رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ابن عيدان... في الميزان!

في سبعينيات القرن الماضي وفي أحد المسلسلات الكويتية الشهيرة كان أحد الممثلين يؤدي دور «النوخذه بن عيدان» تاجر الخشب أو ما يسمى بـ «الدنجل» المشهور في الخليج، ومما تبقى في ذاكرة ذلك الجيل عن «بن عيدان» أنه شجاع لدرجة أنه يتعمد الإبحار في العاصفة كما يقال «ما يدش إلا في الضربة»، لكن شجاعته تلك أدت إلى خسارته كل ما يملك عندما جاءت الأخبار المفاجئة بأن «مركب بن عيدان طبع» أي غرق في البحر بكامل حمولته من الأخشاب. «ابن عيدان» وإن كان شخصية خيالية إلا أنه يجسد نموذجا لاسلوب حياة لا يقتصر على فئة دون أخرى، فهو يمثل الشخص الذي يتصرف بطريقة غير مسؤولة وكأن ليس لديه ما يخسره، سواءً أكان طالبًا على كرسي الدراسة أو موظفًا أو مسؤولًا، لا يفكر في مآلات الأمور عندما يقدم على عملٍ ما، ولا في عواقبها ظانًا أن ذلك من الشجاعة والبطولة، وينسى أن الشجاعة بلا حكمة ولا احتسابٍ للعواقب تسمى تهور، والمتهور مصدر تهديدٍ لنفسه ولأسرته وللمجتمع. قد تصادف ذلك النموذج في الطريق، يقود سيارته أو دراجته النارية بسرعة جنونية فيربك الحركة المرورية ويكتسح حقوق الآخرين برعونة، لا يحترم حقوق مستخدمي الطريق ولا يلتزم بقواعد المرور، فهو مشروع حادث وشيك قد يحدث في أي لحظة معرضًا الأبرياء للخطر. أما إذا دخل «بن عيدان» مجال التجارة فإنه يحلم بالثراء السريع ويتجاهل نصائح أهل الخبرة، فتجده جسورًا على الدخول في مشاريع تجارية غير مدروسة، وعلى المجازفة في الاقتراض وتكديس الديون، والتشبه برجال المال والأعمال، وعيش حياة الترف والبذخ، ثم لا يلبث أن ينتهي به الحال إلى خسائر فادحة، فينقلب ذلك الحلم إلى كابوس، ليجد نفسه بين عشية وضحاها من الغارمين الذين يبحثون عن طوق نجاة من التعرض للعقوبة، فيستجدي المؤسسات الخيرية ويحرج القريب والبعيد، ويصبح مصدر قلق لأسرته. تلك الفئة غير المنضبطة والتي لا تبالي بمصلحتها هي من باب أولى لا تبالي بالمصلحة العامة، وأعتقد بأن الأضرار التي يخلفها «البنعيدانيون» في المجتمعات لا تقتصر على ماسبق ذكره، بل إن بعض الدول والأقاليم قد عانت من ذلك النموذج في حراكها السياسي والاقتصادي، وفي قياداتها الحزبية المتحمسة لأيدولوجياتها دون أي اعتبار للحسابات السياسية والمنفعة العامة حتى أصبحت مقدرات تلك الدول أثرًا بعد عين. لذا ينبغي علينا كمؤسسات وأفراد أن نحرص على أن نتخذ كافة الإجراءات لردع هذا النموذج والحد من انتشاره، وأن نعمل على أن لا يصل «بن عيدان» إلى مراكز صنع القرار مهما صغرت المسؤولية. يقولون في الأمثال «ينفعك من نفع نفسه».

