رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

اشتدت المنافسة

وصل السباق الرمضاني إلى الجولة الأخيرة التي تشتد فيها المنافسة ويزداد فيها الحماس ويبذل الصائمون قصارى جهدهم لنيل الدرجات العليا وإدراك خير الليالي وأفضلها وأعلاها أجرًا خلال العام، فما أن تبدأ العشر الأواخر من رمضان إلا ويكون لها اهتمام خاص وترتيب مختلف عند عامَّة المسلمين ولله الحمد، وذلك اقتداءً بالنبي محمد - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - وطمعًا في نيل ما في هذه العشر من البركات والمنح الربانيَّة. فقد كان رسولنا الكريم - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - يجتهد في العشر أكثر من غيرها من الأيام؛ فعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: «كان رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره» (رواه مُسلمٌ). فكان - عليه الصلاة والسلام - يحرص على إيقاظ أهله في هذه الليالي للتهجُّد والعبادة حرصًا منه على اغتنام فضل العشر. قال ابن رجب: «ولم يكُن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدًا من أهله يطيق القيام إلا أقامه». فيجب علينا التفرُّغ التام إذا أمكن لاستغلال هذه العشر أفضل استغلال، فكل ما لدينا من أشغال يمكن تحصيلها في وقت آخر من العام، لكن هذه العشر لا تعود إلا كل عام ولا ندري هل ندركها أم لا، فحاوِل تأجيل كل ما يمكن تأجيله حتى تفرِّغ نفسك للعبادة والطاعة في هذه الأيام. وتتعدَّد العبادات التي يمكننا الإكثار منها في العشر.. وأولاها: الاعتكاف، وهو التفرُّغ الكامل للعبادة والمكوث بالمسجد طوال العشر فتكون أوقاتك كلها عامرة بالصلاة والذكر وقراءة القرآن، وتشجِّعك صحبة الصالحين في المسجد على كثير من الطاعات التي ربما لا تواظب عليها خارج المسجد، والاعتكاف سنة مؤكدة واقتداء بفعل رسولنا الكريم - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. ومن أفضل العبادات في العشر: صلاة القيام وإطالة التهجُّد؛ فقد مدح اللهُ أهلَ القيام وبشَّرهم بالجزاء الوفير في الآخرة على حرصهم على قيام الليل، لا سيَّما في العشر وتحري ليلة القدر.. قال تعالى: «تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (السجدة: 16، 17). ثم الحرص على الإكثار من قراءة القرآن، والأفضل أن تخص العشر بختمة كاملة؛ لما فيها من جبالٍ من الحسنات، والله يضاعف لمن يشاء. ثم الإكثار من الصدقة، فاحرص على الصدقة يوميًّا في هذه العشر وكثرة البذل والسخاء على الفقراء والمحتاجين؛ لأن الصدقة أجرها كبير وتُطهِّر المال وتُرقِّق القلوب ومن أفضل القربات إلى الله. كل هذه العبادات التي ذكرت وغيرها كثير لابُدَّ من المحافظة عليها في العشر والاستزادة من الطاعة ووجوه الخير لنفوز بالسباق الرمضاني في الختام ونشعر بالقبول وحسن الجزاء من الله. فاللهم وفِّقنا لاستغلال العشر واكتب لنا فيها كل خير وضاعِف اللهم أجورنا وتقبل صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا.. اللهم آمين.

861

| 12 أبريل 2023

رمضان وتجديد الوصل

هدف المسلم الحقيقي في حياته هو تحرِّي الوصول إلى رضا الله تعالى والحرص على ما ينفعه والاجتهاد في تطبيق ما أمر الله به واجتناب ما نهانا عنه؛ وذلك خوفًا من عقابه وطلبًا لثوابه وجنته بلا شك. ومن جملة الأوامر التي أوردتها الشريعة الغرَّاء: الأمر بصلة الأرحام والتشديد على هذا الأمر. وصلة الرحم في الإسلام شأنها عظيم؛ لأن عليها يُبنى الترابط والمودة بين المسلمين؛ لذا اشتق لها اللهُ جزءًا من اسمه تعالى «الرحمن»، لتدل على الرحمة والرفق والرأفة والعطف. يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ¶ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ¶ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» (النساء: 1). وعن أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - أن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - قال: «إنَّ الله خَلَق الخَلْق، حتى إذا فرَغ مِن خلْقِه قالتِ الرَّحِم: هذا مقامُ العائذ بك مِن القطيعة، قال: نعَمْ، أما ترضين أن أصلَ مَن وصلَك وأقطَع مَن قطعك؟ قالت: بلى يا ربِّ، قال: فهو لك»، قال رسولُ الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «فاقرؤوا إنْ شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)» (محمد: 22) (متفق عليه). فقطيعة الرَّحِم من كبائر الذنوب، وجعل الله عقوبتها الطرد من رحمته. قال تعالى: «أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ» (محمد: 23). ولسلفنا الصالح أقوال تحث على الوصل وتنبذ القطيعة. والذين وفَّقهم الله إلى صلة الأرحام كافأهم في الدنيا بسعة في الرزق وبركة في العمر ولهم في الآخرة جزاء عظيم؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «مَن سَرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقه، أو يُنسَأ له في أثَرِه، فليصِلْ رَحِمَه» (صحيح البخاريِّ). ومن أفضل الطاعات في رمضان: تجديد الوصل بين الأهل والأقارب ابتغاء مرضاة الله تعالى. وأحق الرحم بالوصل: الأصول ثم الفروع، فالأب والأم في المرتبة الأولى، ثم الأعمام والعمات والأخوال والخالات، ثم فروعهم من الأبناء والبنات. فلنحاول جاهدين ترتيب الوقت في رمضان وتخصيص جزء منه لزيارة أرحامنا والسؤال عنهم وتفقُّد أحوالهم أو حتى الاتصال بهم عبر الهاتف أو أيٍّ من وسائل الاتصال الكثيرة الموجودة الآن، فقد صار الأمر سهلًا عن ذي قبل، وكذلك لا نغفل عن مساعدة الفقراء من ذوي الرحم؛ لأنها صدقة وصلة كما قال النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «إنَّ الصدقة على المسكين صَدقة، وإنَّها على ذِي الرَّحِم اثنتان: صَدَقة، وصِلة» (أخرجه الترمذيُّ والنسائيُّ). فلنبادر بالإصلاح ونبذ الخلاف إن وُجد بين الأرحام، فالخلافات بين ذوي الرحم كل الأطراف فيها خاسرة؛ لأنها تهدم الروابط وتؤدي إلى الهجر والقطيعة، ولنحاول محو رواسب الماضي التي تعكِّر صفو الحب والإخاء بيننا فنجدد الوصل في هذه الأجواء الإيمانيَّة الجميلة. جعل الله رمضانكم سعادة وصلة وخيرًا وبركة وكتب لكم الأجر والمثوبة.. اللهم آمين.

399

| 10 أبريل 2023

الصحبة الصالحة في رمضان

خُلق الإنسان في هذ الكون مفطورًا على الأنس بالآخرين والتعايُش ومخالطة غيره، يستوحش من الوحدة والعزلة عن الناس، فتجدنا في الحياة يكمل بعضنا بعضًا في المصالح الدنيويَّة والأمور المعيشيَّة، وتتشعَّب علاقاتنا وصلاتنا بمن حولنا على عدة أسماء؛ فهناك العائلة والأهل، ثم زملاء الدراسة أو العمل، ثم الأصدقاء والجيران وغيرهم. وهناك صنف من هؤلاء نودُّ تسليط الضوء عليه في مقال اليوم، ألا وهم الأصدقاء المقربون الملازمون لك في أغلب أوقاتك، هؤلاء لهم دور كبير في تكوين شخصيتك واتجاه سلوكك في الحياة، ويتفاوت نفعهم وضررهم على قدر دينهم وأخلاقهم وتربيتهم ونشأتهم وغير ذلك من أسس الصلاح والتقوى، فالصالح ذو الخلق صداقته نافعة بإذن الله، وسيئ الخلق تضرك أخلاقه ويغيِّرك إلى الأسوأ، وهو لك عدو وليس بصديق كما تظن. قال الله تعالى: «الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ» (الزخرف: 67). والاستمرار في التمسك بصحبة الأشرار يجعل الإنسان يندم وقت لا ينفع الندم.. قال تعالى: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا» (الفرقان: 27 - 29). لذلك يجب على المسلم اختيار أصدقائه بعناية؛ لأنهم إما أن يكونوا عونًا له على الطاعة والنجاة أو أن يكونوا سببًا في إفساده وضياع مستقبله. وهناك تشبيه نبويٌّ بليغ في وصف الصُّحبة وما يعود عليك من النفع والضرر بسببها؛ فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – قال: «مثَلُ الجليس الصالح والسوء كحامِل المسك ونافخ الكير؛ فحامِلُ المسك إمَّا أن يُحذِيك، وإمَّا أن تبتاعَ منه، وإما أن تجدَ منه ريحًا طيبة، ونافخُ الكير إمَّا أن يحرق ثيابك، وإمَّا أنْ تجد ريحًا خبيثة» (رواه البخاريُّ ومُسلمٌ). فجالِس حامل المسك تكُن فائزًا على كل حال، وابتعد عن نافخ الكير؛ لأن في صحبته الهلاك عياذًا بالله. ومن العبارات الخاطئة التي يرددها بعض الشباب الذي يجالس صحبة السوء أن يقول: «أنا أخلاقي عالية وتلقيت أحسن تربية وأفضل تعليم، وأعلم حدود الله، ولا يؤثر فيَّ أخلاق هؤلاء». هذا كلام غير صحيح تمامًا. لذا، جاء التحذير النبوي في اختيار الأخلاء واضحًا؛ ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - قال: «الرجل على دِين خليله، فلينظرْ أحدُكم مَن يخالل» (رواه الترمذيُّ). فاحرص على اختيار الصُّحبة الصالحة لك طوال حياتك، وقد يكون رمضان هذا العام بداية طيبة لبعض شبابنا وبناتنا للتعرُّف إلى صحبة صالحة تعينه على الطاعة وتحثه على الخير وترفع همته وتقوِّي عزيمته وتساعده في استغلال أيام رمضان ولياليه وتعميرها بالعمل الصالح الذي تُجنَى منه جبالٌ من الحسنات والفوز بمرضاة الله تعالى في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى. اللهم ارزقنا الصُّحبة الصالحة التي تحثنا على الخير في كل زمان ومكان وتعيننا على طاعتك وعبادتك يا رب العالمين.

5163

| 09 أبريل 2023

أنواع الصمت

السلامة من الخطأ والتوفيق للصواب مطلب نطمح إليه جميعًا، ولو كانت السلامة في عشرة أجزاء لكان لحفظ اللسان النصيب الأكبر في سلامة الإنسان من الوقوع في الأخطاء، فمَن قل كلامه قل خطؤه، كما يقولون، وكثرة الكلام فيما لا ينفعك ولا ينفع غيرك تزيد من الوقوع في الزلل، ولا خير فيها، بعكس الصمت؛ ففيه خير كثير للمسلم. قال الله تعالى: «لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا» (النساء: 114). وقال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا» (الأحزاب: 70). ومدح نبينا الكريم - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - الصمت وجعله دلالة على الإيمان؛ فعن أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «وَمَنْ كَان يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخر فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» (رواه البخاريُّ ومُسلمٌ). وحذَّرنا من خطورة الكلمة؛ فقد رُوي عن النبي ﷺ أنه قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم» (رواه البخاريُّ). فالصمت صفة الصفوة، يزيد الوقار والهيبة ونور الوجه وسكينة الروح. والصمت نوعان: - صمت ممدوح، وهو صمت المسلم عن الوقوع فيما حرَّم الله، مثل: الكذب والاستهزاء والغِيبة والنَّمِيمَة وسوء الخلق وغيرها من آفات اللسان، والصمت عن كثرة الكلام في اللهو واللغو الذي يؤدِّي إلى الوقوع في الخطأ كذلك. - وصمت مذموم، كالصمت في المواقف التي يجب الكلام فيها، كالدعوة إلى الله وتعليم العلم وشهادة الحق ونشر الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالمسلم طويل الصمت يرجو السلامة ويخشى الإفلاس يوم القيامة، فعن أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - قال: «أتدرون ما المفلس؟»، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: «إن المفلس مِن أمَّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتَم هذا، وقذف هذا، وأكَل مال هذا، وسفَك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنِيَتْ حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار» (رواه مُسلمٌ). فأشغِل لسانك بقراءة القرآن والمحافظة على جميع الأذكار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل النصيحة لإخوانك فيما ينفعهم ويصلح شأنهم، وما عدا ذلك فاجنح إلى الصمت فهو خيرٌ وأسلم لك. فيجب عليك، أيها المسلم الصائم، أن تمسك لسانك عن الخوض في حق الآخرين أو الحديث في المحرمات والمهلكات وأن تقتصر على الكلام النافع لك ولغيرك، ولا تنسَ أننا محاسبون مسؤولون على كل حرف تنطق به ألسنتا. قال تعالى: «مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» (ق: 18). أسأل الله تعالى لي ولكم السلامة وحفظ اللسان والتوفيق لكل خير يا رحمن.. اللهم آمين يا رب العالمين.

6576

| 08 أبريل 2023

عداد حسنات حتى بعد الممات

يُحكى أن أحد الأثرياء، وكان يعمل بالتجارة، اشتهى ذات يوم أكل العنب وكان قليلًا بالأسواق مع بداية حصاده، فاشترى كيلوجرامين من العنب وأرسله مع أحد عماله إلى بيته ليعطيه زوجته فتنظفه وتغسله ليأكل منه عندما يرجع إلى المنزل، فأخذته الزوجة وغسلته وتناولته هي وأولادها ولم يتركوا منه شيئًا للأب. فلمَّا عاد إلى بيته بعدما انتهى من عمله، وطلب منهم بعض العنب الذي اشتراه في الصباح، قالت له الزوجة: لقد أكلته أنا والأولاد! فقال: اشتريت كيلوجرامين من العنب ولم تتركوا لي ولو حبَّة! متعجبًا كيف نسوا حظ والدهم من العنب! فقام وخرج من المنزل وزوجته تسأله: إلى أين يا أبا فلان؟ فلم يُجِبها ومضى في طريقه. ذهب إلى إحدى الشركات العقاريَّة وقال لهم: أريد أفضل قطعة أرض عندكم. وبالفعل، اشترى قطعة أرض مميزة لبناء مسجد كبير على هذه الأرض، وأنهى الإجراءات وأوصى المختصين بالبدء لبناء المسجد في وقت قياسي. فأحضرت الشركة الآلات والمواد والعمال في الحال وبدؤوا فعلًا في إنشاء المسجد. ولمَّا رجع هذا الرجل إلى منزله في وقت متأخر من الليل، سألته زوجته: أين كنت؟ قال لها: لقد فعلتُ ما ينفعني، الآن أموت وأنا مرتاح البال. قالت في خوف: أطال الله في عمرك على طاعته، لِمَ تقول هذا الكلام؟ فقصَّ عليها ما قام به وأنه نوى ببناء هذا المسجد أن يكون صدقة جارية له بعد موته، وذلك بعد موقفهم اليوم قائلًا لها: لم تتذكروني بحبة عنب وأنا حي بينكم، فكيف تتذكرونني بصدقة بعد موتي؟. في الحقيقة، قصة مؤثرة وبها حكمة بالغة من الشخص الذي يعمل لآخرته كما يعمل لدنياه، بل الآخرة خير وأبقى. الصدقة الجارية هي محور مقال اليوم؛ لأنها عدَّاد حسنات في الحياة وبعد الممات. والصدقة الجارية، من أفضل أنواع التجارة الرابحة مع الله تعالى، فيقدمها المسلم في حياته ويؤجر عليها طوال عمره في الدنيا ويستمر أجرها حتى بعد وفاته، فيظل عدَّاد حسناته يرصد أجر الصدقة الجارية التي ينتفع بها أهل الدنيا وهو في قبره حتى قيام الساعة. فعن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله تعالى عنه - أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: «إذا مَاتَ ابنُ آدمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». وأشكال الصدقة الجارية كثيرة، ويمكن المشاركة فيها بكل سهولة ولله الحمد، وكلها منافع ومصالح عامَّة للمسلمين في كل مكان، أولها: بناء المساجد في الأماكن البعيدة عن العمران، وكذلك في الدول الفقيرة التي يحتاج إليها المسلمون الجدد، فعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه – أنه قال: سمعت رسولَ الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - يقول: «من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله عز وجل بنى اللهُ له بيتًا في الجنة». ومن الصدقات الجارية أيضًا: بناء دور تحفيظ القرآن الكريم وعلوم الشريعة ورعاية طلبة العلم، وسقيا الماء، وكفالة الأيتام ورعايتهم حتى البلوغ؛ فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما.

1671

| 07 أبريل 2023

انتصف رمضان

كنا بالأمس القريب نستقبل رمضان، واليوم نُفاجَأ بأنه قد انتصف والأيام تتسارع في أيام هذا الشهر المبارك بشكل عجيب، مما يدلِّل على مرور مواسم العبادات بخفَّة وسلاسة حتى تنصرم من بين أيدينا دون أن نشعر بها، فالموفَّق مَن كان يقظًا نشيطًا متحمسًا لاستغلال هذه الأيام، والخاسر مَن سيطر عليه الكسل وأثقلته الذنوب.ومن أفضل العبادات والطاعات التي ينبغي الاهتمام بها في رمضان: تصفية النفوس من الشحناء والخصومة بينك وبين الآخرين. فلنبادر بالتسامح والعفو في هذه الأيام المباركة، فلا ندري أي الأعمال تكون سببًا في نيل المغفرة والرحمة والعتق من النار في رمضان، فلعلَّ هذا التسامح يكون سبب الفوز بالجنة والنجاة من النار. ولا ننسى أن صفاء القلوب وزوال الشحناء والخصومة سبب لرفع الأعمال الصالحة في غير رمضان، فما ظنكم بأفضل شهور العام؟! لا شك أن التسامح ونبذ الخصومات فيه أحرى وآكد. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه – أنه قال: «تُعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيَغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكلِّ امرئ لا يشرك باللهِ شيئًا، إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: ارْكُوا هذين حتى يَصطلحا، اركوا هذين حتى يَصطلحا» (رواه مُسلمٌ). وهذا صيام النفل لا تُعرض فيه أعمال المتخاصمين على الله تعالى، فما بالكم بصيام الفريضة؟!. فجعل الله تعالى العفو من الإحسان وبشَّرنا سبحانه بمحبته للمحسنين، فما أجملها من بشرى من الله، وما أهون الوصول إليها، وقال تعالى: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا * أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ» (النور: 22). يوضِّح الله تعالى تمام عدله بأن السيئة بمثلها، لا زيادة ولا نقصان، ومع ذلك يحثنا على ترك الانتصار للنفس وتغليب العفو والإصلاح، وجعلَ اللهُ أجر ذلك عليه سبحانه، دلالةً على عظمة الأجر والمثوبة على هذا الأمر. وجاءت السنة النبويَّة تؤكد لنا خيريَّة المتسامح الذي يبدأ بالعفو والصفح ويطوي صفحة الخلاف والهجر والقطيعة ابتغاء وجه الله، فعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - قال: «لا يحلُّ لمسلم أن يَهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يَلتقيان فيُعرض هذا ويُعرِض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» (متفق عليه). ويجب أن نعلم أن العفو والتسامح له آثار إيجابيَّة كثيرة في الفرد والمجتمع، فيعود على الفرد بالسكينة والطمأنينة وراحة البال والرضا عن النفس والشعور بالسعادة ومحبة الخالق له ونيل الثواب والأجر العظيم في الآخرة. أثر التسامح في المجتمع المسلم فوصيتي لنفسي ولكل مسلم: بادِر في هذا الشهر الكريم بالتسامح والصفح وإزالة الخصومات ونبذ الشحناء والبغضاء من القلوب، فإن كنتَ مخطئًا فبادِر بالاعتذار وطلب العفو، وإن كانت لك مظلمة عند أحد أو خصومة مع شخص فاعفُ عنه وسامحه ابتغاء وجه الله ولا تحرم نفسك من نفحات شهر الصيام. فاللهم ارزقنا التسامح والصفح وطهِّر قلوبنا وأصلح اللهم ذات بيننا وبارِك اللهم في أوقاتنا على الطاعة والمودة والإخاء.. يا رب العالمين.

2100

| 06 أبريل 2023

روحانية شهر الصيام

الصوم في حقيقته سمو للروح وتزكية للنفس وإعدادٌ للقلوب لتقوى الله ومراقبته في السر والعلن وتربيتها على الخشية من الله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه. فالصوم يجعل قلوبنا طاهرة رقيقة تستشعر المراقبة فتظل على حذر من ربها، فتحب الطاعة وتسير في دروبها، وتكره المعصية وتبتعد عن طرقها، والله تعالى خلقنا ويعلم ما يُصلحنا ويقوِّمنا، فكانت فريضة الصوم أفضل اختبار لنا، لتوضِّح مدى صبرنا على شهواتنا ومدى مراقبتنا إياه سبحانه ومدى الخشية من عقاب الله، فالصوم يهتم بإصلاح الداخل، إصلاح القلوب وغرس الإيمان فيها؛ فالإسلام لا يُكرهنا على الطاعات، بل يحبِّب إلينا الطاعة ويعدنا بالمثوبة من الله ومحبته تعالى للطائعين. ومقام الخشية من الله ومراقبته يكمن في قلوب الذين يعلمون أمور دينهم ويعظمون شعائر ربهم.. قال تعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ◌ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ» (فاطر: 28). وقال ابن القيم: وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية كما قال النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «إني لأعلمُكم بالله وأشدُّكم له خشية». والصوم المراد منه الوصول بالعبد إلى مقام التقوى والخشية والمراقبة، فالإمساك عن الطعام والشراب في رمضان ليس هدفه تعذيب النفس، وإنما جُعِل المنع عن الشهوات لترقيق القلوب وانكسارها وتعليمها خشية الله ومراقبته؛ لذلك قال النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (رواه البخاريُّ). فحقيقة الصيام هي امتناعك عن كل ما يُغضب الله والصيام الشامل لكل الجوارح، كما قال جابر - رضي الله عنه -: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء». ولا شك أن تحقيق هذا المعنى الشامل للصوم لا يأتي إلا من قلب مملوء بالتقوى والخشية لله تعالى في كل وقت وحين، فهذا الصائم الحق الذي فهم مراد الله وطبَّقه تطبيقًا عمليًّا يستمتع بروحانيَّة الصيام ومعانيه الإيمانيَّة العميقة، وما عدا ذلك من الصائمين دون إدراك أو تدبُّر للمعاني الربانيَّة المقصودة لم يصلوا بعدُ إلى فهم روحانيَّة الصيام ويتحقق فيهم قول الرسول - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش» (أخرجه النسائيُّ). فنرى بعض الأشخاص تضيق صدورهم في الصيام ويسوء خُلقهم ولا يستطيعون التحكُّم في أعصابهم ولا ضبط ألسنتهم عن المحرمات، وهذا كله ينقص أجر الصوم الذي جعل الله جزاءه مبهمًا حتى تظل القلوب على وجل، فقد قال رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقُل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرِح بصومه» (صحيح البخاريِّ). فاللهم لا تحرمنا تحقيق كل هذه المعاني الربانيَّة العظيمة واجعلنا من أهلها يا رب العالمين وتقبل اللهم صيامنا وقيامنا وأعتق اللهم رقابنا من النار في هذا الشهر الكريم.. اللهم آمين.

1389

| 05 أبريل 2023

أبواب الخير

رمضان شهر الخير، يفتح أمامك سائر أبواب الخير لتتزوَّد منها وتُضاعِف حسناتك، فكل الاختيارات متاحة أمامك، فحاوِل الاجتهاد في الطاعة والحرص على المشاركة في أبواب الخير الرمضانيَّة حسب استطاعتك وقدراتك، واستعِن بالله ولا تعجز، فاعقد النيَّة الخالصة لوجه الله على تقديم كل خير في رمضان ثم انطلق ولا تضيِّع فرصة إدراك رمضان وتحصيل الأجر الكبير في هذه الأيام المباركة. تأتي الصدقة في مقدمة أبواب الخير في رمضان؛ لما فيها من التوسعة على الفقراء والمحتاجين، فالصدقة سبيلٌ من سبل الفوز بمرضاة الله في الدنيا والآخرة، في رمضان وفي غيره من الشهور. غير أن الإكثار من الصدقة في رمضان كان من هدي النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. فعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما – أنه قال: «كان رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فلرسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - أجودُ بالخير من الريح المرسَلة» (رواه البخاريُّ). وذلك لأن الصدقات تطهِّر أموالنا وتزكِّي أنفسنا كالصوم تمامًا، والصدقة برهان على صدق إيمان المسلم ومحبته للخالق والسعي إلى مرضاته.. فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه – أن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - قال: «والصدقة برهان». ومن أدق أبواب الخير: صدقة السر؛ لأن أجرها كبير، قال تعالى: «إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ◌ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ◌ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ◌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» (البقرة: 271). وحثنا عليها رسولنا الكريم - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - فعَنْ مُعاوِيَةَ بنِ حَيْدَة – رضي اللهُ عنه - عَنِ النَّبِي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنه قالَ: «إنَّ صَدَقَة السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّب» (رواه الطبرانيُّ). ولا يقتصر البذل والإنفاق على الأغنياء وأصحاب الأموال وحسب، بل كلٌّ منا يمكنه أن يتصدَّق ولو بالقليل، يجود على قدر ما يملك وحسب استطاعته، فالقبول لا يعلمه إلا الله تعالى. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - قال: «سبق درهمٌ مائةَ ألفٍ، كان لرجل درهمان فتصدَّقَ أجودُهما، وانطلق رجل إلى عرضِ مالِه فأخذ منها مائة ألفٍ فتصدقَ بها» (رواه النسائيُّ). ومصارف الصدقات في رمضان كثيرة، منها: التوسعة على أهل بيتك، من الزوجة والأبناء، في هذه الأيام الفاضلة؛ فهي أعظم النفقات أجرًا، كما جاء في الحديث الشريف، عن أبي هريرة - رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «دينارٌ أنفَقتَه في سبيل الله، ودينارٌ أنفَقتَه في رقَبة، ودينارٌ تَصدَّقتَ به على مسكين، ودينارٌ أنفَقتَه على أهلِك، أعظمُها أجرًا الذي أنفَقتَه على أهلِك» (رواه مُسلمٌ). وكذلك رعاية الأرامل والمساكين من ذوي الهمم؛ فالإنفاق عليهم وتوفير حاجاتهم يعدل الجهاد. أسألُ اللهَ تعالى أن يوفقنا جميعًا لكل خير وأن يستعملنا في طاعته ويكتب لنا القبول في الدنيا والآخرة.. اللهم آمين.

2154

| 04 أبريل 2023

عاداتٌ صحيّة

تتعدَّد مميزات شهر رمضان المبارك وفوائده التي تعود علينا بكثير من المنافع العامَّة والخاصَّة، فإلى جانب كون رمضان موسم عبادات وطاعات متنوِّعة، فله كذلك فوائد صحيَّة كثيرة تعزِّز صحَّة البدن وتزيد من قوته ونشاطه، فالصيام يعمل على تجديد قدرة البدن وتنشيطه ليستجيب لتأثير الصوم والتغيُّرات التي حدثت في الروتين اليومي خلال شهر رمضان الكريم، ويجدد خلايا الجسم ويطهِّره من مسبِّبات الأمراض الخطيرة ولله الحمد. فرمضان يمكِّن المسلم من اكتساب كثيرٍ من العادات الصحيَّة في تنظيم طعامه وشرابه ونومه وغير ذلك، فيجب استغلال أوقات رمضان في كل ما يعود علينا بالنفع والأجر. بدايةً، نحرص على تطبيق السنن النبويَّة المأثورة عن النبي الكريم - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - أثناء الصيام؛ فقد كان النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - يبدأ إفطاره بالتمر وأمرنا بذلك؛ فعن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – أنه قال: «إذا أفطر أحدُكم فليفطر على تمر، فإنه بركة، فإن لم يجد فالماء، فإنه طهور» (رواه الترمذيُّ). فإلى جانب تطبيق سُنة الإفطار على التمر وتحصيل الأجر على ذلك، فقد أثبتت الدراسات الطبيَّة الفائدة العظيمة للتمر، وخاصَّةٍ في الصيام؛ فالفائدة من بدء الإفطار بالتمر ثم الماء؛ لكون الماء يروي العطش سريعًا ويملأ المعدة، لكن التمر يهيِّئ المعدة لبدء تناول الإفطار ويعمل على سرعة موازنة سكر الدم ويعطي الصائم نشاطًا وحيويَّة بسرعة ويمده بالطاقة التي تساعده على صلاة القيام، كما أنه مناسب لمرضى القلب والسكر كذلك. فالإفطار على التمر يكسر حدة جوع الصائم ويساعده على الاقتصاد في كميَّة الطعام أثناء وجبة الإفطار. ومن العادات الصحيَّة في رمضان كذلك: ممارسة الرياضة والحرص عليها في رمضان أكثر من الأيام العاديَّة. ورمضان فرصة عظيمة لترتيب النظام الغذائي؛ نظرًا لقلة ساعات الإفطار في مقابل وقت الصوم الطويل. فيكتفي المسلم بالإفطار الخفيف المتنوِّع الذي يلبِّي حاجة الجسم دون إسراف في الطعام، ويكمل ليله في المطالعة النافعة والقراءة في التفاسير وكتب السنة، مما يزيد من أجره ويجعله يكتسب عادات جديدة ولا مانع من أخذ قسط من النوم لراحة الجسم. ثم يقترب وقت السحور، الذي يعد وجبة مهمة للصائم لابُدَّ من اعتيادها منذ الصغر وعدم تركها؛ فالسحور سُنَّة يُثاب المسلم عليها.. فعن أَنَس بن مَالِكٍ - رَضِي اللهُ عَنْهُ – أنه قَالَ: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَة» (رواه البخاريُّ). ثم تدرك صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة، وهذا يفسِّر كثرة المصلين في صلاة الفجر خلال رمضان بخلاف باقي الشهور؛ وذلك لاعتيادهم السحور، فيمكِّننا السحور من إدراك الفجر مع الجماعة واعتياد ذلك بعد رمضان. فاللهم تقبل منا الصيام والقيام وبارِك لنا في أيام رمضان ولياليه، وضاعِف اللهم أجورنا واجعل عبادات رمضان عادات لنا في سائر أيام العام.. اللهم آمين يا رب العالمين.

969

| 03 أبريل 2023

دعك من الآخرين

الإنسان الناجح المتطور الطموح يضع خططًا واضحة لكل مرحلة في حياته، خططًا مبنيَّة على أسس مدروسة جيدًا؛ لأنه يعلم أن طريق النجاح والتقدُّم يحتاج إلى تخطيط مسبق، ولا تدار الحياة بشكل عشوائي فوضوي، هذه البداية التي ينبغي أن نتفق عليها ثم ننتقل إلى النقطة التالية، وهي من الأهميَّة بمكان، وهي حب الشخص ذاته كما هي، فما أجمل أن يكون الشخص متصالحًا مع نفسه، يعرف مميزاتها وعيوبها، يلمس مَواطن القوة فيها ونقاط ضعفها كذلك فيسهل عليه تقويمها وإصلاحها. وفي هذه الأجواء الرمضانيَّة، ترتفع الهمم، ونجد في أنفسنا إقبالًا على الطاعات ونشاطًا في العبادة، فلا بُدَّ من اقتناص هذه اللحظة.. فقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين أن عمر - رضي الله عنه وأرضاه - قال: «إن لهذه القلوب إقبالًا وإدبارًا، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزِموها الفرائض». وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه – قوله: «إذا هبَّت رياحُك فاغتنمها». فإذا اقتنصت هذه الفرصة الثمينة وبدأت في تعديل مسار حياتك والعمل على إصلاح نفسك ومعالجة عيوبك وتطوير مميزاتك، هنا قد تقابلك المعوقات في أول الطريق، وتتمثَّل في نظرة الناس إليك والتعرُّض للانتقادات أحيانًا أو التطفُّل أو غير ذلك من السلوكيات المزعجة. فأوصيك في هذه اللحظة بألَّا تلتفت لمثل هذه الأمور، وألَّا تشغل نفسك بالآخرين ولا بآرائهم، ما دمتَ قد سلكت الطريق الصحيح المناسب لك ودرست الأمر وخطَّطت له بعناية وتوكلت على ربك فامضِ ودعك من الآخرين. وأجواء رمضان مهيَّأة للعمل على إصلاح نفسك إصلاحًا متكاملًا على المستوى الشخصي والأسري والوظيفي والاجتماعي، ويمكنك أن تجعل من نفسك نموذجًا مميزًا في كل شيء، تحب الخير للجميع وتحمل بداخلك الود والحب لكل من حولك وتحرص دائمًا على أن تكون قدوة صالحة تفعل الخير وتبتغي وجه الله، لا تنظر هل هذا المعروف صادَف أهله أو غير أهله. وقد جاء في الأثر: «اصنع المعروف في أهله وفي غير أهله، فإن أصبت أهله فهم أهله، وإن لم تُصِب أهله فأنت أهله». إنَّ توقُّع النجاح والفشل ميزان النفس السويَّة؛ فكل خطَّة لها نسبة نجاح، ومحتمل لها نسبة فشل، أمر طبيعي جدًّا. ولا بُدَّ أن تعلم أن الفشل جاء بسبب خطأٍ ما، والخطأ أول طريق التعلُّم في دروب الحياة، فهل رأيت متعلمًا في أي مجال لم يخطئ قط؟ هذا مستحيل، فالتعلُّم من الأخطاء بوَّابة العبور إلى النجاح.. فإياك وجلد ذاتك أو احتقار نفسك ونعتها بالفشل والانتكاس وغير ذلك من الأوصاف المدمِّرة، بل عليك إنصاف نفسك وعدم التحامل عليها. اللهم إنا نسألك الصلاح والهداية ونور البصائر إلى طريق النجاة، واكتب اللهم لنا الفلاح في الدنيا والآخرة.. اللهم آمين.

762

| 02 أبريل 2023

هل لك حاجة؟

رمضان بين أيدينا ونفحاته المباركة تغمرنا بنسائم المغفرة والرحمة والعتق من النار، فالله تعالى كريم يكثر العطاء لعباده في رمضان.. فأين أصحاب الحاجات؟ هل جهزتم الدعوات؟.. فلنسارع قبل ضياع الأوقات. فرمضان يمضي - كما ترون - سريعًا، فيجب استغلال أوقاته بمزيد من الدعوات التي ندخرها لمثل هذه الأوقات المباركة التي تكون الإجابة فيها أرجى من غيرها. فلنكثر من الدعاء في رمضان؛ لأنه عبادة مستقلة بذاتها تدل على مدى افتقار العبد إلى ربه وحاجته إليه في كل صغيرة وكبيرة، فالدعاء طلب العون والدعم من الله القادر للعبد الفقير العاجز عن تحصيل النفع لنفسه فيسارع بلهفة يستغيث بربه ليحقق له مراده. فالدعاء صلة عميقة بين العبد وربه وحسن ظن بعطائه وثقة تامة بأن اللجوء إلى الله هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمنيات والغايات، فالإنسان يتبرأ بدعائه من حوله وقوته ويستعين بالله وجوده وحوله وقوته لتحقيق هدفه ومطلبه. لذا وصانا النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «إذا سأَلتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله». يُعد الدعاء قاعدة ترتكز عليها العبادات كلها، فيدعو المسلم ربه في كل الصلوات بما أراد من خيري الدنيا والآخرة ويدعوه في أوقات الإجابة، ومن أفضلها: الثلث الأخير من الليل.. فقد ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه، ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من سائل يعطى؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ حتى ينفجر الصبح» (أخرجه مسلم). ولا سيما في رمضان، شهر القيام؛ فليله مبارك، وعن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: «إن لله - تبارك وتعالى - عتقاء في كل يوم وليلة - يعني: في رمضان – وإن لكل مسلم في كل يوم دعوة مستجابة». وينبغي أن يأخذ المسلم بأسباب قبول الدعاء من طيب المطعم والاستقامة ودوام الطاعة والنشاط في العبادة، وكذلك يكثر من الثناء على الله - عز وجل - بأسمائه وصفاته والصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم - قبل الدعاء، ويحرص على الدعاء المأثور عن الأنبياء - عليهم السلام - وجوامع الدعوات وأشملها؛ فعن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدعُ بها مسلمٌ ربَّه في شيء قط إلا استجاب له» (رواه أحمد وصححه الألباني). ومن الدعوات الجامعة ما جاء في الحديث الشريف عن أنس بن مالك - رضي الله عنه – أنه قال: كنتُ جالسًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجل قائم يصلي، فلما ركع وسجد تشهد ودعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم إني أسألك. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: «أتدرون بم دعا؟»، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «والذي نفسي بيده، لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى» (رواه النسائي والإمام أحمد). فاللهم أجب دعواتنا في هذا الشهر المبارك وحقق أمنياتنا وارحم ضعفنا وتولَّ أمرنا.

3117

| 01 أبريل 2023

استبدل بأفكارك السيئة أمنيات طيبة

الاستسلام للأفكار السلبية والخوف من القادم الذي لا يعلمه إلا الله ما هو إلا انسياق وراء وساوس الشيطان الذي لا يمل من تدمير حياتنا وخسارة الاستمتاع بها، فإذا ظفر الشيطان بعقولنا واستسلمنا للأفكار السيئة التي تخيفنا من المستقبل وتعدد لنا كثيرا من الأزمات التي تهاجمنا في المرحلة المقبلة، فبعضنا يخاف المرض والآخر يخاف الفقر وغيره يخاف فقْد الوظيفة وفساد الأبناء وغير ذلك من الوساوس التي تفسد على الإنسان دنياه وتجعله دائم الخوف ينتابه القلق في كل الأوقات، وربما تحول الأمر إلى مرض نفسي يحتاج إلى علاج.فالخوف شعور سيئ يعطل التفكير ويعيق الإنسان عن التقدم ولو خطوة واحدة إلى الأمام؛ لأن الوساوس والأفكار السلبية مسيطرة على تفكيره، مما يفقده الثقة في ذاته وقدراته. فحاوِل في رمضان أن تستبدل بكل الأفكار السيئة التي تقلقك أفكارا إيجابية مشرقة وأمنيات طيبة لك ولمن تحب؛ لأن الأفكار السلبية والخوف الدائم على نفسك وأولادك وغير ذلك تجعلك عرضة للقلق الدائم والأرق وصعوبة التركيز، وتجعلك مشتت الذهن شاردا سريع العصبية متوترا، فيظهر عليك الوهن والتعب والضعف والإرهاق. فنصيحتي لإخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي في رمضان أن استشعار معية الله والتوكل عليه نعمة عظيمة، احرص عليها وتخلص من الأفكار الهدامة والوساوس السيئة، فجاهد نفسك واغلب شيطانك وحاول أن تنمي مهارة التركيز عندك، فركز على الوقت الحاضر والمطلوب منك وما يمكنك القيام به الآن والنجاح فيه بإذن الله، ولا تستعد ذكريات الماضي المؤلمة لك؛ لأن ذلك يجلب الحزن ويجدد الألم، وكذلك لا تفكر في المستقبل إطلاقا؛ لأنه في علم الله وليس بين أيدينا لنفكر فيه، فالاهتمام البالغ بما سيحدث في المستقبل يجلب لك القلق والهم الذي كان يستعيذ منه رسولنا الكريم، كما جاء في دعائه - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال». لا تحمل هم المستقبل؛ فالله الذي خلقك من عدم وتولاك ورزقك فيما مضى من عمرك سوف يتولاك ويرزقك في بقية عمرك؛ فقد جاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: «إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله؛ فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته» (رواه ابن أبي شيبة). فالذي يجب عليك فعله هو حسن التوكل على الله وحسن الظن بعطائه مع السعي في الحياة والعمل المستمر لتحصيل الرزق؛ فقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: «اعملوا، فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة». صدق الفاروق في مقولته؛ فكل ما يحصل عليه الإنسان في الحياة يأتي خطوة خطوة وبأسباب منطقية، ولا يحصل الإنسان على شيء دون عمل ومثابرة وجهد، فحاول في أجواء رمضان التخلص من الأفكار السلبية واستبدل بها أفكارا إيجابية تحث على النشاط وترفع الهمة وتقوي العزيمة.

1854

| 31 مارس 2023

alsharq
السفر في منتصف العام الدراسي... قرار عائلي أم مخاطرة تعليمية

في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...

2019

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
قمة جماهيرية منتظرة

حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي...

1629

| 28 ديسمبر 2025

alsharq
محكمة الاستثمار تنتصر للعدالة بمواجهة الشروط الجاهزة

أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...

1149

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
الملاعب تشتعل عربياً

تستضيف المملكة المغربية نهائيات كأس الأمم الإفريقية في...

1086

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
بكم تحلو.. وبتوجهاتكم تزدهر.. وبتوجيهاتكم تنتصر

-قطر نظمت فأبدعت.. واستضافت فأبهرت - «كأس العرب»...

984

| 25 ديسمبر 2025

alsharq
حين يتقدم الطب.. من يحمي المريض؟

أدت الثورات الصناعيَّة المُتلاحقة - بعد الحرب العالميَّة...

789

| 29 ديسمبر 2025

alsharq
لماذا قطر؟

لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...

672

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
معجم الدوحة التاريخي للغة العربية… مشروع لغوي قطري يضيء دروب اللغة والهوية

منذ القدم، شكّلت اللغة العربية روح الحضارة العربية...

537

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
أول محامية في العالم بمتلازمة داون: إنجاز يدعونا لتغيير نظرتنا للتعليم

صنعت التاريخ واعتلت قمة المجد كأول محامية معتمدة...

492

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
عولمة قطر اللغوية

حين تتكلم اللغة، فإنها لا تفعل ذلك طلبًا...

459

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
أين المسؤول؟

أين المسؤول؟ سؤال يتصدر المشهد الإداري ويحرج الإدارة...

453

| 29 ديسمبر 2025

alsharq
لُغَتي

‏لُغَتي وما لُغَتي يُسائلُني الذي لاكَ اللسانَ الأعجميَّ...

447

| 24 ديسمبر 2025

أخبار محلية