رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في يوم ما حضرت دورة تدريبية في الإدارة المتقدمة عقدت في إحدى دول الخليج، كان المحاضر بروفيسور يدعى «ماك» وهو أمريكي الجنسية، ولم تكن تفصلنا عن انتخابات الرئاسة الأمريكية حينها سوى أيام معدودة، سألته عن رأيه في المرشحين لكرسي الرئاسة الأمريكية، فأخبرني بأنه مقاطع للانتخابات الرئاسية منذ سنين، فسألته عن سبب المقاطعة فقال: «لقد لاحظت أن الذي يصل إلى كرسي الرئاسة غالبًا ما يكون الأكثر شهرة وليس الأفضل، واستخدم مصطلح “The most Popular “، وأردف قائلًا: هناك فرق كبير بين أن تكون الأفضل من حيث إمكانية تبني برنامج انتخابي واقعي وامتلاك القدرة على تنفيذ وعودك الانتخابية، وأن تكون الأكثر شهرة بغض النظر عن مؤهلاتك وخبراتك وبرنامجك الانتخابي، لذا تجد أن بعض أصحاب المال ومشاهير السوشيال ميديا والرياضيين والفنانين وغيرهم من المشاهير هم الأكثر حظًا بالفوز في الحملات الانتخابية من المفكرين وأساتذة الجامعات والرؤساء التنفيذيين وغيرهم ممن يطلق عليهم مصطلح «التكنوقراطيين» أي أصحاب الخبرات، والشواهد على ذلك كثيرة» انتهى كلامه. قد نتفق أو نختلف بعض الشيء مع تلك النتيجة التي توصل إليها البروفيسور «ماك» ولكن، هل المشكلة في المرشح غير الكفء أم في الناخب؟ بلاشك أن المجتمعات الإنسانية متباينة في معتقداتها وعاداتها ووعيها أيضًا، فما هو مهم للناخب الأمريكي ليس بالضرورة أن يكون مهما للناخب في مجتمع آخر، وما هو طبيعي في مجتمع ما قد لا يكون مقبولًا في مجتمعات أخرى، لذا لا نستطيع إذا ما فاز «المرشح الضعيف» أن نلقي باللوم على وعي المجتمع، لأن ذلك مدعاة للتقاعس من باب صعوبة تغييره، في المقابل لا يمكن حرمان أي شخص وإن كان غير كفء من حقه في الترشح. في مقال الأربعاء الماضي والذي كان عنوانه «من سبق لبق والانتخابات التركية»، كانت هناك رسالة واضحة للناخب تؤكد على أهمية اختيار المرشح بوعي تام، وبما سيترتب عليه ذلك الاختيار من تداعيات مستقبلية، فضلًا عن أنها شهادة سنسأل عنها يومًا ما، لذا سأتوجه برسالتي للمرشح الذي يرى في نفسه الكفاءة في أي موضع كان، بأن عليه أن يبني حملته الانتخابية على أساس الوعي التام بحالة الناخب وتطلعاته وطريقة تفكيره، وعدم تجاهل ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده ومعتقداته. إنه من الخطأ أن ننظر أو نتعامل مع أي مجتمع بشري ككتلة واحدة متجانسة، فالمفكرون والفلاسفة وأصحاب الرأي لا يشكلون أكثر من 1% من أي مجتمع، ومن المفترض ألا نقلق من اختيارات هؤلاء، لذا يجب ألا يكون خطاب المرشح نخبويًا أو مثاليًا أكثر مما ينبغي، بل يجب أن يكون بسيطًا متواضعًا بغير خلل ولا تكلف، ولنا في الانتخابات التركية خير مثال على ما سبق ذكره. لم تنته فصول سباق الرئاسة التركية بعد، فنحن على موعد مع الجولة الثانية من الانتخابات التركية التي ضرب فيها الناخب التركي أروع المثل في الوعي بالمسؤولية ونسبة المشاركة التي نتمنى أن تنتقل عدواها إلى الوطن العربي، وأيًا كانت النتيجة أعتقد كما يعتقد الكثيرون بأنها لن توصل المرشح الضعيف الى الرئاسة.
1149
| 24 مايو 2023
اخترت عنوان المقال وهو مثل خليجي ويعني أن مَن وَصل أوّلاً فهو أولى بالحصول على الشيء، ويقال أحيانًا بمثابة تحفيز على السَبْق وإدراك فضل الأولوية، كما ويستعمل أحيانًا للتبرير، بمعنى لو اتصل بك أحد المرشحين يطلب منك انتخابه لأي منصب كان، مجلس بلدي، مجلس إدارة، جمعية خيرية... إلخ، غالبًا ستقول له «تم» من باب الفزعة، أما المرشح الآخر فسيكون ردك عليه إذا اتصل بك «للأسف اتصل بي فلان قبلك» أو تختصر ردك بالمثل الشعبي «من سبق لبق». نرجع لموضوع الانتخابات التركية، ففي يوم الأحد الماضي كنا جميعا على موعد مع سباق الرئاسة التركي، جلسنا ساعات طويلة نراقب نتائج الاقتراع الرئاسي والبرلماني، نتابع عملية التصويت ونتنقل بين القنوات الفضائية نبحث عن آخر المستجدات، ونستمع لتحليلات المختصين. جرت العملية الانتخابية بكل سلاسة ولمسنا تحضر الشعب التركي وحرصه على المشاركة حيث تراوحت نسبة المشاركة ما بين 88 إلى 93% وهو ما يعد إقبالا تاريخيا على الانتخابات. ورغم الاستقطاب في الساحة التركية إلا أنها لم تسجل أي حادث يذكر، ورغم تباين توجهات المرشحين وبرامجهم الانتخابية إلا أننا لم نشهد ما يعكر صفو العملية الانتخابية. في المقابل لم تكن هناك أي محاولة من الحزب الحاكم «حزب العدالة والتنمية» في تزوير الانتخابات أو التأثير على العملية الانتخابية بشكل مباشر أو غير مباشر، بل لعب الحزب الحاكم دورا كبيرا في الحفاظ على سمعة تركيا كبلد ديموقراطي ودولة مؤسسات وذلك من خلال الحفاظ على نزاهة الانتخابات وشفافيتها. يستطيع أي مراقب منصف لذلك العرس الديموقراطي أن يستشف إحساس الناخب التركي بمسؤوليته تجاه وطنه الذي أعطاه هذه الفرصة الحقيقية للتعبير عن رأيه وانتخاب ممثليه، كما يستطيع أن يلمس حماس الناخبين ورضاهم عن العملية الانتخابية التي لم تتعرض لأي ضغوطات من مؤسسات الدولة أو نافذين في مؤسسة الحزب الحاكم أو الأحزاب الأخرى، ورغم التحديات الاقتصادية التي يعيشها المواطن التركي لم نسمع عن أي استغلال لذلك الوضع أو ابتزاز للمحتاجين مقابل التدخل في اختياراتهم الحرة. المشاركة في الانتخابات، أي نوع من الانتخابات سواء رئاسية أو برلمانية أو حتى شركة مساهمة صغيرة، هي شهادة وتزكية من الناخب للمرشح وليست فزعة، وهي أمانة في عنق الناخب تجاه الله أولًا ثم الوطن، وفضلًا عن ذلك هي في الحقيقة فرصة للمشاركة في صنع المستقبل، فرصة حساسة ومهمة جدًا، لا يجب الانتقاص من أهميتها والتعامل معها بوعيٍ مغيب، أو بلا مسؤولية، ولا تستحمل أن تختزل في منظور ضيق لا يخدم الأمة والمجتمع، كما لا يجب أن تختطفها القبلية أو العنصرية أو المذهبية من يد الكفاءة والأهلية، إن اهتمامنا بإختيار الكفؤ الذي يتبنى أفكارنا ويستطيع أن يحقق آمالنا هو جزء من اهتمامنا بمستقبلنا، وهذا أبعد ما يكون عن مبدأ المثل الشعبي «من سبق لبق».
3123
| 17 مايو 2023
أسْكَنْتُكَ العَيْنَ مِنْ نَفْسِي وَلا أَزَلُ فَاخْتَرْ مَكَانَكَ فِيهَا أيُهَا البَطَلُ لَا يُخْطِيءُ السَّهْمُ مِنِّي في فَراسَتِهِ ويُبْصِرُ القَلْبُ مَالَا تُبْصِرُ المُقَلُ يا "طَيِّبٌ" طَابَ ذِكْرَاهُ وسِيرَتُهُ فِي وَجْهِكَ البِشْرُ يُحْذِي سِرَّهُ الأملُ أُهْدِيكَ مِنْ كَعْبَةِ المَضْيُومِ قَافِيَةً تَرْنُو إِليكَ ومِنْ لُقْيَاكَ تَكْتَحِلُ أَلْبَسْتُهَا عَبْقَرِيَّ النَّظْمِ نَافِلَة حَتَى تَلَأْلَأْ مِنْهَا الحَرْفُ والجُمَل ًوَذَاعَ مِنْ عِطْرِهَا اَلْفَوَّاحِ ما كَتَمَتْ ُمِنْ فَارِطِ اَلْشَوْقِ تُبْدِي ثُمَّ تَعْتَزِلُ كأنها لامستْ كفَ الأميرِ ضحى عيدٍ فأودع فيها النصرَ مؤتملُ أوصى بها "طالعَ الشرطين" فانطلقت تَحُفُّهَا النَّجمةُ الحمراءُ والمُقلُ تَنُوبُ عَنْ عُصْبَةٍ جَادَ الزَّمَانُ بِها قَوْمٍ كِرَامٍ مِنَ العلياءِ تَنْتَسِلُ يَافَارِسَ اَلْتُرْكِ مَنْ يَجْحَدْ مَوَاقِفَكُم قَدْ سُطِّرَتْ فِي كِتَابِ النَّخْوَةِ الأُوَلُ ْقَدْ جِئْتَ فِي زَمَنٍ شَابَتْ ذَوائِبُهُ والوَهْنُ يَغْشَى قُلُوبًا مِلْؤُهَا الوَجَلُ مَرْضَى وَإِنْ صَحَّتْ الْأَبْدَانُ مِنْ سَقَمٍ هَزْلَى وَإِنْ بَانَ مِنْهَا اَلْشَحْم’ وَاَلْكَسَلُ لَا يَأْلَفُوُنَ وَإِنْ كَثُرَتْ مَجَالِسُهُم مُبَعْثَرِينَ فَأَنَّى يُجْمَعُ اَلْشَّمْلُ ْلَوْلَا اَلْيَقِيِنُ بِأَنَّ اَللهَ جَامِعُهُمْ لِيَوْمِ فَصْلٍ لَعُدَّ اَلْجَمْعُ مُفْتَعَلُ فإن تباهوا بذي حسبٍ وذي نسبٍ وثروةٍ وادعوا الإيمان وانتحلوا كفاك أنك في قلب الشعوب إذا قامت إلى الله تدعوه وتبتهل
1614
| 13 مايو 2023
اعتلى المنبر وهو يعلم عظمة الوقوف على منبر رسول الله، أعد الخطبة واعتنى بها كعادته، وبدأ بالحديث الذي يرويه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهما مرفوعًا: «ما بعث الله من نبي ولا اسْتَخْلَفَ من خليفةٍ إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتَحُضُّهُ عليه، وبطانةٌ تأمره بالشر وتَحُضُّهُ عليه، والمعصوم من عصم الله»، ثم فصل في ذلك فجاء بالعجائب مما ورد في كتاب الله عز وجل عن البطانة، فذكر رؤيا الملك كما وردت في القرآن «وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّىٓ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَٰتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَٰتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٍ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ»، الملك يقص رؤياه على بطانته ويطلب منهم تعبيرها، فيأتيه الرد «قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ». لو استمع الملك لكلام بطانته التي استخفت بالرؤيا، فقط لأنها تجهل تأويلها، لحلت بمملكته كارثةٌ ولهلك الحرث والنسل، لكنه مع تكرار الرؤيا أصر على تفسيرها، فانبرى له رجل من عامة الناس كان يعمل ساقيًا في قصر الملك، لم يكن من البطانة المقربين، ولا مستشارًا للملك ولا عضوًا في البرلمان، بل كان مسجونًا مع سيدنا يوسف عليه السلام ثم ظهرت براءته فأفرج عنه كما جاء في نص الآية «وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ». ثم أورد خطيبنا قصة بلقيس عندما جاءها كتاب سيدنا سليمان «قَالَت یَـٰأَیُّهَا ٱلمَلَؤُا إِنِّی أُلقِیَ إِلَیَّ كِتَـٰب كَرِیمٌ إِنَّهُ مِن سُلَیمَـٰنَ وَإِنَّهُ بِسمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ أَلَّا تَعلُوا عَلَیَّ وَأتُونِی مُسلِمِینَ»، الملكة تخبر بطانتها بآخر المستجدات السياسية، هكذا كان التنظيم السياسي في اليمن قبل أكثر من ثلاثةِ آلاف سنة، ثم تستشيرهم: «قَالَت یَـٰأَیُّهَا ٱلمَلَؤُا أَفتُونِی فِی أَمرِی مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمرًا حَتَّىٰ تَشهَدُونِ». الكتاب من سيدنا سليمان الذي سَخَّر الله له كل شيء وآتاه ملكًا عظيمًا وجيشا جرارًا من الريح العاصفة والبشر وعفاريت الجن والدواب، فماذا كان رأي البطانة التي تجهل قوة سيدنا سليمان؟ «قَالُوا نَحنُ أُولُوا قُوَّة وَأُولُوا بَأس شَدِید وَٱلأَمرُ إِلَیكِ فَٱنظُرِی مَاذَا تَأمُرِینَ»، ولحكمة أرادها الله ثم لفطنة الملكة بلقيس امتنعت عن مواجهة سيدنا سليمان «قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ». وانظر إلى بطانة فرعون كيف يقلبون الحقائق ويحرضون على الشر والقتل «وَقَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْىِ نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَٰهِرُونَ»، هكذا بطانة الشر في كل عصر تتهم المصلحين بالفساد، فماذا كان رد فرعون الطاغية الذي ادعى أنه الرب «قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْىِ نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَٰهِرُونَ»، لكن النصيحة الحق جاءت من رجل من عامة الناس لو أخذ بها فرعون لما غرق في اليم «وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ» فجاءه رد الطاغية المستكبر «قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ». هكذا القرآن لا تنتهي عجائبه، وهذا ما اتسع به المجال..... إلى اللقاء.
1593
| 10 مايو 2023
بالأمس القريب، التحق أحد الأصدقاء من حملة الماجستير في الهندسة في إحدى الجامعات الغربية لنيل شهادة الدكتوراه، وبعد ستة أشهر من التسجيل، وبينما هو منهمك في جمع مادة البحث، جاءه إتصال من سفارة بلده في تلك الدولة يخبره بأن الجامعة المعنية قد أرسلت «شهادة الدكتوراه» باسمه إلى السفارة، وطلب منه موظف السفارة، عنوانه حتى يرسل إليه الشهادة، اتصل صاحبنا في الجامعة للاستفسار لعل أن يكون هناك خطأ ما، فكانت الصدمة أن الجامعة قد أصدرت الشهادة بالفعل، وطلب منه تسديد باقي الرسوم ومن ثم إرسال البحث (رسالة الدكتوراه) متى ما شاء. تلك القصة قد تفسر لنا ما حدث في أحد الاجتماعات الدولية التي حضرتها وكان من بين المدعوين شاب خليجي، في الأربعينيات من العمر، ويشغل منصبًا مرموقًا، كنا نشاهد عرضًا تقديميًا باللغة الإنجليزية لأحد المسؤولين الأجانب، كان يبدو وكأنه يستمع للمحاضر بعناية، ويهز رأسه بين الفينة والأخرى، لكنه لم يسأل أو يستفسر عن أي شيء، ولم يتواصل شفهيًا البتة مع المحاضر، وبعد انتهاء العرض التقديمي طلب مني ذلك الشاب أن أسأل المحاضر عن بعض الأشياء التي تم شرحها أصلًا، هنا اكتشفت أن الرجل كان يمثل التفاعل مع المحاضر وأنه في الحقيقة لا يعرف إلا الحد الأدنى من اللغة الإنجليزية، وكم كانت المفاجأة عندما علمت أنه حاصل على شهادة دكتوراة من إحدى الجامعات الأوروبية التي تعتبر اللغة الإنجليزية لغتها الرسمية. ليس خطأ أن يسعى الإنسان لنيل الدرجات العلمية ويبذل الغالي والنفيس من أجل ذلك، بل إن شريعتنا الإسلامية تحث على العلم والتعلم ففي الحديث الذي رواه أبوهريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال: (من سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا، سهَّل اللهُ له طريقًا إلى الجنَّةِ)، لكنَّ التحديات الكبرى كقضايا الفساد والاستبداد، وانتهاك حقوق الإنسان، وتبديد الموارد العامة، وتدني الجدية والإنتاجية، وانعدام المسؤولية، والعبث في الهوية، لا يمكن أن يواجهها أولئك الذين حرصوا على الألقاب العلمية ولم يحرصوا على العلم، فهم جزءٌ من المشكلةِ أصلًا، لقد نالوا الدرجة العلمية لكنهم لم ينالوا شرف العلم. إن هذا الهوس من البعض بالألقاب والمسميات الشكلية، في ظل شح إنتاجهم الفكري والعلمي، وتدني مشاركتهم الجادة في الحراك الثقافي والاجتماعي، وضبابية مواقفهم من المنعطفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأمة، لمدعاة للمراجعة والتأمل، والعجيب أنه لم تسلم شريحة من شرائح المجتمع العربي من هذا الوباء الذي تغلغل حتى أصاب البعض ممن يتصدر للدعوة والإصلاح، ونسي أولئك أن هناك قامات علمية وفكرية على امتداد التاريخ العربي والإسلامي، لم تحمل لقب دكتور أو بروفيسور، ومع ذلك كان لها عظيم الأثر على الفرد والمجتمع، بل ما زالت كتبهم تدرس في الجامعات العربية والأجنبية وتشكل مراجع وأمهات الكتب، ويضيء سناها دور العلم. وحتى نكون منصفين، فلا بد لنا أن نثني على الشخصيات المعاصرة من علماء وأدباء ومفكرين، أولئك الذين بذلوا أنفسهم وأعمارهم، وسخروا إمكاناتهم العلمية والأدبية لخدمة مجتمعاتهم بكل الوسائل المتوفرة، نشاهدهم على وسائل الإعلام المختلفة، وتزخر رفوف الكتب بإنتاجهم الفكري الرصين، كما تشبع مصنفاتهم خواء الأرواح، وتملأ إبداعاتهم فضاء المعرفة.
1953
| 03 مايو 2023
في إحدى زياراتي للمستشفى أوقفت سيارتي في المواقف الخاصة بالزوار وفي طريقي إلى المدخل الرئيسي كانت هناك مجموعة من المواقف لذوي الاحتياجات الخاصة، كانت كل المواقف مليئة بالسيارات، وكلها تحمل لاصقا خاصا بذوي الاحتياجات الخاصة، أي أن الجميع ملتزم بالقانون، لكن ماذا لو كان هناك من يستغل سيارة أو ملصقا لذوي الاحتياجات الخاصة وهو من الأصحاء؟، لا شك أن وضع السيارة من الناحية القانونية سليم ولن يعرض صاحبها للمخالفة ولكنها في الوقت ذاته ممارسة غير أخلاقية واستغلال لميزة أعطاها القانون لمن يستحقها، هنا يبدو الفعل قانونيًا لكنه ليس أخلاقيًا. عندما نتعامل مع القوانين دون النظر إلى مقاصدها الأخلاقية فإننا نفرغها من محتواها وننزع منها روح الإنسانية حتى لو كانت تصرفاتنا في الإطار القانوني، وهنا تبرز الحاجة لتطوير القوانين وجعلها أكثر صرامة للحد من استغلالها من أولئك الذين لا يملكون الحس الأخلاقي في المجتمع، وتلك العملية للأسف تجعل من حياة الناس أكثر صعوبة ومشقة، فتجدهم يعانون حتى لا يقعوا تحت طائلة القانون. في المقابل هناك أعمال تبدو أخلاقية ولكنها ليست قانونية، أي أنها تستغل الأخلاق لاختراق القانون، مثال على ذلك جمع التبرعات بدون تصريح من الجهات المعنية، سواءً كان ذلك في أماكن العمل أو المجمعات التجارية أو المساجد أو حتى المجالس، وبغض النظر عن نبل غايتها وعلاقتنا بمن يعمل على جمعها، فإنها يجب أن تكون ضمن إطار القانون وذلك حماية للمجتمع وأفراده من الاستغلال السيئ لقيم المجتمع وأخلاقه. وهناك ممارسات ليست أخلاقية ولا قانونية، أدناها أن يقطع السائق الإشارة الحمراء إذا لم يلاحظ وجود رادار، لذا فهي تمارس في غياب القانون والرقابة والوازع الديني والأخلاقي، فهي باب الفساد الذي ينخر المجتمعات ويقوض النظام، فمن خلاله تشترى الذمم وتنتهك الأمانة، ومن مظاهره أن يؤتمن الخائن، ويوكل الأمر لغير أهله، فتنتشر الرشوة والمحسوبية، وتستغل المناصب، ويسرق المال العام، أو يهدر بدون طائل، وتنحسر النزاهة والشفافية. وفي الختام أقول من الممكن أن نتصور مجتمعا بلا قانون، ولكن من المستحيل تصور مجتمع بلا قيم، فالقيم هي أساس القانون ومادته، فإذا ما تبنى مجتمع ما منظومة القيم وأصبحت تمارس بصفة عفوية بين أفراده يصبح المجتمع كالأسرة الواحدة، والأسرة لا يحكمها القانون بل يحكمها الوجدان المشترك والتراحم بين أفرادها.
3300
| 25 أبريل 2023
منذ سنوات وفي إحدى سفراتي القصيرة، التقيت صدفةً بأحد الأصدقاء في الطائرة وكان كرسيه بجانبي فتجاذبنا أطراف الحديث كما هي العادة عندما نلتقي بالأصدقاء في مثل هذه الظروف، وبعد طقوس السلام والتحية، سألته بدايةً عن أحوال الوزارة التي يعمل بها بعد قرار تحويلها إلى مؤسسة مستقلة؟ - فقال: بعد مرور أكثر من عامين على ذلك القرار ما زلنا نسير ببطء، رغم تكليف استشاري عالمي للقيام بعملية التحويل وتدريب العاملين في الوزارة على الإجراءات الجديدة، ولكن للأسف ما زلنا ندير الأمور بنفس الطريقة القديمة. - قلت: ماذا تقصد؟ - قال: يفترض أن يكون القطاع المؤسسي أكثر كفاءة في إنجاز الأعمال المناطة به من القطاع الحكومي، وذلك من حيث استقلالية القرار وانحسار البيروقراطية، بالإضافة إلى فرص تمكين الإدارة الوسطى وتفويضها للقيام بمسؤولياتها، دون الرجوع إلى الإدارة العليا، في حين يتسم القطاع الحكومي غالبا بالمركزية والصلاحيات المحدودة، ولكن هذا ما لم يحدث حتى الآن. - قلت: هل تتحدث عن ثقافة مؤسسية؟ - قال: نعم ثقافة مؤسسية لا تقف عند حدود تغيير الهيكل التنظيمي والمسميات والأوراق والأختام أو زيادة الرواتب والأجور، يجب أن تكون هناك رؤية واضحة وأهداف محددة وخطة إستراتيجية ومؤشرات أداء تعكس كفاءة عمل الإدارة التنفيذية بعيدًا عن الارتجالية، ثقافة تستمد قيمها من المفهوم الإيجابي لدورنا في المجتمع ونظرتنا للعمل. - قلت متعجبًا: نظرتنا للعمل! لقد ذكرتني بمقالٍ قرأته منذ مدة عن عامل نظافة يعمل في وكالة ناسا، عندما سئل عن ماهية عمله في هذه المؤسسة التي تعد من أكبر المؤسسات العلمية في العالم، قال أنا هنا لأسهم في إطلاق الصواريخ إلى الفضاء، هل هذه النظرة للعمل التي تقصدها؟ - قال: فعلًا هكذا يرى هذا العامل البسيط أهمية دوره، لذلك نما عنده شعور عميق بقيمة العمل الذي يقوم به ودافع قوي للمثابرة والإخلاص وإتقان العمل، لكن إذا لم يكن هناك قناعة في ضرورة التغيير ولم تكن هناك عزيمة لدى الجميع فلن نصل إلى الهدف المنشود. - قلت: إذًا أمامك طريق طويل حتى يتحقق كل ذلك. - قال: نعم طريق طويل نقطعه بالعزيمة والإخلاص والتعاون مع من يشاركوننا المسؤولية لتغيير هذا الواقع، فالوطن يستحق منا الأفضل، هنا انقطع حوارنا مع إعلان كابتن الطائرة بداية الهبوط التدريجي إلى وجهتنا المنشودة. كانت رحلة قصيرة إلى الماضي القريب استحضرتها وأنا أتابع أخبار إنجازات تلك الوزارة التي كانت مثقلة بالبيروقراطية ثم استطاعت أن تحقق مشروع التحول إلى مؤسسة رائدة ذات كفاءة عالية، كل ذلك بفضل جهود ومثابرة أبنائها المخلصين. إلى اللقاء
642
| 19 أبريل 2023
في إحدى بوادي بلاد الشنقيط، في أقصى غرب عالمنا العربي المترامي الأطراف جلس محمد وابن عمه بين يدي معلم القرآن في خيمةٍ من الوبر مفترشين حصيرًا من الخوص وفي يد كل واحدٍ منهما لوح خشبي يصنع غالبًا من شجرة السدر، أما القلم فمن خشب شجرةٍ تسمى «السبط»، حيث تسن مقدمته بشكل مائل، وتقوم الأمهات غالبًا بصناعة الحبر من الفحم والصمغ العربي وقليل من السكر والماء، يكوّن الخليط مادة سوداء توضع في دواة من الحجر المجوف وتستخدم للكتابة. يكتب الطالب الآيات المراد حفظها على اللوح تحت إشراف المعلم، ويبدأ في ترديد الآيات حتى يحفظها عن ظهر قلب بالتكرار، وفي اليوم التالي يغسل اللوح بالماء قبل أن يتوجه للمعلم لأخذ درس جديد، هكذا كانت حياتهم وما زالت حتى يومنا هذا. وبالرغم من شغف العيش وقلة الموارد وبساطة الحياة إلا أنها شكلت أرضًا خصبة للعديد من العلماء والمبدعين والأدباء والمثقفين، وما ذاك إلا تجسيدًا لأصالة وعمق الموروث الحضاري للشعب الموريتاني. وحتى لا نذهب بعيدًا عن بطل قصتنا، محمد الشنقيطي، فبينما هو وابن عمه عند المعلم يكتبان الآيات على اللوح، نفد حبر محمد قبل أن يفرغ من كتابة الدرس، فطلب محمد من ابن عمه شيئًا من الحبر كي يكمل كتابة الآيات على اللوح، إلا أن ابن عمه، ولسبب ما، رفض أن يعطيه، والمعلم يراقب الحدث دون أن ينبس ببنت شفة. انتهى الدرس وعاد محمدٌ إلى بيته وقد تمكن الحزن من محياه، كانت أمه كعادتها في انتظاره لدى الباب، وما أن رأها حتى أجهش بالبكاء شاكيًا ابن عمه الذي خذله في ذلك الموقف، فما كان منها إلا أن ضمته إليها وهدأته محاولةً إصلاح ذات البين والتماس العذر لابن عمه، ووعدته أنها ستعالج الأمر. وفي صباح اليوم التالي وقبل أن يتوجه إلى المعلم، أعطته دواته وقد ملأتها بالحبر ودواة أخرى مليئة بالحبر أيضًا قائلةً له «أعط هذه لابن عمك»!، موقفٌ لم يتوقعه محمد من أمه ولم يستوعبه، لكنه يثق بحكمتها. انطلق محمد إلى خيمة المعلم، وما أن وصل حتى دفع بالدواة المليئة بالحبر، كما أوصته أمه، إلى ابن عمه على مرآى ومسمعٍ من المعلم الذي عبَّر عن دهشته من الموقف أن التفت للآخر قائلًا له «لقد قتلك»، وهو تعبير يختزل الكثير من المعاني، وكأنه يقول له لقد اختار محمد مكانه في الثريا بحسن صنيعه وترك لك الثرى وشتان بين المكانين. تلك الحكمة الشنقيطية تبين لنا أننا عندما نتسامى بأخلاقنا في بعض المواقف قد نحقق من الأهداف ما لا يمكن تحقيقه بالانحدار إلى سفاسف الأمور والمصادمات التي تستنزف طاقاتنا وتخدش مبادئنا، قال تعالى «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا».
2076
| 12 أبريل 2023
في طريق عودتي من المسجد لمحت مشهداً لفتيةٍ يلعبون كرة القدم في أرض فضاء، ولا أدري ما الذي استوقفني وشدني لمشاهدتهم، هل هي ذكريات الطفولة أم شيء آخر؟، بدا بعضهم وكأنه يرتدي فانلة ناديه المفضل، والبعض الآخر رقم لاعبه المحبوب، وقد اتخذوا من بعض أحذيتهم علامات لتحديد الهدف تمامًا كما كنا نفعل من قبل. لقد جال فكري في أيامٍ خلت واستحضرت نفس المشهد من نصف قرن تقريباً، كان الفرق بين المشهدين هو غياب الفتيات الصغيرات اللاتي كن يلعبن، ليس ببعيدٍ عنا، لعبة القفز على الحبل، تلك اللعبة المشهورة عندنا في الخليج، والتي اندثرت مع اندثار العديد من الرياضات والألعاب الشعبية التي تعتمد على الجهد البدني، ومن ثم بدت مظاهر السمنة وتحدياتها تبرز في المجتمع. أذكر أننا لم نكن نهتم بتسجيل الأهداف كفريق واحد بقدر ما كان الواحد منا يهتم بالاستحواذ على الكرة باستمرار، والحرص على أن يكون هو من يسجل الهدف، لذا لم نعرف طعم اللعب الجماعي ولا قيمة مشاركة النجاح، ومع أن الهدف كان متواضعاً وسهل المنال إلا أنه كان يصعب علينا تسجيله، لقد كانت نظرتنا قاصرة ولا تتعدى جواربنا، إذا صح التعبير، هل لأن الهدف مصنوع من الأحذية؟، أم لأن أنفسنا لم تقبل أن تتنازل عن الأنا؟ وأنا غارقٌ في استذكار تلك المشاهد، يتوقف اللعب فجأةً إثر شجار بين الفتية، ثم بدأوا يتنازعون الكرة وإذا بأحدهم يأخذها عنوة ويغادر المكان، نفس المشهد القديم يتكرر، كنا نتشاجر لأتفه الأسباب رغم البداية الجميلة والأهداف الواضحة المحسوسة، ليعلن صاحب الكرة انتهاء اللعب قبل الأوان، بينما تبقى الفتيات يواصلن اللعب بسلام وسعادة رغم عدم وجود هدف حسي عدا الاستمتاع لبعض الوقت، ذلك الهدف المتغلغل في وجدانهن قادهن بالفطرة إلى السعادة. لقد تعلمت من ذلك الموقف البسيط أن الأهداف التي نتبناها في الحياة قد لا تعكس حقيقة ما نضمره، ولا تعبر بالضرورة عن تطلعاتنا وطموحاتنا الحقيقية، وكما ينطبق ذلك على الأفراد، فهو ينطبق أيضًا على المؤسسات التي تتبنى أهدافًا وخططًا إستراتيجية ومؤشرات أداء فقط لتضفي شرعية على وجودها وأهميتها وهي في الحقيقة صورة من صور الإفلاس الوجودي، ومحاولة لكسب الوقت من أجل تحقيق مصالح ضيقة كما يفعل الطفل الذي يحاول الاستحواذ على الكرة أكثر وقت ممكن. إذا لم تكن الأهداف مدروسة وواقعية ويحترمها الجميع ويسعون لتحقيقها، فتأكد أن النتائج لن تتجاوز الأحذية، وفي تلك الحالة تكون الأهداف والخطط المعلنة مجرد شماعة نبرر بها قراراتنا ونزين بها مظهرنا، وتبقى المؤسسات التي تؤمن وتحترم أهدافها السامية، حتى لو لم تكن مكتوبة، أفضل أداءً واكثر متعةً. أكملتُ طريقي إلى منزلي وقد تعلمت من ذلك المشهد المعتاد درساً لا ينسى ومبدأً من مبادئ الإدارة الحديثة، ولا يزال المشهد يختزل الكثير من العبر تركتها لمخيلة القارئ.
1647
| 05 أبريل 2023
كان هادئًا ومتزنًا كما عهدته منذ سنين طويلة، استقبلني في مكتبه بابتسامته الودودة ومحياه البشوش، وكان راقيًا في جلوسه وحديثه، ترك مكتبه ليجلس أمامي مباشرةً، وتجاهل هاتفه الذي لم يتوقف عن الرنين، وأقبل علي بوجهه ووجدانه تملؤه الحيوية والأمل، ورغم ما يحمله بين حناياه من هموم ومشاغل فرضها عليه الواقع الجديد إلا أن ذلك لم يمنعه من مشاركتي أفكاره، وكأنه يبحث عن شيء جديد مختلف يشكل انطلاقة غير عادية ونقلة نوعية في مجال الإعلام المقروء. عاد من جديد ليرأس تحرير صحيفة الشرق القطرية بعد أكثر من ست سنوات، عاد وقد تغير المشهد تغيرًا جذريًا يستوجب خطوة إلى الخلف والنظر بعين البصيرة قبل مواصلة المسيرة، عاد مستوعبًا للتحديات التي تواجهه وعازمًا على ملء كامل فراغ الأفق الجديد الذي خلفته المستجدات الداخلية والخارجية، لمست في حديثه الشغف للبناء لا الهدم، وللإيجابية لا السلبية، وللواقعية لا الخيال. تحدثنا عن الوسط الإعلامي المحلي وكيفية الطريق إلى تطويره ليصبح أكثر واقعيةً وتأثيرًا وانتشارًا وشموليةً، وعن كيفية الارتقاء بالخطاب الإعلامي ليواكب تطور المجتمع ويعكس تطلعاته، كما تحدثنا عن الطريق للاستفادة من إنجازات الدولة واستثمار مكاسبها على الصعيدين المحلي والدولي وكيف للمؤسسات والأفراد أن يوظفوا ذلك لخدمة المجتمع وبناء غدٍ أفضل. تحدثنا عن الثابت والمتغير في المشهد السياسي والاقتصادي على المستويين الدولي والإقليمي وعن أهمية دراسات استشراف المستقبل للمنطقة في ظل التحولات الإستراتيجية والجيوسياسية التي يشهدها العالم والتي تمثل مجالًا خصبًا للكتاب من المهتمين بهذا المجال وعن كيفية استقطابهم وتحفيزهم. كان الحديث مفعمًا بالإيجابية والنظر إلى المستقبل وبعيدًا عن السلبية واجترار الماضي، لقد حثني على العودة للكتابة من جديد في صحيفة الشرق التي احتضنت أول مقال لي قبل أكثر من خمس عشرة سنة، وهذا شرف لي قد أعجز عن الوفاء بمتطلباته كما كنت في السابق ولكن كما قيل «ما لا يدرك كله فلا يترك جله». انتهت المقابلة مع الأستاذ جابر الحرمي الذي زرته لتهنئته بعودته الحميدة لصحيفة الشرق القطرية، مرت دقائقها بسرعة لكنها تركت أثرا إيجابيا في وجداني، فالإيجابية تشكل قوة جبارة يمكنها أن تغير حياتنا بطرق لا تعد ولا تحصى، عندما نحافظ على نظرة إيجابية نكون أكثر مرونة في مواجهة التحديات، ونجذب الخبرات الإيجابية والأشخاص الإيجابيين في حياتنا، ونجد السعادة حتى في أصغر اللحظات.
3891
| 29 مارس 2023
من المعلومِ أنَّ الحياة، كما هي مليئةٌ بالفرص، مليئةٌ أيضًا بالتحديات سواءً كان ذلك على مستوى الأفراد أوالمجتمعات أو حتى على مستوى الحكومات، بل إن العالم بأسره قد يواجه أنماطًا مختلفة ومتباينة من التحديات عبر الزمن، وكأن علينا أن نؤمن بأن تلك التحديات جزءٌ من لعبة الحياة، البعض ينظر للحياة وكأنها سباق حواجز، فليس من المعقول أو المقبول أن يطلب أحد المتسابقين إزالة تلك الحواجز حتى يتسنى له الجري بحرية، والسبب بكل بساطة هو أن تلك الحواجز جزء من المسابقة، وهي التي تمحص المتسابقين فتفرز الموهوبين وذوي القدرات الغير عادية، عن الأشخاص العاديين، لذا فإننا عندما نواجه تحديًا ما، فنحن أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التغلب على ذلك التحدي والقفز فوق حاجزه أو محاولة الكرة والاستعداد للجولة القادمة، ولكن في هذه الحالة نحن بحاجة للتعايش مع الوضع حتى نتمكن من تجاوزه، وهذا ما يسمى بالتكيّف (Adaptation). قد يخلط البعض بين التكيّف مع الظروف المحيطة والتخلي عن المبادئ والمعتقدات، وهذا النوع يذكرني بالسؤال الذي عادةً ما أطرحه على المشاركين في ورش العمل حيث أسألهم عن سبب انقراض الديناصورات وبقاء الضفادع، بالطبع لا أحد يوافقني بأن السبب هو أن الضفادع أقوى ولا أذكى من الديناصورات، لنخلص إلى حقيقة أن الكائنات الصغيرة أو الدقيقة التي لا تزال تعيش بيننا اليوم لم تكن اذكى بل كانت أكثر قدرة على التكيّف مع الظروف المحيطة. في كتابي الخامس «حلق بجناحيك» فقرة بعنوان «كن كالماء»، أقول: «أنظر إلى قدرة الماء على التكيّف مع الظروف المحيطة دون أن يتغير جوهره المتمثل بتركيبته الكيميائية (H2O)، فالماء يوجد في الظروف الطبيعية بحالته السائلة وقد يتحول إلى جليد أو بخار حسب الظروف المحيطة به، كما أنه قد يأخذ أشكالًا متعددة حسب الإناء الذي يوضع فيه، وقد يجري الماء إذا وضع على سطح مائل بسرعة تتناسب مع درجة الميل فإذا زاد الميل زادت السرعة، كل ذلك مع احتفاظه بجوهره وتركيبته الكيميائية؟ فهلّا أخذنا العبرة من الماء؟. إن من أهم التحديات التي قد يواجهها الموظف اليوم هي التوازن بين العمل والحياة، قال لي أحد الأصدقاء: « في السنوات الأولى لحياتي الزوجية حضرت دورة تدريبية في إيطاليا وفي نهاية الدورة طلبت من المحاضر، وكان قد شارف على السبعين من عمره، نصيحة خاصة كوني في بداية مشواري الوظيفي فقال لي كلمة واحدة (توازن).» يقول: «لم اكن لأفهم مغزى ذلك في وقته ولكن اليوم بعد أن بلغت الخامسة والخمسين من العمر، وقد قضيت اكثر من 30 سنة في ساعات العمل الطويلة، اعتقد انني لم أعط أسرتي ولا نفسي الوقت الكافي للاستمتاع بالحياة». يقول السيد «نايجل مارش»، وهو الكاتب والرئيس التنفيذي لعدة شركات وهو أسترالي من أصل بريطاني ألف عدة كتب في التوازن بين العمل والحياة من ضمنها كتاب fat 40 and fired، يقول عندما بلغت الأربعين من العمر قررت أن اتبع نصائح التوازن بين العمل والحياة، وكنت حتى تلك اللحظة اعمل لساعات طويلة مهملا لعائلتي الصغيرة، لقد قررت بالفعل أن اغير نمط حياتي واتوقف عن العمل لمدة سنة قضيتها في المنزل مع زوجتي وأبنائي الأربعة، يقول السيد مارش: «إن كل ما تعلمته عن التوازن في تلك السنة هو أنه من السهل أن توازن بين الحياة والعمل إذا لم يكن لديك عمل»، ثم قرر العودة إلى العمل مرة أخرى، وقضى سبع سنوات وهو يدرس ويفكر ويكتب عن التوازن بين العمل والحياة، وخلص إلى أربع نتائج رئيسية هي: - بعض الوظائف تتعارض جذريا مع إمكانية إعطاء وقت لعائلة شابة. - المؤسسات لن تحل هذه المشكلة، لذا علينا نحن كأفراد أن نأخذ بزمام المبادرة والمسؤولية لتحديد نوع الحياة التي نريد أن نعيشها، وإذا لم تصمم حياتك سيصممها لك شخصٌ آخر قد لا تعجبك أفكاره عن التوازن بين العمل والحياة، فمن المهم أن لا تضع جودة حياتك في يد مؤسسة تجارية، لأن الشركات التجارية مصممة بطبيعتها للحصول على اكبر قدر منك. - يجب أن نكون حذرين من الإطار الزمني الذي نختاره للحكم على التوازن لدينا، أي نكون واقعيين في توزيع الوقت وأن لا نقع في فخ تأجيل الاستمتاع بالحياة إلى ما بعد التقاعد، اليوم قصير جدا وبعد التقاعد سيكون اليوم جدا طويل، لذا يجب أن يكون هناك حلًا وسطا. - نحن بحاجة إلى أن نصل إلى التوازن بطريقة متوازنة، البعض تقتصر محاولاته للوصول للتوازن على الاشتراك في الجم، وهذا شيء جيد ولكن هناك أيضا جانبا فكريا وجانبا عاطفيا وجانبا روحيا، علينا الاهتمام بكل هذه الجوانب، لسنا بحاجة لعمل تغيير جذري كي نصل للتوازن، الأشياء البسيطة التي لم نتعود أن نقوم بها قد تعمل فرقا كبيرا..والجدير بالذكر هنا هو أن في تراثنا الإسلامي الكثير من الشواهد عن أهمية التوازن في الحياة، نورد منها الأثر الذي روي عن سلمان الفارسي أنه قال لأخيه أبي الدرداء عندما زاره فوجده قد انقطع للعبادة حتى أهمل حق زوجته وحق نفسه. فقال «إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ». وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله «صدق سلمان».
2310
| 08 يناير 2023
مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...
804
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...
702
| 11 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...
630
| 12 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...
597
| 14 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها...
588
| 15 ديسمبر 2025
نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...
555
| 11 ديسمبر 2025
في عالمٍ تتسارع فيه الأرقام وتتناثر فيه الفرص...
552
| 14 ديسمبر 2025
• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...
531
| 11 ديسمبر 2025
يوم الوطن ذكرى تجدد كل عام .. معها...
516
| 10 ديسمبر 2025
مع دخول شهر ديسمبر، تبدأ الدوحة وكل مدن...
504
| 10 ديسمبر 2025
-إعمار غزة بين التصريح الصريح والموقف الصحيح -...
411
| 14 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل