رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الغباء الاصطناعي وإمكاناته الخارقة

يعرف الذكاء الاصطناعي بأنه محاكاة لعمليات الذكاء البشري بواسطة آلات وبرمجيات متطورة، وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عنه وعن أثره المتوقع على نمط حياتنا والدور المحوري الذي سيلعبه في تشكيل مستقبلنا، لا شك أن الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت التقنية وبوتيرةٍ أسرع بكثير مما شهدناه منذ مطلع القرن العشرين. ولكن هل ممكن للآلة أن تتصنع الغباء في بعض المواقف؟ وهل نحتاج لتصنع الغباء أصلًا؟ الجواب نعم، نحن بحاجة للغباء الاصطناعي في بعض المواقف حتى نتغلب على الكثير من التحديات والصدامات المحتملة، وتلك المهارة لا يجيدها ولن يجيدها أحد إلا الإنسان متى شاء وكيفما شاء، وهي من مكارم الأخلاق وعلو المكانة كما قال المتنبي: ليس الغبي بسيّدٍ في قومهِ … لكنّ سيّد قومه المتغابي لذلك فإن التغابي مهارة لا يتقنها إلا القادة والأذكياء، فتجدهم يتجاهلون كلمة سيئة قيلت بغير حساب فلا يضطرون للرد على من قالها، فيتجنبون بذلك الانحدار إلى سفاسف الأمور التي قد تنقص من قدرهم اكثر بكثير من أي مكسب محتمل، كما أنهم يغضون الطرف عن المواقف السلبية التي قد يتخذها البعض في موضوع ما تجنبًا للدخول في مواجهات مباشرة وغير منضبطة، فيكسبون بذلك احترام الجميع وتكون لديهم فرصة أكبر لحل المشكلات ومواجهة التحديات في الجولة القادمة، وهكذا يتصنعون الغباء في اللقاءات الاجتماعية المختلفة، فعندما ترسل إليهم رسائل شفهية لا يرغبون فيها فإنك لا تجد لها صدى على تعابير وجوههم وكأنهم لم يفهموا الرسالة أو كأنّهم ليسوا المعنيين بها. ولن نبالغ إذا ما قلنا إن الغباء الاصطناعي هو سيد مهارات الذكاء الاحتماعي، عليك فقط أن تتخيل كم يحتاج لهذه المهارة الساسة والدبلوماسيون والمفاوضون لمواجهة المواقف المعقدة والحساسة، فخلف ستار التغافل يتم التعامل بجدية مع الرسائل المباشرة وغير المباشرة دون تنبيه الآخر بدرجة أهميتها لدى المتلقي. ولا يقل عن تلك الأهمية تغافل المعلم عن ملاحظة بعض تصرفات الطلاب حتى يكسب الوقت الكافي لتمرير الرسالة المناسبة لهم في الوقت المناسب، ولك أن تتخيل النتيجة أيضًا لو طبق زملاء العمل تلك المهارة وتغافلوا عن هفوات بعضهم البعض أو عن مضايقات العملاء وتصنعوا الغباء من أجل المصلحة العامة، فضلًا عن راحة البال. أما الأزواج فهم بلا شك في أمس الحاجة لتصنع الغباء أو التغافل في بعض المواقف للحفاظ على بناء الأسرة وتماسكها، فالتركيز في كل شاردة وواردة، ليس محمود العواقب، وكثرة العتاب من مؤشرات الغباء وليس التغابي، كما يقال إن كثرة العتاب تفرق الأحباب. فهل يستطيع أي مبرمج ذكاء اصطناعي على وجه الأرض أن ينتج للبشرية تطبيق غباء اصطناعي بهذه الإمكانيات الخارقة التي منحنا إياها الخالق؟

