رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في صيف عام 1993، صدر مقال من عشرين صفحة لخبيري الدفاع الأمريكيين جون أركيلا وديفيد رونفلدت بعنوان «الحرب الإلكترونية قادمة» توقعا فيه العديد من التحديات التي سيواجهها ممارسو الأمن القومي الغربي في السنوات التالية. وتضمنت الورقة تأكيدًا ملهمًا على تأثيرات التحول الاجتماعي لتكنولوجيا المعلومات، وأن المفاهيم السيبرانية يمكن أن تحول من طبيعة الحرب ودور الجيوش، والتنظيم العسكري والعقيدة، فضلاً عن الاستراتيجية والتكتيكات وتصميم الأسلحة التي دعيا إلى ضرورة إعادة تعريفها بينما أشارا إلى أن الحرب السيبرانية وحرب الشبكات هما شكلان ناشئان من الحرب يستحقان دراسة أكبر. ثلاث عشريات من السنين مضت على توصيف أركيلا و رونفلدت لظاهرة «الحرب السيبرانية» حيث كانت لديهما فرضية وهي أن ثورة المعلومات والاتصالات ستغيّر من طبيعة الصراعات المسلحة، وسنحتاج إلى لغة جديدة لوصفها. وحينما أشارا إلى «تحول في طبيعة الحرب» في ذلك الوقت، بدا حديثهما حينها أمراً مبالغا فيه، لكن مع الوقت بدأ التحول في طبيعة الحرب يأخذ مجراه فعلاً، ويأخذ منحى غير مسبوق في عمليات القرصنة والاستيلاء على المعلومات السرية وتهديد المؤسسات الحكومية في الدول العظمى حول العالم، وأضحت التفاعلات السيبرانية العدائية تفرض تهديداً متزايداً على البنى التحتية الحيوية للدول، وهو ما أثار المخاوف بأن تتسبب في اندلاع صراع شامل بين دولتين أو أكثر، خاصة مع تصاعد وتيرة تلك الهجمات واتساع تأثيرها وكُلفها الباهظة. تأسيساً على ذلك، أصبحت الحرب السيبرانية تحظى باهتمام كبير من قبل مراكز الأبحاث والمختصين والممارسين وصانعي السياسات ومنظري الأمن، بعد أن أصبح مثل هذه الحروب (التي لا تحكمها قواعد قانوينة أو سياسية عرفية) احد العناصر المؤثرة في العلاقات الدولية نتيجة انتقال جزء كبير من الصراعات بين القوى العظمى في العالم، إلى شبكة الإنترنت والوسط الرقمي. وبات العالم أمام شكلين من أشكال الصراع فى عصر المعلومات هما حرب الشبكات، وحرب الفضاء السيرانيCyber war & Net war اللذان يشيران إلى النمط الخاص بطبيعة الصراع، والتوجيه المعلوماتي الشامل للمعركة. وتعد الحرب الإلكترونية من الصراعات عالية الشدة high- intensity conflicts، أما حرب الشبكات Net war فتمثل نوعاً من الصراعات منخفضة الحدة Low-intensity conflict، ولا يتكون الفضاء السيبراني فقط من شبكة من الاتصالات بل يتكون كذلك من المعلومات التى تنتقل من خلال الشبكة، وأهم ما يميز مجتمع المعلومات القيمة الاقتصادية والميدانية بالنسبة إلى الجهات العسكرية، وكلما زادت الفاعلية فى إدارة تلك المعلومات زادت الفائدة التى يمكن الحصول عليها، وأصبح تفوق المعلومات من القيم الأساسية للقوة العسكرية، وأصبحت المعلومات مجالاً للسيطرة والتحكم. إنّ الحرب الإلكترونية أو الحرب السيبرانية باتت مفهوماً جديداً على صعيد الصراعات الدولية في القرن الواحد والعشرين، فهي تستهدف الحواسب والمواقع الإلكترونية، وتشمل عمليات تسلل وزرع برمجيات ضارة للتجسس، أو ما يطلق عليه عمليات اختراق أو (قرصنة إلكترونية). ومن هنا باتت الأطراف الدولية تتسابق لاستغلال هذا المجال، إذ تمتد مسارح الحروب الإلكترونية الى قيعان المحيطات، والى الطبقات العليا للفضاء الخارجي، وقد يستخدم فيها مختلف تقنيات النظم المتقدمة من المراقبة والكشف والقيادة والسيطرة والإعاقة والخداع ورصد الأهداف وتوجيه الضربات، فالتطور الالكتروني الذي شهده عالم التكنولوجيات الرقمية والالكترونية الكونية خلال العشرية الماضية شهد تنافسات شديدة بين دول المعمورة وبات ما يجري من هجمات سيبرانية يؤرق الفواعل الدولية، فهذه الهجمات ذات كلف منخفضة وتأثيرات عالية وتمتاز بالصمت، ومرونة الوقت وسرعة الأداء وقوة التأثير وشبه انعدام معرفة هوية المهاجم والخلفيات الأيديولوجية، وغيرها من الصفات التي تجعل منها حربا شديدة الخطورة. فعلى سبيل المثال: يقدّر الضرر الذي تلحقه الهجمات الإلكترونية بالاقتصاد العالمي ما يزيد على تريليون دولار سنوياً. بينما من المتوقع أن تكلّف جرائم الإنترنت العالم 8 تريليونات دولار أمريكي في عام 2023، وبهذا فستكون الجريمة الإلكترونية ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. كما تتوقع تقارير متخصصة بازدياد تكاليف الأضرار الناجمة عن الجرائم السيبرانية العالمية بنسبة 15 في المائة سنوياً على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة، لتصل إلى حوالي 10.5 تريليون دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2025 وهنا نتحدث عن تلف البيانات وتدميرها، وسرقة الأموال، والملكية الفكرية، وسرقة البيانات الشخصية والمالية، والاختلاس، والاحتيال، وتعطيل المسار الطبيعي للأعمال واستعادة وحذف القرصنة وتدمير الأنظمة والإضرار بالسمعة. مما لا شك فيه أن الهجمات السيبرانية قفزت إلى واجهة الأحداث في السنوات الأخيرة، وفرضت نفسها على واقع العلاقات الدولية والاقتصاد العالمي، بسبب تأثيرها البالغ والخطير. بينما يبقى السؤال معلقاً حول استعداد العالم لمواجهة اندلاع حروب سيبرانية إقليمية أو دولية واسعة النطاق قد تسحب القوى المتصارعة من الفواعل الدولية وغير الدولية للانزلاق إلى حروب تقليدية أو هجينة في ظل عدم وجود قوانين أو إجراءات تحدّ أو تمنع من نشوب أشرس المعارك الصامتة التي لا تدور في الجغرافيا الطبيعية وإنما في عوالم الفضاء السيبراني.
1299
| 16 مايو 2023
أدت التطورات الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) على مدى العشرية المنصرمة إلى ظهور العديد من المناقشات حول التأثيرات العسكرية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية المحتملة لهذه الثورة التقنية، حتى غدا سلاحاً يتم توظيفه في علاقات الدول ومحط تنافسِ بينها. إذ يمثل الذكاء الاصطناعي أحد أهم وأخطر إفرازات الثورة التكنولوجية الرقمية التي توهجت في العصر المعلوماتي (الثورة الصناعية الرابعة) نتيجة لما انبثق عنها من تطبيقات ذكية أثّرت في مختلف مناحي الحياة، فأهم ما يميز هذه الثورة (التي نعيش في بدايتها) بأنها توفر التقنيات التي تجعل الإنسان قادراً على صناعة الذكاء الاصطناعي، من خلال توظيف خدمات الإنترنت، والروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والواقع الافتراضي، والبيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء... التي أحدثت العديد من التغييرات الواسعة النطاق في حياة البشرية. وبعيداً عن الخوض في افتقار هذا الجانب للأطر والتشريعات القانونية والأخلاقية، وفوائد هذا التطور في أتمتة التعاون بين أنظمة الأعمال المختلفة وتسهيل المهام الشاقة للمؤسسات وتطبيقاته المتعددة في الطب والتعليم والاتصالات؛ فإنّ انتشار الذكاء الاصطناعي أدى في كثير من المجالات إلى طفرة حقيقية نلمسها في حياة الرفاهية للإنسان في الوقت الراهن. كثيرٌ من المفكرين ومنهم كسينجر في كتابه المشترك «عصر الذكاء الاصطناعي: ومستقبل الإنسان» الصادر في نوفمبر 2021، يدرك وآخرون حجم التحدي الهائل الذي تفرضه التقنية الرقمية بصفة عامة، والذكاء الاصطناعي بصفة خاصة على المفاهيم المتجذرة عبر القرون سيما على مفهوم القوة، وتأثير الذكاء الاصطناعي على التقينات العسكرية مثل الأسلحة السيبرانية المعززة بهذا الجانب. ومع ذلك، فقد تم إيلاء القليل من الاهتمام المستمر لتأثير الذكاء الاصطناعي على العلاقات الدولية أو كيفية تأثير التكنولوجيا على عمل واضعي السياسات وصناع القرار. اليوم تجري النقاشات حول تأثير الذكاء الاصطناعي في مفهوم العلاقات الدولية والعملية السياسية والدبلوماسية. فقد أثار بدء التعلم العميق والشبكات العصبية في أواخر العقدين الماضيين موجة جديدة من الاهتمام بالذكاء الاصطناعي وزيادة الإيجابية في إمكانية تنفيذه في عدد من الأنشطة، بما في ذلك السياسة الخارجية وتطبيقه على مجموعة واسعة من الأنشطة القنصلية والدبلوماسية وفي أجندة ذات موضوعات واسعة متباينة التخصصات تتراوح بين الاقتصاد والأعمال، والأمن، وصولاً إلى ترسيخ ونشر مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. صحيح أن موضوع الذكاء الاصطناعي مازال محل نقاش كبير بين الخبراء والعلماء، لكنه من المتوقع أن يصبح أحد التقنيات الرئيسة في القرن الحادي والعشرين التي يمكن أن تؤثر على الطريقة التي تُدار بها العلاقات بين الدول وتوفر أدوات في الدبلوماسية والسياسات الخارجية والعالمية وتعزيز أهمية القوة «الناعمة» في خطاب تلك الدول من خلال عدة مستويات تتمثل في توزيع مهارات إدارة المعلومات، والميزة الاقتصادية التنافسية وكذلك جمع المعلومات الإستراتيجية والاستخبارية وتحليلها. اليوم نرى محاولات لإدخال الذكاء الاصطناعي في عملية تقييم العلاقات بين الدول، والإسهام في عملية صنع القرار المبني على الكم الهائل من المعلومات وجداول التحليل. الصين بهذا الجانب خطت خطوة متقدمة في توظيف تقينات الذكاء الاصطناعي في مجال العلاقات الدولية؛ عندما قرر الرئيس الصيني «شي جين بينغ» إدخال جدول أعمال الذكاء الاصطناعي في السياسة الخارجية لبلده، داعياً إلى فتح آفاق جديدة في الدبلوماسية بالاعتماد على هذه التقينات الفائقة التطو. وبدأت البرامج التي أنشأتها الحكومة الصينية تأخذ زخماً كبيراً من المعلومات بهذا الشأن حتى تداول الأخبار حول الإعلان عن أول سفير لها في هذا العالم الافتراضي «ريبوتاً». المعروف أن الصين كانت سباقة في اعتماد تقنية الذكاء الاصطناعي ولديها «خطة الجيل الجديد» لتكون رائدة العالم في هذا المجال بحلول عام 2030، واستخدمت الصين نظام «وو داو» (Wu Dao)، الذي يحاول محاكاة الدماغ البشري وشكّل قفزة في عالم التعلم الآلي، وجعل قدرات الصين في مجال الذكاء الاصطناعي تتفوق على مثيلاتها في العالم. وهذا النظام يأتي في قلب سياسة الصين لجعل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي جوهر خطتها التكنولوجية والاقتصادية التي أعلنتها أول مرة سنة 2017، وهي الخطة التي أثارت قلق الحكومات الغربية بشأن الاستخدامات غير المشروعة لتقنية الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل المراقبة والحروب، لا سيما أن هذه التقنية باتت تثير حماس المستثمرين، الذين يريدون انتهاز الفرص التجارية الضخمة التي تقدمها هذه التقنية. كما توصل السياسيون والباحثون في الصين للتفكير في الذكاء الاصطناعي كمساعد في صنع القرار اليومي بحيث يمكن أن يقدم المدخلات والاقتراحات والتوصيات في غضون ثوانٍ. المثير قيام الأكاديمية الصينية للعلوم ببناء خوارزميات التعلم الآلي التي يتم تنفيذها واستخدامها في وزارة الشؤون الخارجية. عود على بدء، فإن “الروبوتات” التي بدأت في أعمال بسيطة، كالعمل في المطاعم والمقاهي والأسواق والمطارات والمستشفيات.. ومشاركة الروبوتات في التحكيم الرياضي..وتنبؤات الذكاء الاصطناعي بمن سيفوز من عدمه، بدأنا نشاهد هذه الروبوتات تحتل مقاعد الدبلوماسيين في المنظمات الدولية كما هو حاصل في الصين، ولا يستبعد مراقبون أن يكون لها دور مستقبلا في صناعة العديد من القرارات، وتحديد مصائر الشعوب. إنّ الذكاء الاصطناعي (الذي من المتوقع يكسر نمو الإيرادات العالمية فيه حاجز 500 مليار دولار في عام 2023) لم يعد قضية اقتصادية بحتة، بل أيضا أداة سيطرة وهيمنة وبات جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ابتداءً من مساعدتنا في التنقل في المدن وتجنب زحمة المرور، وصولاً إلى استخدام مساعدين افتراضيين للمساعدة في أداء المهام واتخاذ القرار القرارات والمفاضلة بينها.
510
| 27 مارس 2023
يقول عالم الاجتماع الألماني هارتموت روزا: "إننا نركض لنظل في نفس المكان، نطارد زمنا لا يتوقف، ولو توقفنا ثانية واحدة عن الجري وراء العمل والبريد الإلكتروني ومواعيدنا والتزاماتنا وأموالنا والزمن المسرع، لسقطنا في هاوية البطالة والفقر والنسيان والنبذ الاجتماعي". وهذا الكلام إلى حد ما صحيح؛ لأنّ الزمن في تسارع، والتسارع التقني في العمل، وأمام الشاشات وفي وسائل النقل؛ كل ذلك يؤدي إلى تسارع محموم في وتيرة حياتنا. أصبحت المهام والأعمال تتغير بشكل دراماتيكي، اختلفت تقاليد المهنة والمهارة في أدائها، وصار المدى القصير هو معيار التعامل، وتتابع الأحداث بلا نهاية. ويخلص هارتموت بقوله: "إن أحساسنا بعدم وجود الوقت، وبأن كل شيء، بما في ذلك حياتنا، يمر بسرعة فائقة، وشعورنا بالعجز عن تخفيف هذه السرعة يقلقنا ويزيد من توترنا. صدقوني، إنني أخاف من هذا التسارع الذي جعل علاقاتنا اليوم على شكل برقيات (مسجات) سريعة كسرعة البرق، هذا التسارع الذي أفقدنا متعة الفرح والسعادة، وكأنّ حالنا أشبه بحصان مجهد أنهكه الركض في الصحراء. يصارع الإنسان الوقت بكل لحظاته، سواء أكانت جميلة أم قبيحة، كبيرة أم صغيرة، حلوة أم مرّة، جيدة أم سيئة، عظيمة أم مخزية... فقط ليصل إلى مبتغاه ومراده. الفيلسوف اليوناني القديم هريقليطس قال يوماً: "لا يمكن أن نخطو في نفس النهر مرّتين"، والمعنى الكامن في هذه العبارة هو أن كل شيء في هذه الحياة مآله إلى التغيّر والتبدّل المستمرين. فمياه النهر في حال تدفّق وفيضان دائمين. وماء النهر في هذه اللحظة هو غيره بعد دقيقة أو حتى بعد ثانية. إنّ الإنسان لا يستطيع أن يخطو في نفس النهر مرتين؛ لأنّ النهر في المرة الثانية سيكون قد تغيّر وتبدّل، ولا يعود هو نفسه. لكن يمكن أن ينصرف معنى العبارة أيضاً إلى أنّ الإنسان نفسه في حالة تغيّر دائم؛ فأنت الآن غير ما ستكون عليه بعد لحظات، المشاعر والأحاسيس والأفكار تتغيّر باستمرار، وهذا من طبيعة الإنسان. ولا يبتعد كثيراً عن هذا المعنى قول آخر منسوب إلى الكاتب إسحاق أزيموف رائد روايات الخيال العلمي، إذ يقول: "التغيير هو الثابت الوحيد في هذه الحياة". الزمن يسير بتسارع مثل الزئبق يصعب الإمساك به، فالأيّام تركض والليالي تجري، وما يبدأ أسبوع حتى ينتهي، وهكذا دواليك. ففي عالم أصبحت فيه السنوات كأنها أشهر، والأشهر أيام، لا تلزمنا مهدئات ولا نكت وطرائف ومسليّات؛ يلزمنا محاولة للملمة ثنايا دقات هذا الزمن المتسارع، ينقصنا إشارة مكتوب عليها "توقف" أو تمهل قليلاً، إشارة تحدد لنا مسيرنا واتجاهنا الذي نريد؛ كي لا تتداخل الممرات والطرقات ببعضها فتحصل الفوضى ونصطدم ببعض..فهل نحن فاعلون؟
1170
| 24 أغسطس 2022
حولت الابتكارات التكنولوجية السريعة والإبداع التشغيلي في الفضاء الإلكتروني إلى ظاهرة مؤثرة في هيكل القوة الوطنية للدول القومية، من هنا فإن ظهور الفضاء السيبراني لا يثير تحديات فحسب، بل يوفر أيضًا فرصًا للدول سيما النامية منها. وبالتالي؛ فإن التطورات التكنولوجية السريعة والأفكار المبتكرة تتغير باستمرار وتعيد تشكيل هذا العالم الافتراضي؛ ومن ثم فهو ديناميكي، ودرجة التغيير فيه كبيرة ودراماتيكية. على سبيل المثال، منذ حوالي ثلاثة عقود تقريبًا، كان الاتصال اللاسلكي في الأماكن العامة أمرًا لا يمكن تصوره، نعايش اليوم كيف أدّى إدخال الشبكة اللاسلكية إلى رفع مستوى الفضاء الإلكتروني إلى ارتفاع مختلف من حيث الكفاءة والراحة والانسيابية والسهولة في الاتصال والتواصل. ومع ذلك، فإنه يقدم أيضًا مجموعة جديدة من التهديدات والتحديّات، إذ يعد الاختراع الأخير للحوسبة الكمومية وهو (نموذج حوسبي نظري يتم من خلاله معالجة البيانات وعمليات الحوسبة من خلال قوانين "الكم") وهو أسرع مائة مليون مرة من أجهزة الحاسوب الموجودة. في حين أن هذا يوفر قوة حوسبة أعلى بكثير، يمكن للقراصنة أيضًا استخدام نفس الجهاز لاختراق الأوراق المالية بطريقة أسرع؛ وبالتالي تغيير مشهد الأمن السيبراني إلى حد كبير. هذه الديناميكية للفضاء السيبراني تتطلب الآن تقييم مجالات للإستراتيجيات السيبرانية الوطنية للعديد من الدول. إنّ أبرز التحديات الشائعة في صياغة الاستراتيجيات السيبرانية تتحدد في عدة أسباب، منها على سبيل الذكر لا الحصر: الافتقار إلى رؤية واضحة للشؤون الإلكترونية على المستوى الوطني، بحيث لا تمتلك معظم الدول النامية أي سياسة وطنية متماسكة فيما يتعلق بفضائها السيبراني، وكذلك الاعتماد الكبير على الأجهزة والبرامج المستوردة، إذ تعتمد عديد من الدول على استيراد التقنيات والتكنولوجيات الحاسوبية من دول متقدمة بهذا المجال وتستخدمها في قطاعاتها الحيوية مثل الدفاع والأمن والمؤسسات المالية الاقتصادية والحكومية، وبالتالي فإن هذه التبعية تشكل تهديدًا خطيرًا لأمن الدول القومي. أحد الأسباب الأخرى هو تخصيص ميزانية غير كافية للعمليات السيبرانية، نتيجة إحجام بعض الحكومات عن عدم منح الأموال الكافية للمنظمات "الهيئات" والمؤسسات ذات الصلة بالقضايا السيبرانية، وذلك بسبب عدم فهم أو لنقل إدراك كاف لجدية وأهمية هذا المجال على المستوى الوطني ودور الأمن السيبراني في عملية حماية الأنظمة والشبكات والبرامج ضد الهجمات الرقمية في ظل بزوغ مشهدٍ رقمي جديد، يعزز التعاون المتواصل لرصد المخاطر الجديدة. أضف لذلك عدم وجود هيكل وطني مناسب للتعامل مع الصراعات السيبرانية، فبعض الدول ليس لديها أي معهد/ مركز وطني متخصص ومتكامل يمكن أن يدير ويشرف على القضايا السيبرانية ويستجيب لأمن الفضاء الإلكتروني ويعزز أمن المعلومات بكل أشكالها، ناهيكم عن غياب ثقافة الأمن السيبراني المستمرة داخل الهيئات الحكومية البيروقراطية المترهلة في بعض دول العالم الثالث، إذ لا تمتلك معظم تلك الدول النامية سياسة ناظمة لرصد التهديدات على بنيتها التحتية الحيوية مثل البنوك وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية ومعاملاتها المالية وقطاعاتها الحيوية المختلفة، إذ يبدو أن بعض حكومات الدول النامية مترددة في بدء أي تغيير جذري في السياسة الحالية والجهاز الحكومي يعزز هذا التوجه وجود صعوبة في تبني التقنيات المتغيرة بسرعة في الوقت المناسب والافتقار إلى مبادرات البحث والتطوير للمنتجات الرقمية المحلية مع غياب مراكز البحث والدراسات والتطوير في كثير من الدول النامية دون وجود استفادة من الخبرات المتاحة. يمكن القول بناء على هذه المعطيات إنه من الصعوبة بمكان أن تكون هناك دول حديثة ومتطورة ومزدهرة دون إيجاد حلول تتغلب على المشاكل الواردة في النقاط أعلاه، ودون وجود نظام موثوق وقوي لضمان أمن مجالها وفضائها السيبراني؛ فهذا الأخير يمثل في الوقت نفسه فرصة عظيمة وواعدة وريادية دون إغفال جانبه المظلم والخطير والذي ينبغي إدارته بشكل صحيح ومدروس وفاعل. كيف لا ومعظم البنى التحتية لمختلف دول العالم المتقدم ترتكز على الفضاء السيبراني، القائم على تكنولوجيا تقنية المعلومات وتقنية الاتصالات، في كافة المجالات؛ الصناعية والعسكرية والأمنية والطاقة والمياه والصحة ومنظومة النقل وقطاع البنوك والمؤسسات المالية والحكومية، حتى أضحى جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي، ودخل في تغيير شكل الحروب وتقنياتها وأساليبها بسبب تغير طبيعة تهديداته وإلحاق الضرر بالمؤسسات والمراكز الحيوية والاستراتيجية للدول. قد تنظر بعض البلدان والجهات الأخرى للفضاء السيبراني من منظور مختلف، فبعضها يرى أنه يشكل فرصة عمل واستثمار، أو وسيلة للتعبير عن الذات، بينما يرى بعضها الآخر أنه تهديد لأمنها القومي، في حين أن هناك العديد من الأمثلة على التكنولوجيا المستخدمة لأغراض خبيثة، تخبرنا التجارب أيضًا بأن الوصول الميسور التكلفة إلى تقنيات الاتصالات وتدفقات المعلومات العالمية يمكن أن يكون قوة للتقدم الاقتصادي والتكنولوجي والتفوق المعلوماتي والتكنولوجي. سيكون لمفهوم القوة السيبرانية تأثير واضح في السنوات القادمة على السياسة الدولية والصراع العالمي في ظل سباق تسلح متزايد في المجال السيبراني، حيث يرجح الخبراء بشدة أن تكون هناك ما يشبه الكارثة السيبرانية العالمية في المستقبل، مما قد يغير المواقف تجاه الأمن السيبراني بشكل عام وتجاه التعاون الدولي اللازم لتأمين هذا الفضاء وقوننته، بمعنى ضرورة السعي لحماية النظم والبنى الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعمل على رفع جاهزية المؤسسات في القطاعات العامة والخاصة للتصدي للهجمات السيبرانية، ورفع مستوى الوعي حول التهديدات المختلفة بهذا المجال. ولا ننسى بهذا السياق المنافسة المحتدمة لتشكيل حوكمة للفضاء السيبراني من خلال تطوير معايير ناظمة لهذا الفضاء، والتي تمثل استمرارًا لسياسات الدول الخارجية واستراتيجياتها المطبقة عليه، الأمر الذي أدى إلى تزايد "اللعبة الكبرى" على الشبكة العنكبوتية بين دول تحالف العيون الخمس (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا) والكتلة الصينية الروسية (الصين وروسيا). وهذه الأخيرة من القوى السيبرانية الرئيسية والقوية، إضافة إلى مؤسسات القطاع الخاص ورجال الأعمال الرائدين في الفضاء الإلكتروني، الذين تلعب قيادتهم دورًا أساسيًا في تعزيز التفضيلات المعيارية العالمية لتشكيل وإدارة المجال السيبراني لا بل هؤلاء الذين تسعى شركاتهم إلى تعزيز سيطرتها المركزية على جمع البيانات وتوزيعها أو تصريفها بوصفها بنكًا مركزيًا للبيانات والمعلومات. ومع ذلك، يدافع كل معسكر عن مجموعة من التفضيلات المعيارية التي تتعارض بطبيعتها مع الآخر؛ مما أدى إلى تزايد المنافسة على الهيمنة في وصف معايير الفضاء الإلكتروني والترويج له. فرغم الجهود المبذولة في قضايا حوكمة الفضاء السيبراني وتطوير المعايير العالمية لسلوك الدولة بهذا السياق، على مدار العقد الماضي تحديدًا، على الرغم من أن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين شهد جهودًا محدودة تهدف إلى التوصل إلى اتفاق دولي حول حوكمة الفضاء الإلكتروني، فقد شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين انتشارًا لمعايير الفضاء الإلكتروني العالمية، ومع ذلك فإن الطبيعة المتنازع عليها والتنافسية لبناء معايير الفضاء الإلكتروني العالمي تشير إلى أنه على الرغم من وجود قضايا قانونية وتقنية معقدة، إلا أن تطوير معايير الفضاء السيبراني لا يزال بطبيعته تنازعًا في القيم والأيديولوجيات والمصالح، أو كما يقول كارل فون كلاوزفيتز إن الحرب "هي مجرد استمرار للسياسة بوسائل أخرى". لنتذكر أن الدول الصناعية لا تسعى إلى صياغة معايير ناظمة في الفضاء الإلكتروني بشكل محايد من أجل بعض الصالح العام المجرد، بل تسعى بدلاً من ذلك إلى توسيع تفضيلاتها وحساباتها وقيمها الأيديولوجية وتعزيز مصالحها الاقتصادية والأمنية أولًا، لا بل ثمة اعتقاد بأن الفضاء السيبراني لابد وأن يتحرر من تدخل وديكتاتورية الحكومات خشية أن يفقد المستخدم يوما ما القدرة على الوصول إليه في ظل المؤشرات التي تؤكد على زيادة الحاجة إلى الرقابة على الإنترنت مع ازدياد أعداد المستخدمين مستقبلا.. ربما هذا ما دعا ناشط الإنترنت جون بيري بارلو بمخاطبة حكومات العالم الصناعية قائلًا: "يا عمالقة من لحم وصلب، أنا آتٍ من الفضاء السيبراني، من منزل الفكر الجديد، أسأل الماضي باسم المستقبل أن يرحل ويتركنا بسلام، فلم يعد من المرحب بكم بيننا، لا سيادة لديكم حيث نجتمع".
2555
| 23 يوليو 2022
قيل من قبل إن "البيانات هي النفط الجديد"، وأضافوا أنها أساس المعلومة، والمعلومة هي أساس المعرفة، والمعرفة والتجربة هما أساس الحكمة، ولا غنى عن المعرفة والحكمة في إدارة الأمور وقيادة الدول والمجتمعات. وللبيانات قيمة آخذة بالتوسع بكل الطرق والوسائل، وإذا كانت السياسة تتجه حقا إلى الثقافة فإن ساحة المعركة التالية للبيانات الضخمة ستحدث على ما يبدو في الساحة الجيوسياسية. في العصر الحديث ستكسر البيانات كلا من مساحة الأرض والآلات كأهم ركائز للاقتصاد، وسيتم شن الحروب، ليس من أجل النفط أو الأرض ولكن من أجل السيطرة على تدفق البيانات، فالأخيرة ستكون هي المحرك الرئيسي للاقتصاد وحتى شن الحروب. ليس عمالقة التكنولوجيا فقط من يتنافسون على البيانات من خلال جذب انتباهنا إلى الخدمات والمعلومات المجانية، مثل أمازون وأوبر وكريم وعلي بابا وفيسبوك وتويتر وغيرها، فهناك في بلدة "بلوفدايل" بين جبلي "واساتش" و"أوكيرا" بولاية يوتا الأميركية يقع المركز الأضخم للتنصت على الوسائط الإلكترونية والرقمية التابع لوكالة الأمن القومي الأميركي - وهي رأس مجموعة المؤسسات الاستخباراتية والأمنية في أمريكا - والمعروف باسم "مركز بيانات يوتا" (UTAH Data Center)، وهو منشأة تخزين بيانات تابعة للولايات المتحدة مصممة لتخزين بيانات بحجم إكسابايت أو أكبر، والهدف الرئيسي من المركز هو دعم مبادرة الأمن السيبراني الوطني الشامل "سي إن سي آي" (CNCI). وتدير وكالة الأمن القومي "إن إس إيه" (NSA) عمليات المركز الذي تتمثل مهمته في اعتراض وملاحقة وتحليل جميع أنواع الاتصالات، بميزانية تصل إلى ملياري دولار سنويا، إضافة إلى مهمة تخزين مستمر لكل ما يتم تداوله في الاتصالات الرقمية ومواقع التواصل وتطبيقات الشبكة العنكبوتية على امتداد الكرة الأرضية كلها، وتعمل فيه الحواسيب الأشد قوة وذكاء وتطورا، وأضخم الحواسيب المنتمية إلى فئة "سوبر كمبيوتر" القادرة على كسر الشفرة في كل أنواع الاتصالات، سواء سلكية أو تليفونية أو كابلات إنترنت، وعلى تخزين وفحص وترتيب وتصنيف مليارات المعلومات في الثانية الواحدة، ومتصلة بـ"شبكة المعلومات الشاملة"، ويرصد هذا المركز أيضا حركة شبكة الإنترنت وتطبيقاتها المتعددة وكل صفحات التواصل الاجتماعي، وبهذا المعنى فإن كل ما يدور في الفضاء السيبراني مرصود في يوتا ومستخدم في الفحص والتصنيف. إذن، هي حرب من أجل الاستئثار بالبيانات المتاحة على الشبكة العنكبوتية، ومعرفة اهتمامات الجماهير واتجاهاتها، وأي المطاعم التي يذهبون إليها، والشركات التي يبحثون عنها، والأسهم، وطلبات التوظيف، والوجهات السياحية، وتذاكر الطيران والفنادق، ثم تحليل هذه البيانات، وفهم توجهات الأفراد والأسواق من أجل التحكم في الأسواق والتوجهات، بل طرائق التفكير، وهي أكبر صناعة قائمة الآن، وهي التي جعلت من فيسبوك أكبر بلد على كوكب الأرض. هذا هو ما يعرف بـ"بيغ داتا" (Big data)، أي البيانات الكبيرة، وهي تشير إلى ذلك الكم الهائل من البيانات المتاحة، سواء كانت "مصادر متاحة للجمهور -البيانات المتاحة على شبكات التواصل الاجتماعي- البيانات المتدفقة"، أو سواء كانت لدى شركة معينة تحتكر بيانات تخصها وتخص العاملين والعملاء لديها، والأمر الحاسم هنا ليس في امتلاك البيانات، ولكن في تحويل تلك البيانات إلى معلومات، والمعلومات إلى معرفة. يعيش العالم اليوم حقبة تاريخية جديدة تتصف بالفن الصناعي المعتمد على العلم، ومن يملك التقنية يملك المعلومة، ومن يملك المعلومة يملك مفاتيح القوى والنفوذ والسيطرة. عالم ما بعد الثورة الرقمية الجامحة اليوم، وفي ظل تدفق المعلومات والبيانات الهائل في الفضاء الرقمي وهيمنة العالم الافتراضي على تفاصيل حياتنا ظهر العديد من التحديات الجديدة المرتبطة بسيطرة هذا العالم على حياة الإنسان في ظل اكتسابه قوة عالمية من خلال قدرة الثورة المعلوماتية والاتصالية الطاغية على جذب كافة شرائح المجتمعات وتقديمها بدائل تواصلية مجانية وفعالة. إن نظرة متفحصة اليوم الى التأثير المتعاظم لهذا العالم على حياة وواقع البشر تشير بوضوح إلى عمق السيطرة المتحققة لهذه الأجهزة الذكية وما تحمله من تطبيقات مبهرة ومتنوعة على حياة الإنسان بشكل يومي. إذا نظرنا إلى هذا العالم بلغة الأرقام نجد أكثر من 4.9 مليارات مستخدم فعال للشبكة العنكبوتية وحوالي 4.3 مليارات يدخلون إلى 198 مليون موقع فعال للإنترنت عن طريق هواتفهم الذكية، وما يزيد على 7 ملايين مقال يتم نشرها يوميا، وأكثر من 500 ساعة من الفيديوهات يجري تحميلها على اليوتيوب كل دقيقة حتى بات المستخدم يقضي ما يزيد على 6 ساعات يوميا على الإنترنت. لقد أحدث هذا العالم ثورة جديدة ستغير شكل الحياة البشرية تقودها التقنيات فائقة التقدم، فهي ثورة رقمية شاملة على مختلف المستويات، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وذلك لأن التطبيقات الذكية تتعدد وتتزايد بصورة يصعب حصرها، ثورة هائلة في كل مفصل من مفاصل حياتنا المهنية والعملية والعلمية والصحية والترفيهية والخدمية، وها نحن نشعر بتأثيراتها في ثقافتنا وسلوكنا ونمط غذائنا وعلاقاتنا وخصوصيتنا التي باتت مكشوفة، لا بل مسلوبة، حيث يستطيع أحدنا وهو في مكتبه أو غرفة نومه أو سيارته أو في مكان عمله أو في البنك والمؤسسة والسوق إنهاء معاملاته، وأن يضارب في الأسهم والسندات وشراء ما يلزمه والتواصل مع أي شخص في هذا العالم بكبسة زر. إن الثورة الرقمية الجامحة التي نعيشها اليوم هي أحد إرهاصات الثورة الصناعية الرابعة، بما تحمله إلينا من تغيرات معرفية وتكنولوجية مذهلة تقوم على الذكاء الاصطناعي بمختلف تطبيقاته وأطيافه في كل جوانب الحياة الإنسانية، حتى أن التحولات الرئيسية التي ستحدث في "مجتمع ما بعد المعلومات" ستؤدي بصورة كبيرة إلى إعادة صياغة كثير من المفاهيم القائمة على أساس "التخمة" المعلوماتية والاتصالاتية الضخمة وإنترنت الأشياء والقدرة الهائلة على معالجة البيانات وربط العالم بعضه ببعض، مما يدلل على أن البشرية في مرحلة انتقالية، وأن القادم سيكون أكثر غرابة وربما جنونا.
1035
| 01 يونيو 2022
في ظل تغلغل تكنولوجيا الاتصال الرقمية ودخولها معظم القطاعات الحياتية، وبسبب انتشار الشبكة العنكبوتية الواسع في حياتنا البشرية بعد أن ارتفع عدد مستخدمي الانترنت على مستوى المعمورة حتى كتابة هذه السطور إلى ما يقارب حوالي 4.95 مليار شخص وذلك وفقًا لإحصائيات عام 2022، وهذا الرقم يعادل تقريبًا 62% من إجمالي سكان العالم، أن هناك أكثر من 1.83 مليار موقع إلكتروني في عام 2021. تشهد شبكة الانترنت نموًا متسارعًا على مدار العقود الثلاثة الماضية، مما أدى إلى وضع تصور لبعد اتصال جديد باعتباره تمثيلًا للفضاء السيبراني، والذي يعتبر هذا الفضاء من أهم إنجازات الإنسان الحديث، كوسيلة اتصال جديدة تنشأ من أجهزة الحاسوب المترابطة كونيًا، ويمكن اعتبار هذا الفضاء البيئة الافتراضية التي طورتها أنظمة الحوسبة والمستخدمون الذين يتفاعلون داخلها، أو إن أردنا القول بأنه مجال يتميز بالاستخدام المترابط للطيف الكهرومغناطيسي والإلكترونات، والهدف منه هو بناء المعلومات وتعديلها وتبادلها واستخدامها ومشاركتها وحفظها والتخلص منها وتعطيل الموارد المادية. إن إحدى القنوات التي يؤثر بها الفضاء السيبراني على السياسة العالمية تتمثل في التحديات الجديدة التي يفرضها على الأمن الدولي، وتحديدًا في شكل عمليتين عدائيتين: التجسس الإلكتروني والهجمات والجرائم الإلكترونية. يمكن أن يؤدي التجسس الإلكتروني وظيفة استخراج المعلومات الحساسة والمحمية، إما لغرض التجسس الصناعي أو للحصول على أسرار حكومية. فوفقًا للتقديرات الحالية، يكلّف التجسس الصناعي الإلكتروني الاقتصاد الأمريكي 300 مليار دولار سنويًا، و121 ألمانيا 71 مليار دولار، وكوريا الجنوبية 82 مليار دولار، في حين أن 86 في المائة من الشركات الكندية الكبيرة كانت ضحايا التجسس الصناعي الإلكتروني في مرحلة ما. في جانب الهجمات والجرائم الإلكترونية فقد أضحت التهديدات السيبرانية أكثر خطورة سيما خلال العقد الأخير من هذا القرن، وهي تحدث بوتيرة أكبر وبشكل متسارع، بعض الإحصاءات المتعلقة بهذه المسألة لعام 2022 تبين لنا خطورة ما يجري؛ إذ إن ما نسبته 85% من انتهاكات الأمن السيبراني ناتجة عن خطأ بشري وحوالي 94% من البرامج الضارة تحدث من خلال البريد الإلكتروني، بينما هجمات برامج الفدية تحدث كل 10 ثوان وحوالي 71% من بين جميع الهجمات الإلكترونية لها دوافع مالية (تليها سرقة الملكية الفكرية، ثم التجسس) وتقدر الإحصاءات التكلفة العالمية السنوية للجرائم الإلكترونية بما يزيد عن 10.5 تريليون دولار وذلك بحلول عام 2025. ويبدو أن مستقبل الجريمة الإلكترونية بات أكثر قتامة من أي وقت مضى، إذ تظهر الأبحاث من موقع Cybersecurity Ventures أن الضرر الذي تسببه برامج الفدية سنويًا يمكن أن يكلّف الشركات 265 مليار دولار في جميع أنحاء العالم، وبمعدل هجوم كل 10 ثوانٍ للمؤسسات والمستهلكين. في الأشهر الستة الماضية فقط، زادت الهجمات الإلكترونية عالميا بنسبة 29٪ مع استمرار استغلال الجهات الفاعلة في التهديد لوباء كوفيد -19 حيث دخلت المجموعات التي تستخدم تكتيكات برامج الفدية عصرًا ذهبيًا، مع تزايد استخدام الابتزاز بوتيرة متسارعة بلغت ما يزيد عن 90٪ في أقل من عام. الشركة العالمية الرائدة في مجال الأمن السيبراني "تريند مايكرو إنكوربوريتد" ووفق تقريرها الجديد الذي أصدرته مؤخرا تشير فيه إلى سيناريوهات توضح كيف سيكون شكل العالم في العقد المقبل، وكيف سيتعامل قطاع الأمن مع الابتكارات المتطورة للجرائم السيرانية، ومما جاء في التقرير الذي يحمل اسم "Project 2030" أنه بحلول عام 2030 سيؤثر الاتصال بالانترنت على جميع مناحي حياتنا اليومية، وذلك على المستويين الجسدي والنفسي. وان الجهات الفاعلة للتهديدات السيبرانية ستطور من آلية عملها الخبيثة وتسيء استخدام الابتكارات التكنولوجية. ومن أبرز ما جاء في التوقعات الخاصة بالتقرير أن أدوات الذكاء الاصطناعي ستساهم في إضفاء الطابع الديمقراطي للجرائم الالكترونية لأن البيانات ستكون متاحة للجميع وليس فقط للمتخصصين في مجال تكنولوجيا المعلومات، وستتسبب الهجمات في إحداث فوضى بسلاسل التوريد وإلحاق الأذى الجسدي بالبشر عبر زرع أدوات سيبرانية، وسيكون من الصعب تجنب هجمات الهندسة الاجتماعية والمعلومات المضللة عندما تصبح البيانات متاحة بشكل أوسع عبر "أجهزة عرض البيانات بمستوى الرأس"، كما ستقوم بيئات إنترنت الأشياء الضخمة بجذب مجرمي الانترنت الذين سيشنون هجماتهم لاستهداف قطاع التصنيع والخدمات اللوجستية والنقل والرعاية الصحية والتعليم والبيع بالتجزئة والبيئة المنزلية، وبما أننا نرى الاتصال بشبكات 5G و6G في كل مكان، سيؤدي ذلك إلى حدوث هجمات أكثر تطورًا ودقة، كما جاء في التقرير أن القومية التكنولوجية ستصبح أداة جغرافية استراتيجية رئيسية لعدد من أقوى دول العالم، وذلك في ظل اتساع الفجوة بينها وبين الدول المتأخرة تكنولوجيًا. إن البشرية إزاء مشهد سيبراني يتطور ويتغير باستمرار وتبدو فيه أكبر قضية مدعاة للقلق هي برامج الفدية التي وصفت بأنها التهديد الأول للأمن السيبراني في عام 2021. المعطيات تشير بهذا المجال إلى أن معظم الهجمات الإلكترونية تأتي من روسيا والبرازيل والصين وهي البلدان الثلاثة الأولى التي نشأت فيها الهجمات الإلكترونية، وحول الوقت الذي تستغرقه هذه الهجمات للكشف فهو حوالي 280 يومًا، بينما تستغرق منظمة نموذجية حوالي 197 يومًا لتحديد التهديد، لكن بعض الانتهاكات يمكن أن تتجنب الكشف عنها لفترة طويلة. الجرائم الإلكترونية لن تختفي قريبًا. ومن المتوقع أن ينمو عدد أكبر من هذه الجرائم في السنوات القادمة ما دام المكان المفضل في جميع أنحاء العالم لهذه الفئة هو الشبكة العنكبوتية، وسيستمر سوق الأمن السيبراني العالم في تحقيق نمو أعلى، ومما يبدو أن تكاليف وأضرار الجرائم الإلكترونية أعلى من تلك الناجمة عن الكوارث الطبيعية. باحث دكتوراه في العلوم السياسية
2041
| 19 مايو 2022
يعود آذار، فيستبدّ بي الحنين إلى مرابع الصبا وإلى شذا المكان وعطر الأيام، عندما تعانق الروح الشوق على حين غفلة، وحين تعانق الأرض السماء بنوّارها وزهورها، حين تداعب الشمس زغب العصافير، فتولد حياة جديدة،..إنه آذار ملك الشهور والتوقيت "الأمومي" مسقط رأس الحياة، ربيع الشهور بصيغة المذكر الغارق حتى أذنيه بعبير ربيع التأنيث. عاد آذار حاملاً لقلوبنا ازدحام الحنين والسكون الذي ينام على ألف عاصفة اشتياق. كالعادة، في الحادي والعشرين من آذار أتوه في اختيار افتتاحية مقال، ترتبك الجُمل وتحتار الحروف، أعجز في الكتابة عن" يوم الأم".. كيف لا ورحيلها مازال يرتسم في ذاكرتي ويحمل في زوايا القلب جرحا غائرا وطابعا شجيا.. ألا يفتح رحيل الأمهات دفاتر الذكرى وشبابيك القلب على الماضي؟ ألا تتشابك الأحداث وتتلاشى السنون، لينساب خيط الشوق والحنين؟ آذار يا قبلة الفصول المبشّرة بخيرات الأرض، يا رائحة الأمهات اللّواتي ينشغلن بإرضاء قلوبنا وأرواحنا، يا رائحة الخوابي وعبق التراب، يا موسم الخيرات ورائحة بقايا الشتاء القديم المعتّق بطعم الخبز، آذار يا حكايا الأمهات وأنفاسهن، ويا حطب المشاعر وجمر الشوق عندما تسري أول رعشة برد ذات مساء آذاري في أوصالنا وعروقنا. هل الأمهات يشبهن آذار، ربما، فهن لا يعرفن خواتيم الحكايات بينما يجدن ترتيب النهايات، يتخفين وراء غيمات آخر الشتاء، يستأذن الرحيل المبكر.. يذهبن خجولات بدمعة رقيقة ولا يبدين أعذار الغياب! أمي أيتها الحاضرة بكل تفاصيلها، أكتب إليك وأنا أتجاهل الروزنامة ومحطات الراديو كي لا تفاجئني ألحان "يا مو" و"ست الحبايب"... فخلف هذه الأغنيات يقبع وجع لا ينتهي لشخص فقد أمه في ربيع عمرها، فثمة شجن أسطوري وألحان تحفر داخل المشاعر المتدفقة وذكريات الطفولة المبكرة وخطوات التعثر الأولى... صار اللحن يا أمي يهزمني ويرميني على حافة الحزن، والشوق يؤلمني كلما تذكرت لحظات رحيلك. رغم غيابك أيتها الغالية، أجدد لك في يومك العهد بأروع تجلياته، ستظل أشياؤك كل أشيائك ذكرى لنا وستبقى أسئلتك الأولى خالدة تسكن أعماقي، وصورتك لا تغادر الذاكرة مهما تقادم الزمن وتعتّق العمر. أمي، يا سيدة العمر الأولى، أيتها الراوية والرواية، الحكاية والحكاية، أيتها السنديانة الشامخة الخاشعة في حضرة المهابة والحاضرة في زحمة الغياب.. سأبقى الطفل الوفي الذي سيكتب لكِ وعنكِ، كل الأيام لك حتى ترضي.. وكل عام وغيابك يملأ الدنيا اشتياقا، كل عام وأنت بخير.
1478
| 21 مارس 2022
مما لا شك فيه أن التاريخ يشكّل جزءاً أساسياً من ثقافة أية أمة حريصة على بناء حاضرها ومستقبلها، فالتاريخ هو من أقدم العلوم؛ إن لم يكن أبا العلوم جميعها كما يحلو لبعض المؤرخين وصفه. ويمكن لهذا العلم أن يتخذ شكل قصة متدحرجة مليئة بالشخصيات العظيمة وحكايات الهزيمة والانتصار، يضيف كل جيل فصوله الخاصة إلى التاريخ أثناء إعادة تفسيره وإيجاد أشياء جديدة في تلك الفصول المكتوبة بالفعل، كما يمنحنا إحساساً بالهوية من خلال فهم من نحن، ومن أين جئنا، ويوفر شعوراً بالسياق في حياتنا ووجودنا، يساعدنا التاريخ على فهم الطريقة التي تسير بها الأشياء، وكيف يمكننا التعامل مع المستقبل. لفترة من الزمن، كنت على قناعة بأنّ تدريس التاريخ ما زال على فلسفته القديمة يُدّرس بأساليبه وأدواته التقليدية، وأنا الشاهد على مواد/ مساقات التاريخ التي درستها على مدار ثلاث عشريات من السنين، وقد حفظت عن ظهر قلب تلك الأحداث التي تم حشوها بين صفحات الكُتب بما في ذلك سرد صعود الأمم وسقوطها. ولطالما تساءلت فيما إذا كان الهدف من مساقات التاريخ التي درسناها هو تقديم الحقائق أو البحث عن تفسير الماضي، والغالب أن معظم تلك المساقات كانت جامدة تعتمد على الحفظ أكثر من الفهم والتحليل، لم يطرأ عليها أي تعديل أو تطوير بحثي ولم تأخذ حظها من العناية والاهتمام اللازمين. اليوم، وبعد أن وقع بين يدي مساق التاريخ العام: التحولات الكبرى والاندماج العالمي (وهو جزء من سلسلة كتب قيّمة ومميزة تصدرها مؤسسة ترشيد في دولة قطر)، رأيت أن ثمة جهداً كبيراً بذله أساتذة وباحثون في التاريخ من بلدان عربية في هذا المنهاج التعليمي القائم على أساليب وإستراتيجيات تعليم حديثة ترتكز على البحث والتقصي والتفكير الناقد بعيداً عن الحفظ والتلقين الذي عانت منه أجيال عديدة؛ وبما يهدف في النهاية إلى بلورة الهوية وتعزيز الانتماء وفهم التاريخ بشكل معمق وناقد، بمعنى أن هذا المنهاج هو بمثابة منجز بحثي يعيد إنتاج التاريخ بصورة أكثر نضجاً من القالب التقليدي القديم الذي تعودنا عليه. نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى لمناهج دراسية على شاكلة سلسلة كتب التاريخ العام الصادرة عن (ترشيد) تعزز أهمية الوعي بهذا المساق لفهم أعمق لتاريخ المجتمعات والثقافات الأخرى، ضمن رؤية إنسانوية شاملة وبطريقة منظّمة تميّز بين أنماط عامة دون الإغراق في التفاصيل، ثمّ الحصول على المعرفة بمستوى عالٍ منافس، وما أحوج مناهجنا لتحويل الصفحات التي تستعرض الأحداث التاريخية والقائمة على الحفظ والبصم والتلقين إلى "ثقافة" تساعد الطالب في بناء المعرفة لدى الأجيال. والأهم من ذلك ربط الأحداث الراهنة بالماضي وخلق روح التحليل والنقد والنقاش لدى الطالب حتى لا يكون التدريس بشكل جامد.. بمعنى إيجاد مادة تاريخية تتصف بالموضوعية تستند إلى النقاش والنقد والتحليل المعمق وتبتعد عن المثاليات والسردية والتلقين، وثمة بارقة أمل في منهاج التاريخ سابق الذكر، إذ أحسب أننا أمام عمل متقن لا تلقين فيه، يقوم على إكساب الطلبة المهارات النقدية والتاريخية بأسلوب ممتع وبإطار موضوعي لفهم الحالة الإنسانية والتفاعل المعقد بين الاستمرارية والتغيير والتعبير عنها شفهياً وكتابياً؛ مما سيتيح للطلاب فرصة للتعمق في الموضوعات والمفاهيم التاريخية التي تكشف عن شيء جديد عن الماضي. • باحث دكتوراه
2865
| 09 مارس 2022
رغم ذكائه إلا أن البعض يقول إن سياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وضعت الولايات المتحدة في مربع خطر كدولة عظمى، حتى أصبحت هذه السياسة توازي خطورة مغامرات إدارة بوش الابن السابقة وفشل سياساتها المالية والاقتصادية والتي أدت فيما أدت إليه إلى أزمة الرهن العقاري بين عامي 2007 و2008 إضافة إلى كل المآسي والحروب والتي لا يزال العرب تحديدا يحصدون ثمارها المرّة والمأساوية حتى الآن.عندما أحدث بوش الابن الزلزال المدمّر في المنطقة العربية استلم الدفة منه أوباما ليبدأ بالتنصل من المسؤولية المباشرة للولايات المتحدة عن كل ما حدث من دمار في المنطقة وليس ذلك فحسب بل أمعن في استخدام إيران كشرطي مساعد في إدارة ملفات المنطقة، ولذلك فإن مكانة أوباما في الذاكرة الجمعية العربية ستكون أسوأ مكانة لرئيس أمريكي إن لم يأت بعده من هو أسوأ منه في التعامل مع قضايا المنطقة وقد قارن بعض الكتاب بين سكوت أوباما وإدارته على ما يجري في سوريا بسكوت بريطانيا على جرائم العصابات الصهيونية أيام الانتداب البريطاني على فلسطين.غني عن القول إن أمريكا قوة عظمى وقراراتها تبنى بشكل مؤسسي ولكن يبدو أن أي رئيس أمريكي يستطيع أن يغلب وجهة نظر على أخرى أو يستطيع أن يختار من سلة خيارات.أوباما يلعب لعبة حادة الذكاء ولكنها ليست مأمونة العواقب في ظل مجموعة متغيرات إقليمية ودولية سوف تعصف حتما بالمنطقة إن بقي الأمريكيون مصرين على لعبة الاحتواء الشامل في المنطقة ومنع دول الاعتدال العربي من وقف النزيف السوري إضافة إلى إدامة الصمت فيما يتعلق بقضية الشرق الأوسط المركزية وهي القضية الفلسطينية.إن التفسير الأكثر واقعية لموقف أوباما هو سياسة احتواء مختلف القوى المتصارعة مما يقود إلى إنهاك شامل يؤدي بالضرورة إلى إمساك أمريكا بخيوط اللعبة دون أن تكلف نفسها أي مسؤوليات مالية أو أخلاقية عما يحصل.لقد كان واضحا منذ البداية أن أوباما ومنذ توليه الرئاسة الأمريكية حاول أن يحمل الأنظمة العربية مسؤولية الفشل وأن يقول لدول المنطقة بأن مشاكلها في معظمها مع شعوبها.هذه السياسة لا تجد أي مسمى سوى مسمى التنصل من المسؤولية والخداع السياسي وكأن أمريكا كانت غائبة عن كل ما يجري في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل وكأن كل الأنظمة في المنطقة تقريبا ليست حليفة للولايات المتحدة وتأخذ منها الدعم والإسناد.لربما أراد أوباما أن ينحو بالسياسة الأمريكية إلى اتجاه آخر وألا يتحمل هو شخصيا وإدارته مسؤولية ما سبق من أخطاء الإدارات الأمريكية السابقة، ولكن أمريكا كدولة عظمى في العالم منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل ليست طرفا محايدا، وبالتالي فهي مسؤولة مباشرة عما يجري في الإقليم شاء باراك حسين أوباما أم أبى.مما لا شك فيه، فقد أثبتت سياسة أوباما فشلها في استغلال نفوذها في لعب دور بارز في حلحلة القضايا الإقليمية سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا وحتى مع إيران، فالإخفاق في هذه الملفات كان سببًا لزعزعة المصداقية التي طالما تمتع بها البيت الأبيض كشريك في حل القضايا الإقليمية. إن سلبية أمريكا في مشهد الإقليم الحالي لن تكون مفيدة حتى لأقرب حلفائها، فقصة الاحتواء المتعدد التي تنتهجها أمريكا حاليا في المنطقة ستنتج فوضى ستؤدي إلى تدمير النظام العالمي القائم، فعجز أمريكا ومنظمات الأمم المتحدة عن حماية أبسط حقوق الإنسان حين تُقصف المستشفيات ومستودعات المواد الطبية ثم تقف عاجزة عجز "المتآمر" أمام كل شعوب العالم حتى أمام الشعب الأمريكي نفسه...هذا الواقع لن يديم لأمريكا وحلفائها أي قيمة أخلاقية فالشعوب في المنطقة ستكون مضطرة للاعتماد على ذاتها وإذا أصبح الحال كذلك فما الحاجة لأمريكا ونظامها العالمي "البائس" غير القادر على حماية مستشفى وكوادر طبية من قصف الطائرات؟!
1479
| 10 يونيو 2016
>> تتعدد الإجابات لدى الأشخاض الذين يشعرون بالندم عند سماعهم أغنية سيدة الغناء العربي أم كلثوم "فات الميعاد"؛ وتحديدًا في مقطع "تفيد بإيه يا ندم؟" فعند الإجابة يستذكر بعضنا لحظات أو مواقف في عمره ندم عليها، ووخزه ضميره ربما تجاه أمر قام به، أو لم يستطع تحقيقه. وقمة من تجاوز تلك المواقف واعتبرها فرصة للتعلُّم والاكتشاف في مسار الحياة.>> يقول علماء النفس إن من الطبيعي أن نندم نحن البشر، لأن هذه المسألة غريزية. لكن ثمة منّا من لا يستطيع تجاوز مرحلة الندم بحيث يبقى يعيش في حلقة مفرغة من أحاسيس اللوم والإحباط والاكتئاب وتأنيب الذات.. والمبالغة في الإحساس بالألم كما هو الحال بالنسبة لعدم الإحساس به مطلقًا؛ ذلك أن الإحساس بالندم دليل على تحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ، والقليل منه طبيعي إن لم نقل ضروريا، لأن من شأنه أن يحفّز الذات لتوخي الحذر في قادمات الأيام، والتعلم مما ارتكب من أخطاء. >> تاريخيًا، قام البشر بالعديد من الأخطاء المكلفة التي غيرت مسار الأحداث حرفيًا، مثل غرق سفينة تايتنك، حصان طروادة، برج بيزا المائل، حرب النمساوين، مفاعل تشيرنوبل.. وغيرها. ودعوني في هذا السياق أن أشير في هذه الأسطر لأكبر ثلاثة أخطاء في التاريخ، قد يكون ذلك بمثابة دروس لمن يعانون من الندم على أخطاء ارتكبوها وخاصة أولئك الذين يفرطون في الندم وقد تحولت حياتهم إلى كآبة مستديمة، في الوقت الذي نؤكد فيه أن الشعور بالندم دليل على رسوخ الخير في الفطرة البشرية.>> الخطأ الأول: باع "جورج هاريشن" من جنوب أفريقيا مزرعته إلى شركة تنقيب بعشرة جنيهات فقط لعدم صلاحيتها للزراعة، وحين شرعت الشركة في استغلالها، اكتشفت بها أكبر منجم للذهب على الإطلاق، أصبح بعدها هذا المنجم مسؤولاً عن 70% من إنتاج الذهب في العالم.>> الخطأ الثاني: في عام 1347م دخلت بعض الفئران إلى ثلاث سفن إيطالية كانت راسية في الصين، وحين وصلت إلى ميناء "مسينا" الإيطالي خرجت منها، ونشرت الطاعون في المدينة ثم في كامل إيطاليا. وكان الطاعون قد قضى أصلاً على نصف سكان الصين في ذلك الوقت، ثم من إيطاليا انتشر في كامل أوروبا فقتل ثلث سكانها خلال عشر سنوات فقط.>> الخطأ الثالث: في إحدى ليالي 1696م أوى الخبّاز البريطاني "جوفينز" إلى فراشه، ولكنه نسي إطفاء شعلة صغيرة بقيت في فرنه، وقد أدى هذا “الخطأ” إلى اشتعال منزله ثم منزل جيرانه ثم الحارات المجاورة، حتى احترقت نصف لندن ومات الآلاف من سكانها، فيما أصبح يعرف “بالحريق الكبير”، الغريب في الأمر أن جوفينز نفسه لم يصب بأذى.>> للحظات توقف أيها القارئ العزيز وضع نفسك مكان أحد هؤلاء وتأمل ماهية الشعور بالندم؟! فلا أحد يختلف أن الندم شعور نبيل لارتباطه بالوازع الإنساني الداخلي.. لكن الأمثلة أعلاه سقتها لأصحاب الندم العتيق الذين توقفت لديهم الحياة عند نقطة معينة! جميل أنكم كفرّتم وحاولتم تصحيح الخطأ.. وقد آن الأوان لنقول لكم: كفاكم ندماً!
2920
| 21 فبراير 2016
سابقًا كان جُلّ الخطاب الذي يتحدث به "السُنّة" هو في الحديث عن إعادة تحرير بيت المقدس وليس في سياق الحديث عن نهاية العالم أو وقوع يوم القيامة التي يؤمنون بأنه لا أحد يعرف تماما موعدها.ووفق تفحّص الرواية الإسلامية التي يتبناها العديد من نخب أهل السنة فإن النبوءات التي تتحدث عن تحرير بيت المقدس تشير إلى أن (الملاحم والفتن) وفق المصطلح المتداول لدى العلماء ستقوم تباعا لكن من دون أن يعني ذلك أن العالم أوشك على النهاية، ذلك أنهم يعتقدون منذ انطلاق دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أن العالم هو حقا في نهايته وأن أولى علامات نهايته ظهور الإسلام أصلا، وأن الساعة أوشكت لكن من دون تحديد فاصل زمني لها.ومبكرا تحدث الدكتور بسام جرار لكن ليس عن نهاية العالم بل عن نبوءات تحرير فلسطين التي يحددها في الحقيقة باليوم والسنة (2022) استنادا إلى ما يصفه بفن التفسير الرقمي لآيات القرآن الكريم.ويقول جرار لمقربيه إنه خلص إلى نتائج يخشى البوح بها لخوفه من فتنة الناس خاصة أن علمه لا يستند إلى قراءة يقر بها جمهور العلماء.على أن جرّار ومن ينحى نحوه ليسوا وحيدين، وإذا قلنا إن السنّة أكثر حذرا في ذلك فهذا لا ينطبق على خطاب تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف بداعش، فخارج السياق كل ما دأبت عليه السنة ومبكرًا بشّر أبو مصعب الزرقاوي مؤسس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بأن موعد قتال عناصر التنظيم مع ألوية الغرب هو في مكان يعرف بدابق أو الأعماق وهي منطقة في سوريا أصر التنظيم على احتلالها ومازال وينتظر قدوم 80 لواء من (ألوية الكفر) لقتاله هناك وسينتصر عليهم، وفق الرواية.ملاحم دابق.. الغرب ليس أحسن حالاولا تتعلق نبوءة "دابق" بما سبق الحديث عنه من نبوءة زوال دولة إسرائيل، ولا علاقة لها بها، وقد بالغ أصحابها في إنزالها على الواقع بطريقة فجّة، لكن إيرادها هنا يتعلق بظرف زماني ليس أكثر. بمعنى، أن المسلمين اليوم وفي بحثهم عن أسئلة حول واقعهم والمصير، لابد وأنهم يطلبون الإجابة من خالق هذا المصير، والقدر، سبحانه وتعالى، فذهبت فئة منهم نحو البحث العلمي الموضوعي، المستند إلى واقع معاش، وراح آخرون خلال رحلة البحث عن إجابة يغرقون في رمال متحركة شكلوا صحراءها بأيديهم، من دون مستند علمي دقيق.نقول ذلك ولا نقصره على المسلمين وحدهم اليوم، بل إن الغرب اليوم الغرب العلماني، يستند أكثر من غيره من الأمم المعاصرة إلى الرؤية الدينية لحراكه السياسي والعسكري، حتى خاضت جيوشه حروبا صرف عليها البلايين.ورغم رفض سياسي وإعلامي للحرب الدينية في الإقليمي، إلا أن هذه الحرب بصفتها الدينية، حاضرة حضورا عميقا في الذهنية الجمعية لطرفي المعادلة، المسلمون "وجلهم أحزابا وتيارات وفصائل، من جهة، والغرب وحلفاءهم من جهة أخرى.الجميع اليوم يستدعي فكرته في مشهد عقدي صرف، لا يريد أن يعترف به السياسيون، خشية منهم على ما يعنيه ذلك من مخاطر، لكن ونحن نتحدث عن الأقصى، والصراع على القدس، أليس الاحتلال نفسه استند على عقيدة يهودية تلمودية؟!.وبينما يؤمن المسلمون بإثمهم طالما بقي المسجد الأقصى مسلوبا من بين أيديهم، أسس أعداؤهم لأرضهم فكرة احتلاله من قاعدة دينية، ثم ختموها بختم الأمم المتحدة. "الأرض الموعودة" وهي الأرض التي اعتمد فيها اليهود مع العرب على سياسة "الأمر الواقع"، حتى وصل الأمر بأصحاب الأرض مشردين والمحتلين أصحاب أرض.لقد بدأ الرئيس الأمريكي جورج بوش حربه في العراق استنادا إلى "الدافع الديني"، ومهما حاول السياسيون رفض المنطلق الديني لما يجري في المنطقة فإن الرفض نفسه أمر يستحق الاستهجان خاصة أن أزمة الأزمات في المنطقة قامت على أساس ديني "أرض الميعاد". وما "أرض الميعاد" إلا رؤية دينية يهودية اندفعت سياسيا لتصبح حقيقة واقعة.ما يجب الإشارة إليه هنا هو أن هذه الإشارة ومثلها كثير تجد آذانا صاغية لدى عوام الغرب، ورعاعهم، أما المجادلون بجوهر هذه الدعوات، فنقول لهم: ما كانت استجابة ملوك الغرب وأمرائهم لدعوات باباوات الحروب الصليبية إلا التقاء لفكرة المصلحة السياسية بالفكرة الدينية، وهذا ما يقع اليوم.لهذا لا يكف الغرب عن استدعاء شعاراتهم الدينية في كل حرب ضد المنطقة، كما لا يكف اليهود عن ذلك والترميز له في كل حين، وحدنا نحن المسلمين أو بعض منا على الأقل كففنا عن ذلك، لما أصابنا من ضعف.
2016
| 08 فبراير 2016
أشغلت هوليوود نفسها طويلًا بفكرة (زوال العالم أو يوم القيامة) لكنّها -أي هوليوود- وهي تركز على هذه الفكرة وترهق العالم بها طرحًا، لم تكن تتحدث من (الآكشن) بقدر ما كانت تستند لفكرة عميقة تقع في صلب السياسة الأمريكية أن (الإمبراطورية الأمريكية) هي آخر الإمبراطوريات في العالم وأن (السيادة والتسيّد) الأمريكي هو ما قبل النهاية؛ أي نهاية العالم. الغريب أن الثقافية الأمريكية ليست وحدها من رصدت لفكرة زوال العالم مليارات الدولارات وبعيدًا عن الخيال الخاص بكائنات من عوالم أخرى، فإن هناك عدة نظريات علمية بنت عليها هوليوود هذه أفلامها، وقد تكون النظرية العلمية سهلة أو صعبة الحدوث لكنها تظل احتمالاً ممكنًا يتسبب في نهاية العالم. وسواء كانت الصورة عبر السينما مثل الذكاء الصناعي، أو الشمس وسقوط النيازك أو اصطدام كوكب في الأرض أو انتشار الأوبئة أو الاحتباس الحراري أو الحرب النووية...الخ أو عبر الحروب التي خاضها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، بل إن العديد من الحضارات والشعوب تكاد تضع مثل هذه الأفكار موضع المسلّمات الكونية المنتظرة. وكعادة مخرجي أفلام هوليوود الذين سيطرت عليها فكرة النهاية على يد وحوش أو كائنات غريبة أو كوارث طبيعية تنتهي بفعلها الحياة على وجه الأرض، وربما تبدأ حياة أخرى مع الكائنات الفضائية أو على أسطح الكواكب المحيطة. جمهورية إيران الإسلامية ممثلة بالشيعة وانتظار المهدي، وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في انتظار المعركة الفاصلة في دابق - الأعماق، والتئام 80 راية ضده هناك، والسنة في انتظار ملاحم آخر الزمان، والمسيحيون في انتظار هارمجدون، وغيرهم كثر!قبل اليوم الذي قرر فيه البائع التونسي المتجول محمد البوعزيزي إحراق نفسه، معلنا انطلاقة الربيع العربي، كان قلة من الناس خاصة في منطقتنا العربية مهتمين باستدعاء النبوءات والأساطير التي تتحدث عن نهاية العالم. نبوءات غير محسومة وأساطير مستندة إلى حاجة نفسية ملحة للإنسان باستدعاء (المستقبل) والغيبيات عن نهاية الكون وقرب زواله. ومن كان يستند منها على نصوص متينة فإنه غير متأكد من توقيتها، ويريد إسقاطها على ما يجري اليوم.وبينما يخشى العلماء المسلمون من فتنة الناس في حال لم يقع ما يتحدث به القلة من العلماء ترى علماء آخرين وقد ذهبوا بالشوط إلى آخره مؤمنين بعلمية ما يطرحونه فيما يرى آخرون أن الدخول في هذا "الفن" وتحويله إلى "علم" مسألة فيها الكثير من النظر. لكن مع انفجار المنطقة، ووصول النار إلى عاصمة بلاد الشام، "دمشق" بدأ الناس باستدعاء أحاديث "الزوال" وأنه اليوم أقرب وقوعا من قبل.ومع تدحرج الربيع العربي بدا واضحا أن شيئا ما يجري في المنطقة العربية يأخذ منعطفات حادة لم يكن بالإمكان استنباطها أو استشراف قربها سابقا، وكلها يدعم فكرة إمكانية وقوع تلك النبوءات التي يتحدث عنها بعض العلماء، التي أصبحت اليوم واضحة للرائي، تنبئ باستقبال أحداث عظام. ولا نقول ذلك إيمانا بما يجري الحديث عنه وإنما نعتمد على استعراضه فقط.وتؤمن بعض النخب بأنه ومع انتهاء النسخة الأولى من ربيع العرب، بدأ الخط البياني الديني لما يجري في سوريا يتضح شيئا فشيئا، وذلك بالتزامن مع أحداث بلاد الرافدين، إضافة إلى ما وقع ويقع في اليمن، والعراق فظهر من يقول إن المنطقة مقبلة على نسخة جديدة من الصراع لم تؤلف سابقا.ويقول مؤيدو هذه الفكرة: من الجلي أن صورة أحداث المنطقة ستبقى ناقصة، إلا إذا اكتملت برسم الظلال العنيفة لعقود خلت من الطغيان السياسي الذي حكم المنطقة عشرات السنين.ويستندون في خطابهم إلى أن حبال معظم البرامج والتيارات الفكرية في المنطقة انقطع عن وصل نفسها بالشارع، وما هو موجود في الشارع يعبر عن تحالف البرنامج الإسلامي - بجميع تياراته - الذي يعاني من تحالف جيوش ضخمة من الرافضين له، حد الدم. واللافت في هذا المشروع أنه من جهة يأخذ وجوها وأشكالًا وتيارات داخلية متعددة، ومن جهة أخرى يبدو أنه يعتمد بشكل واضح على مشروع أممي وليس قُطريا، حاضرته الشام، وخزّانه العراق واليمن، وقلبه القدس.ووفق المؤيدون لنهاية الكون فلم يكن اندلاع شرارة الربيع العربي هي البداية الحقيقية للأحداث الدامية التي شهدتها المنطقة العربية، سواء في العراق أو سوريا أو حتى اليمن، بل كانت مجرد محطة، أو حلقة في سلسلة ممتدة بدأ زلزالها مطلع القرن الماضي بالحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة العثمانية، التي أخذت ارتداداتها بالظهور مرة بعد أخرى في معظم البلدان العربية، إلى أن وصلت ذروتها عام 1948 عندما أعلن عن ولادة كيان أطلق على نفسه اسم "دولة إسرائيل"، مرورا بتفاصيل عربية وعالمية لا حصر لها.ويقول هؤلاء يبقى ظهور ارتدادات دون غيرها في الفاصل الزمني بين مطلع القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين، في كونها قفزات نوعية في أحداث المنطقة شكلت علامات فارقة في حياة الأمة، كان منها الحربان العالمية الأولى والثانية، ثم إعلان قيام دولة إسرائيل، وزوال الملكية في عدد من البلدان العربية بانقلابات عسكري مرتدية عباءة القومية كما وقع في مصر وليبيا، وهكذا إلى أن وصلت مرحلة الانتفاضة الفلسطينية الأولى فولادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، فالانتفاضة الثانية، وحولهما حربان "الخليج الأولى والثانية"، ثم سقوط عاصمة الخلافة العباسية "بغداد" بيد الولايات المتحدة الأمريكية، ليتبعها خراب عاصمة الخلافة الأموية بفعل ثورة أراد أصحابها لها أن تكون سلمية وأصر أعداؤهم أن تكون دموية، فكانت إرادة الله سبحانه الغالبة، بأن تحولت إلى مصنع لبناء ما كان يجب أن يكون، تحضيرا لما سيتلوه.وكان سقوط بغداد بيد الحلف الأمريكي عام 2003م مظهرًا أعدّ نفسه بعناية في بلاد الفرات، بينما -ومن دون أن يشعر أحد- كانت عاصمة بلاد الشام "دمشق" تتجهز لمرحلة تاريخية ستنسف كل ما عرفناه من شكل المنطقة.الأخطر ليس هذا وحسب، فما ينظر إليه خبراء العلوم السياسية بحساسية بالغة هو أن ما يجري في المنطقة لا يتجه نحو العودة إلى ما كان من شكل سياسي وكيانات عرفها "عربي القرن العشرين"، بل إنه ينحو نحو بناء كيانات سياسية جديدة لن يكون أحد مرتكزاتها الخطوط السياسية لـــ"سايس بيكو" التي تحولت في الذهنية العربية إلى خطوط مقدسة.نحن اليوم نتحدث عن معطيات على الأرض تخبرنا أن القادم من الأيام والسنين ما زال يحمل في رحمه الكثير من المفاجآت، سواء على صعيد المنطقة أو على الصعيد العالمي، وكأن المجتمع الدولي اليوم يتحضر لدفن مخرجات الحربين العالمية الأولى والثانية التي كانت من أبرز ما نتج عنها سقوط الخلافة الإسلامية على الأرض، ليبني بدلا منها مخرجات جديدة بأطر وشكل جديدين.وهنا يقول المؤيدون لفكرة نهاية العالم أن القدر يستخدم الأدوات ذاتها التي قضت على الخلافة الإسلامية لإعادتها من جديد، لكنهم وهم يفعلون ذلك يقومون به لدوافع من نبوءاتهم الخاصة...وأي نبوءة! من المؤكد أن ملاحقة الأحداث المتسارعة على صعيد المنطقة أمر في غاية الصعوبة. وكأن هذه الأحداث اندمجت في عصر السرعة حتى فاقتها تغيرا وتبدلا. لكنها –أي الأحداث- ستبقى مجرد تفاصيل لحدث كوني أوسع بدأت إرهاصاته المتسارعة بالبروز عيانا.ولا يفترق في الحديث عن هذه النبوءات أي من الأطراف الثلاثة المتصارعة في المنطقة سواء السنة أو الشيعة أو المسيحيون!
3291
| 02 فبراير 2016
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6684
| 27 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2754
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...
2385
| 30 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1722
| 26 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1518
| 27 أكتوبر 2025
نعم… طال ليلك ونهارك أيها الحاسد. وطالت أوقاتك...
1428
| 30 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...
1071
| 29 أكتوبر 2025
لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...
1047
| 27 أكتوبر 2025
“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...
978
| 27 أكتوبر 2025
عندما تحول العلم من وسيلة لخدمة البشرية إلى...
876
| 26 أكتوبر 2025
بينت إحصاءات حديثة أن دولة قطر شهدت على...
870
| 27 أكتوبر 2025
أحيانًا أسمع أولياء أمور أطفال ذوي الإعاقة يتحدثون...
729
| 30 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية