رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الثقة المتنامية لرائدات الأعمال

تشكل النساء أقلية من سكان دولة قطر. ولكنها أقلية زادت من 24% من إجمالي عدد السكان إلى 28% خلال العقد الماضي، كما يتمتعن بتلقيهن للتعليم العالي، حيث يفوق عدد الطالبات في الجامعات القطرية عدد الطلاب الذكور. ويدير عدد كبير من النساء، بمعدل يصل إلى خمس السكان تقريبًا، أعمالهن الخاصة أو يخططن للقيام بذلك. ويتم تشجيع هذا التطور كجزء من رؤية قطر الوطنية 2030، وبدعم من السياسات الحكومية مثل برامج التوجيه والدعم المالي. وخلال العام الماضي، نُشِر تقرير حول الوضع الراهن والآفاق المستقبلية لرائدات الأعمال. وقد أطلق هذه المبادرة بنك قطر للتنمية، بالتعاون مع مركز نماء وغرفة قطر وجامعة قطر وجامعة HEC Paris في قطر. واشتملت الدراسة الاستقصائية الرئيسية التي ساهمت في إعداد التقرير على إجراء مقابلات مع 100 سيدة أعمال قطرية. ومن بين النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة أن النساء اللاتي يبدأن مشروعًا تجاريًا يفضلن في الغالب القيام بذلك بين سن 25 و34 عامًا، وأنهن يكن غالبًا من خريجات الجامعات. ويعمل أكثر من ربع هؤلاء النساء (28%) في قطاع الأغذية والمشروبات، في حين يعمل 19% في قطاع الملابس بشقيه التصنيعي وتجارة التجزئة؛ بينما جاءت قطاعات التجزئة الأخرى في المركز الثالث بنسبة 15%. وأشارت الدراسة إلى أن دوافع النساء لبدء أنشطتهن التجارية كانت متباينة، حيث أشار أكثر من النصف (54%) إلى ميلهن للاستفادة من الفرصة المتاحة لكسب المزيد من الأموال، في حين أشار 37% إلى رغبتهن في الحصول على قدر أكبر من الاستقلالية، وأشار 33% منهن إلى ميلهن لتلبية احتياجات السوق أو تعزيز مكانتهن الخاصة. وأراد ربع المشاركين في الاستطلاع تطوير منتج أو خدمة كانوا شغوفين بها، حيث كان بمقدور المشاركين في الاستطلاع ذكر أكثر من عامل تحفيزي. وكانت المدخرات الشخصية المصدر الأكثر شعبية لرأس المال الاستثماري، حيث ذكرها 44% من المشاركات من صاحبات الأعمال القائمة بالفعل، تليها القروض الشخصية بنسبة 33% والقروض التجارية بنسبة 28%. وكانت نسب النساء اللائي يسعين لبدء مشروع تجاري مختلفة إلى حد ما، حيث أفاد 21% فقط أنهن اعتمدن على مدخراتهن الشخصية، و36% منهن على القروض الشخصية، و50% على القروض التجارية. وكان أكثر من نصف رائدات الأعمال حاصلات على شهادة علمية على الأقل، وكانت نسبة كبيرة منهن مؤهلة للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه. ومن خلال المعلومات المتداولة، من المحتمل أن تكون رائدات الأعمال قد حصلن على نسبة من المدخرات الشخصية بشكل مباشر أو غير مباشر من ثروة الوالدين. ومن الممارسات الشائعة، في منطقة الخليج وأماكن أخرى، أن يقوم أصحاب الشركات العائلية بمساعدة أبنائهم على إنشاء شركات فعلية باعتبارها تجربة جيدة في حد ذاتها وللمساعدة في اكتساب المهارات والمعرفة التي قد تكون مفيدة للشركة العائلية. وإذا لم تصبح الشركة مربحة وناجحة، فمن الممكن أن تظل تجربة قيمة، ولا يكون لخسارة الاستثمار نفس العواقب السلبية كما لو كان رأسمال الشركة الناشئة عبارة عن قرض مصرفي. وفي الدراسة الاستقصائية، ورد أن العوامل الرئيسية التي تعوق رائدات الأعمال تشمل ارتفاع الإيجارات بنسبة 35% لدى رائدات الأعمال اللائي لديهن أعمال تجارية قائمة و29% لدى أولئك اللائي يسعين إلى بدء عمل تجاري. وكان العثور على الأشخاص ذوي المهارات المناسبة هو العامل الثاني الذي ورد في كلتا الفئتين، بنسبة 30% و21% على التوالي. واشتملت قائمة التحديات أيضاً على اللوائح الحكومية، وعمليات الترخيص، والتمويل.. وتحرز قطر نتائج جيدة على الصعيدين الإقليمي والعالمي في تصنيفات ثقافة ريادة الأعمال، وفقًا لتقرير قطر الوطني 2021 الصادر عن المرصد العالمي لريادة الأعمال، ولكن هناك حتمًا العديد من السياسات التي يمكن تطويرها وتحسينها. وهناك تحديات معينة تواجه النساء، فعلى سبيل المثال، كانت 87% من النساء المشاركات في دراسة 2023 يتحملن مسؤوليات الرعاية، في حين يواجه كل من النساء والرجال العديد من التحديات، مثل الوصول إلى المشورة المالية والأشخاص المهرة. ويتمثل مفتاح تعزيز الفرص المتاحة للمرأة والتنمية الاقتصادية بشكل عام في التشجيع على إنشاء الأعمال التجارية وتوسيع نطاقها، والقيام بذلك في جميع القطاعات.

1302

| 18 فبراير 2024

تعقيدات ESG في الاستثمار

تنامت مؤخراً الفكرة القائلة إن مدراء الاستثمار يجب أن يسعوا إلى التأكد من أن الشركات التي يستثمرون فيها تنهض بمسؤولياتها المتعلقة بالشؤون الاجتماعية والبيئية. وأصبح اختصار (ESG)، الذي يشير إلى القضايا البيئية والاجتماعية وقضايا الحوكمة، مع ما يرتبط بها من تصنيفات، أكثر شيوعًا. وقد احتج بعض السياسيين المحافظين، حيث أكدوا على أن الغرض من وجود مديري الأصول يكمن في تحقيق عوائد استثمارية جيدة، وليس المشاركة في النشاط السياسي مستفيدين في ذلك بأموال أشخاص آخرين. وكانت ردة الفعل العنيفة قوية لا سيَّما في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قامت بعض الولايات التي يديرها الجمهوريون بسحب استثماراتها في الصناديق البيئية والاجتماعية وصناديق الحوكمة، وقام مديرو الاستثمار بالترويج لذلك، بحجة أنها أجندة «صحوة». وأصدرت نحو 18 ولاية تشريعات تحظر التمييز ضد الاستثمار في شركات الوقود الأحفوري أو الأسلحة. وفيما يتعلق باحترام الواجب الائتماني لمديري الاستثمار، فإن منتقدي الاستثمار الموجه بهذه الاعتبارات لديهم حق في ذلك. وهناك حجة تتمثل في أن التصنيف الجيد للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة لا يمكن اعتباره بديلاً للحوكمة السليمة والاستراتيجية المربحة. ويُصنف العديد من الكتاب الذين يؤيدون هذا النهج على أنهم أكاديميون محافظون. وما أصبح معقدًا هو أن بعض الصناديق ذات التصنيفات البيئية والاجتماعية والحوكمة العالية لم تحقق عوائد جيدة في العامين الماضيين. ومن الممكن النظر إلى التصنيف الجيد لهذه المعايير على أنه ضروري، ولكنه ليس كافيًا، لأهليتها للاستثمار. وعلاوةً على ذلك، يمكن أن يؤدي التركيز الضيق عليها وعدم الاستثمار لتعزيز الأرباح في النهاية إلى تراجع أداء الشركة. وقد يكون التصنيف القوي لهذه المعايير مؤشرًا لمنظور طويل الأجل، ولكن يجب أن يأخذ مكانه بشكل معقول إلى جانب التقييم الدقيق للصحة المالية ومستوى الإدارة واستراتيجية الشركة وآفاقها. وتلوح قضية تغير المناخ في الأفق، والحجة التي تدفعنا إلى النظر لهذه القضية بعين الاعتبار بصفتنا من المستثمرين هي أن هذه المخاطر ذات طبيعة وأبعاد مختلفة؛ لأنها تفرض تهديدًا قد يتمثل في حدوث اضطراب شديد في أي نموذج عمل على المدى الطويل. ويرى كثيرون أن تشجيع سياسات الحد من الانبعاثات الكربونية الصافية إلى مستوى الصفر هو اعتبار عقلاني بالنسبة للمستثمرين، وليس خيارًا سياسيًا، وخاصة لدى الأطراف التي تتمتع بأفق طويل الأجل، مثل صناديق التقاعد وصناديق الثروة السيادية. وتؤثر الأحداث المناخية المتطرفة والتغيرات في الظروف المناخية بالفعل على قطاع التأمين والسياحة والزراعة. فعلى سبيل المثال، أدى ارتفاع درجات الحرارة في جنوب أسبانيا إلى تحذير العلماء بأن إنتاج زيت الزيتون من المرجح أن ينخفض بنسبة 30% بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، وهي التحذيرات التي انطلقت حتى قبل حدوث موجة الجفاف وارتفاع درجات حرارة الشتاء خلال العام الحالي. وفي صيف 2023، انخفضت حجوزات السياحة وارتفعت عمليات إلغاء الرحلات الجوية في البحر الأبيض المتوسط بعد أن دمرت حرائق الغابات مساحات كبيرة من الغابات والمساكن في اليونان وإيطاليا وتونس والجزائر. وعلى الرغم من زيادة حدة المناقشات حول الاستثمارات ذات الصلة بالجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة، فإن تأثير الجدل السياسي على قرارات الاستثمار ربما يكون محدودًا. وقد أشار تقرير حول هذه القضية نشرته صحيفة فايننشال تايمز في شهر ديسمبر الماضي إلى وجود تأثير بسيط فقط لحملات سحب الاستثمار التي يشنها المحافظون. ومن غير الوارد أن يتباهى مديرو الصناديق رفيعة المستوى، مثل لاري فينك من شركة بلاك روك، بالنظر إلى الاعتبارات البيئية على محمل الجد قياسًا بما كانوا عليه قبل عامين، وقد تخضع مؤشرات الحوكمة البيئية والاجتماعية وقضايا الحوكمة لتدقيق أكثر صرامة، لكن البيئة نفسها ستقتضي إحداث تغييرات معينة في سياسات الاستثمار، وستكون هناك ضغوط دائمة من أجل تحقيق الشفافية فيما يتعلق بشؤون العمل والبيئة. وتؤكد رؤية قطر الوطنية 2030 على أهمية المسؤوليات الاجتماعية والبيئية. وكانت بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 محايدة كربونيًا، وتشجع كل من هيئة قطر للأسواق المالية وبورصة قطر الشركات المدرجة فيها على الإبلاغ عن إجراءاتها البيئية والاجتماعية والقضايا المتعلقة بالحوكمة. ويمكن القول إن المسؤولية الاجتماعية والبيئية أمر جيد، بل وضروري بالفعل، في السياسة العامة.

540

| 11 فبراير 2024

المنتدى الاقتصادي العالمي

تُعتبر بداية العام وقتًا مناسبًا لإلقاء نظرة عامة على التحديات التي تواجه العالم. ويجتمع عدد كبير من زعماء العالم خلال شهر يناير في مدينة دافوس السويسرية لحضور القمة السنوية للمنتدى الاقتصادي العالمي. وليس من الممكن على الإطلاق توقع حجم أو طبيعة المخاطر الكامنة بدقة. فعلى سبيل المثال، لم يساور العالم قدرٌ كبيرٌ من القلق بشأن انتشار فيروس كورونا الجديد في يناير 2020، ولكن الأمر انتهى بانتشار جائحة كوفيد-19 وعمليات الإغلاق المرتبطة بها، وهو ما أدى إلى حدوث تأثير اجتماعي واقتصادي في ذلك العام أكبر من أي شيء آخر. وبعد مرور أربع سنوات، ربما يكون الصراع في الشرق الأوسط هو أكبر مصدر للقلق بينما أصبح فيروس كوفيد-19 مجرد ذكرى. ولا تُظهِر إسرائيل أي علامة تشير إلى التراجع في حملتها العسكرية للقضاء على حركة حماس، مع ما يترتب على ذلك من تكاليف باهظة في أرواح المدنيين الفلسطينيين. وتُعدُ الهجمات التي شنتها قوات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، والهجمات الانتقامية التي شنتها القوى الغربية على قواعد الحوثيين في اليمن نتيجةً مباشرة لهذه الأحداث. ورغم توسط قطر لترتيب عملية وقف إطلاق النار في غزة وإعادة بعض الرهائن في شهر نوفمبر الماضي، فقد تبين أن تلك الهدنة لم تدم طويلاً. ومن ناحية أخرى، اندلع التوتر بين إيران وباكستان، حيث أطلقت القوات المسلحة من الجانبين النار على الجماعات الإرهابية المزعومة في أراضي الطرف الآخر. وشكَّلت عملية احتواء الصراعات الإقليمية أو منعها مصدر قلق كبير في دافوس، واحتلت مكانها على جدول الأعمال إلى جانب القضايا التجارية وغيرها من القضايا الاقتصادية. وفي عام 2024، سيتوجه حوالي نصف سكان العالم إلى صناديق الاقتراع، حيث ستُعقد الانتخابات الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية، والهند، والمكسيك، وجنوب أفريقيا، إلى جانب انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي. ولم يتأكد حتى الآن موعد إجراء الانتخابات العامة في المملكة المتحدة، ولكن من المقرر إجراؤها في نهاية العام الحالي. ويخشى العديد من المعلقين، سواء في دافوس أو أماكن أخرى، من أن يصبح دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يبدو مرجحًا على نحو متزايد. ونظرًا لأن ترامب سبق له شغل منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل لمدة أربع سنوات، فإن الخوف قد يبدو مبالغًا فيه، أو سطحيًا على الأقل. لكن فترة ولايته الثانية، على افتراض انتخابه، قد تكون مختلفة تمامًا. فعلى الصعيد الداخلي، أعلن ترامب عن اعتزامه السعي للانتقام من أعدائه السياسيين، ومن المرجح أن يكون نظامه معاديًا للمهاجرين. وعلى صعيد الشؤون الخارجية، أعلن ترامب أنه سوف يسترضي بوتين في روسيا ويسعى إلى وضع نهاية سريعة للصراع في أوكرانيا، لكن الرئيس زيلينسكي والاتحاد الأوروبي يدركان ذلك ويخططان للتطورات الطارئة. وقد يتبين أن تأثير رئاسة ترامب على حركة التجارة العالمية وقطاع الأعمال محدود، فهو مثلاً مؤيد للأعمال التجارية وتجارة النفط. وكان ترامب قد اقترح فرض تعريفات جمركية على الواردات، بيد أنه من غير المرجح أن تؤدي هذه التعريفات إلى تعطيل حركة التجارة بشكل كبير، ولكن ترامب يُعدُ شخصيةً لا يمكن التنبؤ بها. وقد أكد سعادة السيد/ منصور آل محمود، الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار، في لقاء مع تلفزيون بلومبرج أثناء مشاركته في قمة دافوس، على براغماتية صندوق الثروة السيادية من خلال إعادة التأكيد على التزام الجهاز باتباع سياسة استثمارية طويلة الأجل، وأن الجهاز لن يتأثر بالعناوين الإخبارية والاتجاهات قصيرة المدى. وقد حدد جهاز قطر للاستثمار أوروبا واليابان باعتبارها مناطق ذات إمكانات استثمارية، في حين تظل الولايات المتحدة الأمريكية الوجهة الأكثر أهمية للاستثمار، حيث يتبنى الجهاز توجهًا عالميًا. وفيما يتعلق بالقطاعات، سلط سعادته الضوء على أهمية الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية والبرمجيات المؤسسية والتحول الرقمي. وكثيرًا ما يشار إلى اجتماع دافوس بطريقة سلبية، باعتباره منبرًا للحوار غير المجدي بين النخبة المتطرفة. ومع ذلك، فإن النخبة ستظل معنا دائمًا، ومن الأفضل أن يتحدثوا مع بعضهم البعض بدلاً من الامتناع عن التفاعل والتواصل سويًا.

2034

| 04 فبراير 2024

هل ستنخفض أسعار الفائدة في 2024؟

شهد مطلع العام الجديد جدلاً واسعًا في وسائل الإعلام، تعليقًا على مدى خطأ توقعات الاقتصاديين الذين أدلوا بها خلال العام السابق. وفي الفترة من ديسمبر 2022 إلى يناير 2023، رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى أسعار الفائدة بشكل تدريجي من الصفر إلى حوالي 5 %. وأدى ذلك إلى صدور تحذيرات من أن خفض التضخم إلى المعدل المستهدف البالغ 2 % مع الارتفاعات الحادة في أسعار الفائدة بعدما كانت تقترب من معدل الصفر قد يؤدي إلى حدوث الركود مع تفكيك سياسات التيسير الكمي «Quantitative easing». وأشار الاقتصاديون إلى أن منحنى العائد المقلوب «Inverted yield curve» المقترن بارتفاع أسعار الفائدة من المؤشرات التي تميل إلى أن تكون مقدمة لحدوث الركود. لكن المؤشرات الأخرى كانت تظهر اتجاهات أكثر إيجابية، ويبدو أنه تم التقليل من أهميتها أو التغاضي عنها. ووصلت نسبة الاقتصاديين الذين توقعوا حدوث الركود في أحد الاستطلاعات خلال شهر ديسمبر 2022 إلى 85 %. وكان من المتوقع وصول نسبة البطالة في الولايات المتحدة إلى 5.5 % بحلول نهاية عام 2023. ومع ذلك، بلغ معدل البطالة العام نسبة 3.7 %، وهو نفس المعدل الذي كان مسجلاً قبل 12 شهرا. ولم تتجنب الولايات المتحدة الركود فحسب، بل إن معدل نموها بلغ 3 %، وهو معدل مرتفع نسبيًا وفقًا للمعايير التاريخية. وهذا أمر مهم بالنسبة لعملية صنع السياسات الحالية، لأن تجنب الركود قد يعني أن أسعار الفائدة لا ينبغي خفضها قريبا. وكان جاي باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، قد أشار إلى أن أسعار الفائدة بلغت ذروتها، لكن المؤشرات تشير إلى أن قرار خفضها ليس وشيكًا، ويبحث صناع السياسات عن إشارات أوضح تشير إلى تراجع الضغوط التضخمية. وفي شهر يناير، أشارت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، إلى أن أسعار الفائدة لن يتم تخفيضها قبل فصل الصيف. وحتى وقت قريب، كان العديد من الاقتصاديين يتوقعون حدوث تخفيضات متتالية محتملة في أسعار الفائدة خلال عام 2024 قد تبلغ سبعة تخفيضات، وهو ما قد يصل بأسعار الفائدة إلى أقل من نسبة 4 ٪. والآن، يبدو أنه من المحتمل حدوث حوالي ثلاثة تخفيضات، ربما في النصف الثاني من عام 2024. وقد أكد جيتا جوبيناث، النائب الأول للمدير العام لصندوق النقد الدولي، على ذلك في قمة دافوس بتاريخ 17 يناير، عندما قال إن البنوك المركزية يجب أن تتحرك بحذر. وأعتقد أن صندوق النقد الدولي والبنوك المركزية الأمريكية والأوروبية على حق في حكمها. فقد كُبح جماح التضخم مع تجنب الركود، وبالتالي تُعد تركيبة السياسات الحالية ناجحة. وفي حال خفض أسعار الفائدة قريبًا، فقد يعود التضخم إلى الارتفاع، وهو ما قد يدفع إلى حدوث المزيد من الارتفاعات في أسعار الفائدة، ووصولها ربما إلى مستوى أعلى. ويمكن أن يحدث التضخم بسبب صدمات سلسلة التوريد، وكذلك السياسة النقدية وعوامل أخرى. وكان هذا هو الحال في عام 2022 عندما ارتفعت أسعار الحبوب بشكل حاد نتيجةً للصراع الأوكراني الروسي الذي أثر على طرق التصدير في البحر الأسود. وقد خفت حدة هذا الضغط، لكن الهجمات التي شنها الحوثيون على الشحن في البحر الأحمر هذا العام تؤثر على طريق تجاري مهم آخر يزيد من تكاليف الشحن البحري. وقبل حدوث الارتفاعات المتتالية في أسعار الفائدة مؤخرًا، كان لدينا أسعار فائدة قريبة من الصفر لمدة عقد. وأثناء هذه الفترة شهدنا تخصيص كبير لرؤوس الأموال في أصول محفوفة بالمخاطر، لأن العائدات من السندات وحسابات الادخار كانت منخفضة للغاية. وفي ظل هذه الظروف، بقيت شركات الزومبي على قيد الحياة. ولذلك، ساعدت المعدلات المرتفعة لأسعار الفائدة على إعادة تخصيص الاستثمارات إلى الشركات القوية. وبالإضافة إلى ذلك، لا يُعد المستوى الحالي لأسعار الفائدة مرتفعًا بالمعايير التاريخية. وكانت الحجج المؤيدة لإدخال المزيد من التخفيضات القوية في أسعار الفائدة تتلخص في أن الركود سيكون ثمنًا باهظًا للغاية لخفض التضخم إلى هدفه البالغ 2 %. والآن يقترب التضخم من هذا الهدف دون حدوث ركود. وربما كان هناك بعض الحظ في حدوث هذا الأمر، مثل بقاء أسعار النفط منخفضة، ولكن هذا يعني أن السياسات الحالية صحيحة.

645

| 28 يناير 2024

ميزانية عام 2024

تم الإعلان عن ميزانية قطر لعام 2024 الشهر الماضي، مع تقدير متحفظ لسعر النفط وتعهد بالاستمرار في خفض الدين الوطني. وتتبنى الميزانية وجهة نظر استراتيجية، حيث ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإستراتيجية التنمية الوطنية الثالثة. ومن المتوقع وصول الإيرادات إلى 202 مليار ريال ، مع حجم إنفاق يبلغ 200.9 مليار ريال ، على أساس تحديد 60 دولارًا سعرًا لبرميل النفط، مقارنة بسعر 65 دولارًا خلال عام 2023. وبشكل عام، من المتوقع أن يتجاوز معدل النمو الاقتصادي نسبة 4% بقليل، مدعومًا بالنمو المتواصل لإنتاج الغاز الطبيعي المسال من حقل الشمال. وارتفعت تقديرات الإيرادات غير النفطية بنسبة 2.4% وصولاً إلى مستوى 43 مليار ريال ، وهو ما يشير إلى التقدم نحو تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في التنويع الاقتصادي. وبشكل عام، تعتبر الأرقام إيجابية بالنظر إلى مراحل الذروة والانخفاض الحتمي للنشاط الاقتصادي في أثناء وبعد انتهاء منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم في أواخر عام 2022 وترغب الحكومة في زيادة فرص العمل في القطاع الخاص و تشجيع جهود التنمية في جميع القطاعات، بما في ذلك قطاعات السياحة والتعليم العالي والتكنولوجيا المالية والتصنيع، مع تضاعف حجم الاستثمار في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات منذ عام 2023. وانخفض الدين العام إلى 44% من إجمالي الناتج المحلي، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 39% بحلول نهاية عام 2024، مع خطة لسداد أكثر من 7 مليارات ريال من الديون في عام 2024. وتبدو هذه النسبة إيجابية على المستوى العالمي، حيث تصل نسبة الدين في بعض الاقتصادات الغربية مثل إيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية إلى حوالي 100٪ أو أعلى. ومن الصواب أن تستخدم الدولة فترة النمو الاقتصادي وارتفاع أسعار الفائدة لسداد الديون. وبالإضافة إلى ذلك، تحرص الدولة على تعزيز احتياطيات جهاز قطر للاستثمار. ومن الأمور الأساسية الواردة في الرؤية الوطنية الاستثمار في رأس المال البشري. ويُنظر إلى التعليم باعتباره عنصرًا أساسيًا في تعزيز القدرة التنافسية والتنوع الاقتصادي. وقد أعلن الوزير كذلك عن مبادرات لتحسين الشفافية في المشتريات الخاصة بعقود القطاع العام.

1194

| 22 يناير 2024

لبنان بين الليرة والدولار

عادت الدولرة «Dollarization» إلى جدول أعمال الاقتصاد العالمي. ففي شهر نوفمبر الماضي، فاز المرشح المستقل خافيير مايلي بالانتخابات الرئاسية الأرجنتينية بفضل برنامجه الانتخابي الذي اشتمل على استبدال البيزو بالدولار الأميركي. وفي شهر نوفمبر أيضًا، أوصت مجموعة من الاقتصاديين البارزين بدولرة الاقتصاد اللبناني. ونظرًا لأن ظاهرة الدولرة، التي تعني استبدال الدولة لعملتها بالدولار الأميركي، تنطوي على التضحية باستقلال السياسة النقدية، فإنها تشكل خيارًا جذريًا. وفي الأرجنتين، فشلت الدولة في التخلص من مشكلة طويلة الأمد تتمثل في التضخم والعجز وما يرتبط بذلك من عدم استقرار الاقتصاد الكلي. وبحلول هذا العام، ومع وصول معدل التضخم إلى نحو 140% وانخفاض قيمة البيزو بشكل أكبر، أصبحت العديد من المدخرات الشخصية والمعاملات العقارية تتم بالدولار الأمريكي. وفي لبنان، يبدو الوضع أكثر خطورة: فقد انهار الاقتصاد اللبناني القائم على الليرة في واقع الأمر، حيث يعتمد جزء كبير من الاقتصاد الحقيقي على التحويلات المالية القادمة من المغتربين اللبنانيين. وقد انخفض الناتج في لبنان بنسبة 38% منذ عام 2019 مقارنةً بالنسبة المسجلة خلال الأزمة المالية التي شهدتها اليونان في عام 2009 والتي بلغت 26.3%، والأزمة المالية التي شهدتها الأرجنتين في عام 2001 والتي بلغت نسبتها 18.4%، حيث فقدت الليرة اللبنانية 98% من قيمتها منذ عام 1997. ومع ذلك، وفي ظل الحقيقة الماثلة بأن الأزمة المالية اللبنانية تبدو أكثر حدة، فإن هذا الأمر قد يجعل اتخاذ القرار السياسي أسهل، حيث يعاني مصرف لبنان، وهو المصرف المركزي اللبناني، من الإعسار”Insolvency”. فقد نشرت مجموعة من الاقتصاديين البارزين في جامعة هارفارد، دراسة بحثية بعنوان «نحو انتعاش مستدام للاقتصاد اللبناني». وأوصت هذه الدراسة بتحويل 76 مليار دولار من مطالبات المصارف التجارية الدولارية على مصرف لبنان إلى شهادات إعادة هيكلة مؤقتة. ومن شأن هذه الخطوة أن تؤدي إلى نقل الجزء الأكبر من الإعسار من البنك إلى الحكومة، حيث ستتم إعادة هيكلة الدين الحكومي. وقد يساهم استبدال الليرة بالدولار، فضلاً عن اتخاذ التدابير اللازمة لضمان كفاءة تحصيل الضرائب وتشجيع الصادرات، في تمكين الاقتصاد من النمو واستقرار الوضع المالي في لبنان. وينطوي تحول الاقتصاد رسميًا إلى استخدام عملة جديدة على ممارسة لوجستية كبيرة، حيث يجب الاتفاق على معدل التحويل وتحديد موعد نهائي، بدعم من حملة إعلامية عامة. ففي حالة اليورو، على سبيل المثال، واجه المستهلكون صعوبات في التكيف مع الأسعار المقومة حديثًا. ولكن في لبنان والأرجنتين، أصبح الدولار مستخدمًا على نطاق واسع بالفعل. وستحتاج البنوك إلى تحويل جميع الحسابات الجارية والقروض والمدخرات إلى الدولار بالسعر المتفق عليه. وسيتعين تحديث البرامج وأجهزة الصراف الآلي وتدريب الموظفين، فضلاً عن تحويل الموارد المالية الحكومية إلى الدولار. وربما يتعين استبدال الودائع الأكبر حجما بسندات بفائدة، بدلاً من استبدالها بالعملات النقدية بشكل مباشر، إذا لم تكن الدولة تمتلك القدر الكافي من الدولارات. ويجب تحديث التشريعات والوثائق ذات العنصر المالي، مثل اتفاقيات الإيجار والعقود التجارية وما إلى ذلك. وينطبق الشيء نفسه على حسابات الشركات وكشوفات المرتبات. وعلى المستوى الدولي، قد يتعين على الحكومة التنسيق مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي. وستكون هناك أيضًا حاجةً لرصد تنفيذ السياسة النقدية. ومع ذلك، بمجرد البدء في دفع الأجور بالدولار، ستتاح أمام الاقتصاد فرصةً للتعافي. والدول الأخرى التي اعتمدت الدولرة هي الإكوادور وزيمبابوي، حيث طُبقت هذه السياسة في الإكوادور خلال عام 2000 وكانت تبدو فعالة على نطاق واسع. ويرجع السبب في ذلك إلى انعدام الثقة في المؤسسات الاقتصادية. وفي زيمبابوي، وصل التضخم المفرط إلى مستويات غير مسبوقة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وأُلغيت العملة المحلية في عام 2009، واستُبدلت بالدولار. وقد أُعيد طرح العملة المحلية في عام 2019 لكن الدولار لا يزال يستخدم على نطاق واسع.

1281

| 15 يناير 2024

دول البريكس

مصطلح البريكس (BRICS) هو اختصار ورد في تقرير للبنك الاستثماري جولدمان ساكس في بداية القرن، وهو اختصار للبرازيل وروسيا والهند والصين، لوصف مجموعة كبيرة من الاقتصادات الناشئة في العالم التي تتمتع بإمكانيات ضخمة للمستثمرين. وكان من المتوقع أن تهيمن الدول الأربع على الاقتصاد العالمي بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين. ويشير الحرف «S» إلى جنوب أفريقيا، التي انضمت إلى المجموعة بعد فترة وجيزة. ويشهد هذا العام انضمام دول من مجلس التعاون الخليجي إلى عضوية هذه المجموعة، وهناك حوالي 20 دولة تقدمت بطلبات للانضمام إليها. ومنذ عام 2009، شكلت الدول الخمس نفسها في تجمع رسمي مع عقد مؤتمرات قمة سنوية تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول غير الغربية، وانعقدت آخر هذه المؤتمرات في مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا خلال شهر أغسطس من العام الماضي. وكان هذا المؤتمر هو الاجتماع الخامس عشر للكتلة. ولا تبني المجموعة كيانًا سياسيًا موحدًا مثل الاتحاد الأوروبي. وهذا أمر متوقع نظرًا لأن الدول الخمس عبارة عن مجتمعات واقتصادات متباينة تقع أراضيها في أربع قارات مختلفة. وعلاوة على ذلك، تشهد مجموعة البريكس نموًا ليصبح اسمها «BRICS PLUS»، ومن المتوقع أن تشارك بعض دول الخليج في هذه المجموعة. ومن المقرر أن ينضم ستة أعضاء جدد إلى المجموعة في هذا العام، بما في ذلك دولتان من دول مجلس التعاون الخليجي. والدول الست هي: الأرجنتين، واثيوبيا، وإيران، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، وقد أعلنت الأرجنتين مؤخراً انسحابها. ومن بين الاستثمارات الملموسة إنشاء بنك التنمية الجديد، الذي اعتُمد في عام 2014 وبدأ تشغيله منذ عام 2016، ويتخذ من مدينة شنغهاي الصينية مقرًا له. وينصب تركيز البنك على مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة، وقد اعتمد 96 مشروعًا بقيمة 32.8 مليار دولار. وقد توزعت المشاريع المعتمدة بالتساوي إلى حد ما بين الدول الخمس، حيث تلقت روسيا نحو 4 مليارات دولار، وحصلت كل من البرازيل وجنوب أفريقيا على ما يزيد قليلاً على 5 مليارات دولار، بينما تلقت الهند والصين، اللتان تتمتعان بتعداد سكاني أكبر كثيرًا، ما يزيد قليلاً على 7 مليارات دولار و8 مليارات دولار على التوالي. وفي عام 2021، قبلت المجموعة انضمام أربعة أعضاء جدد إلى البنك وهم: أوروغواي ومصر والإمارات العربية المتحدة وبنغلاديش. وفي حين أن من بين شروط الانضمام إلى مجموعة البريكس عدم وجود علاقة ملزمة مع إحدى القوى الغربية، فربما يكون الوصف الأكثر دقة للمجموعة هو أنها كتلة غير غربية، وليست معادية للغرب. وتركز المجموعة بشكل أكبر على التنمية الاقتصادية والتعاون، بدلاً من التنافس الجيوسياسي. وتفتخر الولايات المتحدة بإشرافها على نظام دولي قائم على القواعد، لكن تجربة بعض الدول تشير إلى أن القواعد يمكن أن تميل إلى تفضيل المؤسسات الغربية. ورغم أن اعتماد عملة بديلة للدولار الأمريكي ليس من الأهداف قصيرة المدى للمجموعة، إلا أن التحركات في هذا الاتجاه قد تكون تدريجية ولكنها مع ذلك مهمة. فعلى سبيل المثال، كانت هناك صفقة نفطية بين الهند والإمارات العربية المتحدة تحدد سعرها بالروبية في عام 2023. وفي حين أن استخدام الدولار في شراء النفط، واستعماله كعملة احتياطية أساسية بشكل عام، أمر ملائم، إلا أنه يمكن أن يرتبط بتكبد بعض التكاليف الباهظة. وتبدو العقوبات المفروضة على الاقتصاد الروسي واستخدام الروبل في أعقاب الصراع في أوكرانيا من الأمور المبدئية من منظور غربي، ولكنها تقلل من الخيارات المتاحة لبعض البلدان. وكانت هذه الدول تصنف في الأصل على أنها اقتصادات ناشئة، لكن الصين أصبحت قوة اقتصادية كبرى. وتمتلك ثلاث دول من دول البريكس، وهي الهند والصين وروسيا، صناعات فضائية متطورة.. ويُعدُ توسيع مجموعة البريكس لتشمل الدول التي لا تشكل جزءًا من هذا التكتل خطوة استراتيجية مثيرة للاهتمام. وعبر منح الأولوية للتوسع بدلاً من التكامل، يؤكد هذا الإجراء على أن أهداف المجموعة تتعلق بالتعاون العالمي والترتيبات غير الغربية للتمويل والتجارة. وسوف تكون هناك تحديات فيما يتعلق بعملية صنع القرار، عندما تصبح المجموعة أكبر حجمًا، وتضم دولاً ذات تعداد سكاني وأحجامًا اقتصاديةً مختلفةً للغاية. ولكن إذا حافظت المجموعة على تركيزها النفعي، من الممكن أن تكون تجمعًا إيجابيًا يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية.

1644

| 08 يناير 2024

تحول قطر المالي: رحلة النجاح

شكَّل إطلاق الخطة الإستراتيجية الثالثة للقطاع المالي، وهو آخر تحديث استراتيجي لتطوير قطاع الخدمات المالية في قطر، إطارًا متماسكًا للسياسات المالية والنقدية، بقيادة مصرف قطر المركزي. وكان سعادة الشيخ بندر بن محمد بن سعود آل ثاني، محافظ مصرف قطر المركزي، قد صرَّح عند إطلاق الاستراتيجية في أواخر شهر نوفمبر الماضي بأن قطر أرست بنية تحتية تكنولوجية عالية الجودة في إطار عملية التحول إلى الاقتصاد الرقمي. ويشكل قطاع الخدمات المالية الناضج جزءًا لا يتجزأ من هذا التطور. وتكمن قوة الخطة في أنها تتناول أربعة قطاعات فرعية رئيسية في القطاع المالي بشكل مشترك، وهي قطاعات الصيرفة والتأمين ومنظومة التمويل الرقمي وأسواق المال. كما تتناول جميع الأبعاد الأساسية بما في ذلك الإطار التنظيمي، والتمويل الإسلامي، والابتكار التكنولوجي، والاستدامة، ورأس المال البشري. وتهدف الخطط إلى تطوير جميع القطاعات الرئيسية للخدمات المالية، والتي ستكون ضرورية لدعم الإستراتيجية الطموحة. وهناك تركيز ذكي على التميز في تقديم الخدمات الأساسية، بدلاً من السعي إلى تقديم مجموعة متنوعة للغاية بما في ذلك «المنتجات الغريبة Exotic products. وهذا يعني السعي إلى تحقيق النمو العضوي وتعزيز نضج الخدمات الأساسية التي تساعد في دعم جهود التنمية الاقتصادية على نطاق أوسع. ويتضمن ذلك بناء أو الحفاظ على معايير عالمية في مجال الخدمات المصرفية التجارية، وتمويل التجارة والصادرات، والاستثمار لدعم نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتوسيع خيارات الاستثمارات والمدخرات للوافدين، فضلاً عن خدمات التأمين وأسواق المال. وهناك طموح للتحول إلى مركز مصرفي، وليس مجرد مركز انتقالي، وهو ما قد يؤدي إلى التغلب على المشكلة التاريخية المتمثلة في صافي التدفقات الخارجة. وسوف نتناول فيما يلي كل قطاع فرعي على حدة: قطاع الصيرفة - تتمثل الرؤية في تبني نظام مصرفي متطور ومرن يقدم منتجات متنوعة وخدمات استشارية متخصصة وتميز تنظيمي ورقمي. وهناك أهداف محددة تتعلق بإنتاجية القطاع المصرفي والمهنيين المؤهلين وتوافر الخدمات المصرفية الإسلامية وتمويل الاستثمارات المستدامة ESG. التأمين - تتمثل الأهداف في تطوير مجموعة متنوعة من المنتجات التأمينية ونشر ثقافة التأمين وضمان التنظيم السليم. والنتيجة المرجوة هي المساهمة بمبلغ 4 مليارات ريال قطري في الناتج المحلي الإجمالي، مع استهداف القطاعات الرئيسية في سوق التأمين، وهي قطاع التأمين على السيارات، والصحة، والحياة، وما إلى ذلك. وهناك طموح معلن يتمثل في تعزيز وضع قطر بصفتها وجهةً مفضلةً لسوق إعادة التأمين الدولي. منظومة التمويل الرقمي – يتمثل الهدف الإستراتيجي في تطوير منظومة رائدة لتشجيع التكنولوجيا المبتكرة عبر تسريع التحولات الرقمية المدعومة ببنية تحتية قوية وإطار تنظيمي صلب. وسيتم قياس التقدم من خلال مؤشر المراكز المالية العالمية، حيث تحتل الدوحة حاليًا المرتبة 65 من بين 119 مدينة، ويتمثل الطموح في الوصول إلى المركز 30. سيتم مراقبة عدد مشغلي التكنولوجيا المالية وتكنولوجيا التأمين المرخصين. أسواق المال – يتمثل الهدف في أن تصبح قطر دولة رائدة إقليميًا في أسواق المال، وتحسين كفاءة تخصيص رأس المال والسيولة. وهناك هدف يتمثل في الوصول إلى 150% من القيمة السنوية للأسهم المتداولة كنسبة مئوية من القيمة السوقية للأسهم الحرة، وتحقيق معدل نمو قدره 18% من الأصول الخاضعة للإدارة. وبالنسبة لقطاع الخدمات المالية إجمالاً، هناك هدف يتمثل في المساهمة بمبلغ 84 مليار ريال قطري في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وتحقيق معدل نمو سنوي مركب قدره 4.7% حتى عام 2030. وسيؤدي تطوير أسواق المال، على سبيل المثال، إلى توفير المزيد من التمويل للشركات الناشئة وغيرها من الشركات التي يتم إنشاؤها محليًا، وتقليل الحاجة للاستثمار الأجنبي المباشر. وإذا كان بمقدور القطاع المصرفي تقديم المزيد من خدمات إدارة الثروات، فمن المرجح أن يستخدم الوافدون المقيمون في قطر هذه الخدمات بدلاً من الحصول عليها من الخارج. كما يجب أن يكون هناك تطوير للأمن السيبراني، وسياسات الشمول المالي لجميع قطاعات المجتمع. ويُعتبر التنفيذ عنصر أساسي لتحقيق هذه الاستراتيجية، ومنها تحديد رأس المال البشري باعتباره أولوية ضمن الرؤية الاستراتيجية. كما أن المؤسسات ليست أقوى من الأشخاص الذين يقودونها ويديرونها. ولا يوجد سبب يمنع قطر من أن تصبح واحدة من مراكز التميز الرائدة عالميًا في مجال الخدمات المالية، وبذلك تساعد في تنمية الاقتصاد المحلي.

462

| 11 ديسمبر 2023

التأمين الصحي والقطاع الخاص

في قطر، مثلما هو الحال في جميع الدول، تلوح تحديات عند محاولة توفير خدمات الرعاية الصحية الشاملة للجميع، مع الإبقاء على النفقات في مستوى معقول. فقد خلص تقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية في عام 2010 إلى عدم تمكن أي دولة من ضمان حصول جميع مواطنيها على كافة الخدمات العلاجية والتكنولوجيا الطبية اللازمة. وخلال الفترة من 2013-2015، كانت هناك رغبة في تحسين إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية. فقد أنشأت الحكومة شركة عامة للتأمين الصحي، عُرفت باسم «صحة»، ووفرت التمويل الحكومي لخدمات العلاج الصحي للمواطنين، مع تقديم القطاع الخاص لهذه الخدمات. ولسوء الحظ، لم تكن هناك ضوابط وموازنات كافية للتحكم في التكاليف، حيث كان بمقدور الأفراد طلب العديد من الاستشارات التي يرغبون فيها، وقد اتُهمت بعض العيادات بفرض رسوم مرتفعة تفوق قيمة الخدمات المقدمة بالفعل، لعلمها بأن الدولة ستتحمل تكلفة العلاج. فعلى سبيل المثال، ربما يكون الفرد قد خضع لعملية إزالة الزائدة الدودية بشكل طبيعي، ولكن فاتورة العلاج كانت تحتوي على بنود للتعامل مع التهاب الزائدة الدودية، الذي يستدعي تحصيل تكاليف إضافية. وقد أشار أحد أعضاء مجلس الشورى إلى الزيادات الكبيرة في أسعار العيادات الخاصة خلال فترة تطبيق نظام التأمين الصحي العام «صحة»، بسبب وجود حوافز مالية لإجراء عدد من الفحوصات أكبر بكثير من الفحوصات اللازمة بالفعل. وفي شهر أكتوبر 2015، أظهرت الإحصائيات الرسمية أن الدولة دفعت 1.3 مليار ريال قطري خلال الخمسة عشر شهرًا الأولى من فترة تطبيق البرنامج غطت تكلفة مليون استشارة، أي ما يعادل ثلاث استشارات لكل مواطن. وتوقف العمل بهذا النظام في نهاية ذلك العام. ويمكن أن نستخلص الدرس الأساسي من هذه التجربة الذي يتمثل في أنه من الصعب على مؤسسة حكومية أن تبني من الصفر خدمة يمكنها أن تضاهي تمامًا الخدمات التي تقدمها شركات التأمين الخاصة الكبرى من حيث جودة الخدمة والتحكم في التكاليف واكتشاف عمليات الاحتيال. فعلى سبيل المثال، تحرص شركات التأمين المرموقة على توظيف أطباء لديهم القدرة على التحقق مما إذا كان طلب إجراء اختبار أو علاج معين ضروريًا حقًا. وفوق هذا كله، تتمتع مثل هذه الشركات بوجود مساهمين وتطبيق حوافز اداء لاحتواء التكاليف. وتُعد قطر سوقًا ناضجًا ومتطورًا للتأمين الصحي، حيث يوجد ما لا يقل عن خمس شركات تأمين كبرى توفر المستوى المتقدم من الخبرة اللازمة. وبعد إلغاء شركة «صحة»، آلت عملية تقديم الخدمات الصحية إلى مزيج من شركات التأمين الصحي الخاصة التي تقدم خدمات الرعاية الصحية طواعية للأشخاص الذين يستطيعون تحمل تكاليفها، والأجهزة الصحية العامة التي تمولها الدولة وتوفر خدمات الرعاية الصحية للمواطنين والمقيمين. وجار الإعداد لطرح خطط خدمة التأمين الصحي الإلزامية للمواطنين والوافدين التي ستغطى تكاليفها عن طريق أقساط التأمين. ومن المرجح أن يعني اعتماد خيار الرعاية الصحية الخاصة تقليل فترة الانتظار لتلقي العلاج، وتمكين المرضى من تلقي العلاج على يد جراحين رائدين على مستوى العالم، ولكن الخدمات الصحية العامة ذات مستوى مرتفع أيضًا. ولا تمثل الاستثمارات ومظاهر التقدم في مجال التشخيص والتكنولوجيا الطبية مشكلة في منطقة الخليج، بما في ذلك دولة قطر، حيث إن دول الخليج كان لديها أكثر من 160 مشروعًا للرعاية الصحية قيد التنفيذ بقيمة إجمالية بلغت 53.2 مليار دولار في عام 2020. وقد حققت السياحة الطبية في المنطقة نموًا حيث تجاوزت قيمتها 2 مليار دولار في عام 2023. وتتمتع قطر بأعلى معدل إنفاق على الصحة للفرد في منطقة الخليج، وقد تمكن تقرير صادر عن بنك قطر للتنمية في عام 2021 من تحليل المنظومة الصحية المزدهرة والمبتكرة. ومن المتوقع أن يصل حجم الاستثمار في القطاع الصحي بدولة قطر إلى 7 مليارات دولار بحلول عام 2025. وعلى الصعيد العالمي، من المتوقع أن تصبح الرعاية الصحية صناعة تبلغ قيمتها 30 تريليون دولار بحلول عام 2050، وفقا للبيانات الصادرة عن معهد القياسات الصحية والتقييم.

2109

| 04 ديسمبر 2023

قطر في مرآة صندوق النقد الدولي

استغرقت عملية الاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 حوالي 12 عامًا، واستمرت منافسات هذه البطولة لمدة أربعة أسابيع فقط. وبعد مرور عام على استضافتها لمنافسات البطولة، قام فريق من صندوق النقد الدولي بزيارة قطر، وتغيرت الأجندة الاقتصادية بشكل كبير في الفترة الفاصلة بين هذين التاريخين. وبينما سيطر التعافي من جائحة كوفيد - 19 ومنافسات بطولة كأس العالم على أجندة عام 2022، فإن القضايا الملحة الآن هي ارتفاع أسعار الفائدة، وتنويع مصادر الاقتصاد الوطني والحفاظ على المسؤولية المالية. وأشاد فريق خبراء صندوق النقد الدولي، الذي ترأسته السيدة بان لي، بإدارة الاقتصاد القطري في فترة ما بعد كأس العالم، وسلطوا الضوء على القرار المنطقي باستخدام الإيرادات المرتفعة من النفط والغاز، ولا سيما من حقل الشمال للغاز الطبيعي المسال الذي تمت توسعته مؤخرًا بهدف سداد الديون الحكومية. وأشار الفريق إلى التطورات التي شهدها اقتصاد المعرفة والقطاع الخاص عمومًا، وهو ما ساعد على تنويع مصادر عائدات التصدير والتنمية الاقتصادية. ويبدو أن بطولة كأس العالم لكرة القدم قدَّمت أكثر من مجرد دفعة مؤقتة للاقتصاد القطري وعززت من مكانة البلاد على الصعيدين الإقليمي والعالمي. فعلى سبيل المثال، ارتفعت العائدات المتحصلة من السياحة. وتعززت عائدات دولة قطر من الصادرات بشكل كبير بفضل صادرات الغاز الطبيعي المسال، وخاصة إلى ألمانيا والصين. وقد سعت ألمانيا إلى إنشاء بدائل لتجنب استيراد الغاز من روسيا بعد تصاعد حدة الصراع مع أوكرانيا في فبراير 2022، بينما وقعت شركة قطر للطاقة عقدًا مدته 27 عامًا مع مجموعة سينوبك الصينية تتعلق بتوريد الغاز الطبيعي المسال لهذه المجموعة. وعلقت السيدة بان لي بقولها إنه بعد الأداء "القوي للغاية" الذي حققه الاقتصاد القطري في عام 2022، فقد عاد معدل النمو الاقتصادي إلى طبيعته. ومن المتوقع أن ينمو الإنتاج بنحو 1.75% سنويًا على مدى العامين المقبلين، مع نمو القطاع غير النفطي بنسبة 2.75%. ومن المتوقع أن يرتفع معدل النمو على المدى المتوسط إلى 5% سنويًا، مدعومًا بالتوسع في إنتاج الغاز الطبيعي المسال والإصلاحات الاقتصادية في إطار الرؤية الوطنية 2030. وأضاف فريق صندوق النقد الدولي بأنه من المرجح أن يتحسن معدل التضخم ليصل إلى مستوى 2٪. ومن المتوقع أن تستمر الحسابات المالية والجارية في تحقيق فائض على المدى المتوسط. ويتمتع القطاع المصرفي باستقرار نسبي، على الرغم من ارتفاع نسبة القروض المتعثرة، المرتبطة بإعادة هيكلة القروض المرتبطة بالجائحة. وقد أدى ارتفاع المخصصات النسبية للبنوك إلى تخفيف المخاطر، حيث حسَّن مصرف قطر المركزي التدابير الاحترازية الكلية للحد من المخاطر المرتبطة بعدم تطابق الأصول والالتزامات الخارجية، ولا سيَّما تلك الالتزامات ذات فترات الاستحقاق القصيرة. وأوصى فريق صندوق النقد الدولي بمواصلة الحرص على تعزيز مرونة القطاع المصرفي، وإجراء إصلاحات لتعميق الأسواق المالية المحلية، مشيرًا إلى أن هذه التدابير مدرجة في الإستراتيجية المقبلة للقطاع المالي. ومن الأولويات الأخرى التي أوصى الفريق بها تعزيز المهارات وتحسين ديناميكية سوق العمل، وتبني الاقتصاد الرقمي، والاستعداد للتحول الأخضر والقدرة على التكيف مع أزمة تغير المناخ. ويبدو هذا البيان مشجعًا، نظرًا للتقدم الملحوظ الذي حققه الاقتصاد القطري وعدم وجود أي تعليقات ناقدة له، وهو ما يعكس نضج عملية صنع السياسات الاقتصادية في قطر، وفي الخليج بشكل عام، خلال العقود الأخيرة. ورغم إنفاق دول الخليج عائدات الثروة النفطية خلال عقد السبعينيات على الأصول الثمينة (Trophy assets) إلى حد ما، فقد كان هناك اعتراف متزايد بالحاجة إلى الاستثمار الاستراتيجي والتنويع الاقتصادي، وهو ما يجسده البيان الإستراتيجي لرؤية قطر الوطنية 2030، ومقاومة التدابير قصيرة الأمد التي لا تؤدي إلا إلى تحقيق نمو قصير الأجل عبر تحفيز الإنفاق الاستهلاكي دون تطوير الاقتصاد. ويجب أن تغطي الأولويات سبل تطوير الأعمال وتنمية قطاع السياحة وتعزيز اقتصاد المعرفة والتصنيع؛ والتنمية المالية، وتطوير أسواق السندات المحلية، وبناء صندوق الثروة السيادية لمحفظة استثمارات متوازنة. وتوفر التعليقات الإيجابية والصحية بشكل ملحوظ الصادرة عن فريق صندوق النقد الدولي قدرًا كبيرًا من التشجيع لتحقيق هذه الأهداف. وبمجرد نشر التقرير بأكمله، من الوارد أن يحتوي التقرير على بعض التعليقات السلبية، ومن المحتمل أن تكون هناك الكثير من النصائح المفيدة.

1548

| 27 نوفمبر 2023

هجرة العقول القطرية

توجد 34 مؤسسةً للتعليم العالي في قطر، ونحو 400 برنامج أكاديمي وأكثر من 40 ألف طالب، بزيادة قدرها 13% عن الأرقام المسجلة في عام 2022. وقد حدث نمو سنوي مركب بنسبة 4% في معدلات الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي خلال الفترة 2016-2020. وهناك جامعات عامة وخاصة هادفة للربح تضم مرافق تعليمية متطورة ومراكز بحثية عالمية المستوى توظف أحدث وسائل التكنولوجيا الفائقة وتطبق وسائل التعلم الإلكتروني والاستخدام المبتكر للذكاء الاصطناعي والألعاب في العملية التعليمية. وهناك التزام بدعم التدريب المهني، بالإضافة إلى حدوث تطور من تدريس العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) إلى تدريس العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات (STEAM)، الذي يدمج تدريس الفنون في العملية التعليمية ويسعى إلى الجمع بين الإبداع وريادة الأعمال والبراعة التكنولوجية، كأساس لتشجيع الاقتصاد القائم على التكنولوجيا المتقدمة. ويقدم نظام شامل للمنح الدراسية الدعم لألمع الطلاب، حيث شهد برنامج المنح الدراسية في عام 2023 تسجيل أكثر من 3,000 طالب. وقد استثمرت قطر بقوة في الجامعات الأمريكية، حيث إنها تستضيف الحرم الجامعي لست جامعات أمريكية وهي: كارنيجي ميلون، ووايل كورنيل للطب، وجورجتاون، وفيرجينيا كومنولث، وتكساس إي أند أم، وجامعة نورثويسترن. وبالنسبة لدولة قطر، أدت هذه الاستثمارات في التعليم إلى إنشاء مركز تعليمي إقليمي، وهي تشكل جزءًا أساسيًا من رؤية قطر الوطنية 2030، في إطار إستراتيجية بناء اقتصاد المعرفة. ورغم أن هذه التطورات تُعدُ إيجابية للغاية من حيث منح الشباب فرصًا للدراسة على أعلى المستويات الأكاديمية، فمن الضروري مراقبة مدى مساهمة القطاع في جهود التنمية الاقتصادية. ومع تخرج عدة آلاف من الخريجين كل عام في بلد يبلغ تعداد سكانه 3 ملايين نسمة فقط، هناك خطر يتمثل في وجود عدد كبير للغاية من الخريجين يفوق حاجة الاقتصاد المحلي، مع ما يترتب على ذلك من هجرة العقول. وباختصار، يبدو أن النمو في عدد الخريجين يفوق نمو الوظائف والنمو السكاني. ويبشر وجود مجموعة من الجامعات العالمية المتطورة رفيعة المستوى في قطر بأن تصبح هذه الجامعات مصدرًا للتصدير في حد ذاته، وهو ما يستقطب الطلاب الأجانب، وخاصة من دول الشرق الأوسط الأخرى، لكن البيانات المتاحة حتى الآن تشير إلى أن معظم الطلاب الجامعيين هم من القطريين أو أبناء المقيمين. ورغم أن الطلاب يدفعون الرسوم الدراسية، فمن غير المؤكد قياس مدى تحقيق الجامعات الخاصة للأرباح. وقد يفضل الطلاب المتفوقون من الدول المجاورة الدراسة في المقر الرئيسي للجامعات الأجنبية التي لديها فروع في دول الخليج، بدلاً من الدراسة في حرمها الجامعي الموجود في دول المنطقة، حيث إنهم سيعيشون في بلد ناطق باللغة الإنجليزية، وسيكون لديهم المزيد من الخيارات للتدريب العملي الواعد الذي قد يؤدي إلى تلقيهم لعروض عمل هناك، بل وقد تتاح لهم فرصة الحصول على جنسية ثانية لدولة غربية إذا ما رغبوا في ذلك. وهذا هو التحدي الذي يتعين على صناع السياسات معالجته من أجل تحقيق الأهداف الجريئة لرؤية قطر الوطنية 2030. وكما ناقشنا في المقال السابق، فإن الوضع مواتٍ للدخول في استثمارات صناعية كبرى، على غرار مشروع نيوم التنموي الإقليمي في المملكة العربية السعودية للمساعدة في توفير فرص عمل عالية الجودة للمستقبل. وتوجد العديد من الأسس التي تتيح لدولة قطر إمكانية أن تصبح مركز أعمال عالمي المستوى في اقتصاد المعرفة العالمي والقطاعات الأخرى. ويشكل التعليم العالي أهمية رئيسية لتحقيق هذا الهدف، ويبدو معدل النمو في الجامعات عالية الجودة واعدًا ومبشرًا، ولكن هناك حاجة إلى حدوث زيادة متناسبة في توفير فرص العمل المناسبة لخريجي هذه الجامعات.

1206

| 20 نوفمبر 2023

بناء الصناعات قبل العقارات

يتميز مشروع نيوم في السعودية بأنه من المشاريع الطموحة، حيث يضم منطقةً ساحليةً وجزرًا وصحاري وجبالاً في شمال غرب المملكة العربية السعودية. ويشتمل المشروع على مراكز صناعية حديثة البناء، يرفدها أحد موانئ البحر الأحمر، بالإضافة إلى الوجهات السياحية والمحميات الطبيعية. وهناك 14 قطاعًا مخصصًا للاستثمار والتنمية، بدايةً من الرياضة إلى الطاقة إلى التصميم والبناء. ومن ناحيتين مهمتين، يُعتبر نيوم نموذجًا مفيدًا لعدة أسباب. أولا، هناك تركيز قوي على الاستدامة والتكنولوجيا النظيفة. وثانياً، يُمثل التركيز على الاستثمار طويل الأجل في توسيع نطاق الأعمال، بما في ذلك الصناعات كثيفة رأس المال، أولويةً معقولةً لدولة تسعى إلى ضمان التنويع حيث لا تزال نسبة عالية من عائدات التصدير تأتي من قطاع النفط والغاز. وعند سعيها إلى دعم النمو الاقتصادي والسكاني، شجعت العديد من البلدان مطوري العقارات على بناء مشاريع سكنية جديدة، مع عدم الاهتمام في بعض الأحيان بضمان توفير خدمات داعمة كافية مثل النقل والتعليم؛ أو ما يكفي من فرص العمل ذات الجودة العالية، وهو ما قد يؤدي إلى بناء مشاريع سكنية شبه خالية. وقد ركز مطورو نيوم في البداية على الاستثمار في الشركات الواعدة، والتكنولوجيا المبتكرة والصناعات الرئيسية. وإذا ما بدأت تلك الاستثمارات تؤتي ثمارها، فسوف يتبعها التنمية السكنية والاقتصادية. وفي قطر، على النقيض من ذلك، رأينا مطوري القطاع العقاري، وبعضها مملوك للحكومة، يتسابقون لبناء مشاريع سكنية دون وجود خطة واضحة لهوية من سيشغلها. وفي إطار سعيها لتنويع مصادر الاقتصاد، شجعت قطر جهود تطوير الشركات الناشئة في اقتصاد المعرفة على مدى السنوات العشر الماضية. وهذا أمر يستحق التشجيع، ولكن من غير المرجح أن يوفر العمل المعرفي تنويعًا كافيًا وفرص عمل كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، من المفيد محاولة استقطاب الصناعات والمستثمرين الآخرين لبناء قاعدة لهم في قطر. ورغم أن ميزانية الحكومة القطرية تتمتع بوضع صحي، إلا أنه ليس من المفيد وجود قدر كبير من العمالة في القطاع العام، حيث تلوح بالفعل مؤشرات على وجود عمالة زائدة. ويدخل آلاف الخريجين القطريين سوق العمل كل عام، وقد أظهر القطاع الخاص الحالي علامات على حدوث تباطؤ كبير في التوظيف، مع مساهمة التكنولوجيا في تسريع الانخفاضات في متطلبات التوظيف. وبالتالي هناك حاجة لزيادة حجم القطاع الخاص لاستيعاب الخريجين. وسوف يساهم إنشاء صناعات توظف 1000 شخص بشكل مباشر في دعم الاقتصاد المحلي. وتشير بعض الدراسات أن 1000 وظيفة مباشرة قد تؤدي الى نحو 5000 وظيفة بشكل غير مباشر في مجالات العقارات، وتجارة التجزئة، والضيافة، والتعليم. ويستورد قطاع النفط والغاز، وهو مصدر التصدير المهيمن، العديد من المكونات، ولذلك هناك إمكانية لتصنيع بعض من هذه المكونات في قطر. وقد قامت شركة قطر للطاقة بدور رائد في هذا الصدد عبر تنفيذها للعديد من المشاريع الكبرى بالتعاون مع شركاء دوليين. ولبناء مثل هذه المؤسسات، تكون متطلبات رأس المال هائلة. وفي نهاية المطاف، يتعين على القطاع الخاص أن يتحمل المسؤولية عن تطوير الأعمال، إذ أن الحكومة لا تستطيع بمفردها أن تمتلك أو تدير اقتصادًا ناجحًا. لكن أصحاب رأس المال الخاص قد يتجنبون المخاطرة عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات طويلة الأجل في الشركات عالية رأس المال، ويمكن تأسيس صندوق استثماري حكومي بقيمة 10 مليارات دولار يُستثمر بالشراكة مع مستثمرين دوليين مشاركين في الصناعات متوسطة الحجم ذات القيمة المضافة والتي تتمتع بإمكانات توظيف كبيرة، وتنفيذ برنامج خصخصة بعد حوالي خمس سنوات بمجرد وصول الاستثمار إلى التدفق النقدي الإيجابي. وسوف يكمل ذلك الاستثمارات الهائلة في قطاع النفط والغاز عبر إنشاء صناعات متوسطة الحجم. ولا تعاني قطر من نقص في رأس المال الفكري أو المالي. وتبدو الظروف واعدة للغاية للاستثمار على نطاق واسع لدعم تطوير مجموعة من الشركات الرائدة، وضمان توفير وظائف واعدة للخريجين القطريين والمقيمين. ويمكن أن تأتي مشاريع التنمية السكنية بعد ذلك.

594

| 13 نوفمبر 2023

alsharq
حدود العنكبوت

حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...

3354

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
المدرجات تبكي فراق الجماهير

كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...

2580

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
انخفاض معدلات المواليد في قطر.. وبعض الحلول 2-2

اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...

2097

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
العالم في قطر

8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...

1803

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
طال ليلك أيها الحاسد

نعم… طال ليلك ونهارك أيها الحاسد. وطالت أوقاتك...

1554

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
حين يصبح النجاح ديكوراً لملتقيات فوضوية

من الطرائف العجيبة أن تجد اسمك يتصدر أجندة...

1230

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
الكفالات البنكية... حماية ضرورية أم عبء؟

تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...

897

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
نحو تفويض واضح للقوة الدولية في غزة

تسعى قطر جاهدة لتثبيت وقف اطلاق النار في...

843

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
نظرة على عقد إعادة الشراء

أصدر مصرف قطر المركزي في التاسع والعشرين من...

789

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
مِن أدوات الصهيونية في هدم الأسرة

ما من ريبٍ أن الحلم الصهيوني لم يكن...

768

| 02 نوفمبر 2025

alsharq
من المسؤول؟

أحيانًا أسمع أولياء أمور أطفال ذوي الإعاقة يتحدثون...

759

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
خطاب سمو الأمير خريطة طريق للنهوض بالتنمية العالمية

مضامين ومواقف تشخص مكامن الخلل.. شكّل خطاب حضرة...

675

| 05 نوفمبر 2025

أخبار محلية