3528

| 12 يوليو 2023

فوضى أم حرية تعبير؟

يحكى أن أحد الملاحدة زار مجلس أحد العلماء من المسلمين المهاجرين في يوم انعقاد درسه الأسبوعي، وكان هدفه من الزيارة إثارة الشبهات حول كتاب الله عز وجل وإحراجه في مجلسه وأمام طلابه، فلما أخذ مكانه وانتهت طقوس الضيافة، وقد امتلأ المجلس بالضيوف من طلبة العلم، انتهز الملحد الفرصة وسأله قائلًا: ألستم تَدَّعُونَ أن كتابكم لم يترك شيئًا إلا وذكره؟ قال العالم نعم وتلا عليه الآية: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ»، قال الملحد حسنًا، أليست عاصمة بلدي من أشهر عواصم الدنيا؟ قال العالم نعم هي كذلك، فقال الملحد: وأين ذكرت في كتابكم المقدس؟، فضج المجلس بأصوات الحضور مستنكرين جُرأته على كتاب الله، فرفع الشيخ يده أن اهدأوا، ثم نادى صبيًا في المجلس، وكان من أحفاده، فلما دنا منه قال يا بني أين ذكرت تلك المدينة في كتاب الله، فقال الصبي قال تعالى في سورة الأعراف الآية 145: « سأُريكم دار الفاسقين «. يقول أحد الزعماء الغربيين إن الأمة، ويقصد مواطنيه، تقف مع حرية التعبير ضد ما عبر عنه «بالظلامية» ويقصد بهذا التعبير كل من يعترض على الإساءة لدين الإسلام ورموزه، بمعنى أن المسلمين جميعًا ظلاميون لأنهم يرفضون ذلك، وهذا فيه تحدٍ واستفزاز للمسلمين، بالأمس القريب يساء لنبينا واليوم يحرق كتابنا المقدس في الوقت الذي لا يقبلون فيه المساس بمعتقدات المنحرفين عن الفطرة البشرية وعباد الأوثان، وفي ذلك أقول: حُريَةُ الرأي تَجْثو عند مَعْبَدِكُمْ وتَحْتَفِي كُلَ عِلجٍ حَامِلَ الحَطَبِ كُلُ الدياناتِ مِنْ زُورٍ ومِنْ وثنٍ لا تَقْبَـلُونَ عَليها النَّقْدَ مـِنْ أَدَبِ وكُلُهُمْ في نِظَامْ الغَرْبِ مُحتـرمٌ إلا الذي عند رب الكون مُنْتَجَبِ يا أطهر الخلق ما للناس مُعْتَصِمٌ يَذُودُ عَنْكَ ومـا للحقِ مغْتَضِبِ فما هو موقف المسلمين من حادثة حرق القرآن الكريم في السويد؟، طرح هذا السؤال على مجموعة من الشباب المسلمين، فكانت الردود متباينة، قال أحدهم: « إن رسولنا الكريم لم يأمر أمته أن ترد على الإساءة بالعنف، بل إن هذا الفعل يسيئ لسمعة الإسلام»، وقال آخر « قد يفقد المرء عقله اذا شُتم أبوه أو طعن في شرف أمه فتكون ردة فعله عنيفة وغير متوقعة، فكيف اذا ما تعرض أحدٌ لمقدساته؟، واردف قائلًا: لماذا لا يعتبر من يحرق المصحف الكريم متهورا ومجازفًا؟، نحن كمسلمين نستنكر العنف ونرفضه، لكننا في المقابل لا يمكن أن نقيس ردة الفعل بمقاييس العقل لأن المعتدي قد يسلب عقل المعتدى عليه بفعله، وعليه أن يتحمل العواقب، نحن نحترم كل الأديان وعليهم أن يحترموا ديننا»، وقال ثالث: « أعتقد بأن هؤلاء القوم لا يفقهون إلا لغة المال، وعلينا أن نقاطع بضائعهم» من الطبيعي في أي مجتمع أن تكون الآراء متباينة تجاه نفس القضية، لكن على الغرب إن أراد تغليب صوت العقل لا العنف، أن يكون عاقلًا في طرحه أيضًا، الحوادث المؤسفة وردات الفعل العنيفة لأي إنسان تنتهك مقدساته، يتحمل وزرها دعاة ازدراء الأديان بحجة حرية التعبير، وعلى بعض دول الغرب أن تعيد حساباتها لتوقف قطار العنف، كمسلمين لسنا ضد «حرية التعبير»، بل إن نبينا الكريم لم يكمم الأفواه كما تفعل بعض الأنظمة المعاصرة، وقد نهانا ديننا أن نعتدي على مقدسات الآخرين تقديرًا لمشاعرهم، فهل منكم رجل رشيد؟

3876

| 05 يوليو 2023

أي شيءٍ في العيد؟

يأتي العيد فتذهب بنا الذكرى إلى الماضي البعيد، إلى أول عيدٍ عرفنا به طعم العيد ولبس الجديد، كنا نعيش يومنا ولا نفكر بالغد، لم نكن نعلم ما تخبئه لنا الأيام، كنا صغارًا وكانت أحلامنا كذلك، لم ندر بأن الأيام ستغيّب تلك الوجوه التي ألفتها أعيننا، وتلك الأصوات التي سكنت في أرواحنا، وتلك الابتسامات التي أعطتنا الأمل قبل أن تعطينا العيدية. في تلك الحقبة لم يكن حولي من يهتم بالشعر العربي الفصيح، لذا لم أكن لأسمع ما قاله أبوالطيب المتنبي في العيد، ولو سمعته لأختصر علي قوله المسافات وكفاني المؤونة حيث قال: عيدٌ بأية حالٍ عدتَ ياعيدُ بما مضى أم بأمرٍ فيكَ تجديدُ أما الأحبةُ فالبيداءُ دونهمُ فليت دونك بيدًا دونها بيدُ وعندما كبرنا قليلًا وعرفنا معنى الحياة وحقيقتها لم تعد تراودنا تلك الأحلام الوردية، لقد أصبحنا أكثر واقعية، وليس تشاؤمًا، لقد أدركنا بأن بقاء الحال من المحال، أذكر أنني عندما بلغت العشرين من عمري، وكنت حينها مهتمًا بل مولعًا بالشعر، كتبتُ أبياتًا تصف شعوري بتلك المرحلة، وكم كانت فرحتي عندما وجدت تلك الأبيات بين طيات أوراقي القديمة، إنها تحمل ذكرى أربعين سنة خلت، قرأتها عدت مرات، وأمعنت النظر فيها لأجدها تختزل قصة الإنسان، قد لم تكن لتستوعب كل تلك المعاني في حينها، لكنها الآن تعني لي الكثير الكثير، قلت: كنت بالأمس رضيعًا جاهلًا تارةً تلهو وتلعب بالثرى وتغاريد الطيور لها صدى أتظن الحال باقٍ هكذا لا وهيهات الحياة لها مدى. وترى الدنيا كبستانٍ جميل تارةً ترتاح في ظل النخيل تجعل الأزهار راقصةٌ تميل بعد أن تقضي من العمر القليل فإذا ما طال لا بد الرحيل.رحم الله آباءنا وأمهاتنا وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وكل عام وأنتم بخير.

1014

| 28 يونيو 2023

«ليته لم يسرق ولم يتصدق»

يقال - والعهدة على الراوي - أن الإمام أبوحنيفة مر برجل يسرق تفاحة من أحد البساتين، تبعه فوجده يتصدق بها! سأله أبو حنيفة: لم سرقتها؟ لقد ظننتك جائعا. فقال الرجل: لا يا هذا (وهو لا يعرف أنه الإمام أبو حنيفة)، أنا أتاجر مع ربي قال أبو حنيفة: وكيف ذلك؟ قال الرجل: سرقتها فكتبت علي سيئة واحدة؟ وتصدقت بها فكتب لي عشر حسنات، بقي لي تسع حسنات كسبتها، فأنا أتاجر مع ربي!. قال له الإمام أبو حنيفة: أنت سرقت فكتبت عليك سيئة، ولما تصدقت بها لم يقبلها الله منك (لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) فبقيت عليك سيئة، وعليك حد السرقة، وبغض النظر عن صحة هذه الرواية إلا أنها ذكرتني بموقف حدث منذ سنين. ففي إحدى زياراتي إلى بلاد عربستان التقيت بصديق قديم كان يعمل معي يومًا ما، كان يشتكي من ظاهرة الفساد في بلده التي تغلغلت في جميع مفاصل الدولة حتى تربعت تلك الدولة على ذيل مؤشر مدركات الفساد (Corruption Perception index)، ذلك المؤشر الشهير والذي تصدره منظمة الشفافية الدولية (Transparency International) ومقرها مدينة برلين في جمهورية المانيا الاتحادية منذ عام 1995م. ويقوم المؤشر بترتيب الدول حول العالم معتمدًا على نتائج استبيانات ودراسات لخبراء ومؤسسات مستقلة عن مدى إدراك الفساد في الموظفين والسياسيين، وتعرف المنظمة الفساد بأنه إساءة استغلال السلطة المؤتمنة من اجل المصلحة الشخصية. المهم أن الرجل دعاني إلى مجلسه على وجبة غداء وكان ممن حضر من الضيوف أحد رجال الدين النشطين في المجال الخيري وكان يسرد القصص العجيبة عن كرم أحد المحسنين في المدينة، ويثني على سرعة استجابته للأعمال الخيرية، وعلى جوده وبذله اللامحدود، وأثناء ذلك كان صاحبي يردد عبارة بصوت لا يكاد يسمع وكأنه معترض على ما يقوله رجل الدين عن ذلك المحسن، كان يقول «ليته لم يسرق ولم يتصدق». وبعد أن خلا المجلس من الضيوف قادني الفضول للسؤال عن المقصود بتلك العبارة «ليته لم يسرق ولم يتصدق»، فقال إن ذلك الرجل المحسن كان مسؤولًا في إحدى مؤسسات الدولة، وكان لا يتورع عن المال العام، وكان يستغل منصبه للكسب غير المشروع، ويبدو أنه بعد أن جمع ثروة عظيمة ففكر في التجارة مع الله على طريقة «سارق التفاح» الذي ورد ذكره آنفًا، ونسي أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، فليته لم يسرق ولم يتصدق.

7884

| 21 يونيو 2023

حديث الأفكار

قيل قديماً إن الحديث، أي الكلام بين شخصين أو أكثر، يكون على ثلاثة أوجهٍ لا رابع لها، فهو إما أن يكون حديثًا في الأغيار، أو حديثًا في الأخبار، فإن خلا منهما فلن يخلو من كونه حديثًا في الأفكار وذلك ما ندر. ويقصد بالأغيار في الوجه الأول من الحديث الأفراد من الناس، وهذا لعمرك إن لم يكن لمنفعةٍ فهو من أردى أنواع الحديث وأدناها منزلةً، فهو لا يخلو من أمرين إما «غيبة» أو «نميمة» وكلاهما محرمٌ شرعًا ومن الكبائر لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سئل عن الغيبة قال: «ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته»، أما «النميمة» فهي نقل الكلام بين الناس لقصد الإفساد وإيقاع العداوة والبغضاء، وهو محرمٌ أيضًا بنص الكتاب والسنة، لقوله تعالى (هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)، وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة نَمَّام). والوجه الثاني هو الحديث في الأخبار، سواء كانت أخبارا سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ولا ضير في ذلك ما لم يؤد إلى جدل عقيم يوغر الصدور، أو أن يستنزف الوقت فيطغى على المجلس، وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تناقل الأخبار والأحداث حال وقوعها في التو واللحظة، كما امتلأت الهواتف الذكية عبر مختلف التطبيقات بأصناف المحتويات وسهلت وصول الجميع إليها، المختص وغير المختص، العالم والجاهل، الكبير والصغير. تنهض في الصباح الباكر وتبدأ بهاتفك قبل كل شيء لتجده يعج بالأخبار ومقاطع الفيديو من كل حدب وصوب، هذا فضلًا عن العبارات المزخرفة التي ترسل لك يوميا وبشكل تلقائي من البعض دون إحساس بقيمة الوقت، ثم إنك لا تكاد تلتقي بصديق أو حتى بأحد أفراد عائلتك إلا وحدثك عن تلك الأخبار، ظنًّا منه أنها لم تصلك بعد. أما الوجه الثالث فهو أن يكون الحديث في الأفكار، وهو أرقى أنواع الحديث وأكثرها فاعلية وفائدةً للفرد وللمجتمع، ويشمل هذا النوع من الحديث، إضافةً إلى دروس العلم، الندوات والمحاضرات والجلسات النقاشية للكتب والأطروحات العلمية في كافة المجالات، والمشارك في هذه المجالس إما أن يكون عالماً أو متعلماً وذاك ما يمكث في الأرض وينتفع به الناس، وماعدا ذلك فهو غثاء كغثاء السيل، قال تعالى «فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض». يقول المثل الصيني «يتكلم العاقل عن أفكاره والذكي عن أعماله والسوقي عن طعامه».

1851

| 14 يونيو 2023

ظاهرة اللامبالاة وهشاشة المجتمع

ظل يقال لنا طيلة عشرات السنوات إن التفكير الإيجابي هو المفتاح إلى حياة سعيدة ثرية، فلنكن صادقين، السيئ سيئ، وعلينا أن نتعايش مع هذا، لا يتهرب "مانسون" من الحقائق ولا يغلفها بالسكر، بل يقولها لنا كما هي: جرعة من الحقيقة الفجة الصادقة هي ما ينقصنا اليوم"، تلك العبارة كتبها المؤلف "رايان هوليداي" معلقًا على كتاب "فن اللامبالاة" الذي اشتهر به الكاتب والمؤلف "مارك مانسون". ولسنا هنا لاستعراض كتاب "مانسون"، فقد نختلف أو نتفق على بعض نظرياته، ولكن لنا وقفة مع منهجه في التفكير المعتمد على الاعتراف بوجود بعض السلبيات أو المشكلات وتقبلها بدلًا من معاناتنا ونحن نحاول إنكارها بحجة نشر الإيجابية، وتلك مهارة من مهارات التطوير الذاتي التي يسوق لها المؤلف، أما "ظاهرة اللامبالاة" التي تعاني منها بعض المجتمعات الحديثة، فجذورها وأسبابها وتداعياتها مختلفة تمامًا، وإن كان الاعتراف بالسلبيات هو العامل المشترك بينهما. ونقصد باللامبالاة هنا تقلص الإحساس بالمسؤولية تجاه الوسط الذي نعيش فيه، والتي تجسدها العديد من الظواهر السلبية، على سبيل المثال.. تجاهل صرخات الجمهور من تردي الخدمات العامة، أو تصرف موظف حكومي بطريقة غير لائقة، أو تراها في إتلاف الممتلكات العامة من قبل الجمهور، أو تجدها في سلوكيات مؤذية لمرتادي الطريق، أو حتى في الاستهلاك غير الرشيد للموارد، وتلك الظاهرة قد تكون شرارة انطلاقتها هي مقاومة الإصلاح وإنكار السلبيات والترويج بأن الأمور على ما يرام. يقول أحد الموظفين المجتهدين في عملهم: كنت أنا وبعض زملائي في اجتماع مع المسؤول الأول في المؤسسة بعد شهرين من انطلاق مبادرته الجديدة لتحسين الأداء، كان علينا أن نقدم ما يسمى بـ "التغذية الراجعة" عن المبادرة، وكنت أول المتحدثين في الاجتماع فذكرت بكل صراحة الإيجابيات والسلبيات التي لاحظتها بعد انطلاق تلك المبادرة، ولا أدري لماذا بدا الرئيس ممتعضا من حديثي، وعندما تحدث زملائي كانوا أكثر ذكاءً وواقعية مني، فقد التزموا جميعًا بذكر الإيجابيات لعلمهم بأن المسؤول لا يحب سماع الانتقاد والسلبية، وكان ذلك الدرس الأول الذي تعلمته في مكان عملي، ومنذ ذلك الحين أصبحت أتجنب أن أقع في ذلك الموقف، وأنا الآن أؤدي عملي وأتحدث مع الجمهور عن الإيجابيات ولا أبالي بسماع السلبيات أو الاهتمام بها. إنه لشيء جيد أن نحاول نشر الأخبار الإيجابية عن أداء مؤسسة أو وزارة ما، إما عن طريق مشاهير السوشيال ميديا، أو كتاب المقالات، أو عن طريق مقاطع دعائية مدفوعة الثمن حتى نكسب ثقة المجتمع في الخدمات المقدمة، وفي المقابل قد تكون نفس المحاولة مدمرة للمؤسسة على المدى البعيد إذا ما استخدمت للتغطية على العيوب ومحاربة النقد البناء بحجة نشر الإيجابية تحت شعار "أبشرك الأمور طيبة". لا شك أن الشغف بالتميز شيء جيد، فهو يدفع الأفراد والمؤسسات إلى القيام بالعديد من المراجعات لتحسين الأداء، ولكن الشغف المذموم هو ذلك الدافع وراء البروباغندا الدعائية المنفصلة تمامًا عن الواقع، وقد يؤدي ذلك إلى سباق محموم نحو الصدارة بين المؤسسات، وقد نلمس ذلك السباق بين الدول أيضًا، فهذه الأولى في الرفاهية، وتلك الأولى في التعليم، والأخرى الأولى في الصحة، والأولى في غزو الفضاء، والأولى في عدد المطبات في الشوارع، وحتى الأولى في عدد المرضى... إلخ، لا يهم الموضوع بقدر ما يهم الترتيب، وذلك الشغف الوهمي بالصدارة يذكرني بالطالب الذي يظهر لأبيه المواد التي نجح فيها ويخفي تلك التي رسب فيها بامتياز. قد يسأل أحدهم وما علاقة ذلك باللامبالاة؟..... نحن نكرس اللامبالاة عندما نسوق لنجاحات لا يلمسها المجتمع، وعندما نمتدح خدمات سيئة ونرفض الانتقاد البناء، وعندما تغيب العدالة في أي مؤسسة، وعندما نساوي بين المجتهد والمقصر، وعندما نحتفي بالتافهين، وعندما ننتهج المحسوبية والمحاباة، وعندما لا نضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وعندما لا نبالي بالمخلصين والجادين في مؤسساتنا فإن ذلك يدفعهم ليصبحوا منتفعين غير مبالين أيضًا، وليصبح ولاؤهم للمؤسسة ولاءً هشًا....... وقس على ذلك.

3102

| 07 يونيو 2023

المفلسون والانتخابات التركية

انتهت الانتخابات التركية بفوز الرئيس رجب طيب أردوغان لفترة رئاسية تمتد إلى عام 2028م، وكانت قطر في طليعة المهنئين للرئيس أردوغان، وتقاطرت التهاني والتبريكات من دول مجلس التعاون الخليجي تباعًا، ولكي نتعرف على مدى وعي الشعب التركي وحرصه على المشاركة في العملية الديمقراطية، لنلقي نظرة على نسبة المشاركة ونقارنها بنسب المشاركة في أعرق الديمقراطيات الغربية، ففي آخر انتخابات جرت كانت نسبة المشاركة في أمريكا 66%، وفي بريطانيا 67%، وفي إيطاليا 64%، وفي فرنسا 72% أما في تركيا فبلغت 89% على أقل تقدير. أما مواقف الدول والأحزاب ووسائل الإعلام التي هاجمت حزب العدالة والتنمية وهاجمت الرئيس أردوغان فقد جاءت متباينة، فمنهم من اكتفى بتهنئة الرئيس أردوغان "وهم له كارهون"، متجرعين كأس المرارة، وهؤلاء هم رؤساء الدول التي تتبنى قيم الديمقراطية كمعظم الدول الأوروبية، أو تلك الدولة الغربية التي تبشر بالديمقراطية في دول العالم الثالث وتأخذها ذريعة للتدخل في شؤونها إلى درجة الغزو العسكري وتغيير الأنظمة بالقوة القاهرة، وهذه تعرفونها كما تعرفون أبناءكم. تلك الفئة من الرؤساء، الذين كانوا ينعتون الرئيس أردوغان بالديكتاتور، أسقط في أيديهم فوز المرشح غير المرغوب فيه في الجولة الثانية من الانتخابات وعن طريق عملية انتخابية نزيهة وإقبال من الناخبين حطم الأرقام القياسية لأي مشاركة انتخابية في الدول الغربية على مدى عقود من الزمن، لذا دفعها الإحراج الشديد أمام شعوبها إلى التراجع عن موقف الهجوم غير المبرر إلى الاعتراف بنتائج الانتخابات وقبولها على مضض. وهناك أنظمة متربصة لم تبد أي موقف أثناء العملية الانتخابية لكن مواقفها السابقة تنم عن رغبتها في ألا ترى الرئيس أردوغان على كرسي السلطة مجددًا، لم تجد تلك الأنظمة مبررًا لاتخاذ موقف عدائي معلن خوفًا من المواجهة لخمس سنوات قادمة في حال فاز الرئيس أردوغان، وهذه الفئة المتربصة أخطر من سابقتها فهي كما قال جل وعلا "ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓاْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَٰفِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوٓاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۚ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا". أما وسائل الإعلام المشبوهة وبعض من يسمون أنفسهم بالمفكرين فقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، تلك الفئة لم تخف خيبة أملها في نتائج الانتخابات التركية بل بدأت تسوق لنظريات غبية من قبيل أن أكثر من 47% من الشعب لا يريد أردوغان، تخيل كيف تكون أطروحات المفلسين إعلاميًا، وقال أحدهم إن الانتخابات غير عادلة والسبب أن أردوغان يُنْتَخَب وهو في السلطة في حين خصومه لا يتمتعون بتلك الميزة، طبعًا هذا الإبداع في الطرح يأتي من كمية خيبة الأمل التي يعانون منها. وفي الختام نقول للشعب التركي هنيئًا لكم نجاح هذا العرس الانتخابي، وهنيئًا لكم هذا الوعي السياسي، وهنيئًا لكم وصول مرشح الأغلبية، ونردد كشعوب محبة لتركيا ما يردده دائمًا فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان "لا غالب إلا الله"، حمى الله تركيا قيادةً وشعبًا.

2373

| 31 مايو 2023

كيف يفوز المرشح الضعيف؟!

في يوم ما حضرت دورة تدريبية في الإدارة المتقدمة عقدت في إحدى دول الخليج، كان المحاضر بروفيسور يدعى «ماك» وهو أمريكي الجنسية، ولم تكن تفصلنا عن انتخابات الرئاسة الأمريكية حينها سوى أيام معدودة، سألته عن رأيه في المرشحين لكرسي الرئاسة الأمريكية، فأخبرني بأنه مقاطع للانتخابات الرئاسية منذ سنين، فسألته عن سبب المقاطعة فقال: «لقد لاحظت أن الذي يصل إلى كرسي الرئاسة غالبًا ما يكون الأكثر شهرة وليس الأفضل، واستخدم مصطلح “The most Popular “، وأردف قائلًا: هناك فرق كبير بين أن تكون الأفضل من حيث إمكانية تبني برنامج انتخابي واقعي وامتلاك القدرة على تنفيذ وعودك الانتخابية، وأن تكون الأكثر شهرة بغض النظر عن مؤهلاتك وخبراتك وبرنامجك الانتخابي، لذا تجد أن بعض أصحاب المال ومشاهير السوشيال ميديا والرياضيين والفنانين وغيرهم من المشاهير هم الأكثر حظًا بالفوز في الحملات الانتخابية من المفكرين وأساتذة الجامعات والرؤساء التنفيذيين وغيرهم ممن يطلق عليهم مصطلح «التكنوقراطيين» أي أصحاب الخبرات، والشواهد على ذلك كثيرة» انتهى كلامه. قد نتفق أو نختلف بعض الشيء مع تلك النتيجة التي توصل إليها البروفيسور «ماك» ولكن، هل المشكلة في المرشح غير الكفء أم في الناخب؟ بلاشك أن المجتمعات الإنسانية متباينة في معتقداتها وعاداتها ووعيها أيضًا، فما هو مهم للناخب الأمريكي ليس بالضرورة أن يكون مهما للناخب في مجتمع آخر، وما هو طبيعي في مجتمع ما قد لا يكون مقبولًا في مجتمعات أخرى، لذا لا نستطيع إذا ما فاز «المرشح الضعيف» أن نلقي باللوم على وعي المجتمع، لأن ذلك مدعاة للتقاعس من باب صعوبة تغييره، في المقابل لا يمكن حرمان أي شخص وإن كان غير كفء من حقه في الترشح. في مقال الأربعاء الماضي والذي كان عنوانه «من سبق لبق والانتخابات التركية»، كانت هناك رسالة واضحة للناخب تؤكد على أهمية اختيار المرشح بوعي تام، وبما سيترتب عليه ذلك الاختيار من تداعيات مستقبلية، فضلًا عن أنها شهادة سنسأل عنها يومًا ما، لذا سأتوجه برسالتي للمرشح الذي يرى في نفسه الكفاءة في أي موضع كان، بأن عليه أن يبني حملته الانتخابية على أساس الوعي التام بحالة الناخب وتطلعاته وطريقة تفكيره، وعدم تجاهل ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده ومعتقداته. إنه من الخطأ أن ننظر أو نتعامل مع أي مجتمع بشري ككتلة واحدة متجانسة، فالمفكرون والفلاسفة وأصحاب الرأي لا يشكلون أكثر من 1% من أي مجتمع، ومن المفترض ألا نقلق من اختيارات هؤلاء، لذا يجب ألا يكون خطاب المرشح نخبويًا أو مثاليًا أكثر مما ينبغي، بل يجب أن يكون بسيطًا متواضعًا بغير خلل ولا تكلف، ولنا في الانتخابات التركية خير مثال على ما سبق ذكره. لم تنته فصول سباق الرئاسة التركية بعد، فنحن على موعد مع الجولة الثانية من الانتخابات التركية التي ضرب فيها الناخب التركي أروع المثل في الوعي بالمسؤولية ونسبة المشاركة التي نتمنى أن تنتقل عدواها إلى الوطن العربي، وأيًا كانت النتيجة أعتقد كما يعتقد الكثيرون بأنها لن توصل المرشح الضعيف الى الرئاسة.

1143

| 24 مايو 2023

من سبق لبق والانتخابات التركية

اخترت عنوان المقال وهو مثل خليجي ويعني أن مَن وَصل أوّلاً فهو أولى بالحصول على الشيء، ويقال أحيانًا بمثابة تحفيز على السَبْق وإدراك فضل الأولوية، كما ويستعمل أحيانًا للتبرير، بمعنى لو اتصل بك أحد المرشحين يطلب منك انتخابه لأي منصب كان، مجلس بلدي، مجلس إدارة، جمعية خيرية... إلخ، غالبًا ستقول له «تم» من باب الفزعة، أما المرشح الآخر فسيكون ردك عليه إذا اتصل بك «للأسف اتصل بي فلان قبلك» أو تختصر ردك بالمثل الشعبي «من سبق لبق». نرجع لموضوع الانتخابات التركية، ففي يوم الأحد الماضي كنا جميعا على موعد مع سباق الرئاسة التركي، جلسنا ساعات طويلة نراقب نتائج الاقتراع الرئاسي والبرلماني، نتابع عملية التصويت ونتنقل بين القنوات الفضائية نبحث عن آخر المستجدات، ونستمع لتحليلات المختصين. جرت العملية الانتخابية بكل سلاسة ولمسنا تحضر الشعب التركي وحرصه على المشاركة حيث تراوحت نسبة المشاركة ما بين 88 إلى 93% وهو ما يعد إقبالا تاريخيا على الانتخابات. ورغم الاستقطاب في الساحة التركية إلا أنها لم تسجل أي حادث يذكر، ورغم تباين توجهات المرشحين وبرامجهم الانتخابية إلا أننا لم نشهد ما يعكر صفو العملية الانتخابية. في المقابل لم تكن هناك أي محاولة من الحزب الحاكم «حزب العدالة والتنمية» في تزوير الانتخابات أو التأثير على العملية الانتخابية بشكل مباشر أو غير مباشر، بل لعب الحزب الحاكم دورا كبيرا في الحفاظ على سمعة تركيا كبلد ديموقراطي ودولة مؤسسات وذلك من خلال الحفاظ على نزاهة الانتخابات وشفافيتها. يستطيع أي مراقب منصف لذلك العرس الديموقراطي أن يستشف إحساس الناخب التركي بمسؤوليته تجاه وطنه الذي أعطاه هذه الفرصة الحقيقية للتعبير عن رأيه وانتخاب ممثليه، كما يستطيع أن يلمس حماس الناخبين ورضاهم عن العملية الانتخابية التي لم تتعرض لأي ضغوطات من مؤسسات الدولة أو نافذين في مؤسسة الحزب الحاكم أو الأحزاب الأخرى، ورغم التحديات الاقتصادية التي يعيشها المواطن التركي لم نسمع عن أي استغلال لذلك الوضع أو ابتزاز للمحتاجين مقابل التدخل في اختياراتهم الحرة. المشاركة في الانتخابات، أي نوع من الانتخابات سواء رئاسية أو برلمانية أو حتى شركة مساهمة صغيرة، هي شهادة وتزكية من الناخب للمرشح وليست فزعة، وهي أمانة في عنق الناخب تجاه الله أولًا ثم الوطن، وفضلًا عن ذلك هي في الحقيقة فرصة للمشاركة في صنع المستقبل، فرصة حساسة ومهمة جدًا، لا يجب الانتقاص من أهميتها والتعامل معها بوعيٍ مغيب، أو بلا مسؤولية، ولا تستحمل أن تختزل في منظور ضيق لا يخدم الأمة والمجتمع، كما لا يجب أن تختطفها القبلية أو العنصرية أو المذهبية من يد الكفاءة والأهلية، إن اهتمامنا بإختيار الكفؤ الذي يتبنى أفكارنا ويستطيع أن يحقق آمالنا هو جزء من اهتمامنا بمستقبلنا، وهذا أبعد ما يكون عن مبدأ المثل الشعبي «من سبق لبق».

3120

| 17 مايو 2023

إلى مقام فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان

أسْكَنْتُكَ العَيْنَ مِنْ نَفْسِي وَلا أَزَلُ فَاخْتَرْ مَكَانَكَ فِيهَا أيُهَا البَطَلُ لَا يُخْطِيءُ السَّهْمُ مِنِّي في فَراسَتِهِ ويُبْصِرُ القَلْبُ مَالَا تُبْصِرُ المُقَلُ يا "طَيِّبٌ" طَابَ ذِكْرَاهُ وسِيرَتُهُ فِي وَجْهِكَ البِشْرُ يُحْذِي سِرَّهُ الأملُ أُهْدِيكَ مِنْ كَعْبَةِ المَضْيُومِ قَافِيَةً تَرْنُو إِليكَ ومِنْ لُقْيَاكَ تَكْتَحِلُ أَلْبَسْتُهَا عَبْقَرِيَّ النَّظْمِ نَافِلَة حَتَى تَلَأْلَأْ مِنْهَا الحَرْفُ والجُمَل ًوَذَاعَ مِنْ عِطْرِهَا اَلْفَوَّاحِ ما كَتَمَتْ ُمِنْ فَارِطِ اَلْشَوْقِ تُبْدِي ثُمَّ تَعْتَزِلُ كأنها لامستْ كفَ الأميرِ ضحى عيدٍ فأودع فيها النصرَ مؤتملُ أوصى بها "طالعَ الشرطين" فانطلقت تَحُفُّهَا النَّجمةُ الحمراءُ والمُقلُ تَنُوبُ عَنْ عُصْبَةٍ جَادَ الزَّمَانُ بِها قَوْمٍ كِرَامٍ مِنَ العلياءِ تَنْتَسِلُ يَافَارِسَ اَلْتُرْكِ مَنْ يَجْحَدْ مَوَاقِفَكُم قَدْ سُطِّرَتْ فِي كِتَابِ النَّخْوَةِ الأُوَلُ ْقَدْ جِئْتَ فِي زَمَنٍ شَابَتْ ذَوائِبُهُ والوَهْنُ يَغْشَى قُلُوبًا مِلْؤُهَا الوَجَلُ مَرْضَى وَإِنْ صَحَّتْ الْأَبْدَانُ مِنْ سَقَمٍ هَزْلَى وَإِنْ بَانَ مِنْهَا اَلْشَحْم’ وَاَلْكَسَلُ لَا يَأْلَفُوُنَ وَإِنْ كَثُرَتْ مَجَالِسُهُم مُبَعْثَرِينَ فَأَنَّى يُجْمَعُ اَلْشَّمْلُ ْلَوْلَا اَلْيَقِيِنُ بِأَنَّ اَللهَ جَامِعُهُمْ لِيَوْمِ فَصْلٍ لَعُدَّ اَلْجَمْعُ مُفْتَعَلُ فإن تباهوا بذي حسبٍ وذي نسبٍ وثروةٍ وادعوا الإيمان وانتحلوا كفاك أنك في قلب الشعوب إذا قامت إلى الله تدعوه وتبتهل

1593

| 13 مايو 2023

«إِنّهُ مِن سُلَیمان»

اعتلى المنبر وهو يعلم عظمة الوقوف على منبر رسول الله، أعد الخطبة واعتنى بها كعادته، وبدأ بالحديث الذي يرويه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهما مرفوعًا: «ما بعث الله من نبي ولا اسْتَخْلَفَ من خليفةٍ إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتَحُضُّهُ عليه، وبطانةٌ تأمره بالشر وتَحُضُّهُ عليه، والمعصوم من عصم الله»، ثم فصل في ذلك فجاء بالعجائب مما ورد في كتاب الله عز وجل عن البطانة، فذكر رؤيا الملك كما وردت في القرآن «وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّىٓ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَٰتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَٰتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٍ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ»، الملك يقص رؤياه على بطانته ويطلب منهم تعبيرها، فيأتيه الرد «قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ». لو استمع الملك لكلام بطانته التي استخفت بالرؤيا، فقط لأنها تجهل تأويلها، لحلت بمملكته كارثةٌ ولهلك الحرث والنسل، لكنه مع تكرار الرؤيا أصر على تفسيرها، فانبرى له رجل من عامة الناس كان يعمل ساقيًا في قصر الملك، لم يكن من البطانة المقربين، ولا مستشارًا للملك ولا عضوًا في البرلمان، بل كان مسجونًا مع سيدنا يوسف عليه السلام ثم ظهرت براءته فأفرج عنه كما جاء في نص الآية «وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ». ثم أورد خطيبنا قصة بلقيس عندما جاءها كتاب سيدنا سليمان «قَالَت یَـٰأَیُّهَا ٱلمَلَؤُا إِنِّی أُلقِیَ إِلَیَّ كِتَـٰب كَرِیمٌ إِنَّهُ مِن سُلَیمَـٰنَ وَإِنَّهُ بِسمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ أَلَّا تَعلُوا عَلَیَّ وَأتُونِی مُسلِمِینَ»، الملكة تخبر بطانتها بآخر المستجدات السياسية، هكذا كان التنظيم السياسي في اليمن قبل أكثر من ثلاثةِ آلاف سنة، ثم تستشيرهم: «قَالَت یَـٰأَیُّهَا ٱلمَلَؤُا أَفتُونِی فِی أَمرِی مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمرًا حَتَّىٰ تَشهَدُونِ». الكتاب من سيدنا سليمان الذي سَخَّر الله له كل شيء وآتاه ملكًا عظيمًا وجيشا جرارًا من الريح العاصفة والبشر وعفاريت الجن والدواب، فماذا كان رأي البطانة التي تجهل قوة سيدنا سليمان؟ «قَالُوا نَحنُ أُولُوا قُوَّة وَأُولُوا بَأس شَدِید وَٱلأَمرُ إِلَیكِ فَٱنظُرِی مَاذَا تَأمُرِینَ»، ولحكمة أرادها الله ثم لفطنة الملكة بلقيس امتنعت عن مواجهة سيدنا سليمان «قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ». وانظر إلى بطانة فرعون كيف يقلبون الحقائق ويحرضون على الشر والقتل «وَقَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْىِ نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَٰهِرُونَ»، هكذا بطانة الشر في كل عصر تتهم المصلحين بالفساد، فماذا كان رد فرعون الطاغية الذي ادعى أنه الرب «قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْىِ نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَٰهِرُونَ»، لكن النصيحة الحق جاءت من رجل من عامة الناس لو أخذ بها فرعون لما غرق في اليم «وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ» فجاءه رد الطاغية المستكبر «قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ». هكذا القرآن لا تنتهي عجائبه، وهذا ما اتسع به المجال..... إلى اللقاء.

1587

| 10 مايو 2023

صرحٌ من ملح

بالأمس القريب، التحق أحد الأصدقاء من حملة الماجستير في الهندسة في إحدى الجامعات الغربية لنيل شهادة الدكتوراه، وبعد ستة أشهر من التسجيل، وبينما هو منهمك في جمع مادة البحث، جاءه إتصال من سفارة بلده في تلك الدولة يخبره بأن الجامعة المعنية قد أرسلت «شهادة الدكتوراه» باسمه إلى السفارة، وطلب منه موظف السفارة، عنوانه حتى يرسل إليه الشهادة، اتصل صاحبنا في الجامعة للاستفسار لعل أن يكون هناك خطأ ما، فكانت الصدمة أن الجامعة قد أصدرت الشهادة بالفعل، وطلب منه تسديد باقي الرسوم ومن ثم إرسال البحث (رسالة الدكتوراه) متى ما شاء. تلك القصة قد تفسر لنا ما حدث في أحد الاجتماعات الدولية التي حضرتها وكان من بين المدعوين شاب خليجي، في الأربعينيات من العمر، ويشغل منصبًا مرموقًا، كنا نشاهد عرضًا تقديميًا باللغة الإنجليزية لأحد المسؤولين الأجانب، كان يبدو وكأنه يستمع للمحاضر بعناية، ويهز رأسه بين الفينة والأخرى، لكنه لم يسأل أو يستفسر عن أي شيء، ولم يتواصل شفهيًا البتة مع المحاضر، وبعد انتهاء العرض التقديمي طلب مني ذلك الشاب أن أسأل المحاضر عن بعض الأشياء التي تم شرحها أصلًا، هنا اكتشفت أن الرجل كان يمثل التفاعل مع المحاضر وأنه في الحقيقة لا يعرف إلا الحد الأدنى من اللغة الإنجليزية، وكم كانت المفاجأة عندما علمت أنه حاصل على شهادة دكتوراة من إحدى الجامعات الأوروبية التي تعتبر اللغة الإنجليزية لغتها الرسمية. ليس خطأ أن يسعى الإنسان لنيل الدرجات العلمية ويبذل الغالي والنفيس من أجل ذلك، بل إن شريعتنا الإسلامية تحث على العلم والتعلم ففي الحديث الذي رواه أبوهريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال: (من سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا، سهَّل اللهُ له طريقًا إلى الجنَّةِ)، لكنَّ التحديات الكبرى كقضايا الفساد والاستبداد، وانتهاك حقوق الإنسان، وتبديد الموارد العامة، وتدني الجدية والإنتاجية، وانعدام المسؤولية، والعبث في الهوية، لا يمكن أن يواجهها أولئك الذين حرصوا على الألقاب العلمية ولم يحرصوا على العلم، فهم جزءٌ من المشكلةِ أصلًا، لقد نالوا الدرجة العلمية لكنهم لم ينالوا شرف العلم. إن هذا الهوس من البعض بالألقاب والمسميات الشكلية، في ظل شح إنتاجهم الفكري والعلمي، وتدني مشاركتهم الجادة في الحراك الثقافي والاجتماعي، وضبابية مواقفهم من المنعطفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأمة، لمدعاة للمراجعة والتأمل، والعجيب أنه لم تسلم شريحة من شرائح المجتمع العربي من هذا الوباء الذي تغلغل حتى أصاب البعض ممن يتصدر للدعوة والإصلاح، ونسي أولئك أن هناك قامات علمية وفكرية على امتداد التاريخ العربي والإسلامي، لم تحمل لقب دكتور أو بروفيسور، ومع ذلك كان لها عظيم الأثر على الفرد والمجتمع، بل ما زالت كتبهم تدرس في الجامعات العربية والأجنبية وتشكل مراجع وأمهات الكتب، ويضيء سناها دور العلم. وحتى نكون منصفين، فلا بد لنا أن نثني على الشخصيات المعاصرة من علماء وأدباء ومفكرين، أولئك الذين بذلوا أنفسهم وأعمارهم، وسخروا إمكاناتهم العلمية والأدبية لخدمة مجتمعاتهم بكل الوسائل المتوفرة، نشاهدهم على وسائل الإعلام المختلفة، وتزخر رفوف الكتب بإنتاجهم الفكري الرصين، كما تشبع مصنفاتهم خواء الأرواح، وتملأ إبداعاتهم فضاء المعرفة.

1794

| 03 مايو 2023

alsharq
حدود العنكبوت

حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...

3747

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
انخفاض معدلات المواليد في قطر.. وبعض الحلول 2-2

اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...

2196

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
العالم في قطر

8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...

2088

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
حين يصبح النجاح ديكوراً لملتقيات فوضوية

من الطرائف العجيبة أن تجد اسمك يتصدر أجندة...

1296

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
نظرة على عقد إعادة الشراء

أصدر مصرف قطر المركزي في التاسع والعشرين من...

939

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
الكفالات البنكية... حماية ضرورية أم عبء؟

تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...

936

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
خطاب سمو الأمير خريطة طريق للنهوض بالتنمية العالمية

مضامين ومواقف تشخص مكامن الخلل.. شكّل خطاب حضرة...

918

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
نحو تفويض واضح للقوة الدولية في غزة

تسعى قطر جاهدة لتثبيت وقف اطلاق النار في...

876

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
مِن أدوات الصهيونية في هدم الأسرة

ما من ريبٍ أن الحلم الصهيوني لم يكن...

867

| 02 نوفمبر 2025

alsharq
عمدة نيويورك

ليس مطلوباً منا نحن المسلمين المبالغة في مسألة...

774

| 06 نوفمبر 2025

alsharq
الانتخابات العراقية ومعركة الشرعية القادمة

تتهيأ الساحة العراقية لانتخابات تشريعية جديدة يوم 11/11/2025،...

705

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
التعلم بالقيم قبل الكتب: التجربة اليابانية نموذجًا

لفت انتباهي مؤخرًا فيديو عن طريقة التعليم في...

684

| 05 نوفمبر 2025

أخبار محلية