رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إن من أجلِّ النعم وأعظمها نفعًا للعبد: ذكر الله تعالى في جميع أوقاته؛ فالله تعالى لم يُعطِ المؤمن عطاء أفضل وأوسع من لسان ذاكر لربه في كل وقت وحين، فهذه النعمة العظيمة من المنح الربانيَّة التي لا يعطيها الله إلا لمن اصطفى من عباده الذين أحبهم فرزقهم ذكره والتلذُّذ بالقرب منه.. فذكر الله أسرع شفاء وأنفع دواء للأبدان، فيه طمأنينة للقلوب وراحة للصدور.. قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الرعد: 28). فالذكر يسرُّ النفس ويُسعدها ويُعين الإنسان على مسيرته في الحياة فييسر عليه الصعوبات والمشقات، فما أشد حاجتنا إلى ذكره وعدم الاستغناء عنه في كل الأوقات، لا سيَّما في شهر رمضان الذي يجتمع فيه أعظم العبادات والقربات إلى الله. ومما يدلِّل على فضل الذكر ومكانته العالية: تعدُّد الآيات التي تحثنا عليه في القرآن الكريم.. قال الله تبارك وتعالى: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ» (البقرة: 152). وجاءت السُّنَّة النبويَّة تُعلي فضل الذكر فوق كل الأعمال قاطبةً؛ فقد قال رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «ألا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعمالِكُم، وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم، وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم، وخيرٌ لكم من إِنْفاقِ الذَّهَب والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم، فتَضْرِبوا أعناقَهُم، ويَضْرِبوا أعْناقكُم؟! قالوا: بَلَى، قال: ذِكْرُ الله» (رواه أحمد). وللذكر فوائد كثيرة، عدها ابن القيم في كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب قرابة المائة فائدة، نذكر منها: أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره، ويرضي الرحمن عز وجل، ويزيل الهم والغم عن القلب، ويجلب للقلب الفرح والسرور والبسط، ويقوِّي القلب والبدن، وينير الوجه والقلب، ويجلب الرزق، ويكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة. كل هذه الفوائد جزء بسيط، كما ذكرتُ، من فوائد الذكر وثماره التي نتذوَّقها ونتلذَّذ بها بمجرد مداومتنا عليه. وفي هذا الشهر المبارَك، يجب علينا المحافظة على الذكر والحرص عليه طمعًا في القرب من الله تعالى والفوز بمرضاته؛ فرمضان فرصة ممتازة لملازمة ذكر الله والارتباط به والمداومة عليه، فيصير عادةً وعبادةً لك في رمضان وبعد رمضان بإذن الله تعالى، فتحافظ يوميًّا على الأذكار الموظَّفة كأذكار الصباح والمساء والذكر بعد الصلاة وأذكار النوم والاستيقاظ وأذكار الخروج من المنزل والدخول إليه. ثم بعد ذلك الذكر عظيم الأجر، كالاستغفار والتسبيح والتهليل والتكبير والحمد وكثرة الثناء على الله بأسمائه وصفاته، وسائر الأذكار التي نجني منها جبال حسنات، لا سيَّما أن رمضان به وقت فراغ واسع، فلنعمر أوقاتنا بذكر الله، ففيه النجاة. فالذكر منزلة عالية يحافظ عليها أهل الفطنة الذين يحرصون على أوقاتهم وأعمارهم من الضياع دون فائدة، فهذا الشهر المبارَك فرصة للتوقُّف عن مجالس اللهو والقيل والقال، والاحتراس من الوقوع في الغِيبة والنميمة والكذب والمزاح المبالغ فيه، كل هذه الآفات يجب أن نستبدل بها الذكر فنجني أفضل الثمار في الدنيا ونثقل الموازين للآخرة. فاللهم ارزقنا ألسنةً رطبة بذكرك على الدوام واكتبنا من الذاكرين في رمضان، واجعله اللهم بدايةً لكل خير يا رحمن.. اللهم آمين.
1473
| 30 مارس 2023
في شهر رمضان المبارك، تعلن ربات المنازل حالة الطوارئ في البيوت، وتشتد المنافسة في الاستعداد لرمضان وشراء لوازم البيت والتجديدات في الأثاث وغير ذلك من مظاهر استقبال رمضان عند كثير من الأسر مع اختلاف العادات من بلد لآخر.وفي الحقيقة، ازدادت هذه المظاهر ازديادًا مُبالَغًا فيه في السنوات الأخيرة، ووصلت إلى حد التفاخر والتباهي بين الناس، وهذا أمر خطير يؤدِّي إلى الفرقة ويزرع الكراهية والحقد ويوغر القلوب. فلا شك في أن كل إنسان يعيش حسب مقدرته وظروفه وإمكاناته المتاحة له، ومزايدة شخص آخر مقتدر عليه تُشعره بالضيق والحرج، لا سيَّما أن رمضان شهر عبادة والاستعداد له يكون بتطهير النفوس وتزكيتها ورفع الهمة للنشاط في الطاعة والعبادة واستشعار روحانيَّات هذا الشهر الكريم. والله تعالى خلقنا مختلفين في الأجناس واللغات والألوان، وكذلك الطبقات والفوارق الاجتماعيَّة لحكمة يعلمها سبحانه، قال تعالى: «نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا» (الزخرف: 32). وعلى الرغم من هذا الاختلاف من الخالق، فالناس سواسية، لا فرق بينهم إلا بالتقوى، ولا معيار للتفاضل غيره.. قال رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ، إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمَ، وآدمُ من ترابٍ» (صححه الألباني). وقد لاحظنا وجود ظاهرة التباهي والتفاخُر بوضوح أكثر مع الانتشار الواسع لوسائل التواصُل وتطبيقات الإنترنت، وصارت حياة معظم الناس على مرأى ومسمع من ملايين البشر في شتَّى بقاع الدنيا.. فهناك مَن يتفاخر بالفيلا والآخر بالسيارة وغيره بالماركات والساعات والهواتف وغيرها كثير من التفاهات. وهذا أمر خطير نابع من الاستعلاء على الآخرين، وشعورك أنك أفضل من غيرك وأعلى منه يوصلك إلى الكبر والغرور، وهذا مُهلك عياذًا بالله. وكلنا يعلم أن الأصل في المسلم التحلي بالتواضُع. قال رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «إن الله تعالى أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد» (رواه مسلم).ومن أوضح مظاهر التباهي المستحدثة في رمضان: تصوير الموائد وأماكن الإفطار والسحور في الفنادق الراقية دون مراعاة لظروف الضعفاء والمحتاجين، فهذه الظاهرة منتشرة في رمضان انتشارًا مَرَضِيًّا، تجد أشخاصا لا همَّ ولا شاغل لهم في يومهم إلا تصوير الطعام والشراب، وكل ما لذَّ وطاب، فيصنع لنفسه عالمًا افتراضيًّا يتباهى فيه ويتفاخر ليل نهار، واليوم «عزومة» فلان وتصوير المائدة العملاقة، وبعده «عزومة» فلان، وهكذا طوال الشهر، يرى الجميع صورًا تُنشر كل ثانية لكل تفاصيل المشتريات والأكل والشرب في رمضان، وصار الأمر مُبالَغًا فيه، فحتى الأكواب والأطباق والعصائر والقهوة تُنشر على العام.فنصيحتي لنفسي أولًا ثم للجميع: استعدادك لرمضان أمر يخصك وحدك؛ فترتيب مشترياتك والهدف منها، سواء محاولةً منك للفراغ من أمور المنزل واستغلال وقت رمضان للعبادة فقط، أو لأنك تعطي نفسك إجازة في رمضان فتجهز أمور بيتك مبكرًا أو غير ذلك من النيات التي تجعلك تعد العدة لرمضان، كلها تخصك أنت وأسرتك ولا تهم الآخرين في شيء.
6117
| 29 مارس 2023
مع عودة رمضان كل عام نتذكر مَن حولنا في المجتمع، أو من بيننا داخل العائلة أو الأسرة، أشخاصًا فقدناهم كانوا معنا رمضان الماضي ولم يكتب الله لهم إدراك رمضان هذا العام، نسأل الله لهم المغفرة والرحمة وأن يكتب أجورهم كما لو كانوا معنا في رمضان. هؤلاء الذين انتقلوا إلى الدار الآخرة توقفت مسيرتهم عند هذا الحد في الدنيا، نسأل الله لهم حسن الجزاء. أما نحن، ومَن كتب الله لهم بلوغ رمضان هذا العام، فلا شك أنهم في نعمة عظيمة وميزة فريدة كان سلفنا الصالح يتضرَّع إلى الله ليبلغهم إياها. قال ابن رجب - رحمه الله -: لقد كان السلف الصالح يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ويدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم. وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلًا. فبلوغك رمضان لا بُدَّ أن يكون مميزًا، وعليك أن تُحسن استضافته وتعطيه بالغ اهتمامك، فلا يدري المرء هل يحيا لرمضان المقبل أم لا. كيف تجعل رمضانك مميزاً؟ تتعدَّد وجوه الخير التي يمكننا القيام بها في رمضان ليكون أكثر تميزًا وأبلغ أجرًا ومثوبةً، ولا شك أن الصدقة من أنفع الأعمال للإنسان في رمضان وغيره، ولكون رمضان يتعلَّق بالطعام والشراب وتزداد فيه النفقات، مما يشكِّل عبئًا ثقيلًا على بعض الناس ويشق على المحتاجين والفقراء شراء احتياجات رمضان، فكان من هدي رسولنا الكريم - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - كثرة الصدقة والعطاء في رمضان، فعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «كان رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فلرسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - أجودُ بالخير من الريح المرسَلة» (رواه البخاري). ما أجمل تعبير «ترجمان القرآن»، شبَّه جود النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - بالريح المرسلة، ممَّا يدلِّل على سرعة الصدقة وانعدام التراخي في العطاء مع سخاء وكرم في البذل من رسولنا الكريم - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. لذا، وجب علينا الاقتداء به لعظيم فضل الصدقة في رمضان. فالصيام مع الصدقة أجره مضاعف، والصدقات أبوابها كثيرة في رمضان. كما قال النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم -: «إنّ في الجنَّةِ غرفًا يُرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها»، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن طيَّب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلَّى بالليل والناس نيام». واعتياد الإنسان العطاء والسخاء في رمضان يشجِّعه عليهما في سائر شهور العام حتى يصير البذل والصدقة صفة من صفاته وميزة وعلامة له دون غيره، وهذا من التعرُّض لنفحات رمضان التي تجعل المؤمن مميزًا في رمضان وغيره. ونحن نرى ذلك ونلمسه في مؤسَّستنا وما تُسهم به من جهود على المستويين الداخلي والدولي، وهذا يتحقَّق بسواعد المخلصين من المتطوعين والمحسنين من أهل العطاء والسخاء. فاللهم وفِّقنا لنكون من المميزين في رمضان، وأعِنَّا اللهم على التحلِّي بخير الخصال.
2370
| 28 مارس 2023
الصبر والصوم صفتان لمعنى واحد تقريبًا، فكلاهما يتضمَّن معنى الحبس والمنع، فهما متشابهان إلى حد كبير. فالصوم: حبسُ النفس عن الطعام والشراب والشهوات. والصبر - كما عرفه ابن القَيِّم: «حبس النفس عن الجزع والتسخُّط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش». إذًا فكل صائم يحتاج إلى الصبر لا محالة ليستطيع مواصلة الصيام وتحصيل أجره كاملًا بإذن الله تعالى. فالصائم الذي يترك طعامه وشرابه وشهوته، يشعر بألم الجوع والعطش في نهار رمضان ويجاهد نفسه المتعلِّقة بالشهوات والملذات من المباحات، والذي يساعده على ذلك كله هو الصبر. لذلك يُطلَق على رمضان شهر الصبر؛ لأنه يربي أنفسنا على الصبر، وهو من أهم الصفات التي يجب على الإنسان التحلي بها لأنه زاد المؤمن في الحياة، يهوِّن عليه مصائبها ويعينه على صعابها. وجاء في الحديث الشريف أن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - قال: «الصوم نصف الصبر» (أخرجه الترمذي). لذا، أنصح نفسي وإياكم بالتحلي بالصبر في كل صغيرة وكبيرة في حياتك، بل وأسأل الله أن يرزقك الصبر على ما لا تطيق.. تخيل لو ضاقت نفسك لكل أمر وقلَّ صبرك على الصعوبات، ستجد نفسك طيلة الوقت يتملَّكك الغضب والحزن والملل ويتعكر مزاجك وتُنزع السكينة واللذة من حياتك. فاصبر أثناء صومك على مشقة عملك واحتسب خدمتك لوطنك وإخوانك، واصبر على إدارة شؤون بيتك، واصبر على إزعاج الأبناء وتساؤلاتهم وغير ذلك من الروتين اليومي لكل إنسان في رمضان وغيره، واعلم أن كل ذلك له أجر عظيم؛ فعلى قدر المشقة تكون المثوبة. واعلم أن الصبر عطاء جزيل من الخالق سبحانه لصفوة عباده الذين يستحقون تلك المنزلة العالية من الله.. قال تعالى: «وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ» (النحل: 127). وقال: «وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» (الشورى: 43). وقال النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «ومن يتصبَّر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاء أعظم ولا أوسع من الصبر» (متفق عليه). وجاءت مقولات السلف الصالح في مدح الصبر كثيرة؛ فقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: «وجدنا خير عيشنا بالصبر»، وقال: «أفضل عيش أدركناه بالصبر». وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه: «الصبر مطيَّة لا تكبو». قال تعالى في ثواب الصبر: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ» (الزمر: 10). فالصبر كما يعينك على تحمُّل مشقات الصيام يعينك أيضًا على ضبط لسانك عن الوقوع فيما حرم الله من الغيبة والنميمة والسب والشتم والاستهزاء بالآخرين، ويعينك كذلك على تحمُّل الأذى من الآخرين أثناء الصيام، فإذا آذاك أحد بكلمة أو موقف أو تصرف تصبَّرْ عليه ولا تقابل الإساءة بالإساءة، بل ترد بقولك: «إني صائم». والصبر يجعلك هادئ النفس منضبط الأعصاب، لا تثور لأسباب تافهة وبسيطة. فالخلاصة أن الصبر يعلِّمك الانضباط السلوكي والثبات الانفعالي في الصوم وخارجه، وهذا من واقع حياتنا اليوميَّة التي نحياها، ولقد عالجنا كثيرًا من مشكلاتنا ومشكلات الآخرين بالصبر.
