رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس للموت في سوريا شكل واحد، ولا يبدو أن لسقفه حد، طالما أن هناك نظاما تجاوز في عنفه لقمع ثورة شعبه كل الحدود، وفاق في جرائمه أعتى النظم الديكتاتورية الظالمة عبر التاريخ بكل أدوات بطشها الدموية، دون التورع عن شرعنة قتل أبناء بلده - لمجرد رفضهم لاستمرار ظلمه - أو تبرير إراقته لدمائهم الطاهرة الزكية جهارا نهارا على ألسنة أرفع مسؤوليه، دونما حياء. في الجمعة الماضية صرنا نتحدث عن "الموت المئوي" - إذا جاز المصطلح وصح التعبير - لأن عدد الشهداء قد تجاوز المائة، نعم مائة شهيد في يوم واحد، بينهم أكثر من عشرة نساء وأطفال، وصرنا نخشى من الأعظم في أيام الجمع القادمة. وخلال الأيام الماضية وقفنا على نوع آخر للموت على يد سفاحي النظام وماكينة قمعه الشرسة، ألا وهو "الموت العائلي"، وحق الملكية الفكرية لهذا المصطلح للصحفي المتميز في قناة الجزيرة: ماجد عبد الهادي، والإشارة هنا إلى العمليات التي راح ضحيتها عائلات بأسرها، كما حدث لعائلة بهادير بحي الزيتون - حمص (استشهاد 14 شخصا من هذه العائلة بينهم أربعة أطفال) نتيجة لتدمير البيوت على رؤوس أهلها وانهيار المباني المقصوفة، واستشهاد عائلة معارض سوري في مدينة اللاذقية (4 أطفال وأمهم) في عملية حرق لمنزلهم. وهناك المجازر التي لم تتوقف وآخرها مقتل 15 مزارعا في "سيزر" بريف حماة وهم يعملون في حقولهم (الأحد الماضي). ومنذ ما يزيد على عشرة أشهر من عمر الثورة السورية كان للأطفال نصيب وافر من عدد الشهداء الذي تجاوز عددهم 7000 شهيد على أقل تقدير، فقد ذكر صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) قبل أيام قليلة أن ما لا يقل عن 384 طفلا قتلوا خلال الانتفاضة السورية المستمرة، وأن عددا مماثلا لهم قد اعتقلوا، وتعرضوا للتعذيب، وتم التمثيل ببعضهم أو سرقة أعضائهم بعد وفاتهم، فيما بلغ عدد الضحايا من النساء عن نفس الفترة 316. وتيرة قتل النظام لشعبه تصاعدت، ومواكب الجنائز الجماعية للأبرياء ازدادت في الآونة الأخيرة، والأمر على صلة وثيقة بخطاب بشار الأسد الأخير الذي أعلن فيه أن الحل الأمني هو خياره الأول لمواجهة إرادة الجماهير، وتأكيده أنه سيضرب معارضيه بيد من حديد، وبتأكيد وزير خارجيته بأن الحل القمعي أصبح مطلبا شعبيا، وإعلان وزير داخليته مؤخرا أن أجهزة وزارته ماضية في "تطهير" البلاد من "رجس المارقين والخارجين عن القانون"، في إشارة غير خافية إلى المتظاهرين والمحتجين السلميين. لكن النظام ومع اقتراب الثورة السورية من إكمال عامها الأول بثبات وعزيمة وإصرار لم يفهم الدرس بعد على ما يبدو، وهو يتجه إلى نهاية مشابهة لنظام القذافي، بسبب إصراره على العنف، ورفضه للحلول السياسية التي اقترحتها الجامعة العربية عليه، والتي كانت يمكن أن تشكل مخرجا آمنا له، كما حصل مع علي عبد الله صالح. لقد أدت سياسة العنف والقتل المفرط للنظام إلى نتائج عكسية على مستوى حراك الثورة السورية وعلى المستوى السياسي الداعم لها ويتضح ذلك مما يلي: ـ توسع النطاق الجغرافي للثورة وصولا إلى حلب المدينة، بعد أن تأخرت مدة تصل إلى عشرة أشهر، ولهذه المدينة أهميتها كونها أكبر المحافظات السورية (عدد سكانها 5.3 مليون نسمة، ومركز الصناعة والتجارة بسوريا). ـ عودة مدن قمعها النظام بقوة للحراك من جديد كما في حماة - وقبلها درعا - بعد أن ظن أنه بالقوة والبطش يمكنه وقف حركة احتجاجاتها. ـ اتساع وتيرة الانشقاقات في الجيش السوري، وانفلات زمام الأمور من يديه في السيطرة على بعض المناطق، بما فيها القريبة منها إلى العاصمة (إغلاق الطريق المؤدي لمطار دمشق الدولي بسبب اشتباكات بين الجيش الحر وقوى النظام، لمدة ساعة ونصف الساعة الأحد الماضي)، وازدياد بأس وعمليات الجيش الحر الناجحة، وبخاصة في ريف دمشق، واضطرار النظام للدخول في مفاوضات معه، كما في الزبداني، وتوقعات بتغيير الموازين لصالح الثورة بصورة متسارعة خلال الفترة القادمة. ـ قرار السعودية سحب مفتشيها من عداد فريق الجامعة العربية، تلتها دول مجلس التعاون الخليجي، فالمغرب، وصولا إلى قرار الجامعة العربية بتعليق عمل المراقبين بسبب تصاعد العنف وعدد الضحايا في سوريا في الأيام الأخيرة. ـ تحرك الجامعة للحصول على دعم الأمم المتحدة لخطة سلام حظيت بإجماع عربي، وتتضمن تنحي الرئيس بشار الأسد عن الحكم، حيث تتوجه الأنظار دوليا إلى مجلس الأمن الذي قد يصوت منتصف هذا الأسبوع على مسودة قرار صاغته الجامعة العربية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. ما ينبغي أن يفهمه النظام أن الشعب السوري لم يعد يخشى الموت، على أي جنب كان، وبأي لون يرسم، وأنه أيقن أنه لا عودة عن مواجهة الطغيان والاستبداد مهما بلغت التكلفة، شعاره "الموت ولا المذلة"، لذا فإنه عازم على استكمال مشروعه الثوري طال الزمن أم قصر، وله كبير ثقة بالله أن الحقّ سينتصر على باطل النظام طال الزمن أم قصر، وأن فشل الحل الأمني للنظام بدت تلوح معالمه في الأفق، رغم كل عنفوان بطشه. موقناً بأن النصر صبر ساعة.
702
| 01 فبراير 2012
المتأمل للخطاب الذي ألقاه علي عبد الله صالح والذي اعتبر بمثابة وداع لمنصبه بعد أن صار في حكم المؤكد أن الحكم سيؤول إلى نائبه عبد ربه منصور هادي يوم 21 من شهر فبراير القادم يكشف عن وجه آخر للرجل غير وجه الرئيس الذي حكم البلاد أكثر من 33 عاما بعد أن تمكنت الثورة الشعبية السلمية في جرفها له على طريقتها الخاصة كرابع رئيس في المنطقة العربية خلال عام. لا يملك الإنسان إلا أن يذعن لقول الله سبحانه في محكم التنزيل "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، فربما قبل عام من هذا التاريخ فقط لم يكن صالح ليفكر مجرد التفكير في ترك الحكم ـ ولم يكن ليقبل بأقل من التوريث لابنه أحمد الذي كان يعدّه فعليا لخلافته، بعد أن استفاد هو وأضرابه من توريث حافظ الأسد لابنه بشار في سوريا كسابقة في النظم الجمهورية على المستوى العربي، أما اليوم فإنه مرغما يريد أن ينجو ببدنه فقط، ليكون عبرة وعظة لغيره من الحكام الفاسدين الظلمة. بين الأمس واليوم فرق واسع وبون شاسع، فبالأمس كانت اليمن بمثابة مزرعة لصالح ولأبنائه وأبناء أخيه وأقاربه وأعداد من أفراد عشيرته وبعض المقربين منه، يسرح هو وهم فيها ويمرحون كما يشاؤون، ويستنزفون خيراتها، ويعيثون فيها فسادا ماليا وإداريا وأمنيا، على حساب الشعب المسكين الذي كانت غالبيته تعيش من قلة الموت ـ كما يقال، كما كان الرجل هو وحاشيته وحزبه "المؤتمر" يخرقون الأرض طولا من عنجهيتهم وتعاملهم المستكبر مع المعارضة، ويزوّرون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ليبقى الرئيس المناضل على كرسي الحكم، وتبقى الأغلبية المريحة لحزبه تضمن له ولهم حتى تغيير الدستور في ما لو أرادوا ذلك. أما اليوم فقد تواضع الرجل الذي كان الناس يعتذرون له واعتذر من شعبه، وطلب العفو والصفح والمسامحة منهم عن سني حكمه الـ 33، واتضح أنه لم يكن ليقبل بالمبادرة، ولطالما سعى للمماطلة بشأنها، ولم يوقع عليها إلا بعد أن ضمن الحصانة لنفسه وأولاده وأقاربه. وتأملوا تاريخ الزعماء العرب هل كانوا يعرفون مفردات الاعتذار بل والاعتراف بحقوق شعوبهم قبل الربيع العربي في الحرية والتعبير عن أنفسهم واختيار من يريدون لتمثيلهم إلا من رحم الله؟! بالمقابل لم يشأ الرجل أن يتخلى عن المراوغة والمكر الذي عرف بهما طيلة سنوات إدارته للبلاد فاعتبر حصانة الرئيس "حصانة من شعبه " ـ وليست حصانة مبادرة أراد أن يضمن بها عدم محاكمته أو ملاحقته قانونيا عقب تركه للحكم ـ بسبب ما اعتبرها أنها جهود له في تنمية بلاده وبنائها من جديد واستخراج الثروات وتوحيد شطري اليمن، وما أدري عن أي بناء وتنمية لليمن يتحدث هذا الرجل وهو أحد عوامل تخلفها وإفقار أهلها. أما الوحدة التي لا ينكر أحد أن له دورا في قيامها فإنه كرّه شعبه في جنوب البلاد بها بعد مرور نحو عقد من الزمن على إقامتها بسبب ممارسات الفساد لمنظومة حكمه، وكانت سببا في علو نبرة النعرات المناطقية ومطالبة شرائح شعبية وحزبية بعودة الانفصال. كما أراد أن يظهر أنه من وقّع على قرار رحيله حرصا على أمن البلاد وسلامتها لصالح نائبه، والحال أن ذلك تمّ على طريقة " مكره أخوك لا بطل"، في ما لم يكن لنائبه أي دور أو صلاحيات تذكر طيلة فترة وجوده في منصبه، وحاول أن يلبس لبوس الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة حينما أشار إلى أنه سيعود من رحلته العلاجية لتنصيب (نائبه الحالي) وتسليم دار الرئاسة له، وأخذ حقيبته بعد توديع أصحاب الدار ليرحل إلى مسكنه الجديد، في حين أنه أرغم على ذلك بسبب الضغط الذي مارسته عليه ثورة الشعب ثم الاتفاقية الخليجية التي حاولت أن توجد له مخرجا آمنا. كما حاول صالح شدّ أزر أتباعه ممن عملوا معه في المناصب السياسية والعسكرية والأمنية والمؤتمر الشعبي الحاكم سابقا ومحاولة لمّ شعثهم من خلال مجالين الأول إيهامهم أن الحصانة الكاملة لا تخصّه وتخصّ أبناءه وأبناء أخيه وإنما تخص كل من عمل معه طوال 33 عاما وهذا غير صحيح، والآخر أنه سيعود ليقودهم ويقود حزبه، علما بأن المتوقع عمليا أن ينفرط عقد المؤتمر الشعبي شأنه شأن أي حزب حاكم، لأن كثيرين انتموا وانتسبوا إليه بسبب المنح والمنافع، ولأن الانشقاقات عنه بدأت منذ أن شعر أتباعه أنه زائل حتما منذ عدة أشهر، كما أن هناك توقعات بأن يستقر صالح في ما بقي من عمره في دولة مجاورة لبلاده. المهم أن حقبة علي صالح طويت وأن اليمن يدخل عهدا جديدا في ظل ربيع التغيير العربي.. وهنا لا بد من تسجيل ملاحظتين مهمتين على هذا الرحيل غير المأسوف عليه، الأولى تسجل لصالح أنه لم يكن دمويا وديكتاتوريا مقارنة بحكام زالوا أو ينتظرون دورهم في الزوال بإذن الله بقدر ما عرف عنه الفساد والمكر والخداع، كما أنه لم يذهب إلى آخر الخط على حساب مزيد من الجثث والأشلاء على طريقة "أنا أو الطوفان" كما هو القذافي على سبيل المثال، والأخرى أنه ربما لأول مرة في التاريخ يمنح حاكم متهم بجرائم ومسؤول عنها بصورة من الصور حصانة ضد جرائم اقترفها بصورة مقننة وبموافقة من ممثلي الشعب بمن فيهم معارضوه وهي مفارقة غير مسبوقة ربما تندرج في إطار الحكمة اليمنية.
512
| 25 يناير 2012
منذ أن اندلعت شرارة الثورة السورية السلمية قبل أكثر من عشرة شهور والنظام ما فتئ يتحدث عن مشاريع وهمية في الإصلاح السياسي والحوار والمصالحة الوطنية وتشكيل لجان تحقيق في أحداث مؤسفة اتهم فيها رموز من أركان أجهزة أمنية، وإصدار القوانين والمراسيم ومنها مرسوم العفو عما قيل إنها جرائم ارتكبت على خلفية الأحداث الجارية منذ 15 / 3 / 2011 وحتى صدوره مطلع هذا الأسبوع. لقد تعود المواطنون على أن إصدار مثل هذه القوانين والمراسيم يزيد أوضاعهم سوءا، وفي أحسن الأحوال لن تكون سوى مظهر من مظاهر الخداع ومادة للاستهلاك الإعلامي لإيهام الخارج بأن ثمة تغييرا يحصل، ومحاولة نصب أفخاخ أمنية في الداخل. فعندما أعلن النظام عن رفع حالة الطوارئ ازدادت وتيرة الاعتقالات وانتشر الجيش ومعداته الثقيلة في المدن وارتفع عدد الشهداء والجرحى، حتى تمنى الناس أن يعود عهد ما قبل رفع الحالة لأنها أخف الضررين وأرحم بهم وبحراك ثورتهم. ومنذ أن تفجرت أحداث درعا ومطالبة أهلها بالتحقيق في تداعياتها وبخاصة اتهام مسؤول أمني رفيع باعتقال مجموعة من الأطفال، وإهانة أهليهم ووجهاء المدينة، لم يحصل شيء يذكر ولم تخلص اللجنة التي أعلن عن تشكيلها إلى أي نتائج، وبقيت الأمور معلّقة، ونقل المتهم فيها إلى منصب مماثل بمحافظة أخرى. ورغم الحديث عن صدور قانون جديد للإعلام فلا يزال منع دخول وتغطية أجهزة إعلام عربية مرموقة وكبيرة قائم لم يتغير أو يتزحزح بذريعة اتهامها بالتحريض والفتنة، ويترك المجال فقط للإعلام الرسمي ولأجهزة الإعلام الدعائية التي تدور بفلكه، أو أجهزة إعلام خارجية موالية له سياسيا فقط لنقل ما يريد نقله أو إيصال روايته فحسب، لأن النظام يريد أن تكون الحقائق على الأرض غائبة مغيبة. وعلى نحو متصل فرغم إطلاق النظام دعوات للحوار فإنها فشلت وعجز النظام حتى على حمل مقربين إليه للمشاركة فيها، لأن كل شروط الحوار غير متوفرة، وأرضية ملعبه غير ممهدة على الإطلاق، فكيف يجري حوار في ظل القمع والاعتقال والقتل ووجود الآليات العسكرية بالمدن والتعامل الفوقي وفرض الإملاءات.. وفي خطاب الرئيس السوري الأخير جرى حديث عن حوار ومصالحة وطنية، لكنه لم يبد مقنعا لأحد لأن نبرة " الضرب بيد من حديد" والتهديد والوعيد والحل الأمني كانت هي السائدة، ليس في التعامل مع العصابات المسلحة ـ على حسب لغة النظام ومصطلحاته ـ بل حتى مع من يثيرون الفوضى، وهي إشارة واضحة لأصحاب المظاهرات السلمية والاعتصامات المدنية، لذا نزل الشوارع بعد الخطاب وواصلوا نضالهم السلمي غير عابئين بما جاء فيه. ومن استمع إلى إحدى الشخصيات الدينية التي تحدثت على لقاءات علماء مدينة حمص ـ وربما غيرهم ـ بالرئيس وما دار فيها يستطيع أن يفهم بالمجمل حقيقة هذه الوعود وطبيعة هذه الإصلاحات للمؤسسة الرسمية ومدى صدقيتها وهو ما أدى بالمجمل إلى عدم ثقة الشعب والشارع بالنظام وعدم الاقتناع بجديته بعد أن جرب ذلك مرات ومرات. وعودة إلى العفو الرئاسي الأخير عمن ارتكب، فللعلم فإنه ثالث عفو خلال عشرة أشهر، وفي المرات الماضية لم يفض إلا إلى إفراجات نادرة ومحدودة على المعارضين والناشطين السوريين والمنخرطين في حراك الثورة، وجل من أفرج عنهم إما أنهم من المحكومين الجنائيين، والمجرمين وأصحاب السوابق، حيث استفاد النظام من الأخيرين ـ أو كثير منهم ـ لتجنيدهم ضمن فرق "الشبيحة" التي يستخدمهم في مواجهة الثورة والتصدي لها، أو ممن اعتقلوا خطأ بسبب حالة الفوضى، ومن ثمّ فإن مثل هذه المراسيم الرئاسية تفصّل بحسب المقاسات التي يريدها، ومن يريد أن تشملهم. ما يفعله النظام لا يتعدى وضع مساحيق زينة على وجه عجوز شمطاء، فهو ـ كما أوردت الأنباء ـ يريد الإفراج عن 2000 سجين بحضور مراقبي الجامعة ليرسل رسائل كاذبة خاطئة للجامعة بأنه ينفذ بنود الاتفاق معها، كما أنه محاولة بائسة لحمل بعض العسكريين المنشقين أو النشطاء لتسليم أنفسهم إليه، وإعلان التوبة، وبالتالي شقّ الصف والتخفيف من أوار الزخم الثوري المتزايد بحسب تخيلاته، ولو كان النظام صادقا في مراسيمه وادعاءاته لقام بالإعلان عن عدد المساجين لديه، إذ إن أعدادهم تقدّر بعشرات الآلاف، ولحدد أماكن تواجدهم، والتهم الموجهة إليهم، ثم حولهم إلى محكمة عادلة.. لكن أيا من ذلك غير قائم البتة، فلا أحد يعرف عدد سجناء الرأي والتظاهر السلمي على وجه الدقة، ولا أحد يستطيع أماكن تواجدهم بدقة، كما أنه لم يسمح لأي منظمة إنسانية أو حقوقية بزيارتهم، أو الاطلاع على أوضاعهم المزرية وظروف وأماكن احتجازهم، وما يتعرضون له من تعذيب وإهانات. وعندما اقترب موعد وصول مفتشي الجامعة جرى الحديث عن نقلهم واحتجازهم في أماكن غير معروفة، قيل أن بينها من حاويات في عرض البحر. وهذا أمر اعتاد عليه النظام منذ عقود، فهناك من معتقلي أحداث الثمانينيات ـ وغيرها ـ مازال مجهول المصير حتى الآن. وحتى لو سلّمنا أن النظام قام بإطلاق سراح ألفي معتقل، فكم نسبة هذا العدد الهزيل مقابل عشرات الآلاف الذين لا يزالون وراء القضبان، والذين ينتظرون دورهم في حملات اعتقالات أجهزته الأمنية المتواصلة. والأهم من هذا وذاك هو: مَنْ يعفو عن مَنْ ـ كما قالت المعارضة ـ هل النظام الذي ولغت يداه في الدماء والتعذيب أم الشعب (الضحية).. سؤال في غاية الأهمية فهل يعي النظام حقيقة مراسيمه التي يصدرها بلا لون ولا طعم ولا رائحة؟!.
599
| 18 يناير 2012
للقيَمِ فوائد جمّة، فهي التي تشكّل شخصيةَ الإنسان المتّزنة، وتقوّي إرادته، وتهذًّب سلوكه، اعتبارا من سنيّ عمره الأولى، وبدون الالتزام بمرجعية قيَمِية فقد نكون أمام شخص متذَبذب الأخلاق، مشتَّت النفس، صاحب هوى في سلوكه. والقيمُ سياج للمجتمع تحفظ أمنه، وتقيه من الشرور، لأن تأثيرَها أعظم من تأثيرِ القوانين والعقوبات لذا لا غرابة أن لا تملّ ألسن التربويين والمصلحين والدعاة والإعلاميين والمفكرين من الحديث عن أهمية غرس القيم وتعزيز السلوكيات الحسنة لدى الناشئة والشباب، والحديث عن الوسائل والأساليب المعينة على ذلك، وضرورة تعاون وتكاتف جميع فعاليات المجتمع لإنجاح مثل هذه الأعمال الجليلة سواء أكانت مبادرات أو حملات أو برامج أو مشاريع أو منتجات تصب في صالح هذه الجهود الطيبة. وفي مقال الأسبوع الماضي ركزت على جزئيتين تحديدا تصبان في خدمة هذا الهدف النبيل ألا وهما: إنتاج وإصدار الأعمال الإبداعية الأدبية والفنية من قصص وروايات..، وغرس قيم العمل الخيري والتطوعي والإنساني ونشر ثقافته في أوساط الأطفال والناشئة. وقد تمّ التركيز على القصص لأنها أهم الأساليب التربوية في غرس القيم، لما لها من تأثير نفسي وبخاصة إذا مــا وضعت في إطار شائق يشد الانتباه ويؤثر في العواطف والوجـدان، فيتفاعل معها الطفل والناشئ ويتقمص بعض شخصياتها، وبهذا يستشـعر انفعالاتها ويرتبط نفسياً بالمواقف التي تواجهها، وهذا مـا يثير فيه النوازع الخيرة وينعكس في سلوكه وتصرفاته، ولأنها أيضا يمكن أن تنتج منها أعمال أخرى كالدراما الإذاعية والتلفزيونية والأفلام المتحركة وغيرها. وقد أبرز القرآن الكريم أهمية القصص الإيجابية وتأثيرها النفسي والأخلاقي في تربية النفوس في موضوعات كثيرة، واحتلت نصيبا مهما فيه، كما اهتمت السنة النبوية المطهرة بذلك باعتبار القصة وسيلة فعالة في التوجيه وأخذ العظة والعبرة، من خلال جملة من الأحاديث النبوية التي رويت عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. أما التركيز على غرس منظومة القيم التطوعية فلأهميتها في الكشف عن الطاقات والإمكانات والملكات الكامنة لدى الشباب واستثمارها في توثيق الترابط الاجتماعي والإسهام في مجهودات تنمية المجتمعات، وتعزيز التفكير الإيجابي لدى الشباب الذي يتوافر له وقت فراع أكثر من غيره، فضلا عن فوائد إيمانية وحياتية أخرى. ولأنني قلت إن الإنتاج القصصي وما يستتبعه من أعمال فنية كثيرة يحتاج لمشروع ويحتاج هذا المشروع لجملة تحضيرات ومنها: البحث عن القصص المتوافرة في القرآن والأحاديث، وسير الصالحين والخيرين في تراثنا العربي الإسلامي، والتراث الإنساني الغابر والمعاصر، ومن ثم تقديمها للناشئة بلغة معاصرة وبأسلوب جذاب فإنني بحكم الاهتمام والمتابعة والمساهمة في الكتابة للأطفال أقدم في هذه العجالة نماذج مختارة في هذا المجال للتأمل وإثارة اهتمام المعنيين إلى مواصلة المسيرة في هذا الجانب، وتبني مثل هذه المشاريع: ـ قصة صاحب الحديقة/ اسق حديقة فلان ـ وتركّز على قيمة الصدقة (التصدق بثلث قيمة محصوله على الفقراء والمحتاجين) وأثرها على المتصدق. ـ قصة الرجل الذي سقى كلبا فدخل الجنة ـ وتركز على باب من أبواب الخير ألا وهو سقيا الماء وقيمة الرفق بالحيوان، وأهمية عدم احتقار أي عمل من أعمال المعروف مهما صغر في عين صاحبه أو عيون الناس ـ كما أرشدنا الهدي النبوي إلى ذلك ـ لأنه يقود صاحبه إلى الجنة. ـ قصة الأعمى والأقرع والأبرص / الأعمى الشاكرـ تركز على قيمة شكر النعم من خلال أداء الواجب المفترض على أصحابها شرعا من زكوات وصدقات، وأثرها الإيجابي في الدنيا والآخرة، دواما في الرزق وكسبا لرضا الله سبحانه، وبالوقت نفسه التعريج على الشح والبخل وعدم شكر النعمة باعتبارها من أبواب سخط الله وزوال النعم. ـ قصة مسجد " صانكي يدم " بمعنى " كأني أكلت" ووراء الاسم قصة حقيقية مؤثرة لمسجد غريب الاسم تعزز قيمة تدريب النفس على القليل الدائم لأن: "أحب الأعمال إلى الله: أدومها وإن قلّ" ـ كما في الحديث الشريف ـ، وأن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع. صاحب القصة رجل فقير ورع اسمه " خير الدين أفندي" والذي كان كلما مرّ بالسوق وتاقت نفسه إلى طعام شهي أو حلوى لذيذة كان يقول لنفسه: "صانكي يدم" أو " افترض أني أكلت "، ثم يقوم بوضع قيمة هذا الطعام في صندوق مخصص لذلك. ومضت الأشهر والسنوات وهو يكفّ نفسه عن لذائذ الأكل... ويكتفي بما يقيم أوده فقط، وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئا فشيئا، حتى استطاع بهذا المبلغ القيام ببناء مسجد صغير في حيه " حي الفاتح" باستنبول، ولما كان أهل الحي يعرفون مقولة " خير الدين" فقد أطلقوها على المسجد الذي بناه تقديرا لصنيعه. ـ "عين زبيدة" وهي قصة أكبر مشروع مائي في عصره قامت به سيدة فاضلة سخية اليد وهي: "زبيدة بنت جعفر المنصور" وزوجة الخليفة " هارون الرشيد" وأهمية القصة أنها تكشف الأثر التنموي للمشاريع الخيرية، وأهمية الصدقة الجارية، وقد أقيم المشروع الكبير عندما حجّت زبيدة إلى بيت الله الحرام، وشعرت - وهي في موكبها المهيب- بما يلاقيه أهل مكة والحجّاج من المشاق في الحصول على ماء الشرب؛ فأمرت خازن مالها أن يحضر المهندسين والعمال من أنحاء البلاد لحل هذه المشكلة وتوفير الماء. فلما أخبرت بأن هذا المشروع تعترضه صعوبات كثيرة، وأنه قد يكلفها أموالا طائلة، قالت لمهندسها: "اعمل ولو كلفتك ضربة الفأس دينارا". نأمل أن يقيض الله لمثل هذه المشاريع من يتكفل بها ويعمل لإبرازها حتى ترى النور وتنتفع بها الأجيال، والله من وراء القصد.
2795
| 11 يناير 2012
تلعب الأعمال الإبداعية الأدبية والفنية من قصص وروايات، ومسرحيات مكتوبة وممثلة، وأفلام ومسلسلات، وقصائد وأناشيد، وألعاب.. دورا مهما كوسائل تربوية وتعليمية وترويجية يمكن استثمارها في غرس قيم العمل الخيري والتطوعي والإنساني ونشر ثقافته في أوساط الأطفال والناشئة والشباب بدءا من مراحل رياض الأطفال وحتى الجامعة، مما ينتظر أن يكون له أثر مهم في تحويل هذه القيم إلى أفعال وسلوكيات وممارسات عملية للمستهدفين، مع مراعاة مستويات العرض والتقديم تبعا للمراحل العمرية. ولغرس منظومة القيم الخيرية والتطوعية أهمية خاصة فهي تضمن الكشف عن الطاقات والإمكانات والملكات الكامنة لدى الأفراد والمجموعات واستثمارها في توثيق الترابط الاجتماعي والإسهام في مجهودات تنمية المجتمعات، وتعزيز التفكير الإيجابي لدى الشباب الذي يتوفر له وقت فراع أكثر من غيره، فضلا عن فوائد إيمانية وحياتية تعود على الأفراد كترقيق القلوب، وتقدير النعم حق قدرها، وحصول البركة في الحياة والأهل والمال والصحة والعافية، والأجر من الله في الآخرة. هذا مشروع كبير وهام ومن المؤسف أن الجهات التي هي على تماس بالعمل التطوعي أو الخيري أو الشبابي أو التربوي لم تفعل شيئا يذكر لخدمته حتى الآن، وإن كان هذا لا يعني عدم جهود في الصدد، ولكن ما يغلب عليها أنها نادرة متناثرة وغير مترابطة أو ممنهجة. يحتاج هذا المشروع الإبداعي لعدد من التجهيزات لعلّ أهمها: ـ حصر قيم العمل الإنساني الرئيسية والمتفرعة عنها مع ما ترتكز إليه من مرجعية (الآيات والأحاديث..)، مثل: التكافل الاجتماعي، إغاثة الملهوف، الإنفاق في سبيل الله، التعاون على البرّ، الإيثار، الرفق بالحيوان، خدمة المجتمع وبخاصة أصحاب الحاجات فيه.. ـ حصر الأعمال والأنشطة التي يمكن أن تترجم هذه القيم إلى أفعال وسلوكيات عملية تنفيذا أو دعما، وهي كثيرة جدا ومنها: تقديم المساعدات المالية والعينية للفقراء والمساكين، إطعام الطعام، إماطة الأذى عن الطريق، كفالة الأيتام وطلاب العلم، وتفريج كُرَب المكروبين، والكلمة الطيبة، وإصلاح ذات البين، وإعانة الشباب على الزواج، وسقيا الماء، والدلالة على الخير، وبناء المساجد ودور العلم والتعليم، والتبسم في وجوه الآخرين، وقضاء الدين عن الغارمين، والمحافظة على البيئة.. ـ البحث عن القصص المتوفرة في القرآن والأحاديث، وسير الصالحين والخيرين في تراثنا العربي الإسلامي، والتراث الإنساني الغابر والمعاصر، والفعاليات التي تقدم نماذج مشرقة في عمل الخير والتطوع وخدمة الناس وتنمية المجتمعات، وإعادة صياغتها وتقديمها بأسلوب مبسط، ووضعها في قوالب مشوقة جذابة تناسب الشرائح المستهدفة، وتراعي البيئة العربية والإسلامية وتأخذ بعين الاعتبار خصوصياتها الثقافية. ـ تقديم سير الشخصيات التي عرفت بالبذل والعطاء، وكانت لها بصماتها في العمل الخيري وإقامة وإنجاز المشاريع والخدمات المتميزة في هذا الجانب ماضيا وحاضرا مثل: حاتم الطائي، الصحابي عثمان بن عفان، زبيدة زوجة هارون الرشيد، بيل غيتس، الدكتور عبد الرحمن السميط، وغيرهم كثير. ـ إنتاج قصص وأعمال معاصرة، يترك فيها المجال لإبداع المبدعين من كتّاب القصص والروايات والمسرحيات وسير المتميزين ومذكراتهم في الجانب التطوعي، بما في ذلك تصميم "أبطال" لهذه الأعمال، إذ غالبا ما تكون هذه الشخصيات أكثر رسوخا في ذاكرة الأطفال والناشئة، باعتبارها تمثل قدوة لهم. وقد جرى التركيز على القصص والسير لأنها أساس أغلب الأعمال الإبداعية الأخرى، والتي يمكن بعد ذلك تحويلها لأعمال مطبوعة أو أعمال درامية وسينمائية مصورة، أو برامج تليفزيونية، أو أفلام كرتون، أو أعمال ممثلة على خشبات المسارح أو غيرها. ويمكن التعاون مع دور نشر ومؤسسات إنتاج لإصدار مثل هذه المخرجات بصورة احترافية، لتسويقها ونشرها في وسائل الإعلام المختلقة بحيث تغطي تكاليف هذه الأعمال كحد أدنى. بعض النماذج القصصية قدّم للأطفال فعلا، ولكن المشكلة أن كثيرا من الكنوز في تراثنا العربي والإسلامي والإنساني لم يمط اللثام عنها حتى الآن، ويحتاج إلى بحث وتنقيب وحصر أولا، وتقديمه للأطفال بقوالب إبداعية مختلفة ثانيا، فضلا عن إنتاج أعمال معاصرة في هذه الجوانب وهي قليلة، وكل ما سبق يحتاج لجهود مؤسسية، ينتظمها مشروع ـ لا يكون ذا أهداف ربحية ـ بكل ما يستلزمه من كوادر متفرغة ومتعاونة وميزانية ومؤسسات راعية وداعمة، وجهات للتسويق والتوزيع، والشراكات مع المؤسسات التربوية والتعليمية والشبابية والتطوعية والرياضية. ما ينبغي أن يكون أكثر أهمية لدى المؤسسات الخيرية والإنسانية في عالمنا العربي والإسلامي من تسويق مشروعاتها الخيرية كبناء مدرسة أو مستشفى أو مسجد ـ من وجهة نظرنا ـ هو غرس قيم العمل الخيري لدى الأطفال والناشئة منذ نعومة الأظفار، لأن من شبّ على شيء شاب عليه، أو إشاعة ثقافة العمل الخيري ببعدها الحضاري المستمد من ثقافتنا الإسلامية لدى الشباب الذين هم "دينامو" أي عمل تطوعي، وصولا إلى تجذير الخيرية لدى هذه الشرائح. وستكون لنا وقفة أخرى مع الأعمال الفنية التي تتفرع عن الأعمال القصصية والتي تخدم الجوانب التطوعية والإنسانية وأهدافها النبيلة، وتلك التي لا تتفرع عنها في وقت قريب بإذن الله. ومن نافلة القول: إن عملا مسرحيا أو دراميا أو فيلما كرتونيا، قد يكون أقدر على غرس القيم أو حشد التأييد لفكرة أو مشروع أكثر من ألف خطبة ومحاضرة، وربّ صورة معبرة أبلغ من ألف عبارة ومقال.
1116
| 04 يناير 2012
ها هو عام 2011 يوشك أن يودّع عالمنا العربي وسط تغييرات وتحولات كبرى ، فيما يستعد عام آخر ـ في إطار دورة الزمان التي لا تتوقف ـ لبدء مشوار لن يقل سخونة وحراكا عن سابقه . كان العام الراهن عاما تاريخيا بكل معنى الكلمة، لأنه اعتبر بداية انطلاقة النهوض الحضاري للأمة بعد ثورات المارد العربي لاستعادة حريته وكرامته المسلوبتين منذ عقود على يد الأنظمة الديكتاتورية، لقد اختلف عن أعوام سابقة اتسمت بالرتابة والهوان، وكان أبرز عناوينها : الانكسار والهزيمة والنكسة، وانتهاك آدمية الإنسان ودوس كرامته، والاعتقالات العشوائية، وإرهاب أجهزة الأمن والمخابرات، وتكميم الأفواه وتزوير الإرادات، وانتخابات نسب 99,99% ، والتوريث في الأنظمة الجمهورية، والتبعية للغرب والشرق والخضوع لإملاءاتها وشروطها، والفساد المالي والإداري وسرقة ثروات البلاد.. ثلاثة أنظمة فاسدة سقطت، وصارت أثرا بعد عين، وانتخابات ديمقراطية شهد العالم بنزاهتها، ورقي ممارسة الجماهير فيها بدولتين هما مصر وتونس ، يتاح لأول مرة للإنسان العربي أن يمارس ديمقراطية حقيقية ويختار من يريد، وتحقق المشاركة نسبة مرتفعة غير مسبوقة، ورؤوساء أحزاب يعلنون عدم مشاركتهم في أي منصب رسمي كما هو حال راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، ويتنازل رئيس كالمنصف المرزوقي بتونس عن جزء كبير من مرتبه المقرر لصالح الشعب ، ممارسات لم نعهدها من قبل، فيما الفضائح المالية لرؤوس الأنظمة المزاحة وأسرهم وأعوانهم وأرصدتهم في البنوك التي تم كشف النقاب عنها تكاد لا تصدق لضخامتها. من بين خمس ثورات شعبية تحركت عام/ 2011 ، حققت ثلاث ثورات أهدافها في التحول ( مصر ، تونس ، ليبيا) ، فيما اليمن تعيش مرحلة انتقالية في ظل حكومة الوفاق الوطني وترتيبات الخطة الخليجية لرحيل الرئيس اليمني علي صالح وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.. وتبقى سوريا هي الوحيدة التي يتعين عليها ــ على ما يبدو ـ أن تواصل مشوارها النضالي للعام القادم في مواجهة أعتى الأنظمة وأكثرها دموية ودهاء، ودعما من كيانات دولية وإقليمية لا تريد له أن يسقط أو تريد الترتيب الهادئ لبديل عنه . ومع ارتفاع تكلفة التغيير ( أرواحا وجراحا) وطول المدة التي انقضت على انطلاقة الثورة السورية ( تسعة أشهر ونصف الشهر) يتساءل الشعب السوري ومعه حادبون من الشعوب العربية المحبة لنضاله السلمي وشجاعته التي عز مثيلها في مواجهة نظام سفاح تجاوز في دمويته الحدود عن أسباب نجاح ثورات واندحار رموزها في دول عربية وبدء عهد جديد وجميل فيها فيما تأخر ذلك عن سوريا التي لا يزال نظامها يبدي تماسكا، وتقدم جماهيرها المحتجة مزيدا من الضحايا والدماء . يمكن تلخيص إجمالي أسباب ذلك بما يلي: ـ دعم إقليمي ، من إسرائيل أولا التي لا ترغب بزواله وتوصي الغرب بذلك، خوفا من نظام جديد لا يحافظ على جبهتها الهادئة مع سوريا، أو يحاصرها ـ مع الدول التي تغيرت ـ بأصولية إسلامية من كافة الجهات كما تتوقع ( مصر ، سوريا) وربما مستقبلا باقي الدول التي تجاورها، ودعم إيراني واضح وفاضح ومكشوف ( مع كافة حلفائه كالعراق وحزب الله والقريبون من توجهاته في لبنان ) لأن خط نفوذه من طهران لبيروت سيتلقى ضربة غير مسبوقة فيما لو سقط حليفه السوري الهام منذ ثلاثة عقود. وبالمقارنة فإن الأنظمة التي تهاوت لم تلق هذا الدعم، باستثناء دعم خليجي لعدم سقوط النظام اليمني سقوطا تراجيديا مدويا . ـ دعم دولي يتمثل بموقفي إيران والصين المعروفين، والتصدي لتحويل ملف نظام دمشق ـ إلى مجلس الأمن ـ حتى الآن ـ فيما يصب الموقف الغربي المتردد والضعيف وغير الحاسم (الأمريكي والأوروبي ) ـ تلبية لرغبة إسرائيل أولعدم وجود النفط ـ تجاهه لأنه يدرك أنه ليس هناك ما يتهدده جدّيا ، بينما تدخل الناتو في ليبيا سريعا ، وحسمت الولايات أمرها مبكرا بالوقوف إلى جوار التغيير بمصر. ـ عجز عربي كبير يتضح من موقف الجامعة العربية التي استجابت لمطالب النظام حتى قام بالتوقيع على بروتوكول المراقبين رغم شلال الدم الذي أريق مع سياسات منح المهل، وواضح أن الفشل هو مصير مبادرة الجامعة على الأرجح لأسباب لا مجال لتفصيلها والدليل على ذلك أن النظام السوري يواصل هوايته بالقتل بعد وصول المراقبين دون أن يكلف خاطره بسحب المظاهر المسلحة من السجون وإطلاق سراح المعتقلين . ـ دموية وصلف فاقت ما لدى الأقران ، مع ماكينة إعلامية دعائية ضخمة، ومحاولة حجب العالم عن الحقائق التي تجري على أرضه ـ قدر استطاعته ـ ومن الواضح أن التعتيم الإعلامي الحاصل ، لم نجد مثيلا له في كل دول الثورات على الإطلاق. ـ على المستوى الداخلي ضخامة عدد الأغلبية الصامتة حتى الآن ، ونفاق أصحاب المصالح ، وبطء حراك مدينتي حلب ودمشق ، رغم أن معول الحسم الشعبي عليهما، بينما شمل الحراك الشعبي كل أو غالب المدن وأرياف الدول التي انتصرت ثوراتها. ورغم ذلك فإن حتمية انتصار الثورة السورية ترتبط في المقام الأول والأساس بالله الذي هو مناط الانتصار الحقيقي لكل فئة تعتمد عليه وتربط قلبها بالسماء والأخذ بالأسباب المتاحة لها، وبصدق العزيمة وإخلاص التوجه ومواصلة المسير ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) ، فكن أيها الشعب السوري على ثقة بذلك يتحقق لك ما تريد وإن تأخر الإنجاز لبعض الزمن، ومجرد كسرك لحاجز الخوف واستمرارك في مواجهة الطاغية آية من الله وكرامة منه .. والنصر ما هو إلا صبر ساعة، والنصر الذي يأتي بسهولة يذهب بسهولة، والعاقبة لأصحاب الحق.
405
| 28 ديسمبر 2011
ماذا وراء قبول النظام السوري توقيع بروتوكول المراقبين الذي تضمنته مبادرة الجامعة رغم تحفظاته عليه لفترة طويلة بحجة أنه يمسّ بسيادته الوطنية؟! ومع التأكيد على أن التوقيع ليس المهم بقدر ما هو الالتزام بتنفيذه، وفقا لما جاء ببنوده، وبحيث يستطيع المراقبون التحرك في الميدان بحرية لكشف زيف الرواية الرسمية التي تمسّك بها طيلة ما يزيد على تسعة أشهر بحكم منعه للجهات الحقوقية ولأجهزة الإعلام العربية والعالمية من نقل ما يجري على الأرض والتحقق منه بشفافية وصدق.. مع التأكيد على ذلك فيمكن القول بأن أمورا كثيرة، قريبة وبعيدة، لعبت دورها في إجبار النظام على الإذعان للتوقيع عليه أخيرا ولعل أهمها: ـ دخول حركة الاحتجاج الجماهيرية شهرها العاشر من دون توقف، وتحديها لآلة النظام الأمنية والعسكرية التي صبّها بعنف متزايد ومتصاعد مستخدما كل صنوف الأسلحة والبطش لاسيَّما في مدن رئيسية كحمص وحماة ودرعا وإدلب ودير الزور، ورغم تقديم قوافل الشهداء اليومية التي يصل عددها بين (30 ـ 40) شهيدا، منذ ثلاثة أشهر وحتى الآن، ودفع ضريبة الحرية التي انعكست في ارتفاع أعداد المعتقلين والمصابين واللاجئين، وهو ما يعني انكشاف عجز النظام أمام العالم الذي كان يظن أن بإمكانه سحق هذا الحراك والسيطرة عليه عسكريا ـ كما كان يروّج ـ في شهور قليلة وإعادة الحياة لطبيعتها. ـ الضغوط التي بدأت تمارس جدّيا على النظام من قبل حلفائه وأطراف إقليمية وإن كانت لا تتضمن الرغبة في فرض عقوبات عليه، وإنما ضرورة قيامه بتغييرات حقيقية وجوهرية وفتح حوار حقيقي مع المعارضة، ودعم جهود الجامعة العربية ربما حرصا منها على بقائه واستمراره، وأهم ذلك مشروع القرار الذي تبنته ووزعته روسيا في مجلس الأمن الدولي مؤخرا والذي تضمن إشارة إلى ما وصفه بالاستخدام غير المتكافئ للقوة من جانب السلطات السورية، ودعم مبادرة الجامعة العربية بما فيها تنفيذ خطتها لنشر مراقبين دوليين، وحثّ الحكومة السورية على بدء تحقيقات فورية ومستقلة وحيادية في جميع حالات انتهاك حقوق الإنسان التي حصلت، ووضع حد لقمع من يمارسون حقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي. إضافة إلى المبادرة العراقية التي نسقت مع الجامعة العربية وشددت على أن الجامعة العربية هي الإطار المناسب والوحيد لحل الأزمة. ـ خوف النظام السوري من "تدويل" أزمته بكل ما يعني ذلك من إجراءات قد تلي ذلك كوضع خطط لحماية المدنيين والمناطق العازلة عبر أروقة مجلس الأمن الدولي، وخاصة بعد أن طرحت روسيا مشروع قرارها في مجلس الأمن والذي اعتبر مفاجئا وحظي بمباركة أمريكية وأوروبية غربية ـ مع جملة من تحفظاتها عليه. ولو رفضت سوريا قرار الجامعة العربية خلال الأسبوع الحالي لبدت محرجة من أقرب حلفائها (روسيا)، ولأعطت الذرائع لها أولا من أجل استصدار قرار أممي قد يصل إلى منتصف الطريق بين رغبات موسكو ورغبات واشنطن وبعض العواصم الغربية ـ على الأقل. ويشتمل ضمنا على ما طرحته الجامعة من ضرورة وقف العنف والتحقق منه بمراقبين محايدين، كما أنها قد تفسح المجال ثانيا أمام الجامعة إلى تحويل مبادرتها إلى مجلس الأمن وهو ما لوحت به اللجنة الوزارية العربية المعنية بسوريا بالجامعة على لسان رئيسها رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني حينما صرح بذلك قائلا: "بما أن روسيا ذهبت إلى مجلس الأمن، فالجامعة العربية ستنظر أيضا في التوجه إلى مجلس الأمن، وذلك أثناء اجتماعها بالقاهرة في 21 من الشهر الحالي". وبناء على ما سبق فلا يبدو أنه هناك صحة لما ذكره وزير الخارجية السوري من بلاده لم تكن لتوقع على مشروع البروتوكول العربي ما لم تكن قد أدخلت عليه التعديلات التي طلبتها، وهو ما أكده الأمين العام للجامعة العربية مشددا على أن البروتوكول لم تجر عليه أي تغييرات. المهم ما بعد التوقيع، أما التوقيع فمعناه أن الكرة قد وصلت الآن فعليا إلى ملعب النظام، فهو أمام حلين أحلاهما مرّ، إما أن ينفذ مبادرة الجامعة وبالتالي عليه أن يسمح للمراقبين للتحقق مما يجري على أرض الواقع، ولأجهزة الإعلام بنقل هذه الصورة بشفافية، وبالتالي سينفضح ما حرص على إخفائه طيلة تسعة شهور، فضلا عن اشتداد وطأة المظاهرات والاحتجاجات بعد سحب المعدّات العسكرية والمظاهر المسلحة من المدن، وإما أنه سيحاول إفراغ مبادرة الجامعة العربية من محتواها من خلال تنفيذ شكلي "ديكوري" لبنودها، والحرص على منع فريق المراقبين من تنفيذ مهامه أو التضييق عليه أو الالتفاف على دوره، وهو ما سيعني تلقائيا نقل المبادرة العربية إلى مجلس الأمن، نتيجة عدم التزامه بمبادرة الجامعة. إذعان النظام السوري للتوقيع على مبادرة الجامعة وبروتوكول دخول المراقبين العرب من حقوقيين وإعلاميين ومنظمات إنسانية ودبلوماسيين ـ مرغما ـ في المجمل علامة على الضعف والتصدع الذي بدأ يعتري بنيته والارتباك الذي يسود أداءه وحجم الضغوط العربية والإقليمية والدولية التي تمارس عليه تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية الداخلية التي يواجهها، وسيكون لهذه الخطوة ما بعدها سواء التزم النظام بمقتضيات ما وقع عليه أم لم يلتزم، والحدود الدنيا لهذا التغيير القادم أن معادلة رحيله قد تمت بالفعل كتابة حروفها الأولى، حتى وإن كان هذا الرحيل ـ من باب الحرص الدولي ـ قد يتم بطريقة هادئة.
345
| 21 ديسمبر 2011
ليس لك إلا الله أيها الشعب السوري الثائر، فتوكل عليه وحده واحزم أمرك دون انتظار أحد، وامض قدما في حراكك الشعبي السلمي وتطوير أدواتك النضالية، والإبداع فيها، معتمدا على نفسك حتى يتحقق لك ما تريد من نيل الحرية واسترداد الكرامة والانتصار على الظلم والظالمين. لا تنتظر شيئا من الشرق أو الغرب، لا تعول كثيرا على العرب أو العجم، أو على الأقربين أو الأبعدين، فلكلٍ حساباته وأجنداته ومصالحه، التي يحسبها حسابا دقيقا، ويفكر فيها ألف مرة، إزاء هذا النظام رغم كراهيته الشديدة له، دون أن يقدّر حجم فاتورة الدم اليومية التي تدفعها أنت على يد نظام ديكتاتوري، على استعداد لحرق الأخضر واليابس ليبقى جاثما على صدرك. لقد أتممت تسعة أشهر من ثورتك المباركة التي فاجأت بها النظام، وحتى المعارضة وأدهشت بها العالم، فماذا قدم لك العالم لدعمك ومآزرتك ـ كواجب أخوي أو أخلاقي ـ سوى التصريحات والإدانات الكلامية لتصرفات النظام ومجازره الوحشية، وعقوبات اقتصادية شكلية ـ غير شكلية ـ لا تقدِّم ولا تؤخر. جامعة عربية ثبت أنها لا تجيد إلا " منح المهل" لنظام يراهن على عامل الوقت، على كل ساعة إضافية لسحق ثورتك، حتى وإن أزهق أرواح العشرات من المدنيين العزّل يوميا، ويبدو أن مبادرتها عمليا قد جمّدت أو ميّعت أو حفظت في الأدراج.. وجوار يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى، فتركيا التي سمعنا كثيرا عن تهديداتها القوية للنظام ورأس هرمه، و"خطوطها الحمر"، وإمكانية إقامتها لـ " منطقة عازلة" يؤسفنا أن نقول إنه يصدق قول المثل فيها: "أرى جعجعة ولا أرى طحنا"، والأردن يريد أن يستثني أمورا من العقوبات الاقتصادية حتى لا يتضرر اقتصاده، والعراق الذي يزاود على ثورة شعب حرّ بدعوى الخشية من عواقب تدخل عسكري غربي أو حرب أهلية طائفية رغم أن أغلب من يتشدقون بهذا الكلام ويبدون هذا الحرص الكاذب من مسؤوليه جاءوا على ظهور دبابات أمريكية ومارسوا اللعبة الطائفية بأبشع صورها، وفوق هذا وذاك يريدون إنقاذ النظام من خلال العمل كعرّابين لصالحه، ويعملون للخروج بمبادرة عربية تناسب مقاسه، بعد أن رفض مبادرة الجامعة العربية التي ستفضح جرائمه بمجرد دخول مراقبين ووسائل إعلام من دول عربية ومنظمات ومؤسسات حقوقية دولية محايدة. أما الغرب فلا شيء يُغريه على ما يبدو للتدخل في سوريا لحماية المدنيين كما النفط في ليبيا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه مازال يصغي لرغبات حليفته إسرائيل التي لا ترغب بتغيير في سوريا لا يحفظ لها أمن حدودها، كما يحفظه هذا النظام ـ وحفظه لها ـ طيلة أربعين عاما، بل وتحذّر من مغبة سقوطه علنا، وبخاصة عندما رأت أن صناديق الانتخابات الحرة النزيهة في الدول المجاورة وغير المجاورة لها أوصلت قوى إسلامية ووطنية للحكم، تخشى من قرارها المستقل، سواء على أمنها القومي أو اتفاقيات التسوية التي وقعتها معها، بل وتخشى على وجودها ومستقبلها بصورة كاملة من منظور إستراتيجي بعيد المدى، طالما أن هذه الشعوب المنتفضة قد تحررت من قبضة أنظمة خائفة جبانة قدّمت ـ وما زال بعضها يقدّم ـ كل فواتير التبعية والمذلّة لها وللغرب ثمنا لبقائها على الكرسي. وحتى أحزاب المعارضة فإنها ما زالت منقسمة على نفسها، ويزاود بعضها على بعض باسم الداخل والخارج، ورغم كل حجم الضحايا لم تستطع توحيد صفوفها حتى الآن رغم الحاجة لذلك، من أجل الاعتراف بها دوليا كممثل للشعب السوري ونزع الغطاء عن النظام في المحافل الدولية وممارسة مزيد الضغوط عليه، وتوحيد رؤيتها خصوصا ما يتعلق منها بحماية المدنيين ودعم حراك ثورتهم المجيدة. وعودا على بدء، فقد تابعنا بكثير من الاحترام والتقدير خطوتكم بتنظيم "إضراب الكرامة"، والذي يعتبر خطوة نحو الأمام على طريق التغيير المبارك، وصولا إلى حالة العصيان المدني، وقد كان واضحا أن بداياته أغاظت النظام لما حققه من تجاوب شعبي على مستوى الطلاب والموظفين والتجار حتى في محافظات عرف عنها ضعف حراكها كحلب.. مما اضطره للتدخل في محاولة لكسره (تكسير إقفال المحلات في بعض المناطق أو حرقها) والتهديد والوعيد لمن يلتزم به، كما سرّنا تطور الأداء الإعلامي من خلال النقل المباشر وظهور الناطقين الإعلاميين للثورة على القنوات الفضائية بالصوت والصورة، ومخاطبة الناشطين للوقفات الاحتجاجية عن بعد (كما فعلت المناضلة سهير الأتاسي عندما خاطبت المتظاهرين في حمص مباشرة)، لأن تطور هذا السلاح الفعال من شأنه كشف جرائم النظام التي يحرص بكل ما يستطيع حجبها، كما يحرص في الوقت نفسه على إظهار محدودية الحراك الاحتجاجي السلمي الشعبي وتقزيم فعله وأثره. وإن من كلمة لا بدّ من قولها فهي أن سوريا الآن في لحظة حاسمة فاصلة من تاريخها، وبالتالي فإنه لا عذر لمتقاعس أو متباطئ أو متثاقل داخل الوطن وخارجه عن نصرة شعبها المنتفض الثائر بعد تسعة أشهر من تحركه. المعوّل ـ بعد الله ـ على الشعوب في النصرة ـ لا على الأنظمة ـ كما أثبتت التجربة.. وعلى الصامتين أو المترددين من أبناء مراكز المدن الكبيرة كحلب ودمشق أن يغيروا من مواقفهم لتتغير المعادلة على الأرض بإذن الله، كما أنّ على الشعوب العربية من علماء وفعاليات نقابية وحقوقية وتحركات جماهيرية.. أن يكونوا جنبا إلى جنب إخوانهم المظلومين لأن تغيير هذا النظام السوري الدموي المستبد ليس خيرا لأهل سوريا فحسب، بل خير لبلاد الشام ولجيرانه من الدول الأخرى، ولشعوب المنطقة والعكس صحيح.. فأروا الله من أنفسكم خيرا، "وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون".
355
| 14 ديسمبر 2011
من حسنات ربيع الثورات العربي أنه كشف التفاهمات السرية والعلنية والتوافقات الظاهرة والمستترة بين الأنظمة الدكتاتورية العربية وإسرائيل، والتي تتلخص في القلق المشترك من الحالة الديمقراطية التي تجتاح المنطقة حاليا والمطالبات الجماهيرية الشعبية في التغيير، والتخويف مما تمخض أو ما يتوقع أن يتمخض عنها تباعا، ومحاولة كل منهما دعم بقاء الآخر. لقد انكشف في هذا الربيع زيف المقاومة والممانعة اللتين لطالما تشدقت نظم عربية ديكتاتورية بهما بامتياز كسوريا، في حين أنها أسهمت لعقود في حماية الأمن القومي لإسرائيل، كما اتضح أن إسرائيل التي صرفت وقتها طويلا ليقتنع العالم أنها الواحة الديمقراطية في المنطقة، تمارس ازدواجية في التعامل مع هذه المسألة فهي حلال عليها وحرام على الشعوب العربية التي تنشد الحرية والعدالة بما ذلك مصر، مؤثرة بقاء واستمرار الأنظمة الديكتاتورية ـ لو كان الأمر بيدها ـ وداعية لتقديم الدعم لها لضمان عدم سقوطها، لأنها الأفضل والأضمن ـ برأيها ـ من مخرجات الاقتراع الحر والنزيه، وما يمكن أن يفرز من قوى وطنية تتوقع صعوبة التفاهم معها، وتأمين مصالحها بوجودها، مع تركيز أكبر على "فزاعة" الإسلاميين أو القوى السلفية، وتخويف الغرب منها. ويتضح هذا التطابق مما نلمسه من تماثل أو تقارب في تصريحات ومواقف الطرفين (إسرائيل من جهة، الأنظمة الديكتاتورية العربية ما سقط منها وما هو آيل للسقوط بإذن الله)، فهذا رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتيناهو يقف ـ قبل فترة ـ أمام الكنيست، ويحتج بأن الصحوة العربية تعيد العالم العربي "إلى الوراء" وتتحول إلى موجة "إسلامية، مناهضة للغرب، ومعادية لليبرالية ولإسرائيل وللديمقراطية"، ووصل الأمر بمجلة " إسرائيل اليوم" إلى القول بأن الربيع العربي يوشك أن يأتي "بالشتاء الإسلامي". أما وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك فقال للقناة الإسرائيلية الثانية قبل أيام إن ما سماه "عملية الأسلمة بالدول العربية مقلقة جدا" لدولته. والشيء نفسه فعله كل رؤساء الأنظمة التي تحركت شعوبها ضدها سواء من تنحى أو هرب أو قتل منهم أو من هم مازال يصارع طوفان الجماهير ضده أو مسؤولون في أنظمتهم المتهالكة، فكلهم خوّفوا المنطقة من تبعات هذا الحراك وما سيؤديه من فوضى داخلية وخلخلة في أمن المنطقة و "حرب طائفية" و " اقتتال أهلي"، وكلهم حذروا من التيارات الإسلامية والأصوليين التي ستصل للحكم كثمرة من ثمار الربيع العربي. ولعل خوف إسرائيل على أمن بلادها، وتحسبها لانفراط عقد ما يسمى باتفاقيات السلام العلنية التي كانت موقعة مع دول مجاورة لها، أو تفاهماتها السرية مع دول أخرى لحفظ الأمن المتبادل أيضا هو سبب تشنيع الكيان الصهيوني على هذا الربيع وسبب تحذيراته من سقوط أنظمة كانت تصنف على أنها معادية له كسوريا، فهذا عاموس جلعاد رئيس القيادة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية يحذر في تصريح لشبكة إذاعة الجيش الإسرائيلي، من نتائج سقوط نظام بشار الأسد، مشيراً إلى أن ذلك يعني قيام إمبراطورية إسلامية جديدة في المنطقة، يتزعمها الإخوان المسلمون، موضحا أن الأيدلوجيا الواضحة والمعلنة لدى الإخوان المسلمين، هي إقامة إمبراطورية إسلامية على أرض مصر وسوريا والأردن أولا، ثم محو إسرائيل من الوجود. وذهبت إسرائيل إلى أبعد من ذلك حينما عارضت قرار إدانة النظام السوري في الجمعية العامة في الأمم المتحدة مؤخرا، حتى قال صحفي سوري معارض معلقا على هذا التصرف بسخرية إن إسرائيل قد "انضمت إلى جبهة المقاومة والممانعة". ولا غرابة في ذلك فإسرائيل ليس من مصلحتها الاستراتيجية أنْ يتمخَّض "الحراك السياسي ـ الاستراتيجي" في سوريا عمَّا يتسبَّب، أو قد يتسبَّب، بتعريض ما تنعم به من أمن وهدوء واستقرار في الجولان منذ ثلاثة عقود على الأقل، وهي قد فهمت تماما الرسالة التحذيرية لرجل الأعمال السوري وابن خال الرئيس بشار الأسد الموجهة للغرب وإسرائيل من وجوب دعمه وعدم تركه يسقط بفعل ضربات الاحتجاجات الشعبية حينما قال منذ بديات الحراك الاحتجاجي لصحيفة أمريكية: "لن يكون هناك استقرار في إسرائيل" إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا، ملوّحا بأن "السلفيين" هم البديل عن النظام، وقد ترجم النظام ذلك عمليا في إفساحه المجال لأول مرة لفلسطينيين وسوريين غاضبين حينما اقتحموا الحدود مع إسرائيل عبر الهضبة المحتلة قبل أشهر قليلة. خوف إسرائيل من ربيع الثورات العربية غير مستغرب لأن نتائجه ستصل إليها، إن عاجلا أو آجلا، ويتمثل في إعادة النظر في اتفاقيات التسوية والاتفاقيات الاقتصادية الجائرة بحق أمتنا (ومنها: الاتفاقيات الموقعة مع مصر والأردن) أو إلغائها وفق مشيئة ديمقراطية شعبية، وانتهاء حالة الاسترخاء التي تنعم بها بسبب التفاهمات (المعلنة أو غير المعلنة) والتي كانت سائدة بينها وبين الأنظمة الديكتاتورية العربية، والمتصلة بحفظ حدودها وأمنها بصورة مباشرة أو غير مباشرة (معادلة بقاء واستمرار الأنظمة مقابل حفظ أمن الكيان الصهيوني)، وصولا إلى دول تتمتع فيها الشعوب بقرارها وسيادتها، والدفاع عن مصالحها القومية، وهو ما يعتبر تغييرا جوهريا في المعادلات القائمة حاليا وإن بصورة تدريجية. الجديد أن الربيع العربي كشف بصورة واضحة لا لبس فيها الدور المشبوه للأنظمة الديكتاتورية العربية ـ وبخاصة من كانت منها تدعي الممانعة والمقاومةـ والتفاهمات التي كانت قائمة بينها وبين إسرائيل، وكان تصديق ذلك عسيرا على البعض ـ على الأقل ـ من قبل حلول هذا الربيع، حتى أن إسرائيل اضطرت للدفاع عن بقاء هذه الأنظمة وحذّرت علنا من مغبة سقوطها الوشيك.
1197
| 07 ديسمبر 2011
مع نجاح الانتخابات البرلمانية في المغرب، يمكن القول إن المنطقة العربية بدأت العبور إلى واقع جديد مختلف هذه المرة عما ألفته منذ عقود طويلة، ينتظر أن يكون له انعكاسات إيجابية على حاضرها ومستقبلها، ويفرض على مكوناتها في نفس الوقت تحديات من نوع مختلف. ولعل أبرز معالم هذا التحول الجديد ما يلي: ـ أن تداعيات ربيع الثورات العربية الذي اجتاح منطقتنا العربية شرقا وغربا خلال العام الحالي 2011 قد وضعنا أمام نموذجين للأنظمة الحاكمة في تعاملها مع مطالب شعوبها في الإصلاح والتغيير الأول: الذي أصرّ على تجاهل هذه المطالب، ولم يقدم أية تنازلات فعلية إزاءها، كما أصر على التعاطي مع احتجاجاتها السلمية بعنف مفرط وسفك متواصل للدماء، كما حصل في تونس ومصر وليبيا ويحصل حاليا في سوريا واليمن ـ وإن بنسب متفاوتة ـ وآخر : حاول تلمس المشكلة وقدم بعض التنازلات ، وقبل بإجراء انتخابات نزيهة شفافة، وبمشاركة شعبه له في إدارة دفة الحكم كما هو الحال في المغرب حاليا. ـ أن نجاح الانتخابات البرلمانية وإجراءها بنزاهة وحيادية لم يقتصر على الدول التي شهدت ثورات عربية كما في تونس، أو كما يتوقع في مصر ، بل شمل دولا آخرى لم تشهد هذه الثورات ـ وإن شهدت شيئا من الحراك الشعبي الاحتجاجي المحدود ـ كما في المغرب ، وهو ما يعني أن الأخيرة استفادت من دروس وعبر ما جرى في الدول الأخرى ـ فيما لم تستفد أخريات من ذلك، فانفجر الوضع فيها، كما يعني أن الإصلاحات الجادة قد تجسّر الهوة الحاصلة بين الشعوب وحكامها ، وتعزز من القوة الداخلية للأنظمة، وتجنبها خيار السقوط والانهيار ـ السريع والدراماتيكي على الأقل ـ ، كما حصل مع أخرى تعاملت مع مطالب شعوبها في التغيير بلغة المؤامرة ولم تنزع فتيل الاحتقان الشعبي المتأزم ، فانفجر الوضع فيها، حتى وصل الأمر إلى المطالبة بإسقاطها ورحيلها بدون رجعة . ـ أن نتائج الانتخابات التي أجريت ـ حتى الآن ـ عكست في مخرجاتها ألوان الطيف السياسي الداخلي للشعوب وتوجهاتها الفكرية والسياسية ، وتركت للشعب أن يقول كلمته في تقدير الوزن السياسي لكل طيف وحزب، دون أن تقصي أحدا عن الميدان السياسي، وهذا الواقع يفرض على الأحزاب التي لطالما عانت من ظلم الحكام وديكتاتوريتهم وشكت من ذلك القبول كل منها بالآخر، وبنتائج الانتخابات التي تعتبر هي الأفضل نزاهة حتى الآن، ، ونسجل هنا القبول الذي حظي به حزب النهضة من قبل بعض القوى، مقابل غمز شخصيات فكرية وثقافية وتيارات يسارية وليبرالية تونسية كانت تتغنى بالديمقراطية بهذا الحزب وقيامها بحملات التشكيك وتخويف الداخل والخارج منه لمجرد خسارتها. كما يفرض ذلك على هذه القوى ممارسة التشاركية السياسية وقبول التقاسم وتعزيز هذه الثقافة لدى قياداتها وأعضائها وتحويلها إلى سلوك ممارس على الأرض وإدارته بصورة راقية . ـ تفوق الإسلاميين الذين يمثلون تيار الإخوان المسلمين المعتدل ، وحصولهم على المرتبة الأولى بين الأحزاب، وهو ماله دلالات كثيرة لعل من أهمها: أن الشعوب إذا ما قدر لها أن تختار بشكل حرـ بعيدا عن تزييف الأنظمة ـ فستختار من يمثل هويتها الحضارية وثقافتها الوسطية المستمدة من عقيدتها ودينها الجنيف، بعيدا عن النزعات المتطرفة فكريا وثقافيا، ولكن بنفس الوقت فإن التحدي الأكبر لهذا الاختيار الذي منحته الجماهير للإسلاميين ( تونس، المغرب ) والذي من المتوقع أن منحه أيضا في انتخابات أخرى كمصر وليبيا يفرض على الإسلاميين أن يكونوا مظلة لاستيعاب القوى والتيارات الأخرى من حيث التنسيق والتحالفات وعدم التعالي عليها أو الضيق بهم ، أو الاستثار بالرأي واحتكار الحقيقة لنفسها فقط ، كما أن من التحديات التي تنتصب أمامهم تقديم المساهمة الفاعلة في خدمة المجتمعات والاسهام في تنميتها وتقديم حلول عملية تسهم في خفض معدلات الفقر والبطالة والتضخم وتوفير فرص العمل من خلال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لأن الشعارات مهما كانت جميلة لا يكون لها قيمة إن لم تترجم على أرض الواقع، بصورة يحس الناس بمنفعتها وانعكاسها إيجابيا على حياتهم المعيشية والاجتماعية، فضلا عن نظافة الأيدي والشفافية في الأداء ، ونذكّرهم بأن تجربة حزب العدالة والتنمية التركي والشعبية الكبيرة المتنامية التي يتمتع بها والذي أكدت عليها أكثر من انتخابات أجريت كانت نتاج عمل دؤوب لحكومة الحزب ومؤسساته في خدمة المجتمعات على كافة المستويات، وهو ما انعكس في نمو الاقتصاد التركي ونمو الناتج القومي وتحسن دخول الأفراد، فضلا عن نجاح السياسات الخارجية ، لتثبت منذ عدة سنوات أنها استعادت مكانتها الإقليمية، وفرضت نفسها كلاعب لا يمكن تجاهلة خصوصا في محيطه . ـ قبول الغرب بالإسلاميين كمشاركين في منظومة الحكم ، بعد أن كان كثير من الحكام العرب والنخب يخوفون الغرب منهم، حتى يبرروا ديكتاتوريتهم ، ويثنوا الغرب عن مطالباته للمنطقة بالإصلاحات الديمقراطية . يمكن أن تعبّر التجربة الديمقراطية الوليدة التي بدأنا نتنسم عبيرها الفوّاح عن أشواق الجماهير واختياراتها بحق ، بخلاف الانتخابات العربية المزورة ذات النسبة المعروف 99,9% ، في تأييد الحكام والتي كانت هي السائدة ، وأن تفضي إلى معايشة مناخ مختلف يمكن أن يحتذى به، وأن يعيد الثقة المفقودة للمواطنين العرب بحكامهم ومؤسساتهم الوطنية الحكومية ومن يتسيدها، أو أن يعيد تكريس الحالة السابقة ويقدم نموذجا مشوها ـ لا قدر الله ـ يجبر الشعوب المتعطشة للديمقراطية حاليا للحنين إلى عهود الظلم والظالمين، وتلك لو حصلت فستكون مصيبة المصائب!
606
| 01 ديسمبر 2011
مازال النظام السوري يعتمد أسلوب المراوغة مع الجامعة العربية، وينتهج سياسة المماطلة في التعاطي مع مبادرتها، فهو رغم إعلانه عن قبوله ببنودها فقد قام بالعمل على النقيض منها، فبدلا من إيقاف العنف زاد من وتيرة قتل المحتجين السلميين في الشوارع والساحات والتنكيل بهم، فضلا عن أنه لم يقم بأي إجراء على الأرض لسحب الجيش والمظاهر العسكرية من المدن، وظل على عهده بتجاهل مطالب المعارضة، دون أن يفتح مع أي منها سواء في الداخل أو الخارج حوارا جديا. وعندما طلبت الجامعة زيارة بعثة مراقبين من طرفها لتقييم الوضع السوري، رحب النظام بها، وعندما وصل الأمر إلى توقيع البروتوكول الخاص بهذه البعثة حتى تستطيع البعثة ممارسة مهامها فعليا لا شكليا، طلب النظام تعديلات تعجيزية على هذا البروتوكول تفرغها من مضمونها، وهو ما مسّ جوهر عمل هذه البعثة وغيّر جذريا من طبيعة عملها، وأدى بالتالي لرفض الجامعة لها. لم يكتف النظام بذلك، بل حاول من خلال وزير خارجيته استباق الأمور ومواصلة ممارسة عملية التضليل الإعلامي عبر المؤتمر الصحفي الذي عقده الأحد الماضي، فأظهر حرصه على الحلول العربية من خلال الجامعة رغم غمزه لها من خلال اتهام أطراف عربية لم يسمّها باستخدامها مطية للوصول بالملفّ السوري إلى مجلس الأمن الدولي، كما حاول التأكيد على تمسك نظامه بالمبادرة العربية، من خلال إشارته بأنه سيردّ على رسالة الأمين العام لجامعة الدول العربية التي رفض فيها الأخير تعديلات بلاده بشأن مهمة بعثة المراقبين وذلك بمجموعة من الاستفسارات "العقلانية" ـ على حد تعبيره ـ تنطلق من ضمان السيادة الوطنية ورغبته في توضيح طبيعة عمل البعثة وضمان أمن أعضائها. ولأنه يعتبر الوقت يصبّ في صالح نظامه فقد حاول الوزير التقليل من شأن المهلة التي حددتها الجامعة لبلاده للتوقيع على بروتوكول لجنة المراقبين وانتهت السبت الفائت، مؤكداً أن هذا الأمر ما زال في حالة "أخذ ورد" مع الجامعة. وتتضح المراوغة التي يمارسها رموز النظام أيضا بصورة جلية من خلال التناقض فيما بين تصريحاتهم الإعلامية، وذهاب بعضهم في تصريحاته لنقض بنود المبادرة، ففي نفس يوم المؤتمر الصحفي للوزير المعلم أجرى الرئيس السوري حوارا مع صحيفة " صنداي تايمز" البريطانية قال فيه: إن الحل لا يكمن في سحب قواته من المدن، بل بالتخلص من المسلحين الذين يتهمهم بإطلاق النار، وأعاد اتهام الجامعة بتبرير التدخل الخارجي، وواصل تحذيراته وتهديداته من "زلزال" قد يهز منطقة الشرق الأوسط إذا ما تعرضت بلاده لتدخل عسكري من الخارج. لقد رحب الشعب السوري بمبادرة الجامعة ولكنه صار يخشى من ممطالة النظام في تنفيذها وتخطيطه لتمييعها، فالأسبوع قد يجرّ أسبوعا آخر، والشهر قد يجرّ شهرا آخر، وهو ما يعني وجبة يومية من دماء الأبرياء الذين تزهق أرواحهم، واستمرار معاناة المدنيين الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة في حراك سلمي هو العنوان الأبرز لثورتهم. وفي رأينا فإن المطلوب من الجامعة العربية ـ وبشكل واضح وحاسم ـ في اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم غد ما يلي: ـ الخروج من دوامة المدد ومنح المهل الزمنية وجولات التفاوض طويل النفس التي قد يدخلها النظام السوري فيها مرة تلو المرة، وهو يظهر حرصه على مظلة الخيمة العربية ظاهرا، ويطعن في نواياها ونوايا أعضائها ويعمل بعكس بنود مبادرتهم باطنا، فبعد طلب "التعديلات" ها هو النظام يريد أن ينتقل مربع "الاستفسارات" ولا نعرف ما هي خطوته التالية لكسب الوقت، بموازاة مضيه قدما في مخططاته الدموية. ـ اتخاذ إجراءات عقابية ضده مباشرة كنتيجة لعدم تنفيذ بنود اتفاقية الجامعة لتؤدي إما لإجباره على التراجع الفوري عن المراوغة التي صار جزءا من تركيبته ومسلكه، أو لتضييق الخناق عليه شيئا فشيئا ومن هذه الإجراءات تجميد عضويته في الجامعة، وتحميله المسؤولية الكاملة أو الأساسية عما يجري في البلاد، والاعتراف بالمجلس الوطني السوري وبممثلي المعارضة، والترتيب لمؤتمر للمرحلة الانتقالية (مرحلة ما بعد النظام الحالي)، والبحث عن سبل جدية وفعالة لحماية المدنيين بالتعاون مع دول إسلامية وإقليمية. ـ في حال عدم قدرة الجامعة على اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة وفاعلة لوقف العنف ولجم طغيان وجبروت وبطش النظام المتواصل بحق شعبه، عليها الاعتراف بذلك علنا، وتسليم الملف لمجلس الأمن والتعاون مع المنظمات الإنسانية والحقوقية لتأمين الحماية الدولية للمدنيين السوريين رحمة بوضعهم المأساوي. الجامعة أمام اختبار أخلاقي حقيقي لأول مرة فإما أن تكون على قدر المسؤولية وتنقذ شعبا يموت موتا بطيئا وهو يدافع عن حريته وكرامته أو تقرّ بفشلها، وتنقل الكرة إلى ملعب من يستطيع ذلك على المستوى الإقليمي والدولي. لقد قلت في مقال سابق إن النظام لا يمكنه أن يقبل بالمبادرة، لأن قبوله بها من شأنه الكشف عن الجرائم التي اقترفها على الأقل منذ ثمانية أشهر وحتى الآن، وإن أعلن قبوله بها فإنه سيعمل على إفراغها من مضمونها، ويراهن على عامل الوقت الذي يعتبر أنه يصب في مصلحته، وها هو يمشي في هذا الاتجاه، لذا فإن على الجامعة ألا تترك له مزيدا من الوقت وأن تقول له: كفى، وتعلن ذلك على الملأ.
335
| 23 نوفمبر 2011
يعيش النظام السوري حالة من الصدمة بعد قرار الجامعة العربية..هذا ما كشفت عنه حالة الهستيريا والجنون التي يتصرف أزلامه وأبواقه وفقها بدءا من بذاءات مندوبه لدى الجامعة التي وجهها لرئيس اللجنة الوزارية العربية وللأمين العام للجامعة العربية، ومرورا بتصعيد قتل المتظاهرين السلميين في الشوارع وليس انتهاء باقتحام السفارات والممثليات والبعثات الدبلوماسية السعودية والقطرية والتركية والفرنسية، مع توقع بمزيد من ارتفاع وتيرة هيجان النظام وممارساته الحمقاء خلال الفترة القادمة. سبب هذه الهستيريا هي شعوره لأول مرة بأن الأنظمة العربية والدولية بدأت بتحمل مسؤولياتها الأخلاقية تجاه الشعب السوري بصورة جدية، بسبب ما أوكلته يداه، بعد أن صبر النظام العربي والدولي على جرائمه طيلة ثمانية أشهر وهو يشاهد حجم الدموية والقتل بحق المدنيين العزل، وعلى دعايته الإعلامية وروايته المضللة التي تقلب الحق إلى باطل ويراد منه أن يصدقها، رغم قيام النظام بمنع دخول المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام العربية والدولية طيلة هذه المدة، حتى لا تنكشف فضائحه وفظاعاته، واستخفافه بكل الفرص والنصائح التي منحت له ووجهت إليه والتعامل معها باستعلاء واستخفاف ومراوغة وآخرها مبادرة الجامعة العربية التي لم ينفذ منها بند واحد كوقف العنف وسحب المعدات والمظاهر العسكرية، فضلا عن أن وعوده بالإصلاح لشعبه بقيت حبرا على ورق، وقولا لا فعلا. كما أن النظام لم يكن يتوقع ـ على ما يبدو ـ صدور مثل هذه القرارات عن الجامعة بهذه السرعة وبهذه القوة، أو ربما كان يتوقع بأن تؤخذ تهديداته وتهديدات حلفائه من الأحزاب والدول محمل الجد عربيا ودوليا، فلا تتم محاسبته أو معاقبته أو الأخذ على يد آلته القمعية التي صارت وصمة عار في وجه الأمتين العربية والإسلامية والعالم الحر لكثرة ما حصدت من أرواح بريئة وسفكت من دماء غالية. أكثر من ذلك فإن قرارات الجامعة الأخيرة تعتبر منعطفا مهما في مسيرة الدولة السورية لأنها بدأت تضيق الخناق على النظام الذي ظن ـ لحين من الزمن ـ أنه وفق المحاسبة، وأن ثمة إجراءات قادمة في الطريق سترفع الغطاء عنه عربيا ودوليا وتعترف بالمعارضة كبديل عنه وتدعم نضالها في التغيير، لذا فإن هذه الحالة تصيب النظام وأركانه بالقلق الكبير لأنها تعد مؤشرا قويا على بداية زواله ولعل من أهم الانعكاسات المنتظرة لقرارات الجامعة ـ ما ظهر منها وما سيظهر ـ ما يلي: ـ ازدياد عزلة النظام السوري عربيا ودوليا بعد أن وافقت الغالبية الساحقة للدول العربية على قرارات الجامعة ودعمتها جهات دولية عدة فورا، مع توقع بسحب عدد من الدول لسفرائها أو تخفيف بعثاتها الدبلوماسية قريبا، وتحذير دول ـ كتركيا ـ لرعاياها من الذهاب إلى سوريا. ـ التوجه لزيادة الاعتراف العربي والدولي بالمجلس الوطني السوري، وينتظر أن يسبق ذلك توحيد صفوف المعارضة، وتحديدا (المجلس الوطني وهيئة التنسيق الوطني)، ولعل كان لافتا قيام وزير الخارجية التركي ـ الأحد الماضي ـ باستقبال وفد المجلس الوطني السوري لأول مرة بصورة علنية وتناقل وسائل الإعلام لذلك، ويعتبر ذلك ثمرة لقرار الجامعة بدعوة المعارضة للاجتماع من أجل الاتفاق على رؤية محددة للمرحلة الانتقالية المقبلة، وخلال ثلاثة أيام. ـ ارتفاع احتمالات إقامة تركيا لمنطقة عازلة ضمن الأراضي السورية (مجاورة لحلب أو جسر الشغور) وهو ما من شأنه خلق ملاذ آمن للفارين من بطش النظام من المدنيين، لاسيَّما مناطق الشمال السوري، والأهم من ذلك هو تقوية موقف "الجيش السوري الحر" وارتفاع عدد من سيلتحقون به ودعم حراكه، إذ سيزيد من انشقاق الضباط والجنود عن الجيش النظامي والتمرد على أوامره لقمع المحتجين، ويكون ملجأ للجيش الحر وكفّ يد النظام عنه. ـ الحماية الدولية للمدنيين السوريين، فبعد يوم من إعلان قراراتها دعا الأمين العام للجامعة العربية إلى فرض حماية دولية للمدنيين في سورية، معللا ذلك بعدم تمتع الجامعة بالإمكانات الكافية للقيام بذلك وحدها، وذكر تحديدا أنه: "ليس من الخطأ أن نذهب إلى مجلس الأمن الدولي، فهو المنظمة الوحيدة القادرة على فرض مثل هذه الإجراءات". ـ ظهور توافق وتناغم تركي عربي فيما يخص التعامل المستقبلي مع سوريا، وهو ما يفسر حضور الجانب التركي لاجتماعات الجامعة العربية القادمة (يوم 16 / من الشهر الجاري)، ما سيكون له انعكاساته المهمة في دعم أي تغيير قادم في سوريا بشكل مباشر وغير مباشر، بحكم الثقل الإقليمي لأنقرة ومجاورتها لسوريا. يمكن القول إن النظام السوري دخل بالفعل في الدائرة الحرجة اعتبارا من 13/ نوفمبر الجاري، وهو ما يفرض عليه هذه المرة سرعة الاستجابة للاستحقاقات التي يطالب بها شعبه بعد أن حظيت بتأييد عربي ودولي، والقبول بالرحيل لإفساح المجال لعهد جديد (دون لف أو دوران)، أما السير في الاتجاه المعاكس فلن يحصد من ورائه سوى الخيبة والخسران وشر المآل، والعاقل ـ وإن كنا نستبعد لما نعرفه عن عقلية هذا النظام ـ من اتعظ بغيره.
357
| 16 نوفمبر 2011
مساحة إعلانية
 
        نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6633
| 27 أكتوبر 2025
 
        في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6492
| 24 أكتوبر 2025
 
        المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2685
| 28 أكتوبر 2025
 
        كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...
2028
| 30 أكتوبر 2025
 
        جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1701
| 26 أكتوبر 2025
 
        على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1506
| 27 أكتوبر 2025
 
        النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
1074
| 24 أكتوبر 2025
 
        لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...
1017
| 27 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...
1011
| 29 أكتوبر 2025
 
        في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
1011
| 24 أكتوبر 2025
 
        “أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...
960
| 27 أكتوبر 2025
 
        عندما تحول العلم من وسيلة لخدمة البشرية إلى...
855
| 26 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