3414

| 06 سبتمبر 2023

أحجار الطابور الخامس

لا يخفى على المتابع للشأن العام في الشرق الأوسط الأزمات التي يعيشها الوطن العربي على مدى عقودٍ من الزمن، ما بين ضياع البوصلة وغشاوة الرؤية وضآلة الإنجازات وضعف البنية المجتمعية، رغم ما يمتلك من مقومات بشرية، وموارد طبيعية، وجغرافيا إستراتيجية، لو استغلت بشكل صحيح لجعلت منه كتلة صلبة بين التكتلات السياسية، ورقما صعبا في الحراك السياسي الدولي. إلا أن الواقع غير ذلك تمامًا، فمعظم الشعوب العربية اليوم، وهذا من واقع المؤشرات الدولية، تعاني من تغلغل الفساد وعدم جدية المبادرات لمحاربته، ومن تواضع مخرجات التعليم، وتردي جودة الخدمات، وعرقلة مبادرات الإصلاح التي تتبناها مؤسسات المجتمع المدني، وضيق مساحة الحريات، فضلًا عن النزاعات الحدودية، والحروب الباردة، والمناكفات السياسية التي لا يأمن عواقبها المواطن البسيط إذا ما قرر السياسيون خوض غمارها من أجل حساباتهم الضيقة. ولست ممن يتبنى قضايا جلد الذات، ولا تلميع المعادن الرخيصة، وأميل بطبيعتي إلى التعامل مع الواقع والمستقبل أكثر من الاستغراق في التاريخ الذي أجهل ظروف كتابته، لذا أعجب من بعض المنتسبين للعلم والثقافة في وطننا العربي عندما يتجاهلون كل تلك التحديات التي نواجهها في واقعنا المعاصر، ثم ينبري أحدهم جاهدًا في نبش تاريخ الدولة العثمانية باحثًا عن مثالبها وعن هفوات سلاطينها، مجتهدًا في تشويه صورتها بشتى الوسائل، وأنا أتساءل لحساب من كل ذلك؟ تلك الإمبراطورية الإسلامية استمرت 622 عامًا، وخلال عقود بسيطة من نشأتها في العام 1299م، فرضت نفسها كقوة بحرية عالمية بعدما أحكمت قبضتها على عشرات الموانئ في آسيا ووسط أوروبا وشمال إفريقيا، فكانأسطولهاالقوة التي لا تغيب عنها الشمس، ولها من الإرث الحضاري ما يغنيها عن أن تستجدي من يدافع عن تاريخها وعن ثقافتها وعن عمرانها وعن صناعتها وعن مؤسساتها. ومع أننا لا نصدر صك «المدينة الفاضلة» لأي دولة عبر التاريخ الإسلامي عدا حقبة الخلافة الراشدة، فإنه لا يخفى على المتابع لهؤلاء الناعقين على كل صعيد بأن الهدف من هذه المحاولات البائسة لتشويه تاريخ الدولة العثمانية هو النيل من جذور الجمهورية التركية الحديثة بقيادة حزب العدالة والتنمية، تلك الدولة التي قامت على أنقاض دولة الخلافة العثمانية، أي منذ ما يقارب المائة عام، حيث معاهدة لوزان التي عقدت بين الدولة العثمانية ودول الحلفاء وهي آخر معاهدة للدولة العثمانية، وبالتزامن أيضًا مع نفاذ معاهدة سايكس بيكو المشؤومة. كان الأجدر بمن يرى القذى في تاريخ الخلافة العثمانية أن يبصر الشتات والتيه الذي يحيط به، كان الأولى أن يستخدم شجاعته اللفظية ومهاراته البحثية في إبراز التحديات التي تواجه الوطن العربي، والمساهمة في إيجاد حلول لأزماته المتلاحقة، كان الأولى بالمثقف العربي من هؤلاء أن يسلط الضوء على الإنجازات العظيمة للدولة التركية الحديثة خلال المائة عام الماضية متسائلًا عن أسباب تقدمها وتأخرنا كعرب على كافة مستويات عناصر النهضة الحديثة، ثم يتساءل ... أين نحن من صناعة السلاح؟ وأين نحن من صناعة الدواء؟ وأين نحن من صناعة الغذاء؟، بل أين نحن من حرية الرأي ومن حقوق الإنسان ومن نزاهة الانتخابات ومن استقلالية منظمات المجتمع المدني، ومن مكافحة الفساد السياسي؟ وختامًا يقول المثل العربي: “من كان بيته من زجاج،لا يقذف الناس بالحجارة”.

1815

| 30 أغسطس 2023

“دهنا في مِكبّتنا”... وغابات الأمازون

هو مثل شعبي يحمل معاني جميلة عن التكامل والتكافل بين الناس عمومًا والأقارب خصوصًا، فإذا تزوج الابن بابنة عمه قالوا «دهنّا في مكبّتنا»، وإذا تعاقدت مع شركة أخيك لبناء فيلتك فأكيد إن دهنكم يكون في مكبّتكم... وقس على ذلك. وقد يتوسع البعض في استغلال هذا المبدأ فيستخدم صلاحياته الوظيفية لتشغيل شركته أو شركة أحد أقاربه في جهة عمله، أو يوجه قسم المشتريات للتعامل مع تاجر معين وهنا يختلف الأمر فيصبح المثل «دهن الحكومة في مكبّتنا». ولكن ما علاقة المثل الشعبي آنف الذكر بغابات الأمازون التي تمتد عبر تسع دول لاتينية؟، تخيل لو أن مسؤولًا عن البيئة في إحدى تلك الدول عرضت عليه شركة أخشاب عملاقة رئاسة مجلس إدارة الشركة، طبعًا مقابل المكافأة التي عادةً ما تصرف لأعضاء مجلس الإدارة، والسؤال كيف سيكون موقف ذلك المسؤول إذا تعارضت أعمال الشركة مع المصلحة العامة؟، كيف سيتصرف إذا لم تلتزم الشركة بالشروط البيئية؟، أعتقد أن «رئة الأرض» ستكون في خطر محدق. وبالمثل عندما يكون رئيس مجلس إدارة مؤسسة ما هو نفسه الرئيس التنفيذي للمؤسسة ذاتها فإن في ذلك تعارضا صارخا للمصالح، وذلك أن رئيس مجلس الإدارة يتبع للجهاز الحاكم وهو جهة رقابية وتشريعية، في حين أن المدير العام أو الرئيس التنفيدي يتبع للجهاز التنفيذي ويخضع لرقابة الجهاز الحاكم، فإذا تولى رئيس مجلس الإدارة صلاحيات تنفيذية أصبح هو يراقب على نفسه وأصبحت الشركة في مهب الريح. لذلك فإن مبدأ «الحوكمة» التي تعرّف بأنها مجموعة من الأنظمة والضوابط التي تنظم العلاقات بين أصحاب المصلحة وتحقق مجموعة من المبادئ كالعدل والشفافية والمساواة، قائم على فصل السلطات. ولا شك أن عدم فصل السلطات التي تعرف بـ «السلطات الثلاث» (التشريعية والتنفيذية والقضائية) يفتح الباب على مصراعيه للممارسات الفاسدة ويقوض منظومة النزاهة. ومن هذا المنطلق فإنه لا ينبغي لأي مسؤول في جهة حكومية رقابية مهما علا منصبه أن يتقلد منصبا أو عضوية ما في أي شركة أو مؤسسة تخضع لرقابة الجهة التي يعمل بها تجنبًا لتعارض المصلحة الخاصة التي يجنيها من عضويته تلك بالمصلحة العامة التي تتبناها جهة عمله فيقدم مصلحته على ما تقتضيه المصلحة العامة على أساس «دهنّا في مكبّتنا».

5946

| 23 أغسطس 2023

أنا لن أعود... للمدرسة

أذكر أنني قلت لأبي يومًا ما «أنا لن أعود للمدرسة»، وكنت وقتها في الصف الثالث الابتدائي، كنت منزعجًا جدًا من بيئة المدرسة التي كانت وما تزال تمثل تحديا كبيرا للطفل مع بداية تواصله بالعالم الخارجي وانتقاله من جو الأسرة التي تربى فيها على قيم وأسلوب حياة معين ليجد نفسه في وسط مختلف تماما، وليكتشف أن القيم والمعايير والسلوك التي تعلمها وشب عليها ليست بالضرورة أن تكون مشتركة بينه وبين زملائه في المدرسة. أذكر في ذلك اليوم أن والدي تصرف معي بحكمةٍ بالغة كما هو معهود عنه في مواقف كثيرة، سألني بدايةً عن السبب في عدم رغبتي في مواصلة الدراسة، فأخبرته بكل براءة أن السبب هو كثرة المشاجرة مع بعض الطلاب الأكبر مني سنًا، فسألني ولماذا المشاجرة؟، قلت إن أولئك الطلاب غير منضبطين ويقومون بأعمال تخريبية في الفصل وعندما يسألني المعلم عن المتسبب في هذا الشيء أو ذاك أخبره مباشرة بالفاعل فأنا لا أستطيع أن أكذب إذا كنت أعلم الفاعل وهذا ما يثير غضب الطلاب عليّ، فأنا أمام تحد كبير، إما أن أكذب على المعلم، أو أقول الحق وأتعرض للمشاكل، لذلك لا أريد المدرسة. كانت ردة فعل والدي غير متوقعة، قال لي: طيب، إذا خرجت من المدرسة ماذا ستفعل؟ قلت له سأفتح دكانًا وأعمل في التجارة، فقال هذا كلام جميل، ماذا لو جاء عمك للدكان وطلب منك بضاعة على أن يدفع المبلغ آخر الشهر هل ستعطيه؟ قلت نعم، قال وماذا لو جاء جارنا فلان وطلب منك بضاعة على أن يدفع هو أيضًا آخر الشهر هل ستعطيه؟ قلت بلا شك، وراح يكرر علي نفس السؤال وأنا أقول نعم، ثم ابتسم وقال وهو يضع يده الحنونة على كتفي: يا بني كيف ستحاسب كل هؤلاء آخر الشهر وأنت لا تعرف الحساب؟، سكت لبرهة وأنا مشتت الفكر، ثم قلت: سأعود للمدرسة من الغد. تلك هي ذكريات الماضي القريب الذي كان فيه للأسرة نصيب الأسد في التربية والنصح والتوجيه، لم يحمل فيه معظم الآباء الشهادة الثانوية ولكنهم حملوا في صدورهم الحكمة والبصيرة، لم تتح لمعظمهم فرص التعليم كما هي متوافرة الآن إلا أنهم أتاحوا كل الفرص لأبنائهم وبذلوا ما في وسعهم ليصنعوا رجالًا على قدرٍ من المسؤولية. وها أنا ذا اليوم أستقبل حفيدتي بسعادةٍ بعد أن أنهت عامها الدراسي الأول بتفوق، أنظر إليها وكأنني أنظر لجيلٍ توافرت له من الإمكانات والفرص ما لم تتوافر للأجيال السابقة، إلا أن التحديات التي يواجهها اليوم الآباء والأمهات في خضم هذه الطفرة المعلوماتية وهذا السيل من التطبيقات والمحتويات التي طغى غثها على سمينها، وتلك الأفكار الشاذة التي دست في كل فن كما يدس السم في العسل، والثقافات المنحرفة التي تزاحم الفطرة السليمة في برامجها وأطروحاتها، تلك التحديات أكبر وأعقد بكثير من المشاجرات التي قررت على إثرها ترك المدرسة يومًا ما. أما اليوم فأتمنى أن أعود للمدرسة من جديد ولسان حالي يقول كما قال الشاعر المبدع كريم العراقي: آهِ كَمْ أَشتاقُ أَيامَ أَبيْ... رُغمَ ما فيها من الهمِّ وطولِ التعبِ

5661

| 16 أغسطس 2023

مَنْ الذي هَز الْإِناءْ؟

يقال إذا جمعت مائة نملة سوداء ومائة نملة حمراء ووضعتها في إناء، فلن يحدث شيء، ولكن إذا رججت الإناء بعنف وتركته على الطاولة، سيبدأ النمل في قتل بعضهم البعض، حيث سيعتقد النمل الأحمر أن النمل الأسود يهاجمه، في المقابل يعتقد النمل الأسود أن النمل الأحمر هو الذي بدأ الهجوم، بينما العدو الحقيقي هو الذي هز الإناء. وتلك المقولة تنسب خطأً لعالم الطبيعة والمذيع البريطاني الشهير السيد «ديفيد فريدريك». تقول عالمة الحشرات البروفيسور «لوري لاتش» إن تلك المقولة عارية من الصحة، وأن عدوانية النمل تجاه بعضهم البعض ليس لها علاقة بهز الإناء ولكن لها علاقة بنوع النمل حيث يوجد في العالم أكثر من خمسة عشر الف نوع، وتضيف قائلة: «نتوقع أيضًا أن نرى سلوكًا عدوانيًا بين نمل من نفس النوع إذا كانوا من مستعمرتين مختلفتين، وعلى الرغم من أنها تبدو متطابقة لنا أو من نفس الفصيلة إلا أن النمل يمكنه «شم» الغرباء « ومن ثم يبدأ الهجوم بدون أن نهز الإناء. والجدير بالذكر أن إحدى الدراسات التي أجرتها جامعة قطر العام الماضي أثبتت وجود خمسين نوعا مختلفا من النمل في شبه جزيرة قطر، وأعتقد أن العدد سيكون أكثر على مستوى جزيرة العرب وأن سلوكها تجاه بعضها البعض يعتمد على المستعمرات التي تنتمي لها وإن كانت من نفس الفصيلة كما ذكرنا سابقًا. ذلك في عالم الحشرات، أما في عالم الإنسان فالوضع مختلف تمامًا، فالبشر عندهم القدرة للتعايش مع من لاينتمي لمجتمعاتهم، ويستطيعون استيعاب الاختلافات العرقية والدينية والمذهبية إذا قرروا ذلك، كما أن لديهم القدرة على التعايش في منزل واحد مع من لا ينتمي لعرقهم ولا لعقيدتهم، وينطبق ذلك أيضًا على الدول وعلاقاتها المبنية على الاحترام المتبادل وعلى عدم التدخل في شؤون بعضها بعضًا. وبعكس عالم النمل الذي لديه عدوانية تلقائية تجاه الغير، فإن في عالم الإنسان لا تظهر تلك العدوانية بصورة جلية إلا عندما يهتز إناء المجتمع بفعل فاعل، عندها يبدأ الاستقطاب للأعشاش سواء الوطنية أو القبلية أو المذهبية أو العرقية، وعندها تبدأ الأزمات على مستوى الأفراد والمجتمعات وعلى مستوى الدول المتجاورة. لذا علينا قبل أن نشمر عن سواعدنا لخوض الحروب أن نتريث ونسأل أنفسنا..... من الذي هز الإناء؟

2997

| 09 أغسطس 2023

موعد مع الله

كان أحد الدعاة في زيارة لإحدى العواصم الأوروبية في شهر رمضان المبارك، فوجهت له دعوة من أحد أندية الطلبة العرب لإلقاء محاضرة قبيل الإفطار، يقول الداعية: «اخترت أن يكون حديثي عن «إدارة الصلاة»، وفي الموعد المحدد تقدمت إلى المنبر وفي يدي ورقة كتبت عليها آيتين وحديثين عن الصلاة، ألقيت السلام على الحضور كالمعتاد ثم فتحت الورقة وبدأت أقرأ ما فيها بسرعة فائقة لا يكادون يفقهون معها ما أقول، في دقيقة واحدة كنت قد انتهيت من قراءة الورقة، فطويتها على عجل وبادرت بالمغادرة وأنا أقول لهم: عفوا لتسرعي ولكنني مضطر لأن أترككم الآن فأنا على موعد مع أناس أكثر أهمية منكم بكثير. تناولت حقيبتي مندفعا إلى الباب وأنا ألمح بطرف عيني معالم الدهشة وقد عقدت ألسنتهم وعلى وجوههم خليط من الاحتجاج والاستغراب وعدم التصديق بل ربما الاستنكار والاستهجان، أهكذا كانت ردة فعل البشر التلقائية إزاء تصرف غير مؤدب كتصرفي تجاه ما وعدتهم به؟ عدت إلى الطلبة خلال ثوانٍ لأعتذر عما بدر مني قائلًا هل أنتم غاضبون مني؟ حسنًا، لقد فعلت هذا معكم مرة واحدة وها قد عدت معتذرا، ولكننا نفعل ذلك مع الله خمس مرات كل يوم، ثم لا نعود إليه أبدًا معتذرين تائبين». (من كتاب إعادة اكتشاف الصلاة). نكون في موعد مع الله في وقت كل صلاة ولمدة لا تزيد عن خمس إلى عشر دقائق، يدخل البعض منا في الصلاة بحركات جسدية روتينية رتيبة مفرغة من الحس والتركيز فضلا عن الخشوع، وتشرد أذهاننا يمنة ويسرة نفكر في كل شيء لنقطع به الوقت إلا الصلاة، لا تسخو نفوسنا بذلك الوقت اليسير لله. ولنتذكر كيف نقف منتبهين متيقظين أمام ملك أو وزير أو مسؤول حتى ننال منه ما نريد من غرض الدنيا، وكيف نقف أمام ملك الملوك بهذه الهيئة ثم يقول أحدنا دعوت ولم يستجب لي. قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}.

3375

| 02 أغسطس 2023

الشنطة الكبيرة

منذ أكثر من عقدين من الزمن، وفي مطار إحدى العواصم العربية، وبعد أن أنهى المسافرون القادمون من الخليج إجراءات الدخول وأخذوا أمتعتهم متجهين إلى مكتب الجمارك، يقول صاحب القصة كان يقف أمامي رجل يبدو لي من ملابسه وهيئته أنه رجل بسيط، كان يحمل حقيبة يد ويجر خلفه حقيبة سفر كبيرة ربط وسطها بحبل كي لا تنفتح وقد أكل الزمان عليها وشرب، نظر إليه موظف الجمارك من الأعلى إلى الأسفل وكأنه ينتقص منه ثم سأله: هل معك شيء يتجمرك ياشيخنا؟، فقال الرجل نعم معاي جهاز فيديو، فاستغربت من صراحته وبساطته، قال له الموظف أعطني الجهاز، ففتح المسافر حقيبة اليد التي كان يحملها وأخرج منها جهاز مسجل كاسيت وقدمه لموظف الجمارك، استشاط الموظف غضبًا وهو يقول للمسافر أتهزأ بي؟، فرد المسافر لا والله وأخرج على الفور فاتورة من جيبه وقدمها للموظف، وما أن قرأها الموظف حتى تغيرت ملامح الغضب التي كانت على وجهه وبدأ يضحك بطريقة هستيرية وهو يردد: لقد ضحكوا عليك وباعوك جهاز الكاسيت بألف ومائتي ريال، ثم قال: يالله يا شيخنا خذ أغراضك وتوكل على الله لا تعطل الناس. يقول صاحب القصة عندما أنهيت إجراءاتي وخرجت من مبنى المطار وجدت الرجل واقفا على الرصيف ينتظر الحافلة التي ستقله إلى بيته، هرولت إليه مسرعاً وكلي فضول أن أعرف قصة جهاز الكاسيت الذي ابتاعه على أنه فيديو، وما أن وصلت إليه إلا وقد ارتسمت ابتسامة بسيطة على شفتيه، قلت له ما الذي حدث كيف تتعرض للغش بهذه البساطة، فرد علي قائلًا تقصد قصة الفيديو؟ قلت نعم، فضحك طويلًا ثم التفت إلي وهو يهم بالركوب في الحافلة قائلًا: الفيديو في الشنطة الكبيرة. من المتعارف عليه أن مظهر الإنسان يعكس الكثير من شخصيته ومستواه الاجتماعي، وذلك ما يسمى بالصورة النمطية، ولا شك أن هيئة السارق لا تبدو كهيئة الطبيب حتى لو لبس ملابس الطبيب، وأن هيئة المجرم مختلفة تمامًا عن هيئة الشرطي، في المقابل لا يجب أن يكون لتلك الصور النمطية المختزنة في عقولنا تأثير على طريقة تفكيرنا وقراراتنا، لا أقول نتجاهل أحاسيسنا المبنية على الصورة ولكن يجب ألا نعتمد عليها اعتمادًا كليًا فنقع في ما وقع فيه موظف الجمارك. وفي الختام أقول: ليس عيبًا أن نجتهد ونخطئ في قراراتنا، ولكن المفارقة هي عندما نتخذ القرار الخطأ بكل ثقةٍ وتكبرٍ وزهو وازدراء للآخر في الوقت الذي نخسر فيه كل شيء ثم لا نعترف بالفشل.

3720

| 26 يوليو 2023

حكيم ما بعد الحادث

في مساء أحد الأيام كان المسافر راكبا حصانه وسائرا قرب الساحل، فلمح نُزُلًا من بعيد فقرر أن يقضي ليلته فيه، فارتجل وربط حصانه بشجرة أمام باب النُّزُل، وعند منتصف الليل وبينما الجميع يغط في نوم عميق، جاء لص وسرق الحصان، وفي الصباح نهض المسافر من نومه وجاء على الفور إلى حيث ربط الحصان فلم يجده، وبعد أن بحث عنه في كل مكان عرف أن لصًا سرقه في تلك الليلة فحزن حزنًا شديدًا. ولما علم النُّزَلاء بما جرى تجمهروا حوله وبدؤوا يلومونه على تصرفه الخاطئ الذي تسبب في سرقة الحصان، فقال الأول: ما أحمقك أيها الرجل! لماذا ربطت حصانك خارج الاصطبل؟، ثم قال له الثاني: اني أستغرب أنك لم تقيد الحصان عندما ربطته!، فما أكثر جهلك!، وقال الثالث: لماذا لم تنم في الخارج قرب الحصان؟، ثم قال الرابع: إن السفر إلى البحر على ظهور الخيل غباوةٌ من الأساس!، وقال الخامس: اما أنا فأعتقد أنه لا يقتني الخيول إلا كل بليد بطيء الخطى، فدهش المسافر من فصاحتهم وبلاغتهم في الوعظ والإرشاد بعد فوات الأوان، وقال لهم عندما سرق حصاني جاءتكم الفصاحة والبلاغة وذهبتم تعدون هفواتي وزلاتي، ومع كل ما أوتيتم من قوة البيان لم يقل أحد منكم كلمة عمن سرق الحصان، ولم يذكر أحد منكم اللص بسوء!. تلك القصة من روائع الفيلسوف اللبناني «جبران خليل جبران» وعنوانها «الناقدون» والتي أوردها في كتابه «المجنون»، إنها قصة تختزل في طياتها فلسفة إجتماعية عميقة، أحداثها ومشاهدها متكررة في كل زمان ومكان، فكلنا عشنا أو معرضين أن نعيش مأساة ذلك المسافر يومًا ما. عندما يقع أمر ما يظهر من حولنا العديد من الحكماء فجأة يبدؤون حديثهم بحرف الشرط «لو»، فيقول أحدهم «لو فعلت كذا لما كان كذا وكذا»، وتلك الشخصية تسمى «حكيم ما بعد الحادث»، أي إنه لا يمتلك أي نصيحة أو رأي قبل أن يقع الحادث، ولم يكن يتوقع أنه لا تصير الأمور على ما يرام أصلًا، وما أن «تقع الفأس في الرأس» إلا وتجده فجأةً أصبح مفوها وذا نظرة ثاقبة للأمور، وبدأ يلعب دور «لقمان الحكيم» ولكن بعد فوات الأوان.

3762

| 19 يوليو 2023

الغباء الاصطناعي وإمكاناته الخارقة

يعرف الذكاء الاصطناعي بأنه محاكاة لعمليات الذكاء البشري بواسطة آلات وبرمجيات متطورة، وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عنه وعن أثره المتوقع على نمط حياتنا والدور المحوري الذي سيلعبه في تشكيل مستقبلنا، لا شك أن الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت التقنية وبوتيرةٍ أسرع بكثير مما شهدناه منذ مطلع القرن العشرين. ولكن هل ممكن للآلة أن تتصنع الغباء في بعض المواقف؟ وهل نحتاج لتصنع الغباء أصلًا؟ الجواب نعم، نحن بحاجة للغباء الاصطناعي في بعض المواقف حتى نتغلب على الكثير من التحديات والصدامات المحتملة، وتلك المهارة لا يجيدها ولن يجيدها أحد إلا الإنسان متى شاء وكيفما شاء، وهي من مكارم الأخلاق وعلو المكانة كما قال المتنبي: ليس الغبي بسيّدٍ في قومهِ … لكنّ سيّد قومه المتغابي لذلك فإن التغابي مهارة لا يتقنها إلا القادة والأذكياء، فتجدهم يتجاهلون كلمة سيئة قيلت بغير حساب فلا يضطرون للرد على من قالها، فيتجنبون بذلك الانحدار إلى سفاسف الأمور التي قد تنقص من قدرهم اكثر بكثير من أي مكسب محتمل، كما أنهم يغضون الطرف عن المواقف السلبية التي قد يتخذها البعض في موضوع ما تجنبًا للدخول في مواجهات مباشرة وغير منضبطة، فيكسبون بذلك احترام الجميع وتكون لديهم فرصة أكبر لحل المشكلات ومواجهة التحديات في الجولة القادمة، وهكذا يتصنعون الغباء في اللقاءات الاجتماعية المختلفة، فعندما ترسل إليهم رسائل شفهية لا يرغبون فيها فإنك لا تجد لها صدى على تعابير وجوههم وكأنهم لم يفهموا الرسالة أو كأنّهم ليسوا المعنيين بها. ولن نبالغ إذا ما قلنا إن الغباء الاصطناعي هو سيد مهارات الذكاء الاحتماعي، عليك فقط أن تتخيل كم يحتاج لهذه المهارة الساسة والدبلوماسيون والمفاوضون لمواجهة المواقف المعقدة والحساسة، فخلف ستار التغافل يتم التعامل بجدية مع الرسائل المباشرة وغير المباشرة دون تنبيه الآخر بدرجة أهميتها لدى المتلقي. ولا يقل عن تلك الأهمية تغافل المعلم عن ملاحظة بعض تصرفات الطلاب حتى يكسب الوقت الكافي لتمرير الرسالة المناسبة لهم في الوقت المناسب، ولك أن تتخيل النتيجة أيضًا لو طبق زملاء العمل تلك المهارة وتغافلوا عن هفوات بعضهم البعض أو عن مضايقات العملاء وتصنعوا الغباء من أجل المصلحة العامة، فضلًا عن راحة البال. أما الأزواج فهم بلا شك في أمس الحاجة لتصنع الغباء أو التغافل في بعض المواقف للحفاظ على بناء الأسرة وتماسكها، فالتركيز في كل شاردة وواردة، ليس محمود العواقب، وكثرة العتاب من مؤشرات الغباء وليس التغابي، كما يقال إن كثرة العتاب تفرق الأحباب. فهل يستطيع أي مبرمج ذكاء اصطناعي على وجه الأرض أن ينتج للبشرية تطبيق غباء اصطناعي بهذه الإمكانيات الخارقة التي منحنا إياها الخالق؟

3576

| 12 يوليو 2023

فوضى أم حرية تعبير؟

يحكى أن أحد الملاحدة زار مجلس أحد العلماء من المسلمين المهاجرين في يوم انعقاد درسه الأسبوعي، وكان هدفه من الزيارة إثارة الشبهات حول كتاب الله عز وجل وإحراجه في مجلسه وأمام طلابه، فلما أخذ مكانه وانتهت طقوس الضيافة، وقد امتلأ المجلس بالضيوف من طلبة العلم، انتهز الملحد الفرصة وسأله قائلًا: ألستم تَدَّعُونَ أن كتابكم لم يترك شيئًا إلا وذكره؟ قال العالم نعم وتلا عليه الآية: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ»، قال الملحد حسنًا، أليست عاصمة بلدي من أشهر عواصم الدنيا؟ قال العالم نعم هي كذلك، فقال الملحد: وأين ذكرت في كتابكم المقدس؟، فضج المجلس بأصوات الحضور مستنكرين جُرأته على كتاب الله، فرفع الشيخ يده أن اهدأوا، ثم نادى صبيًا في المجلس، وكان من أحفاده، فلما دنا منه قال يا بني أين ذكرت تلك المدينة في كتاب الله، فقال الصبي قال تعالى في سورة الأعراف الآية 145: « سأُريكم دار الفاسقين «. يقول أحد الزعماء الغربيين إن الأمة، ويقصد مواطنيه، تقف مع حرية التعبير ضد ما عبر عنه «بالظلامية» ويقصد بهذا التعبير كل من يعترض على الإساءة لدين الإسلام ورموزه، بمعنى أن المسلمين جميعًا ظلاميون لأنهم يرفضون ذلك، وهذا فيه تحدٍ واستفزاز للمسلمين، بالأمس القريب يساء لنبينا واليوم يحرق كتابنا المقدس في الوقت الذي لا يقبلون فيه المساس بمعتقدات المنحرفين عن الفطرة البشرية وعباد الأوثان، وفي ذلك أقول: حُريَةُ الرأي تَجْثو عند مَعْبَدِكُمْ وتَحْتَفِي كُلَ عِلجٍ حَامِلَ الحَطَبِ كُلُ الدياناتِ مِنْ زُورٍ ومِنْ وثنٍ لا تَقْبَـلُونَ عَليها النَّقْدَ مـِنْ أَدَبِ وكُلُهُمْ في نِظَامْ الغَرْبِ مُحتـرمٌ إلا الذي عند رب الكون مُنْتَجَبِ يا أطهر الخلق ما للناس مُعْتَصِمٌ يَذُودُ عَنْكَ ومـا للحقِ مغْتَضِبِ فما هو موقف المسلمين من حادثة حرق القرآن الكريم في السويد؟، طرح هذا السؤال على مجموعة من الشباب المسلمين، فكانت الردود متباينة، قال أحدهم: « إن رسولنا الكريم لم يأمر أمته أن ترد على الإساءة بالعنف، بل إن هذا الفعل يسيئ لسمعة الإسلام»، وقال آخر « قد يفقد المرء عقله اذا شُتم أبوه أو طعن في شرف أمه فتكون ردة فعله عنيفة وغير متوقعة، فكيف اذا ما تعرض أحدٌ لمقدساته؟، واردف قائلًا: لماذا لا يعتبر من يحرق المصحف الكريم متهورا ومجازفًا؟، نحن كمسلمين نستنكر العنف ونرفضه، لكننا في المقابل لا يمكن أن نقيس ردة الفعل بمقاييس العقل لأن المعتدي قد يسلب عقل المعتدى عليه بفعله، وعليه أن يتحمل العواقب، نحن نحترم كل الأديان وعليهم أن يحترموا ديننا»، وقال ثالث: « أعتقد بأن هؤلاء القوم لا يفقهون إلا لغة المال، وعلينا أن نقاطع بضائعهم» من الطبيعي في أي مجتمع أن تكون الآراء متباينة تجاه نفس القضية، لكن على الغرب إن أراد تغليب صوت العقل لا العنف، أن يكون عاقلًا في طرحه أيضًا، الحوادث المؤسفة وردات الفعل العنيفة لأي إنسان تنتهك مقدساته، يتحمل وزرها دعاة ازدراء الأديان بحجة حرية التعبير، وعلى بعض دول الغرب أن تعيد حساباتها لتوقف قطار العنف، كمسلمين لسنا ضد «حرية التعبير»، بل إن نبينا الكريم لم يكمم الأفواه كما تفعل بعض الأنظمة المعاصرة، وقد نهانا ديننا أن نعتدي على مقدسات الآخرين تقديرًا لمشاعرهم، فهل منكم رجل رشيد؟

3885

| 05 يوليو 2023

أي شيءٍ في العيد؟

يأتي العيد فتذهب بنا الذكرى إلى الماضي البعيد، إلى أول عيدٍ عرفنا به طعم العيد ولبس الجديد، كنا نعيش يومنا ولا نفكر بالغد، لم نكن نعلم ما تخبئه لنا الأيام، كنا صغارًا وكانت أحلامنا كذلك، لم ندر بأن الأيام ستغيّب تلك الوجوه التي ألفتها أعيننا، وتلك الأصوات التي سكنت في أرواحنا، وتلك الابتسامات التي أعطتنا الأمل قبل أن تعطينا العيدية. في تلك الحقبة لم يكن حولي من يهتم بالشعر العربي الفصيح، لذا لم أكن لأسمع ما قاله أبوالطيب المتنبي في العيد، ولو سمعته لأختصر علي قوله المسافات وكفاني المؤونة حيث قال: عيدٌ بأية حالٍ عدتَ ياعيدُ بما مضى أم بأمرٍ فيكَ تجديدُ أما الأحبةُ فالبيداءُ دونهمُ فليت دونك بيدًا دونها بيدُ وعندما كبرنا قليلًا وعرفنا معنى الحياة وحقيقتها لم تعد تراودنا تلك الأحلام الوردية، لقد أصبحنا أكثر واقعية، وليس تشاؤمًا، لقد أدركنا بأن بقاء الحال من المحال، أذكر أنني عندما بلغت العشرين من عمري، وكنت حينها مهتمًا بل مولعًا بالشعر، كتبتُ أبياتًا تصف شعوري بتلك المرحلة، وكم كانت فرحتي عندما وجدت تلك الأبيات بين طيات أوراقي القديمة، إنها تحمل ذكرى أربعين سنة خلت، قرأتها عدت مرات، وأمعنت النظر فيها لأجدها تختزل قصة الإنسان، قد لم تكن لتستوعب كل تلك المعاني في حينها، لكنها الآن تعني لي الكثير الكثير، قلت: كنت بالأمس رضيعًا جاهلًا تارةً تلهو وتلعب بالثرى وتغاريد الطيور لها صدى أتظن الحال باقٍ هكذا لا وهيهات الحياة لها مدى. وترى الدنيا كبستانٍ جميل تارةً ترتاح في ظل النخيل تجعل الأزهار راقصةٌ تميل بعد أن تقضي من العمر القليل فإذا ما طال لا بد الرحيل.رحم الله آباءنا وأمهاتنا وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وكل عام وأنتم بخير.

1017

| 28 يونيو 2023

«ليته لم يسرق ولم يتصدق»

يقال - والعهدة على الراوي - أن الإمام أبوحنيفة مر برجل يسرق تفاحة من أحد البساتين، تبعه فوجده يتصدق بها! سأله أبو حنيفة: لم سرقتها؟ لقد ظننتك جائعا. فقال الرجل: لا يا هذا (وهو لا يعرف أنه الإمام أبو حنيفة)، أنا أتاجر مع ربي قال أبو حنيفة: وكيف ذلك؟ قال الرجل: سرقتها فكتبت علي سيئة واحدة؟ وتصدقت بها فكتب لي عشر حسنات، بقي لي تسع حسنات كسبتها، فأنا أتاجر مع ربي!. قال له الإمام أبو حنيفة: أنت سرقت فكتبت عليك سيئة، ولما تصدقت بها لم يقبلها الله منك (لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) فبقيت عليك سيئة، وعليك حد السرقة، وبغض النظر عن صحة هذه الرواية إلا أنها ذكرتني بموقف حدث منذ سنين. ففي إحدى زياراتي إلى بلاد عربستان التقيت بصديق قديم كان يعمل معي يومًا ما، كان يشتكي من ظاهرة الفساد في بلده التي تغلغلت في جميع مفاصل الدولة حتى تربعت تلك الدولة على ذيل مؤشر مدركات الفساد (Corruption Perception index)، ذلك المؤشر الشهير والذي تصدره منظمة الشفافية الدولية (Transparency International) ومقرها مدينة برلين في جمهورية المانيا الاتحادية منذ عام 1995م. ويقوم المؤشر بترتيب الدول حول العالم معتمدًا على نتائج استبيانات ودراسات لخبراء ومؤسسات مستقلة عن مدى إدراك الفساد في الموظفين والسياسيين، وتعرف المنظمة الفساد بأنه إساءة استغلال السلطة المؤتمنة من اجل المصلحة الشخصية. المهم أن الرجل دعاني إلى مجلسه على وجبة غداء وكان ممن حضر من الضيوف أحد رجال الدين النشطين في المجال الخيري وكان يسرد القصص العجيبة عن كرم أحد المحسنين في المدينة، ويثني على سرعة استجابته للأعمال الخيرية، وعلى جوده وبذله اللامحدود، وأثناء ذلك كان صاحبي يردد عبارة بصوت لا يكاد يسمع وكأنه معترض على ما يقوله رجل الدين عن ذلك المحسن، كان يقول «ليته لم يسرق ولم يتصدق». وبعد أن خلا المجلس من الضيوف قادني الفضول للسؤال عن المقصود بتلك العبارة «ليته لم يسرق ولم يتصدق»، فقال إن ذلك الرجل المحسن كان مسؤولًا في إحدى مؤسسات الدولة، وكان لا يتورع عن المال العام، وكان يستغل منصبه للكسب غير المشروع، ويبدو أنه بعد أن جمع ثروة عظيمة ففكر في التجارة مع الله على طريقة «سارق التفاح» الذي ورد ذكره آنفًا، ونسي أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، فليته لم يسرق ولم يتصدق.

8040

| 21 يونيو 2023

alsharq
السفر في منتصف العام الدراسي... قرار عائلي أم مخاطرة تعليمية

في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...

2022

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
قمة جماهيرية منتظرة

حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي...

1635

| 28 ديسمبر 2025

alsharq
محكمة الاستثمار تنتصر للعدالة بمواجهة الشروط الجاهزة

أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...

1152

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
الملاعب تشتعل عربياً

تستضيف المملكة المغربية نهائيات كأس الأمم الإفريقية في...

1086

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
بكم تحلو.. وبتوجهاتكم تزدهر.. وبتوجيهاتكم تنتصر

-قطر نظمت فأبدعت.. واستضافت فأبهرت - «كأس العرب»...

999

| 25 ديسمبر 2025

alsharq
حين يتقدم الطب.. من يحمي المريض؟

أدت الثورات الصناعيَّة المُتلاحقة - بعد الحرب العالميَّة...

792

| 29 ديسمبر 2025

alsharq
لماذا قطر؟

لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...

672

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
معجم الدوحة التاريخي للغة العربية… مشروع لغوي قطري يضيء دروب اللغة والهوية

منذ القدم، شكّلت اللغة العربية روح الحضارة العربية...

537

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
أول محامية في العالم بمتلازمة داون: إنجاز يدعونا لتغيير نظرتنا للتعليم

صنعت التاريخ واعتلت قمة المجد كأول محامية معتمدة...

492

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
عولمة قطر اللغوية

حين تتكلم اللغة، فإنها لا تفعل ذلك طلبًا...

459

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
أين المسؤول؟

أين المسؤول؟ سؤال يتصدر المشهد الإداري ويحرج الإدارة...

459

| 29 ديسمبر 2025

alsharq
لُغَتي

‏لُغَتي وما لُغَتي يُسائلُني الذي لاكَ اللسانَ الأعجميَّ...

447

| 24 ديسمبر 2025

أخبار محلية