رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
درج على مسامعنا مقولة إن «الاعتراف بالخطأ فضيلة»، ولنا في هذا المقال وقفة مراجعة لهذه المقولة من واقع التجربة، وأنا هنا أطرح رأيي وأدع الباب موارباً لعل أحد القراء يستدرك أو يؤيد ذلك. أقول من واقع تجربة إن الاعتراف بالخطأ ليس فضيلة، بل هو بداية التحول الإيجابي نحو تحقيق العدالة، فإن لم يتبع الاعتراف بالخطأ إرجاع الحقوق إلى أهلها أصبح أشدُ ألمًا على صاحب الحق، وبلا قيمة، فضلاً عن أن يكون «فضيلة». قد يترتب على الخطأ أثر مادي أو معنوي، فإن كان الأثر مادياً وترتبت عليه خسائر مالية، وجب على المتسبب أن يتبع الاعتراف بخطئه تعويض تلك الخسائر، وإن ترتب على الخطأ ضرر معنوي أصبح من الضرورة رد الاعتبار لصاحب الحق مباشرةً بعد الاعتراف بالخطأ، فما زاد عن رد تلك الحقوق دخل في حيز الفضيلة وإلا فلا. وعلى سبيل المثال، تعرض أحد المرضى لخطأ طبي في إحدى المؤسسات الصحية، ثم تقدم بشكوى لتلك الجهة، وبعد التحقيق تم التوصل إلى أن هناك بالفعل خطأ طبي، وعلى إثر ذلك تم التواصل مع المريض عن طريق الهاتف والاعتذار له، إلا أن تلك المؤسسة رفضت إعطاء المريض تقريراً طبياً بما حدث حتى يتمكن من تلبية طلبات جهة عمله التي اعتبرته متغيباً عن العمل بلا سبب، ورغم مطالبة المريض عن طريق القنوات الرسمية بإصدار أي مستند وبأية صيغة كانت بحيث يساعده على تخطي المحنة ويحفظ ماء وجه المؤسسة، إلا أنها لم تستجب له وتركته يواجه العقوبات الإدارية والآثار المعنوية والتكاليف المادية التي ترتبت على ذلك الخطأ، متذرعةً كما يبدو، بالمحافظة على سمعة المؤسسة، وهذا السلوك أبعد ما يكون عن المهنية، كما أن ذلك الاعتذار أبعد ما يكون عن «الفضيلة». بالتأكيد أنه لا أحد معصوم من الخطأ إلا الأنبياء والمرسلون، وأن كل من يعمل معرض للخطأ وهذا شيء طبيعي. إن الإشكالية هي كيف نتصرف بعد حدوث الخطأ؟ هل نعترف ونتحمل المسؤولية؟ أو نعترف ولا نتحمل المسؤولية؟ أو لا نعترف أصلًا بوجود خطأ رغم وجود الشواهد والأدلة القاطعة ونتصرف بلا مسؤولية؟. إن تعريف المسؤولية هو «الوعي بما يجب فعله وما لا يجب فعله، واتخاذ القرارات المناسبة، وتبني ما يترتب عليها»، وكلمة مسؤول يعني يسأل عن أفعاله ويتحمل تبعاتها، لا أن يسعى الواحد منا إلى الحصول على المنصب بكل الوسائل ثم يتنصل من مسؤولياته في أول محك. لذا علينا كمؤسسات وأفراد أن نكون على قدر المسؤولية، أو أن لا نكون، فإن لم نكن قادرين على تحمل تبعات قراراتنا علينا أن لا نتصدر المشهد وندع عنّا جانباً البروباغاندا الدعائية. ونختم بقول الحق جل وعلا : «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ».. والله من وراء القصد.
2160
| 04 أكتوبر 2023
كنتُ أنظرُ من نافذةِ الطائرةِ كعادتي في السفر، فشد انتباهي خط طويل متجهٌ إلى شمال جزيرة العرب، لم أعرف ما هو ولم أستطع أن أحدد له بداية ولا نهاية بسبب الارتفاع وضبابية الرؤية، صرفت بصري عن النافذة لبرهة، فإذا بقائد الطائرة ينوه قائلًا: «بأنه بإمكان المسافرين الآن رؤية سكة الحديد العربية التي تربط دول الخليج بدول المغرب العربي عبر جمهورية مصر العربية، وأنه يمتد من ساحل الخليج إلى ساحل المحيط الأطلسي». عدت النظر مرة أخرى من شباك الطائرة إلى ذلك الخط البعيد الذي أصبح يجسد الحلم الساكن في أعماقي منذ الأزل، استغرقت وقتًا طويلًا وأنا أتأمل ذلك المشروع العملاق، شرقت وغربت بأفكاري وأحلامي وآمالي وأنا أكحل عيني برؤيته الضبابية حتى قطع خيط افكاري تصاعد الضجيج الذي أحدثه الركاب في الطائرة بعد إذاعة الخبر، كان كابتن الطائرة يرفع صوته عبر مكبر الصوت منتشيًا ويردد خلفه الركاب بعض الأهازيج بفرحٍ وبهجة وكأننا انتصرنا في مباراةٍ لكرة القدم، أو حققنا ميدالياتٍ ذهبية في الأولمبيات، أو التقينا مع مطربنا المحبوب في حفلةٍ غنائية صاخبة. حاولت أن أقطع صوت الضجيج بوضع السماعات التي وجدتها في جيب الكرسي ثم عاودت النظر إلى الأرض متتبعًا مسار سكة الأمل العربي، وإذا بي أسمع أحدهم يقدم شرحًا عن المشروع. كان الصوت واضحًا وهادئًا جدًا، حتى أنني لم أنس التفاصيل التي ذكرها عن المشروع وأثره على وحدة وتكامل الدول العربية، وعن الفرص الواعدة للشباب العربي، وعن فرص التجارة البينية، وذكر شيئًا عن تشكيل كونفدرالية سماها «الكتلة العربية الصلبة» على أن تكون مرحلة مبدئية في اتجاه الاندماج الكامل، كما تحدث عن الأهمية الجغرافية للوطن العربي، وعن أعداد الموانئ والمطارات، وعن حجم وتنوع الموارد الطبيعية، النفط، الغاز، الذهب، المعادن، الثروات الحيوانية والسمكية، الأراضي الشاسعة الخصبة، السدود والأنهار، مكامن الطاقة النظيفة والمتجددة، وذكر أيضًا الممرات المائية الخمسة التي يشرف عليها الوطن العربي الكبير وأهميتها الإستراتيجية بدءا من مضيق جبل طارق في أقصى الغرب مرورًا بقناة السويس حتى مضيق هرمز. وبدأت أتساءل في نفسي هل هذه حقيقة أم أنني أحلم؟ وذهب بي الخيال إلى البعيد وإذا بي أبحث عن اسمٍ يجسد هذا المارد العربي الواعد، هل نسميه الاتحاد العربي، أو نسميه المملكات العربية المتحدة، كيف ستكون العملة العربية الموحدة؟، ماهو حجم الاقتصاد؟ وكيف سنستثمر الموارد المهولة؟ هل ستختفي البطالة بين الشباب العربي؟ هل سنصبح عضوا دائما في الأمم المتحدة كباقي الدول العظمى؟، كيف سيكون النظام السياسي؟ وهل ستنتهي الهيمنة الغربية على الأرض العربية؟ وهل .. وهل .. وهل ... ثم سمعتُ صوتًا يهمس في أذني: «القطار ياسيدي ... القطار ياسيدي.» فتحت عيني واذا بالمضيف قد وضع صينية الفطار أمامي قائلًا: «عذرًا سيدي لإيقاظك فالطائرة على وشك الهبوط في مطار اسطنبول، افتح النافذة لوسمحت، نهارك سعيد.»
2115
| 27 سبتمبر 2023
نلتقي في مناحي الحياة مع طيفٍ من الشخصيات المتباينة، فنجد منهم الإيجابي، ذلك الذي يثني على الأشياء الجيدة، وينتقد الأشياء السيئة إنتقاد المحب، أو ما يسمى بالنقد البنّاء، ومنهم من يلزم الصمت، فلا تدري ما يدور في رأسه ولا ما يحيك في صدره، أهو يكتم رأياً أم يجهل ما حوله، ونجد منهم السلبي، ذلك المنتقد دائمًا لكل شيء، فعيناه لا ترى إلا الأخطاء، ويفسر كل شيء على أنه مؤامرة. وقد صادفت تلك الأنماط الثلاثة في أماكن العمل المتعددة التي عملت بها، فلاحظت أن الصنفَ الأول هو في الغالب الأكثرَ إنتاجيةً، ويليه في ذلك الصنفُ الثاني، وكانت الشخصيةُ السلبية المنتقدة دائمًا هي الأقل إنتاجية، وأذكر القارئ بأنها ملاحظة وليست نتيجة مبنية على بحث علمي، لذا لن أتفاجأ إذا ما اختلف معي البعض عليها. يقال إنه كلما زاد الوعي زاد الصمت وقل الانتقاد، فإن سلمنا بصحة تلك المقولة، فإن ذلك في اعتقادي يرجع إلى أن الواعي بمجريات الأمور يتوقع نتائجها فلا هو يتفاجأ بالأحداث ولا تخفى عليه مسبباتها ولاغاياتها، فوعي افراد الأسرة على سبيل المثال بإمكانيات الأب ينعكس على تماسكها، ويبرر ذلك الوعي تصرفات الأب وقراراته، أما إن جهلوا ظروفه فلن يجدوا مبرراً لعدم تلبية طلباتهم، وقد جاء في أمثال العرب قديمًا مقولة: « المرأة والأجير والطفل الصغير يحسبون أن أباهم على كل شيء قدير». وقياساً على ذلك فإن زيادة وعي أفراد المجتمع بالشأن العام على المستوى الوطني، أوالإقليمي، أو حتى على المستوى الدولي يؤدي كذلك إلى توقع الكثير من التحديات قبل وقوعها، ويفسر بعض القرارات التي تتخذها مؤسسات الدولة على أياٍ من تلك المستويات، لأن الجهل بمعطيات الأمور يفسح المجال للإشاعات التي تقودنا كأفراد إلى السلبية دون أن نشعر، وعندها يكون الصمت أولى من الكلام، وهذه ليست دعوة للسكوت بل دعوة للاهتمام بالشأن العام وتحليل معطياته، فهناك فرق شاسع بين الصمت والسكوت، فالصمت يتولد من الأدب والحكمة والوعي، أما السكوت فيتولد من الجهل أو الخوف. وهي دعوة أيضاً للمؤسسات والهيئات والدوائر الحكومية وشبه الحكومية لتكريس مبدأ الشفافية وتشجيع المشاركة المجتمعية في صنع القرار، أي إيجاد الآليات المناسبة لتيسير مشاركة كل فرد له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتلك الجهات، فإن تم ذلك على الوجه المطلوب، فإن من شأنه خلق فضاء إيجابي قادر على مواجهة التحديات، وتنمية مهارة الإصلاح والرقابة الذاتية، ورفع منسوب الرضا والإيجابية في المجتمع وبالتالي انحسار السلبية، فضلاً عن تعزيز الولاء وتكريس الانتماء. خلاصة القول: إن لم يسعنا الصمت في موقفٍ ما فلنكن موضوعيين في طرحنا ومتزنين في تعابيرنا فإن ذلك من الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت».
1314
| 20 سبتمبر 2023
كما هو معروف أن منطقة الخليج والجزيرة العربية منطقة صحراوية قليلة الأمطار، وأذكر عندما كنا صغارا أننا في موسم الأمطار كنا نضع الأواني في فناء المنزل كلما تلبدت السماء بالغيوم لعلها تمطر فتملأ أوانينا بالماء العذب المبارك، كان البعض يتكاسل عن الذهاب لإحضار إنائه ويكتفي باللعب تحت المطر إذا ما أمطرت، ثم تجده يستجدي الأطفال الآخرين ليعطوه شربة ماء من أوانيهم الممتلئة. عندما أفكر في تلك الفعالية العفوية البسيطة في مرحلة الطفولة، أجد لها دلالات عميقة جدا لم أكتشفها وأسبر أغوارها إلا بعد انقضاء زمن طويل لي في العمل، ومما ارتبط بتلك الفعالية في مخيلتي هو أن وضع الإناء يمثل حالة الاستعداد للفرصة، لذلك يجب أن يوضع الإناء مقابل السماء، فمن يضع الإناء مقلوبا على فمه لن ينتفع من أي فرصة لسقوط المطر. كذلك العقول المقلوبة لا يملؤها غيث العلم، ولا ينفع معها كثرة الاطلاع والمحاضرات ولا الشهادات، مفتاح المعرفة هو أن تفتح عقلك وقلبك وتستقبل وتنهل بوعي تام من معين العلم والمعرفة، لذلك عندما أرى حال بعض المتعلمين وحملة الشهادات العليا أتذكر أولئك الأطفال الذين اكتفوا باللعب تحت المطر وتبللت ثيابهم ولكن لم يشربوا منه ولم يعرفوا طعمه. ونجد البعض يردد اليوم أن فلانا محظوظ لأنه حصل على المنصب الفلاني، وفلان محظوظ لأنه فاز بالشيء الفلاني، وهذا تعريف غير وافٍ لمعنى الحظ والمحظوظ؛ فقد تعلمت من أواني المطر أن الحظ هو التقاء الفرصة مع وجود الاستعداد، ففي كل يوم هناك فرصة ما، تلك الفرصة ستذهب لمن هو أكثر استعدادا وليس لمن هو أقدم في مكان عمله مثلا. سألني أحد أبنائي يوما ما، وكان متأثرا ببرامج إحدى قنوات الأطفال المشهورة، سألني عن الرابط العجيب بين العقل والمظلة، فقلت له بكل حماس وثقة أن المظلة تحمي العقل من أشعة الشمس، فقال لي جوابك خطأ! وأردف قائلا قبل أن يعطيني فرصة أخرى، العقل يا والدي مثل المظلة لا ننتفع به إلا إذا فتحناه.
2412
| 13 سبتمبر 2023
في سبعينيات القرن الماضي وفي أحد المسلسلات الكويتية الشهيرة كان أحد الممثلين يؤدي دور «النوخذه بن عيدان» تاجر الخشب أو ما يسمى بـ «الدنجل» المشهور في الخليج، ومما تبقى في ذاكرة ذلك الجيل عن «بن عيدان» أنه شجاع لدرجة أنه يتعمد الإبحار في العاصفة كما يقال «ما يدش إلا في الضربة»، لكن شجاعته تلك أدت إلى خسارته كل ما يملك عندما جاءت الأخبار المفاجئة بأن «مركب بن عيدان طبع» أي غرق في البحر بكامل حمولته من الأخشاب. «ابن عيدان» وإن كان شخصية خيالية إلا أنه يجسد نموذجا لاسلوب حياة لا يقتصر على فئة دون أخرى، فهو يمثل الشخص الذي يتصرف بطريقة غير مسؤولة وكأن ليس لديه ما يخسره، سواءً أكان طالبًا على كرسي الدراسة أو موظفًا أو مسؤولًا، لا يفكر في مآلات الأمور عندما يقدم على عملٍ ما، ولا في عواقبها ظانًا أن ذلك من الشجاعة والبطولة، وينسى أن الشجاعة بلا حكمة ولا احتسابٍ للعواقب تسمى تهور، والمتهور مصدر تهديدٍ لنفسه ولأسرته وللمجتمع. قد تصادف ذلك النموذج في الطريق، يقود سيارته أو دراجته النارية بسرعة جنونية فيربك الحركة المرورية ويكتسح حقوق الآخرين برعونة، لا يحترم حقوق مستخدمي الطريق ولا يلتزم بقواعد المرور، فهو مشروع حادث وشيك قد يحدث في أي لحظة معرضًا الأبرياء للخطر. أما إذا دخل «بن عيدان» مجال التجارة فإنه يحلم بالثراء السريع ويتجاهل نصائح أهل الخبرة، فتجده جسورًا على الدخول في مشاريع تجارية غير مدروسة، وعلى المجازفة في الاقتراض وتكديس الديون، والتشبه برجال المال والأعمال، وعيش حياة الترف والبذخ، ثم لا يلبث أن ينتهي به الحال إلى خسائر فادحة، فينقلب ذلك الحلم إلى كابوس، ليجد نفسه بين عشية وضحاها من الغارمين الذين يبحثون عن طوق نجاة من التعرض للعقوبة، فيستجدي المؤسسات الخيرية ويحرج القريب والبعيد، ويصبح مصدر قلق لأسرته. تلك الفئة غير المنضبطة والتي لا تبالي بمصلحتها هي من باب أولى لا تبالي بالمصلحة العامة، وأعتقد بأن الأضرار التي يخلفها «البنعيدانيون» في المجتمعات لا تقتصر على ماسبق ذكره، بل إن بعض الدول والأقاليم قد عانت من ذلك النموذج في حراكها السياسي والاقتصادي، وفي قياداتها الحزبية المتحمسة لأيدولوجياتها دون أي اعتبار للحسابات السياسية والمنفعة العامة حتى أصبحت مقدرات تلك الدول أثرًا بعد عين. لذا ينبغي علينا كمؤسسات وأفراد أن نحرص على أن نتخذ كافة الإجراءات لردع هذا النموذج والحد من انتشاره، وأن نعمل على أن لا يصل «بن عيدان» إلى مراكز صنع القرار مهما صغرت المسؤولية. يقولون في الأمثال «ينفعك من نفع نفسه».
3276
| 06 سبتمبر 2023
لا يخفى على المتابع للشأن العام في الشرق الأوسط الأزمات التي يعيشها الوطن العربي على مدى عقودٍ من الزمن، ما بين ضياع البوصلة وغشاوة الرؤية وضآلة الإنجازات وضعف البنية المجتمعية، رغم ما يمتلك من مقومات بشرية، وموارد طبيعية، وجغرافيا إستراتيجية، لو استغلت بشكل صحيح لجعلت منه كتلة صلبة بين التكتلات السياسية، ورقما صعبا في الحراك السياسي الدولي. إلا أن الواقع غير ذلك تمامًا، فمعظم الشعوب العربية اليوم، وهذا من واقع المؤشرات الدولية، تعاني من تغلغل الفساد وعدم جدية المبادرات لمحاربته، ومن تواضع مخرجات التعليم، وتردي جودة الخدمات، وعرقلة مبادرات الإصلاح التي تتبناها مؤسسات المجتمع المدني، وضيق مساحة الحريات، فضلًا عن النزاعات الحدودية، والحروب الباردة، والمناكفات السياسية التي لا يأمن عواقبها المواطن البسيط إذا ما قرر السياسيون خوض غمارها من أجل حساباتهم الضيقة. ولست ممن يتبنى قضايا جلد الذات، ولا تلميع المعادن الرخيصة، وأميل بطبيعتي إلى التعامل مع الواقع والمستقبل أكثر من الاستغراق في التاريخ الذي أجهل ظروف كتابته، لذا أعجب من بعض المنتسبين للعلم والثقافة في وطننا العربي عندما يتجاهلون كل تلك التحديات التي نواجهها في واقعنا المعاصر، ثم ينبري أحدهم جاهدًا في نبش تاريخ الدولة العثمانية باحثًا عن مثالبها وعن هفوات سلاطينها، مجتهدًا في تشويه صورتها بشتى الوسائل، وأنا أتساءل لحساب من كل ذلك؟ تلك الإمبراطورية الإسلامية استمرت 622 عامًا، وخلال عقود بسيطة من نشأتها في العام 1299م، فرضت نفسها كقوة بحرية عالمية بعدما أحكمت قبضتها على عشرات الموانئ في آسيا ووسط أوروبا وشمال إفريقيا، فكانأسطولهاالقوة التي لا تغيب عنها الشمس، ولها من الإرث الحضاري ما يغنيها عن أن تستجدي من يدافع عن تاريخها وعن ثقافتها وعن عمرانها وعن صناعتها وعن مؤسساتها. ومع أننا لا نصدر صك «المدينة الفاضلة» لأي دولة عبر التاريخ الإسلامي عدا حقبة الخلافة الراشدة، فإنه لا يخفى على المتابع لهؤلاء الناعقين على كل صعيد بأن الهدف من هذه المحاولات البائسة لتشويه تاريخ الدولة العثمانية هو النيل من جذور الجمهورية التركية الحديثة بقيادة حزب العدالة والتنمية، تلك الدولة التي قامت على أنقاض دولة الخلافة العثمانية، أي منذ ما يقارب المائة عام، حيث معاهدة لوزان التي عقدت بين الدولة العثمانية ودول الحلفاء وهي آخر معاهدة للدولة العثمانية، وبالتزامن أيضًا مع نفاذ معاهدة سايكس بيكو المشؤومة. كان الأجدر بمن يرى القذى في تاريخ الخلافة العثمانية أن يبصر الشتات والتيه الذي يحيط به، كان الأولى أن يستخدم شجاعته اللفظية ومهاراته البحثية في إبراز التحديات التي تواجه الوطن العربي، والمساهمة في إيجاد حلول لأزماته المتلاحقة، كان الأولى بالمثقف العربي من هؤلاء أن يسلط الضوء على الإنجازات العظيمة للدولة التركية الحديثة خلال المائة عام الماضية متسائلًا عن أسباب تقدمها وتأخرنا كعرب على كافة مستويات عناصر النهضة الحديثة، ثم يتساءل ... أين نحن من صناعة السلاح؟ وأين نحن من صناعة الدواء؟ وأين نحن من صناعة الغذاء؟، بل أين نحن من حرية الرأي ومن حقوق الإنسان ومن نزاهة الانتخابات ومن استقلالية منظمات المجتمع المدني، ومن مكافحة الفساد السياسي؟ وختامًا يقول المثل العربي: “من كان بيته من زجاج،لا يقذف الناس بالحجارة”.
1812
| 30 أغسطس 2023
هو مثل شعبي يحمل معاني جميلة عن التكامل والتكافل بين الناس عمومًا والأقارب خصوصًا، فإذا تزوج الابن بابنة عمه قالوا «دهنّا في مكبّتنا»، وإذا تعاقدت مع شركة أخيك لبناء فيلتك فأكيد إن دهنكم يكون في مكبّتكم... وقس على ذلك. وقد يتوسع البعض في استغلال هذا المبدأ فيستخدم صلاحياته الوظيفية لتشغيل شركته أو شركة أحد أقاربه في جهة عمله، أو يوجه قسم المشتريات للتعامل مع تاجر معين وهنا يختلف الأمر فيصبح المثل «دهن الحكومة في مكبّتنا». ولكن ما علاقة المثل الشعبي آنف الذكر بغابات الأمازون التي تمتد عبر تسع دول لاتينية؟، تخيل لو أن مسؤولًا عن البيئة في إحدى تلك الدول عرضت عليه شركة أخشاب عملاقة رئاسة مجلس إدارة الشركة، طبعًا مقابل المكافأة التي عادةً ما تصرف لأعضاء مجلس الإدارة، والسؤال كيف سيكون موقف ذلك المسؤول إذا تعارضت أعمال الشركة مع المصلحة العامة؟، كيف سيتصرف إذا لم تلتزم الشركة بالشروط البيئية؟، أعتقد أن «رئة الأرض» ستكون في خطر محدق. وبالمثل عندما يكون رئيس مجلس إدارة مؤسسة ما هو نفسه الرئيس التنفيذي للمؤسسة ذاتها فإن في ذلك تعارضا صارخا للمصالح، وذلك أن رئيس مجلس الإدارة يتبع للجهاز الحاكم وهو جهة رقابية وتشريعية، في حين أن المدير العام أو الرئيس التنفيدي يتبع للجهاز التنفيذي ويخضع لرقابة الجهاز الحاكم، فإذا تولى رئيس مجلس الإدارة صلاحيات تنفيذية أصبح هو يراقب على نفسه وأصبحت الشركة في مهب الريح. لذلك فإن مبدأ «الحوكمة» التي تعرّف بأنها مجموعة من الأنظمة والضوابط التي تنظم العلاقات بين أصحاب المصلحة وتحقق مجموعة من المبادئ كالعدل والشفافية والمساواة، قائم على فصل السلطات. ولا شك أن عدم فصل السلطات التي تعرف بـ «السلطات الثلاث» (التشريعية والتنفيذية والقضائية) يفتح الباب على مصراعيه للممارسات الفاسدة ويقوض منظومة النزاهة. ومن هذا المنطلق فإنه لا ينبغي لأي مسؤول في جهة حكومية رقابية مهما علا منصبه أن يتقلد منصبا أو عضوية ما في أي شركة أو مؤسسة تخضع لرقابة الجهة التي يعمل بها تجنبًا لتعارض المصلحة الخاصة التي يجنيها من عضويته تلك بالمصلحة العامة التي تتبناها جهة عمله فيقدم مصلحته على ما تقتضيه المصلحة العامة على أساس «دهنّا في مكبّتنا».
5691
| 23 أغسطس 2023
أذكر أنني قلت لأبي يومًا ما «أنا لن أعود للمدرسة»، وكنت وقتها في الصف الثالث الابتدائي، كنت منزعجًا جدًا من بيئة المدرسة التي كانت وما تزال تمثل تحديا كبيرا للطفل مع بداية تواصله بالعالم الخارجي وانتقاله من جو الأسرة التي تربى فيها على قيم وأسلوب حياة معين ليجد نفسه في وسط مختلف تماما، وليكتشف أن القيم والمعايير والسلوك التي تعلمها وشب عليها ليست بالضرورة أن تكون مشتركة بينه وبين زملائه في المدرسة. أذكر في ذلك اليوم أن والدي تصرف معي بحكمةٍ بالغة كما هو معهود عنه في مواقف كثيرة، سألني بدايةً عن السبب في عدم رغبتي في مواصلة الدراسة، فأخبرته بكل براءة أن السبب هو كثرة المشاجرة مع بعض الطلاب الأكبر مني سنًا، فسألني ولماذا المشاجرة؟، قلت إن أولئك الطلاب غير منضبطين ويقومون بأعمال تخريبية في الفصل وعندما يسألني المعلم عن المتسبب في هذا الشيء أو ذاك أخبره مباشرة بالفاعل فأنا لا أستطيع أن أكذب إذا كنت أعلم الفاعل وهذا ما يثير غضب الطلاب عليّ، فأنا أمام تحد كبير، إما أن أكذب على المعلم، أو أقول الحق وأتعرض للمشاكل، لذلك لا أريد المدرسة. كانت ردة فعل والدي غير متوقعة، قال لي: طيب، إذا خرجت من المدرسة ماذا ستفعل؟ قلت له سأفتح دكانًا وأعمل في التجارة، فقال هذا كلام جميل، ماذا لو جاء عمك للدكان وطلب منك بضاعة على أن يدفع المبلغ آخر الشهر هل ستعطيه؟ قلت نعم، قال وماذا لو جاء جارنا فلان وطلب منك بضاعة على أن يدفع هو أيضًا آخر الشهر هل ستعطيه؟ قلت بلا شك، وراح يكرر علي نفس السؤال وأنا أقول نعم، ثم ابتسم وقال وهو يضع يده الحنونة على كتفي: يا بني كيف ستحاسب كل هؤلاء آخر الشهر وأنت لا تعرف الحساب؟، سكت لبرهة وأنا مشتت الفكر، ثم قلت: سأعود للمدرسة من الغد. تلك هي ذكريات الماضي القريب الذي كان فيه للأسرة نصيب الأسد في التربية والنصح والتوجيه، لم يحمل فيه معظم الآباء الشهادة الثانوية ولكنهم حملوا في صدورهم الحكمة والبصيرة، لم تتح لمعظمهم فرص التعليم كما هي متوافرة الآن إلا أنهم أتاحوا كل الفرص لأبنائهم وبذلوا ما في وسعهم ليصنعوا رجالًا على قدرٍ من المسؤولية. وها أنا ذا اليوم أستقبل حفيدتي بسعادةٍ بعد أن أنهت عامها الدراسي الأول بتفوق، أنظر إليها وكأنني أنظر لجيلٍ توافرت له من الإمكانات والفرص ما لم تتوافر للأجيال السابقة، إلا أن التحديات التي يواجهها اليوم الآباء والأمهات في خضم هذه الطفرة المعلوماتية وهذا السيل من التطبيقات والمحتويات التي طغى غثها على سمينها، وتلك الأفكار الشاذة التي دست في كل فن كما يدس السم في العسل، والثقافات المنحرفة التي تزاحم الفطرة السليمة في برامجها وأطروحاتها، تلك التحديات أكبر وأعقد بكثير من المشاجرات التي قررت على إثرها ترك المدرسة يومًا ما. أما اليوم فأتمنى أن أعود للمدرسة من جديد ولسان حالي يقول كما قال الشاعر المبدع كريم العراقي: آهِ كَمْ أَشتاقُ أَيامَ أَبيْ... رُغمَ ما فيها من الهمِّ وطولِ التعبِ
5616
| 16 أغسطس 2023
يقال إذا جمعت مائة نملة سوداء ومائة نملة حمراء ووضعتها في إناء، فلن يحدث شيء، ولكن إذا رججت الإناء بعنف وتركته على الطاولة، سيبدأ النمل في قتل بعضهم البعض، حيث سيعتقد النمل الأحمر أن النمل الأسود يهاجمه، في المقابل يعتقد النمل الأسود أن النمل الأحمر هو الذي بدأ الهجوم، بينما العدو الحقيقي هو الذي هز الإناء. وتلك المقولة تنسب خطأً لعالم الطبيعة والمذيع البريطاني الشهير السيد «ديفيد فريدريك». تقول عالمة الحشرات البروفيسور «لوري لاتش» إن تلك المقولة عارية من الصحة، وأن عدوانية النمل تجاه بعضهم البعض ليس لها علاقة بهز الإناء ولكن لها علاقة بنوع النمل حيث يوجد في العالم أكثر من خمسة عشر الف نوع، وتضيف قائلة: «نتوقع أيضًا أن نرى سلوكًا عدوانيًا بين نمل من نفس النوع إذا كانوا من مستعمرتين مختلفتين، وعلى الرغم من أنها تبدو متطابقة لنا أو من نفس الفصيلة إلا أن النمل يمكنه «شم» الغرباء « ومن ثم يبدأ الهجوم بدون أن نهز الإناء. والجدير بالذكر أن إحدى الدراسات التي أجرتها جامعة قطر العام الماضي أثبتت وجود خمسين نوعا مختلفا من النمل في شبه جزيرة قطر، وأعتقد أن العدد سيكون أكثر على مستوى جزيرة العرب وأن سلوكها تجاه بعضها البعض يعتمد على المستعمرات التي تنتمي لها وإن كانت من نفس الفصيلة كما ذكرنا سابقًا. ذلك في عالم الحشرات، أما في عالم الإنسان فالوضع مختلف تمامًا، فالبشر عندهم القدرة للتعايش مع من لاينتمي لمجتمعاتهم، ويستطيعون استيعاب الاختلافات العرقية والدينية والمذهبية إذا قرروا ذلك، كما أن لديهم القدرة على التعايش في منزل واحد مع من لا ينتمي لعرقهم ولا لعقيدتهم، وينطبق ذلك أيضًا على الدول وعلاقاتها المبنية على الاحترام المتبادل وعلى عدم التدخل في شؤون بعضها بعضًا. وبعكس عالم النمل الذي لديه عدوانية تلقائية تجاه الغير، فإن في عالم الإنسان لا تظهر تلك العدوانية بصورة جلية إلا عندما يهتز إناء المجتمع بفعل فاعل، عندها يبدأ الاستقطاب للأعشاش سواء الوطنية أو القبلية أو المذهبية أو العرقية، وعندها تبدأ الأزمات على مستوى الأفراد والمجتمعات وعلى مستوى الدول المتجاورة. لذا علينا قبل أن نشمر عن سواعدنا لخوض الحروب أن نتريث ونسأل أنفسنا..... من الذي هز الإناء؟
2931
| 09 أغسطس 2023
كان أحد الدعاة في زيارة لإحدى العواصم الأوروبية في شهر رمضان المبارك، فوجهت له دعوة من أحد أندية الطلبة العرب لإلقاء محاضرة قبيل الإفطار، يقول الداعية: «اخترت أن يكون حديثي عن «إدارة الصلاة»، وفي الموعد المحدد تقدمت إلى المنبر وفي يدي ورقة كتبت عليها آيتين وحديثين عن الصلاة، ألقيت السلام على الحضور كالمعتاد ثم فتحت الورقة وبدأت أقرأ ما فيها بسرعة فائقة لا يكادون يفقهون معها ما أقول، في دقيقة واحدة كنت قد انتهيت من قراءة الورقة، فطويتها على عجل وبادرت بالمغادرة وأنا أقول لهم: عفوا لتسرعي ولكنني مضطر لأن أترككم الآن فأنا على موعد مع أناس أكثر أهمية منكم بكثير. تناولت حقيبتي مندفعا إلى الباب وأنا ألمح بطرف عيني معالم الدهشة وقد عقدت ألسنتهم وعلى وجوههم خليط من الاحتجاج والاستغراب وعدم التصديق بل ربما الاستنكار والاستهجان، أهكذا كانت ردة فعل البشر التلقائية إزاء تصرف غير مؤدب كتصرفي تجاه ما وعدتهم به؟ عدت إلى الطلبة خلال ثوانٍ لأعتذر عما بدر مني قائلًا هل أنتم غاضبون مني؟ حسنًا، لقد فعلت هذا معكم مرة واحدة وها قد عدت معتذرا، ولكننا نفعل ذلك مع الله خمس مرات كل يوم، ثم لا نعود إليه أبدًا معتذرين تائبين». (من كتاب إعادة اكتشاف الصلاة). نكون في موعد مع الله في وقت كل صلاة ولمدة لا تزيد عن خمس إلى عشر دقائق، يدخل البعض منا في الصلاة بحركات جسدية روتينية رتيبة مفرغة من الحس والتركيز فضلا عن الخشوع، وتشرد أذهاننا يمنة ويسرة نفكر في كل شيء لنقطع به الوقت إلا الصلاة، لا تسخو نفوسنا بذلك الوقت اليسير لله. ولنتذكر كيف نقف منتبهين متيقظين أمام ملك أو وزير أو مسؤول حتى ننال منه ما نريد من غرض الدنيا، وكيف نقف أمام ملك الملوك بهذه الهيئة ثم يقول أحدنا دعوت ولم يستجب لي. قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}.
