رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عذرا أيها العيد!

عذراً أيها العيد.. فقد لا تجد في قلبي مساحة للفرح والسعادة.. رغم أنني طالما كنت أترقب وفادتك، وأستعد لاستقبالك، لأروّح عن النفس من عناء الحياة ونصب العمل، ولأدخل السرور على الأهل وأوسع عليهم، وأجدّد حياتي معهم وبهم، وأوثّق التواصل مع الأرحام والأقارب، وأستحضر مع الأطفال ذكريات الماضي الجميلة.. معذرة لك ولأهلنا في الشام.. فكيف يفرح القلب.. بل قل كيف لا يبيت حزينا مهموما مكروبا.. ومحافظات حمص وإدلب ودرعا ودمشق ودير الزور وغيرها من مدن سوريا الحبيبة التي تستفيق كل يوم ودم الشهداء يلوّن فجرها، ويخضب حمرة شفقها بالأحمر القاني.. يتخطف الموت المدنيين من أحرارها في الشوارع والأزقة كل لحظة.. لا فرق بينهم وبين الماشية التي يضحي الناس بها في أيامك المباركة في دول أخرى.. وتدكّ بيوتها بالدبابات والراجمات.. لم يتغير شيء على الإطلاق.. رغم ما قيل عن موافقة النظام على مبادرة الجامعة العربية.. لم يتوقف شلال الدم البريء مراعاة لفرحة مقدمك، ولم تنسحب دبابات ومعدات النظام العسكرية من شوارع المدن والقرى رغم مرور عدة أيام على مبادرة الجامعة العربية، ولو كبادرة حسن نية، كما تنص بنودها ـ وهو ما كان متوقعا ـ، هكذا كان سلوك النظام في رمضان وعيد الفطر الماضيين حيث لم يراع حرمة الأيام الفضيلة أو يترك فرصة حتى للأطفال كي يفرحوا ويلهوا بعيد الفطر، وهكذا الحال في هذا العيد والمشتكى إلى الله. ظنّ بعض الأشقاء العرب أن العيد وبعد مبادرة الجامعة ربما سيكون مختلفا هذه المرة، فإذا بشلالات الدم تواصل تدفقها، بينما أنكر إعلام النظام السوري سقوط الشهداء الأبرياء، وكأن الحقائق يمكن حجبها بغربال، العيد بالنسبة للنظام لم يكن في الحقيقة سوى فترة إضافية لممارسة هوايته السادية في قتل المدنيين العزل والانتقام من المنتفضين، وسحق وتدمير ديارهم ومساكنهم، معوّلا على أن وصول لجان المراقبة المنبثقة عن اللجنة الوزارية العربية ودخول وسائل الإعلام ـ فيما لو فُعّلت وسمح هو بها ـ سيكون بعد إجازة العيد وهو ما سيمنحه على الأقل أسبوعا إضافيا من مهلة الأسبوعين التي حددتهما الجامعة لمراقبة سلوكه عمليا واختبار حسن وصدق نواياه واقعيا.. ولعل هذا ما اضطر الأمين العام للجامعة العربية إلى الخروج عن صمته محذّرا النظام السوري من عواقب كارثية إذا لم يلتزم بالخطة العربية لوقف العنف، وذلك بعد أن قتلت القوات السورية أكثر من 80 شخصا منذ أن قبلت الخطة الأربعاء الماضي وحتى صبيحة يوم العيد، ولعدم ظهور أي مؤشرات على وقف الحملات الأمنية والعسكرية ضد المدنيين أو سحب الجيش والمظاهر العسكرية من المدن والقرى المنتفضة. وبسبب ذلك عقد صديقي المغربي المقيم في قطر مقارنة مضحكة مبكية على صفحته الفيسبوكية ـ وشر البلية ما يضحك ـ بين سعر الخروف السوري الذي يضحّى به بالدوحة، وبين المواطن السوري الذي يسفك دمه في بلاده قائلا: "ذبح الخروف السوري في الدوحة يكلف 1280 ريالا، بينما لا يكلف ذبح المواطن السوري في بلده سوى ثمن رصاصة من عسكر بشار" !. إن كان لنا من فرحة وأمل أيها العيد فهي أن لنا إخوة وأشقاء صاروا لأول عيد ينعمون بالحرية كما في ليبيا بعد طي سجل القذافي وزمرته، ويتنسمون عبق الديمقراطية ويمارسون حقهم فيها كما في تونس بعد خمسة عقود من الديكتاتورية والحكم الفردي، عقب نجاح تجربة انتخابات المجلس الوطني . فيما الأمل يحدو الثورتين السورية واليمنية بأعياد قادمة ـ أو بأيام قبلها ـ يستعيدون فيهم حريتهم المسلوبة وكرامتهم المفقودة وحقهم في غد أفضل. وفي عيدنا الراهن دخلت مفردات الثورات في قاموس التهنئة بهذه المناسبة، وقد أعجبتني تهنئة صديقي السوداني التي أعرب فيها عن أمانيه بعيد أضحى مليء بالمسرات، وانتصار الثورات، وقبول الدعوات والأعمال الصالحات، وأن يعود على الجميع بالخير والبركات.. وذهاب الطغاة. كما أن من دواعي الفرحة بهذه المناسبة أيضا تطوع عدد من شباب "تنسيقية المغتربين السوريين لدعم الداخل السوري" بأداء فريضة الحج نيابة عن عدد من الشهداء السوريين، وهو ما ترك أثرا طيبا في نفوس أمهاتهم وذويهم، إلى درجة إجهاش أم أحد الشهداء بالبكاء غبطة وفرحا، بعد أن علمت بأداء هؤلاء الشباب الحج نيابة عن ابنها ـ بحسب الخبر الذي أوردته مصادر هذه التنسيقيات. كما أن الفرحة موصولة لمكرمة خادم الحرمين بتسيير قافلة من حجاج عائلات الشهداء والأسرى، من فلسطين المحتلة وهو ما كان بمثابة بلسم لقلوبهم وسعادة لنفوسهم بأداء فريضة إسلامية والقيام بسياحة إيمانية روحية إلى الديار المقدسة لطالما هيجت أفئدة المؤمنين كلما حلت ذكراها. وعودا على بدء كان يفترض بالعيد أن يكون موسما للتراحم والصفاء والتكافل ونبذ العنف والتفرقة وإدخال السرور على قلوب المسلمين لكنه لا يزال في الشام واليمن مناسبة حزينة أليمة بسبب عنف الأنظمة ودمويتها وسقوط الضحايا وعدم نزول الحكام على مطالب الشعوب المشروعة والمنتفضة منذ عدة شهور.. لذا لا يسعني إلا أن أردد مع أبي الطيب المتنبي قوله: عيد بأية حال عدت يا عيد!!... والله حسب هاتين الثورتين وهو نعم المولى ونعم النصير.

4525

| 09 نوفمبر 2011

النظام السوري في مواجهة مبادرة الجامعة العربية

النظام السوري أكبر المستفيدين من مبادرة الجامعة العربية لو كان يعقل، لأنها بمثابة طوق نجاة له، من شرّ أكبر، بعد أن فشل على مدار حوالي ثمانية أشهر في قمع الاحتجاجات الشعبية رغم العنف المفرط الذي يستخدمه ضد المدنيين . هل سيستفيد النظام السوري من هذه الفرصة، ويقبل بالمبادرة حقا ؟، ومن ثم يحوّلها إلى برنامج عمليّ فورا ؟ لا أعتقد أنه سيوافق على المبادرة، بل سيعمد إلى طلب تعديلات أو إضافات عليها تفرغها من مضمونها، وإذا قبل بها فإنه سيراوغ في تطبيقها، ويعمد إلى أشد الفبركات والحيل ليثبت أن هناك من يعيق تطبيقها، أو مواصلة العمل بها، ولو بعد حين، مستمرا في اللعب على عامل الوقت الذي يعتقد أنه سيصب في مصلحته. ما يرجح هذا التوقع جملة من الأمور المهمة تتعلق بعقلية وبيئة هذا النظام وتركيبيته وبسلوكه ومواقفه وتصريحاته قبل وأثناء الثورة الشعبية، وقبل وأثناء طرح المبادرة: لو أخذنا البند الأول من المبادرة والذي يتطلب وقف العنف فورا ورفع المظاهر العسكرية من معدات وقوات وغيرها من الشوارع فإن النظام يدرك قبل غيره أن هذا لو تمّ فمعناه اتساع وامتداد نطاق المظاهرات الاحتجاجية جغرافيا وكميا لأن النسبة الساحقة من الشعب السوري ستخرج إلى الشوارع، إذ أن ما يمنع عمليا من تواصلها أو خروجها كما كانت في حماة أو دير الزور وغيرها ، أو تعطلها أو غيابها عن بعض المناطق لبعض الوقت هو المعدات العسكرية من دبابات وطائرات وبوارج.. والحواجز العسكرية وقوات الجيش والأمن ومن يساندها من فرق " الشبيحة" .. لقد أفلح النظام في الحد من المظاهرات بزخمها الذي كانت عليه في بعض المحافظات والمناطق بفعل الحديد والنار، ولكنه لم يفلح في استئصال شأفتها في الشوارع نهائيا، والأهم من هذا عدم قدرته على انتزاع جذوتها في نفوس الثوار بعد أن كسر الشعب حاجز الخوف. قمع النظام ليس مفاجئا لشعبه ولمن يعرفه، لأنه يدار بعقلية أمنية على كافة المستويات منذ السبعينات من القرن الماضي، ويستخدم العنف ويرتكب المجازر منذ الثمانينيات، كل ما في الأمر أن وسائط الإعلام هي التي تطورت فصار يمكن من خلال الانترنت والفيسبوك والجوال نقل ما يدور وإيصاله للفضاء الخارجي مباشرة، ففضحت أفاعيل النظام التي طالما حاول وما يزال التكتم عليها. على مستوى اللحظة الراهنة فإن أعداد الضحايا من المدنيين منذ الإعلان عن المبادرة العربية وحتى الآن ازداد بشكل ملحوظ، دون أن يحترم النظام الجامعة العربية ومساعيها الحميدة، أو يأبه لتوفير الأجواء والمناخات المناسبة التي ينبغي تسبق الموافقة عليها، وهو ما اضطر اللجنة الوزارية مساء الجمعة الماضية إلى توجيه "رسالة عاجلة" إلى الرئيس السوري أعربت فيها عن "امتعاضها لاستمرار عمليات القتل"، وطالبت بفعل "ما يلزم لحماية المدنيين". أما البند الآخر، وهو الحوار مع شرائح المعارضة ، فهو الآخر عصيّ على النظام إلى درجة الاستحالة، لأنه يدار منذ نحو نصف قرن بعقلية الحزب القائد ، والزعيم الملهم، والقيادة التي تستمر إلى الأبد، وبنسب تزيد على 99 بالمئة، ومثل هذه العقليات التي تكلست من جيل الأب إلى الأبن وتربت على ذلك يصعب عليها تقبل المعارضة والاعتراف بوجودها، فضلا عن محاورتها، وتداول الحكم والسلطة معها، وهي تتعامل معها بعقلية الإنكار أوالتخوين ، أوالتعالي والغرور والتقليل من شأنها ووزنها وتأثيرها. لعل مقابلة الرئيس الأسد مع صحيفة صنداي تلغراف البريطانية كشفت عن بعض جوانب ما أشرنا إليه، فقد اختصر الثورة الجماهيرية بأنه صراع بين الأسلمة والقومية العريية، علما أن التحرك في انطلاقته وحتى الآن شعبي شبابي أكثر منه حزبي ، وأن الكثير من المعارضين في الداخل والخارج شخصيات وأحزاب هم من القوميين واليساريين والعلمانيين. ورغم كل ادعاءات النظام منذ بداية الثورة السورية وحتى الآن عن رغبته بالحوار مع المعارضة فإنه عمليا لم يحاور إلا نفسه، وجعل من العنف وسيلة التفاهم مع المتظاهرين، حتى بات شباب تنسيقيات الثورة ومعارضة الخارج يرفضون الحوار مع نظام لا يعرف غير لغة الرصاص والدم فقط ، أما معارضة الداخل التي قبل بعضها بمحاورته فإن النظام لم يفلح بالتفاهم معها رغم مضي ثمانية أشهر لأنه لم يكن جادا، وعجز عن توفير الأجواء اللازمة للحوار ، كسحب الجيش والمظاهر المسلحة ووقف آلة القتل وإطلاق سراح المعتقلين وضمان حرية التعبير وحركة الناشطين السياسيين. ما نتمناه أن يستجيب النظام للمبادرة، ويتعامل بجدية معها ومع استحقاقاتها واستحقاقات الثورة السورية عسى أن تكون مخرجا للبلاد مما تعانيه، من خلال حلول ومعالجات عربية ، وإن أبى أو راوغ وأصر على التعامل بعقليته التدميرية المتغطرسة مع الداخل والخارج بمن في ذلك شعبه وأشقاؤه ـ وهو المرجح ـ فإنه يجب أن يتحمل تبعات ما سيترتب على هذا الرفض، واتباع عقلية " عليّ وعلى أعدائي" .. أو " أنا ومن بعدي الطوفان ".. والعاقل من اتعظ بغيره.

363

| 02 نوفمبر 2011

أكمام ربيع الثورات العربية تتفتح

رغم أن مازلنا في فصل الخريف.. إلا أنه يمكن القول بكل ثقة واطمئنان إن أزهار ربيع الثورات العربية بدأت بالتفتح فعلا، لتحيي أملا بغد أفضل طالما طال انتظاره بعد معاناة امتدت لنصف قرن من أنظمة عربية ديكتاتورية فاض الكأس بظلمها، ولتنشر عبق الحرية في أوطانها ومحيطها مهما تناءت الديار، بعد أن كان الاستبداد برائحته النتنة المزعجة يزكم أنوف البلاد والعباد لعقود خلت. ومثلما أثرت التغيرات المناخية الكونية عبر الأزمنة وفعلت فعلها في الطبيعة من حولها فإن الثورات كل لها فعلها هي الأخرى فإذا بأكمام ربيعها تتفتح في مواعيد جديدة، لتنشر الخير والفرح بين أهلها، وتبشر بموسم واعد من العطايا تنزل على قلوب المناضلين والمصابرين وذويهم ومحبيهم بردا وسلاما، وتحيي في قلوبهم جذوة الأمل بغد أفضل يحلمون به، وتمنحهم ثقة بسنن الله في انتصار أصحاب الحق على أرباب الباطل مهما ارتفعت الأثمان وعزّت التضحيات، وطال الزمن، رغم الآلام التي تعتصر القلب كمدا وحزنا وألما مع كل شهيد سقط ويسقط في سوح النضال، أو مع كل قطرة دم زكية أريقت أو تراق على دروب الحرية، أو مع كل إنه معتقل في عتمة سجون القهر، أو مبعد عن دياره نجاة من بطش الظالمين، أو مع كل آهة أم أو زوج مكلومة لفقد عزيز أو لمعاناة مصاب في سوريا واليمن منذ مطلع العام الجاري وحتى الآن. نقول هذا والأمة لا تزال تعيش ومنذ أيام قليلة في ظلال فرحين من أفراح ربيع الثورات يتمثل الأول في طيّ صفحة القذافي السوداء بعد مقتله وإعلان تحرير ليبيا، فيما يتمثل الآخر بإنجاز أول انتخابات تونسية ديمقراطية وتمكن الشعب من اختيار من يمثله في المجلس الوطني التأسيسي، بكل انعكاسات ذلك على الشعبين الليبي والتونسي، والشعبين السوري واليمني. من المفارقة أن تقام الاحتفالات لموت شخص، ولكن خاتمة الطغاة تأبى إلا أن تكون كذلك، فلا شعور بالراحة إلا بالخلاص من شرورهم، ولا فرحة أو نشوة أو سعادة إلا بانقطاع دابرهم.. وهكذا لم تبك أرض أو سماء على مقتل القذافي سواء من شعبه أو من شعوب الأرض، كيف لا وقد كان مجرما منفلتا من كل قيد أو عقال، مستبيحا لكل محرّم، مسكونا بجنون العظمة، مرتكبا للمجازر بحق الأحرار من شعبه، مدمرا لمقدرات بلاده، سارقا لثرواتها، مبددا لها في مغامراته ونزواته. أليس هو من أغلق ليبيا لمدة تزيد عن أربعة عقود، وتركها خارج إطار الزمان والمكان بسبب تهويمات "لجانه الشعبية" وتنظيرات "كتابه الأخضر"، و"نظرياته الثورية"، أليس هو من ارتكب المجازر في سجن "أبو سليم" وغيره، وتوعد شعبه بالويل والثبور عندما خرج عن طوعه بعد ثورته عليه، ووصمهم بالجرذان، أليس هو من موّل حروبا في دول مجاورة وفجّر الطائرات فوق لوكربي، وأنفق الأموال الطائلة لتخلع عليه الألقاب كملك ملوك إفريقيا، أليس هو من اتضح أن ثروته تصل إلى 200 مليار دولار (تساوي 30 ألف دولار لكل ليبي) ليترك شعبه في حالة من الفقر، وبلاده من دون تنمية أو بنى تحتية، لا تليق بدولة نفطية عدد سكانها محدود. أما في تونس، فقد كشف توق سكانها لحق حرموا منه منذ استقلال دولتهم أن نسبة المشاركة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي تتجاوز 80 بالمائة ممن يحق لهم الانتخابات، وتعبيرهم عن الارتياح العميق لقيامهم بواجب التصويت، رغم طوابير الانتظار في مراكز الاقتراع، وعبر كثير منهم عن سعادتهم بذلك، ومنهم صديقي الأكاديمي المقيم في السعودية والذي كتب على صفحته على الفيس بوك: "توجهت بصحبة ابني إلى مقر السفارة التونسية بالحي الدبلوماسي بالرياض، أحسست أنني أستعيد حقا كان مغتصباً، وأديت الواجب..لأول مرة أشعر أنني مواطن استرجع بعض حقوقه المصادرة.. أتمنى أن تكون هذه المحطة بداية استعادة التونسي لحقوقه كمواطن في اختيار من يمثّله، ومن يحكمه... الانتخابات تتويج لثورة الكرامة وبداية مسار بناء الدولة الحديثة في تونس". وفي الاتجاه نفسه وصف زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الانتخابات بأنها تاريخية، مدللا على ذلك بقوله: "أبلغ من العمر سبعين عاما، وهذه المرة الأولى التي أصوت فيها". أما في اليمن وسوريا، فقد جاء رحيل القذافي وإعلان تحرير ليبيا ليمنح الثوار في الساحات مزيدا من العزم على مواصلة نضالهم السلمي، والثقة بوعد الله بالانتصار مهما طال الزمن، وبالمآل والمنقلب السيئ للطغاة مهما بلغ جبروتهم وتسلطهم، وبدت الشعارات والأهازيج المبتكرة ترسم لوحة ساخرة لنهايات من لم يأته الدور منهم بعد، وبالمقابل ليفتّ من عضد الظالمين وأعوانهم وأبواقهم الذين باتوا يحسبون ألف حساب ليوم مثل يوم القذافي ومن سبقه. ولأن كان اليمن قد عرف هامشا ديمقراطيا خصوصا بعد قيام الوحدة فإن السوريين يحسون بشعور مماثل لشعور التوانسة في الرغبة في استعادة حقهم في اختيار من يمثلهم في الانتخابات البرلمانية، خصوصا بعد أن حرمهم حزب البعث ونظام الأب والابن من هذا الحق اعتبارا من عام 1963، وظلوا قرابة نصف قرن لا يعرفون سوى الحزب القائد والحاكم، واستفتاءات رئاسية تصل نسب الفوز فيها إلى ما يزيد على 99 بالمائة. إن ربيع الثورات العربية مازال واعدا بمزيد من الزهور التي ستتفتح عما قريب بإذن الله، والتي ستحيل بيداء الديكتاتوريات العربية إلى جنة خضراء ذات منظر جميل ورائحة عطرية.. لأن الشعب إذا أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر له.

465

| 26 أكتوبر 2011

برقية النظام السوري العاجلة للجامعة العربية

إنه نظام لا يجيد تلك اللغة من بعيد أو قريب، ولا يحاول تعلمها أو إتقانها، ولا يتقبل نصحا بشأن التعاطي معها، أو تغيير رأيه بشأنها. ما يجيده هو اللغات المناقضة والألسن المخالفة تماما، هذا ما أكدت عليه الحقائق والوقائع منذ أكثر من سبعة أشهر وحتى الآن، دون أن تكون هناك حاجة لإضاعة الوقت في أية محاولات سوى ذلك. لا يتعلق الأمر بحال من الأحوال بلغز نطرحه حول المعنيّ بالأمر، أو اللغة التي يتقنها أو تلك التي لا يتقنها. فإذا ما أعياكم الجواب ـ ولا أظن ذلك ـ فيكفي أن تتطلعوا على خلاصة ما صدر عن الاجتماع الوزاري الأخير لجامعة الدول العربية بالقاهرة، وردود الفعل التي رافقت جلساته أو تلتها مباشرة، لتعرفوا أن المقصود هو النظام السوري، وأن اللغة العصية عليه هي لغة الحوار والتحاور ومشتقاتها مع شعبه، أو جيرانه وبني قومه، فيما هو سليط اللسان في التهديد والوعيد والتخويف والتخوين، طليق اليد في قتل الأبرياء من المدنيين العزّل، وسفك دمائهم، سواء مع بني وطنه أو أشقائه العرب، أو مع جميع مخالفيه في الرأي من دول وهيئات دولية وأممية ومؤسسات حقوقية ونقابية ومنظمات مجتمع مدني عبر العالم، لا يرى الصواب إلا فيما يقوله أو يقوم به أو يوافق هواه تماما، وكل ما عداه زيف وكذب ووراؤه مؤامرات وخيانات، تستهدف وجوده. لقد حاول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية إلقاء طوق النجاة الأخير إلى هذا النظام من خلال دعوته للحوار مع شعبه الثائر منذ أكثر من سبعة شهور على ظلم امتد لعدة عقود ـ وليس إلى الرحيل أو مغادرة كرسيّ حكمه ـ حتى وإن جاءت المحاولة متأخرة جدا، وبخاصة بعد أن ولغ في دماء شعبه، ولكنه أبى واستكبر، إذ ما كان من مندوبه الذي عبس وبسر إلا أن وزع الاتهامات على الجميع ـ كالعادة ـ أثناء جلسة الاجتماع، فتوقيت الدعوة " غريب مريب" ويرتبط " بفشل تحرك الولايات المتحدة وأوروبا" لاستصدار قرار في مجلس الأمن ضد نظام بلاده، وأجهزة الإعلام العربية الشفافّة التي تنقل ما يقترفه من جرائم بحق شعبه وإن كان ـ النزر اليسير المتاح ـ رغم منعه لها على الأرض تمارس " تزويرا إعلاميا"، ويجب وقف دورها " التحريضي الممنهج"، لأنها مسؤولة عن كل قطرة دم سورية تسأل بسبب ذلك. أما المعارضة، وهي مسلحة ـ بالطبع ـ وليست سلمية، فقد كشف سرا خطيرا لأنها تتلقى أسلحة رشاشة وقنابل من دولة معادية هي " إسرائيل". أما بعد الاجتماع مباشرة وقبل أن يجفّ حبر توصيات بيان الاجتماع الوزاري العربي فقد سارع التلفزيون السوري لإعلان أن نظامه يتحفظ على دعوة الجامعة العربية لحوار بمقرّها وإشرافها، ويشدد على أنه قادر على إدارة شؤونه وأمنه بنفسه. إنه نظام متغطرس متعال يفتقد إلى أدنى حدود اللباقة والكياسة والحكمة والحنكة حتى مما يفترضون أنهم يمثلونه دبلوماسيا، ألم يقم رأس هرم هذه الدبلوماسية و"معلّمها" بشطب أوروبا كلها من على الخارطة، واعتبر أنها " غير موجودة لمجرد أنها قامت بفرض عقوبات اقتصادية تدريجية عليه وعلى رموزه!، بعد إن لم يستجب لنداء الإصلاح ووقف العنف ضد شعبه، ألم يهدد ويتوعد كل من يعترف من دول العالم بالمجلس الوطني السوري الذي يمثل المعارضة فور تشكله، وكأنها من ضمن رعاياه باعتباره قوة عظمى! ثم ألم تصل عبر قمة هرمه السياسي رسائل بتدمير المنطقة بأسرها وإشعالها فيما تجرأت على استهدافه، أو عبر مؤسسته الدينية بالقيام بعمليات انتحارية من خلال " شبيحته" و" شبيحة" الموالين له في لبنان في أوروبا فيما لو استهدف على غرار ما يتوعد به " تنظيم القاعدة" خصومه. لو كان النظام يريد الحوار حقا لفعل منذ زمن، فقد كانت الفرصة متاحة له منذ أكثر من سبعة أشهر، فالمظاهرات السلمية لم ترفع في البداية سوى المطالب بإصلاح النظام، وبقيت كذلك إلى أن سالت الدماء وتعامل النظام معها بعنف وقسوة، بل إن الشرارة الحقيقية للثورة الشعبية السورية لم تنطلق إلا بعد أن رفض النظام التحاور مع المحتجين من أهالي درعا للإفراج عن أطفالهم الصغار الذين كتبوا على الحيطان ببراءة " الشعب يريد إسقاط النظام"، مقلدين ما سمعوه من شعارات الحركات الاحتجاجية في تونس ومصر، وأصر على التعامل معهم ومع أهليهم معاملة أمنية قاسية. ولو أن النظام يريد الحوار لما رفض حتى الآن التعاطي مع معارضة الداخل التي لم تناد حتى الآن بإسقاط رأس النظام أو رحيله، ولما رفض أيضا مبادرة الأمين العام للجامعة التي تزامنت مع زيارته لسوريا. بعد كل ذلك.. ترى هل وصلت رسالة النظام السوري إلى الجامعة العربية وإلى مجلس التعاون الخليجي ودوله، وماذا هم فاعلون الآن بعد رفض النظام الصريح والعلني لمبادرتهم ومهلتهم التي حدودها بأسبوعين لبدء التحاور بينه وبين المعارضة، وهل يتعين عليهم الانتظار لانقضاء هذه المدة بعد هذا الرفض الجلي الواضح، أم سيكون لهم رد فعل مختلف الآن، خصوصا وأن أمانة الجامعة ولجنتها المكلفة بمتابعة الملف السوري أعلنتا أنهما تعتبران نفسهما في حالة انعقاد دائم لتقييم الوضع في سوريا، وأن وزير الخارجية القطري قال: "لا أتصور أن يبقى الوضع مأساويا في سوريا لفترة أطول"، وبتعبير آخر هل سيكون ما يدور في أورقة الجامعة مقدمة لتجميد عضوية النظام السوري في الجامعة والاعتراف بالمجلس الوطني السوري أم لن يتعدى الأمر منح فرص جديدة للنظام لارتكاب مزيد من المجازر، والتقاط الأنفاس. الإجابة على التساؤلات السابقة هي التي ربما ستحدد رأي الشعب السوري الثائر وللمرة الأخيرة في الجامعة والنظام العربي سلبا أو إيجابا بعد أن شعر أنهم قد تخلوا عنه طيلة الشهور الفائتة رغم أنه كان ولا يزال تحت سكاكين المقصلة.

386

| 19 أكتوبر 2011

الحراك الشعبي السوري.. بين التأييد التركي والالتفاف الإيراني

واضح أن إيران تبدو في غاية الانزعاج من المكافئ الإقليمي لها في المنطقة (تركيا) بعد أن اختارت الأخيرة ببساطة الانحياز إلى خيار الشعب السوري ضد جلاده، وتوجيه انتقادات قوية لمجازره ضد الاحتجاجات الجماهيرية السلمية، ومعاقبته اقتصاديا، بعد أن فقدت الأمل بأية إمكانية لإصلاحه. وقد جاء الانزعاج الإيراني عبر انتقادات وتحذيرات على لسان يحيى رحيم صفوي المستشار العسكري للزعيم الإيراني آية الله خامنئي، والذي اعتبر سلوك أنقرة تجاه سوريا وإيران خاطئا، باعتبار أنه يتماشى مع الأهداف الأمريكية، وحذر أنقرة من أنه "إذا لم تنأ بنفسها عن هذا السلوك السياسي غير التقليدي فإن الشعب التركي سينصرف عنها داخليا وستقوم الدول المجاورة لها (سوريا والعراق وإيران) بإعادة تقييم روابطها السياسية معها. والصحيح أن ربيع الثورات العربي جاء ليفضح حقيقة الصورة الذهنية لإيران التي عملت لعقود ثلاثة على رسمها في أذهان الشعوب العربية، وفي مقدمتها الشعب السوري، كقطب مناهض لظلم قوى الاستكبار العالمي، ونصير عنيد للمقاومة مع حلفائها مع دول وقوى وأحزاب الممانعة في المنطقة العربية، فإذا بها عند لحظة الحقيقة تكيل بأكثر من مكيال، وتؤثر مصالحها السياسية الإقليمية على المبادئ التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية بحق الشعوب في الحرية والكرامة، فتؤيد الحراك الشعبي في البحرين ومصر وتونس وترفضه في ليبيا وسوريا وتعتبره مؤامرة خارجية تدار بأياد داخلية، هدفها النيل من دمشق ومواقفها السياسية. النظام الإيراني يعتقد أنه يمكنه أن يغطي شمس الحقيقة الساطعة بغربال، لأن الخوف الفعلي على إيران، وليس على تركيا، فالشعب السوري الثائر قال كلمته في النظام الإيراني في شعاراته التي يرفعها يوميا في لوحاته ولافتاته أو التي تصدح بها حناجره، أو لدى قيامه بحرق علم طهران، في ميادين الحرية وساحات التغيير، رفضا لمواقفه الداعمة للنظام السوري سياسيا وعسكريا. أما الشعوب العربية التي تعاطفت مع أشقائها من أبناء الشعب السوري، بسبب ما يتعرضون له من ظلم وسفك دماء، فوجدت أنها على النقيض من دفاع النظام الإيراني عن نظام ديكتاتوري، وتبني الأول للأطروحات الرسمية للثاني، حفاظا على موطئ قدمه المتقدم في المنطقة، وعلى أحلافه ومطامعه الإقليمية فيها، وهو ما دفعها لتغيير الصورة الذهنية القديمة المغشوشة واستبدالها بالصورة الحقيقية الراهنة. لقد بدا النظام الإيراني في نظر الشعب السوري ونظر الشعوب العربية متناقضا متهما في موقفه، لأكثر من سبب: - فهو لم ير في الحراك الشعبي السوري المتطلع للحرية والخلاص من الديكتاتورية ـ في البداية ـ سوى مؤامرة خارجية تسعى للنيل من دمشق، ومن تيار الممانعة في المنطقة، ثم اضطر في تصريحات خجولة ومحدودة بعد تعاظم قمع النظام السوري وتواصل الاحتجاجات في الشارع للحديث عن ضرورة إجراء حوار بين النظام والمعارضة، وأخذ الحقوق المشروعة للشعب السوري بعين الاعتبار. - تبرير سفك الدماء وكبح جماح التغيير المطلوب سوريا مقابل حفاظ على دولة مقاومة، ومع افتراض صحة مقولة " دولة مقاومة" على نظام لم يحرك أسلحته الثقيلة أو الخفيفة باتجاه استعادة هضبة الجولان أو الاختراقات الصهيونية لأجواء بلاده واستهداف منشآته العسكرية، طيلة أربعة عقود، بينما حرّك هذه الترسانة ضد شعبه الأعزل.. مع افتراض صحة ذلك، فإنه لا ينبغي تخوين الشعوب وكأنها في حال استعادتها لحريتها وكرامتها ستتنكر لخيار المقاومة، كما أن حصول الشعوب على حريتها من شأنه تدعيم موقفها في مواجهة أعدائها من الصهاينة وغيرهم والعكس صحيح، ولأن جوهر المقاومة هو رفض ظلم الاحتلال، والسعي لدحره نضاليا، فإن من المستغرب أن نشرعن لبقائه وبقاء أصحابه، ونرفض أي مقاومة شعبية له، ويفترض بمن يشتكي من الظلم ألا يمارسه على الآخرين، لذا فالأحرى بإيران أن تقف مع الحق وليس مع مصالحها الضيقة. وبالمقابل؛ فقد كانت الحكومة التركية المنتخبة ديمقراطيا والتي تتمتع بشعبية كبيرة من قبل مواطنيها منسجمة مع نفسها، وموفّقة في الانحياز إلى قيم الحق، وخيار الشعوب العربية في التغيير والتحرر من الديكتاتورية والظلم ولو جاء على حساب مصالحها الخاصة كدولة. ومعروف أن تركيا كانت قبل الربيع العربي على علاقة وطيدة مع سوريا، ومع جوارها الإقليمي بما في ذلك إيران، وكانت دبلوماسيتها حريصة على تصفير مشاكلها مع الدول العربية والإسلامية وغيرها، وحاولت مع النظام في دمشق خلال عدة أشهر أن يقوم بإصلاحات جادة وحقيقية ويوقف شلال الدماء، ولما شعرت بخداع النظام وتنصله من وعوده كان لابد لها أن تنحاز إلى مطالب الشعب العادلة، وطالبت ـ كما يطالب ـ بإسقاط النظام نهائيا، فكانت بذلك أقرب إلى قيمها كدولة ديمقراطية، وإلى نبض الشارع المطالب بحقوقه المشروعة. لن يضرّ الحكومة التركية التي تستمد قوتها من تأييد شعبها لها عبر انتخابات نزيهة وشفافة وبنسبة كاسحة، ومن وقوفها إلى جانب قيم الحق والعدل ضد الظلم والقمع تحذيرات النظام الإيراني وحليفيه (النظامان السوري والعراقي) اللذين لوحا بإمكانية أن يقوم معهما بإعادة الروابط السياسية والدبلوماسية مع تركيا، لأن هذه الدول تعاني من المشروعية الشعبية ـ وإن بنسب متفاوتة، كما أن خيارات الأمم والشعوب دوما هي الأبقى من الأنظمة والأشخاص والمصالح الشخصية الضيقة.

406

| 12 أكتوبر 2011

المجلس الوطني السوري.. الأهمية والدور المطلوب

لم يكد المجلس الوطني السوري ينتهي من الإعلان عن تشكيلته الأحد الماضي حتى خرجت المظاهرات المناوئة لنظام الرئيس الأسد في عدة مدن معلنة عن تأييدها له، كما عبرت عدة تنسيقات للثورة السورية وتكوينات وشخصيات سياسية عن دعمها لجهوده، بمن في ذلك الذين لهم بعض الملاحظات عليه، ولعل السرّ وراء هذا التأييد والدعم الشعبيين الكبيرين يكمن فيما يلي: ـ بروز جهة تسعى بجدية لأن تكون معبرة عن الدولة السورية وممثلة لها، وراعية لمصالح أبنائها داخليا وأمام المحافل الدولية، قبالة حكم أسري امتد أكثر من أربعة عقود مثقل بالديكتاتورية والدموية والفساد المالي، حيث أصبح لتكوين المجلس أهمية خاصة قي ظل قيام النظام الأسري السوري الذي يفترض فيه حماية مصالح السوريين والحفاظ عليها بالتصدي للشعب ومواجهة مطالبه السلمية المشروعة بالحديد والنار وسفك دماء المدنيين الأبرياء منه، لمجرد إصرارهم على الصمود في ساحات الاحتجاج عليه دون خوف من آلة بطشه العنيفة. ـ تمكُن أطياف المعارضة من التوحد بعد مخاض عسير، وهو ما يزيد من قوة الصف المناهض لهذا النظام وتماسكه وصموده أمام الجلاد المتوحش على كافة الأصعدة: اللوجستية، والسياسية والإعلامية والدبلوماسية والتكافلية. وتشمل هذه الوحدة: وحدة الداخل والخارج، ووحدة تركيبة الشعب بكافة تكويناتها القومية والدينية والمذهبية، وكافة توجهاتها الفكرية والحزبية وإن كانت بنسبة تجاوزت 75%، وما يحمد للمجلس الوليد تركه الباب مفتوحا لالتحاق بقية الأطياف والمكونات الأخرى في أوقات لاحقة. ـ السعي للحصول على شرعية التمثيل للثورة السورية في المحافل الدولية والتي انطلقت قبل ما يزيد على ستة أشهر، وقدمت آلاف الشهداء والجرحى وعشرات الآلاف من المعتقلين واللاجئين والنازحين. وكانت عدة دول وهيئات دولية وأممية ربطت التعامل مع هذه الثورة والاعتراف بشرعيتها بوجود مثل هذا المجلس كما حدث من قبل في ليبيا. وتأخر هذه الدول والجهات عن الاعتراف بالثورة بعد ذلك سيشكل إحراجا كبيرا لها. كما يمكن عبر هذا المجلس مخاطبة الجهات الحقوقية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان لتوثيق جرائم النظام، والسعي لمقاضاته ومحاكمة رموزه المتورطين فيها والتي ترقى لأن تكون جرائم ضد الإنسانية، وتوفير الحماية الدولية للمدنيين وبخاصة بعد أن تمادى دون أن يوجد رادع يردعه عن ممارساته البشعة. ولكن حتى يؤدي هذا المجلس دوره المناط به لابد أن يأخذ بعين الاعتبار عدة أمور أهمها: ـ استكمال تمثيل ما تبقى من أطياف الشعب السوري فيه، حتى لا يبقى خارجه سوى النظام السوري ومن يدور في فلكه، أو الذين هم ينأون بأنفسهم عنه، وبناء الهياكل التنظيمية المنظمة لعملها في أطر ديمقراطية مؤسساتية، والتداول على رئاسته وإدارة لجانه. ـ الانتقال من البيانات الصحفية والتصريحات الكلامية إلى الفعل على الأرض، وتحديدا خدمة الثورة السورية، عبر تحشيد الدعم لها ولقضيتها العادلة، وضمان استمراريتها حتى تحقيق غاياتها المرجوة، وذلك من خلال: توفير صناديق تقدم الدعم المالي لها، وبناء الأطر التكافلية لأسر وأبناء شهدائها ومعتقليها ولاجئيها، وتوفير المنابر الإعلامية التي تنطق بها وتعبر عنها، وحشد الدعم العربي والإقليمي لها، وتمثيلها في المحافل الدولية، ومحاولة كف الأذى عنها من خلال حماية مدنييها وحراكها السلمي، وفضح ممارسات النظام وجرائمه في ظل محاولاته المستميتة لإبقاء ذلك في طي السر والكتمان. أي أن الدور الأساسي للمجلس يتمثل في أن يكون وراء الثورة ساعيا لتحقيق أهدافها، بمعنى: "توظيف جهوده السياسية الخارجية خاصة في نطاق ما يخدم وصوله وراء الثورة إلى أهدافها"، وبقدر ما ينجح في بلوغ ذلك بقدر ما يكون ناجحا في أداء مهمته الراهنة والمستقبلية. ومقابل تأييد الشارع السوري الكبير للمجلس، اعتبره النظام السوري العدو الأول، لذا لم يكن مستغربا أن تشن أبواقه منذ اللحظات الأولى لتشكيله حملات كبيرة عليه نعتته بالخيانة والارتباط بالأجنبي (أمريكا والدول الغربية وإسرائيل) وتنفيذ أجنداته، ورفض تمثيله للشعب، ذلك لأن هذا التشكيل مثّل منعطفا مهما في حراك الثورة، ولأن كانت حركة الاحتجاج على الأرض واستمرارها حتى الآن بعد انكسار حاجز خوف الجماهير كان الخطوة الأولى للثورة، فإن الخطوة الثانية المهمة في هذا الحراك كان هذا المجلس بكل ما سيضطلع به من مهام سياسية كبيرة، وبخاصة أنه يعني عمليا تهيئة البديل السياسي للنظام الذي بدأ يتهاوى. ولقد راهن النظام كثيرا ـ ولا يزال ـ على خلافات المعارضة، واعتبر أن من علامات عدم رشد الثورة اختلافات مناهضيه، باعتبار أن البديل سيكون الأسوأ.. أما الآن ومع توحد المعارضة ضده وتواصل الحراك الشعبي لإسقاطه فقد بات يشعر أن شرعيته الزائفة المزعومة والمبنية على توريث الحكم وانتخابات الحزب الواحد، واستفتاءات رئاسة هرمه التي كان حظي بها الابن وقبله الأب بنسبة تزيد عن 99% قد أصبحت مرفوضة داخليا وخارجيا وتعيش الرمق الأخير من عمرها.

409

| 05 أكتوبر 2011

مسيرة التغيير بسوريا ماضية.. وإيقاف عجلتها مستحيل

لا يبدي النظام السوري أي تغير أو تحول إيجابي في مواقفه حتى الآن تجاه الاحتجاجات السلمية والتظاهرات في الشارع منذ ما يزيد على ستة أشهر، مما يرجح أن تكون الثورة السورية وفقا لملاحظات كثير من المراقبين الأكثر دموية والأطول أمدا بين الثورات التي نجحت، أو التي لا تزال تواصل نضالها على هذه الطريق. فالنظام السوري ما فتئ منذ اندلاع شرارة الاحتجاجات يواجهها بالحديد والنار، والعنف المفرط والوحشية المتزايدة التي تتكشف يوما بعد يوم، ولن يكون آخرها قصة زينب الحصني، معتقدا أنّ ما يقوم به هو الحل الناجع لوقف الاحتجاجات، والقضاء عليها قضاء مبرما، بعيدا عن الشروع في أي حل سياسي حقيقي وجاد، ولا يزال يقدّم ما يحصل في وسائل إعلامه على أنه مؤامرة خارجية تستهدفه باعتباره دولة مواجهة وممانعة، وأنه يتصدى لحثالة من العصابات المسلحة، ليشوه بذلك الوجه السلمي للمواطنين في الشارع، ويربطها بتيارات إسلامية كالإخوان المسلمين والتيار السلفي تارة، ليستدر عطف الغرب المناهض للقاعدة خصوصا والجماعات الإسلامية عموما، أو بإسرائيل في محاولة لاستعادة تأييد الشعوب العربية التي كانت مخدوعة لعقود خلت بشعاراته القومية التي يرفعها قبل أن تتعرف على حقيقته، أو ببعض الفرقاء اللبنانيين ليصور الأمر كأنه تصفية حسابات إقليمية تارة أخرى، في تخبط غير خاف. يراهن النظام في استمراره على نفس النهج داخليا ـ كما ما يبدو ـ على أجهزة الأمن التي تدين له بولاء منقطع النظير له، وعلى تماسك جيش لم تحدث فيه سوى انشقاقات هامشية ومحدودة. أما خارجيا فعلى مستوى الدعم يشعر بسند إقليمي له من جانب إيران، وبمساندة دولية من قبل روسيا والصين في مجلس الأمن وغيره، أما على مستوى جبهة الرافضين لمسلكه العنفي فإنه يشعر رغم الضغوط والعقوبات التي تمارس عليه والآخذة بالاتساع بحالة من الطمأنينة، ربما لأنه يشعر أن الانتقادات أو التهديدات الموجهة ضده ما تزال كلامية في شكل تصريحات وبيانات، أو مناشدات، كما هو الحال على المستوى العربي كمجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية وتركيا، والأمم المتحدة، وأن العقوبات الاقتصادية لا تأثر عليه بشكل مباشر، بقدر على تأثر الشعب، وأنه لا يزال يتلقى دعما من هذه الجهة أو تلك ليظل واقفا على رجليه، وأن حلف شمال الأطلسي لا ينوي التدخل في سوريا رغم رغبة أطراف محدودة من المعارضة بذلك أو رغبة المتظاهرين بتأمين حماية دولية لهم من بطش النظام وانتقامه.. ربما لأن سوريا ليست ليبيا في حساباته الاقتصادية، أو لوجود تعقيدات إقليمية في حساباته العسكرية. ووفقا لهذه الصورة فإن ما يبدو على الأرض من مراوحة للوضع في المكان قد يثير حالة من القنوط من إمكانية زوال هذا النظام، وبخاصة أن النظام ـ كما يتضح ـ يمضي قدما في مخططاته العنيفة على طريقة (يا قاتل أو مقتول)، ويعتبر أن الزمن يصبّ في مصلحته. لكنّ ما لا يدركه النظام حتى الآن، ولا يحسب له حسابه جملة من الحقائق المهمة: ـ حاجز الخوف الذي انكسر عند أجزاء واسعة من الشعب السوري، ويتمثل ذلك بالاستمرار في احتجاجاته النهارية والليلية، واليومية والأسبوعية، والريفية والحضرية، من قبل الصغار والكبار والنساء والرجال والأطفال والشيوخ.. وأن الشعب الثائر لم يعد يعبأ بحجم التضحيات التي يقدمها حتى تتحقق له حريته وكرامته، والذين يشككون في ذلك عليهم قراءة ما يجري في درعا وحماة وحمص ودير الزور وريف دمشق.. رغم كل الاقتحامات وجرائم قوات الأمن والشبيحة، كما أن هذه الجموع تدرك استحالة التوقف عن نضالها السلمي أو الرجوع خطوة إلى الوراء لأن في ذلك حتفها الأكيد. ـ "الظلم مُؤذِن بخراب العمران" ـ كما قال ابن خلدون ـ وهذا من سنن الله والحياة، وبالتالي فإن إمعان النظام في جرائمه البشعة التي فضحتها عدسات التصوير، وحرّكت له سجلات راهنة وسابقة في مجال الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان كالمجازر الجماعية (في حماة وتدمر، وحماة مرة أو مرات أخرى...) والتعذيب الوحشي ضد المدنيين من الأطفال والنساء (من حمزة الخطيب إلى زينب الحصني وغيرهما كثير) ستكون سببا في تعجيل زوال ملكه وسلطانه، ووضع المسمار الأخير في نعشه، لأن الظلم مرتعه وخيم، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب. ـ تغير الظروف والأحوال، وتطور الأوضاع، داخليا وخارجيا، ومن المحال الوقوف ضد هذه القوانين، أو الإبقاء على الناس في حالة سكون، أو حبسهم في قوقعة. داخليا: ثمة اتساع لنطاق المعارضة والوعي، وتغير في الأحوال جعل فنانة سورية تتساءل مؤخرا: ما الذي تغير وجعل إخوتنا وأبناءنا الذين كانوا يحملون صور رئيس الجمهورية يتظاهرون ضده ويطالبون برحيله؟! وخارجيا: ثمة روح تسري في الأمة في إطار ربيع التغيير والثورات العربية وأن هذه الروح عابرة للدول والأنظمة، وأن الإعلام المباشر من خلال الفضائيات الإنترنت واليوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي صار يفضح ما كان خافيا مستترا، والخطأ الفادح القفز على هذه المتغيرات وما يلوذ بها. وثمة أمور ومتغيرات أخرى.. لكن نقول مرة أخرى قد يكون المشهد السوري أكثر تعقيدا من غيره، بسبب إشكالياته الداخلية والخارجية المعقدة، لكن مسيرة التغيير التي تعّمدت بدماء الشهداء وعذابات الجرحى والمهجرين والمعتقلين وأسرهم محال أن تتوقف قبل أن تنتصر مهما طال الزمن وعزت التضحيات.. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

406

| 28 سبتمبر 2011

جمعة الرحمة

هذا ليس اسما جديدا لجمعة من جمع الثورات العربية، التي صارت ترتبط بتسميات خاصة كل أسبوع تبعا للظروف المحيطة بها والرسائل المراد إيصالها عبرها، لكنّ هذا الاسم يرتبط بفكرة مبتكرة في العمل الإنساني من حيث المقاصد والأهداف والنتائج المتوقعة دعت إليها جمعية قطر الخيرية عبر نداء تبنته للدعاء في كل أنحاء العالم لصالح الصومال والقرن الإفريقي، حيث تشتمل على فعاليتين رئيستين هما: إقامة صلاة الاستسقاء في جميع مواقعها الميدانية في الصومال، وقنوت النوازل في جميع مكاتبها الميدانية حول العالم. ورغم أن صلاة الاستسقاء و قنوت النوازل معروفتان كشعيرتين تعبديتين منذ عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. إلا أن التميز في إطلاق هذه المبادرة وتبنيها يتمثل في الآتي : ـ على مستوى العمل الخيري والإنساني الفكرة غير مسبوقة لأننا اعتدنا من المؤسسات الخيرية عند وقوع الكوارث الإنسانية التسويق لحملات استقطاب الدعم لصالح المتأثرين منها، أو تقديم المساعدات العاجلة ، ثم تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، أو الأمران معا، وهي أشياء مادية ملموسة بعيدا عن خوضها أو دخولها في أشياء معنوية رغم مالها من تأثيرات كبيرة . المشروع الذي بين أيدينا يقدّم نموذجا يستحضر خصوصية الهويّة الإسلامية كمرجعية قيمية يمكن استلهامها في العمل الإنساني الإسلامي، ترسيخا لمبدأ الاستعانة بالله جل وعلا لإغاثة إخواننا من الجفاف بسبب انحباس المطر، وبسط أكف الضراعة لتخفيف وطأة الجفاف عنهم ، وتجاوز آثارها السلبية، وقد جاء في الحديث الشريف: "إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم ". ـ حشد الدعم والتأييد لهذا النداء الإنساني ( Advocacy ) من خلال المكاتب الميدانية والممثليات الخاصة بقطر الخيرية في أكثر 12 دولة ، ومن خلال التواصل مع المنظمات الإقليمية ( انضمت منظمة التعاون الإسلامي للمبادرة) والمؤسسات الدينية كالمشيخات ودور الفتوى ووزارات الأوقاف حول العالم ( أكثر من وزارة ودار عبر العالم) ، وبالتعاون مع وسائل الإعلام المؤثرة ( في مقدمتها قناة الجزيرة كشريك إعلامي رئيس )، و سفراء النوايا الحسنة من الشخصيات المؤثرة في قطر والعالم الإسلامي. وهذا الحشد فضلا عن دوره الروحي الإيماني في استمطار رحمة السماء في لحظات التجاء الأمة إليه سبحانه، في حاجة تمس أمنها المعيشي، فهو يشعر الصوماليين بتضامن أمتهم معهم في نكبتهم ، كالجسد الواحد ، الذي يتداعى كله في حال شكوى أحد أعضائه، والإحساس بمعاناتهم التي يعشونها بسبب القحط والجفاف، ويزيدهم وعيا بحجم الكارثة ومخاطرها المحدقة من خلال تركيز الاهتمام بها، ولو ليوم واحد. ـ ينتظر أن تجمع هذه الفعالية ـ كونها صدرت عن جهة إنسانية بحتة غير صومالية ـ جميع الصوماليين بكافة فصائلهم وانتماءاتهم حول قضية واحدة، وهي ممارسة شعيرة حثّ عليها ديننا الحنيف كلما انحبس المطر، حيث إن عبادة الله بالدعاء من أكبر عوامل الوحدة بين المسلمين. والمعروف أن الخلاف المستحكم بين الفرقاء الصوماليين أثّر سلبا في مضاعفة تأثيرات كارثة المجاعة، من حيث عدم سماح بعضهم للمنظمات الإنسانية الدولية ـ بل والعربية والإسلامية أيضا ـ بالدخول إلى مناطقهم ، فضلا عن تأثيرات ذلك على التنمية ومشاريعها أصلا ، في ظل الاقتتال الأهلي وانعدام الأمن. ـ تسليط الضوء على هذه الفعالية ومناشطها إعلاميا من شأنه كشف حجم تقصير المجتمع الدولي والمنظمات الأممية تجاه مجاعة الصومال، والقصور في تقديم المساعدات الإنسانية المطلوبة حتى الآن ، وفي هذا الصدد كانت الشيخة حصة بنت خليفة آل ثاني سفير النوايا الحسنة لقطر الخيرية والمقرر الخاص السابق المعني بالإعاقة لدى الأمم المتحدة قد شددت على أهمية هذه المبادرة ـ ومثيلاتها ـ في حشد النصرة للشعب الصومالي ماديا ومعنويا، خصوصا بعد أن تلكأت المنظمات الأممية والدولية وقصرت في القيام بدورها المطلوب منها إنسانيا. ـ إسهام المبادرة في غرس المعاني القيمية في نفوس المجتمع صغارا وكبارا، فلاشك أن إقامة صلاة الاستسقاء أو دعاء قنوت النوازل في المساجد والمدارس وغيرها، ومشاركة الأطفال والناشئة فيهما في أكثر من قطر ومصر من شأنه لفت الانتباه إلى ضرورة إدارك قيمة نعم الله على من عافاهم الله من القحط والجفاف، وسؤال الله دوام هذه النعمة، لأن الملائكة في الدعاء تؤمن على من يدعو لإخوانه بدفع البلاء في المصائب والكوارث. ـ من حيث التوقيت جاءت المبادرة في محلها ، نظرا لعدم نزول الأمطار خلال أربعة مواسم متلاحقة خلت في الصومال، وهو ما أدى الى الجفاف الذي أودى بحياة الآلاف ـ وما يزال ـ ، ولقرب دخول الموسم الجديد في مطلع أكتوبر القادم. نسأل الله أن يتقبل الله من القائمين على هذه المبادرة ومن يتضامن معها ويسعى في حشد التأييد لها ، وأن يغيث إخواننا في الصومال والقرن الإفريقي ، وأن يرفع عنهم ما نزل بهم من البلاء ونقص الماء والغذاء، وأن يسبغ علينا نعمه وسائر بلاد المسلمين وإن يجنبنا الكوارث ويرفع عنا المحن والشدائد.. إنه سميع مجيب.

319

| 21 سبتمبر 2011

"الحماية الدولية" للسوريين.. أسبابها.. ومن يتحمل مسؤوليتها؟!

استشاط النظام السوري غضبا من تسمية المحتجين في الساحات لجمعتهم الفائتة بجمعة "الحماية الدولية"، واعتبرت أبواقه التي تظهر للدفاع عن سياساته القمعية في الفضائيات أن هذا يندرج في إطار الخيانة الوطنية لأن فيه استعداء للخارج على الدولة. وسبب الغضب واضح تماما، فالنظام يرغب في استمرار ممارساته للمجازر اليومية ضد شعبه، رغبة منه في حسم ما يسميه بـ "التمرد" والقضاء على "الإرهابيين" تحت غطاء عدم جدية النظام الدولي في التعامل مع جرائمه، أو صمت أطراف عربية وإسلامية بسبب الخوف منه، ومن حلفائه في المنطقة أو بسبب المصالح، أو بسبب الدعم والتأييد الذي يحظى به من بعض حلفائه في المنطقة كإيران، أو العالم كالصين وروسيا، وبالتالي فإن أي تدخل دولي ـ حتى ولو كان لأغراض إنسانية ـ سيحظى منه بالرفض القوي، ولن يستسلم له إلا مرغما، لأنه سيمثل نوعا من التحدي الحقيقي لمواجهة بطشه الدموي في مواجهة شعبه الأعزل، وكشف حجم جرائمه التي ترقى بحسب منظمات حقوقية دولية وأممية أن تكون جرائم ضد الإنسانية. لقد ثبت أن النظام منذ اليوم الأول لانطلاق الانتفاضة الشعبية المباركة بالمدن السورية لم يقبل بها، أو يعترف بمطالبها الإصلاحية المحقّة، بل تعامل معها بدموية متصاعدة لم تشهدها دول أخرى كمصر وتونس واليمن، واتضح أن حديثه عن الحوار وقوانينه التي أطلقها لم تكن سوى "ديكور شكلي" لتمرير الوقت أمام أنظار العالم، وخدعة للالتفاف على ثورة الجماهير سرعان ما انكشفت، فيما كان تركيزه الرئيس والحقيقي على البطش والقوة المفرطة لسحق الثورة، وما زال يعتقد أنه يستطيع ذلك على ما يبدو، ولذلك فهو لا يريد أي عائق يقف في وجهه ضد إرهاب شعبه، أو سحب "رخصة القتل" التي بيده، باعتبارها الورقة الوحيدة المتبقية لديه، والتي يمكنه أن يشهرها في وجه شعبه، بعد أن هرب من الإصلاح التي لايمكن أن يدفع ثمن استحقاقاته. ورغم أنني لست بالضرورة مع رفع هذا المطلب، أو بصدد مناقشة صوابيته السياسية من عدمها أو المخاطر التي قد تترتب عليه، فإن على المستنكرين من أزلام النظام أو أبواقه ـ أو غيرهم ـ أن يسألوا أنفسهم: لماذا لجأ الشعب إلى هذا الطلب، ومن المسؤول الحقيقي عن إيصالهم لهذه النقطة؟ خصوصا أن من طالب بذلك تنسيقيات الثورة السورية الميدانية في الداخل، وليست الأحزاب أو معارضة وفعاليات الخارج. إن النظام هو من يتحمل هذه المسؤولية كاملة عن ذلك، فالجماهير كانت تطالب في بداية انتفاضتها في منتصف مارس الماضي بإصلاحات تحت سقف النظام، ولكنها رفضتها بعد أن سالت دم الأبرياء، ثم طالبت بعد ستة شهور بالحماية لعدة أسباب أهمها: ـ يشعر الشعب السوري بالخذلان وفقدان الأمل من الدول العربية ومن جارته تركيا، الذين يبدون غير عابئين بالقوافل اليومية لشهدائه ومظاهر بطش النظام ضده، وتأخرهم جدا حتى قام بعضهم بإدانة أفعاله، وعجزهم عن الأخذ على يديه حتى الآن. لقد استصرخ السوريون النخوة العربية والإسلامية غير مرة، دون مجيب، وشاهدوا كم الفرص المجانية التي منحت لهذا النظام من أجل الإصلاح ـ وآخرها مبادرة الجامعة العربية ـ على حسابهم،فيما لم تكن في الحقيقة سوى مددا إضافية لذبح المزيد منهم والدوس على كرامتهم، لذا فقدوا الأمل بالعرب والمسلمين من دول الجوار ومن المنظمات التابعة للنظام العربي والإسلامي. ـ إمعان النظام في الممارسات اللا إنسانية واللا أخلاقية تجاه المحتجين ومنها: إخراج قوات الأمن للمصابين من المستشفيات كما في حمص، ومنع الطواقم الطبية من الوصول إلى الجرحى، واعتقال الأطباء والمسعفين ومعاقبتهم بسبب أداء واجبهم الإنساني عند إسعاف المصابين من المحتجين. ـ رفض السلطات السورية لأي مراقبين من قبل الأمم المتحدة للتحقق من الانتهاكات المتزايدة لحقوق الإنسان، وهو ما كشفته عنه مؤخرا وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ورفض تغطيات وسائل الإعلام العربية والدولية حتى الآن. ـ رفض النظام لأي مساع حميدة أو وساطات أو مبادرات لحل الأزمة السورية سواء قامت بها بعض الدول كتركيا أو الجامعة العربية..، وقد لوحظ أن البيان السوري لم يشر إلى أي مبادرة تقدم به الأمين العام للجامعة إثر الزيارة التي قام بها مؤخرا. إن السوريين حساسون أكثر من غيرهم ـ تاريخيا ـ للتعامل مع الأجنبي وتدخله في شؤونهم، وهو ما كشفت عنه مواقف السواد الأعظم لمعارضتهم، لكن الذي يجبر على "المرّ" هو "الأمر منه"، مع الإشارة مرة أخرى أن الحماية المشار إليها هي للأغراض الإنسانية الخاصة بالمدنيين فقط.

457

| 14 سبتمبر 2011

الاهتمام بالأبعاد الجغرافية لأحداث ومعالم السيرة النبوية

في العمرة التي أكرمني الله بأدائها نهاية شهر رمضان المبارك بصحبة أسرتي كان لديّ حرص أن أزور مع أولادي الثلاثة الموزعين بين المراحل الإعدادية والجامعية ما أمكنني من المعالم التاريخية الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة نظرا لما لهذه الزيارات من فوائد عظيمة وبخاصة لدى النشء والشباب. الاطلاع على هذه المعالم أغلبه تمّ من خلال زيارات ميدانية مباشرة لها، وبعضها عبر زيارة بعض المتاحف المتوفرة هناك على محدوديتها وتواضع ما هو متوفر فيها، وفي هذه الزيارات الطيبة تتوقف - على سبيل المثال لا الحصر - عند غار حراء الذي شهد ميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونزول مفتتح آي القرآن الكريم لتستشعر الحالة الوجدانية للحبيب المصطفى الذي حببت إليه الخلوة آنذاك، فكان يتعبد الله فيه لأيام وليال متصلة ويتفكر فيها في بديع خلق الله في لحظات من الصفاء والسمو الروحي. وتعيش قرب غار ثور المحطة المهمة في رحلة الهجرة بكل ما اكتنفها من صعوبات وعقبات وتخطيط محكم متأملا عناية السماء التي حفظت أطهر الخلق مع عدم التخلي عن الأخذ بالأسباب وهو يسعى من خلال هذه الرحلة لإرساء دعائم الدولة في يثرب التي صنعت أعظم حضارة إنسانية عرفتها البشرية. أهمية هذه الزيارات تتمثل في تلمس الجوانب الجغرافية والأبعاد المكانية للسيرة النبوية المطهرة بمراحلها المختلفة، فليس الرائي كمن سمع كما يقول المثل العربي، ولا شك أن الاقتراب من جغرافية هذه الأمكنة التي وقعت فيها أحداث التاريخ الخاص بالسيرة الخاصة برسولنا الكريم وأصحابه الكرام مهمّ لأكثر من سبب: - التعرف عن كثب على المواقع والمشاهد الخاصة بأحداث السيرة المختلفة بكل تفاصيلها المكانية والمكونات التي تشتمل عليها والبيئة المحيطة بها.. في حين أن جلّ كتب السيرة تحفل بالجوانب التاريخية أكثر من احتفالها واحتفائها بالجوانب الجغرافية والديمغرافية. - ملاحظة التطور العمراني الذي طرأ على المواقع والمعالم عبر الحقب الزمنية المتلاحقة بكل ما شهدته من توسعات ( في المتحف الإسلامي بالمدينة المنورة هناك مجسمات لتطور المسجد النبوي كما بناه نبينا الكريم بحجمه الطبيعي، ثم ما ألحق به من حجرات لزوجات الرسول أمهات المؤمنين.. إلى التجديدات الراهنة بما فيها البناء العثماني الذي لا يزال منظورا إلى الآن ). - استشعار حجم معاناة ومكابدة الرسول وصحابته الأكارم في تبليغ الدين للأمة والعالمين، ونشر الدعوة في الأصقاع والأمصار، وبخاصة مع صعوبة وسائل المواصلات وأدوات الاتصال التي لا تقارن بعالم اليوم بكل ما فيه من تطور وتسهيلات، وإنزالهم المكانة التي يستحقونها في وجدان الأمة وضميرها. - الزيارة الميدانية لهذه المواقع أو الاطلاع على مجسماتها وأشكالها التوضيحية من شأنه أن يزيد من حجم المعرفة بوقائع سيرة نبينا الكريم، ويزيد بالتالي من حب الناشئة والشباب لدينهم وقائد دعوتهم والرعيل الأول ممن حمل معه همّ الدين، واعتزازهم بشريعتهم الخاتمة، وبصمات التطور الحضاري التي أحدثتها في زمن قياسي. إن الحديث عن هذا الجانب يطرح جملة من جوانب القصور في العناية والاهتمام به ومن أهمها: - ندرة تنظيم الزيارات الخاصة بهذه الأماكن وبخاصة للأطفال والناشئة، على أن تكون مصحوبة ببرامج تحفيزية ومسابقات، وأن تسبق بقراءة لأحد كتب السيرة، ويقوم على أمرها دليل سياحي ذو مواصفات خاصة. - ندرة إنتاج البرامج التليفزيونية والأفلام والعروض التقديمية ووسائل الإيضاح والأقراص الممغنطة.. والتي قد تؤدي دورا بديلا أو مكملا للزيارات الميدانية، ذلك أن كثيرا من الناس لا تتاح لهم زيارة تلك البقاع الطاهرة وبخاصة الأطفال، ونقترح أن تعمم مع المواد المصاحبة لتدريس مادة التربية الإسلامية والتاريخ وأن تضاف للمواقع الإلكترونية المهتمة بالناشئة والشباب لتعميم الفائدة. - قلة تنظيم المعارض المتعلقة بهذا الجانب سواء الثابتة أو المتنقلة التي تستخدم الصور الفوتوغرافية المكبّرة والمجسمات والأفلام والمطويات والنشرات.. وهنا لا بد من الإشادة بمعارض مركز المدينة المنورة للدراسات والبحوث الذي أقام عددا منها ربما كان آخرها في دولة الإمارات العربية المتحدة. - ضعف الإفادة من التقنيات الحديثة ومنها تقنية ( جوجل إيرث) نظرا لأهميتها في الشرح والتوضيح، وهنا أنوه أيضا مرة أخرى بجهود المتحف الإسلامي للمدينة المنورة الذي زاوج بين المجسمات التوضيحية وهذه التقنية للتعريف بغزوة الخندق والتكنيك العسكري الذي استخدمه فيها، كما لا بد من التنويه والإشادة بتجربة البرنامج الجماهيري الرمضاني (البراحة) التابع لقطر الخيرية الذي اعتمد هذه التقنية الشهر الماضي أيضا لإنجاز فيلم توثيقي عن سيرة ومسيرة عدد من الأنبياء في عمل متميز لم يستغرق سوى بضع دقائق، وقبلها في رمضان 1432هـ للتعريف بالسيرة بعنوان (السيرة النبوية المصورة). الموضوع واسع وذو شجون ولعلنا نعود إليه بإذن الله مرة أخرى لمزيد من النقاش والإثراء.

1652

| 07 سبتمبر 2011

وجه آخر للعيد افتقدناه منذ زمن طويل

تسقط أوراق الشهر الكريم ورقة إثر ورقة، تغرب شمس أيامه الأخيرة أو تكاد، حزن يملأ قلبك وجوانحك، لفراق عزيز طالما أنست بأجوائه الروحانية، وسكن قلبك إلى نفحاته الربانية، وعشقت كل لحظة من لحظات عطائه وجوده، كانت مترافقة مع كل دمعة سكبتها في جوف لياليه وكل آهة صدرت عنك في محاريب طاعته مع حضور قلب، تعز فيها النفس في ذل السؤال.. وأنت على باب كريم. ببابك يا مهيمن قد وقفنا نعز النفس في ذل السؤال تفتح لك أبواب من الخير والكرم والعطاء لا حد لها، وتنال عطايا ومنحا لا عد لها، فأنت في شهر كريم، وتغترف من خزائن كريم. عشر ليال في آخره تتحرى أن تدرك فيها ليلة خير من ألف شهر، عمرة تعدل حجة، باب للصائمين اسمه الريان، زيادة في النوافل كصلاة التراويح، غفران ما تقدم من الذنوب إن صمت نهاره وأحييت وقمت ليله. إن القلب ليحزن وأن العين لتدمع وإنا على فراقك يا رمضان لمحزونون.. كيف لا نحزن ونحن سنخسر كل هذه الهدايا والجوائز، ونغادرها بعد أن تعودنا على فيوضات عطائها وبركات رحماتها، وبخاصة مع خشية من ألا نتعرض لنفحاتها العطرة في مواسم قادمة فيما أدركنا الموت وقبضت أرواحنا، لذا كان من دعاء الصالحين سؤال المولى أن يعيد رمضان عليهم أعواما عديدة وأزمنة مديدة. ومن حزن إلى حزن، وإن كان من نوع آخر، نستقبل الوافد الجديد، العيد، رغم أنه أصلا موسم للفرح والسرور والشكر لله، وكأنما قدرنا أن نظل نردد مع المتنبي: عيد بأية حال عدت يا عيد لما مضى أم لأمر فيك تجديد. بواعث الحزن والأسى كثيرة متعددة، فمن مجاعة تفتك بأرواح إخوة لنا في الصومال والقرن الإفريقي، وبخاصة الأطفال الرضع، والشيوخ والنساء، فلا نحن في زمن عمر بن عبدالعزيز الذي خلت فترة حكمه الراشدة من فقير يستحق الزكاة، فترة لم يجع فيها مسلم، أو حتى طائر أو حيوان دولته، حتى قال رضي الله عنه: انثروا القمح في رؤوس الجبال، حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين. ولا نحن في زمن عمر بن الخطاب العادل، زمن الإيثار والتكافل، وهو الذي قال في عام الرمادة عندما بلغ القحط في بلاد المسلمين مبلغه، ومعدته تقرقر من الجوع "قرقري أو لا تقرقري.. والله لن تشبعي حتى يشبع أطفال المسلمين". نحن في زمن تحتار أمهات في دول متخمة في اختيار الطبق الذي تقدمه أم لابنها بينما تحتار أم صومالية في اختيار الابن الذي تعطيه القليل من الطعام ليموت الآخر أمام عينها، على حد تعليق لأحد الدعاة على المجاعة الذي سببه القحط في القرن الإفريقي. ويموت قلبك كمدا، عندما تولي وجهك صوب بلد عربي يصوم أهله على الموت ويفطرون عليه، ولا يكاد يمر يوم دون أن يسقط فيه عشرة أو عشرون من الضحايا المدنيين، لا شيء سوى أنهم يطالبون بحريتهم وكرامتهم، معاملة وحشية وقمع ومشاهد دموية، ومناظر إذلال للناس، بالبساطير والأحذية، يجبرونهم أثناءها على تمجيد الفرعون رغما عنهم، وانتقاما منهم وترديد شعارهم الممجوج "بشار وبس". لمثل هذا يموت القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان.. كما قال أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس. لكن هذا لا يمنع من القول إن رمضان الذي تصرم قبل قليل، لم يشأ أن يرحل دون أن يدخل بشرى سارة إلى قلوبنا، أصبح بها عيد الفطر هذه المرة عيدين.. عيد بفرحة المسلمين بفطرهم وشكرهم للنعم من جهة، وعيد بنصر تحقق على نظام دكتاتوري بشع جثم على صدر شعبه أكثر من أربعة عقود من الزمن، فشفى الله بزواله قلوب قوم مؤمنين من ليبيا، ومن شعوب العالم العربي والإسلامي، بعد طول انتظار، وأحيا الأمل بزوال طواغيت آخرين، كانوا يظنون ـ زيفا ـ أن انتصار الثورات توقف عند مصر ولن يبرحها بعد ذلك، ولكن الله خيب فألهم. لكثرة ما تعرض له هذا الجيل من أبناء هذه الأمة من مآس ونكبات ومصائب على مدى عقود فإن الأعياد لم تكن سوى محطة لاجترار الأحزان، وتذكر الآلام، لا نجد فيه ما يفرح القلب أو يسر الخاطر إلا ما ندر، والنادر لا حكم له. لكن برغم الجراح لا بد من القول إن ثمة روحا جديدة تسري في جسد الأمة وشعوبها تتحرك لاستعادة كرامتها وتنتفض لنيل حريتها المفقودتين، واستشراف مستقبل مختلف تستعيد فيه ماضيها الحضاري ومكانها اللائق بين الأمم إن شاء الله، وهو ما يجعل للعيد هذه المرة طعما مختلفا افتقدناه منذ زمن طويل. نسأل الله أن يبرم لهذه الأمة أمرا رشدا يعز فيه أهل الحق من الأصفياء الخيرين ويذل فيه أهل الباطل من الجبابرة والظالمين، وأن يحقن دماء المسلمين، وأن يجنبهم بلادهم الفتن، وأن يجعل بلادهم واحة للاستقرار والسلام والتقدم والازدهار.

554

| 31 أغسطس 2011

تداعيات سقوط الصنم الثالث

سقوط طرابلس بأيدي الثوار يصب في اتجاه تحرير سوريا الحمد لله بنعمته تتم الصالحات.. يشاء الله ليلة كتابة هذا المقال أن يكنس نظاما ديكتاتوريا مستبدا آخر ورأس هرمه وأعوانه. . يقبض على من يقبض منهم، ويولّي من يولي منهم الدبر هزيمة وصَغَارا، أخبار نزلت على قلوب أهل ليبيا والشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم بردا وسلاما، بعدما استيأسوا نظرا لطول المدة التي مرت عليهم في ليبيا واليمن وسوريا قياسا بما حصل في تونس ومصر.. أخبار أعادت لهم ذكريات البطولة ونشوة الانتصار التي شهدها رمضان المبارك على مرّ الدهور، بدءا من غزوة بدر الكبرى وفتح مكة ومرورا بحرب أكتوبر 1973. لم يكن في ذلك أدنى غرابة أو شك فسنن الله ماضية في خلقه في تعقب الجبابرة المتكبرين والانتقام منهم لأن الظلم مرتعه وخيم، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب... لقد فصحتهم الصور الكثيرة في عهد الإعلام الجديد والاتصال المباشر، وما خفي أعظم بكثير في فترات امتدت لعقود خلت، ارتكبت فيها المجازر وحملات الإذلال، وما يزال ترتكب حتى الآن دون حياء هنا وهناك ، حتى صدق فيهم قول رسولنا الكريم " إن لم تستح فاصنع ما شئت ". أما من حيث التوقيت فهذا الشهر الكريم هو شهر الجهاد ضد الظلم وشهر الصبر والمصابرة والرباط والمرابطة والانتصارات، وفيه ليال وأوقات مستجابة الدعاء لاسيَّما في العشر الأواخر، فلا عجب أن يكرم الله عباده في هذا الموسم العظيم واللحظات المباركة ويجعل عيدهم القادم عيدين: عيد الفطر وعيد النصر على طاغية ليبيا. في الأسبوع الماضي أعجبني أن يطلق أهلنا في سوريا على جمعتهم "بشائر الانتصار"، وهو تعبير عن تفاؤل مطلوب وثقة بوعد الله الأكيد، مهما تخلى الأقربون والأبعدون عنهم، فكان أن كحل الله أعينهم بانتصار إخوان لهم في كفاح الظالمين، يتقاسمون معهم الهمّ المشترك، وإن شاء الله تتواصل البشارات وتتوالى. إن هذا النصر المفرح سيكون لهم انعكاسات مؤثرة في زمن التغيير العربي التي تهبّ رياحه العابرة للدول والأقطار بقوة وبخاصة على سوريا واليمن لأكثر من سبب: ـ سيحيا الأمل من جديد في نفوسهم التواقة للحرية واسترداد حقوقها المسلوبة بعد أن مضى على آخر تغيير قرابة ستة شهور، وبعد أن ظنت الأنظمة المستبدة بأن بإمكانها وقف دوران عجلة التغيير نحو الأمام، موهمة نفسها وبطانتها السيئة بأن بإمكانها سحق الانتفاضات التي تطالبها بالرحيل، بحكم أنها استفادت من أخطاء من سبقها لجهة فشله في وأد الثورات، بالقوة أو العنف أو الدهاء والحيلة، وليس بالحوار والتغيير الجادين والصادقين. وسيكون انعكاس ذلك مزيدا من ثقة الأحرار المنتفضين بحراكهم، وإسهاما قويا في تعزيز صمودهم، وزيادة وتوسعا في زخم احتجاجاتهم، وكسبا لأنصار جدد إلى صفوفهم، وهم يرون قلاع الباطل تتهاوى أمام أعينهم بين غمضة عين وانتباهتها وبسرعة البرق بفضل الله. هزيمة مضافة من شأنها أن تفتّ من عضد رؤوس هذه الأنظمة التي تنتظر على الدور، مع تدحرج رأس نظام كان يواجه ظروفا مشابهة، رغم طول المدة التي كابر فيها، وتهديداته بعدم الاستسلام والقتال حتى آخر رمق. ـ ستجعل أعوان هذه الأنظمة من عسكريين ومدنيين يراجعون حساباتهم في الدول الأخرى التي تشهد احتجاجات مماثلة ألف مرة قبل المراهنة على خيار خاسر طال الزمن أم قصر، وذلك بعد الهزيمة المدوية والمفاجئة والسريعة لكتائب القذافي، مما أسقط طرابلس بشكل غير متوقع ودون مقاومة تذكر، وتسليم مجاميع منها أنفسها للثوار بمن فيهم محمد ابن القذافي، وفرار مجاميع أخرى. وسيفتح هذا الأمر الباب واسعا أمام انشقاقات متوقعة عن الأنظمة الحاكمة والانفضاض عنها نجاة بأنفس أصحابها من نتيجة مماثلة قد يتعرضون لها ولو بعد حين، وقفزا من قارب متهالك قبل فوات الأوان، ومواجهة محاكم دولهم والمحاكم الدولية. ـ تركيز الاهتمام الدولي بصورة أكبر على النظم الديكتاتورية المتداعية ( المتبقية )، مما يشكل ضغطا سياسيا عالميا أقوى باتجاه ضرورة رحيلها، إذ إن وجود أكثر من بؤرة في آن واحد من شأنه أن يشتت جهودها، ويجعلها تتردد تجاه ممارسة هذه الضغوط على كل المحاور أو تتباطأ تجاه بعضها على الأقل والعكس صحيح. لكن هل يتعظ الظالمون إن أحدهم لا يمكنه أن يؤمن حتى يروا العذاب الأليم كما كان حال كل الفراعنة.. ولكن هيهات هيهات.. " الآن ". لقد أعجبتني عبارة لأحد أصدقائي وضعها في صفحته على الفيسبوك: "حدثان مهمان وقعا مساء الأحد، خطاب الرئيس السوري وسقوط طرابلس بأيدي الثوار، والحدثان يصبان في اتجاه تحرير سوريا ".. العبارة ذكية وتلخص ما جاء في المقال، فليس ثمة من يتعظ بغيره، وسقوط طاغية مقدمة لسقوط آخرين، طالما تشابهت الظروف..هذه هي سنة الله، ولكن المكابرة والعناد والغرور والتجبر اللغة الوحيدة التي يتعامل بها الديكتاتوريون الجبابرة، ولا يعرفون غيرها، ولا يتقون سواها، حتى يقضي الله فيها أمرا كان مفعولا، ولن تجد لسنته تبديلا أو تحويلا.. "ويسألونك متى هو..قل عسى أن يكون قريبا" فيقصم الظالمين ويشفي صدور قوم مؤمنين.

527

| 24 أغسطس 2011

alsharq
حدود العنكبوت

حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...

3546

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
انخفاض معدلات المواليد في قطر.. وبعض الحلول 2-2

اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...

2154

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
العالم في قطر

8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...

2073

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
حين يصبح النجاح ديكوراً لملتقيات فوضوية

من الطرائف العجيبة أن تجد اسمك يتصدر أجندة...

1266

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
الكفالات البنكية... حماية ضرورية أم عبء؟

تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...

927

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
نظرة على عقد إعادة الشراء

أصدر مصرف قطر المركزي في التاسع والعشرين من...

903

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
خطاب سمو الأمير خريطة طريق للنهوض بالتنمية العالمية

مضامين ومواقف تشخص مكامن الخلل.. شكّل خطاب حضرة...

879

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
نحو تفويض واضح للقوة الدولية في غزة

تسعى قطر جاهدة لتثبيت وقف اطلاق النار في...

876

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
مِن أدوات الصهيونية في هدم الأسرة

ما من ريبٍ أن الحلم الصهيوني لم يكن...

834

| 02 نوفمبر 2025

alsharq
التعلم بالقيم قبل الكتب: التجربة اليابانية نموذجًا

لفت انتباهي مؤخرًا فيديو عن طريقة التعليم في...

672

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
الانتخابات العراقية ومعركة الشرعية القادمة

تتهيأ الساحة العراقية لانتخابات تشريعية جديدة يوم 11/11/2025،...

669

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
عمدة نيويورك

ليس مطلوباً منا نحن المسلمين المبالغة في مسألة...

669

| 06 نوفمبر 2025

أخبار محلية