رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تبدو الأرقام مفزعة تلك التي كشف عنها موقع «ستاتيستا» (Statista) المتخصص في الإحصائيات بأن الكلفة الإجمالية للهجمات السيبرانية في العالم تناهز في العام 2023 ما يفوق 8 تريليونات دولار، مقارنة بـ 7 تريليونات في العام 2022، على أن ترتفع إلى 9.2 تريليون في العام المقبل. لقد ازداد اهتمام العالم بأسره وبشكل متزايد بخطر الهجمات السيبرانية في السنوات الأخيرة. ويُعتبر الاعتراف بأهمية الأمن السيبراني أمرًا حاسمًا للعديد من الدول بعد أصبحت هذه الهجمات العنوان الأبرز كأحد أهم العناصر المؤثرة في أوجه الصراع الدولي والجيوسياسي وبعد انتقال جزء كبير من الصراعات بين القوى المؤثرة إلى شبكة الإنترنت ورغم أن ثمة من يعتبر الفضاء السيبراني تهديدًا ناشئًا، إلا أنه بمجرد النظر إلى جدول أعمال إي قمة عالمية يبرر هذا التهديد بشكل مكتمل الأركان والمعالم. كان ان أحد أهم مجالات التحول السيبراني في عام 2022، وما قبله، هو إدراك العديد من الدول وغيرها من الفواعل الأخرى، بأن القدرات السيبرانية باتت مجالًا مهمًا لممارسة النفوذ وتحقيق التفوق والتنافس في العلاقات الدولية، حيث لم تعد ترسانات الأسلحة التقليدية هي المعيار الأساسي لقياس القوة الشاملة للدولة، بعد الثورة الصناعية الرابعة وما صاحبها من تجليات الذكاء الاصطناعي. وفي هذا الإطار، قامت العديد من الدول بوضع سياسات واستراتيجيات وطنية لمواكبة قفزات التطور في الثورة الصناعية الرابعة، ولاسيما بعد تصاعد الصراعات الدولية في الفضاء السيبراني التي باتت جزءًا لا يتجزأ من التفاعلات الدولية مع تنامي معدلات الهجمات والجريمة والمخاطر الإلكترونية بشكل لافت للنظر. خلال السنوات القليلة الماضية رأينا كيف أن أحد أطراف الصراع بات قادرا على إيقاع خسائر فادحة بالطرف الآخر وشل بنيته المعلوماتية والاتصالية الخاصة بها وما ترتب على ذلك من خسائر عسكرية أو اقتصادية أو أمنية من خلال قطع أنظمة اتصال أو بث فيروسات أو تضليل معلومات أو سرقتها والتلاعب بالبيانات الاقتصادية والمالية وتزييفها أو حتى مسحها من الوجود. صحيح أن العديد من الدول تعمل على تعزيز قدراتها في مجال الأمن السيبراني وتطوير استراتيجيات وسياسات تحكم استخدام التكنولوجيا بهذا المجال، ونرى الكثير من الخطط التي أعلنت عنها دول متقدمة وشرعت بزيادة نشاطها ووضع بنود في موازنتها العامة بملايين الدولارات (وهنا نتحدث عن الولايات المتحدة والصين وروسيا وبعض الدول الأوروبية تحديدا) لمجابهة التحديات والمخاطر السيبرانية وتكثيف جهودها لحماية أمنها الإلكتروني وتحصين بنيتها التحتيَّة الحيويَّة، وتطوير سياسات لرفع الوعي حول قضايا الأمن السيبراني وتطوير المخططات الوطنية لتحفيز وتعظيم الوسط الرقمي لها، بهدف تقليص مخاطر وآثار الهجمات السيبرانية التي تتعرض لها المعمورة كل جزء من الدقيقة. إنّ العالم برمته، بات يعتمد على التكنولوجيا الرقمية والاتصالات السيبرانية، وإذا تم التقاطع بين الهجمات السيبرانية والصراعات الجيوسياسية؛ فإن المشهد سيكون أكثر خطرًا وتعقيدًا وهذا يتطلب تقديم استجابات فعّالة وتطوير استراتيجيات جديدة للتعامل مع هذه التهديدات المتنوعة والمتزايدة.
2682
| 28 سبتمبر 2023
مما لا شك فيه أن السياسة السيبرانية أصبحت مصطلحاً يستخدم على نطاق واسع في الأوساط الأكاديمية والبحثية حيث تتناول هذه السياسة تأثير الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية على الأنشطة السياسية والعمليات الحكومية والعلاقات الدولية. ويمثل هذا المفهوم استجابة حديثة للتحديات التي تطرحها العولمة الرقمية وتأثيرها على التوازنات السياسية والاقتصادية العالمية. فالفهم العلمي العام لمعنى «السياسة» في الفضاء السيبراني يقوم على أخذ حساب صريح لهذا الفضاء في تحليل السياسة العالمية، والأنماط الملحوظة للوصول والمشاركة السيبرانية في جميع أنحاء العالم، وكذلك الأنواع الجديدة من النزاعات والخلافات الدولية التي تنشأ من الأنشطة في العالم الافتراضي، وليس انتهاءً بالضرورات الجديدة الطارئة التي شكلها ظهور شبكة الإنترنت في تفسير نظريات العلاقات الدولية وأدواتها المنهجية. لا شك أن السياسة السيبرانية أضحت اليوم رائجة الاستخدام لدى الأكاديميين والباحثين المهتمين بتحليل تأثير الفضاء السيبراني في العلاقات الدولية والعلوم السياسية؛ وأصبح البحث في هذا الجانب يأخذ زخما أكاديميا مهما لتطوير التخطيط الإستراتيجي والقيادة في ساحات الإنترنت والبيانات الضخمة، إضافة إلى النقاش الدائر حول تأثير التحديات الإلكترونية على الحكومات والمنظمات والمجتمعات بشكل عام. ما تقدم يؤكد أن السياسة السيبرانية أصبحت خلال العقدين الماضيين إحدى أهم القضايا العامة العالمية، وغدت أبعد من مجرد مسألة فنية في السياسات الدولية أو قضية بحث نظرية؛ إذ بات «الطيف السيبراني» يؤثر في الديمقراطيات والدكتاتوريات والعمليات السياسية والتفاعلات بين الدولة والمجتمع والأسواق وصنع السياسات على جميع المستويات، ناهيكم عن تأثيره في مروحة واسعة ومتنوعة من القضايا السياسية على شاكلة: السيادة والانتخابات والحملات والديمقراطية والاحتجاج والقمع والحرب والسياسة الأمنية ومكافحة الإرهاب والتعاون والصراع الدولي وسياسة الهجرة والشتات والهوية والمواطنة. وبالتالي فإن هناك أسئلة بدأت تفرض نفسها في هذا السياق من قبيل: كيف تتحكم السياسة في الفضاء السيبراني؟ وكيف يؤثر هذا الفضاء على السياسة؟ وما مدى استخدام الفضاء السيبراني للنشاط السياسي؟ وكيف تغير التكنولوجيا الرقمية السياسات الديمقراطية؟ وكيف تؤثر على السياسة والعلاقات الدولية؟ وهل أصبح الأمن السيبراني بالفعل قضية سياسية؟ وهل ستتأثر جميع نماذج الحوكمة بالفضاء السيبراني؟ وهل ستؤثر الديمقراطية الإلكترونية على نماذج الحكم الأخرى عبر الدول؟ وغيرها العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها في ظل أفق يلوح بفضل اتساع الفضاء السيبراني الذي حتّم إعادة تعريف ما هو عالمي وما هو إنساني وما هو قيمي وأخلاقي؛ فجولة المراجعات التي شهدتها العلوم الاجتماعية والإنسانية المختلفة مع دخول البشرية الثورة الصناعية الرابعة لم تعد -في ما يبدو- كافية للتعبير عن الواقع المعاصر، وسرعان ما سيصبح علينا أن نخوض جولة جديدة من المراجعة على صعيد العلاقات الدولية بدخول البشرية عصر السيبرانية السياسية. عوداً على بدء، لا بد للجامعات والمراكز البحثية إيلاء أهمية لموضوع السياسة السيبرانية لفهم التحولات الكبيرة على صعيد العلاقات الدولية عبر توفير إطار تحليلي للتأثيرات السيبرانية و فهم كيفية تطور الأمور في عصر الرقمنة السريعة والدور المحوري لها في تحديد توجهات العالم...فهل نحن فاعلون؟
723
| 14 سبتمبر 2023
من الأمور المستقرة في العلاقات الدولية أن مصادر قوة الدولة وأشكالها تتغير،ومع ثورة المعلومات ظهر شكل جديد من أشكال القوة هو القوة السيبرانية، وظهر مفهوم «الوزن السيبراني» الذي يقوم على وجود نظام متماسك يعزز القوة من خلال التفاعل الجيد بين القدرات السيبرانية والتكنولوجية والسكانية والاقتصادية والصناعية والعسكرية وإدارات الدولة وعوامل أخرى. هذا التوازن المتناغم يسهم في تعزيز قدرات الدولة في تنفيذ ممارسات الإكراه والإقناع، وكذلك تنفيذ استراتيجيات التأثير السياسي في سياق العلاقات الدولية. فالوزن السيبراني هو مفهوم يرتبط بقدرة الدولة في الحفاظ على سيادتها وأمنها في الفضاء السيبراني، وبالقدرة التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية للدولة على التعامل مع التهديدات السيبرانية والدفاع عن مصالحها وأمانها في العالم الرقمي. تعتبر القوة السيبرانية جزءًا مهمًا من قوة الدولة في العصر الحديث، حيث يعتمد الاقتصاد والتواصل والدفاع الوطني بشكل كبير على الشبكة العالمية وتقنيات المعلومات والاتصالات. فالدول التي تمتلك تقنيات متقدمة في مجال السيبرانيات وتستثمر في قدرات الدفاع السيبراني تكون أكثر قدرة على حماية نفسها من الهجمات السيبرانية والمحافظة على سيادتها في الفضاء الرقمي.بالإضافة إلى ذلك، يشمل الوزن السيبراني أيضًا قدرة الدولة على استخدام الأسلحة السيبرانية في الصراعات والحروب السيبرانية، لقد أعطى هذا الأمر دافعاً رئيسياً للدول في اتجاهين، الأول: تدعيم القوة الناعمة؛ حيث بات الفضاء السيبراني مسرحاً لنشر المعلومات المضللة، والحرب النفسية، والتأثير في توجهات الرأي العام، والنشاط السري والاستخباراتي، أما الاتجاه الآخر: فيتعلق بتبني الدول لزيادة الإنفاق في سياسة الدفاع السيبراني، وحماية البنى والشبكات الوطنية من خطر التهديد، وبناء مؤسسات وطنية للحماية الإلكترونية. إن المعيار التاريخي الأول للقوة كما معروف هو المقياس العسكري الذي ساد سابقا، لكن اليوم ضعف تأثير هذا المقياس على أهميته، بعد أن تبيّن أن القطاع العسكري قد يستنزف طاقات الدولة على حساب قطاعات أخرى مهمة وضرورة لبقائها. وللإشارة هنا، فإن ثمة العديد من العلماء وفقهاء السياسة والمفكرين الاستراتيجيين قاموا على مدار العقود الماضية بإصدار دراسات عديدة تتناول أساليب قياس العناصر التي تدخل في حساب قوة الدولة لكن شاب هذه الدراسات الكثير من الاختلافات والتباينات؛ إذ ما زالت هناك نقاط تثير جدلا حول أساليب القياس ومؤشراتها وتعددت مناهجها وأساليبها بهدف التوصل لرؤية جديدة تتماشى مع المتغيرات التي فرضت نفسها، على موضوع «قوة الدولة» كواحد من أبرز الاهتمامات الأساسية في الدراسات الجيوستراتيجية المعاصرة، ليس فقط بالمعنى الضيق للقوة العسكرية وحدها، ولكن أساساً بالمعنى الحضاري الأشمل، هذا الحديث ليس موضع تشكيك أو تقليل من شأن وقيمة عناصر القوة التقليدية، لكننا نشهد اليوم دخول قوة تأثير الفضاء السيبراني، والقدرة على الابتكارات العلمية التي أصبحت عناصر رئيسية في تحديد أوزان ونفوذ الدول، وحجم مكانتها بين الأمم، وهذا ما يتفق عليه الكثير من دارسي العلاقات الدولية على أن عناصر قوة الدولة التقليدية على أهميتها لم تعد حاسمة في تعريف مفاهيم القوة بعد المعطيات الجديدة التي فرضها العصر الرقمي، والتي وضعت بصمات دامغة على موازين القوى الدولية، إضافة إلى إحداثها تعديلات على بعض مؤشرات قياسها. بناء على هذا الأساس، فقد وضعت دراسات عديدة معايير في ترتيب قوة الدول بالنظر إلى «الوزن السيبراني» من حيث أعداد مستخدمي الهواتف الذكية والإنترنت، وشبكات تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات بالمقارنة مع إجمالي عدد السكان، وكذلك الاختراعات السنوية ودرجة التنافسية الرقمية التي تقيس مدى الاستعداد لتطوير تكنولوجيات جديدة، والقدرة على استغلال الابتكارات الجديدة والبناء عليها. هذا بالإضافة إلى ظهور نماذج قياس في الآونة الأخيرة تقيّم القدرات السيبرانية للدولة القومية والقوة الوطنية وتصنفها وفق مؤشرات الاستراتيجية والعقيدة مثل الحكم والقيادة والسيطرة؛ القدرة الأساسية للاستخبارات السيبرانية؛ التمكين والاعتماد على الإنترنت؛ الأمن الإلكتروني؛ الريادة العالمية في الفضاء السيبرانية، وقدرة الهجمات الإلكترونية. وعليه، بما أن العالم يتجه نحو التفاعل المتزايد عبر الإنترنت والتكنولوجيا، يصبح «الوزن السيبراني» عنصراً رئيسياً في العلاقات الدولية وأمرًا لا غنى عنه في تحقيق والحفاظ على القوة الوطنية والتنافسية في الساحة العالمية.
807
| 07 سبتمبر 2023
التنافس الدولي في مجال الفضاء السيبراني أصبح في غاية الأهمية في العصر الحديث، حيث يشهد العالم تزايداً ملحوظاً في استخدام التكنولوجيا الرقمية بمختلف جوانب الحياة، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والأمن والدفاع والقطاعات الحياتية الأخرى.تختبر الدول الصاعدة في الفضاء السيبراني تحولًا ملحوظًا، إذ باتت تتجه نحو تطوير وتعزيز قدراتها السيبرانية بهدف المنافسة على الساحة الدولية وتحقيق الاستقلالية التقنية. ويعتبر هذا التطور تحدياً وفرصة في آن واحد للدول الراغبة في تعزيز تأثيرها وأمانها في هذا الفضاء. هذا ورغم هيمنة القوى العظمى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا كلاعبين عالميين عند ممارسة القوة السيبرانية في الفضاء الإلكتروني فقد وفر الأخير فرصاً جديدة لدول مثل الهند وكوريا الشمالية وإيران وإستونيا والبرازيل وفنزويلا وغيرها من الدول التي تفتقر إلى القدرات التقليدية في هذا الصدد للتأثير في العلاقات الدولية والسياسات العالمية، والسعي بقوة لتحقيق مصالحها وأدركت واستغلت إمكانات القدرات الإلكترونية في مرحلة مبكرة لتصبح بمثابة قوى صاعدة بهذا المجال.تاريخيًّا، ارتبطت القدرات السيبرانية بالدول الكبيرة التكنولوجية والاقتصاديَّة. ولكن في العقود الأخيرة، شهدنا ظهور قوى صاعدة تمتلك قدرات سيبرانية منافسة. تعزز هذه القوى تصاعديًا في مجالات متعددة، بدءًا من التجسس السيبراني ووصولًا إلى التكنولوجيا الحيوية. فمثلا، تسعى الهند لتطوير قدرات سيبرانية متقدمة بهدف تحسين الأمن السيبراني وتعزيز قدراتها التكنولوجية. وتُعَدّ الهند لاعباً مهماً في قطاع التكنولوجيا، وهناك إيران التي بالرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها إلا أنها نجحت في تطوير قدرات سيبرانية تستخدمها للدفاع والهجوم، واعتمدت كوريا الشمالية على الهجمات السيبرانية كجزء من استراتيجيتها العسكرية، حيث استهدفت العديد من الدول بعمليات قرصنة تستهدف السرقة والتجسس. هذه الدول وغيرها تظهر قدرات سيبرانية متنوعة في دول صاعدة أخرى، تمثّل هذه التطورات تحديًا للقوى التقليدية، فهي تقدم منصة جديدة للتنافسية وتوسيع رقعة التأثير على الساحة الدولية، لننظر مثلا إلى فنزويلا التي أصبحت رقما مهما في رحى الصراع السيبراني، هذه الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية والتي عانت وما زالت من أزمات إنسانية عديدة من نقص الغذاء والتضخم المفرط والفقر المدقع، ولديها أسوأ نمو اقتصادي في العالم، وأسوأ عملة محلية، وأسوأ معدل تضخم، وأسوأ نسبة بطالة، بالإضافة إلى معاناتها من نقص حاد في السيولة والأدوية وغيرها، وعدم قدرة البلاد على إطعام شعبها أو توفير إمدادات الكهرباء والمياه، فقد أضحت لاعبا جادا في مجال الفضاء السيبراني من حيث قدراتها السيبرانية باتباعها استراتيجية منذ عدة سنوات - وهي استراتيجية يصفها المحللون الدوليون- بأنها قوية للغاية. دولة أخرى مثل إستونيا تعتبرُ اليوم مرجعا مهما ولربما الأهم عندما يتعلق الأمر بالأمان على شبكة الإنترنت، كما أن عاصمتها تعتبرُ موطنا لمركز الدفاع الإلكتروني لحلف الناتو. إن مصادر القوة التقليدية، مثل القوة العسكرية والاقتصادية أو «الغنى والفقر»، لم تعد شرطاً أساسياً للنجاح في الفضاء السيبراني، فالدول السابقة الذكر تحتاج إلى موارد قليلة لبناء قدراتها الإلكترونية واستغلالها لإبراز نفوذها، لكن تبقى هذه الدول مستخدمة للقدرات السيبرانية وليست منتجة لها وبالتالي تواجه تحديات مشتركة ومتنوعة في مجال الفضاء السيبراني، بما في ذلك تطوير تكنولوجيا قوية وآمنة، وتأمين البنية التحتية الحيوية، وتطوير استراتيجيات ردع فعالة للحد من التهديدات السيبرانية. فالتنافس الدولي في هذا المجال يعلي من شأن وأهمية التعاون الدولي الفعّال لتعزيز الأمان والاستقرار السيبراني على مستوى العالم.
2172
| 31 أغسطس 2023
يميل الإنسان بطبعه إلى التفكير في المستقبل. أحيانا كثيرة نجد أنفسنا نتساءل عن الخطوات والمراحل التالية في حياتنا، وما قد يخبئه المستقبل من تكنولوجيا وابتكارات علمية، ومن هذه الأسئلة ما سيؤول إليه الفضاء السيبراني والتسارع المطرد في توسعه وتطوره؟ وما الذي يحمله هذا المستقبل للأشخاص والبيانات على الشبكة العنكبوتية؟ هل سنستمر في استخدام بطاقات الائتمان خلال عقد من الزمن أم سيتم استبدالها؟ هل سيقابل التقدم في الطب تقدم في حماية السجلات الصحية الشخصية؟ هل ستكون حماية الخصوصية أكثر قوة أم أنها أصبحت شيئًا من الماضي إلى حد كبير؟ وكيف ستؤثر التكنولوجيا على حياتنا في المستقبل، بطرق إيجابية وسلبية؟ قبل عقد من اليوم أصدرت مايكروسوفت تقريرًا بعنوان «الفضاء الإلكتروني 2025: قرارات اليوم، تضاريس الغد» وكان السؤال المركزي يدور حول المستقبل، وكيف ستؤثر الخيارات التي تتخذها المنظمات في الوقت الحاضر على قدرتها على تشكيل التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية بعد عقد من ذلك الوقت؟ تقرير مايكروسوفت تساءل أيضا عن الشكل الذي سيغدو إليه الفضاء الإلكتروني بحلول عام 2025؟ فثمة أكثر من 91 في المائة من الناس في البلدان المتقدمة وما يقرب من 69 في المائة في الاقتصادات الناشئة سيستخدمون الإنترنت. العالم سيشهد تغيرات غير عادية في هذا الفضاء، مما يعني النمو المتزايد في الاتصال بشبكة الإنترنت والأجهزة الرقمية، والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة، والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي... وغيرها من المواضيع ذات العلاقة التي تلوح في الأفق بشكل كبير على أجندة اليوم وطاولة الغد. القوة التحويلية للتكنولوجيا والاتصال، والتحولات الديموغرافية في الاقتصادات المتقدمة والناشئة، والفجوات المتزايدة في المهارات التي تدعم عالما يعتمد بشكل كبير على الإنترنت كانت أحد المواضيع التي سلط التقرير الضوء عليها وقدّم ثلاثة سيناريوهات للعالم في عام 2025، استندت جميعها إلى نموذج قياسي بالاعتماد على أكثر من 100 مؤشر اجتماعي واقتصادي بإشراف كبار الباحثين والمؤسسات متعددة الأطراف مثل المنتدى الاقتصادي العالمي وخبراء آخرين حول القضايا التي ستؤثر على العالم بغض النظر عن السيناريو الذي سيؤتي ثماره. ما يلفت الانتباه في التقرير هو أن قوة وسرعة التغيير التكنولوجي ستشكل تحديات وفرصا للأفراد والمنظمات المجتمعية والشركات والحكومات على حد سواء ويتمثل أحد التحديات الأساسية التي تواجه صانعي السياسات الحكومية في كيفية موازنة التغيير التكنولوجي الهائل وإدارة الجيل الجديد من المخاطر في نفس الوقت وأن مفتاح النجاح لذلك المشهد هو الإعداد والتوازن وعلى صانعي السياسات والشركات والمنظمات المجتمعية الاستعداد بشكل أفضل للتغييرات التكنولوجية المقبلة والاستفادة من التطورات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمعالجة قضايا مثل الحوكمة والرفاه الاجتماعي والاقتصادي؛ وتمكين جميع أصحاب المصلحة من التفكير بعناية في كيفية تأثير خيارات السياسة الحالية على النتائج المستقبلية. بحلول عام 2025، سيكون هناك شمال عالمي غني بالأجهزة وجنوب عالمي غني بالبشر. بغض النظر عن نصف الكرة الأرضية، فإن الغالبية العظمى من اتصالات الإنترنت الجديدة ستكون متنقلة. وفي عالم شديد الاتصال، سيأخذ أمن واستقرار الإنترنت وحوكمتها أهمية أكبر لصناع القرار والشركات والمواطنين. وسيتم في ذلك العام توصيل أكثر من مليارات الأشخاص وعدد لا يحصى من الأجهزة بالإنترنت، وسيكون هناك ما يقرب من 20 مليونا من خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات سنويا، وأكثر من ثلاثة أرباعهم من الاقتصادات الناشئة. وهذا يؤكد على قدرات إدارة المخاطر الحالية عبر جميع السيناريوهات الثلاثة لكل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة. العالم يتجه بسرعة نحو الاتصال في كل مكان والذي من شأنه أن يغير بشكل أكبر كيف وأين يربط الناس المعلومات ويجمعونها ويشاركونها ويستهلكونها.. السؤال هنا: هل يمكن للتكنولوجيات أن تساعد في جعل عالمنا أكثر إنصافًا وأكثر سلمًا وأكثر عدلًا؟ الإجابة قد تكون لا، لأن مجموعة صغيرة من شركات التكنولوجيا الكبرى تسيطر اليوم على أهم وسائل التواصل بين الناس «عند مستوى لم يسبق له مثيل في التاريخ». المستقبل لا يشي بتغير إيجابي على هذا الصعيد، بل على العكس، يتجه العالم نحو مزيد من تركز الثروات وتركز تكنولوجيا الاتصالات في أيدي الشركات الكبرى، وهذا سيؤثر بشكل كبير في تحديد من هو مرحب به في السباق المحموم عبر الفضاء السيبراني من عدمه!
438
| 24 أغسطس 2023
شهد العالم مؤخراً هجمات إلكترونية وعمليات قرصنة كثيفة، بعضها يستهدف الحصول على فدية من مؤسسات عامة وخاصة، تشمل قطاعات حيوية تمسّ البشر، وتجهد السلطات لمكافحتها، إذ باتت تشكّل تهديداً للأمن القومي. وبات الثابت اليوم أن هجمات الفدية الإلكترونية نمت بشكل مطرد منذ عقد لمستويات خطرة، وتفاقمت المشكلة عاماً بعد عام وأجبر قراصنة دولا ومؤسسات وأفراداً على دفع ملايين الدولارات سنوياً حتى باتت تمثل هذه القضية تحديا جدّيا للأمن القومي للدول المختلفة، المتقدمة منها والنامية. الأرقام بهذا المجال تعكس حجم الأزمة الحقيقية والحادة التي يعاني منها العالم اليوم، والتي باتت تعرف باسم أزمة برمجيات الفدية الخبيثة، وما زالت تتزايد نتيجة تركيز القراصنة لجهودهم في عمليات الابتزاز التي تعتبر من الأساليب المربحة جدا بالنسبة لهم. ومن الجدير ذكره هنا أن هجمات الفدية أو ما تسمى (Ransomware) هي نوع من الهجمات السيبرانية تستهدف تشفير ملفات أو أنظمة الكمبيوتر الخاصة بالضحية دون إذن، وبعد ذلك يطلب المهاجم دفع فدية مالية (عادةً بواسطة عملة رقمية مثل البيتكوين) لفك تشفير الملفات واستعادتها إلى حالتها الطبيعية. تعد هذه الهجمات من أكثر أنواع الهجمات السيبرانية فتكًا وتأثيرًا على الأفراد والشركات على حد سواء. إن برامج الفدية، التي يغذيها انخفاض معدلات الملاحقة القضائية واستعداد الضحايا تحت الإكراه للدفع لإنقاذ أعمالهم، تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي. لقد مرت ست سنوات منذ أن توقع تقرير صادر عن Cybersecurity Ventures أن أضرار برامج الفدية ستكلف العالم 5 مليارات دولار (دولار أمريكي) في عام 2017، ارتفاعًا من 325 مليون دولار في عام 2015 - بزيادة قدرها 15 ضعفًا في عامين فقط. كان من المتوقع أن تصل الأضرار لعام 2018 إلى 8 مليارات دولار، وفي عام 2019 كان الرقم 11.5 مليار دولار، وفي عام 2021 كان 20 مليار دولار - أي 57 ضعفًا عما كان عليه في عام 2015. حسب المعطيات، ستكلف برامج الفدية الضحايا حوالي 265 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2031، كما يتوقع تقرير Cybersecurity Ventures بهجوم جديد (على المستهلك أو الشركة) كل ثانيتين، حيث يقوم مرتكبو برامج الفدية بتحسين حمولات البرامج الضارة وأنشطة الابتزاز ذات الصلة بشكل تدريجي. ويستند الرقم بالدولار إلى 30 في المائة من النمو السنوي في تكاليف الأضرار على مدى عقد من الزمان. الحاصل أن الابتزاز بالفدية لا يتطلب ميزانيات ضخمة ولا إمكانيات مادية، عسكرية ولوجستية، للقيام بها، مقارنة بالأدوات التقليدية الأخرى، بينما يشارك فيها عدد كبير من المخترقين المنظمين، وتشرف على هذه الهجمات أحيانا حكومات دول لاستهداف حكومات أخرى، بالمقابل هناك قراصنة أقل تنظيما، غير أن أهدافهم محدودة للغاية، فهناك المنتقمون، والمرتزقة، والنشطاء، والدول والمنظمات الإجرامية والإرهابية؛ وكل هؤلاء هدفهم تعطيل الأنظمة الحاسوبية التي تتحكم في منشآت حيوية، ويرفضون فك التشفير إلا بعد الحصول على فدية، وعادة ما تكون بعملة البتكوين الرقمية أو أي عملة مشفرة غير مركزية أخرى يصعب تتبعها. أصبحت هجمات الفدية الرقمية كمسألة «أمن إلكتروني» تتربع اليوم على هرم أجندة الدول بوصفها تمثل جانبا من جوانب الأمن القومي لها في ظل التهديد المتزايد الذي تمثله عمليات القرصنة والتهديد الذي يستهدف مراكز مؤثرة، ويفضي إلى خسائر مادية هائلة ما يستلزم حشد التعاون في المجال السيبراني كضرورة ملحة تتطلب إيلاء المزيد من الاهتمام بها. وتبقى هذه الهجمات تشكل الشغل الشاغل لكل فرد وشركة في عالم التكنولوجيا والرقمنة. ففي ظلّ حرب شرسة تُشن في هذا الفضاء السيبراني المتسارع، يبقى استباق الهجمات والحرص على التوعية وتزويد الأجهزة الذكية بكل الأنظمة الضرورية لحماية البيانات هو الهدف الأساس.
1176
| 17 أغسطس 2023
ما تزال وسائل إنتاج الصّناعة الرّقمية وأجهزتها وبرمجياتها الأكثر تعقيداً وفعاليّة حكراً على دول وحكومات وشركات عملاقة دون أخرى في إطار علاقة غير متكافئة بين الصّانع والمستهلك، وبما يصاحب ذلك الاحتكار من إملاءات معلنة أو ضمنيّة وشروط مفروضة تصب غالباً أو دائماً في المحافظة على مصالح القوى المنتجة دون اعتبار لمصالح المستهلكين (المستخدمين). هذا المشهد بطبيعة الحال يقودنا للحديث عن الهيمنة في الفضاء السيبراني باعتباره مجالاً منتشراً للقوة حيث يكون التعاون أسهل بهذا الفضاء من أي مكان آخر وأقل ملاءمة لنوع الهيمنة الذي نراه في المجالات التقليدية على صعيد العلاقات الدولية. إن مفهوم التحكم الرقمي كموضوع للنقاش ظهر مع استمرار ارتفاع عدد الأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الرقمية الأخرى والذين يبلغ عددهم حتى كتابة هذه السطور حوالي 5.18 مليار شخص في العالم ، أي نسبة 64.6% تقريباً من سكان المعمورة، على اعتبار أن عدد سكان العالم حوالي 8.03 مليار نسمة. وبالتالي؛ عندما تمارس بعض الدول أو الشركات أو الكيانات الأخرى تأثيراً غير متناسب على المشهد الرقمي العالمي يتجلى هنا مفهوم»الهيمنة « على الموارد ذات العلاقة بالفضاء السيبراني وبنيته التحتية وهو الأمر الذي أتاح لبعض الدول تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية والعلمية بينما ظلت مكاسب دول أخرى متأخرة بهذا المضمار رهينة بمدى خضوعها لشروط منظومة رقمية تتجاوزها ولا تملك بحال التّأثير في توجيهها مقارنة بالقوى الدولية المتقدمة تكنولوجيا والتي تمتلك بنية تحتية حديثة، ومعرفة، وقدرة على توليد أفكار أصلية في الفضاء الرقمي. تخوض الولايات المتحدة والصين صراعاً معقداً من أجل الهيمنة التكنولوجية ؛ إذا يعتبر التنافس من أجل التفوق الرقمي أمراً بالغ الأهمية في عالم اليوم المترابط والمدفوع بالتكنولوجيا وثورة الذكاء الاصطناعي. ورغم أن الولايات المتحدة مازالت تُصنّف في طليعة الابتكار الرقمي لهذا الفضاء بسبب بنيتها التحتية التكنولوجية المتقدمة ومواردها الأكاديمية الوفيرة وقوانين الملكية الفكرية الصارمة وتسيّد شركاتها التكنولوجية السوق الرقمية في جميع أنحاء العالم؛ إلا أنه بالمقابل ثمة نمو لاقتصاد سوق الإنترنت في الصين سيما على صعيد التجارة الإلكترونية والأنظمة الحاسوبية في مجال الابتكار التكنولوجي. وهناك عدة مبادرات رقمية في الصين مثل «صنع في الصين 2025» و «طريق الحرير الرقمي» ، وكلاهما لهما هدفهما الشامل في جعل الصين رائدة عالمياً في مجال الابتكار التكنولوجي والرقمي. لا شك أن النظام العالمي يتأثر بشدة بالصراع بين الولايات المتحدة والصين والتوترات الجيوسياسية المستمرة بين البلدين من أجل الهيمنة الرقمية والتحكم بتكنولوجياتها، فثمة عواقب بعيدة المدى نتيجة هذا التنافس ليس فقط على التكنولوجيا ولكن أيضاً على الاقتصاد والأمن القومي والقيم الرقمية الأساسية، وما قد ينتج عن هذه المنافسة من فصل سلاسل التوريد التكنولوجي الذي قد يضر بالتجارة العالمية والاعتماد الاقتصادي المتبادل ، وتثير هيمنة قوة واحدة على سوق التكنولوجيا مخاوف بشأن أمن البيانات والمراقبة والخصوصية، فالصراع من أجل التفوق الرقمي بين الولايات المتحدة والصين يعد عاملاً رئيسياً في العلاقات الدولية. فكلا البلدين مهتمان بتوجيه تطوير المعايير والبنية التحتية التي ستحكم مستقبل الإنترنت. وهذا له آثار بعيدة المدى على التجارة الدولية والسلامة، والحوكمة السيبرانية. قراءة متأنية للمعطيات والأرقام الصادرة عن مراكز البحث المتخصصة بهذا المجال تؤشر إلى أن العالم سيشهد تجاذبات خطيرة ومزيداً من التوتر والأزمات والصراعات المترتبة على الهيمنة السيبرانية في الأعوام المقبلة.. وعليه؛ فإنّ تعزيز الدول لمنظوماتها “الأمنية الرقمية” لم يعد ترفاً بل أحد أهم الضرورات للحفاظ على الأمن بمفهومه الشامل وذلك مع تصاعد دور الفاعلين وغير الفاعلين من غير الدول في العلاقات الدولية ودخولها مجال الصراع الإلكتروني. ويبدو الثابت اليوم في العلاقات الدولية وتوازنات القوى أن الحرب الباردة والصراع السياسي والتجاري بين الأقطاب في العالم تحوّل إلى حرب سيبرانية صامتة، وقد تكون مدمرة في الأعوام المقبلة!
2982
| 10 أغسطس 2023
من المعروف أنه كلما ازداد استخدام الإنترنت في الحياة الشخصية أو المهنية ازدادت مخاطر السقوط كضحية لجرائم الإنترنت، إذ تعاني الدول والمجتمعات والأفراد اليوم من انتهاك صارخ للحقوق والخصوصيات الإلكترونية، وذلك في ظل الانتشار المتسارع للجريمة الإلكترونية المتنامية والتي ازدادت بالتزامن مع التطورات الحاصلة على التقنيات والتكنولوجيا الرقمية التي يسرت وسهلت سبل التواصل وانتقال المعلومات بين مختلف الشعوب والحضارات في فضاء سيبراني مفتوح تجري فيه كل حركة المعاملات عبر مسالك الاتصالات المتنوعة. وأصبح هذا الفضاء بيئة المجتمع الحديث ينتج مثلما ينتجه الواقع المادي أنواعا جديدة من الجرائم تسمى الجرائم الالكترونية مثل القرصنة، والاحتيال، والتخريب، والتعامل في معلومات العدالة والأمن والنظم البنكية والدخول إلى أنظمة الحاسوب وقواعد المعلومات وسرقتها والعبث بها وليس انتهاءً بانتهاك حقوق التأليف، ونشر الصور الاباحية والاستغلال الجنسي، والتجارة غير القانونية (كتجارة المخدرات) والتعرض لخصوصية الآخرين عندما يتم استخدام معلومات سرية بشكل غير قانوني. ولا تقتصر الجرائم الإلكترونية على أفراد أو مجموعات، وإنما قد تمتد إلى مستوى الدول لتشمل التجسس الإلكتروني. يجد الكثير من مستخدمي الفضاء السيبراني أنفسهم ضحايا للجرائم الإلكترونية التي تهاجم مواردهم المالية؛ إنها مشكلة واسعة النطاق أثرت على حياة لا حصر لها. ولا يزال اعتمادنا على الإنترنت وشبكة الويب العالمية يجعلنا أكثر عرضة لتهديدات القراصنة الذين ينشطون في عوالم الانترنت المظلم وضحايا الجرائم الإلكترونية والتي قد تتضمن تبادل معلومات وبيانات حساسية وسرية مسروقة، أو بيانات مالية وأرقام بطاقات الائتمان والبطاقات الشخصية. كما يستخدم الإنترنت المظلم كسوق سوداء من خلال بيع البضائع المسروقة، أو تجارة المخدرات وتجارة البشر. ويمكن أن يتطور الأمر إلى جرائم أكثر خطورة مثل الإرهاب الإلكتروني. اليوم ونظراً للتحولات الرقمية الكبيرة والمتسارعة التي تشهدها المعمورة؛ ظهرت عصابات عابرة للقارات يمكن أن تخترق حسابات مستخدمي الإنترنت والهواتف الذكية عن بعد لتستخدمها في عمليات الشراء أو لأغراض أخرى لتغدو الجريمة السيبرانية تمثل خطراً أكبر الآن من أي وقت مضى. حيث إن أنشطة الجرائم السيبرانية والمعلوماتية يمكن أن يقوم بها أفراد أو مجموعات صغيرة ذات مهارة تقنية محدودة نسبياً، أو من قبل الجماعات الإجرامية العالمية عالية التنظيم التي قد تشمل مطورين مهرة وآخرين من ذوي الخبرة ذات الصلة. وقد تسبب هذه الأنشطة الكثير من الخسائر سواء الخسائر المالية أو سرقة معلومات حساسة، وقد يصل أثر هذا النوع من الأنشطة إلى التأثير بشكل مباشر على الأمن القومي للدولة. رقمياً وحسب برنامج مشاريع الأمن السيبراني فمن المتوقع أن تكلف جرائم الإنترنت العالم 8 تريليونات دولار في العالم. إذا تم قياس الجريمة الإلكترونية كدولة، فستكون ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. بينما تتوقع العديد من التقارير الدولية أن تزداد تكاليف الأضرار الناجمة عن الجرائم الإلكترونية على مستوى العالم بنسبة 15 في المائة سنوياً على مدى السنوات الثلاث المقبلة، لتصل إلى 10.5 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2025. يقدم تقرير الجرائم الإلكترونية لعام 2022 حقائق وتنبؤات وإحصاءات تنقل حجم التهديد السيبراني الذي نواجهه وبيانات السوق للمساعدة في فهم ما يمكن فعله حيال ذلك. كما يقدم تفصيلاً لتكاليف أضرار الجرائم الإلكترونية المتوقعة عام 2023،
2181
| 03 أغسطس 2023
اليوم وفي ظل تدفق المعلومات والبيانات الهائل في الفضاء الرقمي وهيمنة العالم الافتراضي على تفاصيل حياتنا، ظهرت العديد من التحديات الجديدة المرتبطة بسيطرة هذا العالم على حياة الإنسان في ظل اكتسابه قوة عالمية من خلال قدرة الثورة المعلوماتية والاتصالية الطاغية على جذب كافة شرائح المجتمعات وتقديمها لبدائل تواصلية مجانية وفعّالة. إن نظرة متفحصة اليوم الى التأثير المتعاظم لهذا العالم على حياة وواقع البشر يؤشر بوضوح الى عمق السيطرة المتحققة لهذه الأجهزة الذكية وما تحمله من تطبيقات مبهرة ومتنوعة، على حياة الانسان بشكل يوم، لننظر إلى هذا العالم بلغة الأرقام، نجد أكثر من 4.9 مليار مستخدم فعّال للشبكة العنكبوتية وحوالي 4.3 مليار يدخلون إلى 198 مليون موقع فعّال للإنترنت عن طريق هواتفهم الذكية، وما يزيد على 7 ملايين مقال يتم نشره يوميا وأكثر من 500 ساعة من الفيديوهات يجري تحميلها على اليوتيوب كل دقيقة حتى بات المستخدم يقضي ما يزيد على ست ساعات يوميا على الإنترنت. لقد أحدث هذا العالم ثورة جديدة ستغير شكل الحياة البشرية تقودها التقنيات فائقة التقدم، فهي ثورة رقمية شاملة على مختلف المستويات، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وذلك لأن التطبيقات الذكية تتعدد وتتزايد بصورة يصعب حصرها، ثورة هائلة في كل مفصل من مفاصل حياتنا المهنية والعملية والعلمية والصحية والترفيهية والخدمية وها نحن نشعر بتأثيراتها في ثقافتنا وسلوكنا ونمط غذائنا وعلاقاتنا وخصوصيتنا التي باتت مكشوفة لا بل مسلوبة، حيث يستطيع أحدنا وهو في مكتبه أو غرفة نومه أو سيارته من إنهاء معاملاته مكان عمله أو في البنك والمؤسسة والسوق، وأن يضارب في الأسهم والسندات وشراء ما يلزمه والتواصل مع أي شخص في هذاالعالم بكبسة زر. إنّ الثورة الرقمية الجامحة التي نعيشها اليوم هي أحد إرهاصات الثورة الصناعية الرابعة، بما تحمله إلينا من تغيرات معرفية وتكنولوجية مذهلة تقوم على الذكاء الاصطناعي بمختلف تطبيقاته وأطيافه في كل جوانب الحياة الإنسانية، حتى أن التحولات الرئيسية التي ستحدث في «مُجتمع ما بعد المعلومات» ستؤدي بصورة كبيرة على إعادة صياغة كثير من المفاهيم القائمة على أساس «التخمة» المعلوماتية والاتصالاتية الضخمة وإنترنت الأشياء والقدرة الهائلة على معالجة البيانات وربط العالم بعضه ببعض، بما يدلل على أن البشرية في مرحلة انتقالية، وأن القادم سيكون أكثر غرابة وربما جنونا، في ظل تقلص مساحة الحضور الإنساني في كثير من القطاعات لمصلحة الحضور الآلي الذي يعكسه التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، هذا دون أن ننسى «الهيومان بوت» وهو اتجاه لبداية زرع الشرائح الإلكترونية في الدماغ البشري. بينما يبقى السؤال معلقا: هل نحن فعلا بحاجة إلى كل هذا التطور أم ما ينقصنا هو ثورة في الأخلاق لمجابهة الأنانية والجشع والطمع والظلم وحب التسلط، ثورة تساعدنا على ردم الهوة في القيم بين الأجيال التي يخوضها الأبناء والأحفاد في السنين القادمة؟
2805
| 20 يوليو 2023
يعد تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2023 الذي كشفت عنه جامعة ستانفورد مؤخرًا والمستند إلى البيانات ومئات الخبراء وبحدود 350 صفحة؛ بمثابة الغوص العميق في ثمانية موضوعات ذات صلة بالذكاء الاصطناعي مثل البحث والتطوير والأداء الفني والأخلاق والبيئة والسياسة والرأي العام والاقتصاد، ويتطرق إلى مجموعة متنوعة من الموارد مثل منشورات الذكاء الاصطناعي ومقالات المجلات والمستودعات الرقمية وأنظمة التعلم الآلي على شاكلة نماذج اللغات الكبيرة مثل «تشات جي بي تي»، ومروحة واسعة من الموضوعات الأخرى، بما في ذلك تكلفة التدريب على الذكاء الاصطناعي، والجهود المبذولة للتخفيف من التحيز في النماذج اللغوية وتأثير التكنولوجيا على السياسة العامة، وليس انتهاءً بالشبكات العصبية المُحسَّنة لتوليد الصور. إحدى الأرقام الملفتة في المؤشر هو أن 36 % من المستطلعة آراؤهم رأوا بإن القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى كارثة على المستوى النووي، بينما قال 73% إنها يمكن أن تؤدي قريبًا إلى «تغيير مجتمعي ثوري». واستمع الاستطلاع إلى 327 خبيرًا في معالجة اللغة كفرع من فروع علوم الكمبيوتر الخاصة بتطوير روبوتات الدردشة. وهنا بدا الأمريكيون أكثر حذرًا بشكل خاص من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث وافق 35 % فقط على أن «المنتجات والخدمات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لها فوائد أكثر من العيوب»، مقارنة بـ 78 بالمائة من المشاركين الصينيين وحوالي 76٪من السعوديين، و 71٪ من الهنود. كما أشار تقرير ستانفورد أيضًا إلى أن عدد «الحوادث والخلافات» المرتبطة بالذكاء الاصطناعي قد زاد 26 مرة خلال العقد الماضي. نقطة مهمة ركز عليها المؤشر وهي أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الفنية والتي تمثل مصدر قلق كبير فيما يتعلق بتطبيقات هذا المجال، حيث تجتمع الحكومات معًا لإنشاء تشريعات وأطر عمل ومعايير لحوكمة الذكاء الاصطناعي. فمنذ عام 2012، ارتفع معدل الحوادث والخلافات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي 26 مرة وتعكس هذه الطفرة اعتمادًا أكبر لتقنيات الذكاء الاصطناعي وفهمًا متزايدًا لإمكانية إساءة استخدامها كما بلغ الاستثمار الخاص في الذكاء الاصطناعي عام 2022 في جميع أنحاء العالم حوالي 91.9 مليار دولار؛ وزادت نسبة الشركات التي تطبق تقنية الذكاء الاصطناعي في عام 2022 بأكثر من الضعف مقارنة بعام 2017. كما هو معروف حاليًا، تهيمن الولايات المتحدة والصين على البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، وكما ذكرنا أعلاه فإن المؤشر يلفت إلى أن المواطنين الصينيين هم من بين أكثر الدول إيجابية فيما يتعلق بمنتجات وخدمات الذكاء الاصطناعية مقارنة بالأمريكيين، فالصين تنشر الروبوتات الصناعية القائمة على الذكاء الاصطناعي أكثر من أي دولة أخرى، ونتيجة لذلك بلغت قيمة أبرز 5 شركات صينية في هذا المجال ما يقرب من 120 مليار دولار؛ وحسب خطة بكين الرئيسية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي فقد وضعت جملة من الأهداف على رأسها أن تبلغ إيرادات بكين وبحلول عام 2025، من سوق الذكاء الاصطناعي حوالي 400 مليار يوان (64 مليار دولار)، ناهيك عن أنها تخطط لتحقيق «إنجازات تكنولوجية ضخمة»، وتهيمن على الصناعة في سوق الذكاء الاصطناعي في السنوات الخمس التالية بمبيعات تصل إلى تريليون يوان. لكن المؤشرات القياسية تضع الولايات المتحدة في موقع الصدارة في سباق الذكاء الاصطناعي على الصين، إذ إن أكبر ميزة لواشنطن هي وادي السيليكون الذي يمكن القول إنه أكبر نقطة ساخنة لريادة الأعمال في العالم فهو مسقط رأس عمالقة شركات التكنولوجيا مثل غوغل وأبل وإنتل وميتا التي ساعدت جميعها في تشكيل الفضاء السيبراني والحياة الرقمية العصرية. كما يلاحظ تسجيل الولايات المتحدة لقفزة مهمة في نسبة خريجي الدكتوراه الجدد من الأمريكيين المتخصصين في الذكاء الاصطناعي إلى 19.1٪ في عام 2021، من 14.9٪ في عام 2020 و 10.2٪ في عام 2010، وتواصل الحكومة الأمريكية زيادة الإنفاق على برامج الذكاء الاصطناعي سيما في قطاع التعليم. منذ عام 2017، زاد حجم الإنفاق التعاقدي المتعلق بالذكاء الاصطناعي التابع للحكومة الأمريكية بمقدار 2.5 مرة تقريبًا. عربيًا، ثمة تقدّم لدول خليجية مثل السعودية وقطر والإمارات في هذا العالم من خلال تبني هذه الدول لاستراتيجيات تسعى عبرها إلى تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط والاستثمار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي بمجالات متعددة بينها الصحة والتعليم والإعلام والصناعة والقطاع المالي واستقطاب المواهب وتهيئة البنية التحتية وجذب استثمارات كبيرة…ونأمل أن تلحق دول عربية أخرى من خلال البدء بتقليل الفجوة الرقمية والتعليمية لمواطنيها، فهذا الأمر يلعب دورًا مؤثرًا في إدارة المخاطر المحتملة التي قد تواجهها هذه الدول التي يصعب عليها بدون الأدوات المساعدة لها على الابتكار، أن تسير بركب البلدان المتقدمة تكنولوجيا وأن تضع قدمًا لها في مستقبل صناعة الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات.
1122
| 13 يوليو 2023
أصبح اليوم مفهوم "النظام العالمي المخترق" أكثر أهمية وحسماً لفهمنا للأمن العالمي، هذا ما يؤكد عليه كتاب "النظام العالمي المخترق: كيف تقاتل الدول وتتاجر وتتصرف وتتلاعب في العصر الرقمي" الصادر عام 2016، لخبير الأمن السيبراني، ومدير برنامج السياسة الرقمية والفضاء الإلكتروني في مجلس العلاقات الخارجية، آدم سيغال Adam Segal، الذي يستكشف فيه تأثيرات الخطر السيبراني وديناميات القوة المتصاعدة في العالم الرقمي. يسلط سيغال الضوء على التحديات والفرص التي يوفرها عالمنا المترابط بشكل متزايد. فالنظام العالمي الذي "تم اختراقه" يتعمق في المشهد المعقد للفضاء السيبراني، حيث تشارك الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية والأفراد في معركة دائمة من أجل السيطرة والتأثير والمزايا وخلق النفوذ في هذا الفضاء. يؤكد سيغال على نقاط الضعف التي تنشأ من الاعتماد على التقنيات المترابطة، مع التركيز على العواقب المحتملة للهجمات السيبرانية على البنى التحتية الحيوية للحكومات واقتصاداتها. وبالاعتماد على أمثلة من العالم الواقعي، يوضح سيغال الطرق التي أدت بها "العمليات الإلكترونية" إلى طمس الخطوط الفاصلة بين الحرب والسلام، والتجسس والتجارة، والجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية. كما يسلط الضوء على التهديدات السيبرانية المتصاعدة التي تقف وراءها وترعاها الدول القومية، بالإضافة إلى قدرات الفواعل من غير الدول في الفضاء السيبراني المتزايدة ونواياها لاستغلال نقاط الضعف في هذا المجال وتجييره لمصلحتها من أجل ممارسة النفوذ وتحقيق التفوق والتنافس في تعظيم القدرات الاقتصادية والدفاعية والعسكرية والأمنية. بالإضافة إلى تسليط الكتاب الضوء على التكتيكات التي تستخدمها الدول الرائدة في الفضاء السيبراني مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، حيث تنخرط في التجسس السيبراني، وسرقة الملكية الفكرية، والقرصنة والعمليات الإلكترونية التخريبية؛ فإنه يجادل بإعادة تعريف الحدود التقليدية للنزاع في المجال الرقمي، حيث تسعى الدول إلى اكتساب مزايا إستراتيجية من خلال القوة السيبرانية. ويستكشف ديناميات القوة والتحالفات التي تشكلها الدول لحماية مصالحها ومواجهة التهديدات السيبرانية. ويدرس سيغال في كتابه دور المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي في تشكيل سياسات الأمن السيبراني وتأسيس معايير السلوك في الفضاء السيبراني، ويناقش صعوبة تتبع الهجمات السيبرانية إلى الجهات المسؤولة وتحديات وضع استراتيجيات الردع الفعالة. هذا ومع الاعتراف بالدور الهام الذي يلعبه القطاع الخاص والأفراد في مجال الأمن السيبراني، يستكشف سيغال آثار مشاركتهم؛ حيث يناقش التحديات التي تواجهها الشركات في حماية البيانات الحساسة وضمان سلامة البنى التحتية الحيوية من الهجمات السيبرانية. بالإضافة إلى ذلك، يسلط الضوء على أهمية التوعية الفردية في مجال الأمن السيبراني وضرورة تكوين شراكات قوية بين القطاع العام والقطاع الخاص لمعالجة التهديدات السيبرانية بشكل جماعي. يقدم سيغال في الفصول الأخيرة من كتابه رؤى حول المسارات المحتملة للتعامل مع تحديات النظام العالمي المخترق. ويدعو إلى زيادة التعاون الدولي، وتطوير قواعد ومبادئ سلوك في مجال السيبرانية، وتعزيز الدفاعات في هذا المجال. يؤكد سيغال على أهمية بناء المرونة والاستثمار في البحث والتطوير للبقاء في مقدمة التهديدات الناشئة. في النهاية، يدعو إلى جهود جماعية من قبل الحكومات والشركات الخاصة والأفراد لخلق مستقبل رقمي أكثر أمانا ومستداما. تأسيساً على ما تقدم، يمكن القول بأن "النظام العالمي المخترق" يعد استكشافاً مثيراً لطبيعة التطور المستمر لصراعات القوى العالمية في العصر الرقمي. إذ يفكك آدم سيغال تعقيدات الأمن السيبراني، مسلطًا الضوء على التهديدات المستمرة التي تواجهها الدول وضرورة التعاون الدولي والتفكير الاستراتيجي العالمي. كما يوفر هذا الكتاب إشارة تحذيرية، إذ يحث القراء على التعرف على ضعف (الأمن) في عالمنا المتصل بشكل متزايد، في حين يقدم خريطة طريق للتعامل مع التحديات وتأمين مستقبل رقمي أكثر أمانًا. وفي ظل وجودنا على مفترق طرق النظام العالمي المخترق. يدعونا آدم سيغال إلى أن ندرك ضعف العالم المتصل الذي نعيش فيه، وفي الوقت نفسه يقدم لنا خريطة طريق للتعاطي مع التحديات وتأمين مستقبل رقمي أكثر أماناً، إنه يوفر أفكاراً حاسمة لصانعي القرار، وتوجيهات للشركات لحماية بياناتها وأصولها الرقمية، وتوجيهات للأفراد لأجل تعزيز وعيهم بأمنهم السيبراني. لا شك أن الصراع السيبراني مسألة يصعب تتبعها، وغالباً ما يتم هذا الصراع بواسطة وكلاء By Proxy، وله نتائج يصعب قياسها. والعديد من الموارد الحاسمة لفن الحكم أصبحت الآن في أيدي شركات التكنولوجيا العملاقة على وجه الخصوص. والهجمات السيبرانية اليوم تلحق بالاقتصاد العالمي ما يزيد على تريليون دولار سنوياً، فالقرصنة الإلكترونية سواء المدعومة من الدولة أو التي يقوم بها آخرون من أفراد ووكالات قادرة اليوم على إيقاف وتخريب استراتيجيات التجارة، وسرقة الملكية الفكرية، وزرع الفوضى الاقتصادية، وشل بلدان وبنى تحتية بأكملها، وهنا يكشف سيغال أن النظام العالمي الذي تم اختراقه بعد أن دخلت الإنترنت حقبة جديدة من المناورات الجيوسياسية ذات التداعيات والآثار الهائلة والمرعبة.
864
| 22 يونيو 2023
عندما يسمع أحدنا مفردة "الفضاء السيبراني"، يكون ذلك في أغلب الأحيان مقترناً بإحدى الكلمات مثل: الأمن، والتهديدات، نقاط الضعف، الثغرات، الاختراقات، الهجمات والحرب. فالفضاء السيبراني والفضاء الخارجي هما من المجالات المتطورة التي تثير قلق الأمن الدولي اليوم، وأحد الاختلافات الحاسمة بينهما أن لدينا قواعد معمولا بها للحفاظ على السلام في الفضاء الخارجي، بينما لا توجد مبادئ مماثلة للفضاء السيبراني على الأقل حتى الآن. يتبنى السلام السيبراني الفكرة الوليدة القائلة بأن هذا الفضاء ينبغي ألا يصبح ساحة معركة في ظل تطور تحديات الأمن المرتبطة به. إذ إن إثارة السؤال حول إمكانية إيجاد السلام في عالم رقمي في وقت تزداد فيه الهجمات الإلكترونية بشكل أكبر قوة وتعقيداً وخطورة، تجعل من تعريف "السلام السيبراني" أكثر صعوبة للباحثين والمهتمين. فثمة قطاعات كثيرة من البنية التحتية الحرجة المترامية في مساحة العالم التي تبلغ 510.6 مليون كم مربع، ويعيش عليها حوالي 8 مليارات نسمة يتوقف عملها على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتخضع لسيطرة أنظمة الرقابة الإشرافية وحيازة المعلومات وغير ذلك من العمليات المعلوماتية المعقدة التي تتصل بطريقة أو بأخرى بالإنترنت التي تقوم عليها معظم وظائف الحياة اليومية. ليس من المبالغة القول إن الفضاء السيبراني يعدّ أحد أهم وأعظم اكتشافات البشرية، وقضية حقيقية بالغة الأهمية وعلى أعلى المستويات في قيادات الدول بسبب سرعة انتشار واستخدام أسلحة الفضاء السيبراني بشكل واسع، سيما في ظل التقدم الكبير الحاصل في مجال الذكاء الاصطناعي والتطور في تقنيات تكنولوجيا المعلومات، وفي ظل نشوء نمط من الصراعات الدولية عبر هذا الفضاء وظهور مراكز استقطاب وقوى جديدة فيه. إنّ شيوع الاعتماد على الفضاء السيبراني قد أنجب أنشطة إجرامية وأنشأ طرائق جديدة لجمع معلومات الاستخبارات والنزاع، وفتح نقاط الضعف التي تنطوي عليها أنظمة التشغيل والبرمجيات والأوضاع الأمنية الباب لإمكانية القيام بأعمال تهدد الخدمات الأساسية المقدمة للسكان المدنيين وتسهل التجسس الاقتصادي وتؤثر على عمليات حكومات الدول. فهناك أسلحة رقمية مثل الفيروسات والديدان وهجمات منع الخدمة الموزعة وسرقة البيانات المشمولة بحقوق الملكية والرسائل الاقتحامية والتدليس، وكلها تقوض مصداقية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وقدرة المجتمعات والاقتصادات على العمل. أضحت شبكة الإنترنت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لمليارات الأشخاص في العالم (هناك أكثر من 5.16 مليار شخص متصلون بالشبكة العنكبوتية بمعدل انتشار يبلغ 65 %)، وهناك ما يقرب من 2.5 كوينتيليون (واحد على يمينه 18 صفراً) بايت من البيانات كل يوم. وأصبح الفضاء السيبراني أشبه ببنية تحتية لا يمكن الاستغناء عنها، وهي ضرورة ملحة لا يمكن لكثير من سكان العالم الازدهار أو حتى البقاء بدونها. وبدا هذا الجانب يمثل اليوم ميداناً جديداً تقترن به تحديات متعاظمة للحفاظ على السلام والاستقرار السيبراني. لا شك أن العالم يتجه بسرعة نحو الاتصال في كل مكان، والذي من شأنه أن يغيّر بشكل أكبر كيفية الحصول على المعلومات وجمعها ومشاركتها واستهلاكها. ونقول إن البشرية تعيش اللحظة الأكثر تطوراً وحداثة في خطّ الزمن البشري، التي تبدو فيها البيانات المتصلة بالفضاء السيبراني أثمن من أي وقتٍ مضى. لماذا نقول ذلك؟ لأن عالم البيانات وصلت حجم مبيعاته عام 2020 إلى ما يقارب 742 مليار دولار، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى نحو 1.6 تريليون دولار بحلول عام 2025 مع اتصال أكثر من 25 مليار جهاز حاسوب بالشبكة العنكبوتية. هذه المعطيات جعلت العديد من دول العالم تدرك أنها لن تكون بمأمن عن كلفة الحروب والهجمات الإلكترونية دون وجود نظام موثوق وقوي لضمان أمن مجالها وفضائها السيبراني؛ فهذا الأخير يمثل، في الوقت نفسه، فرصة عظيمة وواعدة وريادية، من دون إغفال جانبه المظلم والخطير، والذي ينبغي إدارته بشكل صحيح ومدروس وفاعل. في ظل هذا المشهد تجري جهود دولية متواضعة أو خجولة، ولنقل أقل بكثير من الإستراتيجيات الوطنية التي وضعتها دول متقدمة للتصدي لتهديدات الهجمات السيبرانية، ولتحسين الأمن وضمان السلام السيبراني. فدعت بعض البلدان والأطراف ذات العلاقة إلى وضع معاهدة للحد من استعمال الأسلحة السيبرانية في حين أصرت دول أخرى على أن هذه المعاهدة غير ضرورية أو سابقة لأوانها بمبررات تتصل بالسادة الوطنية. وعلى الرغم من أن هذه الاقتراحات قد تدل على خطوة نحو التعاون الدولي، فإنها أيضاً أبعد ما تكون عن نهج شامل فعلاً وإستراتيجية واضحة للمضي قدماً، أي استراتيجية تشمل جميع أصحاب العلاقة والفواعل المعنيين في حوكمة وإدارة الفضاء السيبراني. وعلى الرغم من أن المعاهدات المتعددة الأطراف هي أكثر الوسائل العملية لمواءمة النظم القانونية الوطنية ومواءمة تفسير القانون الدولي الحالي.
861
| 08 يونيو 2023
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6681
| 27 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2754
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...
2385
| 30 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1722
| 26 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1518
| 27 أكتوبر 2025
نعم… طال ليلك ونهارك أيها الحاسد. وطالت أوقاتك...
1428
| 30 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...
1071
| 29 أكتوبر 2025
لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...
1047
| 27 أكتوبر 2025
“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...
978
| 27 أكتوبر 2025
عندما تحول العلم من وسيلة لخدمة البشرية إلى...
876
| 26 أكتوبر 2025
بينت إحصاءات حديثة أن دولة قطر شهدت على...
870
| 27 أكتوبر 2025
أحيانًا أسمع أولياء أمور أطفال ذوي الإعاقة يتحدثون...
717
| 30 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية