رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مؤشرات السوق السيبراني العالمي: محاولة للفهم

ثمة زيادة مطردة بحجم سوق الأمن السيبراني الدفاعي عالمياً، حيث تتحدث المعطيات عن أرقام تتجاوز أكثر من 15 مليار دولار، ومن المتوقع أن يستمر النمو المتسارع لهذا السوق في السنوات القادمة، حيث تعمل العديد من الدول والشركات الكبرى على تعزيز قدراتها في مجال الأمن السيبراني الدفاعي للحفاظ على سرية وأمان البيانات والأنظمة الحيوية والأمنية لديها، ومن المتوقع أن تصل هذه القيمة إلى 28.53 مليار دولار بحلول عام 2026، مسجلة معدل نمو سنوي يبلغ 10.51% تقريباً خلال هذه المدة. وبالمجمل، فإن قيمة سوق الأمن السيبراني تتجاوز 200 مليار دولار، حيث سيزيد هذا الرقم بشكل كبير في السنوات القادمة، نظرا لنسبة الزيادة في الهجمات والجرائم السيبرانية وتعقيد الحلول التي تتطلبها حماية الأنظمة والبيانات الحيوية في الشركات والمؤسسات والحكومات. فمع ظهور البيئة السيبرانية بصفتها نظاماً متكاملاً، أصبحت الحاجة إلى نظام أمني قابل للتكيّف، أمرًا ضروريًا. إضافة إلى ذلك، أدت عوامل مثل ظهور الأجهزة المحمولة المتصلة بالشبكات، وانتشار الاتصالات الإلكترونية فائقة السرعات، ونمو وسائل التواصل الاجتماعي، والاعتماد المتزايد على البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء، إلى خلق حاجة إلى تحديث نظام الأمن السيبراني الدفاعي مع التهديد السيبراني المتغير. وقامت دول عديدة في أنحاء العالم بزيادة إنفاقها على حلول الأمن السيبراني لحماية الأجهزة والبيانات السرية من الهجمات السيبرانية، ما يدعم نمو السوق. وتتيح التطورات في التقنيات الناشئة - مثل: الذكاء الاصطناعي (AI)، والتعلّم الآلي (ML)، وشبكات الجيل الخامس (5G)، والحوسبة المتطورة، والحوسبة السحابية - للاعبين في السوق تقديم حلول جديدة تعتمد على هذه التقنيات، وجذب الأعمال المحتملة، والعملاء، وتوسيع مصادر إيراداتهم. لقد جعل تزايد الجرائم السيبرانية، مثل التصيّد الاحتيالي وسرقة البيانات، الدول والمؤسسات تلجأ إلى فِرق الأمن السيبراني المؤهلة والمجهزة بأحدث التقنيات، بما في ذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي الذي يكتشف الأنشطة الضارة ويكافحها بسرعة، ما يعمل على تحصين الشبكات ضد التهديدات. كما أدى الاعتراف بإمكانات الذكاء الاصطناعي إلى دفع 76% من المؤسسات إلى إعطاء الأولوية للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في ميزانيات تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها، مدفوعة بالحجم الهائل من البيانات التي تتطلب التحليل لتحديد التهديدات السيبرانية ومكافحتها على نحو فعّال. ومع توقع أن تولد الأجهزة المتصلة كمية مذهلة تبلغ 79 زيتابايت من البيانات بحلول عام 2025، يصبح التحليل اليدوي من طرف البشر غير عملي، ما يجعل الذكاء الاصطناعي أداة لا غنى عنها في مكافحة الجرائم السيبرانية وتعزيز الأمن السيبراني. في الحصيلة، فإن مؤشرات السوق السيبراني العالمي هي مقاييس تستخدم لتقدير حالة صناعة الأمن السيبراني واتجاهاته والتكنولوجيا المتعلقة بالفضاء السيبراني على الصعيدين الإقليمي والعالمي. تشمل هذه المؤشرات عناصر مثل نسبة النمو السنوي للصناعة، وحجم الاستثمارات في التكنولوجيا السيبرانية، والتكنولوجيا الناشئة، والتهديدات السيبرانية، والتأثيرات القانونية والتشريعات. إنّ معرفة حالة مؤشرات السوق السيبراني تُمكِّن الحكومات والمؤسسات والأفراد من فهم تطورات وسيرورة الأمن السيبراني، وبالتالي يمكنها مساعدتهم في اتخاذ القرارات الاستراتيجية لحماية بياناتهم ومصالحهم في عالم يعتمد بشكل كبير على الفضاء السيبراني وتقنياته المبتكرة والمبدعة. كما تعتبر هذه المؤشرات مفتاحًا لتقديم رؤى شاملة حول التهديدات السيبرانية المحتملة والاتجاهات المستقبلية في مجال الأمن السيبراني، وبما يمكن الجهات المعنية الاستجابة بشكل أفضل للتحديات السيبرانية المتزايدة وتطورات التهديدات، والتحضير للتحديات المستقبلية بفعالية أكبر. وبناءً على هذه المعرفة، يمكن وضع استراتيجيات وسياسات تأمينية وتدابير دفاعية للوقاية من هذه التهديدات والحفاظ على الأمن السيبراني للأفراد والمؤسسات والحكومات. تأسيساً على ذلك، يساهم فهم حالة مؤشرات السوق السيبراني في تعزيز الوعي بأهمية الأمن السيبراني وتحليل تحدياته، وبالتالي ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأنظمة والبيانات والمعلومات في هذا العصر المعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا السيبرانية.

546

| 21 مارس 2024

التشبيك الذكي بين الفضاء السيبراني والثورة الصناعية الرابعة

منذ بضع سنوات، بدأت تلوح معالم ثورة صناعية جديدة استندت على إرهاصات الثورة الصناعية الثالثة، أطلق عليها "الثورة الصناعية الرابعة" وتعرف اختصارًا بالإنجليزية IR4 أو IndustrialRevolution4.0، سِمتُها الرئيسة تقارب الابتكارات الرقمية، والبيولوجية، والمادية؛ ويمكن تعريفها باختصار بأنها "الأتمتة التقدمية التقليدية التصنيع والعمليات الصناعية باستخدام التقنيات الذكية الحديثة من خلال دمج اتصال الآلة وإنترنت الأشياء (Internet of Things – IoT) لزيادة الأتمتة، وتحسين الاتصال، ومراقبة الإنتاج نفسه وتطوير آلات ذكية عن طريق خوارزميات مبتكرة، يمكنها تحليل المشكلات وتشخيصها دون الحاجة إلى تدخل بشري". وفي تداخل لافت بين الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي، تتجسد تحولات تكنولوجية مثيرة تؤثر في مختلف جوانب حياتنا. يظهر هذا التداخل في تشبيك الأجهزة بشكل ذكي وتبادل البيانات بينها، حيث يتيح الإنترنت الذكي التفاعل بين الأشياء وتحليل البيانات بفعالية باستخدام التعلم الآلي. حيث يعزز الذكاء الاصطناعي العمليات بتحكم ذكي وتحسين الإنتاجية، كما يتمثل في استخدام البيانات الضخمة لتحقيق تنبؤات دقيقة. وتعظم هذه التقنيات أيضًا أمان الأنظمة السيبرانية من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي في اكتشاف ومكافحة التهديدات والجرائم السيبرانية. بالتالي يظهر الفضاء السيبراني كساحة حيوية تشكل تلاقي بين هذه الابتكارات، مؤثرًا في شكل وتفاعل البيئة الرقمية والحياة اليومية للفرد. اليوم تبدو "الثورة الصناعية الرابعة"، التسمية الأكثر انتشاراً مثل "الإنترنت الصناعي" أو "المصنع الرقمي" أو "الصناعة الذكية". وتقوم هذه الثورة النوعية العملاقة على الصناعة في طورها الرابع؛ أي الصناعة المعتمدة على الاستخدام الكثيف لتقنيات التكنولوجيا الحديثة التي لم يسبق أن سمعنا بها من قبل، مثل: الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والطابعة الثلاثية الأبعاد، وتحليل البيانات الهائلة وتشفيرها، والخوارزميات المتقدمة، والتفاعل المتعدد المستويات مع العملاء، والتفاعل المتطور بين الإنسان والآلة، وسلاسل الكتل، وتكنولوجيا النانو، وما إلى ذلك مـن التقنيـات الرقمية الباهرة. إن البيئة الحالية والمتطورة التي تشمل أدوات الفضاء السيبراني مثل إنترنت الأشياء والروبوتات والواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي تعمل على تغيير حياة البشرية. يُعرف دمج هذه التقنيات في ممارسات التصنيع باسم الصناعة 4.0 وتضمنت الثورة الصناعية الثالثة، التي يطلق عليها أحيانًا الثورة الرقمية، تطوير أجهزة الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات (تكنولوجيا المعلومات) منذ منتصف القرن العشرين. وفقًا لمؤسس ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي البروفيسور (كلاوس شواب Klaus Schwab)، يتم تمييز العصر الجديد بسرعة الاختراقات التكنولوجية وانتشار النطاق والتأثير الهائل للأنظمة الجديدة، ويرى بأنها ثورة لم يشهد التاريخ البشري مثلها على الإطلاق، لا في سرعة انتشارها، ولا في نطاقها، ولا في درجة تعقيدها، وكأن البشرية تعيش أمام ظاهرة تتحدى الزمان والمكان في قدرتها على الانتشار والتأثير في الدول والشعوب. وهي ظاهرة تجمع بين كل إنجازات الثورات السابقة عليها في الصناعة والطاقة والاتصالات والمواصلات، وتضيف إليها إنجازات في مجالات جديدة تتداخل فيما بينها؛ إنجازات في مجالات تكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية وعلم الوراثة والذكاء الصناعي والروبوتات والطاقة.

1002

| 07 مارس 2024

مشهد يتجاوز نقل البيانات!

جرى وصف المراحل المفصلية لتطوّر الحضارة البشرية بالثورات، برغم كونها أساس تغيرات متدرجة وتراكمية. ويشمل هذا التوصيف عادة الثورة الزراعية، والثورة الصناعية، والثورة التقنية المعلوماتية كما صنفها آلفين توفلر Alvin Toffler في كتابه «الموجة الثالثة» “Third Wave”، ثمَّ ما يوصف اليوم بالثورة الصناعية الرابعة التي تشمل التطور في تقنيات النانو والذكاء الاصطناعي والحواسيب الكميّة وغيرها. إن الحديث عن الفضاء السيبراني لا يكتمل من دون الإشارة إلى التطورات المتسارعة في مجال الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، أي الثورة الصناعية الثالثة، أو ثورة المعلومات أو الثورة الرقمية. وهو التحول الذي طرأ على المجتمعات البشرية بحيث انتقلت من مجتمعات صناعية إلى مجتمعات معلوماتية تعتمد في إدارة شؤونها على التكنولوجيا الرقمية والإلكترونية واقتصاديات المعرفة، وتستند هذه الحقبة إلى الثورة الصناعية الرابعة التي سنتناولها فيما بعد. يُعدّ ظهور ثورة المعلومات أحد أهم الأحداث التاريخية في الحياة الإنسانية، وهناك من يرى أنها، بلا شك، أهم حدث في نشر المعلومات منذ مطبعة جوتنبرج Gutenberg كونها تمثل تحولًا أكبر بكثير في الاتصال البشري. فقد أدّت هذه الثورة إلى ظهور ما يُعرف بمجتمع المعلومات الذي تمثّل بإنتاج المعلومات ومعالجة البيانات التي ساهمت في وجود نشاط إنساني منظّم. كما استطاعت الثورة المعلوماتية وما تضمّنته من تكنولوجيا حديثة للاتصالات تخطي الزمان والمكان، فقد جرى نقل الصورة والصوت تلقائيًا عبر الأقمار الصناعية وشبكتها المجهزة بالحاسوب، ما سهَّل عملية الاتصال. تميّزت الثورة المعلوماتية بانتشار الأتمتة من خلال استخدام الإلكترونيات وأجهزة الحاسوب، والإنترنت، وشهد هذا العصر ظهور الإلكترونيات التي مكنت من أتمتة العمليات الصناعية على نحو لم يسبق له مثيل، وتقدم التكنولوجيا من الأجهزة الحاسوبية والميكانيكية التناظرية إلى التكنولوجيا الرقمية المتاحة اليوم. فالتبادل الإلكتروني للمعلومات يعد أحد التغيرات المهمّة مع الثورة الرقمية، كما أنّ التطور الجذري في الاتصالات الرقمية والحوسبة هو جوهر الثورة التكنولوجية. إن التطورات التي تسعى إلى الاستحواذ على القوة والتطور والحداثة متسارعة في هذا المجال الذي يشهد منذ بداية الألفية الثالثة ثورة حقيقية ألقت، ولا تزال تلقي، بتأثيراتها الجذرية والعميقة في مختلف جوانب الحياة البشرية، الاجتماعية والثقافية والسياسية، والاقتصادية والأمنية والعسكرية. وجاء ذلك مع تطور البيئة التكنولوجية، سواء على مستوى التطبيقات أو حجم الانتشار. وزادت عملية إنتاج المحتوى الرقمي، وارتبطت بتلك العملية زيادة في إنتاج المعلومات الشخصية، وباتت تُستخدم في مجالات الحياة كافّة مع عملية التحول الرقمي الذي تطبقه كثير من حكومات العالم، سواء في تقديم الخدمات أو في عمل البنية التحتية، وأصبح للبيانات قيمة أكبر من أي عهد مضى في خلق الوظائف ودعم عملية الإبداع والابتكار التي أصبحت من ضمن ركائز القوة الاقتصادية للدولة. تعدّ اليوم هيمنة الفضاء المعلوماتي السيبراني المترابط بوشائج الاتصال والمفاهيم المعرفية والشبكة العنكبوتية العالمية والشبكات الحاسوبية الوطنية والمحلية التي تؤمّن الاتصال الحيّ بين جميع الجهات التي استوطنت هذه البيئات الجديدة، أحد أهم خصائص تخطي الفضاء السيبراني للزمان والمكان؛ وبات تعريف المعلوماتية مسألة نسبيّة تتوقف على قدرة كل دولة في تحديد رؤية إستراتيجية واضحة للتعامل مع حجم ما توفره الثورة المعرفية والتكنولوجية من مزايا بشقيها المدني والعسكري، أملًا باستثمار المزايا ومواجهة المخاطر الكامنة في هذا المجال. إن آثار هذا المشهد تتجاوز مجرد نقل البيانات، حيث أسهمت في تشكيل مستقبل يعتمد بشكل أكبر على المعرفة والتفاعل البشري. إنها حقًا رحلة استثنائية نحو تحقيق رؤية مستقبلية متقدمة ومجتمع يستند إلى التفاعل والتبادل المعرفي. مشهد يتجاوز نقل البيانات!

309

| 15 فبراير 2024

كيف استخدمت المقاومة الفلسطينية قدرتها السيبرانية في حرب غزة؟

لطالما أخذت الصراعات بين إسرائيل وحركة حماس منحى جديدًا في الفضاء السيبراني، حيث يشهد التصعيد الرقمي تكثيفًا ملحوظًا، فالحروب لا تقتصر على الأرض فقط، بل تنتقل إلى معركة صامتة، حيث تُشن هجمات سيبرانية مستمرة ويتسارع استخدام التقنيات التكنولوجية الرقمية للاستيلاء على المعلومات أو تعطيل البنية التحتية المرتبطة بالفضاء السيبراني. إلى اليوم، ما زالت مراكز الأبحاث الإسرائيلية حائرة حول الكيفية التي دخلت فيها المقاومة إلى غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023؛ لكن هناك تقديرات وازنة بأن الهجوم العسكري تزامن مع «طوفان سيبراني» فلسطيني عطّل بعض الكاميرات وأجهزة المراقبة دون أن يتم رصده في الساعات الأولى. وكما هو معروف يجرى توظيف البيئة السيبرانية من خلال استخدام البعد الصلب والبعد الناعم انطلاقاً من فرضية أن من يمتلك القوة السيبرانية يصبح أكثر قدرة على ممارسة القوة والتأثير في سلوك المستخدمين للفضاء السيبراني. وبالتالي فقد كان واضحاً استخدام المقاومة الفلسطينية البعد الصلب في الفضاء السيبراني من خلال: 1. الهجمات السيبرانية والتي تتيح للأطراف غير المتماثلة في القوة فرصة للتأثير. إذ تجلت الهجمات السيبرانية في هذه الحرب قبل إطلاق أول رشقة صاروخية من قطاع غزة، واستهدفت بشكل رئيس الأنظمة التشغيلية لمنظومة «القبة الحديدية»، وأوقفت عملها لأكثر من خمس ساعات. 2. ضرب أبراج الاتصالات وقطع كوابل الإنترنت مما تسبب في تعطيل الاتصالات والتواصل بين مختلف أنظمة الدفاع والمراقبة. 3. اختراق السيرفرات والخوادم والسيطرة على مراكز تخزين البيانات، واختراق هواتف جنود إسرائيليين وقرصنتها قبيل عملية طوفان الأقصى. 4. استهداف تطبيقات صفارات الإنذار التي ترسل إلى الإسرائيليين إشعاراً بوجود هجمات صاروخية وخطر قريب، وعطلتها بالكامل طوال فترات الهجمات الصاروخية. 5. شن هجمات الحرمان من الخدمة على العشرات من المواقع الحكومية والخدمية الإسرائيلية، استمرت هذه الهجمات حسب موقع Cloud flare لمدة ست دقائق وبلغت ذروتها مليونا و100 ألف طلب في الثانية. وعلى صعيد البعد الناعم في القوة السيبرانية فقد كان واضحاً عبر التأثير في الرأي العام وبث الدعاية والحرب النفسية وذلك من خلال: استخدام شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي لبث عمليات المقاومة وخطاباتها والاشتباكات المسلحة على أرض الميدان، ونشر مقاطع فيديوهات خاصة بالأسرى الإسرائيليين من أجل التأثير في الرأي العام العالمي ولجذب الدعم والأنظار لما يحدث في القطاع. ودحض السردية والرواية الإسرائيلية (خاصة فيما يتعلق بصور قطع الرؤوس واغتصاب النساء وحرق الأطفال)، ونقل حقيقة ما يجري في قطاع غزة للعالم الغربي. هناك دور لا يمكن تجاهله للوكلاء السيبرانيين Cyber Agents هذه الفئة تعتبر جزءاً من أدوات القوة السيبرانية وتهدف إلى نشر الوعي وتعزيز التضامن مع القضية من خلال (التوعية وتنظيم حملات رقمية تستهدف تعزيز الضغط الدولي وممارسة هجمات القرصنة والتلاعب السيبراني، الهجمات السيبرانية والتي ظهرت في هذه الحرب عبر تعطيل مواقع الإنترنت أو استهداف البنية التحتية الرقمية لإسرائيل، مثل: مجموعة «كيل نت» (Killnet) الروسية، وأنون غوست « (Anon Ghost) الإيرانية، ومجموعة «أنونيموس الجزائر».. وغيرها. ما يمكن استنتاجه مما تقدّم أن القوة السيبرانية تعتبر أحد عوامل مضاعفة قوة الدول والفواعل من غير الدول مثل حركات المقاومة والتحرر، وممارسة النفوذ، وتحقيق التفوق، والفاعلية والتنافس. وحقيقة مساندة للقوة التقليدية مكملة وداعمة لها في تحقيق الأهداف وليست بديلة عنها. ومما دلت عليه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بأن هناك دوراً مهماً للفضاء السيبراني والقوة التي أسس لها حيث كان لهذا الفضاء بعد في تشكيل نتائج هذه الصراع الذي يجري بموازاة دوي الدبابات والمدافع. إن الفضاء السيبراني يعتبر بشكل عام فرصة حيوية للجهات ذات الإمكانيات المحدودة التي تعاني من نقص في الموارد مثل الفواعل من غير الدول، حيث يمنحها هذا النطاق فرصًا للتنافس مع الدول ذات القدرات السيبرانية الأكبر. يتجلى هذا بشكل خاص في تزايد رغبة هذه الجهات في اكتساب قدرات هجومية ودمجها ضمن أدواتها السائدة، بهدف تعزيز أهدافها الاستراتيجية وتعظيم قوتها الصلبة وقوتها الناعمة وزيادة تأثيرها في البيئات التشغيلية الأخرى، البر، البحر، الجو، والفضاء الخارجي.

1137

| 12 فبراير 2024

هل نحن جاهزون لهذا الزخم الرقميّ المتسارع؟

يشهد العالم تحولًا جذريًا نحو بيئة تكنولوجية تتسارع بشكل مذهل، حيث تتداخل المعلومات والاتصالات لتشكل خيوطًا لا مرئية تربط بين جميع أنحاء المعمورة. وتعكس الحالة الرقمية التي يمر فيها الفضاء السيبراني تفاعلات متزايدة، إذ يجري تداول كميات ضخمة من البيانات بشكل لحظي. ويظهر هذا التزايد بشكل واضح من خلال نشاط الإنترنت والاستخدامات البشرية على الصعيدين الشخصي والتجاري. فإرسال المليارات من الرسائل الإلكترونية وتحميل محتوى ضخم وتبادل المعلومات يحدث بأجزاء من الثانية وبزمن قياسي لا مثيل له، مما يشير إلى تكامل لافت للعمليات الرقمية في حياتنا اليومية. في هذا السياق، يتجاوز مفهوم الحالة الرقمية العالمية مجرد تكنولوجيا الاتصالات، ليتعمق في تأثيراته المتعاظمة في الاقتصاد، والسياسة والإعلام والثقافة، والتفاعل الاجتماعي. وبات يمثل هذا التحول نقلة حضارية تشكّل تحديات وفرصًا جديدة، مع تكامل لا مثيل له في هذا العالم المترابط الذي يشهد تغييرات وتحولات لا حصر لها، ويعكس مؤشرات كمية متزايدة تعبّر عن حجم النشاط الذي يحدث ويحمل في طياته ضخامة المعلومات والاتصالات في وجود بيئة ونسق عالمي تطوري وبنى تحتية تكنولوجية تنتشر بشكل دراماتيكي. اليوم ثمة العديد من المعطيات التي تدلّل على تنامي واتساع ظاهرة الفضاء السيبراني، ولنتخيّل هذا العالم الذي يجري فيه إرسال ملايين النصوص ورسائل البريد الالكتروني وتحميل الفيديوهات والصور وتمريرها ومشاهدتها والتفاعل معها..فمشهد «الحالة الرقمية» العالمية اليوم أكثر ضخامة وتعقيداً مما كنّا نظن. لقد استحوذت شبكة الانترنت على المستخدمين بشكل كبير، بعد أن أصبحت الحياة البشرية مترابطة بشكل كبير مع استخدام الفضاء السيبراني وتطبيقاته القائمة على الابداع والابتكار، سواء في الاتصال الاجتماعي، والبحث عن معلومات، أو التسوق الإلكتروني، وحتى الألعاب والترفيه والتعليم والتعلم والصحة والأعمال..إلخ. وحتى نقرّب قراءة المشهد أكثر، فإن لغة الأرقام تخبرنا بالشيء الكثير، وتلقي الضوء على حجم الزخم التفاعلي في الفضاء السيبراني وتظهر كمّية البيانات والاتصالات التي تمر عبره يوميًا، مما يبرز تحولًا رقميًا هائلاً وتأثيرًا كبيرًا في حياتنا اليومية. تخبرنا بأن عدد سكان العالم تجاوز 8 مليارات في بداية العام 2024 وأن ما مجموعه 5.3 مليار شخص حول العالم يستخدمون الإنترنت منذ بداية عام 2024، وهو ما يعادل 65.7 بالمائة من إجمالي سكان المعمورة. وتشير الاتجاهات الرقمية الحالية إلى أن ثلثي سكان العالم يجب أن يكونوا متصلين بالإنترنت بحلول منتصف عام 2024، وتستخدم الغالبية العظمى من مستخدمي الإنترنت - 95 بالمائة - الهاتف المحمول للاتصال بالإنترنت لبعض الوقت على الأقل، وتمثل الهواتف المحمولة الآن ما يقرب من 57 بالمائة من الوقت الذي نقضيه على الإنترنت، فضلاً عن ما يقرب من 53 بالمائة من الوقت الذي يقضيه العالم على الإنترنت. حركة المرور على شبكة الإنترنت. ومع ذلك، لا يزال أكثر من 6 من كل 10 من مستخدمي الإنترنت في الاقتصادات الكبرى في العالم يستخدمون أجهزة الكمبيوتر المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المكتبية في بعض أنشطتهم عبر الإنترنت على الأقل. هذا يعني أن مستخدمي الإنترنت في العالم قضوا حوالي 12.5 تريليون ساعة من الوجود البشري المشترك باستخدام الأجهزة والخدمات المتصلة في عام 2023. شهد عام 2023 وبداية عام 2024 الكثير من التغييرات في طريقة تواصلنا مع المزيد والمزيد من الأشخاص الذين يستخدمون الفضاء السيبراني مثلاً على صعيد الأرقام المتصلة في استخدام الإنترنت في بداية عام 2024 تم إرسال واستلام حوالي 300.4 مليار رسالة بريد إلكتروني يوميًا، وهناك أربعة مليارات مستخدم للبريد الإلكتروني في جميع أنحاء العالم (لقد زاد هذا العدد الآن). 5.59 مليار حساب بريد إلكتروني نشط في جميع أنحاء العالم وحوالي 1.8 مليار منها حسابات (Gmail) حيث يجري إرسال أكثر من 149.513 رسالة بريد إلكتروني في الدقيقة - وهذا يعني أن عدد رسائل البريد الإلكتروني المرسلة كل يوم هو ~ 215.298.720. وعلى صعيد منصات التواصل الاجتماعي، تتم مشاركة 95 مليون صورة وفيديو على تطبيق (انستغرام) يوميًا. وهذا يترجم إلى 65,972 كل دقيقة!، وعلى صعيد تطبيق فيسبوك يتم نشر 510.000 تعليق، وتحديث 293.000 حالة، وتحميل حوالي 240.000 صورة كل دقيقة. ويتم إرسال ما يقرب من 7 مليارات رسالة كل دقيقة عبر مجموعة تطبيقات البرنامج. وهناك ما يزيد على 406 ملايين مستخدم نشط يوميًا على تطبيق (سناب شات)، حيث يتم إنشاء 5 مليارات مقطع فيديو عبره يوميًا في جميع أنحاء العالم. وتتم مشاهدة حوالي 625 مليون مقطع فيديو على تطبيق (تيك توك) كل دقيقة.ويتم مشاهدة 3.5 مليون فيديو على اليوتيوب في الدقيقة بينما يتم تحميل أزيد من 500 ساعة من المحتوى المرئي على الموقع نفسه. وهناك ما يتجاوز3.2 مليون عملية بحث على محرك غوغل في الدقيقة الواحدة، وأكثر من 6.3 مليون لمجموع اجتماع زوم في الدقيقة أيضاً. وفي نفس الدقيقة يجري إنفاق حوالي 443,000 دولار في متاجر أمازون الإلكترونية، وشراء أكثر من 90 مليون عملة مشفرة. تُظهر المعطيات أعلاه تأثير التحول الرقمي بوضوح في حياتنا، واتساع استخدام الفضاء السيبراني الذي تمكنت وتحكمت تطبيقاته بعقولنا، وأصبحت قوة لا يمكن تجاهلها، فتوسعت استخدامات التكنولوجيا وارتفع عدد مستخدمي الإنترنت، مما أضفى على الحياة نمطًا جديدًا وشكلًا متجددًا يتسم بالتفاعل الرقمي الفعّال والهائل. إن هذا الزخم يفتح أمامنا أبواب التحديات والفرص، ويطرح تساؤلات حول كيفية التكيف مع هذا الواقع المتسارع. فهل نحن جاهزون لمواكبة هذا التحول؟ وكيف يمكننا استثمار هذا الزخم الرقمي لصالح التطوير في ظل مشهد بتنا نقيسه بالثواني والدقائق على روزنامة الإنترنت، دون أن نتمكن من فهم أبعاده الحقيقية أو نعي تداعياته الهائلة.

1071

| 11 يناير 2024

البُعد السيبراني في الحرب الإسرائيلية على غزة

إنّ الحروب الهجينة واللا تناظرية مكّنت الفواعل غير الدولية، مثل حركات المقاومة من استخدام الجانب السيبراني بشكل متزايد في عملياتهم، ومثال ذلك حركة حماس؛ فعدم التماثل في الحروب والصراعات وفرّ لها فرصًا سرّية في جوهرها للتخزين والنقل ونشر القدرات السيبرانية مع حاجة أقل بكثير للموارد التنظيمية والقدرات المالية أو البشرية مقارنة بالحرب التقليدية. وبما أن القدرات السيبرانية مناسبة تماماً لدعم الحملات الإعلامية، فهي مفيدة للتأثير في الجمهور دون لفت انتباه وتداعيات العمليات الأكثر وضوحاً. منذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر 2023 ظهر مفهوم «الحرب الهجينة»، الذي يمزج بين العمليات الحركية وغير الحركية (أي الرقمية) في ساحة المعركة. في حين أن العمليات السيبرانية تقليدياً كانت غير حركية، فإن تحولاً نموذجياً بدأ يلوح في الأفق، حيث إن الهجمات السيبرانية على البنية التحتية الحيوية - مثل محطات الطاقة والاتصالات - لديها القدرة على تحقيق نتائج حركية ملموسة تعطل العمليات المحلية، ويمكن أن تؤدي إلى فوضى واسعة النطاق. هذا النوع من الأحداث له سابقة، فقد بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا من خلال هجوم سيبراني يعرف بالحرمان من الوصول إلى الخدمة الموزعة DDoS أي عبر اقتحام الأنظمة أو الخوادم أو الشبكات بهدف السيطرة على مواردها ومعدل نقل بياناتها، بحيث يصبح النظام غير قادر على تلبية الأوامر اللازمة أو المطلوبة منه، مما يؤكد الطبيعة المتشابكة للحرب الحديثة. ومع تزايد انخراط الجهات الفاعلة غير التابعة لدول بعينها في عمليات على أرض الواقع؛ فإننا نلاحظ نمطاً مماثلاً في الصراع السيبراني الدائر اليوم بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية والذي بدأ من سنوات وظهر جلياً في عملية طوفان الأقصى. حتى كتابة هذه السطور، فإنّ معظم النشاط السيبراني الهجومي الذي استهدف إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023 تم تنفيذه من قبل مجموعات ناشطة في مجال القرصنة (وكلاء سيبرانيون)، يظهرون الدعم والتضامن مع القضية الفلسطينية، ومنشأها دول إسلامية وعربية، وقد اتخذ معظم هذا النشاط شكل هجمات رفض الخدمة الموزعة ضد منصات ومواقع الإنترنت، وتشويه مواقع إلكترونية إسرائيلية، وتسريب البيانات لمختلف المؤسسات التي تعتبر أهدافاً رفيعة المستوى وعظيمة القيمة. على سبيل المثال ثمة نوع من الأنشطة التي تمت ملاحظتها في بداية الحرب، وهو شن هجمات نشر الخوف من خلال المجال السيبراني، إذ استغلت مجموعة قرصنة مؤيدة للقضية الفلسطينية يطلق عليها اسم Anon Ghost ثغرة أمنية في واجهة برمجة (API) الخاص بتطبيق الإنذار الصاروخي الإسرائيلي Red Alert وأرسلت تحذيرات صاروخية زائفة إلى المستخدمين. وتمكن الهاجمون من الوصول إلى خادم يقوم بتشغيل اللوحات الإعلانية الذكية في تل أبيب، وقاموا بتغيير الإعلانات التجارية إلى محتوى مؤيد للمقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى لقطات من حرق العلم الإسرائيلي. كما أن الهجمات السيبرانية استطاعت إيقاف أكثر من 100 موقع، من بينها الموقع الإلكتروني الرسمي لجهاز المخابرات الإسرائيلية. إن هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل ينظر له خبراء على أنه يمثل نهاية مفهوم التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي وقدرته على ردع منافسيه. إذ إن إسرائيل التي تعتبر رائدة عالمياً في مجال الأمن السيبراني وفي قدراتها السيبرانية سواء على مستوى الدفاع أو الهجوم يطرح سؤالاً عن قدرة الفواعل والحركات من غير الدول مثل حركة حماس بما تثيره من قدرات سيبرانية تستطيع من خلاله مواجهة عدوها وتحقيق نتائج على أرض الواقع عبر تعظيم قوتها الصلبة أو الناعمة. هذا يذكّرنا بما أشار إليه (مقدم في مديرية الإنترنت التابعة للجيش الإسرائيلي) بمقال له عنونه بـــ «داخل فخاخ حماس السيبرانية»، من أن القدرات السيبرانية تقدم خيارات بديلة لحركة حماس لتعزيز استراتيجيتها وقدراتها السيبرانية والتي سوف تستمر في التقدم، وتستفيد من الأدوات المتاحة عبر طرق من شأنها أن تمارس أقصى قدر من التأثير في البيئات التشغيلية المختلفة. صحيح أن إسرائيل كانت قد أعلنت سابقاً عن سيطرتها على ترددات الاتصالات في قطاع غزة، لكن تصاعد الهجمات السيبرانية أثار تساؤلات عن المزيد من الشكوك حول كيفية تشغيل حركات المقاومة لبرنامج سيبراني في ظل هذه الظروف، ويبدو أنها استطاعت من الاستثمار في هذا المجال عبر تطوير أدواتها السيبرانية وبناء شبكة من «الوكلاء السيبرانيون» المتعاطفين مع القضية الفلسطينية في أنحاء المعمورة. في النهاية، يعكس البعد السيبراني في الحروب اللا تناظرية والحروب الهجنية تفاعلًا مع التطورات التكنولوجية المستمرة، ويبدو هذا ما التقطته حركات المقاومة الفلسطينية ومنها حركة حماس لضمان قدرتها على التأثير في ساحة المعركة وتحقيق بعض أهدافها، ابتداءً من تنفيذ هجمات سيبرانية بشكل متنقل ومرن بفعالية، مروراً بالتأثير بشكل كبير في الرأي العام للطرف المستهدف وتحقيق بعض الأهداف دون الحاجة إلى وجود عسكري مباشر على الأرض، وليس انتهاءً باستخدام البعد السيبراني كوسيلة لإنشاء سردية مضادة تؤكد على عدالة القضية الفلسطينية.

1857

| 16 نوفمبر 2023

مصيدة «التشتت الرقمي»

«تجذب الهواتف الذكية انتباهنا بمهارة بعيداً عن أي شيء، وتشتتنا بالكامل. انظر! هناك ضوء يومض، حالة طارئة على كوكب العقل! إذا كانت هناك رسالة جديدة، لا نستطيع مقاومة تفقدها. وهذا هو رد فعل السعي للمتعة. فالرسالة تعطينا مكانة، وتزيد من غرورنا بأنفسنا، شخص ما يحبني! رسالة واردة! يجب أن أراها!». هذا بعض مما جاء في كتاب «مصيدة التشتت الرقمي: كيف تركز في فوضى العالم الرقمي»The ‎DISTRACTION TRAP: How to focus in a digital world الصادر عن عام 2017 للكاتبة «فرانسيس بووث»FRANCES BOOTH التي تعرض فيه لمشكلة التشتت الرقمي وتوضح خطرها وتناقش الكثير من المسائل ذات الصلة مثل إدمان الإنترنت والرنين الوهمي وحالة الطوارئ في كوكب العقل وغيرها. إنّ هذا الكتاب الذي وقع بين يدي في عطلة نهاية الأسبوع وكأنه جاء في وقته لشخص تبدو ساعاته مبعثرة بين مسارات وممارسات تسيطر على جزء كبير منها مواقع وبرامج التواصل الرقمي والمرئي الممتدة ما بين البريد الإلكتروني، ورسائل الواتساب، ومتابعة تويتر والتنقل من موقع إلى آخر.. الجميل في الكتاب أنه يخاطب العقل قبل القلب، والمؤلفة تدعم موقفها ورأيها بدراسات علمية وتميل إلى تشبيه إدمان الإنترنت باضطرابات السيطرة على الدوافع، وإدمان المخدرات والوسواس القهري. وتقدم حلولا للتركيز والقدرة على التحكم بالتقنية عموما، وبمواقع التواصل والبريد الإلكتروني على وجه الخصوص. ومن النصائح الجميلة الواردة في الكتاب: لا تحاول إطفاء كل أجهزتك الرقمية لساعات بشكل مفاجئ إذا كنتَ تعتمد عليها بشكل كبير؛ حيث إنه من المرجح أن تعاني أعراض انتكاسة إذا ما فعلت ذلك. تجنب بكل الطرق الممكنة، التشتت الرقمي خلال الفترات التي تكون فيها معدلات قدرتك الإنتاجية في أقصاها؛ حيث إنها أوقات ثمينة من اليوم يمكنك أن تكرس فيها طاقات هائلة للقيام بإنجاز سريع للمهام التي تحتاج إلى التركيز. إنّ القيام بعدة أمور في الوقت نفسه خدعة نمارسها على أنفسنا، ونعتقد بأننا ننجز المزيد من الأمور؛ ولكن في حقيقة الأمر، تنخفض إنتاجيتنا بنسبة 40% وتُظهر بعض التقديرات أننا نخسر حوالي 75% من المعلومات التي اكتسبناها. نعيش اليوم في عصر المعلومات، والذي لا يعني بالضرورة أن تكون المعلومات في رؤوسنا. بل ذلك يعني أن المعلومات تمر عبر أذننا بسرعة الضوء، ولا يمكننا استيعابها. الإنترنت هو أكبر مستنزف للوقت تم اختراعه في حياتنا. إنّ معرفة سبب حاجتك إلى الوقت، تعطيك قوة الإرادة اللازمة لتجعل عقلك يفكر قليلا ليقوم بأمر أكثر أهمية من تصفح الإنترنت بدون هدف. لا تقتصر الخسارة على وقتنا فحسب؛ حيث ترى بعض التقديرات أن الأشخاص الذين يشتتهم البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية قد يعانون خسارة تقدر بنحو 10 نقاط من معدل ذكائهم، وهذا يساوي خسارة ليلة كاملة من النوم؛ إن حالة الكسل التي لا يحبها معظمنا نختارها بإرادتنا. إحدى الإشارات التقليدية على التشتت الرقمي هي الشعور بأنك مشغول طوال الوقت، ولذلك تشعر بأنك تحقق أشياء على أساس يومي؛ ولكن عندما تبدأ في جمع الأمور التي أنجزتها خلال السنة المنصرمة، لا تجد أنك أنجزت الكثير خلال عام كامل من الإرهاق. إنّ تغيير سلوك تشتتك الرقمي قد يمنحك ميزة تنافسية؛ حيث إنه يقلل من مستويات الضغط، ويزيد من الإنتاجية. وأخيراً في ظل هذا التشتت الرقمي، ينقصنا إشارة مكتوب عليها «توقف» أو تمهل، إشارة تحددّ لنا مسيرنا واتجاهنا الذي نريد؛ فبقوة الإرادة والرغبة يمكن مواجهة هذا التشتت كي لا تتداخل الممرات والطرقات وتجرفنا تيارات الزمن المتسارع...فهل نحن قادرون؟

1713

| 05 أكتوبر 2023

الهجمات السيبرانية ما بين التهديد والاستجابة

تبدو الأرقام مفزعة تلك التي كشف عنها موقع «ستاتيستا» (Statista) المتخصص في الإحصائيات بأن الكلفة الإجمالية للهجمات السيبرانية في العالم تناهز في العام 2023 ما يفوق 8 تريليونات دولار، مقارنة بـ 7 تريليونات في العام 2022، على أن ترتفع إلى 9.2 تريليون في العام المقبل. لقد ازداد اهتمام العالم بأسره وبشكل متزايد بخطر الهجمات السيبرانية في السنوات الأخيرة. ويُعتبر الاعتراف بأهمية الأمن السيبراني أمرًا حاسمًا للعديد من الدول بعد أصبحت هذه الهجمات العنوان الأبرز كأحد أهم العناصر المؤثرة في أوجه الصراع الدولي والجيوسياسي وبعد انتقال جزء كبير من الصراعات بين القوى المؤثرة إلى شبكة الإنترنت ورغم أن ثمة من يعتبر الفضاء السيبراني تهديدًا ناشئًا، إلا أنه بمجرد النظر إلى جدول أعمال إي قمة عالمية يبرر هذا التهديد بشكل مكتمل الأركان والمعالم. كان ان أحد أهم مجالات التحول السيبراني في عام 2022، وما قبله، هو إدراك العديد من الدول وغيرها من الفواعل الأخرى، بأن القدرات السيبرانية باتت مجالًا مهمًا لممارسة النفوذ وتحقيق التفوق والتنافس في العلاقات الدولية، حيث لم تعد ترسانات الأسلحة التقليدية هي المعيار الأساسي لقياس القوة الشاملة للدولة، بعد الثورة الصناعية الرابعة وما صاحبها من تجليات الذكاء الاصطناعي. وفي هذا الإطار، قامت العديد من الدول بوضع سياسات واستراتيجيات وطنية لمواكبة قفزات التطور في الثورة الصناعية الرابعة، ولاسيما بعد تصاعد الصراعات الدولية في الفضاء السيبراني التي باتت جزءًا لا يتجزأ من التفاعلات الدولية مع تنامي معدلات الهجمات والجريمة والمخاطر الإلكترونية بشكل لافت للنظر. خلال السنوات القليلة الماضية رأينا كيف أن أحد أطراف الصراع بات قادرا على إيقاع خسائر فادحة بالطرف الآخر وشل بنيته المعلوماتية والاتصالية الخاصة بها وما ترتب على ذلك من خسائر عسكرية أو اقتصادية أو أمنية من خلال قطع أنظمة اتصال أو بث فيروسات أو تضليل معلومات أو سرقتها والتلاعب بالبيانات الاقتصادية والمالية وتزييفها أو حتى مسحها من الوجود. صحيح أن العديد من الدول تعمل على تعزيز قدراتها في مجال الأمن السيبراني وتطوير استراتيجيات وسياسات تحكم استخدام التكنولوجيا بهذا المجال، ونرى الكثير من الخطط التي أعلنت عنها دول متقدمة وشرعت بزيادة نشاطها ووضع بنود في موازنتها العامة بملايين الدولارات (وهنا نتحدث عن الولايات المتحدة والصين وروسيا وبعض الدول الأوروبية تحديدا) لمجابهة التحديات والمخاطر السيبرانية وتكثيف جهودها لحماية أمنها الإلكتروني وتحصين بنيتها التحتيَّة الحيويَّة، وتطوير سياسات لرفع الوعي حول قضايا الأمن السيبراني وتطوير المخططات الوطنية لتحفيز وتعظيم الوسط الرقمي لها، بهدف تقليص مخاطر وآثار الهجمات السيبرانية التي تتعرض لها المعمورة كل جزء من الدقيقة. إنّ العالم برمته، بات يعتمد على التكنولوجيا الرقمية والاتصالات السيبرانية، وإذا تم التقاطع بين الهجمات السيبرانية والصراعات الجيوسياسية؛ فإن المشهد سيكون أكثر خطرًا وتعقيدًا وهذا يتطلب تقديم استجابات فعّالة وتطوير استراتيجيات جديدة للتعامل مع هذه التهديدات المتنوعة والمتزايدة.

2688

| 28 سبتمبر 2023

عصر السيبرانية السياسية

مما لا شك فيه أن السياسة السيبرانية أصبحت مصطلحاً يستخدم على نطاق واسع في الأوساط الأكاديمية والبحثية حيث تتناول هذه السياسة تأثير الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية على الأنشطة السياسية والعمليات الحكومية والعلاقات الدولية. ويمثل هذا المفهوم استجابة حديثة للتحديات التي تطرحها العولمة الرقمية وتأثيرها على التوازنات السياسية والاقتصادية العالمية. فالفهم العلمي العام لمعنى «السياسة» في الفضاء السيبراني يقوم على أخذ حساب صريح لهذا الفضاء في تحليل السياسة العالمية، والأنماط الملحوظة للوصول والمشاركة السيبرانية في جميع أنحاء العالم، وكذلك الأنواع الجديدة من النزاعات والخلافات الدولية التي تنشأ من الأنشطة في العالم الافتراضي، وليس انتهاءً بالضرورات الجديدة الطارئة التي شكلها ظهور شبكة الإنترنت في تفسير نظريات العلاقات الدولية وأدواتها المنهجية. لا شك أن السياسة السيبرانية أضحت اليوم رائجة الاستخدام لدى الأكاديميين والباحثين المهتمين بتحليل تأثير الفضاء السيبراني في العلاقات الدولية والعلوم السياسية؛ وأصبح البحث في هذا الجانب يأخذ زخما أكاديميا مهما لتطوير التخطيط الإستراتيجي والقيادة في ساحات الإنترنت والبيانات الضخمة، إضافة إلى النقاش الدائر حول تأثير التحديات الإلكترونية على الحكومات والمنظمات والمجتمعات بشكل عام. ما تقدم يؤكد أن السياسة السيبرانية أصبحت خلال العقدين الماضيين إحدى أهم القضايا العامة العالمية، وغدت أبعد من مجرد مسألة فنية في السياسات الدولية أو قضية بحث نظرية؛ إذ بات «الطيف السيبراني» يؤثر في الديمقراطيات والدكتاتوريات والعمليات السياسية والتفاعلات بين الدولة والمجتمع والأسواق وصنع السياسات على جميع المستويات، ناهيكم عن تأثيره في مروحة واسعة ومتنوعة من القضايا السياسية على شاكلة: السيادة والانتخابات والحملات والديمقراطية والاحتجاج والقمع والحرب والسياسة الأمنية ومكافحة الإرهاب والتعاون والصراع الدولي وسياسة الهجرة والشتات والهوية والمواطنة. وبالتالي فإن هناك أسئلة بدأت تفرض نفسها في هذا السياق من قبيل: كيف تتحكم السياسة في الفضاء السيبراني؟ وكيف يؤثر هذا الفضاء على السياسة؟ وما مدى استخدام الفضاء السيبراني للنشاط السياسي؟ وكيف تغير التكنولوجيا الرقمية السياسات الديمقراطية؟ وكيف تؤثر على السياسة والعلاقات الدولية؟ وهل أصبح الأمن السيبراني بالفعل قضية سياسية؟ وهل ستتأثر جميع نماذج الحوكمة بالفضاء السيبراني؟ وهل ستؤثر الديمقراطية الإلكترونية على نماذج الحكم الأخرى عبر الدول؟ وغيرها العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها في ظل أفق يلوح بفضل اتساع الفضاء السيبراني الذي حتّم إعادة تعريف ما هو عالمي وما هو إنساني وما هو قيمي وأخلاقي؛ فجولة المراجعات التي شهدتها العلوم الاجتماعية والإنسانية المختلفة مع دخول البشرية الثورة الصناعية الرابعة لم تعد -في ما يبدو- كافية للتعبير عن الواقع المعاصر، وسرعان ما سيصبح علينا أن نخوض جولة جديدة من المراجعة على صعيد العلاقات الدولية بدخول البشرية عصر السيبرانية السياسية. عوداً على بدء، لا بد للجامعات والمراكز البحثية إيلاء أهمية لموضوع السياسة السيبرانية لفهم التحولات الكبيرة على صعيد العلاقات الدولية عبر توفير إطار تحليلي للتأثيرات السيبرانية و فهم كيفية تطور الأمور في عصر الرقمنة السريعة والدور المحوري لها في تحديد توجهات العالم...فهل نحن فاعلون؟

726

| 14 سبتمبر 2023

«الوزن السيبراني» كأداة للقوة الوطنية

من الأمور المستقرة في العلاقات الدولية أن مصادر قوة الدولة وأشكالها تتغير،ومع ثورة المعلومات ظهر شكل جديد من أشكال القوة هو القوة السيبرانية، وظهر مفهوم «الوزن السيبراني» الذي يقوم على وجود نظام متماسك يعزز القوة من خلال التفاعل الجيد بين القدرات السيبرانية والتكنولوجية والسكانية والاقتصادية والصناعية والعسكرية وإدارات الدولة وعوامل أخرى. هذا التوازن المتناغم يسهم في تعزيز قدرات الدولة في تنفيذ ممارسات الإكراه والإقناع، وكذلك تنفيذ استراتيجيات التأثير السياسي في سياق العلاقات الدولية. فالوزن السيبراني هو مفهوم يرتبط بقدرة الدولة في الحفاظ على سيادتها وأمنها في الفضاء السيبراني، وبالقدرة التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية للدولة على التعامل مع التهديدات السيبرانية والدفاع عن مصالحها وأمانها في العالم الرقمي. تعتبر القوة السيبرانية جزءًا مهمًا من قوة الدولة في العصر الحديث، حيث يعتمد الاقتصاد والتواصل والدفاع الوطني بشكل كبير على الشبكة العالمية وتقنيات المعلومات والاتصالات. فالدول التي تمتلك تقنيات متقدمة في مجال السيبرانيات وتستثمر في قدرات الدفاع السيبراني تكون أكثر قدرة على حماية نفسها من الهجمات السيبرانية والمحافظة على سيادتها في الفضاء الرقمي.بالإضافة إلى ذلك، يشمل الوزن السيبراني أيضًا قدرة الدولة على استخدام الأسلحة السيبرانية في الصراعات والحروب السيبرانية، لقد أعطى هذا الأمر دافعاً رئيسياً للدول في اتجاهين، الأول: تدعيم القوة الناعمة؛ حيث بات الفضاء السيبراني مسرحاً لنشر المعلومات المضللة، والحرب النفسية، والتأثير في توجهات الرأي العام، والنشاط السري والاستخباراتي، أما الاتجاه الآخر: فيتعلق بتبني الدول لزيادة الإنفاق في سياسة الدفاع السيبراني، وحماية البنى والشبكات الوطنية من خطر التهديد، وبناء مؤسسات وطنية للحماية الإلكترونية. إن المعيار التاريخي الأول للقوة كما معروف هو المقياس العسكري الذي ساد سابقا، لكن اليوم ضعف تأثير هذا المقياس على أهميته، بعد أن تبيّن أن القطاع العسكري قد يستنزف طاقات الدولة على حساب قطاعات أخرى مهمة وضرورة لبقائها. وللإشارة هنا، فإن ثمة العديد من العلماء وفقهاء السياسة والمفكرين الاستراتيجيين قاموا على مدار العقود الماضية بإصدار دراسات عديدة تتناول أساليب قياس العناصر التي تدخل في حساب قوة الدولة لكن شاب هذه الدراسات الكثير من الاختلافات والتباينات؛ إذ ما زالت هناك نقاط تثير جدلا حول أساليب القياس ومؤشراتها وتعددت مناهجها وأساليبها بهدف التوصل لرؤية جديدة تتماشى مع المتغيرات التي فرضت نفسها، على موضوع «قوة الدولة» كواحد من أبرز الاهتمامات الأساسية في الدراسات الجيوستراتيجية المعاصرة، ليس فقط بالمعنى الضيق للقوة العسكرية وحدها، ولكن أساساً بالمعنى الحضاري الأشمل، هذا الحديث ليس موضع تشكيك أو تقليل من شأن وقيمة عناصر القوة التقليدية، لكننا نشهد اليوم دخول قوة تأثير الفضاء السيبراني، والقدرة على الابتكارات العلمية التي أصبحت عناصر رئيسية في تحديد أوزان ونفوذ الدول، وحجم مكانتها بين الأمم، وهذا ما يتفق عليه الكثير من دارسي العلاقات الدولية على أن عناصر قوة الدولة التقليدية على أهميتها لم تعد حاسمة في تعريف مفاهيم القوة بعد المعطيات الجديدة التي فرضها العصر الرقمي، والتي وضعت بصمات دامغة على موازين القوى الدولية، إضافة إلى إحداثها تعديلات على بعض مؤشرات قياسها. بناء على هذا الأساس، فقد وضعت دراسات عديدة معايير في ترتيب قوة الدول بالنظر إلى «الوزن السيبراني» من حيث أعداد مستخدمي الهواتف الذكية والإنترنت، وشبكات تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات بالمقارنة مع إجمالي عدد السكان، وكذلك الاختراعات السنوية ودرجة التنافسية الرقمية التي تقيس مدى الاستعداد لتطوير تكنولوجيات جديدة، والقدرة على استغلال الابتكارات الجديدة والبناء عليها. هذا بالإضافة إلى ظهور نماذج قياس في الآونة الأخيرة تقيّم القدرات السيبرانية للدولة القومية والقوة الوطنية وتصنفها وفق مؤشرات الاستراتيجية والعقيدة مثل الحكم والقيادة والسيطرة؛ القدرة الأساسية للاستخبارات السيبرانية؛ التمكين والاعتماد على الإنترنت؛ الأمن الإلكتروني؛ الريادة العالمية في الفضاء السيبرانية، وقدرة الهجمات الإلكترونية. وعليه، بما أن العالم يتجه نحو التفاعل المتزايد عبر الإنترنت والتكنولوجيا، يصبح «الوزن السيبراني» عنصراً رئيسياً في العلاقات الدولية وأمرًا لا غنى عنه في تحقيق والحفاظ على القوة الوطنية والتنافسية في الساحة العالمية.

816

| 07 سبتمبر 2023

قوى صاعدة نحو الريادة السيبرانية

التنافس الدولي في مجال الفضاء السيبراني أصبح في غاية الأهمية في العصر الحديث، حيث يشهد العالم تزايداً ملحوظاً في استخدام التكنولوجيا الرقمية بمختلف جوانب الحياة، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والأمن والدفاع والقطاعات الحياتية الأخرى.تختبر الدول الصاعدة في الفضاء السيبراني تحولًا ملحوظًا، إذ باتت تتجه نحو تطوير وتعزيز قدراتها السيبرانية بهدف المنافسة على الساحة الدولية وتحقيق الاستقلالية التقنية. ويعتبر هذا التطور تحدياً وفرصة في آن واحد للدول الراغبة في تعزيز تأثيرها وأمانها في هذا الفضاء. هذا ورغم هيمنة القوى العظمى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا كلاعبين عالميين عند ممارسة القوة السيبرانية في الفضاء الإلكتروني فقد وفر الأخير فرصاً جديدة لدول مثل الهند وكوريا الشمالية وإيران وإستونيا والبرازيل وفنزويلا وغيرها من الدول التي تفتقر إلى القدرات التقليدية في هذا الصدد للتأثير في العلاقات الدولية والسياسات العالمية، والسعي بقوة لتحقيق مصالحها وأدركت واستغلت إمكانات القدرات الإلكترونية في مرحلة مبكرة لتصبح بمثابة قوى صاعدة بهذا المجال.تاريخيًّا، ارتبطت القدرات السيبرانية بالدول الكبيرة التكنولوجية والاقتصاديَّة. ولكن في العقود الأخيرة، شهدنا ظهور قوى صاعدة تمتلك قدرات سيبرانية منافسة. تعزز هذه القوى تصاعديًا في مجالات متعددة، بدءًا من التجسس السيبراني ووصولًا إلى التكنولوجيا الحيوية. فمثلا، تسعى الهند لتطوير قدرات سيبرانية متقدمة بهدف تحسين الأمن السيبراني وتعزيز قدراتها التكنولوجية. وتُعَدّ الهند لاعباً مهماً في قطاع التكنولوجيا، وهناك إيران التي بالرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها إلا أنها نجحت في تطوير قدرات سيبرانية تستخدمها للدفاع والهجوم، واعتمدت كوريا الشمالية على الهجمات السيبرانية كجزء من استراتيجيتها العسكرية، حيث استهدفت العديد من الدول بعمليات قرصنة تستهدف السرقة والتجسس. هذه الدول وغيرها تظهر قدرات سيبرانية متنوعة في دول صاعدة أخرى، تمثّل هذه التطورات تحديًا للقوى التقليدية، فهي تقدم منصة جديدة للتنافسية وتوسيع رقعة التأثير على الساحة الدولية، لننظر مثلا إلى فنزويلا التي أصبحت رقما مهما في رحى الصراع السيبراني، هذه الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية والتي عانت وما زالت من أزمات إنسانية عديدة من نقص الغذاء والتضخم المفرط والفقر المدقع، ولديها أسوأ نمو اقتصادي في العالم، وأسوأ عملة محلية، وأسوأ معدل تضخم، وأسوأ نسبة بطالة، بالإضافة إلى معاناتها من نقص حاد في السيولة والأدوية وغيرها، وعدم قدرة البلاد على إطعام شعبها أو توفير إمدادات الكهرباء والمياه، فقد أضحت لاعبا جادا في مجال الفضاء السيبراني من حيث قدراتها السيبرانية باتباعها استراتيجية منذ عدة سنوات - وهي استراتيجية يصفها المحللون الدوليون- بأنها قوية للغاية. دولة أخرى مثل إستونيا تعتبرُ اليوم مرجعا مهما ولربما الأهم عندما يتعلق الأمر بالأمان على شبكة الإنترنت، كما أن عاصمتها تعتبرُ موطنا لمركز الدفاع الإلكتروني لحلف الناتو. إن مصادر القوة التقليدية، مثل القوة العسكرية والاقتصادية أو «الغنى والفقر»، لم تعد شرطاً أساسياً للنجاح في الفضاء السيبراني، فالدول السابقة الذكر تحتاج إلى موارد قليلة لبناء قدراتها الإلكترونية واستغلالها لإبراز نفوذها، لكن تبقى هذه الدول مستخدمة للقدرات السيبرانية وليست منتجة لها وبالتالي تواجه تحديات مشتركة ومتنوعة في مجال الفضاء السيبراني، بما في ذلك تطوير تكنولوجيا قوية وآمنة، وتأمين البنية التحتية الحيوية، وتطوير استراتيجيات ردع فعالة للحد من التهديدات السيبرانية. فالتنافس الدولي في هذا المجال يعلي من شأن وأهمية التعاون الدولي الفعّال لتعزيز الأمان والاستقرار السيبراني على مستوى العالم.

2175

| 31 أغسطس 2023

نحو عالم شديد الاتصال

يميل الإنسان بطبعه إلى التفكير في المستقبل. أحيانا كثيرة نجد أنفسنا نتساءل عن الخطوات والمراحل التالية في حياتنا، وما قد يخبئه المستقبل من تكنولوجيا وابتكارات علمية، ومن هذه الأسئلة ما سيؤول إليه الفضاء السيبراني والتسارع المطرد في توسعه وتطوره؟ وما الذي يحمله هذا المستقبل للأشخاص والبيانات على الشبكة العنكبوتية؟ هل سنستمر في استخدام بطاقات الائتمان خلال عقد من الزمن أم سيتم استبدالها؟ هل سيقابل التقدم في الطب تقدم في حماية السجلات الصحية الشخصية؟ هل ستكون حماية الخصوصية أكثر قوة أم أنها أصبحت شيئًا من الماضي إلى حد كبير؟ وكيف ستؤثر التكنولوجيا على حياتنا في المستقبل، بطرق إيجابية وسلبية؟ قبل عقد من اليوم أصدرت مايكروسوفت تقريرًا بعنوان «الفضاء الإلكتروني 2025: قرارات اليوم، تضاريس الغد» وكان السؤال المركزي يدور حول المستقبل، وكيف ستؤثر الخيارات التي تتخذها المنظمات في الوقت الحاضر على قدرتها على تشكيل التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية بعد عقد من ذلك الوقت؟ تقرير مايكروسوفت تساءل أيضا عن الشكل الذي سيغدو إليه الفضاء الإلكتروني بحلول عام 2025؟ فثمة أكثر من 91 في المائة من الناس في البلدان المتقدمة وما يقرب من 69 في المائة في الاقتصادات الناشئة سيستخدمون الإنترنت. العالم سيشهد تغيرات غير عادية في هذا الفضاء، مما يعني النمو المتزايد في الاتصال بشبكة الإنترنت والأجهزة الرقمية، والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة، والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي... وغيرها من المواضيع ذات العلاقة التي تلوح في الأفق بشكل كبير على أجندة اليوم وطاولة الغد. القوة التحويلية للتكنولوجيا والاتصال، والتحولات الديموغرافية في الاقتصادات المتقدمة والناشئة، والفجوات المتزايدة في المهارات التي تدعم عالما يعتمد بشكل كبير على الإنترنت كانت أحد المواضيع التي سلط التقرير الضوء عليها وقدّم ثلاثة سيناريوهات للعالم في عام 2025، استندت جميعها إلى نموذج قياسي بالاعتماد على أكثر من 100 مؤشر اجتماعي واقتصادي بإشراف كبار الباحثين والمؤسسات متعددة الأطراف مثل المنتدى الاقتصادي العالمي وخبراء آخرين حول القضايا التي ستؤثر على العالم بغض النظر عن السيناريو الذي سيؤتي ثماره. ما يلفت الانتباه في التقرير هو أن قوة وسرعة التغيير التكنولوجي ستشكل تحديات وفرصا للأفراد والمنظمات المجتمعية والشركات والحكومات على حد سواء ويتمثل أحد التحديات الأساسية التي تواجه صانعي السياسات الحكومية في كيفية موازنة التغيير التكنولوجي الهائل وإدارة الجيل الجديد من المخاطر في نفس الوقت وأن مفتاح النجاح لذلك المشهد هو الإعداد والتوازن وعلى صانعي السياسات والشركات والمنظمات المجتمعية الاستعداد بشكل أفضل للتغييرات التكنولوجية المقبلة والاستفادة من التطورات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمعالجة قضايا مثل الحوكمة والرفاه الاجتماعي والاقتصادي؛ وتمكين جميع أصحاب المصلحة من التفكير بعناية في كيفية تأثير خيارات السياسة الحالية على النتائج المستقبلية. بحلول عام 2025، سيكون هناك شمال عالمي غني بالأجهزة وجنوب عالمي غني بالبشر. بغض النظر عن نصف الكرة الأرضية، فإن الغالبية العظمى من اتصالات الإنترنت الجديدة ستكون متنقلة. وفي عالم شديد الاتصال، سيأخذ أمن واستقرار الإنترنت وحوكمتها أهمية أكبر لصناع القرار والشركات والمواطنين. وسيتم في ذلك العام توصيل أكثر من مليارات الأشخاص وعدد لا يحصى من الأجهزة بالإنترنت، وسيكون هناك ما يقرب من 20 مليونا من خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات سنويا، وأكثر من ثلاثة أرباعهم من الاقتصادات الناشئة. وهذا يؤكد على قدرات إدارة المخاطر الحالية عبر جميع السيناريوهات الثلاثة لكل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة. العالم يتجه بسرعة نحو الاتصال في كل مكان والذي من شأنه أن يغير بشكل أكبر كيف وأين يربط الناس المعلومات ويجمعونها ويشاركونها ويستهلكونها.. السؤال هنا: هل يمكن للتكنولوجيات أن تساعد في جعل عالمنا أكثر إنصافًا وأكثر سلمًا وأكثر عدلًا؟ الإجابة قد تكون لا، لأن مجموعة صغيرة من شركات التكنولوجيا الكبرى تسيطر اليوم على أهم وسائل التواصل بين الناس «عند مستوى لم يسبق له مثيل في التاريخ». المستقبل لا يشي بتغير إيجابي على هذا الصعيد، بل على العكس، يتجه العالم نحو مزيد من تركز الثروات وتركز تكنولوجيا الاتصالات في أيدي الشركات الكبرى، وهذا سيؤثر بشكل كبير في تحديد من هو مرحب به في السباق المحموم عبر الفضاء السيبراني من عدمه!

444

| 24 أغسطس 2023

alsharq
السفر في منتصف العام الدراسي... قرار عائلي أم مخاطرة تعليمية

في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...

2025

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
قمة جماهيرية منتظرة

حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي...

1635

| 28 ديسمبر 2025

alsharq
محكمة الاستثمار تنتصر للعدالة بمواجهة الشروط الجاهزة

أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...

1152

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
الملاعب تشتعل عربياً

تستضيف المملكة المغربية نهائيات كأس الأمم الإفريقية في...

1089

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
بكم تحلو.. وبتوجهاتكم تزدهر.. وبتوجيهاتكم تنتصر

-قطر نظمت فأبدعت.. واستضافت فأبهرت - «كأس العرب»...

1020

| 25 ديسمبر 2025

alsharq
حين يتقدم الطب.. من يحمي المريض؟

أدت الثورات الصناعيَّة المُتلاحقة - بعد الحرب العالميَّة...

792

| 29 ديسمبر 2025

alsharq
لماذا قطر؟

لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...

672

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
معجم الدوحة التاريخي للغة العربية… مشروع لغوي قطري يضيء دروب اللغة والهوية

منذ القدم، شكّلت اللغة العربية روح الحضارة العربية...

537

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
أول محامية في العالم بمتلازمة داون: إنجاز يدعونا لتغيير نظرتنا للتعليم

صنعت التاريخ واعتلت قمة المجد كأول محامية معتمدة...

492

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
عولمة قطر اللغوية

حين تتكلم اللغة، فإنها لا تفعل ذلك طلبًا...

459

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
أين المسؤول؟

أين المسؤول؟ سؤال يتصدر المشهد الإداري ويحرج الإدارة...

459

| 29 ديسمبر 2025

alsharq
لُغَتي

‏لُغَتي وما لُغَتي يُسائلُني الذي لاكَ اللسانَ الأعجميَّ...

450

| 24 ديسمبر 2025

أخبار محلية