3336
| 02 أغسطس 2023
منذ أكثر من عقدين من الزمن، وفي مطار إحدى العواصم العربية، وبعد أن أنهى المسافرون القادمون من الخليج إجراءات الدخول وأخذوا أمتعتهم متجهين إلى مكتب الجمارك، يقول صاحب القصة كان يقف أمامي رجل يبدو لي من ملابسه وهيئته أنه رجل بسيط، كان يحمل حقيبة يد ويجر خلفه حقيبة سفر كبيرة ربط وسطها بحبل كي لا تنفتح وقد أكل الزمان عليها وشرب، نظر إليه موظف الجمارك من الأعلى إلى الأسفل وكأنه ينتقص منه ثم سأله: هل معك شيء يتجمرك ياشيخنا؟، فقال الرجل نعم معاي جهاز فيديو، فاستغربت من صراحته وبساطته، قال له الموظف أعطني الجهاز، ففتح المسافر حقيبة اليد التي كان يحملها وأخرج منها جهاز مسجل كاسيت وقدمه لموظف الجمارك، استشاط الموظف غضبًا وهو يقول للمسافر أتهزأ بي؟، فرد المسافر لا والله وأخرج على الفور فاتورة من جيبه وقدمها للموظف، وما أن قرأها الموظف حتى تغيرت ملامح الغضب التي كانت على وجهه وبدأ يضحك بطريقة هستيرية وهو يردد: لقد ضحكوا عليك وباعوك جهاز الكاسيت بألف ومائتي ريال، ثم قال: يالله يا شيخنا خذ أغراضك وتوكل على الله لا تعطل الناس. يقول صاحب القصة عندما أنهيت إجراءاتي وخرجت من مبنى المطار وجدت الرجل واقفا على الرصيف ينتظر الحافلة التي ستقله إلى بيته، هرولت إليه مسرعاً وكلي فضول أن أعرف قصة جهاز الكاسيت الذي ابتاعه على أنه فيديو، وما أن وصلت إليه إلا وقد ارتسمت ابتسامة بسيطة على شفتيه، قلت له ما الذي حدث كيف تتعرض للغش بهذه البساطة، فرد علي قائلًا تقصد قصة الفيديو؟ قلت نعم، فضحك طويلًا ثم التفت إلي وهو يهم بالركوب في الحافلة قائلًا: الفيديو في الشنطة الكبيرة. من المتعارف عليه أن مظهر الإنسان يعكس الكثير من شخصيته ومستواه الاجتماعي، وذلك ما يسمى بالصورة النمطية، ولا شك أن هيئة السارق لا تبدو كهيئة الطبيب حتى لو لبس ملابس الطبيب، وأن هيئة المجرم مختلفة تمامًا عن هيئة الشرطي، في المقابل لا يجب أن يكون لتلك الصور النمطية المختزنة في عقولنا تأثير على طريقة تفكيرنا وقراراتنا، لا أقول نتجاهل أحاسيسنا المبنية على الصورة ولكن يجب ألا نعتمد عليها اعتمادًا كليًا فنقع في ما وقع فيه موظف الجمارك. وفي الختام أقول: ليس عيبًا أن نجتهد ونخطئ في قراراتنا، ولكن المفارقة هي عندما نتخذ القرار الخطأ بكل ثقةٍ وتكبرٍ وزهو وازدراء للآخر في الوقت الذي نخسر فيه كل شيء ثم لا نعترف بالفشل.
3714
| 26 يوليو 2023
في مساء أحد الأيام كان المسافر راكبا حصانه وسائرا قرب الساحل، فلمح نُزُلًا من بعيد فقرر أن يقضي ليلته فيه، فارتجل وربط حصانه بشجرة أمام باب النُّزُل، وعند منتصف الليل وبينما الجميع يغط في نوم عميق، جاء لص وسرق الحصان، وفي الصباح نهض المسافر من نومه وجاء على الفور إلى حيث ربط الحصان فلم يجده، وبعد أن بحث عنه في كل مكان عرف أن لصًا سرقه في تلك الليلة فحزن حزنًا شديدًا. ولما علم النُّزَلاء بما جرى تجمهروا حوله وبدؤوا يلومونه على تصرفه الخاطئ الذي تسبب في سرقة الحصان، فقال الأول: ما أحمقك أيها الرجل! لماذا ربطت حصانك خارج الاصطبل؟، ثم قال له الثاني: اني أستغرب أنك لم تقيد الحصان عندما ربطته!، فما أكثر جهلك!، وقال الثالث: لماذا لم تنم في الخارج قرب الحصان؟، ثم قال الرابع: إن السفر إلى البحر على ظهور الخيل غباوةٌ من الأساس!، وقال الخامس: اما أنا فأعتقد أنه لا يقتني الخيول إلا كل بليد بطيء الخطى، فدهش المسافر من فصاحتهم وبلاغتهم في الوعظ والإرشاد بعد فوات الأوان، وقال لهم عندما سرق حصاني جاءتكم الفصاحة والبلاغة وذهبتم تعدون هفواتي وزلاتي، ومع كل ما أوتيتم من قوة البيان لم يقل أحد منكم كلمة عمن سرق الحصان، ولم يذكر أحد منكم اللص بسوء!. تلك القصة من روائع الفيلسوف اللبناني «جبران خليل جبران» وعنوانها «الناقدون» والتي أوردها في كتابه «المجنون»، إنها قصة تختزل في طياتها فلسفة إجتماعية عميقة، أحداثها ومشاهدها متكررة في كل زمان ومكان، فكلنا عشنا أو معرضين أن نعيش مأساة ذلك المسافر يومًا ما. عندما يقع أمر ما يظهر من حولنا العديد من الحكماء فجأة يبدؤون حديثهم بحرف الشرط «لو»، فيقول أحدهم «لو فعلت كذا لما كان كذا وكذا»، وتلك الشخصية تسمى «حكيم ما بعد الحادث»، أي إنه لا يمتلك أي نصيحة أو رأي قبل أن يقع الحادث، ولم يكن يتوقع أنه لا تصير الأمور على ما يرام أصلًا، وما أن «تقع الفأس في الرأس» إلا وتجده فجأةً أصبح مفوها وذا نظرة ثاقبة للأمور، وبدأ يلعب دور «لقمان الحكيم» ولكن بعد فوات الأوان.
3720
| 19 يوليو 2023
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6609
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6483
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
3249
| 23 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2460
| 28 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1887
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1683
| 26 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...
1623
| 30 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1464
| 27 أكتوبر 2025
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
1047
| 24 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
999
| 24 أكتوبر 2025
لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...
987
| 27 أكتوبر 2025
“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...
921
| 27 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل