانت عليه وخضع الناس طلابا وغير طلاب لحكم أعداء الإنسانية من جديد. آنذاك لم ينكشف الغطاء بالكامل عن الوجه القبيح للصهيونية العالمية. لكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفا في شقين أساسيين، الأول أن المحتجين يثورون ضد مسألة تبدو ظاهريا لكثيرين شأنا خارجيا (دعم غزة) وليس قضية أمريكية داخلية وهو ما يمنح الاحتجاج أهمية أكبر. لكن الذي لا يريد أن يفهمه أو ربما أن يعترف به أعداء الإنسانية هو أن الطلاب يثورون الآن من أجل أنفسهم وشعوبهم، قبل غزة التي أظهرت أن الجميع في خندق واحد، كما ذكرت سابقا، وهذا يقودنا إلى الشق المهم الثاني وهو أن الاحتجاجات موجهة صراحة ضد الصهيونية والإمبريالية العالمية أيا كان من يقف وراءها. لقد استفاق الطلاب، وقليل من الأساتذة، كما كان الحال في مفاصل تاريخية كثيرة، على ما لم يدركوه بدرجة كافية وقت حرب فيتنام، وهو أن من يحكمونهم يشكلون «عصابة» واحدة مع من يقتلون الأبرياء في غزة. (انظر مقال ياعزيزي كلهم لصوص). ولكن لماذا الطلاب هم دائما أو في أغلب الأحيان من يقود مسيرة الثورة على الطغيان. والإجابة ببساطة هي لأنهم الأقل خضوعا لاستعباد أصحاب رأس المال. فالموظفون عبيد وظائفهم والتجار ورجال الأعمال عبيد مصالحهم التي يتحكم فيها أعداء الإنسانية بعدما احتكروا كل شيء تقريبا من تجارة وصناعة بكل أشكالها بما في ذلك الرياضة والفن. ولايكاد يكون هناك استثناء وحيد من حالة العبودية الحديثة تلك التي تحدث عنها كثيرون من قبل، من عباس العقاد ومقاله «الاستخدام رق القرن العشرين» الذي نشره بعد استقالته من وظيفته الحكومية، قبل نحو 100 عام، إلى باتريسيا ديلبيانو وكتابها «العبودية في العصر الحديث» (2011)، حيث تحدثت عن عبودية الوظيفة وسمتها العبودية التعاقدية أو العبودية بالأجر، وهو ما تحدث عنه أيضا المفكر اليهودي نعوم تشومسكي المتمرد على الصهيونية. ويتعلق مباشرة بالحرية النسبية التي يتمتع بها الطلاب مقارنة ببقية طبقات المجتمع أنهم الأكثر قربا وتمكنا من متابعة الأحداث بحكم الترابط والتنظيم الذي توفره مقار الدراسة، وتعززه وسائل التواصل الاجتماعي، (انظر مقال «عندما ينقلب السحر على الساحر»). على أن جميع من تحدثوا عن العبودية الحديثة لم يصيبوا قلب الحقيقية وإن اقتربوا منها كثيرا فالعبودية الحديثة تظل محكومة أو مرهونة بعامل آخر، يترافق مع «الأجر المضبوط» بحيث يكون، وباستثناءات قليلة، بمثابة السلسلة في يد صاحب العمل ورقبة الموظف. ذلك العامل الآخر هو «الرصاصة»، التي غيرت تفاصيل العقد الاجتماعي منذ اختراعها، وفي هذا حديث آخر. لكن حتى ذلك الحين، دعونا نردد معا إن «الوحدة تحمينا»، و»إنهم لن يستطيعوا أن يقتلونا جميعا». فهذا هو الشعار الذي يجب أن ترفعه الشعوب قبل فوات الأوان، وهذا هو ثمن الحرية، فمن لم يكن مستعدا للموت فلا يتحدث عن الحرية، كما قال مالكوم إكس.

747

| 08 مايو 2024

السباق نحو الهاوية.. عندما تعشق الفريسة قاتلها!

أشرت سابقا إلى القصة المتداولة في تراثنا وأدبنا العربي عن القرية التي اجتاحها المغول فاغتصبوا كل نسائها إلا واحدة قاومتهم فما كان من المغتصبات، بعد خروج الغزاة، إلا أن قتلوا العفيفة الوحيدة بينهن. وفي الأدب الانجليزي، يقول شكسبير في الفصل الرابع، المشهد الثاني، ج2 من مسرحيته «هنري السادس» على لسان أحد أشرار الرواية الذين يحاولون إسقاط الملك، «دعونا أولا نقتل كل المحامين» بمعنى اقتلوا كل الذين يستطيعون كشف الحقيقة ومناصرة الحق وإقامة العدل. وهكذا حياة البشر، صراع لا ينتهي بين الخير والشر، لكن بعض الناس تخصصوا في الشر واحترفوه وباتت مهنتهم التي يجنون من خلالها الثروات ويسيطرون بها على السلطة والحكومات. وقد كانت هذه عقيدة أحفاد ابن سبأ على الدوام، منذ أن احتكروا توكيل الشر في العالم: «اقتلوا كل الطيبين.. اقتلوا كل الشرفاء وأشعلوا الثورات في وجه الصالحين». بل إن هذا مكتوب في أكثر مخطوطاتهم قداسة واتباعا وتطبيقا. وهذا بالضبط ما فعلوه قديما وحديثا. ومن هنا نستكمل قصة هدم الخلافة وإشعال النيران حول السلطان عبدالحميد، آخر خليفة حقيقي للمسلمين. ولأن هذا ليس سردا تاريخيا فلن ندخل كثيرا في التفاصيل الدقيقة ليوميات سقوط الخلافة، لكن سنواصل قراءة معاني الأحداث وما بين السطور. وقد كنا توقفنا عند تسخير «أعداء الإنسانية» الصحفَ والكُتّابَ لتخريب عقول الجماهير وتأليبهم على سلاطينهم وخاصة في المائة سنة الأخيرة من عمر السلطنة ثم تحريض النُخب والجيش على السلطان عبدالحميد. يلاحظ هنا أن السلطان كان يفهم مكائد هؤلاء، كونه كان انضم لجمعية العثمانيين الجدد مطلع شبابه - وفق مصادر تاريخية وثقها الكاتب التركي آيدِن بَيْرام، وترجمها الباحث محمد شعبان أيوب- ولمس بنفسه أن تلك الجماعة، يحركها الإنجليز ومن وراءهم، كانوا يريدون إلغاء الدين الإسلامي بالكلية من حياة الإمبراطورية، من خلال الدعوة الشيطانية لفصل الدين عن الدولة، وهو الأمر الذي نجحوا فيه في أوروبا قبل ذلك. لكن في الفترة التي استلم فيها عبد الحميد الحكم كانت خيوط المؤامرة قد وصلت إلى مرحلة الاكتمال شبه التام فلم تُجدِ محاولاته نفعا لوقفها. وقد اعتمد هؤلاء على إثارة تمرد الضباط، واحتضنوهم في محافلهم الماسونية في سالونيك، بعيدا عن قبضة السلطان (كتاب السلطان عبدالحميد لمحمد علي أورخان ص 212). وتحكي المصادر كيف استضافت محافل سالونيك لقاءات المتمردين في بداياتها حتى تم لهم الأمر وتوجهوا بتمردهم إلى اسطنبول لخلع السلطان. بل إن إمانويل كاراسو اليهودي الذي سلم السلطان قرار عزله كان يدير محفلا ماسونيا في سالونيك، وكان الضباط المتمردون مثل مصطفى كمال وطلعت وأنور وجمال (السفاح) يلتقون فيه. («سلام ما بعده سلام» 38-54، والأفعي اليهودية، ص 75- 102). وربما لا يعلم كثيرون أن جمال باشا السفاح ذاك هو من قاد الانقلاب على السلطان وهو الذي ارتكب جرائم بشعة بحق شعوب كثيرة منها الأرمن والسوريين لكنها نسبت زورا إلى الدولة العثمانية، إمعانا في تشويهها، مع أنه كان ينفذ تلك الجرائم باسم الماسونية واليهود والإنجليز. لقد انقض المتآمرون على رأس وقلب الخلافة فحرضوا الشباب، وخاصة أبناء الطبقات الراقية، وأغروهم بمعسول الكلام المبطن بالسم عن ضرورة التحديث وفوائده وأهميته، وحتمية تقليد الغرب من أجل النهوض، وهو ما سيستمر شعارا كاذبا لكنه جاذب حتى يومنا هذا لكثير من الشباب الحالم بحياة أفضل. ومثلما حدث في أوروبا إذ هُدم الدين رسميا بهدم سلطة الكنيسة، نجح أعداء الإنسانية في إلغاء الإسلام على المستوى الرسمي بهدم الخلافة وتنصيب نظام أتاتورك الذي لم يكتف بالهدم بل ناصب الإسلام العداء. ومثلما حدث في أوروبا أيضا، كانت المهمة الأصعب هدم الدين في نفوس الرعية، فعملوا على مواصلة إرجافهم وتضليلهم للناس عبر وكلائهم، في أشلاء الإمبراطورية، الذين نصّبُوهم وصنعوهم على أعينهم، فأمعنوا في تطبيق سياسة «فرق تسد»، وأعملوا مقص «القومية» في جسد الأمة، فتقطعت الدولة الإسلامية الواحدة أشلاء وعرقيات وأوطانا (سايكس بيكو)، لا تفرق بينها الحدود المصطنعة فقط ولكن الحزازيات الطائفية والدينية والمذهبية، التي كان يغذيها ويؤجج نيرانها شيطان الاستخراب العالمي. وهذا ما لم يفعله الفتح الإسلامي في أي أرض دخلها (وفي هذا حديث لاحق). وكما كان خنجر القومية هو الذي وجه الطعنة القاتلة للإمبراطورية ومزقها إربا، سيتم توجيه نفس الخنجر نحو بقية شعوب الخلافة يمزقها ويفرق بينها ويضع بينها الحدود تلو الحدود، (تفتيت المفتت)، حتى توقف العقل الجمعي عن التفكير بل عن الحياة وباتت أمة الإسلام أحزابا، كل حزب بما لديهم فرحون، لا بل، ويتعايرون ويتطاحنون. على أن ما يدهش حقا في هذه المسيرة الطويلة من صراع الخير والشر هو أن يتحول الوضع بين أجزاء ما كان سابقا خلافة وأمة واحدة من تعاضد وتلاحم إلى شقاق وتخاصم ثم من سباق لتحقيق الهوية الذاتية الضيقة إلى سباق نحو الهاوية بعشق العدو والانضواء تحت كنفه (التطبيع)، في دورة عكسية شبه كاملة لحركة التاريخ، فيما بات يعرف نفسيا في العصور الأخيرة بمتلازمة ستوكهولم. يعيدنا هذا مرة أخرى إلى سؤال «كيف تشكل عقلنا الحديث؟». ونجيب بأن القصة لم تكن في أي من مراحلها مجرد عملية هدم لسلطة سياسية ولا إسقاط ملك أو خليفة بعينه، بل كانت مسيرة متواصلة «مستمرة» لمحو الدين من حياة الناس وإلغائه من مفرداتهم ومسحه من نفوسهم وعقولهم في إطار «صناعة الكفر». ولما كان إسقاط الحكومات واغتيال الأنبياء والملوك والمصلحين واحتكار المال والثروات وسائل في سبيل تحقيق ذلك فقد فعلوا كل ذلك، وما خفي أعظم.

786

| 01 مايو 2024

التحديث.. «حصان طروادة» الذي هدم الخلافة

مازلنا مع تفاصيل عملية هدم الدولة العثمانية حاملة لواء آخر «خلافة» إسلامية، والتي أَعتبرُ أنها زالت فعليا بزوال السلطان عبد الحميد الثاني وليس بإعلان زوالها في 3 مارس 1924. فهي لم تكن مسؤولة فعليا عن أي قرارات بعد عزل السلطان في 27 أبريل 1909، مثلما لم تكن مسؤولة عن كثير من قراراتها وتصرفاتها حتى قبل عزله. وإنما كانت عصابة الدولة العميقة الموجهة من الخارج التي استولت عليها هي المتصرفة في كل شيء بما في ذلك قرار إلغاء الخلافة ذاتها. وقد استعرضنا كيف تحكمت الدول الكبرى في تلك العملية، التي سُمي الجزء الأخير منها «مرحلة الأفول» وامتدت بين عامي 1828 و1908. وستبين التفاصيل أن جريمة الهدم كلها دبرها وحركها أحفاد ابن سبأ من الماسونيين ويهود الدونمة الذين ادعوا الإسلام كذبا بعد قدومهم المشوب بالتآمر من الأندلس إلى أراضي الإمبراطورية العثمانية. وكان سلاحهم الأمضى في تلك المرحلة هو التشويه الفكري لتغيير مفاهيم العقل الجمعي في قلب الخلافة أو لنقل في رأس الخلافة أي في عقر دراها وبالتحديد في اسطنبول. فبعدما نشروا الشعوذة والتخلف لحقب طويلة، جاءوا بما سموه العلاج، «التحديث» الذي سيكون «حصان طروادة» الذي سيهدمون به الخلافة. وهنا لم تأت الضربة القاتلة من الأطراف بل جاءت في القلب، وبقطع الرأس. كانت مكائد الدول الغربية، ومن يحركها، لهدم الخلافة تقوم على تذويبها وتفكيك بنيانها من الداخل ببطء، كما يفعلون مع بعض «أشباه» الدول الآن، قبل أن يوجهوا الضربة القاضية لما تبقى منها في حرب كبرى ستكون هي الحرب العالمية الأولى. فكيف تم ذلك؟ مع تطبيق ما سُمي تنظيمات أو إصلاحات تزايدت أعداد المندسين القادمين من الأندلس في طبقات الدولة، وتكونت منهم وحولهم حركات وجماعات عدة تسترت بعباءة الإصلاح والتحديث، ومنح لهم بعض السلاطين الحماية والتشجيع بأمل المساهمة في تطور الإمبراطورية، غافلين عن أنهم سيكونون عناصر الهدم المتخفين في حصان طروادة (الإصلاح). وحتى عندما سيستفيق السلطان مراد الثالث، استفاقة مفاجئة، عام 1579، إلى خطر اليهود ويقرر الإطاحة برؤوسهم، سيتراجع بشكل غريب، مقابل مبلغ كبير من الذهب تم تقديمه للسلطانة الأم، (اليهود في الإمبراطورية العثمانية ص 31)، خلال فترة ما عرف بـ «سلطنات الحريم». فقد كوّن هؤلاء العديد من الحركات السرية التخريبية التي كان من أخطرها «العثمانيون الجدد» (1856)، والتي سميت لاحقا «الاتحاد والترقي»، وكانت تستلهم فكرها ونظامها من الحركات التي أسسها اليهود والماسون في أوروبا وخاصة فرنسا وإيطاليا. وفي هذا يقول ديفيد فرومكين صاحب كتاب «سلام ما بعده سلام» الذي يفيض تشفيا في سقوط الخلافة (لقد كان الانتساب إلى منظمة سرية من الأنشطة الشائعة في الإمبراطورية العثمانية... ص40)، وزاد نشاطها في عهد السلطان عبد الحميد. ولأن الأمور لا تأتي صدفة ولا فجأة فإن تيار الهدم المتستر بعباءة التحديث، سيستفيد بالطبع من الشيء الذي تآمروا لتحريمه على الأتراك لقرون، ألا وهو الطباعة والصحافة. وسيكون سلاح المتمردين السريين الأمضى هو الصحف التي تمرس أعوانهم فيها لنحو ثلاثة قرون بعدما سُمح لغير المسلمين فقط بإنشاء المطابع أواخر القرن 15، كما تقدم. حينئذ ستظهر التيارات الفكرية المسمومة من خلال تلك الصحف. وسيقود تلك الأفكار العناصر التركية المتغربة التي تعلمت في المدارس الأوروبية إضافة إلى الغربيين الفعليين سواء من المندسين أو «المستشرقين» ومنهم الكاتب الاسكتلندي تشارلز مكفرلين الذي صاغ تعبير تركيا الفتاة، لوصف حركات الشباب «المتغرب» التي نادت بالإصلاح، لكن سفينة إصلاحاتهم كانت دفتها لا تتجه إلا نحو الغرق، حتى أن أول صحف تهتم بالشأن العثماني الداخلي أسسها فرنسيون في السنوات الأخيرة من القرن 18 ولترويج الدعاية الأوروبية. ثم جاءت أول صحيفة رسمية كاملة باللغة التركية عام 1831 وكان عنوانها «تقويم وقايعي»، بحسب دراسة «التطور التاريخي للصحافة التركية» لمحمد الرميزان. ومرة أخرى نجد في كتابات ديفيد فرومكين عن «نهاية الدولة العثمانية وتشكيل الشرق الأوسط الجديد» اعترافات عدة بأن اليهود والماسون هم من وقفوا وراء هدم الدولة العثمانية كونها كانت تمثل الخلافة الإسلامية. وهو يُضمّن كتابه «سلام ما بعده سلام» رسائل من جيرارد لاوثر السفير الإنجليزي لدى اسطنبول آنذاك يصف فيها جمعية الاتحاد والترقي بأنها «اللجنة اليهودية للاتحاد والتقدم» وبأنها تمثل مؤامرة يهودية ماسونية دولية لاتينية في إشارة إلى فرنسا التي كانت الجمعية تستوحي شعاراتها من ثورتها التي تؤكد مصادر تاريخية، منها كتاب «كنيس الشيطان..التاريخ السرى لسيطرة اليهود على العالم»، أن من صاغوها هم كتاب من يهود أوروبا، وأنهم هم أيضا من كانوا وراء ثورة روسيا البلشفية. هنا وبتتبع الخط التاريخي نرى أن الذين كانوا وراء، تشويه النصرانية، والإسلام على السواء، وكانوا وراء تمويل الحملات الصليبية، كما سبق ذكره، نضجت خططهم بداية القرن العشرين لتصبح حربا عالمية على الإسلام فجاؤوا يمتطون ظهور الأوروبيين ليهدموا الخلافة في الحرب العالمية الأولى، بعدما أشعلوا «ثورة قومية» انتهت بانقلاب ضد السلطان عبدالحميد، مهدوا له بإفساد العقل الجمعي العربي المسلم، لندخل منذئذ عصر القوميات والتشرذم والسباق نحو الهاوية.

1305

| 17 أبريل 2024

في تفاصيل عملية هدم «الخلافة»

يعيدنا المقال السابق عن الأمة ونهضتها «النائمة» إلى حديثنا عن مسيرة تشكيل العقل العربي الحديث الذي توقف طويلا منذ بدء مشهد طوفان الأقصى، الذي باتت تطوراته، من إجرام المعتدين وأعوانهم وصمود المقاومين، مسألة تستعصي على الفهم والتحليل، باستثناء أن غزة قد اختارها الله كي تجدد لهذه الأمة دينَها وفق الحديث المعروف. وليس لها من دون الله كاشفة. وكنا قد وصلنا إلى المراحل الأخيرة في هدم الدولة العثمانية أو ربما الخلافة كما كانت تسمي نفسها. ولعلنا قبل المضي قدما في تفاصيل عملية الهدم، نقول إن الخلاف بشأن البناء الذي هُدم، أكان خلافة أم سلطنة، موضوع بحث مستقل، لكننا سنعتمد مُسمى خلافة لأسباب منها أن الشعوب الإسلامية اعتبرتها هكذا لفترات طويلة، ناهيك عن أن كونها خلافة يتسق بقدر أكبر مع مسار العقل العربي المسلم الذي كان بالفعل حتى ما قبل الانهيار يفهم ذاته هكذا، وينضوي تحت هذا الكيان بصفته تلك، بغض النظر عن شرعية المسمى من عدمها. وهناك سبب آخر رسمي وإجرائي هو أن نظام أتاتورك ذاته، الذي هدم ذلك الكيان، احتاج لإلغاء السلطنة ثم الخلافة كل على حدة. فالدولة العثمانية انتهت بصفتها السياسية في نوفمبر 1922، وأزيلت كدولة قائمة بحكم القانون في 24 يوليو1923، بعد معاهدة لوزان، وزالت نهائيًّا في 29 أكتوبر 1923، بقيام «الجمهورية التركية»، أما الخلافة فألغيت رسميا في 3 مارس 1924، بما سُمي مرسوم الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا. نعود هنا إلى عملية الانهيار الحضاري والبنيوي لمفهوم وكيان الأمة الإسلامية. وما يهمنا هنا هو الحالة الفكرية التي واكبت عملية الاحتضار وكانت نتاجا للعقل الجمعي العربي المسلم آنذاك، إذ كانت تلك العقلية، في مجملها، هي عقلية الشعوذة والإرجاف والجهل والبعد عن العلم والتحديث بحجة التحرز من الوقوع في الحرام! وكان هذا نتاج أحقاب من التشويه الفكري الذي لم يفتأ أحفاد ابن سبأ يدسونه في نسيج الأمة، سواء كانوا مؤسسين لطوائف وفرق دينية منْحرفة محرِّفة، أو مدارس فلسفية مضللة، أو خبراء ومسؤولين مفسدين في المجالات المختلفة، أو حريما من حريم الأمراء والسلاطين يجمعن كل ذلك، (مما سبق تفصيله). وسنتفاجأ هنا بأن مفكرين كثيرين انتبهوا إلى حالة الانهيار تلك في فترات مبكرة نسبيا في عمر الدولة العثمانية، كما أشرت سابقا، وحاولوا إنقاذ السفينة من الغرق دون جدوى. ففي أواسط القرن 16 أسس السلطان سليمان القانوني وهو في أوج قوته (1536)، لتنازلات غريبة للأوروبيين ضمن ما سُمي «نظام الامتيازات الأجنبية»، بدأت بمعاهدة مع فرنسا تضمنت إجحافا غير مفهوم بحقوق العثمانيين، وميلا غير مفهوم أيضا نحو حماية اليهود، رغم تحذيرات الصدر الأعظم ومطالبته بطردهم (كتاب اليهود في الإمبراطورية العثمانية ص30). ومع ظهور سلبيات تلك التنازلات تنبه مفكرون عثمانيون لأوضاع السلطنة المتردية. وقال باحثون من بينهم، د. محمد أيوب شعبان، إن من أوائل هؤلاء المفكرين، المؤرخ العثماني مصطفى علي أفندي، الذي لخص أسباب التردي آنذاك، بعد 30 عاما فقط من وفاة القانوني، بأنها نتاج بذخ وفساد الطبقة الحاكمة، وقدم مقترحات للسلطان مراد الثالث، في كتاب سماه «مفاخر النفائس في كفاية المجالس» (1595). ثم توالت المقترحات وجاء أهمها بعد نصف قرن تقريبا عندما قدم المؤرخ حاجي خليفة «رسالة إصلاحية» إلى السلطان محمد الرابع، بعنوان «دستور العمل في إصلاح الخلل»(1653). لكن تلك المقترحات للإصلاح ذهبت هباء لأن السلطان مراد الثالث، تحديدا، واحد من الذين وجهوا أشد الطعنات للدولة بخضوعه للقوى الرجعية التي هدمت مرصد واسطرلاب اسطنبول وبخنوعه أمام محظيته صفية التي قدمت سيادة الإمبراطورية على طبق من ذهب للإنجليز، كما أوضحنا سابقا. لذلك ذهب باحثون آخرون، وهو ما نتفق معه، إلى أن من الخطأ تسمية تلك المقترحات، وما نتج عن بعضها بالإصلاحات. ويرفض د. قيس العزاوي في كتابه «التباسات الكتابات العربية عن التاريخ العثماني»، اعتبار «التنظيمات» التي سبق ذكرها إصلاحات لأنها في الواقع زادت التدهور بإضعافها صلاحيات السلاطين المتعاقبين لمصلحة القوى الأوروبية التي فرضت تلك التحديثات «التخريبية» لفائدتها. وكان من عواقبها الخطيرة منح امتيازات أكبر للدول الأجنبية ولرعاياها لم تتوفر للعثمانيين أنفسهم، علاوة على منح الدول الأجنبية حق الإشراف على المنتمين لها دينيا لدى الدولة العثمانية، وهو ما فتح الباب لبدء حركات تبشير واسعة النطاق في الأراضي الإسلامية، وفّرت للمسيحيين الأوروبيين أوضاعا استثنائية جعلتهم وكأنهم يشكلون حكومة داخل الحكومة العثمانية. كما أنها جعلت سفراء الدول الأجنبية شركاء للسلطنة في كل قراراتها السيادية، وحتى العسكرية، وفق ما يذكر د. قيس العزاوي في كتاب آخر بعنوان «الدولة العثمانية قراءة جديدة لعوامل الانحطاط». الأغرب من ذلك أن الأوروبيين، وفق العزاوي وآخرين، بدأوا من أواسط القرن 18 في وضع قواعد فصل الأتراك عن محيطهم الإسلامي من خلال الحديث عن انتماء الأتراك العرقي والقومي وليس الإسلامي وتضخيم الذات التركية على حساب الحس العربي، وتغيير أسس اللغة التركية تمهيدا لإلغاء الحرف العربي. وكان من بين «الشياطين» ولا أقول المفكرين الذين أججوا تلك النزعات التقسيمية التقزيمية، باعتراف برنارد لويس- وتأصيل باحثين من بينهم الباحث التركي نيازي بيركيش في كتابه «تطور العلمانية في تركيا» ثلاثة من يهود أوروبا هم لوملي ديفيد، وديفيد كوهين، وأرمينيز فامبيري. وقد تبلور ذلك لاحقا هدما للكيان الإسلامي العملاق، وتقزيما للإمبراطورية لتصبح مجرد دولة تقل مساحتها كثيرا عن مليون كم2 بعدما بلغت، في أوج مجدها، أكثر من 15 مليون كم2.

1062

| 10 أبريل 2024

«النهضة» نائمة.. بارك الله من أيقظها!

في رواية «رُد قلبي» التي أبدعها الراحل يوسف السباعي، يتساءل بطل الرواية «الحقيقي» في جملة موحية مؤثرة بالعامية: «هي البلد ده مفيهاش حد يخاف عليها؟». وعلى نفس النسق أتساءل: أليس في هذه الأمة من يخاف عليها؟ أليس فيها من يحمل همها ويفكر من أجل صحوتها ونهضتها؟ هل انقضى القرن العشرون وانقضت معه آمال النهضة؟ هل طرح السابقون كل الأسئلة المفترضة؟ هل سُمح لهم أن يطرحوا كل ما عندهم؟ هل كانت هناك إجابات شافية؟ وهل كانت كلها صحيحة؟ ولماذا لم تتحقق النهضة؟ أم أن روح الأمة قد فاضت وعادت إلى بارئها؟! ربما تكون كل الأسئلة الجوهرية المحورية قد طرحت، في مسيرة البحث عن النهضة المفقودة. لكن المؤكد أن الإجابات لم تكن كلها صحيحة وهو ما أحدث سجالات ونقاشات، متلاحقة بين أقطاب تلك المشروعات النهضوية وبين نقادهم بل وتلامذتهم، كما سبب خلافات وتناقضات كانت يد «الاستخراب» تحركها بلا توقف. أما ما كان صحيحا وواضحا ومباشرا فقد تم وأده ووأد من أتوا به. لم يبدأ سؤال النهضة حوالي القرن العشرين كما قد يظن البعض. ولكنه بدأ مبكرا، أواخر القرن السادس عشر أي قرابة منتصف عمر الدولة العثمانية، في شكل مقترحات، من أوائلها ما قدمه المؤرخ مصطفى علي أفندي للسلطان مراد الثالث، ضمن كتاب سماه «مفاخر النفائس في كفاية المجالس»، وكان نصيبه التجاهل، فزاد الانحدار، وتسارع. ومع تفاقم التدهور ومرحلة الاحتضار بدأ السؤال يتبلور في زمن جيل الأفغاني ومحمد عبده، ما أسفر فكرة الجامعة الإسلامية التي تبناها السلطان عبد الحميد، لكن فتكت بها المكائد، التي كانت تجاوزت حد الإصلاح. وكان الذي أجج روح البحث عن النهضة هو شكيب أرسلان في كتابه « لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟» (1930)، والذي صبغ سؤاله النقاشَ ووجه دفته حتى الآن. ثم جاء أبو الحسن الندوي، بكتابه «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين»، بعده بعشرين عاما، ليضيف أبعادا أخرى للنقاش. فقد طرح أرسلان السؤال الأهم في أوضح صيغة له، وأكد أن الإسلام كان سبب تقدم كل من تبعوه بحق، عربا أو عجما، وأنه لم يكن أبدا سبب تخلفهم. لكنه لم يُجب إجابة كافية، عن السؤال، إذ أنه، كغيره، لم يزد على أن شخّص المرض، وأكد أن سبب التخلف هو التخلي عن الإسلام وليس العكس. وربما تناول أعراض المرض الظاهرة، لكنه لم يتطرق إلى الأسباب الحقيقية، التي أدت لاستمرار المرض بلا علاج منذئذ. ومن أبرز ما يبين كيف أنه أخفق في رصد الأسباب الخفية- ربما لاختلاف الزمن وعدم وضوح الصورة كما هي الآن- عبارة يقول فيها «لماذا سادت الأمة الإنجليزية هذه السيادة كلها في العالم؟ نجيب: إنها سادت بالأخلاق وبالمبادئ». ولا أدري عن أي أخلاق وأي مبادئ كان يتحدث رحمه الله. فقد أظهرت الوثائق وشهادات المؤرخين العرب والأجانب أن الخيانة والخبث والمؤامرة كانت هي العامل الأساس وراء سيادة تلك الدولة الباغية. كما قرر هو نفسه في غير موضع عدم ثقته بالإنجليز، وكان مطاردا منهم ومن معظم حكومات تلك الفترة. وقد جرت محاولات كثيرة لتحقيق النهضة الإسلامية المأمولة، وكذلك لإحباطها، منذ كتاب أرسلان، الذي جاء ردا على موجة التشكيك التي أبرزها كتاب علي عبد الرازق، «الإسلام وأصول الحكم» (1925)، وتابعها د. طه حسين «في الشعر الجاهلي» (1926) قبل أن يتوب الرجلان عن أفكارهما لاحقا. وأحسب أن قلة هم الذين اقتربوا من الإجابة الصحية ومنهم الراحل سيد قطب. فقد رأى بعض الباحثين ومنهم د. سيد القرشي أن قطب اختلف عن معظم من سبقوه وعاصروه. وربما النقطة التي تفرد بها قطب، وهو ما أشرت إليه في مقالات سابقة، هو أن الأمة أسيرة للاحتلال وأن «الغير» أو الغرب تحديدا، لم يتقدم حقيقة وأنهم يعيشون حياة جاهلية، من منطلق أن الحضارة لا تعني مجرد التمدن. لكنه أُعدم ووئدت أفكاره معه. كما اندلعت معارك فكرية حامية حول وسائل النهضة وبأي عقل نباشرها، وهل لدينا هذا العقل أم لا. وحدث هذا عندما انفصل «الإسلامي» عن «العربي» بسقوط الخلافة. ووقعت سجالات غير مباشرة، بين قطب ومالك بن نبي، ومباشرة، مثلا، بين د. محمد عمارة وفؤاد زكريا، اللذين شهدت الدوحة إحدى مبارزاتهما الفكرية، عام 1992. وحتى مرحلة سيد قطب ومالك بن نبي كان السؤال المطروح هو سؤال أرسلان، أما بعد ذلك فقد ظل يزداد ضبابية. وظلت المسألة تتقزم من مشكلة بحث عن نهضة، إلى أزمة بحث عن هوية، إلى تشكيك في الهوية. ثم توقف البحث بالكلية، مع محاولة بعض الضالين والرويبضة، الذين يحركهم المُحتل، التنصل من الهوية والتراث، والسعي لتغييرهما تحت شعار تجديد الخطاب الإسلامي. وهنا تجب ملاحظة أننا في مسيرتنا نحو الانهيار الحالي مررنا بمرحلتين مفصليتين أولاهما «الوهن وحب الدنيا» التي أصابت المسلمين حكاما ومحكومين، بالضعف والتخلف والتوقف عن طلب النهضة. وتلتها مرحلة استغلال «العدو» لهذا الوهن والضعف للانقضاض على الأمة تدريجيا بعد سقوط غرناطة وخروج الإسلام من الأندلس. وخطورة هذه المرحلة هي أن العدو أنشب مخالبه في رقبة الأمة ولم يترك لها أي فرصة للخلاص بل جعلها تسير من تخلف إلى تخلف ومن تراجع إلى تراجع بأساليب كان أهمها انقضاض ذلك العدو على الرؤوس والسيطرة عليها بعد قطع الرأس الكبيرة (الخلافة). تلك هي الإجابة المختصرة التي أغفلها كثيرون ربما لأسباب الاضطهاد السياسي. أما الإجابة الأشمل فهي أن روح الأمة لم تمت ولكنها نائمة، فبارك الله من أيقظها.

1371

| 03 أبريل 2024

فقه العزة والنصر

توقفنا في المقال السابق عند ما سميته «فقه الهزيمة»، وكيف أنه من أبرز تداعيات انفصالنا عن فكرنا الإسلامي الصحيح. ومن أخطر تمثلات فقه الهزيمة، مثالا لا حصرا، تصدر من يُسمون أنفسهم شيوخا وفقهاء، ممن اختارهم «المستعمر العالمي» على عينه، لممارسة التخذيل عن الجهاد، والترهيب من قول كلمة الحق، والترغيب بحياة الهوان والفقر، والتبرير لكل ما لا يمكن تبريره من مظاهر الضعف والاستكانة، بل والتشكيك في كل الثوابت. والأخطر، التعامل مع نتائج الهزيمة وكأنها أمر لا مفر منه ويجب التعايش معه إلى ما لا نهاية؛ بوضع القواعد وتقنين القوانين لاستمراره ومعايشته. وأبرز مثال على التخذيل عن الجهاد والنقاط السابقة هو كلام ذلك الشخص الذي ظهر قبل فترة وهو يرتدي مسوح الشيوخ يدعو المقاومة في غزة إلى «الجهاد بالسنن»، والذي أثار سخرية وغضب الكثير من أبناء الأمة الذين ما زال لديهم حس ديني سليم. لكن هناك مثالا آخر، على رغم بساطته، ربما يختذل الأمر كله، ويظهر مدى الضعف البنيوي والفقهي الذي أصاب الأمة. وتلك هي مسألة انتشار المصلين المرضى والمعاقين، الذين يحتاجون للجلوس على مقاعد، وسط صفوف المصلين، وتقنين كثير من الفقهاء لهذا الوضع. وأحسب أنها باتت ظاهرة يجب أن ينظر إليها على أنها من مصائب الأمة. فقد بات كثير من هؤلاء يكسرون انتظام الصفوف في أي مكان منها حتى ولو خلف الإمام مباشرة، وهذه مشكلة خطيرة، لكن تظل المشكلة الأخطر، أن نرى كثيرا من الشيوخ والمفتين يتصدرون لتقنين الظاهرة وإيجاد القواعد التي تؤدي لاستمرارها بل واستفحالها. فقد وجدنا شيوخا ينخرطون في توضيح مكان وضع المقعد في الصف يمينا أو يسارا، متقدما عن الصف أو متأخرا عنه، وهكذا، ناسين أو متناسين أن كل هذا لا يعبر إلا عن وضع الضعف والهزيمة، ومتجاهلين علاج أصل المشكلة والمشاكل الحقيقية للأمة. فبدلا من أن يكون المصلون في صلاتهم كالبنيان المرصوص، لا تفصل بينهم الفجوات، نجد ذلك الوضع. مع أنه لا يضر أصحاب الأعذار أن توضع لهم مقاعد في آخر الصفوف، أو على الأجناب، مثلما أنه لا يضر أفراد الطبابة أو جنود الإمدادات، ولا يقلل من دورهم، وجودهم في مؤخرة الجيش. ونسي هؤلاء المُفتون أن هذه الحالة لا تعكس إلا وضع شعوب أمة مريضة وعاجزة ومحطمة. ففي وقت تخلو المساجد أحيانا من المصلين تماما، نجد كثيرا من المصلين من العواجيز والمرضى بينما شبابهم في الملاهي والطرقات يتسكعون. وفي وقت باشرت «صناعة الكفر» إفساد وتسميم الغذاء والدواء وحتى الهواء، كان الأولى بهؤلاء الفقهاء أن يحثوا الناس على تنظيم مطعمهم ومشربهم حتى يكونوا أصحاء أسوياء لأن صفوف الصلاة، في حقيقتها، لا تختلف كثيرا عن صفوف القتال، ولا يوجد جيش يضع في صفوفه مقاتلين عجزة أو مقعدين. ولما اعوجت صفوف الصلاة ووهنت وخربت اعوجت صفوف القتال ووهنت واندثرت. بل إن صفوف الصلاة هي مدرسة التنظيم والإعداد لكل نصر وخير. وهنا أشير مجددا إلى فقه عمر بن الخطاب عندما كان يتفقد الجند فرأى أحدهم وقد برزت بطنه فزجره، موضحا أن هذا ليس من صفات المؤمنين؛ أيام كان الرجال جنودا يقاتلون وينتصرون وهم في الخمسين والستين وفوق ذلك. وقد يقول البعض وما الضرر؟ بل الضرر كبير وخطير على صورة الأمة في المخيلة العامة والأهم في نظر العدو الذي يفرحه ويريح باله أن يرى أمة مضعضعة كسيرة كسيحة لا تستطيع أن تقيم صفا واحدا سويا في صلاتها فما بالك في قتال؟ بل الخطر والضرر الأكبر أن تتحول المساجد إلى ما يشبه الكنائس من كثرة المقاعد فيها. ومن ظن أن في ذلك شططا فليتذكر «جحر الضب»، وأن المسلمين، مثلا، لم يكونوا يحتفلون بالكريسماس قبل عقود قليلة. ولعلي أرى الحاجة ملحة لتفعيل ما أسميه «فقه العزة والنصر»، ضمن مشروع نهضة فكرية إسلامية، يلحظ أولا أننا محتلون، إلا قليلا، من قبل قوى «الاستخراب العالمي»، وأن علينا أن نتبنى «فقه التحرر والقوة»، بمساعدة مَنْ تبقى من فقهاء ومفكرين واعين مخلصين، بعدما اختفت في العقود الأخيرة مشاريع النهضة العربية والإسلامية التي كانت تُطرح حتى أواخر القرن الماضي، أيام المفكرين الكبار الذين كان من آخرهم، مالك بن نبي، ومحمد عابد الجابري، على سبيل المثال لا الحصر. فتلك المشاريع الفكرية برغم ما عليها من تحفظات وما تعرضت له من انتقادات، كانت تعبر عن استمرار إرادة التغيير ولو على المستوى الشعبي الذي يعكسه المفكر. أما الآن فالواضح أن أبواب التغيير الإيجابي قد أغلقت تماما. ولم تعد هناك فرصة لطرح أي مشروع فكري نهضوي، لا عربيا ولا إسلاميا. ولم نعد نرى سوى دعوات «تجديد الخطاب الديني»، التي لا تهدف إلا إلى إفراغ الدين من مضمونه، والتي يقودها المستعمر، وتنفذها أذرعه، ضمن صناعته للكفر، والسبب مرة أخرى أننا ممنوعون من التغيير ومن التقدم بأمر من يريدون إبقاءنا في سجن التخلف والضعف، ويصرحون بذلك علانية بين الحين والآخر. كلمة أخيرة: في هذا المشهد المؤلم تبدو غزة الثقب الوحيد الذي يلوح منه الأمل للأمة للهروب من ذلك السجن الكبير، أو الخرق الذي يظن الكثيرون أنه سيغرق السفينة لكنه طوق النجاة الأخير، الذي يذكرنا بأننا مسلمون. لكننا هنا مضطرون أن نسأل ثانية: هل نحن حقا مسلمون؟

828

| 27 مارس 2024

هل نحن مسلمون؟!

قبل أكثر من 30 سنة نشرت مقالا بإحدى صحف تلك الدولة العربية الكبيرة. كان عنوانه «لماذا نحن مسلمون؟». تحدثت فيه عما يجب أن نفعله بوصفنا مسلمين. اليوم أكتب متسائلا بحزن وأسى: هل نحن مسلمون؟ أو لنقل: هل نحن مسلمون حقا؟ فالواضح أننا لم ننفذ المطلوب. ثلاثون عاما بات واضحا خلالها أننا في واد وما يجب أن نفعله في واد. لكنها ثلاثون عاما أوضحت وأكدت أننا، نحن الشعوب، نعرف المطلوب منا ونعرف المطلوب لإنجازه،،، لكن هناك شيئا يمنعنا. فنحن لا نجهل العلاج، ولا نرفضه.. ولكننا محرومون منه! وأقصد بـ»نحن» الأجيال التي نجت، نسبيا، من «محرقة» مسح العقول التي تتم تحت وابل طوفان «الميديا» والفيسبوك والتيك توك ومثيلاتهما، أما الأجيال الجديدة فيبدو أنه تم «تغيير إعداداتها». ثلاثون عاما انكشف فيها القناع عن حقيقة مؤلمة هي أننا أصبحنا أمة الغثاء، أمة الزبد، أمة الهباء، أمة الوهن، أو شيئا من هذا القبيل. وضع خلالها «المستعمر العالمي» لمساته، شبه النهائية، على صورة الأمة التي يريدها هو وليس نحن، ضمن عملية «صناعة الكفر» التي أشرت إليها سابقا. فحال الأمة قبل 30 سنة، لم يكن بالتأكيد جيدا، ولكن حالها اليوم بالقطع أسوأ بكثير؛ فقد باتت على حافة الهاوية. وليس بعيدا عن حديثنا حول فكرة التغييب المتعمد لعقولنا نحن البشر عامة، وليس لأمة بعينها، نتأمل اليوم حال أمتنا، التي باتت تنطبق عليها الصفات سالفة الذكر، كنتيجة لهذا التغييب. فمصائب الأمة تراكمت وتفاقمت، وبات لنا في كل بلد وفي كل أرض مأساة تُعد. وما ذلك إلا لأن الأمة مريضة، سجينة، تعرف علاجها وخلاصها ولكنها محرومة ممنوعة منه، بالضبط كالمساجين السياسيين في سجون المجرمين الذين يُحرمون من العلاج، تحت مسمى الإهمال الطبي. بل لقد وصلت الأمة إلى مرحلة «الموت الإكلينيكي» كما يقال طبيا، فلا هي ميتة ولا هي حية. صارت مثل جسد ممدد ينتظر رصاصة الرحمة أو سكين الجزار لتطلق أنفاسها الأخيرة. ولكن إلى متى، وإلى أين؟ إلى متى، والسجان يهدم كل محاولة للفرار من سجنه وأسواره قبل أن تنضج! وإلى أين، و»الوطن» كله محاصر! أما رأينا زهور الربيع العربي كلها تُقتطف وتداس واحدة تلو الأخرى قبل أن تُخرج ثمارها ويفوح عطرها بنسائم الحرية الحقيقية! فعلى امتداد الوطن الكبير هناك سجن بحدود وهمية وأسلاك شائكة للأمة بأسرها وبين كل دولة وأختها، وهناك سجون بأسوار وأسلاك شائكة للأفراد، وهناك سجون بلا أسوار ولا أسلاك شائكة ولكنها سجون فكرية تعتقل فيها الفكرة قبل أن تصبح حركة، هذا إن لم توأد قبل ولادتها، أو بعدها مباشرة. لقد أصبحنا منذ عقود طويلة أمة ممنوعة من الصرف، ولا محل لها من الإعراب. ورغم أن كثيرين، من شيوخ ومفكرين، تناولوا فكرة أننا بتنا أمة الغثاء على مدار تلك العقود، فإن محنة غزة المستمرة منذ أكثر من خمسة أشهر، أظهرت الصورة المؤسفة لحال الأمة، ووضعت جسدها فوق خشبة المسرح أمام الجميع، ليتفرج ويرى، ويعرف حقيقة الكارثة. فمذابح المسلمين، غربا وشرقا، خلال تلك السنوات الثلاثين، لم تكن كافية لتسليط الضوء بما يكفي على جسد الأمة المعد للذبح. بل إن مأساة غزة نفسها لم توقظنا نحن العرب، قلب الأمة، بما يكفي لكي نتعامل مع الموقف بما يستحقه. فقد جعلنا التغييب غافلين عن كل الأشياء التي تضرنا وأيضا عن كل الأشياء التي تُصلحنا. لقد أصبحنا نعيش هكذا، كالقطيع، كل مشغول بنفسه وحاله. وما ذاك إلا لأن العقل الجمعي العربي المسلم، ضُرب في مقتل منذ أزمان سحيقة. ولأن هذا العقل صارت تتحكم فيه طبقات ومؤسسات محكومة بدورها من قبل عدوها، حتى وصل بنا التغييب إلى أن بتنا لا ننتمي فكريا إلى ديننا الإسلامي الذي يحض على رفض الخنوع والخضوع والذل والخرافة. وبعدما بات المتصدرون للمسألة الدينية يتبنون فقها ليس له علاقة بهذا الدين. من ذلك مثلا ما أسميه «فقه الهزيمة»، بعدما أصبحت الفتاوى تفصل لإبقاء الوضع على ما هو عليه، وتقنين التخلف والضعف والفقر، وهو ما انتقده كثيرا إمامنا الراحل الشيخ محمد الغزالي، ووصف من يقفون وراءه بالمضللين. (وفي فقه الهزيمة تفصيل كبير ربما نعود له لاحقا).

828

| 20 مارس 2024

«الاحتيال الاصطناعي».. الوباء الذي يهدد مستقبل البشر!

ما زلنا مع عملية التغييب الفكري التي تمارس على البشرية والتي قدمنا عليها، سابقا، شهادات علماء وخبراء. ويعد السلاح الأمضى في تنفيذ هذه العملية ضدنا، الآن، ما يسمى الذكاء الاصطناعي، أو بعبارة أدق «الاحتيال الاصطناعي» الذي يغلف صناعة كل شيء في حياتنا الآن بالتزييف والإفساد ضمن ما سميته «صناعة الكفر». وما زال كثيرون متحيرين في أمر ذلك «الوحش» ولا أقول الإنجاز الصناعي، ويظنون أنه نتاج طيب لما يسمى العلم الحديث. حسنا، الأمر ليس بهذه البساطة. نقول بداية إن «الذكاء الاصطناعي» ذاك ليس كله خيرا، وإن شره، كما تقول مصادر عدة، أكبر من خيره، خاصة عندما نضع في الحسبان أن من يقفون وراء هذا «الاحتيال» هم أنفسهم المتحكمون في مجال البحث العلمي، الذين يسخرون كل طاقاتهم للتحكم في البشر، كما أشرت في مقالات سابقة. أكدت تقارير حديثة أن للذكاء الاصطناعي، ومع حسن النية، مخاطر كثيرة في كل المجالات التي يدخل فيها تقريبا؛ في الطب، في الزراعة، في الدواء، في الغذاء، ولكن الأخطر في مجال الفكر والتعليم والأمن. بداية مارس الحالي حذر فريق طبي كندي من تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الطب، لمخاطره على الصحة، إذ يخلف استخدامه في مجالات مثل الأشعة، غازات ضارة بالبيئة. ونقلت صحيفة «الإندبندنت» عن عضو بالفريق قولها إن «تطوير ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي يستهلك كميات هائلة من الطاقة». وأظهرت دراسة بجامعة واشنطن أن عمليات البحث على تطبيق «تشات جي بي تي»، وتقدر بنحو 180 مليون عملية يوميا، تستهلك طاقة تعادل ما يستخدمه 33 ألف منزل أمريكي، وتحتاج لمليارات اللترات من المياه «الصالحة للشرب» لتبريد الأجهزة المُشغلة، في عالم يفتقر فيه نحو مليار إنسان للمياه النظيفة. وهو ما دفع الباحثين للقول بأن الذكاء الاصطناعي وحده قضى على أمل البشرية في تحقيق هدف «NET ZERO» (القضاء الكامل على الانبعاثات الضارة بالبيئة). وتزامن ذلك مع تصريحات لسام ألتمان، رئيس شركة «Open AI» المطورة لـ»تشات جي بي تي»، ربما ذرا للرماد في العيون، أو ربما كتمهيد لما سيحدث مستقبلا، حذر فيها من العواقب السلبية للذكاء الاصطناعي، قائلا إنه قد يؤدي لانتشار المعلومات المضللة واستعار الحروب السيبرانية، وغيرها. وتوقع ألتمان تزايد عمليات تزوير الانتخابات مستقبلا من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى مزيف يضلل الناخبين. وهو كان حذر منتصف 2023، مع رئيس الشركة التوأم «Google DeepMind»، ديميس هسبايس، من أن الذكاء الاصطناعي قد يتسبب بانقراض البشرية. ودعم الرجلان أقوال عشرات الخبراء بأن الذكاء الاصطناعي يجب أن ينضم إلى قائمة المخاطر الأخرى التي تهدد البشر مثل الأوبئة والحرب النووية، وذلك بعدما توالت التحذيرات من أن الذكاء الاصطناعي قد يتفوق على العقل البشري ويتخذ قرارات تهدد الوجود البشري. ومما قيل في ذلك، مثلا، إن نظام الذكاء الاصطناعي المصمم لتحسين تخصيص الموارد قد يقرر تلقائيا أن القضاء على البشر هو الطريقة الأكثر فعالية لتحقيق الهدف، وهنا يقوم بتفعيل أسلحة ذاتية التشغيل لقتل أعداد كبيرة من الناس. الغريب أن أصحاب هذه التحذيرات يرون أن تلك المخاطر قد تحدث هكذا بدون تدخل بشري، أي أن الذكاء الاصطناعي سيقرر من نفسه ومن دون برمجة مسبقة القضاء على البشرية! مع أن هذا الذكاء الاصطناعي نفسه هو الذي يحلل المقاومة المسلحة في أوكرانيا ويحرمها في غزة!. والخطير أن هذه المخاطر تتحقق أمام أعيننا بأسرع من المتخيل. بعدما كان الغرب يتندر بممارسات النظام القمعي الصيني، المبنية على الذكاء الاصطناعي، باتت دول مثل كندا والولايات المتحدة من أكثر المنفذين لها. فها هي كندا تسن، الشهر الماضي، قانونا غريبا (القانون سي -63) يستهدف تقييد حرية التعبير، ووضع الناس في السجون لمجرد الشك في احتمال ارتكابهم جرائم في المستقبل بناء على قدرات الذكاء الاصطناعي في تحديد الشخصية الإجرامية، بتحليل مضمون ما ينشره الشخص على وسائل التواصل الاجتماعي، أو باستخدام تقنيات قراءة ملامح الوجه. وقد دفع ذلك الكاتبة ميشال كوزينسكي والباحث إيلون وانغ (جامعة ستانفورد الأمريكية) للتحذير مما وصفاه بالانبعاث الجديد لنظرية الفِراسة؛ إذ لم يعد الأمر مجرد تخمين ولكن جزما ورجما بالغيب. وأكدا أن هذا التطبيق يمثل انتهاكا لحق كل شخص في إخفاء مشاعره وتوجهاته، وطالبا، في رسالة لليونيسكو أواخر 2018، بفرض إطار أخلاقي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي. المثير للرعب أن كل ما ورد عن مخاطر الذكاء الاصطناعي مقرون بسوء نية ظهرت عليها الأدلة الدامغة. فـ»الصحة الكندية» اعترفت أخيرا بأن لقاحات الكوفيد كانت تحتوي عناصر مسببة للسرطان. وقبل أيام عرض موقع «Bad Science» أو «علوم خبيثة» اعترافات لصيدلي بريطاني اسمه جراهام أتكينسون بأن حكومته أمرت الأطباء في بداية ما سُمى جائحة كوفيد بقتل من يرد إلى المستشفيات أو بيوت المسنين بواسطة أدوية، منها دواء اسمه «ميدزولام»، مما اضطره للاستقالة من عمله في أكتوبر2021، مضيفا أن ذلك تم بتزييف المعلومات بالاحتيال الصناعي، وأن هذا سبّبَ أكبر مذبحة جماعية «خفية» في تاريخ البشرية. وهذا ما يسميه مايك أدامز في موقع «برايتيون» الأمريكي «انتقال الحرب على البشرية من مرحلة الخفض المتأني لعدد البشر إلى مرحلة القتل الجماعي النشط الذي تقوم به الحكومات ضد شعوبها» من خلال «الاحتيال الاصطناعي». وختاما فإنه مع تواتر الإحصائيات التي تُظهر تعرض الشعوب للتزييف الإخباري المتعمد، نشرت دوريات معروفة، بينها مجلة «بروسبيكت»، تقارير تُجمع على أن «الأخبار الكاذبة باتت وباء خارج السيطرة ونحتاج جميعا للعلاج منه». لقد زوروا التاريخ، من قبل، والآن يزورون الحاضر والمستقبل.

597

| 13 مارس 2024

قبل أن يفوت الأوان.. ويبدأ القدر بالغليان!

منذ أن تصدر ما يسمى الغرب مجال البحث العلمي بعد سرقة تراث العلماء المسلمين، إثر سقوط الأندلس، وخصوصا خلال القرن التاسع عشر وما بعده، انخرط علماؤه في أبحاث كان بعضها لأجل الاستكشاف والفهم، في حين عمد بعضها أو كثير منها لاستغلال النتائج في الحرب على البشرية والدين. ويدخل في ذلك معظم مُخلفات تشارلز داروين وسيجموند فرويد وألفريد كينزي (مُنظِر الشذوذ) وآخرين. ومن تلك الأبحاث ما سُمي بتجربة «الضفدع المسلوق». في عام 1872 نفذ عالم الفيزياء الألماني هاينزمان تجربة تقوم على وضع ضفدع في قدر ماء شديد السخونة ما جعله يقفز مباشرة خارج القدر. ولكن عندما وضع الضفدع، في ماء فاتر ثم رفع درجة الحرارة تدريجيا، لم يقفز الضفدع بل مات مسلوقا في مكانه! الفكرة أن أي تغيير مفاجئ يولد رد فعل عكسيا، لأنه لا يُحتمل، أما إذا كان التغيير تدريجيا فإن الكائنات، ومنها الإنسان، تحاول التكيف والتأقلم مع الوضع المتغير ببطء، حتى لو انتهى بهلاكها. الشاهد هنا أننا مغيبون بفعل فاعل، يُطبق علينا تلك النظرية، لا يريد لنا التنبه للنار التي تحرقنا على مهل. فأعداء الإنسانية المتخفين وراء «الرأسمالية» ينفذون ذلك على البشر في أنحاء الأرض. وهم يصنعون الكفر على مهل، ويصنعون من أجل ذلك الفقر والمرض والجهل والشذوذ وكل أشكال الفساد. والناس منساقون، غافلون، عن أن مصيرهم سيكون كمصير الضفدع إن لم يفيقوا. نعم، لقد بتنا مغيبين بفعل فاعل، وهذا ما يؤكده الألماني مايكل نيلس في كتابه «العقل المُلَقَن» (المغسول)، (ديسمبر 2023)، إذ يقول إن أقطاب الرأسمالية العالمية وأرباب العولمة يُسخّرون التكنولوجيا الحديثة لتدمير منطقة في الدماغ، خصوصا لدى الشباب، تسمى «الحصين» تنتج الخلايا العصبية. ومن خلال تدمير أو تثبيط تكوين الخلايا العصبية، يمكنها تغيير شخصيتك وجعلك أكثر طاعة وانصياعا لعالمهم الخاص؛ عالم الإلحاد والفردية. ففي أنحاء العالم، وبحسبه، تتراجع القدرات العقلية، وترتفع معدلات الاكتئاب ويعاني واحد من كل 40 شخصا من الزهايمر. ويقدم نيلس، عالم الوراثة الجزيئية، سلسلة من الأدلة على أن وراء هذه التأثيرات السلبية العديدة هجوم متعمد ومنفذ ببراعة علينا، ويرجح أن ما تُسمى «الحروب» ضد الفيروسات (مسرحية الكوفيد)، أو تغير المناخ، وحتى الحروب التقليدية، تمثل منصات مقصودة لهذا الهجوم ضد العقل البشري. وهذا يستحضر آيات من القرآن الكريم منها، «اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون...». وقد عبرت عن هذا الحال بمشاهدات من الواقع الكاتبة الأمريكية تيسا لينا في مقال عنوانه « المنظومة التي تفترس البشر». تقول: «عندما أسير في شوارع نيويورك، أرى الناس كالزومبي (الأحياء الأموات). إنهم يمشون، ويتحدثون، ويحملون أكياس البقالة، ويرتدون ملابس عصرية - لكنهم يعيشون خارج أجسادهم. أجسادهم هنا، وأرواحهم في مكان آخر. إن مصاصي الدماء الذين صمموا مجتمع اليوم لم يتركوا الناس ليعيشوا بطبيعتهم وتسمو أوراحهم بالعلاقات الإنسانية الحقيقية، والتفكير الإبداعي، ولكن جعلوهم يتواصلون بـ «أرواح مصطنعة» من خلال الأيديولوجيات الوضعية، والتحزبات السياسية، وأخيرا، الأجهزة الإلكترونية التي تُعري مشاعر الآخرين، وتجعل الحياة كلها مصطنعة». وتضيف: «نحن جميعا نعيش في مصنع الزومبي! إن مجتمعنا عبارة عن آلة تأكل البشر، لكنها آلة مزيفة، وسيأتي وقت تنتهي هذه المسرحية الزائفة. عندها ستنكسر شاشة الوهم التي تفصلنا عن الواقع، وسيتمكن الجميع من رؤية وجه تلك الآلة» (في إشارة إلى المسيخ الدجال) وكلما تحقق ذلك أسرع كلما زادت فرصتنا للنجاة. هذه نماذج لتجليات احتكار الغرب للعلم والبحث العلمي ومحاولتهم إنتاج مجتمع يسير نحو هلاكه على مهل مثل «الضفدع المسلوق». فصعوبة الحياة تزداد تدريجيا عبر عملية إفقار منظمة ومتعمدة يزداد فيها الأغنياء غنى ويزداد الفقراء فقرا، باستثناءات لا تذكر. كما يتم خلال هذه العملية تشويه الفكر أيضا تدريجيا عبر الفضاءات الالكترونية التي جعلت الناس تعيش فعليا في مجتمع اللاواقع كما أشرت سابقا، وهو ما يتحقق عمليا من خلال إصدار «فيسبوك» الأحدث «ميتا»، وإصدار غوغل الأحدث منه «أبل فيجن برو»، ويعرّف بأنه «كمبيوتر مكاني»، حيث تُدمج الوسائط الرقمية مع العالم الحقيقي ويتم تشغيله، بالإيماءات. وهنا ينسى الناس أنفسهم، غارقين في طبقات من الانشغال بطلب الرزق ثم بالحرص على ألا يفوتهم شيء في العالم الافتراضي، وهو ما سماه خبراء التقنيات الحديثة «مرض فومو (fear of missing out)»، أي الخوف من أن يفوت الشخص معلومة أو فيديو على أي من وسائل التواصل التي يتابعها. ذلك الحرص تغذيه الشركات المشغلة لوسائل التواصل من خلال ما بات يسمى البصمة الإلكترونية، التي يتتبعونك بواسطتها في كل مكان حتى في حمامك أو سرير نومك، والتي تأصلت بوصول الهاتف الذكي «الخبيث» والأجهزة التي تتصل بالإنترنت والتي أنهت الخصوصية الشخصية وجعلتنا مستباحين، محتلين، مستعبدين، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي يظن البعض أنها تُحررنا وتجعل لنا صوتا في الحياة، ولكنها تأتي بالعكس، في عالم مصنوع لم يعد فيه الإنسان مجرد مستهلك، بل بات هو «السلعة»، وباتت الوسيلة، وليس مضمونها، هي الرسالة كما يقول عالم الاجتماع الكندي مارشال ماكلوان، (مثلا، صار التلفزيون صنما ثابتا يوضع في صدر كل بيت، والموبايل صنما منقولا، صار هو الرسالة). لم يعد الأمر سحرا أو شعوذة وإنما صناعة للكفر بأساليب «العلم الخبيث» الذي أنتجوه. وهو وضع لا فرار منه، كما تقول تيسا لينا، إلا بالعودة إلى المقدس، أي «الإيمان». فالكفر بالطبع هنا ليس إلزاميا وطريق النجاة منه سهل ويتحقق، وفق نيلس، بالابتعاد عن مجال تأثيرهم قدر الإمكان وذلك تطبيقا لهدي الخالق العظيم: «ولا تتبعوا خطوات الشيطان».

780

| 06 مارس 2024

إسرائيل في الهاوية: «الحقونا»!

يبدو أن الأرض تنهار، بوتيرة أسرع مما يتخيل الكثير منا، تحت أرجل الغرب والصهاينة، لينطبق عليهم وعلينا قول ربنا... إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون. فها هي إسرائيل تقول «الحقونا». حتى ولو لم يُعلِنوا بها. حتى ولو لم يقُلها نتنياهو. فهناك من ينوبون عنه من مسؤولين وكتاب ومفكرين صهاينة في أماكن كثيرة، وقبلهم أقارب قتلاهم الذين يصرخون «كفى». وها هي الأخبار تترى كل يوم عن معاناة اليهود ومَنْ وراءهم، نتيجة عدوانهم الهمجي على غزة، بتصاعد مستمر يصل إلى حد تهديد إمبراطوريتهم المستمرة منذ قرون. فقد باتوا بالفعل يتسولون مخرجا مما أوقعوا أنفسهم فيه، ولكن يتمنعون! هذه أرقام من مصادر غربية وإسرائيلية تبيّن حجم الخسائر التي تكبدها الكيان للآن. منذ بدء العدوان غادر نحو ربع مليون شخص الكيان نصفهم قالوا «بلا رجعة». أكثر من نصف الشباب يفكرون بالمغادرة، وسط حملة واسعة بشعار «لنغادر الكيان معا». نصف مليون من الإسرائيليين نزحوا عن منازلهم. 40% من الجنود الصهاينة ينهون خدمتهم نتيجة أزمات نفسية، مع سقوط مئات القتلى والجرحى العسكريين، بينما بلغت نسبة التهرب من الخدمة العسكرية أكثر من 32%، علاوة على ارتفاع نسبة الانتحار بين أفراد الجيش مع وصول التكلفة اليومية للحرب إلى 250 مليون دولار، وتجاوز التكلفة الإجمالية 60 مليارا. هذا وسط خسائر فادحة في كل القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية، إذ تم إغلاق ثلث الشركات الخاصة وأخرى أجنبية، وسط توقعات بخسائر اقتصادية تصل إلى 400 مليار دولار خلال السنوات المقبلة. والأهم انكشاف الصورة الحقيقية لبشاعة المشروع الصهيوني وإدراك الكثيرين حول العالم أنها دولة إجرام وإرهاب وليست ديمقراطية. هذه الأرقام عكستها تصريحات سياسية منها تصريح لغادي آيزنكوت الوزير بحكومة الحرب يكذب به ادعاءات نتنياهو عن تدمير 75% من قدرات ‎حماس، وأخرى لرئيس الحكومة السابق إيهود باراك يدعو فيها لمحاصرة الكنيست وإسقاط نتنياهو بالقوة. ويبلور ذلك مقال للكاتب زاك بيوكامب بموقع «VOX» يقول فيه إن إسرائيل ضلت طريقها في هذه الحرب. وينقل معلومات أكدها سبعة أعضاء حاليين وسابقين في الموساد، بأن القوات الإسرائيلية غيرت عقيدتها للسماح بقتل أعداد من الفلسطينيين أكبر بكثير مما كانت تسمح به في الحروب السابقة، وأن قيادة الجيش أقرت ضربة لأهداف مدنية وهم يعلمون أنها ستقتل المئات من سكان غزة الأبرياء، ما يُثبِّت على تل أبيب تهمة الإبادة الجماعية. ويورد كلاما يؤكد صحة ما ذكره آيزينكوت وكَذِب نتنياهو، وهذا الكلام لدان بايمان البروفيسور المتخصص في الإرهاب بجامعة جورجتاون ومفاده أن إسرائيل بعيدة كل البعد عن القضاء على حماس. ويضيف بيوكامب إن كثيرين توقعوا هذا الكابوس بينهم 10 خبراء التقاهم في أكتوبر الماضي وحذروا من أن تل أبيب لديها مفهوم غير محدد لأهدافها من الحرب، وهو ما يصفه ماثيو داس نائب رئيس مركز السياسة الدولية بأنه «كارثة العصر»، وأن «من يتحمل مسؤولية هذه الكارثة هو نتنياهو الذي يحاكم بتهمة الفساد ويضع مصالحه فوق مصلحة الكيان حتى في وقت الحرب». ويرى بيوكامب أن نتنياهو لن يغير سياسته طواعية لكن الناخبين وواشنطن ربما يمكنهم تغيير سياسته، أو تغييره هو شخصيا، وإنقاذ إسرائيل من «الهاوية»، على حد تعبيره. يضيف بيوكامب أن مايكل والتزر صاحب كتاب «الحروب العادلة والحروب الظالمة» والذي يتبنى نظرية «أخلاق الحرب» كان مؤيدا لتل أبيب في البداية لكنه دعا قبل أيام إلى وقف القتال قائلا إن الفظاعات التي ارتكبتها إسرائيل جعلتها تخوض حربا لا أخلاقية. ويضيف أنه ليست الفظاعات فقط ما تجعل حرب إسرائيل غير أخلاقية ولكن لأن أهدافها لا يمكن تحقيقها. في غضون ذلك، تغيرت لهجة كثير من المتشددين، وازداد عدد الدول التي تدين وحشية الاحتلال وتتهمه بتنفيذ إبادة جماعية في غزة، ومن بينها دول مثل بلجيكا وهولندا مُطالبةً، ليس فقط بوقف الحرب، ولكن بإنهاء الاحتلال. هذا إضافة إلى انضمام شخصيات دولية إلى المطالبة بوقف الحرب وعلى رأسهم ولي العهد البريطاني الأمير ويليام الذي أثار جدلا كبيرا، قبل أيام، لم يهدأ بعد. هذا في وقت حذرت صحيفة «التايمز» البريطانية من أن الناتو ومعه دول الغرب جميعا وإسرائيل، سيواجهون «أياما سوداء» جراء هزيمة باتت وشيكة لأوكرانيا على يد روسيا، نتيجة انصباب الاهتمام الغربي على إنقاذ إسرائيل. وتشير الصحيفة إلى أن دول أوروبا تشعر بالذعر نتيجة تصريحات المرشح الرئاسي الأمريكي المحتمل دونالد ترمب من أنه سيتركها للدب الروسي ليفترسها «إذا لم تدفع أكثر». ويتزامن ذلك مع تقارير متتالية تؤكد ما أشرنا إليه سابقا من أن النظام الرأسمالي الغربي يحتضر وسط تزايد التحدي العلني من قبل روسيا والصين ودول أخرى أعلنت رسميا ضرب عصب الرأسمالية في مقتل بتوقفها عن اعتماد الدولار في تعاملاتها التجارية. من أبرز الذين أكدوا احتضار النظام الرأسمالي وزير خارجية اليونان الأسبق يانيس فاروفاكيس في كتابه الأحدث «الإقطاع التقني، ما الذي قتل الرأسمالية»، وقال قبل أيام إن هذا النظام برمته قد مات بالفعل، لنفس الأسباب التي ذكرها من قبل باترك بيوكانن في كتابه «موت الغرب»، 2001. إذ أكد أن الغرب سيموت على الحقيقة، وإن أمريكا ستفقد صفتها كدولة غربية بحلول عام 2050، بسبب التحلل الخلقي والفساد، والظلم. وهذا ما أكده أيضا البروفيسور إيمانويل تودد في كتاب جديد بعنوان «هزيمة الغرب». ويبقى الشاهد هنا أنه عندما تنهار الرأسمالية ستنهار إسرائيل وإذا انهارت إسرائيل سينهار النظام الغربي، لأن إسرائيل هي مسمار جحا الذي يُمسك به زمام الشرق الأوسط ومن ثم بقية العالم.

903

| 28 فبراير 2024

في حديث المقاطعة: أمريكا شركة وليست دولة... قاطعوها!

من نقاطع، إذا كان العالم كله قد أصبح ضدنا؟ من نقاطع إذا كان القاصي والداني قد أمعنوا في إذلالنا؟ نقاطع الصين التي تقتل إخواننا المسلمين وتستعبدهم في معسكرات الاعتقال وتمنعهم ليس فقط من ممارسة دينهم ولكن حتى من التفكير فيه؟ أم نقاطع الهند التي تضطهدهم وتهدم مساجدهم وتعمل على محو ذكرهم، ولا تكتفي بذلك بل تسلط عليهم وعلينا سفهاءها من سياسيين وإعلاميين ليسيئوا إلى ديننا ونبينا الكريمﷺ؟ أم نقاطع ميانمار التي تحرق المسلمين أحياء وتشردهم في كل مكان؟ أم نقاطع فرنسا، أم الدنمارك، أم السويد... إلخ، الذين يتجرأون على أغلى مقدساتنا؟ أم نقاطع شركات وهيئات ومؤسسات دولية، لا حصر لها، لا تفتأ تتآمر لتفرض علينا ما لا يرضي ربنا من شذوذ الفكر والجنس وغيره؟ وفي حديث الشركات يجدر أن نوضح ما لا يعرفه كثيرون من أن الولايات المتحدة (الدولة الأقوى في العالم) شركة وليست دولة في الحقيقة. وهذا ما أشار إليه كُتاب عرب منهم الراحل محمود السعدني في كتابه «أمريكا ياويكا» وكُتاب أجانب منهم شينالي وادوج سفيرة النوايا الحسنة السريلانكية التي أفاضت في توضيح الصفة «الكوربوراتية»، أي مواصفات الشركة، التي يحملها نظام الولايات المتحدة برغم محاولات يائسة، من وسائل إعلام النُّخب، لدحض هذه الحقيقة ونسبتها إلى نظرية المؤامرة. وليس صعبا على أي متابع أن يلحظ أن الحكومة الأمريكية تسمى إدارة مثل إدارة الشركات، كما أن رئيسها لا ينتخبه الشعب حقيقة بل ينتخبه كيان يسمى المجمع الانتخابي يتكون من شخصيات تختارها النُّخب على عينها. وتذكر الوثائق الرسمية الأمريكية أن الولايات المتحدة، أخذت تلك الصفة رسميا عام 1871 بصدور القانون رقم 28/ 3002 الذي أضفى صفة الشركة على العاصمة المسماة «ضاحية كولومبيا»، وهي بالإضافة إلى «مدينة لندن الصغرى» (تقع داخل لندن العاصمة) و»الفاتيكان»، شركات تدير الولايات المتحدة والعالم كله أو أغلبه، بحسب شينالي وادوج، التي تشير إلى أن عائلة روتشيلد هي الحاكم الفعلي وراء هذه الكيانات. وهنا نتساءل، هل نقاطع أمريكا (أُم الشركات)؟، التي تتسبب لنا في كل ذلك من خلال أنظمة حكم عالمية وإقليمية تتفرع عنها، تهين ديننا كل يوم وتحاربه بلا هوادة لسلخنا عن تراثنا وهويتنا. وفي ضوء ذلك كله نتساءل مجددا: من نقاطع؟،،، واقتصاد العالم كله تقريبا محكوم بعدد من الشركات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة بحسب أحد التقديرات ويقدر بالعشرات بحسب تقديرات أخرى. وفي الحالتين فكل هذه الشركات تعود ملكيتها إلى عدد من العائلات، يحدده بـ 13 عائلة، فريتز سبرينجماير، وهو أول من بحث في أسرار تلك العائلات. إذن فمن نقاطع، وتلك الشركات قد احتكرت كل شيء تقريبا وتحكمت في كل التعاملات التجارية من الشرق إلى الغرب. قبل نحو سنتين جاءتني فاتورة الغاز المستخدم في التدفئة بزيادة 100 دولار عن الشهر السابق. اتصلت بخدمة العملاء في الشركة الموزعة. جاءني صوت موظفة خدمة المشتركين على الطرف الآخر، هي: صباح الخير كيف يمكنني مساعدتك، أنا: أريد أن أعرف سبب الزيادة الكبيرة التي طرأت على فاتورتي وتعادل 30 بالمائة دفعة واحدة بين ديسمبر ويناير. هي: ألا تعلم أن هناك زيادة سنوية على الفواتير... أنا بغضب مكتوم: لمااااذا... هل هذا مكتوب في الإنجيل (كتابهم المقدس المفترض)؟ هي: لا أظن، ولكن هذا هو واقع الحال. أنا مستنكرا.. وهل هناك شركة توزيع بديلة؟ هي: لا... أنا.. إذن هذا هو الاحتكار بعينه وهذا ضد الديمقراطية، والمفترض أننا في بلد ديمقراطي (كندا)... الآن أتذكر هذه المحادثة وأدرك أنه بالتأكيد ليس في الإنجيل، ولا في أي كتاب سماوي، شيء يفرض هذا الاحتكار البغيض، ولكنه في كتاب آخر مقدس لدى الشركات هو كتاب الشيطان الذي يعبدونه من دون الله، والذي يبيح لهم إفقار البشر واستعبادهم عن طريق الاحتكار اللامحدود لأغلب التعاملات والخدمات. ويبدو أنه كما كُتب على غزة أن تحارب الأكثرية الكاثرة من جيوش وأنظمة العالم، فإنه كُتب علينا أن نقاطع معظم الدول والمؤسسات والشركات الكبرى التي تنطلق من تلك الدول، التي يجب تغيير صفاتها الاعتبارية من دول إلى شركات. بل يجب رسميا إعلان موت الدولة القومية التي تأسست بمعاهدة ويستفاليا 1648 كما أشرت سابقا، وإعلان قيام «الشركة الدولة». ولعل أحدا لم يبدع في شرح تغول حكم الشركات للعالم مثلما فعل ديفيد كورتِن، صاحب كتاب «عندما تحكم الشركات العالم»، وهو أبرز من كتب في هذا الموضوع، إذ تساءل في محاضرة أمام مؤتمر لخبراء اقتصاديين في سان دييجو عام 1998 «هل تحكم الشركات العالم؟ وهل هذا يهم؟ ورد بالإيجاب قائلا إن النظام القائم في العالم الآن يجعل السلطة (الحكومات) خاضعة لرأس المال وليس للبشر (الشعوب) وبالنتيجة فتلك الشركات تدمر البشر من أجل المال. وأخيرا، نجيب عن سؤال هل نقاطع ومن نقاطع،، نعم مهم بل وحتمي أن نقاطع كل من عادانا وعادى ديننا، لكن قبل ذلك،،، يجب أن نقاطع ضعفنا وقلة إيماننا وقلة صبرنا، يجب أن نقاطع عجزنا وفشلنا وهواننا، يجب أن نقاطع الظلم والقهر والذل، يجب أن نقاطع قلة إقبالنا على خالقنا واتكالنا على المخلوقين، ويجب أن ننتبه إلى أن نبوءة رسولنا الكريمﷺ قد تحققت: فقد تداعت علينا الأمم. فماذا نحن فاعلون؟

1434

| 21 فبراير 2024

«ثمن الكبرياء.. إسرائيل تدمر نفسها»!

«إسرائيل تدمر نفسها»، هذا ما يراه الصحفي الإسرائيلي بصحيفة «هآرتس» ألوف بِنْ في دراسة مطولة تنشرها مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية في عددها المقبل مارس/‏أبريل. يعتمد بنْ في دراسته على فكرة أساس هي أن إسرائيل لم تتعلم الدرس و«ستدفع ثمن غفلتها،،، وكبريائها». هو يقصد هنا درس السلام والتعايش وليس درس الحرب. اما ان إسرائيل لم تتعلم الدرس في شقه العسكري فحديث تكرر ربما عشرات المرات في السنوات الأخيرة تذكيراً بأخطائها في حروبها منذ 1973 وما بعدها. واما انها لم تتعلم الدرس في شقه السياسي فمعنى حديث قديم، تناوله كثيرون، منهم إسرائيليون، وخصوصا بعد عدوان 2014 على غزة. وقتها أجمعت شخصيات مثل جدعون ليفي المعلق السياسي في «هآرتس»، وزهافا غالؤون، رئيسة حركة «ميرتس»، أن إسرائيل ما زالت تؤمن بنظريتي «القوة المفرطة»، و«جز العشب»، وتدير ظهرها تماما لفكرة التسوية والتعايش. واعتبروا أن نظرية «ما لا يتأتى بالقوة يتأتى بالمزيد منها»، المبنية على الكبرياء والإجحاف، التي طبقتها إسرائيل في العقود الماضية، لم تُجدِ نفعا في كسر إرادة الفلسطينيين. وإذا كان هذا قد قيل قبل نحو عشر سنوات فإن ألوف بنْ يكرره اليوم مستفيضا في شرح أن الغفلة الإسرائيلية عن تعلم الدرس السياسي أقدم من ذلك بكثير. ينطلق بنْ في ذلك من حكاية يرويها عن وزير دفاعهم الأسبق موشيه دايان، مفادها أن دايان ورغم كل ما ارتكبه من جرائم بحق الفلسطينيين، كان ينصح بوجوب تفهم دوافع الفلسطينيين، ويحذر من أن سياسة البطش لن تردعهم أبدا عن الأخذ بالثأر، وأنه يجب التعامل بالحكمة السياسية المناسبة للوصول إلى تسوية يتحقق بها التعايش طويل الأمد. ويخلص الكاتب إلى أن عواقب تجاهل تحذيرات دايان تحققت كأقسى ما يكون يوم 7 أكتوبر. ويضيف أنه مع استخدام القوة المفرطة مجددا، فإن الحكومة الإسرائيلية أثبتت مرة أخرى، غفلتها عن نصحية دايان، ومازالت تترفع عن قبول متطلبات منع وقوع هجوم آخر. ويرى بنْ أن السبب وراء ذلك كله هو «رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الفاشل». ثم يشدد في أكثر من موضع على أنه حتى تعيش إسرائيل في سلام، فعليها أن تصحح أخطاء نتنياهو وتتصالح مع الفلسطينيين وألا تظل معصوبة العينين عن تلك الأخطاء. ويقول إنه إذا لم تدرك تل أبيب أهمية التوصل لسلام مشرف مع الفلسطينيين فإن 7 أكتوبر قد يكون بداية عصر مظلم في تاريخ إسرائيل وليس حدثا عابرا، وأنها بعدم تفاهمها مع الفلسطينيين ستكون سائرة على طريق تدمير نفسها بنفسها. ويؤكد حالة الفشل السياسي المزمن تلك، وثائقُ أفرجت عنها تل أبيب في أغسطس الماضي، كشفت أن رئيسة وزرائهم السابقة غولدا مائير فكرت عام 1970 في القبول بدولة فلسطينية. لكن الواضح أنها وفريقها غلبهم الكبرياء فضيعوا فرصة كان يمكن أن تغير مجرى التاريخ. وهذا تناقض يشابه تماما تناقضات غولدا التي صرحت قديما بأنها فلسطينية، وحملت جواز سفر فلسطينيا من 1921 وحتى 1948، ثم نكصت لاحقا وقالت: لا يوجد شيء اسمه «فلسطينيون». على نفس المنوال تحدثت شخصيات بارزة بينهم السياسي اليهودي الأمريكي بيرني ساندرز، وكتاب كثر في «الفورين أفيرز» و«النيويورك تايمز» و«الإيكونوميست»، في فترات متقاربة بعد بدء الحرب، عن فشل إسرائيل السياسي وضرورة اعترافها بحقوق للفلسطينيين والتوصل إلى تسوية تحقق التعايش السلمي. وكانت نصيحتهم الأساسية لتل أبيب هي أن تتعلم من أخطاء واشنطن في حروبها وأن تكون واقعية وأن لا تحلم بما لا يمكن تحقيقه (في إشارة إلى هدف تدمير حماس)، وألا تقضم أكثر مما تستطيع أن تبتلع. وفي «الإنترسبت» يضرب محمد بزي وهو مدير مركز هاكوب كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى، مثالا على عدم استعداد تل أبيب للتخلي عن كبريائها وغفلتها، بإصرارها على تقويض «الأونروا» لأن وجودها، وهي تابعة للأمم المتحدة، يمنح الفلسطينيين وضع اللاجئين وحق العودة إلى ديارهم. أما القضاء عليها فهو يقضي «إجرائيا» على كل ما تبقى من فلسطين، حسبما تظن تل أبيب. وحتى في أقصى شرق العالم نشرت صحيفة «جابان تايمز» اليابانية تقريرا تؤكد فيه أن إسرائيل لم تتعلم الدرس بعد، صدرته بالتالي: «إن الحمقى يتعلمون من التجربة، في حين أن الحكماء يتعلمون من التاريخ.. وهذا ما نشاهده الآن في عدم تعلم تل أبيب من دروس غزو العراق وعواقب العملية البرية في غزة، وستبوء بالهزيمة». لكن هنا يجب التساؤل: هل الغفلة والكبرياء فعلا ما يجعل إسرائيل عاجزة عن التعلم من الأخطاء؟ أم ربما السبب شيء آخر. مثلا، «التذاكي» أو الغباء السياسي والحسابات الخطأ؟ لماذا نستبعد ما قيل عن أن هجوم 7 أكتوبر كان يمكن إيقافه ولكن تل أبيب تركته يقع لتحقيق أجندات خاصة بها. أجندات تظن أن وقتها قد حان لتصفية القضية برمتها وتهجير الفلسطينيين بالكلية من أراضيهم. ولذلك ملأت الدنيا نباحا بأنها ستقضي على حماس نهائيا، مستغلة ذلك لتنفيذ إبادة جماعة في غزة. الواضح أن إسرائيل، وكما أجمعت المصادر السابقة وغيرها، غلبت عليها شِقْوتُها، وأخطأت مجددا في حساباتها، ولم تتوقع استعدادات المقاومة وقدراتها، وهنا كانت مفاجأتها الحقيقية، التي ستجعلها تغص بما قضمت وتدمر نفسها عاجلا أو آجلا. هنا يؤكد بنْ مختتما دراسته أن لا أحد في إسرائيل يفكر في السلام وأنه تجب العودة لعصر «ما قبل نتنياهو» والاعتراف بوجود الفلسطينيين وطموحاتهم. لكنه يرى أن لاشيء سيتغير وأن سياسة القوة المفرطة ستستمر بوجود نتنياهو أو بزواله، وأن إسرائيل، بذلك، لن تجني إلا المزيد من الكوارث والدمار.

1125

| 14 فبراير 2024

alsharq
جريمة صامتة.. الاتّجار بالمعرفة

نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...

6693

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
طيورٌ من حديد

المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...

2754

| 28 أكتوبر 2025

alsharq
المدرجات تبكي فراق الجماهير

كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...

2391

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1722

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة الرياضة العالمية

على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...

1518

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
طال ليلك أيها الحاسد

نعم… طال ليلك ونهارك أيها الحاسد. وطالت أوقاتك...

1440

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
حين يوقظك الموت قبل أن تموت

في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...

1086

| 29 أكتوبر 2025

alsharq
التوظيف السياسي للتصوف

لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...

1047

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
فاتورة الهواء التي أسقطت «أبو العبد» أرضًا

“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...

981

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
بين العلم والضمير

عندما تحول العلم من وسيلة لخدمة البشرية إلى...

876

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
انخفاض معدلات المواليد في قطر

بينت إحصاءات حديثة أن دولة قطر شهدت على...

876

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
من المسؤول؟

أحيانًا أسمع أولياء أمور أطفال ذوي الإعاقة يتحدثون...

729

| 30 أكتوبر 2025

أخبار محلية