4053
| 27 مارس 2023
ما استعداداتك للسباق الرمضاني؟ هل تحب المنافسة وتسعى إلى القمة؟ هل وضعت خطتك للتنويع بين العبادات والإكثار من الطاعات؟ كل هذه الأسئلة وغيرها كثير تدور في أذهان المشمرين للمنافسة القوية في رمضان هذا العام، الذين ينتظرون مواسم الطاعات ليفوزوا بأفضل الثمرات، ولِمَ لا؟ فدائما أصحاب الهمم العالية ينافسون على القمة ولا يرضون بأقل منها، هـؤلاء هم الموفَّقون الفائزون بمرضاته سبحانه في كل زمان ومكان. فالمنافسة في العبادة وطاعة الله أمر محمود، حث عليه الشرع الحنيف، لا سيَّما في هذا الشهر المبارك، قال الله تعالى: «وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ» (المطففين: 26). وقال تعالى: «سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ◌ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ◌ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» (الحديد: 21). وجاءت السنة النبوية تحثنا على هذا التنافس، وبخاصة في رمضان؛ وذلك لعظيم فضل هذا الشهر الكريم عند الله تعالى. يقول ابن القيم - رحمه الله -: «وكان من هَدْيِهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادات؛ فكان جبريل - عليه السلام - يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه الصدقة، والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر، والاعتكاف، وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور». فيجب علينا جميعًا سرعة الدخول في السباق والاقتداء بهدي رسولنا الكريم - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. ولا شكَّ أن الاستعداد للسباق الرمضاني يحتاج إلى خُطَّة قويَّة متنوِّعة حتى نسير عليها طوال الشهر الفضيل، فالتنوُّع في الطاعات أمرٌ يحثُّ النفس على النشاط ويزيد من السكينة وراحة البال، ومن أهم الأسس لقبول الأعمال: النيَّة الخالصة لله تعالى، التي لا رياء فيها ولا سمعة، وكذلك احتساب الأجر على المشقة. فالقاعدة وحجر الأساس لكل العبادات هي النية، كما قال النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». فلنصلح النيَّات في البداية قبل الإقبال على أي عمل، ثم تطهير القلوب من الحقد والحسد والكراهية، فكلما صفت القلوب ارتقت النفوس في سُلَّم العبادات. ثم لتبدأ في منافسة مَن حولك في الطاعات والعبادات، متمنيًا الخير والفوز لك ولغيرك، ومدركًا أن محاولة وصولك إلى الأعلى ليست لإثبات أنك أفضل من غيرك، بل من باب السعي إلى مرضاة الله وكي يرى الله منك صدق النية والعزيمة القويَّة. ثم احتسب أجرك على الله، فالاحتساب يجعل كل أعمالك الدنيويَّة عبادة تؤجَر عليها فيكون وقتك كله عداد حسنات لك حتى في نومك، فعوِّد نفسك الاحتساب في رمضان وغيره حتى تكون متسابقًا فائزًا باستمرار.
2883
| 26 مارس 2023
ما استعداداتك للسباق الرمضاني؟ هل تحب المنافسة وتسعى إلى القمة؟ هل وضعت خطتك للتنويع بين العبادات والإكثار من الطاعات؟ كل هذه الأسئلة وغيرها كثير تدور في أذهان المشمرين للمنافسة القوية في رمضان هذا العام، الذين ينتظرون مواسم الطاعات ليفوزوا بأفضل الثمرات، ولِمَ لا؟ فدائما أصحاب الهمم العالية ينافسون على القمة ولا يرضون بأقل منها، هـؤلاء هم الموفَّقون الفائزون بمرضاته سبحانه في كل زمان ومكان. فالمنافسة في العبادة وطاعة الله أمر محمود، حث عليه الشرع الحنيف، لا سيَّما في هذا الشهر المبارك، قال الله تعالى: «وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ» (المطففين: 26). وقال تعالى: «سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ◌ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ◌ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» (الحديد: 21). وجاءت السنة النبوية تحثنا على هذا التنافس، وبخاصة في رمضان؛ وذلك لعظيم فضل هذا الشهر الكريم عند الله تعالى. يقول ابن القيم - رحمه الله -: «وكان من هَدْيِهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادات؛ فكان جبريل - عليه السلام - يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه الصدقة، والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر، والاعتكاف، وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور». فيجب علينا جميعًا سرعة الدخول في السباق والاقتداء بهدي رسولنا الكريم - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. ولا شكَّ أن الاستعداد للسباق الرمضاني يحتاج إلى خُطَّة قويَّة متنوِّعة حتى نسير عليها طوال الشهر الفضيل، فالتنوُّع في الطاعات أمرٌ يحثُّ النفس على النشاط ويزيد من السكينة وراحة البال، ومن أهم الأسس لقبول الأعمال: النيَّة الخالصة لله تعالى، التي لا رياء فيها ولا سمعة، وكذلك احتساب الأجر على المشقة. فالقاعدة وحجر الأساس لكل العبادات هي النية، كما قال النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». فلنصلح النيَّات في البداية قبل الإقبال على أي عمل، ثم تطهير القلوب من الحقد والحسد والكراهية، فكلما صفت القلوب ارتقت النفوس في سُلَّم العبادات. ثم لتبدأ في منافسة مَن حولك في الطاعات والعبادات، متمنيًا الخير والفوز لك ولغيرك، ومدركًا أن محاولة وصولك إلى الأعلى ليست لإثبات أنك أفضل من غيرك، بل من باب السعي إلى مرضاة الله وكي يرى الله منك صدق النية والعزيمة القويَّة. ثم احتسب أجرك على الله، فالاحتساب يجعل كل أعمالك الدنيويَّة عبادة تؤجَر عليها فيكون وقتك كله عداد حسنات لك حتى في نومك، فعوِّد نفسك الاحتساب في رمضان وغيره حتى تكون متسابقًا فائزًا باستمرار.
2457
| 25 مارس 2023
يحل علينا شهر رمضان المبارك، ذلك الضيف العزيز الذي ننتظره طوال العام بلهفة وترقُّب على أمل اللقاء، مرة أخرى، فرمضان له في النفوس منزلة عظيمة ولِمَ لا وهو شهر القرآن والرحمة والمغفرة والعتق من النار؟. ومن منطلق هذه المكانة العالية لهذا الشهر الفضيل، يُعد رمضان أفضل بداية لكل تجديد في حياتك؛ فهو أول طريق للتغيير، فلنفتح فيه صفحة جديدة بيضاء نقيَّة تزيِّن سجلات أعمالنا يوم القيامة. ومن أفضل البدايات وأعظمها أجرًا في رمضان الاهتمام بالقرآن حفظًا وتلاوة وتدبُّرًا؛ لاختصاص هذا الشهر المبارَك بنزول القرآن فيه.. قال تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ» (البقرة: 185). وقد ذُكر عن أحد السلف - رحمهم الله – قوله: «ما من كتاب أنزله الله على نبي من الأنبياء إلا كان في هذا الشهر المبارَك». فكانت بداية نزول القرآن في شهر رمضان حين نزل به جبريل - عليه السلام - على رسولنا - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - في غار حراء؛ لذا كان رسولنا الكريم - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - يزيد من دراسته للقرآن خصوصًا في هذا الشهر المبارَك.. فكان جبريل - عليه السلام - يُدارسه القرآن في كل عام مرةً في شهر رمضان المبارك، فلما كان العام الذي تُوفي فيه النبي محمد - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - نزل عليه جبريل - عليه السلام - فدارسه القرآن مرتين، فتحصل معارضة، النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - يتلو وجبريل - عليه السلام - يسمع، جبريل - عليه السلام - يتلو والنبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - يسمع، عارضه القرآن مرتين، فقال - عليه الصلاة والسلام -: «ما أراني إلا قد حضر أجلي» (رواه مسلم). ثم سار السلف الصالح على منهاج النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - في الاهتمام البالغ بالقرآن في شهر رمضان، وممَّا يدل على ذلك حرص السلف - رحمهم الله تعالى - على الإكثار من دراسة القرآن يعمرون به معظم أوقاتهم في شهر رمضان. فقد كان الإمام مالك - رحمه الله - إذا دخل رمضان يترك قراءة الحديث ومجالسة طلابه، ويُقبل على تلاوة القرآن من مصحفه. وهكذا كان سفيان الثوري - رحمه الله تعالى - إذا دخل رمضان تفرَّغ لقراءة القرآن. وذكر الذهبي أن الإمام الشافعي - رحمه الله - كان يختم القرآن في رمضان ستين ختمة. لا نستغرب هذه الهمم العالية؛ فقد كانت أوقاتهم مباركة لا يزاحمهم فيها ما نراه اليوم من وسائل اللهو التي تضيع الأوقات هباءً منثورًا. فيجب علينا استغلال رمضان كبداية لحفظ القرآن الكريم، لا تنظر إلى عمرك وأشغالك وغير ذلك، ليس هناك وقت معيَّن لتبدأ فيه حفظ القرآن، المهم هو العزيمة وصدق الإقبال على الأمر قربةً لله وطلبًا لمرضاته.ففي رمضان خير بداية لتنظيم الوقت وترتيب الأولويات. فلنحرص على ما ينفعنا، لا سيَّما في هذا الوقت المبارك، ولنستغل أيام رمضان ولياليه أفضل استغلال؛ فالصلاة على وقتها والمحافظة على السنن والإكثار من النوافل والحرص على الأذكار وغير ذلك من الطاعات يجب ضبطها في هذا الشهر الكريم؛ لأن رمضان أفضل انطلاقة لتغيير جذري في حياتنا على المستويين الشخصي والعام.فأوصيكم ونفسي بأن نبدأ الآن، لا مجال للكسل ولا للتسويف؛ فضيفنا سريع المرور وأعمارنا معدودة وأيامنا شاهدة على أعمالنا.فاللهم بارك في أوقاتنا وألهمنا رشدنا ووفِّقنا لاستغلال رمضان واجعله بداية لكل خير وبركة وتوفيق في القادم من حياتنا واكتب اللهم لنا الخير ولجميع المسلمين.. اللهم آمين.
972
| 24 مارس 2023
أتانا خير هلال، فمرحبًا يا خير شهور العام.. عاد رمضان من جديد، فعودًا حميدًا يا شهر الصيام، كم اشتقنا لبلوغك هذا العام، فالحمد لله الذي مدَّ في أعمارنا حتى أظلنا شهر القرآن، عاد رمضان يحمل لنا معه نسائم الخير والبركة وأعظم المنح والجوائز؛ فرمضان موسم العبادات بشتَّى أنواعها وأشكالها التي نرتقي بها إلى صفة المتقين. كما قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة: 83). فرض الله الصيام على المؤمنين به وبشريعته التي أنزلها على رسوله؛ لأن الله - عز وجل - يعلم أن في الصوم ارتقاء ونقاء يوصِّلان العبد إلى منزلة المتقين الذين يحبهم الله؛ لذا جعل الله ثواب الصوم مبهمًا على عكس سائر الفرائض والأعمال. ففي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: «قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به» (رواه البخاري ومسلم). واختصاص الصيام بهذه الأفضليَّة دليلٌ على عظمة الصيام، لا سيَّما الفرض، كشهر رمضان المبارك، وجعل الله جزاءه غير معلوم لاعتبارات كثيرة ذكرها أهل العلم، أولها: أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره من العبادات. قال القرطبي: لمَّا كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطَّلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه تشريفًا وتعظيمًا لهذه العبادة. ويقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: إن الله اختصَّ لنفسه الصوم من بين سائرِ الأعمال؛ وذلك لِشرفِهِ عنده، ومحبَّتهِ إياه، وظهور الإِخلاصِ له سبحانه فيه؛ لأنه سِرٌّ بَينَ العبدِ وربِّه لا يطَّلعُ عليه إلَّا الله. فإن الصائمَ يكون في الموضِعِ الخالي من الناس مُتمكِّنًا منْ تناوُلِ ما حرَّم الله عليه بالصيام، فلا يتناولهُ؛ لأنه يعلم أن له ربًّا يطَّلع عليه في خلوتِه، وقد حرَّم عَلَيه ذلك، فيترُكه لله خوفًا من عقابه، ورغبةً في ثوابه، فمن أجل ذلك شكر الله له هذا الإِخلاصَ، واختصَّ صيامَه لنفْسِه من بين سَائِرِ أعمالِهِ ولهذا قال: «يَدعُ شهوتَه وطعامَه من أجْلي». وتظهرُ فائدة هذا الاختصاص يوم القيامَة. قال سُفيان بن عُييَنة - رحمه الله -: إذا كان يومُ القِيَامَة يُحاسِبُ الله عبدَهُ ويؤدِّي ما عَلَيه مِن المظالمِ مِن سائِر عمله حَتَّى إذا لم يبقَ إلاَّ الصومُ يتحملُ الله عنه ما بقي من المظالِم ويُدخله الجنَّة بالصوم. هذا الفضل العظيم والثواب الجزيل للصائمين لأنهم اختاروا مراد الله وتغلَّبوا على فطرتهم في سبيل طاعة الله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه. فالامتناع عن كل ما تحب النفس وتشتهي في نهار رمضان يعلِّمنا الصبر والصدق ويقوِّي العزيمة ويرفع الهمَّة؛ لأنك تغالب طبع فطرتك، هي تطلب الملذَّات وأنت تمنعها لأنك صائم، فلنحمد الله الذي بلغنا رمضان وأعاننا على الصيام والقيام، فعودة رمضان كل عام لها لذَّة تنقِّي النفوس وتعطي للقلوب فرصة للارتقاء، وكذلك الأبدان يطهرها الصيام ويحثها على النشاط والاجتهاد في العبادة، وهذا كله يؤدِّي إلى تقوى الله تعالى، فلنجعل رمضان هذا العام عودة من جديد لكل طاعة تكاسلنا فيها وكل خير توقفنا عن فعله على مدار العام وانشغلنا في أمور حياتنا انشغالًا كبيرًا، عاد إلينا رمضان لنجدِّد العهد مع الله ونعود إليه بتوبة صادقة خالصة ونجاهد أنفسنا إلى الوصول إلى مرضاته والفوز بجناته. نسأل الله تعالى أن يرزقنا التوفيق في رمضان وأن يمنحنا العزيمة القويَّة وأن يعيننا على الصيام والقيام وفضائل الأعمال في هذا الشهر المبارك.. اللهم آمين.
912
| 23 مارس 2023
أيام قليلة تفصلنا عن شهر رمضان المبارك، خير شهور العام، الذي طالما اشتقنا إلى روحانيَّاته الجميلة وقيام ليله وصيام نهاره. ولأجل هذه المكانة العالية التي يحتلها رمضان في قلوب المسلمين، كان له كذلك استعداد خاص ومميز. فينبغي أن نستعد لاستقبال رمضان بقلوب صافية ونفوس مفعمة بالحيوية والنشاط. ولعل أفضل ما يهيئ المسلم لاستقبال رمضان: التوبة الصادقة والإنابة إلى الله تعالى، فتجديد التوبة باب كل خير، وفيه نجاة المسلم وفلاحه وسعادته في الدنيا والآخرة. قال تعالى: «وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (النور: من الآية 31). ولا شك أن التوبة واجبة في كل الأوقات ويوميًّا كما علَّمنا رسولنا الكريم - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فعن الأَغَرِّ بن يسار - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – أنه قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إليهِ مِائَة مَرَّة» (رواه مسلم). ولأنَّ أمر التوبة عظيم، فكان الأحرى والأجدر تجديدها قبل مواسم الطاعات لنهيئ أنفسنا للطاعات والعبادات، ومع قدوم هذا الشهر العظيم نُسارع إلى التوبة من كل خطأ أو تقصير ومن الذنوب صغيرها وكبيرها، ومحاسبة النفس وحصر ما لها وما عليها والتحلُّل من المظالم والحقوق التي بين المسلم وبين غيره من الناس، فيستقبل شهر رمضان بقلب مطمئن ونفس نقية، فيوفقه الله تعالى لأداء العبادات والطاعات. ثم يلي التوبة في الاستعداد لرمضان الدعاء والتضرع إلى الله بأن يبلغنا رمضان هذا العام ويكتبنا من الصائمين القائمين، فقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر بعدها أن يتقبل منهم. فينبغي لنا الإلحاح في الدعاء إلى الله تعالى أن يبارك في أعمارنا على طاعته حتى ندرك شهر رمضان ونحن في عافية وخير وصلاح وتقوى ومرضاة منه سبحانه، وأن يهدي قلوبنا إلى الطريق المستقيم ويرزقنا صلاح النية ونقاء السريرة وملازمة خشيته ومراقبته في السر والعلن، ثم ندعوه تعالى أن يعيننا على فريضة الصيام ويوفقنا للإكثار من الطاعات والعبادات، كما ندعوه أن يكتب لنا قبول الأعمال. ومن أجمل الاستعدادات لاستقبال رمضان: انتشار مظاهر الفرح والاحتفال بحلول هذا الشهر الكريم، وهذا الأمر نلاحظه ولله الحمد في أسواقنا وشوارعنا وحاراتنا وبيوتنا، وهذا مما يبعث البهجة في القلوب ويظهر مدى محبتنا واعتزازنا بشعار ديننا الحنيف. قال الله تعالى: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» (يونس: 58). فينبغي إظهار الفرح بقدوم رمضان؛ لأن مجرد بلوغ المسلم شهر رمضان يعد نعمة في حد ذاته ينبغي شكر الله عليها؛ لأن رمضان من مواسم الخير الغالية على قلوبنا ولا يأتينا إلا كل عام؛ فهو شهر القرآن الذي تثقل فيه موازين العباد فتُفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، ويكثر فيه العتق من النار. ومن أهم الاستعدادات لاستقبال رمضان: تعلم فقه الصيام وفضل رمضان وتميُّزه عن غيره من الشهور، فيساعد العلم النافع والقراءة الجيدة المسلم على التفريق بين أحكام الصيام وواجباته ومكروهاته وما ينبغي للمسلم القيام به حتى يكون صيامه تامًّا وأجره كاملًا. كل هذه الأمور يجب على المسلم تعلُّمها لأنها من أسس هذا الدين وبها تتحسن عبادته ويُضاعف أجره. كما ينبغي التنبيه على الإسراع بقضاء الصوم الواجب إبراءً للذمة قبل دخول رمضان، وقد كانت أمنا عائشة - رضي الله عنها - تقضي في شعبان؛ فعَنْ أَبِي سَلَمَة أنه قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رَضِي اللهُ عَنْهَا - تَقُولُ: «كَان يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ» (رواه البخاري ومسلم). ثم نأتي إلى أهم الاستعدادات، ألا وهي تنظيم الوقت قبل رمضان بشكل يُمكِّن المسلم من إنهاء معظم الأعمال الدنيويَّة قبل رمضان وتفريغ معظم وقته لاستغلال هذا الشهر الكريم والانشغال بالعبادة في غالب وقته من الليل والنهار؛ فتنظيم الوقت أمر مهم للمسلم في سائر عمره، لا سيَّما في رمضان. فعن ابن عباس - رضي الله عنهما – أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل وهو يَعِظُه: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناءَكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَراغَكَ قبلَ شُغلِكَ، وحياتَكَ قبلَ موتِكَ» (أخرجه الحاكم في المستدرك). فبادِر إلى تنظيم وقتك قبل رمضان، وضع جدولًا زمنيًّا تُنهي فيه بعض الأعمال لتكون لديك مساحة كبيرة من الوقت للعبادة والطاعة في رمضان، ثم ليكُن لبيتك وأهلك نصيب من الاستعداد لاستقبال رمضان، فلتراجع علاقتك بأرحامك ولتسارع بإنهاء الشحناء والخصومات إن وُجدت، وتصفية النفوس ومعاودة الوصل والود والمحبة فيما بينكم. فبادر إلى استثمار وقتك في شهر رمضان، وأعط أهل بيتك بعض الوقت للترتيب لرمضان والاستعداد له من كل الجوانب، سواء متطلبات المنزل أو أوقات العمل أو الدراسة، كما يجب الحرص على الجلسات التربوية في المنزل لرب الأسرة التي يوضح فيها اهتمامه بهذه الفريضة العظيمة والتعريف بكل ما يخص شهر رمضان من مميزات وواجبات وطاعات ومناسبات لا تتكرر إلا في رمضان، وكذلك توضيح ما ينبغي لنا فعله في رمضان، فكل ذلك من جملة المسؤوليَّة والرعاية التي كُلفت بها أيها المسلم تجاه من تعول ليصلح الله لك النفس والأهل والذرية ويكتب لك أجر صالح أعمالهم إلى يوم القيامة. دعاء: نسأل الله تعالى أن يبلغنا رمضان ونحن في خير وعافية وأفضل حال، وأن يجعل رمضان هذا العام بداية موفقة لكل مسلم ومسلمة، وأن يكتبنا فيه من الصائمين القائمين إيماناً واحتساباً.. يا رب العالمين.
7185
| 20 مارس 2023
في إطار سعي قيادتنا الرشيدة إلى التطوير والارتقاء والنهوض المستمر في الشأن الداخلي القطري، شهدت الأيام الماضية من شهر مارس 2023م داخل دولتنا الحبيبة تغييرًا وزاريًّا كبيرًا وموفَّقًا من حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدَّى، بعدما تفضَّل صاحب السمو حفظه الله بقبول استقالة معالي الشيخ خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني رئيس مجلس الوزراء السابق، وإصدار الأمر الأميري يوم الثلاثاء الماضي بالتشكيل الوزاري الجديد برئاسة معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني. بدايةً، نشكر معالي الشيخ خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني وجميع من عملوا معه في تلك الفترة السابقة وجهودهم القويَّة في الارتقاء بدولتنا في الداخل والخارج والعمل الدؤوب على التطوير الشامل في شتَّى القطاعات والهيئات، ولا ننسى دورهم المميَّز في الترتيب والاستعداد لاستضافة كأس العام ٢٠٢٢ الذي خرج في أبهى حلة وأفضل تنظيم وكان مصدر فخر لكل قطري، وكذلك جهودهم خلال فترة (كورونا)، وكذلك في معالجة جميع الصعوبات التي كانت تمر فيها المنطقة، ونقول جزاهم الله عنا خير الجزاء فيما بذلوا وقدَّموا من جهد أثناء توليهم الوزارة. ونبارك للتشكيل الوزاري الجديد برئاسة معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، الذي حظي معاليه بثقة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، فهنيئًا لمعاليه ولهذه النخبة من الوزراء على هذه الثقة الغالية من سمو الأمير حفظه الله، وكلنا أمل باستشعار الحكومة حجم المسؤوليَّة الملقاة على عاتقهم والأمانة العظيمة أمام الله ثم أمام ثقة سمو الأمير وكذلك تجاه دولتنا الحبيبة والشعب القطري الوفي، ونتفاءل بمزيدٍ من التقدُّم والتطوُّر في الشأن القطري داخلياً وخارجياً. فقطرنا الحبيبة مكانتها عالية ولها ثقلها العربي والدولي على مر التاريخ ولها باع كبير في دعم القضايا العربيَّة والإقليميَّة، ومشاركتها تحظى بتقدير مستمر؛ فدورها في الداخل العربي والإسلامي والإنساني والعالمي مملوء بالمواقف المشرِّفة والداعمة والمساندة للشعوب الإسلاميَّة والعربيَّة في الصراعات والأزمات والكوارث، وكذلك مشاركتها في القضايا الدوليَّة محل اهتمام كبير من قيادتنا الرشيدة، فتسعى دائمًا إلى إبراز الكيان القطري بشكل مستقل برأيه وصاحب رؤية واضحة وشفافة، وتسعى دائمًا إلى النهوض والارتقاء بدولتنا الحبيبة والمحافظة على مكانتها العالية في شتَّى المواقف والظروف، وهذا ممَّا يدل على الحكمة والفطنة اللتين يتمتَّع بهما حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى والذي يعتز بكل ما هو قطري في الداخل والخارج؛ لذا نلاحظ بعد انتهاء الأزمات الماضية مزيدًا من القوة والصلابة لدولة قطر، ونضع أيدينا بيد سمو الأمير حفظه الله وكذلك نتعاون مع جميع الأجهزة الحكومية برئاسة معالي الأخ العزيز الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، والذي نتذكر جهوده السابقة في الأزمات التي تمر بها المنطقة وكان لمعاليه دور مميز في إبراز وإنجاح الدور القطري الرائع والدبلوماسية القطرية المتميزة على الصعيد الإقليمي والعربي والدولي، وكذلك نفتخر بجهوده الحالية والمستقبلية كذلك بإذن الله، وما نحن فيه من خير بفضل الله سبحانه ثم دعم سمو الأمير حفظه الله، ونحن جميعاً على استعداد تام بإذن الله لمواجهة الصعاب والتغلُّب عليها وحسن الإدارة وتوفير البدائل في أي وقت، ممَّا يجعل الشعب القطري أكثر اطمئنانًا وأمنًا في ظل قيادته الرشيدة لتحمُّلها هذه المهام الصعبة وسعيها الدائم إلى الارتقاء بشعبها ووطنها الغالي. لذا، فإننا نرى من أهم أولويَّات القيادة الموفَّقة: السياسة الخارجيَّة ومكانة دولة قطر على الساحة الدوليَّة، فنرى نشاطًا مستمرًّا ودائمًا في وزارة الخارجيَّة لمتابعة المستجدَّات العالميَّة ومدى مشاركات قطر في القضايا المهمَّة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا. وبعد النجاح الباهر في استضافة «المونديال»، تطلعت قطر إلى مزيدٍ من التقدُّم في الشأن الخارجي والمحافظة على ريادتها وسيادتها ووحدة كلمتها. وهذه التشكيلة الوزارية سوف تقود هذا التطلع القادم بمزيدٍ من الاهتمام والجهد لتحقيق نتائج سريعة وملموسة داخل المجتمع القطري، ونأمل منها تحقيق تطلعات الشعب القطري واستغلال الطاقات الشبابيَّة وحماسها في التطوير والتنمية بما يواكب عصرنا الحديث من الاختراعات الحديثة والتكنولوجيا ودورها في حياتنا اليوم. وبلا شك فإن الوزراء لديهم الشعور الكامل بالمسؤولية الكبيرة التي يحملونها ومواصلة واستكمال مسيرة الارتقاء بالوطن، ودعواتنا لهم بالتوفيق والسداد والرشاد في مهمتهم القادمة. نسأل الله تعالى أن يحفظ قطر وقيادتنا الرشيدة والشعب القطري من كل مكروه وسوء، وأن يرزق قيادتنا دائمًا التوفيق في كل ما هو خير لقطر وشعبها وأن يوفق كل قطري لمساندة قيادته وحكومته للارتقاء بوطنه وإبراز الصورة المشرفة الراقية لدولة قطر في الداخل والخارج.
993
| 16 مارس 2023
لقد خلقَنا اللهُ تعالى لغاية سامية ومهمة محددة وهيَّأ لنا مقومات الحياة على أرضه وتحت سمائه لتحقيق هذه المهمة، وهي العبوديَّة الخالصة له سبحانه والالتزام بما أمر واجتناب ما نهى. وهذا هو طريق الاستقامة الذي يسلكه المخلصون الموفَّقون الفائزون بمرضاة الله، وهم صفوة الخلق عند ربهم. وعلى الجانب الآخر، هناك فريق من المقصرين على تفاوت في درجة التقصير والمخالفة لأوامر الله تعالى.. وهذا التقصير له أسباب كثيرة، منها: فطرة الإنسان التي تحمل الخير والشر وتسلُّط الشيطان على الإنسان واستغلال نقاط ضعفه، وكذلك افتتان الإنسان بالدنيا وزخرفها، فتزل قدمه في المعاصي والشهوات. وفي الحقيقة، إنَّ تعرُّض الإنسان للوقوع في الخطأ والزلل أمر طبيعي؛ ففطرته البشريَّة غُرس فيها حب الدنيا والشهوات وحب الممنوع ومخالفة المألوف، فالنفس لها نزعات تخرج فيها عن النص أحيانًا؛ لذلك جعل الله باب التوبة إليه مفتوحًا ليلًا ونهارًا ليعود المقصرون إلى ربهم في أي وقت؛ فهو التواب الرحيم. وقد أوضح لنا رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم - هذا الصنف من البشر في الحديث الشريف، فعن أَنَسٍ – رضي الله عنه – أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» (أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وابْنُ مَاجَهْ). ومن الأحاديث التي تدل على عظيم فضل الله على كل مقصر أو مسرف على نفسه، ما رواه أبو مُوسى عبدُ اللهِ بن قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ - رضِي الله عنه - عن النَّبِي ﷺ أنه قَالَ: «إِن اللهَ تَعَالَى يبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ ليتُوبَ مُسيءُ النَّهَارِ، وَيبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا» (رواه مسلم). إذًا، فالوقوع في الخطأ وارد لكل إنسان؛ لأنه بشر عادي ليس بمعصوم، خلقه الله ليمتحن عمله ومدى التزامه بأوامره واجتناب نواهيه، فلا عيب أن تخطئ، ولكن عليك أن تندم وتعود إلى ربك وتصحح أخطاءك وتجاهد نفسك للأفضل وسلوك سبيل المتقين، فأنت خير الخطائين وسلكت طريق التائبين. لكن الأمر الخطير في الوقوع في المعاصي هو الاستهانة بها واعتيادها، بل والمجاهرة بفعلها، نعوذ بالله من ذلك. فقد حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من المجاهرة بفعل المعاصي كأن يرتكب أي شخص معصية أو مخالفة ثم ينشرها ويتحدث عنها ويُخبِر رفقته أو غيرهم بما صنع من مخالفات ومعاصٍ دون أدنى حياء من الله أو ذرة ندم على ما فعل، بل يتباهى ويتفاخر بالمعصية، فهذا إلى جانب أنه مسرف على نفسه ويسلك طريق الضلال والهلاك، يحرِّض غيره على سلوك هذا الطريق، وهؤلاء هم شياطين الإنس الذين اختارهم شياطين الجن ليكونوا أعوانهم في إفساد الخلق، هؤلاء هتكوا ستر الله عليهم، فلا يعفيهم الله ولا يحفظهم من افتضاح أمرهم بين الناس. وقد رُوي عن سالم بن عبد الله – رضي الله عنه - أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كلُّ أُمَّتي معافًى إلا المجاهرين، وإنَّ من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يستره ربُّه، ويُصبِح يكشف سترَ الله عنه» (رواه البخاري ومسلم). قال ابن حجر: «والمجاهِر هو الذي أظهر معصيتَه، وكشف ما ستَر الله عليه، فيحدِّث بها». ومن صور المجاهرة بالمعاصي في هذه الأيام التي نراها منتشرة في «السوشيال ميديا» في بعض التطبيقات والمواقع الخبيثة التي تبث سمومها على المجتمعات المسلمة لتفسد شبابنا وبناتنا: أن نرى شبابًا يخرج في مقاطع فيديو أو بث مباشر يشاهده الملايين من الناس وهو يسمع أغاني ويصيح ويرقص بثيابٍ وقصَّاتِ شعرٍ غربية مخالفة تمامًا لديننا وعاداتنا وتقاليدنا. وكذلك هناك مَن يتفاخر بالتدخين والصحبة الفاسدة وسهراتهم ومقالبهم، وغير ذلك من المساوئ التي ابتُلينا بها في عصر الإنترنت و«الميديا». وكذلك نرى تساهُل شباب وبنات في الاختلاط والصداقة بين الجنسين ويتفاخرون بخروجاتهم ولقاءاتهم، وغير ذلك من المجاهرة بالمعصية ونشر الفساد في المجتمعات. وهناك كثيرٌ من صور المجاهرة التي لا يقبلها المسلم، بل ويتأفف وينزعج عندما يراها؛ لأنها بالفعل تدل على تدني أخلاق أصحابها وافتقارهم إلى الحياء والفطرة السويَّة. فنصيحتي لنفسي أولًا ثم لإخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي: يجب أن نحذر جميعًا من هؤلاء الذين يدسُّون السم في العسل؛ فهؤلاء للأسف محسوبون على الإسلام ويتكلمون بلسان عربي ولكن بثقافة تخالف ديننا وعقيدتنا؛ لذا يجب علينا نبذ كل محتوى يجاهر بالمعصية أو يقلِّل من خطورتها أو يتساهل فيها، وكذلك المحافظة على متابعة المحتوى الهادف الذي يبني العقيدة ويعزِّز الحياء ويحث على الاستقامة. فلا بُدَّ من إنكار هذه المخالفات والقضاء على هذا النوع من المحتوى الفاسد وعدم السماح بانتشاره بين الشباب والبنات؛ لأن انتشاره في المجتمع يقلل من الحياء ويحرِّض على المعاصي، إلى جانب الاستهانة بما أمر الله تعالى به.. كل ذلك لأجل المشاهدات و«التريند» و«الميديا» ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالحذر كل الحذر من ذلك؛ لأنه لا مجال للعبث ولا اللهو بكل ما يتعلق بأوامر الله تعالى ونواهيه. قال تعالى: «وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ» (التوبة: ٦٥). نسألك اللهم العافية والستر والنجاة في الدنيا والآخرة، ووفِّقنا اللهم إلى مرضاتك في كل وقت وحين.. اللهم آمين.
1320
| 09 مارس 2023
تتعدَّد أشكال العلاقات الإنسانيَّة في شتَّى مراحل حياتنا من الطفولة إلى الكبر، وكل مرحلة لها أشخاصها الذين نتعامل معهم ونشاركهم الأحاديث والأفكار والمناقشات وغيرها من الأحداث التي تجمعنا بمن حولنا من الأهل والأصدقاء والزملاء وغيرهم. ومن أجمل أشكال العلاقات الإنسانيَّة وأنبلها: الصداقة، وسُمي الصديق بهذا الاسم للدلالة على صدقه مع صديقه في كل معاملة بينهما؛ فالصدق من أهم الصفات التي تحافظ على الروابط وتؤكِّد مدى استمرار أي علاقة على الإطلاق، وهو من صفات المسلم النقي المخلص لأصدقائه. والصدق يعلِّمك قول الحق على الدوام ويعلِّمك اتخاذ موقف محدد وثابت تجاه الجميع، وكذلك يعلِّمك التمسك بالمبادئ السليمة الراقية، فيكون للمسلم رؤية ومبدأ واضح مع الناس لا يتغيَّر من شخص لآخر ولا من موقف لموقف، كما يجعلك الصدق شخصًا صاحب مبدأ، وأصحاب المبادئ مميَّزون كما تعلمون، فهم قليلون، ولكنهم كالنجوم يُشار إليهم بالبنان، يحبهم الجميع بلا استثناء. ولكن ليس كل مَن نعرف ونقابل في حياتنا يمكن أن نصفه بأنه صديق صدوق صاحب مبدأ؛ فهناك فئة توصف بأنها ذات وجهين، وهذه الشريحة من الأصدقاء من أشرِّ الناس على الشخص؛ لأنها تخدعك ولا تبالي بالمبادئ، فتتكلم في ظهرك بأريحيَّة وتقابلك بحالة وهيئة تخالفان جوهره تمامًا، وهذا النوع من البشر يشبه المنافق في كل تصرفاته، يلقاك بوجه ويتكلم في ظهرك بالسوء. وقد وردت أحاديث نبويَّة تحذِّر من اتخاذ أصدقاء من هذه الفئة؛ ففي حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عنهُ - أنَّ رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - قال: «تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهليَّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشد له كراهية، وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه» (رواه البخاريُّ ومُسلمٌ). وفي لفظ: «تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» (البخاريُّ). فالمعدن كما ذكر الحديث طيب بالأساس، سواء في الجاهليَّة أو بعد الإسلام؛ فمن كان معدنه نقيًّا صادقًا سيظل هكذا على الدوام، ومن كان معدنه سيئًا يتلوَّن كل وقت بلون فهذا هو المقصود بـ«ذي الوجهين». وفسَّر أهلُ العلم «ذا الوجهين» بالمنافق وبأن فعله من أشرِّ الأفعال؛ لأنه يُظهر خلاف ما يضمر؛ يخدعك ويكذب عليك وهو في الأصل ينافق ولا يقول الحقيقة على الإطلاق. ولا شك أن هذا الشخص المتصف بذي الوجهين ينشر الفساد بين الناس، يمدح فلانًا ويذهب إلى مكان آخر يذمه ويعيبه، فهذا فساد في العلاقات وتشويه للآخرين دون وجه حق؛ لذلك كان لذي الوجهين يوم القيامة عقوبة مغلظة بيَّنها لنا هذا الحديث الشريف: عن عمار بن ياسر - رَضِيَ اللهُ عنهُ – أنه قال: قال رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -: «من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار» (رواه أبو داود). فالجزاء من جنس العمل، فذو الوجهين عقوبته لسانان من نار؛ لأن لسانه كان له حالان: منافق يُظهر وجهًا ويُضمر آخر، فكان عقابه شديدًا، نعوذ بالله من ذلك. وبعد بيان هذا الصنف وتوضيحه يتبادر إلى الأذهان سؤال: هل ذو الوجهين أمين؟ الإجابة: بالطبع لا يمكن لشخص منافق أن يكون أمينًا على شيء، فعلينا الحذر منه وألَّا نفشي له سرًّا من أسرار حياتنا ولا نصادقه بشكل مبالغ فيه، بل نتعامل معه على قدر الحاجة والضرورة فقط. ولا يصلح هذا النوع أن يكون صديقًا حميمًا نأتمنه على أسرارنا المهمَّة أو حتى نتعلَّق به بوصفه شخصًا مهمًّا في حياتنا؛ لأنه شخص يسعى دائمًا إلى الإفساد بين الناس وتفريق شملهم ونزع المحبة والألفة من القلوب؛ لذا لا نتخذه خليلًا ولا نأتمنه بأي حال، وهذا ما وضحه لنا النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - ففي حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عنهُ – أنه قال: إن رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ – قال: «لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينًا» (رواه البخاريُّ ومُسلمٌ). فأُوصي نفسي وإياكم بالاهتمام بأمر الصحبة ومصادقة أصحاب المعادن الأصيلة النقية الذين لا تغيرهم السنوات ولا يتلوَّنون في كل موقف بلون، والحذر كل الحذر من ذي الوجهين الذي لا يعرف صداقة ولا يحب الخير لأحد؛ لما في قلبه من حقد وغلٍّ لغيره.
1422
| 02 مارس 2023
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6498
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6405
| 24 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3891
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
3126
| 23 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2859
| 21 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1866
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1668
| 26 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1575
| 21 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
1260
| 28 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1092
| 27 أكتوبر 2025
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
1014
| 24 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
999
| 24 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية