رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

جولة بينج الأوروبية.. الأهداف والانعكاسات

في مطلع شهر مايو قام الرئيس الصيني «شى جين بينج» بجولة إلى أوروبا قد شملت ثلاث دول: فرنسا والمجر وصربيا، نالت اهتماما عالميا واسعا بسبب ما ستسفر عنه من انعكاسات قوية مرتقبة على صعيد قضايا وتحديات كثيرة من أبرزها الحرب الأوكرانية، ومستقبل العلاقات الأوروبية -الصينية، والصراع بين الصين والولايات المتحدة. جولة الرئيس بينج الأوروبية تعد من الأحداث التاريخية الفارقة، أي ليست جولة عادية. ومن ثم، فهي تحمل أهدافا استراتيجية للصين على أصعدة عدة وفى توقيت غاية في الحساسية أيضا. ويتبدى ذلك، من المحطات الأوروبية الثلاث التي شملتها جولة بينج. المحطة الأولى والأهم فرنسا، استهل بينج زيارته لأوروبا بزيارة فرنسا التي استقبلته بترحيب كبير، وعقد محادثات مطولة مع الرئيس ماكرون. وتعكس زيارة فرنسا تحديداً وجعله مستهل الجولة الأوروبية، دلالة قوية للغاية لأهم أهداف بينج الأوروبية، والتي تكمن في ضرب الجهود الأمريكية الرامية لاستقطاب أوروبا خاصة الغربية في صراعها مع الصين. أو تعميق الانقسام بين أوروبا والصين. ففرنسا على وجه التحديد، تتبنى نهجا استقلاليا نسبيا عن الولايات المتحدة منذ 2016، وتضخم بصورة لافتة في ظل رئاسة ماكرون. إذ تعد فرنسا أكثر الدول الأوروبية وضوحاً بشأن رفض الانجرار في حرب باردة غربية مع الصين، وترى أن الصين مجرد منافس اقتصادي لأوروبا، وثمة إمكانية كبيرة لاحتواء هذه المنافسة عبر الحوار والتعاون. فضلا عن ذلك، تتبنى فرنسا موقفا اكثر استقلالية بشأن تشكيل قوة دفاعية أوروبية خاصة بعيداً عن الحماية الدفاعية التقليدية للناتو والولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك، ترى فرنسا أن إنهاء الحرب الأوكرانية مرتهن بدرجة كبيرة بالإرادة الصينية. وهذا ما عبرت عنه صراحة رئيسية المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لاين» خلال اجتماعها مع بينج وماكرون خلال الزيارة في فرنسا، بقولها «نأمل أن تستخدم الصين نفوذها على روسيا لإنهاء الحرب الأوكرانية». وفى مقابل ذلك، ترى بكين فرنسا قائد أوروبا الرئيسي القادر خاصة في ظل الاستقلالية التي تتطلع لها بعض الدول الأوروبية كألمانيا وإسبانيا، على ترميم العلاقات الاقتصادية بين أوروبا والصين التي قد شهدت توترات خلال العامين الماضين، وأيضا على إقناع أوروبا على قبول نظام دولي متعدد الأقطاب. وكانت صريبا المحطة الثانية في الجولة، وتم استقبال بينج بحفاوة بالغة. وتتمتع الصين بعلاقات قوية مع دول البلقان وشرق أوروبا خاصة على الصعيد الاقتصادي. وتتمتع العلاقات بين الصين وصربيا بعمق وخصوصية كبيرة، قد تعززت على خلفية مساندة الصين القوية لصربيا في أزمة كورونا. لذا، فزيارة بينج لصربيا تحمل دلالة رمزية قوية على أهمية وخصوصية تلك العلاقة التي تفوق في قوتها علاقة صربيا بأوروبا. فضلا عن ذلك، عززت الزيارة من أفق الشراكة الاقتصادية القوية بين البلدين، حيث تم الاتفاق على إعفاء بعض صادرات صربيا إلى الصين من الرسوم الجمركية لمدة 15 عاماً. المجر المحطة الثالثة في الجولة، فهي تتمتع بعلاقات راسخة صلبة مع بكين، وتغرد كثيرا خارج السرب الأوروبي. إذ على سبيل المثال، كانت من أكثر المعارضين لفرض العقوبات الغربية على روسيا. ومن ثم، فزيارة بينج لها تحمل دلالات سياسية قوية، من أهمها تعزيز جبهة المعارضة الغربية للصراع مع الصين، وتعزيز نفوذ الصين في شرق أوروبا عموما. علاوة على ذلك، تعد المجر شريكا اقتصاديا مهما للصين وتتطلع لاستقبال المزيد من الاستثمارات الصينية، وهو ما عكسته الزيارة من رفع العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة. ومما تقدم، يمكن تسليط الضوء على أبرز الانعكاسات الاستراتيجية للجولة: -تدعيم الانقسام الأوروبي-الأمريكي بشأن الصراع مع الصين. -دعم الصين لنفوذها السياسي والاقتصادي في أوروبا خاصة في شرق أوروبا. -دعم التوجه الأوروبي الداعي لنظام دولي متعدد الأقطاب والإقرار بانتهاء القطبية الأمريكية بصورة نهائية. -صعوبة الرهان الكامل على واشنطن في إنهاء الحرب الأوكرانية ورجحان كفة الرهان للصين. -حلحلة نسبية للحرب الأوكرانية، أو على أقل تقدير إنهاء اللغط المتعلق بالمشاركة الأوروبية في الحرب، والرد الروسي عبر السلاح النووي التكتيكي.

864

| 27 مايو 2024

ماذا بعد رفح؟

في تقديري، أن قيام إسرائيل باقتحام رفح جزئيا عبر السيطرة على معبر رفح الفلسطيني، بل وتحويل هذا الاحتياج الجزئي إلى شامل خلال أيام قليلة خاصة مع الحشد الهائل في القوات على حدود المدينة؛ لا يحمل أية مفاجأة. هل كل ما قامت به إسرائيل في القطاع من تدمير شامل، وقتل أكثر من 40 ألف مدني، فضلا عن مئات الآلاف من المصابين، والتسبب في كوارث إنسانية طبية وغذائية. ناهيك عن تدهور علاقاتها مع الجميع خاصة راعيها التاريخي الولايات المتحدة. هل كل ذلك فقط من أجل تحرير العشرات من الرهائن لدى حماس؟!. والإجابة المنطقية بالقطع «لا»، حيث هناك أبعاد استراتيجية أخرى من ذلك-لم تخفها إسرائيل- وعلى رأسها إنهاء أو طرد حماس بصورة مطلقة من القطاع. ومن هذا المنطلق، يمكن القول، على الرغم من الجهود الواسعة التي يبذلها الوسطاء خاصة مصر وقطر والولايات المتحدة، لإبرام هدنة بين حماس وإسرائيل، لإثناء إسرائيل عن اقتحام رفح بشكل شامل. إلا أن جهود التوصل للهدنة قد أمست ضئيلة للغاية، ونظن أن إسرائيل قد توافق في حالة واحدة وعلى مضض أيضا على هدنة إذا وافقت حماس على تسليم جميع الرهائن. لكنها ستكون مؤقتة ولن تقطع عزم الحكومة اليمينية المتطرفة عن المضي قدما في الاجتياح الشامل للقضاء على حماس. إذن، في ضوء إصرار تل أبيب التام على اجتياح رفح، ومع الأسف، ففرص منعها باتت ضئيلة للغاية. لابد من إثارة سؤال رئيسي: ماذا بعد رفح؟. والحقيقة أن استشراف ما بعد الاجتياح الشامل، معقد وشائك للغاية، نظراً للتداعيات الخطيرة له، بما في ذلك، تضرر أطراف كثيرة من هذه التداعيات وعلى رأسها واشنطن ومصر. في البداية يجب الإشارة إلى أن اجتياح تل أبيب لرفح بصورة شاملة أو كاملة، لن يؤدي إلى انتصار تل أبيب أو نتنياهو بصورة نهائية كما يعلن مراراً. ونظن أن حكومة تل أبيب على دراية بذلك، كما ينصحها حلفاؤها بذلك خاصة واشنطن ذات الخبرة الواسعة في الحروب. حتى هذه اللحظة، لم تستطع تل أبيب إجراء عملية ترحيل شامل لسكان رفح المقدر عددهم بنحو المليون ونصف نحو الشمال، ونعتقد أنها لن تقدر أيضا، حيث تشير التقديرات إلى أن أقصى ما يمكن ترحليه هو نصف مليون فقط. وبالتالي، فلن تواجه إسرائيل معركة سهلة مع حماس في رفح، حيث كتلة بشرية ضخمة تعيق هذه المعركة. فضلا عن استعداد مقاتلي حماس بالقطع لهذه المعركة عبر خطط الكمائن والفدائيين، خاصة أن حماس لديها معرفة تامة برفح وثغرات القتال فيها. وما هو متوقع أيضا، بل مؤكد بصورة كبيرة، أن اجتياح تل أبيب لرفح، سيقابل بتكثيف عال للمقاومة على جبهات أخرى خاصة في جبهة الجنوب مع حزب الله، وربما في الضفة الغربية. خاصة مع الخسائر المدنية الفادحة المتوقعة نتيجة للاجتياح. ونعتقد أن ذلك سيؤدي إلى استنزاف إسرائيل، بل وربما تطور الوضع إلى حرب إقليمية واسعة. اجتياح رفح بالقطع سيؤدي إلى الإضرار بصورة بالغة بالعلاقات المصرية الإسرائيلية التي تسير على خط سلام بارد منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد. والواقع أن مظاهر هذا التدهور قد وضحت الآن، حيث تحشد القاهرة قوات إضافية على الحدود مع رفح، استعداداً لأية تطورات مؤسفة. والحقيقة أن تدهور العلاقات لنقطة حرب بين الطرفين، مستبعدة على نحو كبير، لكن ذلك لا يمنع من إمكانية تدهور كبير في العلاقات ليس في مصلحة إسرائيل صراحة. فتصرفات إسرائيل المتهورة قد تدفع مصر إلى خيارات صعبة للغاية خاصة إذا أفضى الاجتياح إلى نزوح سكان رفح إلى المعابر المصرية. على الرغم من الحماية والانحياز الأبدي لواشنطن لإسرائيل. ومع ذلك، فاجتياح رفح على وجه الخصوص سيعصف بالعلاقات بين الحلفين إلى مفترق طرق تاريخي. إذ أصبح هذا الاجتياح كابوسا مرعبا لواشنطن أو إدارة بايدن تحديدا العاجزة تماما عن إلجام إسرائيل.

1005

| 21 مايو 2024

الذكاء الاصطناعي والسياسة الدولية

الذكاء الاصطناعي هو الطفرة التكنولوجية الراديكالية التي ستغير وجه العالم تماماً هذا أصبح أمرا لا شك فيه، والتغيير سينعكس بالإيجاب من حيث تطوير كل المجالات والأنشطة المختلفة التي ستفيد البشر، لكن ثمة جانبا سلبيا بل وخطيرا ومرعبا له، من حيث على سبيل المثال لا الحصر، الإجهاز تماماً على ما يقرب من 50 % من الوظائف الحالية، والانتهاك السهل للخصوصية الإنسانية. والسياسة الدولية من النطاقات التي سيخيم عليها الذكاء الاصطناعي بظلاله الإيجابية والسلبية بصورة كبيرة للغاية. والحقيقة أن تلك الانعكاسات الإيجابية والسلبية له على السياسة الدولية لا تحصى وتحتاج لمئات المقالات لإبرازها، لكن نسعى إلى إبراز أهمها في المقال. عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي المختلفة التي تتطور بشكل مطرد للغاية، بات من السهولة الشديدة بمكان، اختراق البنى التحتية الرقمية الحساسة، وسرقة البيانات السرية الشخصية والعامة، والتجسس، وانتهاك سيادة الدول. وهذا بدوره سيساهم في تعزيز الفوضى والإرباك في السياسة الدولية، وتقوية النظم المارقة، والجماعات الإجرامية والإرهابية. وعلى نحو آخر، سيساهم في تذكيه الصراعات بين القوى الكبرى التي تسعى للتفوق في هذا المجال الخطير للغاية. إذ يرى المتخصصون أن من سيهيمن على الذكاء الاصطناعي سيهيمن على العالم. حيث ستتيح تقنيات هذا المجال المتطورة، تطوير أسلحة فائقة الذكاء والسرعة والدقة يتضاءل فيها العامل البشرى، وأنظمة دفاعية وجوية وأنظمة مراقبة وتجسس فائقة التطور، تمكن من يستحوذ عليها من قلب توازن القوى العسكري رأسا على عقب، وحسم أي معركة عسكرية في غضون أسابيع. وعلى نحو مماثل، ستدفع هذه التقنيات النشاط الاقتصادي للدول إلى طفرة عالية، مما يزيد من قوتها الشاملة في سياق معادلة توازن القوى الحاكم للسياسة الدولية. لكن على الرغم من ذلك، فتلك الطفرة الاقتصادية الكبيرة التي ستكون على حساب استبدال العامل البشرى والوظائف التقليدية الرئيسية، ستكون في ذات الوقت ذات مردود خطير على الاستقرار الاجتماعي للدول، وتمتد تبعات عدم الاستقرار هذا بصورة خطيرة على السياسة الدولية. فعندما يقبع نصف المجتمع في بطالة في ظل هيمنة الرأسمالية على دول العالم حيث الدولة حارسة لرؤوس الأموال وليس متحكمة فيه. فالنتيجة الحتمية المؤكدة، هو اضطرابات وتظاهرات مزمنة، وتفش للفقر والبطالة بصورة مرعبة، وقتل للروح المعنوية للشباب تحديدا المكتسبة بصورة رئيسية من العمل المنتظم. والتداعيات إذن على السياسة الدولية لا تحصى مظاهرها، حيث تفش لمعدلات الهجرة، وتراجع حاد في الديمقراطية، وتنشيط للإرهاب الدولي. وعلى جانب آخر، تزايد حدة الصراعات بين الدول للاستحواذ على أكبر قدر من المزايا الاقتصادية والموارد الطبيعية لتلبية الاحتياجات الاجتماعية المزمنة من إعانات البطالة وغيرها للحفاظ على استقرار الدولة. ومن المظاهر المخيفة التي ينبه لها المتخصصون هي عودة ظاهرة الاستعمار الاقتصادي القديم، عندما كانت الدول المستعمرة تصدر أزمة فائض إنتاجها أو فائض بطالتها للخارج. والاستعمار البريطاني للهند كان انعكاساً للاثنين. المظاهر الإيجابية للذكاء الاصطناعي على السياسة الدولية صورها متعددة. ومن أهمها، تحقيق قدر من التوازن في علاقات القوة في النظام الدولي. فالذكاء الاصطناعي الذي تملكه أو تطوره بقوة بعض الشركات الكبرى مثل «تسلا»، سيصقل من وزنها النسبي في العالم، مما يجعل الدول الكبرى في حالة اعتمادية عليها، أو يحرمها من احتكار القوة المدمر للعالم. على نحو آخر، سيساهم في تعزيز قوة الدول الصغيرة خاصة العسكرية، مما يجعلها في توازن نسبى مع الدول الكبرى المهددة. فالدول الصغيرة الغنية مثل دول الخليج، أصبح بمقدورها امتلاك وتطوير أسلحة ذكاء صناعي فائقة التطور، قادرة على ردع خطط الدول المهددة على التهديد والتوسع والاحتلال. فالطائرات دون طيار التي ستشهد طفرة رهيبة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، ستهيمن على المجال الجوي العسكري سواء كان دفاعيا أو هجوميا أو لوجستيا أو في مجال التجسس. وأسوة بذلك أيضا أنظمة الدفاع المعتمدة على الذكاء الاصطناعي التي ستكون قادرة على صد وإسقاط كمي ونوعى مذهل للصواريخ، بغض النظر عن حجم الدول وموقعها الجغرافي. ويرى المتفائلون أيضا أن الذكاء الاصطناعي المتطور بمقدوره المساهمة بصورة كبيرة في حل الأزمات الدولية الخطيرة التي تهدد الاستقرار الدولي بصورة خطيرة، وعلى قائمة هذه الأزمات، التغير المناخي، وأزمة الغذاء والطاقة. ملخص الأمر، سيغير الذكاء الاصطناعي السياسة الدولية رأسا على عقب، بما في ذلك شكل وأنماط القواعد البروتوكولية، وقواعد عمل المنظمات الدولية والأعراف الدبلوماسية وغيره. كما ستنعكس تداعياته الإيجابية والسلبية بقوة على المنطلقات والمفاهيم الحاكمة للسياسية الدولية وخاصة «القوة». وفى خضم كل ذلك، فمن الصعب التنبؤ بغلبة انعكاس على الآخر، فبقدر ما يساهم بصورة كبيرة في استقرار السياسة الدولية، بقدر ما يساهم أيضا في زعزعة هذا الاستقرار بصورة خطيرة. وإن كنا نرجح عدم الاستقرار وتنامى الصراعات.

1071

| 13 مايو 2024

المعلن والمخفي في حظر «تيك توك»

ترجع قضية حظر تطبيق «التيك توك» إلى نهاية ولاية ترامب، الذى أصدر قراراً تنفيذياً بحظره لكنه تم إبطاله من جانب المحكمة الفيدرالية. ورغم اختلاف التوجهات بين ترامب وبايدن بصورة شاسعة خاصة على صعيد السياسة الخارجية؛ إلا أن الأخير قد حذا حذو ترامب تماماً بشأن الصين بل وبصورة أعنف بما في ذلك ما أمسى يسمى «الحرب التكنولوجية» التي ابتدعها ترامب. وقد تمخض عن ذلك، ضمن ما تمخض، توقيع الرئيس بايدن في نهاية إبريل على قانون لحظر تيك توك في الولايات المتحدة، بعد موافقة مجلس النواب عليه بأغلبية ساحقة، بصورة تعكس إجماعا حزبيا قلما يحدث. لماذا يثير تيك توك كل هذا الذعر الأمريكي، رغم كونه مجرد تطبيق تواصل اجتماعي لعرض مقاطع الفيديوهات القصيرة؟!!. والذعر الأمريكي من تيك توك ينطلق من مجموعة حقائق واستنتاجات شديدة الخطورة على كافة الأصعدة فيما يتعلق بالعلاقات أو الصراع مع الصين، بما في ذلك الصراع على الهيمنة الدولية. والبداية فيما أعلنته صراحة الإدارة الأمريكية ومفاده الخطورة الشديدة على الأمن القومي الأمريكي بسبب استحواذ الصين-التي تعد مقرا للشركة- على بيانات مستخدمي التيك توك في الولايات المتحدة التي يتجاوز أعدادهم 160 مليون مستخدم. وترى الولايات المتحدة أن الصين بإمكانها استخدام هذه البيانات السرية الشخصية بصورة مختلفة كالتجسس، أو التلاعب بالرأي العام، أو التأثير على الانتخابات، أو معالجتها بطريقة معينة لاختراق مؤسسات أمنية حساسة... إلى آخره. فضلا عن ذلك، ثمة حقائق عدة غير معلنة لا تقل أهمية عن حساسية الأمن القومي الأمريكي. ينبغي النظر إلى إصرار واشنطن على حظر التيك توك من منظور الحرب التكنولوجية المستعرة بين الدولتين، والتي بدورها لها عدة أبعاد وجوانب ذات أهمية استراتيجية. أصبحت التكنولوجيا أحد الأسلحة القوية للتفوق والنفوذ في النظام الدولي، وفى إطار الشعبية العالمية الجارفة التي بات يحظى بها التيك توك. فحظره إذن في الولايات المتحدة، ثم في دول حلفاء واشنطن بعد ذلك، سيساهم في عرقلة التفوق التكنولوجي للصين بصورة كبيرة، بما في ذلك التفوق في مجال الفضاء السيبرانى، ومجال التواصل الاجتماعي. حيث تسعى واشنطن جاهدة الحفاظ على ريادتها في كل تلك المجالات عبر شركاتها مثل فيسبوك وتويتر وآبل. وعرقلة التفوق التكنولوجي للصين بكافة أبعاده، سيحرم الصين من المزايا الاقتصادية المأهولة التي تجنيها من التكنولوجيا، ويضعف قوتها الناعمة التي تنشرها عالميا بقوة بالتعويل على الوسائل التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي. كما سيضعف موقف الصين أيضا في إطار حرب التفوق في مجال «الذكاء الاصطناعي» التي تتنافس به بشدة مع القوى الغربية. وتتسابق الدول الكبرى على التفوق في الذكاء الاصطناعي بصورة محتدمة، لما له من تأثيرات رهيبة على مقومات القوة خاصة العسكرية. ولعل من الاستنتاجات الجديدة لخطورة التيك توك التي اهتدت إليها واشنطن مؤخراً وتحديدا مع بداية حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، هو دوره الخطير في عرض الحقائق كاملة خاصة للرأي العام الأمريكي. في حين يتم حجب هذه الحقائق في التطبيقات الأمريكية المنافسة مثل يوتيوب وفيسبوك على خلفية أسباب مختلفة. فالتضامن العالمي غير المسبوق مع غزة- بما في ذلك أمريكا- ضد مجازر إسرائيل في القطاع، قد ساهم تيك توك بصورة كبيرة في إذكائه بسبب عرضه لحقيقة المجازر والوضع المأساوي عموما في غزة كاملة شفافة. ومن شأن ذلك، التسبب في أضرار بالغة للسياسة الخارجية الأمريكية المنحازة لإسرائيل. فضلا عن تشويه صورة الولايات المتحدة وقوتها الناعمة عالميا. ومما لا شك فيه، أن الحراك الطلابي الأمريكي غير المسبوق في الجامعات الأمريكية المتضامن مع غزة، والمندد بالمجازر الصهيونية في القطاع. سيزيد من عزم بايدن على حظر التطبيق وغيره من التطبيقات الصينية بصورة لا رجعة فيها. لما سببه هذا الحراك الطلابي من إحراج وإرباك شديد لسياسة الولايات المتحدة التقليدية لإسرائيل، بما في ذلك قوانين «معاداة السامية».

1041

| 06 مايو 2024

الحراك الطلابي الأمريكي

على إثر تصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية المطالبة بوقف الحرب في غزة، ووقف الدعم الأمريكي لإسرائيل، ومقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل. والتي بدأت في جامعة كولومبيا وامتدت حتى وقته إلى 30 جامعة أمريكية، وبعض الجامعات الكبرى في العالم. علق أحد الكتاب الأمريكيين الكبار بالقول إن أمريكا تتمزق، وعلق آخر أن أمريكا تتغير، وآخر كتب أن إسرائيل أمست عبئا شديدا على أمريكا. الحركات الاحتجاجية الطلابية في أمريكا، تُعد من الأحداث الفارقة جدا ذات الانعكاسات القوية على السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية. فتلك الاحتجاجات كانت أحد العوامل الرئيسية المساهمة لإنهاء الحرب الأمريكية في فيتنام عام 1960، وأيضا عاملا رئيسيا للدفع بقوانين منع التمييز ضد السود، وإعطاء زخم عام للحريات المدنية في الولايات المتحدة منذ السبعينيات، ومن المفارقات أن انطلاق شرارة هذه الاحتجاجات كان دائما من جامعة كولومبيا. وجهات نظر الكتاب الأمريكيين الكبار وغيرهم حول العالم التي ترى بتداعيات جذرية لتلك الاحتجاجات الأخيرة - على وجه الخصوص- على السياسات الأمريكية وخاصة السياسة الخارجية؛ لم تتأت من فراغ. بل من الأمور الحساسة الكثيرة الكاشفة لتلك الاحتجاجات، والتي بدورها ستهز بصورة مرجحة ثوابت وأركان راسخة في السياسة الخارجية الأمريكية، لعل من أهمها الدعم المطلق لإسرائيل. كشفت تلك الاحتجاجات عدة أمور مفصلية، لكن يمكن اعتبار أهمها هو التغير الواسع في التركيبة الاجتماعية الداخلية في أمريكا، والتغير الواسع أيضا في المزاج الاجتماعي والسياسي العام. الاحتجاجات الطلابية تعد انعكاسا أو مؤشرا قويا لقياس الرأي العام الأمريكي. وبالتالي، عندما تتوسع رقعة الاحتجاجات الطلابية بهذه الوتيرة الواسعة في غضون أيام قليلة، وتلقى هذا التضامن الواسع من قبل أساتذة أمريكيين كبار، وطلاب في العالم، وحتى زعماء مهمين حول العالم. فنحن، إذن، نشهد تحولا شعبيا واسعا من الدعم المطلق لإسرائيل إلى كراهية هذا الكيان الذي فضحته مجازره الوحشية المرتكبة في غزة. وهنا يجب الوضع في الاعتبار عدة أمور ومنها، أنها المرة الأولى في تاريخ أمريكا تنتفض الجامعات الأمريكية بهذه القوة الشديدة ضد إسرائيل. وأيضا، أن الأغلبية العظمى من الطلاب المشاركين في الحراك أمريكيو الأصل «من الجنس الأبيض»، وكثير منهم يهود أمريكيون أيضا. ومن ثم، فالدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل المدعوم بترسانة مسلحة من السياسيين واللوبيات ووسائل الإعلام ومراكز الفكر، والقادرة على توجيه وتشكيل الرأي العام الأمريكي لصالح إسرائيل. بدأت بالفعل تتداعى، كما سيتداعى معها صنم «معاداة السامية» المرعب. إذ منذ بدء مجازر إسرائيل على غزة في الثامن من أكتوبر، والإدارة الأمريكية في وضع حرج للغاية، حيث شهدت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بعضاً من التوتر، كما تعالت أصوات أمريكية ربما للمرة الأولى في تاريخ العلاقات منددة ومستهجنة للسياسات الإسرائيلية. كان آخرها الأسبوع الماضي من جانب «نانسى بيلوسى» رئيسة مجلس النواب واصفة نتنياهو بالمعرقل للسلام في المنطقة. ويمكن القول إن تصاعد الاحتجاجات الطلابية آخر يومين قد رفع من درجات الإحراج للإدارة الأمريكية، خاصة بعد تعامل الشرطة الأمريكية العنيف مع المحتجين، وانتهاكها للحرم الجامعي الأمريكي، والقبض على المئات. في حين أن احتجاجات الطلاب سلمية مطالبة فقط بوقف الدعم عن إسرائيل وحلفائها. وكان أول رد فعل من قبل إدارة بايدن هو وصف تلك الاحتجاجات بالفوضوية المعادية للسامية، وهو ما زاد من غضب المحتجين وأنصارهم. وفي الواقع يعكس رد الفعل هذا عجزا شديدا من جانب إدارة بايدن إزاء التعاطي مع الموقف. فهو من جهة غير قادر على إغضاب إسرائيل، ومن جهة أخرى قد تذرع بأنها «ضد السامية» لتبرير القبض التعسفي وإنهاء هذه الاحتجاجات، والمحافظة على صورة الولايات المتحدة في العالم وخاصة قوتها الناعمة. لكن نظن أن هذا الموقف لن يدوم طويلا، خاصة مع إدراكه لتأثير هذه الاحتجاجات على استحقاقه الانتخابي أواخر هذا العام. لكن ما هو أهم، أن تلك الاحتجاجات ستجبر أمريكا بلا أدنى شك على إجراء مراجعة شاملة إزاء دعمها المطلق لإسرائيل. ملخص البيان، الاحتجاجات الطلابية الأمريكية تمثل علامة فارقة بشأن الأحداث الكبرى للولايات المتحدة خاصة على الصعيد الخارجي. كشفت الاحتجاجات الطلابية الأخيرة عن تغير كبير في المزاج العام الأمريكي بشان إسرائيل، حيث تتصاعد بقوة كتلة معارضة لسياسات هذا الكيان الإجرامية. وما هو أهم أن هذا التغير سيكون له مردود واسع على السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل التي أصبحت عبئاً شديداً، إذ على الأرجح سيخف الدعم المطلق بدرجة ما، كما ستعيد أمريكا مراجعة القوانين المعادية السامية الرامية بصورة أساسية لحماية إسرائيل وتبرير سياساتها الوحشية التوسعية، وابتزاز دول العالم.

1356

| 30 أبريل 2024

قراءة في الدلالات والتداعيات الأوسع للرد الإيراني

رد إيران على إسرائيل محدود بالفعل، لكن دلالاته وتداعياته أوسع وأخطر. هكذا هي القراءة الصحيحة للرد الإيراني، إذا تجاوزنا مسألة "الرد المحدود" في حد ذاته، والتي تجعل مسار التحليل يذهب في اتجاهات غير موضوعية. ركزت أقلام كثيرة على أسباب الرد الإيراني المحدود، وعكس كثير من هذه الأقلام خلاصات غير موضوعية وغير متزنة تماما، وذلك من قبيل: انكشاف هشاشة القوة الإيرانية، فشل قوتها الهجومية، خوف إيران من المواجهة.. إلى آخره. وإلى جانب عدم موضوعية هذه الخلاصات؛ فإن صب زاوية التركيز فقط على أسباب الرد المحدود يجعلنا نتغافل عن الدلالات الأوسع والخطر لهذا الرد في حد ذاته. رغم كونه ردا محدودا، لكنه مباشر. إذ للمرة الأولى منذ اشتداد الصراع القائم بين إسرائيل وإيران منذ أربعة عقود، تنخرط إيران في مواجهة مباشرة مع إسرائيل. ودلالات ذلك كبيرة وخطيرة، ومنها، انتقال الصراع فعلياً من مربع الصراع غير المباشر عبر الوكلاء والاغتيالات والحرب السيبرانية إلى مربع المواجهة المباشرة. يعرف المتخصصون وصناع القرار وحتى الإسرائيليون وحلفاؤهم، أن إيران لا تخشى المواجهة أو الحرب الشاملة مع إسرائيل على الإطلاق، لكنها لا تحبذها بالقطع نظراً لتداعياتها المدمرة، أو على أقل تقدير لا تريدها في الوقت الراهن. لأسباب كثيرة ترتبط معظمها بخطط واستراتيجيات إيران التي تتسم بالصبر والذكاء إلى حد بعيد. فضلا عن أنماط تنفيذ هذه الخطط المعتمدة على المناورة بأوراق كثيرة، ومنها الوكلاء. والحقيقة أن تلك الخطط تحقق نجاحات كبيرة، وتقرب إيران من أهدافها الاستراتيجية ومن أبرزها امتلاك سلاح نووي ردعي. وعلى إثر ذلك، يتكشف لنا بصورة ما لماذا كان رد إيران محدودا. فمن ناحية هو تجنب لمواجهة شاملة مع إسرائيل وبالطبع الولايات المتحدة في غير أوانها. ومن ناحية أخرى، رسالة مباشرة واضحة لإسرائيل بعدم التمادي في الاعتداء على إيران ومصالحها، وقدرة واستعداد إيران بالتبعية لخوض حرب مباشرة أكثر شراسة. وهذا ما أكدته التصريحات الإيرانية الرسمية بعد الرد، بالقول إن هدف الرد الأساسي كان مجرد تحذير لإسرائيل. وستواجه إسرائيل ردا أعنف في المرة القادمة إذا استمرت في نهجها المعادي لمصالح إيران وسيادتها. ومن الدلالات والتداعيات الخطيرة للرد الإيراني، والمهمل أو المتغافل الإشارة إليها. هو تداعيات الرد على الداخل الإسرائيلي. إذ ضاعف الرد الإيراني من الشكوك المتعلقة بنظرية أمن إسرائيل الحصين، وكذلك قد ضاعف من مخاوف وشكوك يهود الداخل حول مستقبل العيش في إسرائيل. والتي قد تنامت بصورة كبيرة بعد طوفان الأقصى، حيث اضطر آلاف اليهود من مزدوجي الجنسية إلى الفرار من إسرائيل. فالرد الإيراني حتى ولو كان محدودا، وتصدت الدفاعات الإسرائيلية له بكفاءة-كما تزعم إسرائيل- لكنه ينذر يهود الداخل بمزيد من جولات المواجهة الشرسة بين إسرائيل وإيران في المستقبل القريب. لا سيما بعد انتقال الصراع من المربع غير المباشر إلى المباشر كما ذكرنا. وعليه أيضا، فتشدق قادة إسرائيل بتحقيق انتصار في هذه المعركة ينطوي على سوء تقدير وقصر نظر ضحل للغاية. وعلى مستوى آخر بالغ الأهمية، أعطى الرد المباشر لإيران قوة دفع كبيرة لحركات المقاومة المسلحة ضد إسرائيل. وذلك بحسبان أن إيران تقود المقاومة ضد الكيان الصهيوني المغتصب أراضي عربية بصورة غير مشروعة عملا بقواعد القانون الدولي. خلاصة الأمر، الرد الإيراني المحدود على إسرائيل لا يعكس خوفا أو ضعفا إيرانيا. بل يعكس في حقيقة الأمر رسالة تحذيرية عقلانية لإسرائيل من مغبة التمادي في استفزاز إيران. إذ كيف توصم إيران بالخوف أو الضعف من إسرائيل، أو ضعف قدراتها. في حين أن واحدا فقط من وكلائها حزب الله قادر على ردع إسرائيل بأسلحة إيرانية، ومسبب لها تهديدا أمنيا مزمنا. وعلى كل الأحوال، رغم أنه محدود، إلا أنه قد نقل الصراع إلى المربع المباشر، وضاعف من مخاوف يهود الداخل بشأن وجود ومستقبل إسرائيل. وربما الأهم أنه سيعيد الحسابات الإقليمية والدولية لتفادي استفزاز إسرائيل ومنع حرب إقليمية واسعة. لا سيما وأن إسرائيل تسعى بشتى الطرق لتوريط واشنطن في حرب مع إيران للإجهاز تماما على كابوس القنبلة النووية.

1623

| 18 أبريل 2024

لماذا أصبح ترامب الأكثر قرباً للبيت الأبيض؟

بنسبة تتخطى الـ 95 % حسم السباق الرئاسي الأمريكي في أواخر هذا العام بين ترامب مرشح الحزب الجمهوري، والرئيس بايدن مرشح الحزب الديمقراطي. بيد أن ثمة عوامل كثيرة قد أصبحت دافعة بقوة لعودة ترامب مرة أخرى للبيت الأبيض، رغم الجدل الشديد المثار حول أهليته القانونية للترشح بالأساس مرة أخرى. والحقيقة التي لا يمكن إنكارها، أن جانب الحظ يخدم بصورة كبيرة ترامب. فإلى جانب فرق السن مع بايدن، وعدم وجود مرشح شاب- إحدى المفارقات العجيبة للانتخابات الأمريكية- ينافس كليهما، فإن كثيرا من العوامل الدافعة لفوز ترامب قد جاءت له على طبق من ذهب. يمثل الوضع الاقتصادي العام العامل الأكثر حسماً في ترجيح كافة الرئيس الأمريكي في الفوز. ولعل من حسن حظ ترامب، وسوء حظ بايدن بالمقابل، أن الوضع الاقتصادي العام في أمريكا شديد السوء والتدهور منذ الحرب الروسية الأوكرانية. فمنذ اندلاعها، لم يستطع المركزي الأمريكي السيطرة تماما على معدلات التضخم الكبيرة، ويتصدى لها عبر رفع معدلات الفائدة بصورة دورية. ويتضاعف سوء حظ بايدن في صدد ذلك أنه أمام منافس له سجل قوي في تحسين معدلات الاقتصاد الأمريكي بصورة كبيرة. إذ تعد فترة ترامب من أكبر الفترات في تاريخ أمريكا التي شهدت معدلات نمو كبيرة، وتراجعا حادا في البطالة. وربما يتساءل البعض عن سبب الارتفاع الكبير لشعبية ترامب شعبيا وحزبياً بمعدلات أكبر مما كانت عليه أثناء ترشحه وفترة ولايته. والجواب يكمن في التغير الكبير في المزاج العام الأمريكي خلال الأعوام الخمسة الماضية. فبحسب أحدث استطلاعات مراكز الأبحاث الأمريكية كمركز «بيو»، تتوسع بصورة مطردة كتلة- أغلبها من البيض - تميل إلى سياسات الانعزال، والعنصرية، وكراهية الليبرالية الاقتصادية، ورفض التوسع في استقبال المهاجرين ونيل المزيد من حقوقهم الأساسية. ومن ثم، فترامب هو أفضل من يعكس مزاجهم الحالي. والمشكلة الكبرى التي يعاني منها الحزب الديمقراطي حاليا وفقا لتلك الاستطلاعات، أن تلك الكتلة تتزايد بصورة كبيرة في الولايات التقليدية للديمقراطيين، خاصة وأن إخفاقات بايدن الاقتصادية قد فاقمت من تنافر تلك الكتلة من الحزب الديمقراطي. وعلى الرغم من أن السياسة الخارجية لا تلعب دوراً كبيراً في مسألة الوصول إلى البيت الأبيض. بيد أنها في ذلك السباق قد غدت من الأمور الحاسمة لصالح ترامب بالطبع. فعلى الأرجح، أن الأمريكيين قد تيقنوا أن إستراتيجية ترامب (الانعزالية- الانتقائية) في سياق شعاره الرئيسي «أمريكا أولاً»، أنها كانت صائبة بدرجة كبيرة جداً. إذ فبحسب كثير من استطلاعات الرأي الأمريكية، ثمة عدم رضا أمريكي واسع عن سياسة بايدن الخارجية. إذ يرى معظم من شملتهم الاستطلاعات، أن اهتمام بايدن الواسع بدعم أوكرانيا في حربها على روسيا، ودعم إسرائيل في حربها على غزة، ودعم التحالفات الأمنية الواسعة في الباسيفيك لمواجهة الصين، يعد خطأ كبيرا يأتي على حساب الاقتصاد الأمريكي المنهك. ناهيك عن تعجب المستطلع آراؤهم عن جدوى الاهتمام الأمريكي بتلك الحروب والمناطق البعيدة عن الولايات المتحدة بالألف الكيلو مترات. ومن الواضح جداً، التأثر الشديد بهؤلاء المستطلع آراؤهم بمنطق ترامب في السياسة الخارجية والمتحور بصورة أساسية حول عدم إيلاء أي اهتمام بقضية خارجية ليس للولايات المتحدة أي مصلحة حيوية فيها. ويذكى ترامب هذا التأثير من خلال تصريحاته ووعوده بشأن هذه القضايا. إذ على سبيل المثال، صرح بوضوح بضرورة وقف الحرب في أوكرانيا، وإيقاف نزيف إنفاق الخزينة الأمريكية المستدام عليها، كما تعهد إذا فاز، بمقابلة بوتين شخصياً، والاعتراف بضم روسيا لجزيرة القرم، وأجزاء من شرق أوكرانيا. والحقيقة أن تقليص دعم الكونجرس الأخير للمساعدات المالية والعسكرية لأوكرانيا، يدعم بشدة منطق ترامب، ويدعم شعبيته في المقابل. ومن المفارقات العجيبة هي تصريحات ترامب بشأن الحرب في غزة- رغم دعمه المطلق لإسرائيل - إذ صرح بضرورة وقف هذه الحرب بسرعة، كما يرى أن استمرار هذه الحرب سيفقد إسرائيل جزءا كبيرا من دعمها وشرعيتها الدولية. وفي التقدير الأخير، يمكن القول إن كافة الظروف والمعطيات الحالية تصب في بند حظ ترامب، من عامل فارق السن، إلى عامل تغير المزاج العام، مروراً بفشل بايدن داخليا وخارجياً، وصولاً إلى التصويت العقابي المرجح من جانب الأقليات والمهاجرين ضد بايدن على خلفية دعمه المطلق لمجازرإسرائيلفيغزة.

1323

| 09 أبريل 2024

هجمات موسكو: المنفذ والأهداف والتداعيات

في يوم 22 مارس 2024، تعرضت روسيا لأعنف عملية إرهابية منذ تولي بوتين السلطة عام 2000، والتي نفذها إرهابيون على قاعة «كروكوس سيتي» الموسيقية التي لا تبعد كثيرا عن موسكو. وراح ضحيتها أكثر من 150 قتيلا وعشرات الجرحى. وأثارت العملية جدلا وتساؤلات لا حصر لها بشأن منفذها وأهدافها وتوقيتها، وكذلك تداعيتها على مستويات عدة. فالعملية قد نفذت بعد يومين فقط من إعادة انتخاب بوتين كرئيس للمرة الخامسة. كما نفذت أيضا في ضوء تصعيد بين حلف الناتو وروسيا، وخلافات من ناحية أخرى بين المجموعة الغربية حول الدعم العسكري لأوكرانيا.. وغيرها من المعطيات المرتبطة بالعملية التي فاقمت الجدل حولها. لم تمض ساعات قليلة على وقع العملية حتى أعلن الفرع الأفغاني التابع لتنظيم داعش المسمى «داعش خراسان» مسؤوليته الكاملة عن العملية الإرهابية. ورغم ذلك، تضاربت الأقوال الرسمية والتحليلات حول هوية المنفذ، ففي حين أكدت واشنطن مسؤولية التنظيم عن الحادثة وقالت أيضا إنها حذرت موسكو من عمليات إرهابية من قبل التنظيم قبل وقوع العملية بفترة قصيرة. نفت موسكو في البداية أي صلة بالتنظيم عن العملية، متهمة أوكرانيا بصورة مباشرة. لكن لم يمضِ يومان حتى أعلنت موسكو عن تورط التنظيم في العملية لكن بدعم وتواطؤ أوكراني، وهو ما أكده الرئيس بوتين علانية في لقاء متلفز. ومن الملفت أن كثيرا من التحليلات الصحفية يكتبها صحفيون ومحللون مرموقون؛ قد كذبت تلك الروايات الرسمية. يمكن القول، إن للعملية الإرهابية على موسكو عدة تداعيات مؤكدة على ملفات محددة. لكن المشكلة تكمن في صعوبة الجزم أي من تلك التداعيات سيتم ترجيحه على الآخر في سياق ذات الملف في المستقبل القريب. إذ تحمل تداعيات كل ملف سيناريوهين أو أكثر يسيران بصورة متناقضة. وبطبيعة الحال تعد الحرب الأوكرانية من الملفات الأولى التي ستطالها تلك التداعيات. يتبين من إصرار موسكو على إقحام أوكرانيا بصورة أو بأخرى في العملية الأوكرانية، على أن الحرب الأوكرانية قد تشهد في الشهور القادمة مزيدا من العنف والحسم من جانب موسكو. لكن على الجانب الآخر من الزاوية، نجد أن روسيا قد انخرطت فعليا في جبهة قتال شرسة أخرى مع الإرهاب وافد من حدود ملتهبة خاصة أفغانستان، تستلزم حشد المزيد من التركيز والموارد، والأصعب على موسكو حتمية التعاون الاستخباراتي مع الأعداء الغربيين وخاصة واشنطن. ويجب الوضع في الاعتبار أن المعارضة الروسية وجانبا كبيرا من الصحف العالمية، تحمّل القيادة الروسية المسؤولية الكاملة عن العملية الإرهابية بسبب الإفراط في التركيز على أوكرانيا على حساب المواجهة الحاسمة للإرهاب الذي يهدد روسيا على جميع حدودها بحسبان ذلك الأولوية وليس أوكرانيا. وبالقطع من العسير جدا ترجيح أي من السيناريوهين، لكن نظن أن العملية الإرهابية قد يكون لها مردود إيجابي على الحرب الأوكرانية وذلك من حيث تخفيف حدة العنف، وبدء عملية تسوية للحرب بدعم غربي - صيني. أحد التداعيات الأخرى ذات الأهمية الكبيرة وذات صلة أيضا بالحرب الأوكرانية، يتمثل في تداعيات العملية على شعبية الرئيس بوتين. بنى بوتين منذ توليه الرئاسة عام 2000 جزءا كبيرا من شعبيته باعتباره حامي روسيا من خطر الإرهاب، حيث بدأ ولايته الأولى بحرب عنيفة ضد المتمردين في الشيشان. ورغم من يرى أن العملية بغض النظر عن تواطؤ موسكو فيها، ستصب في صالح زيادة شعبية بوتين. يرى آخرون، أن مردود العملية شديد السلبية على شعبية بوتين حيث أفقدته جزءا كبيرا من شرعيته، حيث أصحبت تتهم الأجهزة الأمنية بالضعف والإهمال والعمل لحماية النظام وليس الشعب.

1659

| 01 أبريل 2024

لماذا تتعثر مبادرات الهدنة في السودان؟

قبيل اندلاع حرب الإبادة الصهيونية في غزة في السابع من أكتوبر 2023، نالت الحرب الأهلية في السودان استحواذ الاهتمام الدبلوماسي الدولي والاهتمام الإعلامي أيضا خاصة العربي. وخلال الفترة التي غابت فيها الحرب في السودان عن الاهتمام نظير غزة؛ شهدت الحرب في السودان تطورات شديدة السلبية جراء تزايد حدة الصراع. فبحسب الأمم المتحدة، وصلت أعداد النازحين قرابة الـ 5 ملايين، كما يعاني قرابة 5 آخرين من أزمة غذاء تنذر بمجاعة، بخلاف عشرات القتلى يومياً، إذن فالوضع في السودان لا يقل كارثية عن غزة. إن مبادرات الهدنة والحل في السودان منذ اندلاع الصراع بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني لن تتوقف. ومنذ أحداث طوفان الأقصى؛ جرت جهود تهدئة من قبل كل من قطر والسعودية ومصر والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وغيرها، لكنها لم تسفر عن أي تطور - كما كان متوقعا. كما لم يتم تسليط الضوء عليها بشكل كاف بسبب الانشغال بغزة. ووراء فشل تلك الجهود والمبادرات الساعية حتى لهدنة مؤقتة وكان آخرها قرار مجلس الأمن بالدعوة لوقف القتال في شهر رمضان الكريم؛ أسباب عدة كاشفة للغاية لفشل الهدنة وترشح الوضع في السودان لمزيد من التدهور. منذ اندلاع الصراع الطاحن بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كان واضحا من البداية أن هذا الصراع سيدوم لفترة طويلة، لأنه في جوهره صراع «صفري» على الهيمنة على السودان، طرف يجب أن يحقق انتصارا ساحقا على الآخر. وما فاقم الصراع أن قوات الدعم السريع تمتلك من الخبرة والإمكانات البشرية والعسكرية ما يمكنها من استنزاف الجيش السوداني أو تحقيق مكاسب على الأرض في ولايات مختلفة. هذا فضلا عن الدعم الخارجي القوي لها. وأبلغ دليل على ذلك هو عدم تمكن الجيش السوداني من تحقيق انتصار حاسم على قوات الدعم بعد قرابة سنة من القتال اليومي المستمر. مقابل ذلك، يصر الجيش السوداني، وفقا لتصريحات مسؤوليه، على القضاء على الحركة ودمج قواتها في الجيش السوداني. إذن، حينما نفسر سبب فشل جهود الهدنة، وبدء حوار أو تفاهم سياسي بين الطرفين، يجب أن نعي أن تحت السطح هذا الصراع الصفري المدعوم خارجيا. وتكمن المشكلة أيضا، أن أية تنازلات خاصة من جانب الجيش السوداني، هي بمثابة إقرار باستمرار قوات الدعم خارج السيطرة التامة كقوة موازية للجيش السوداني. إذ إن موقف حركة الدعم القاضي بعملية الدمج خلال خمس سنوات وإعادة هيكلة القوات المسلحة لبدء حوار مع الجيش لن يتغير، ولن يقبله الجيش أيضا لأنها مجرد مناورة لتقوية الحركة. وإن كان الصراع الصفري بين الطرفين هو السبب الجوهري لاستمرار تأزم الوضع في السودان، تبرز مجموعة أسباب أخرى مدعاة لاستمرار هذا التأزم. ويأتي على رأسها انشغال القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة بقضايا أخرى أكثر أهمية لديها وخاصة الوضع في غزة. في حين أن الوضع المتدهور في السودان يتطلب مزيدا من التركيز والاهتمام. وأسوة بذلك أيضا، نرى عدم تركيز دولي أو أممي عموما بالسودان حيث ينصب الاهتمام على غزة وأوكرانيا. وهذا بدوره يفشل أية مبادرات للهدنة في السودان التي تحتاج إلى دفعة قوية من القوى الكبرى والأمم المتحدة. ولعل من ضمن الأسباب الأخرى، عدم توافر وسيط حيادي مقبول لدى الطرفين. في حين أن سبب رفض جهود ومبادرات الهدنة التي قدمها أطراف مختلفة تعزو إلى التحيزات الكامنة غير المعلنة لطرف على حساب طرف. وقد سبق وأشرنا في مقالات سابقة، ونكرر الآن، أن الوضع في السودان يحتاج إلى وسيط متمرس حيادي مثل قطر مدعوماً بقوة دفع من قبل الأمم المتحدة والقوى الكبرى خاصة الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ملخص البيان، الصراع في السودان يعد من أعقد الصراعات العصية على الحل، ويزداد تعقيداً يوما بعد يوم. وهذا يقتضي في مرحلته الأولى لوقف نزيف الدم المستمر وعرقلة أزمة إنسانية عالمية؛ مزيدا من التركيز الدولي والدفع بوساطة مقبولة وحيادية لدى الطرفين، والضغط لوقف الدعم الخارجي.

1254

| 25 مارس 2024

الثقافة والنشر بين قطر والصين.. رؤية حضارية

شاركت في ندوة عقدت في الدوحة برعاية المجموعة الصينية للإعلام الدولي ودار النشر باللغات الأجنبية، ومجلة «الصين اليوم»، وبتنسيق «مجموعة بيت الحكمة للثقافة»، تحت عنوان «التبادل الحضاري والتنمية العالمية... علاقات الثقافة والنشر بين قطر والصين في العصر الجديد». شارك في الندوة كل من لو تساي رونغ نائب مدير المجموعة الصينية للإعلام الدولي، وتشياو شو رئيس قسم الإعلام السياسي في السفارة الصينية في قطر، وبشار شبارو المدير التنفيذي لدار جامعة حمد بن خليفة للنشر والأمين العام لاتحاد الناشرين العرب، ولي ووتشو نائب مدير مركز إعلام أوروبا الغربية وأفريقيا (دار مجلة الصين اليوم). مشاركتي جاءت بحكم تخصصي في الشأن الصيني حيث كانت رسالة الدكتوراة والعديد من الأبحاث التي شاركت بها في مؤتمرات معنية بتطور العلاقات العربية الصينية وشملت قائمة المشاركين في الندوة السيد وانغ قوانغ دا، الأستاذ في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية ومدير المركز الصيني العربي لأبحاث الإصلاح والتنمية، والدكتور أحمد السعيد الرئيس التنفيذي لمجموعة بيت الحكمة للصناعات الثقافية في مصر. وضمّت الندوة ضيوفاً في مجالات الثقافة الصينية والعربية والنشر والإعلام ومراكز الأبحاث وغيرها من المجالات، حضوراً وعبر الإنترنت، وأدار الندوة السيد جيا تشيويا، نائب رئيس دار النشر باللغات الأجنبية. استعرضت الندوة التطور السلس للعلاقات الدبلوماسية بين الصين وقطر منذ تأسيسها عام 1988، حيث حافظت الدولتان في السنوات الأخيرة على التبادلات الثنائية الوثيقة رفيعة المستوى، وعززتا الثقة السياسية المتبادلة، وحققتا نتائج مثمرة في التعاون العملي في مختلف المجالات، كما حافظت الدولتان على التواصل الوثيق والتعاون الجيد في الشؤون الدولية والإقليمية. المجموعة الصينية للإعلام الدولي - باعتبارها منظمة مهنية دولية شاملة للاتصالات - تسعى لتعزيز التبادلات وتعميق التعاون في التنمية المشتركة مع قطر، والعمل بجدّ لتعزيز بناء الحزام والطريق وبناء مستقبل أفضل، والسعي لبناء مصير مشترك للبشرية. كما نوقشت ثلاث نقاط أخرى تمثلت في: تعزيز التعاون في مجال النشر بين الصين وقطر لتشجيع الفهم المتبادل، وتعزيز التعاون الإعلامي بين الصين وقطر للسرد المشترك لكيفية سير البلدان النامية في طريق التنمية الحديث بخصائصها المتميزة، وتعزيز التبادلات الثقافية والحضارية وتقوية الروابط بين الشعوب. الندوة استعرضت تاريخ العلاقات الودية بين الدول العربية والصين التي تتمتع بتاريخ طويل، ولم تشهد صراعات على مدار أكثر من 1000 عام، وفي السنوات الأخيرة وضعت الصين نموذجًا للعلاقات الدولية وفق مفهوم بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية. وذلك على عكس المجتمعات الغربية، المليئة بالتناقضات والمعايير المزدوجة، ذلك أنّ الرؤى والمفاهيم الصينية تحظى بدعم وتأييد شامل من الدول العربية بما في ذلك قطر، ويرجع ذلك إلى أنّ الصين قدّمت مثالًا يُحتذى به في تطبيق أفكارها ومقترحاتها في مختلف مجالات التعاون، وهي في سبيل ذلك تتحدث بلغة الأفعال وسرد الحقائق. الجانب الصنيي أبدى حرصا كبيرا على تطوير العلاقات الثقافية مع العالم العربي بالإشارة إلى التاريخ الحافل للتبادل الحضاري بين الشعب الصيني والشعوب العربية، وأنّ الحضارتين الصينية والعربية قدّمتا مساهمات إيجابية في بناء نظام ثقافي عالمي جديد متناغم، من خلال التبادلات والاندماج في ما بين الجانبين. على سبيل المثال ظهرت فاعلية «الكونفوشيوسية لتفسير الكتب المقدّسة» في الصين خلال عهد أسرتيّ مينغ وتشينغ، واستمر لأكثر من 200 عام، وهو بمثابة محاولة ناجحة لتقارب العقيدة الإسلامية مع الثقافة التقليدية الصينية، ما أسهم في تعميق فهم الثقافة الصينية من جهة، والتبادل الثقافي مع البلدان العربية من جهة أخرى، وأصبح ذلك نموذجًا ناجحًا في تاريخ الحوار الحضاري بين الشرق والغرب، كما أدّى دورًا مهمًّا في تعزيز التعايش متعدد الثقافات وتنمية الحضارات حول العالم. إنّ الدول العربية والصين لهما نفس الرؤية التنموية والمثل العليا الراسخة. ومن أجل بناء نظام عادل ومنصف، والتحدث معًا بشأن العديد من القضايا الدولية والإقليمية الكبرى، أتمّت مبادرة «الحزام والطريق» التي اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ عقدها الثاني. وقد تلقّت هذه المبادرة العظيمة ترحيبًا من الدول العربية المختلفة، ومن بينها قطر. وقد ساهمت مشاريع البنية التحتية، التي نفّذتها الشركات الممولة من الصين، في البناء الحضري والإقليمي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولاقت قبول الرأي العام في جميع مناحي الحياة.

774

| 19 مارس 2024

الحملة العسكرية الأمريكية والقضاء على خطر الحوثيين

في منتصف يناير الماضي شكلت الولايات المتحدة تحالف «حامي الازدهار» العسكري لمحاربة جماعة الحوثيين في اليمن، ردا على الهجمات المتعددة التي شنتها الجماعة على سفن تجارية في البحر الأحمر تابعة أو داعمة لإسرائيل. وواقع الأمر، توقع الخبراء فشل الحملة في القضاء التام على الجماعة، أو ردعها عن استمرار عملياتها، قبل أن تنطلق الحملة. وبحسب ما ورد لنا من تقارير البنتاجون، نفذ التحالف منذ انطلاق مهمته عشرات الضربات الجوية قدرت بأكثر من 100 على مواقع للجماعة ومخازن لتخزين السلاح. وبحسب التقارير أيضا، نجحت هذه الضربات في شل قدرة الجماعة على تنفيذ ضربات جديدة بنسبة تصل الى 40%. بيد أن ضربة الحوثيين الأخيرة التي أدت إلى إغراق السفينة «روبيمار»-المزعم تبعيتها لإنجلترا- قد وضعت تلك التقارير محل شك كبير، كما أصبحت إمكانية القضاء التام على الجماعة أو ردعها تماما محل شك أيضا. إذ كشفت تلك الحادثة أمرين غاية في الأهمية أو الخطورة. أولهما، القدرة الكبيرة للجماعة على إعادة تنظيم نفسها، وقدراتها على المراوغة، والتخطيط المدروس بدعم من حلفاء إقليميين. والثاني، الإمكانات العسكرية والبشرية الكبيرة التي تمتلكها الجماعة، وفشل قوات التحالف في تحديد أو دراسة تلك الإمكانات بدقة، لاسيما أماكن تخزين السلاح. إذن لا تمثل الجماعة مليشيا عسكرية، بل هي قوة عسكرية تفوق قدراتها وقوتها جيوش دول صغيرة ومتوسطة. وبالتالي فمن حيث المبدأ فإن هزيمتها ليست بالأمر السهل. فضلا عن استخدامها تكتيكات حروب العصابات والقوات شبه النظامية مما يجعل هزيمتها أمام الجيوش النظامية غاية في الصعوبة-بل مستحيل في أغلب الأوقات. علاوة على ذلك، تتبدى خلفيات أخرى هامة في صعوبة هزيمة أو ردع الجماعة تماما. ومنها أن تقويض قدرة الجماعة والحد من خطورتها، وواقع الأمر، يتبين أو يعكس نمط الضربات الانتقائي الأمريكي تجاه الجماعة، حرص أمريكي على عدم التوسع في القتال عاكس تماما لعدم الرغبة في مزيد من التركيز. فضلا عن ذلك أن شركاء واشنطن يشاركونها نفس الرغبة. فتحالف «حامي الازدهار» وفقا للخبراء لا يرقى منذ تشكيله إلى مستوى التحالف العسكري القوي، وهو بمثابة قوة عسكرية مصغرة في مهمة مؤقتة. حيث أحجم الكثير من شركاء واشنطن الأقوياء في المنطقة وخارجها عن المشاركة. ويذهب العقلاء -ونتفق معهم- أن القضاء على خطر الحوثيين أو تخفيف هذا الخطر إلى حد كبير، يجب أن يرتكن على الحلول السياسية في المقام الأول. وتحديدا عبر ثلاثة مسارات. الأول هو الضغط على إسرائيل لإيقاف حرب الإبادة في غزة، والبدء في حل سياسي شامل للصراع العربي الإسرائيل، إذ ما دام الصراع موجودا، لن تنتهى المقاومة ضد إسرائيل. والثاني هو إجراء تسوية سريعة أو مصالحة مع إيران وفك عزلتها الدولية. والأخير، هو العمل على إجراء مصالحة شاملة في اليمن والاعتراف بالحوثيين كفصيل وطني أصيل. فالحوثيون يمثلون ما يقرب من 15% من اليمنيين. ملخص البيان، يذكرنا التاريخ جيدا أن هزيمة القوات شبه النظامية خاصة التي تقاتل في أماكن شديدة الوعورة مثل اليمن وأفغانستان، أمر شبه مستحيل وتعلم الولايات المتحدة ذلك جيدا. وبالتالي فاستمرار القتال العسكري ضد الحوثيين سيفضي إلى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار. إذن لا مفر من الحل السياسي كما آلت إليه كل الصراعات بين القوات النظامية وشبه النظامية التي تورطت واشنطن في الكثير منها.

1014

| 12 مارس 2024

ترامب والديمقراطية الأمريكية

يجمع المتخصصون على أن وصول ترامب للبيت الأبيض في 2017، كان في حد ذاته دليلا دامغا على أن الديمقراطيات الغربية عموما تعانى من أزمة حادة. يمثل ترامب المظهر الأقوى لصعود الشعبوية اليمينية المتطرفة في الديمقراطيات الغربية. في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، بدأت تتشكل في الديمقراطيات الغربية ما يطلق عليه «قاعدة الرجل الأبيض» والتي لديها هواجس رهيبة بشأن ضياع الهوية القومية بسبب زيادة عدد الأجانب، ولديها أيضا سخط رهيب على السياسات النيوليبرالية الاقتصادية التي أسقطت الملايين في الغرب في الفقر والبطالة، ووسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء بصورة مرعبة. وعلى إثر ذلك، توسعت قاعدة الرجل الأبيض بحيث أصبحت القاعدة الرئيسية الداعمة للتيارات اليمينية المتشددة والتيارات الشعبوية. وكلا التيارين لديهم أفكار وخطابات معادية تماما للديمقراطية والقيم النيوليبرالية. وصل ترامب للبيت الأبيض على ظهر قاعدة الرجل الأبيض الأمريكي التي تشكلت في 2008 على يد «حزب الشاي» وقوامها من البيض الأمريكيين في الولايات الهامشية، والإنجيليين الأصوليين. وتوسعت بسبب فوز أوباما بانتخابات عام 2009، الذى ينظر إليه من قبل قاعدة الرجل الأبيض العنصرية بالأمريكي غير الأصلى، والتدهور الحاد في الاقتصاد الأمريكي. وحمل خطاب ترامب أجندة متطرفة متشددة للغاية ترتكز على تغذية أصولية الرجل الأبيض وشيطنة الأقليات والأجناس الأخرى خاصة السود والمسلمين والمكسيكيين باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية وسبب تراجع أمريكا. كما تأسس خطابه أيضا على عداء النظام الديمقراطي الراسخ في أمريكا بكل مكوناته خاصة جماعات الضغط. ولعل ذلك أهم ما يميز التيارات الشعبوية عن غيرها من التيارات هو سعيها إلى تغيير بنية النظام الديمقراطي والعداء الشديد للنظام المؤسسي. وأيضا، بنى خطاب ترامب على الهجوم على النيوليبرالية والعولمة والانفتاح الاقتصادي متهما إياهم بتدهور أمريكا وفقدان سيادتها. وعلى إثر ذلك، تشهد أمريكا منذ ولاية ترامب، نكوصا حادا في الديمقراطية. فالترامبية الشعبوية المرتبطة باسم ترامب، قد أفرزت ثلاثة مظاهر خطيرة تشير إلى التراجع الحاد في الديمقراطية الأمريكية. أولهما تفاقم أصولية الرجل الأبيض وتنامى العنصرية والكراهية ضد غير الأبيض، وهو ما تجسد في مقتل «جورج فلويد». والثاني، زيادة حدة الاستقطاب المجتمعي وفقدان أمريكا لروح الجماعة. والثالث وهو الأخطر، تعميق حدة الاستقطاب المؤسسي والحزبي، ووضع القواعد المنظمة للديمقراطية وشرعيتها في حالة من الفوضى والتشكيك. ترك ترامب البيض الأبيض في 2021، تاركاً وراءه ترامبية تغلغلت بصورة مرعبة في مفاصل المؤسسات الأمريكية. فمنذ هزيمته أمام بايدن، لم يكف هو وأنصاره عن التشكيك في شرعية الانتخابات الأمريكية وهو ما لم يحصل في تاريخ أمريكا، محاولاً أيضاً إبطال شرعيتها عبر الدفع بأكثر من 60 دعوة قضائية لإبطالها. إذ بحسب مركز بيو للأبحاث يرى ما يقرب من 46% من الأمريكيين أن انتخابات عام 2020 غير شرعية. محاولات ترامب تدعمها الأغلبية في الحزب الجمهورى، وهو ما يعني إجماع نظام الحزبين في أمريكا حول نقل السلطة في مشهد رهيب. ناهيك عن حالة الفوضى الديمقراطية الجارية حول أهلية ترشح ترامب لانتخابات عام 2024. تتباين الاستطلاعات حول فرص ترامب في الفوز في انتخابات 2024، لكنها ترى أغلبها أن فرصه بالفوز كبيرة. علاوة على ذلك، يعد ترامب حتى الآن المرشح الأكثر تفضيلا للحزب الجمهوري، خاصة بعد انسحاب رون ديسانتيس من السباق معلنا أيضا تأييده الكامل لترامب. إذن، فالمرجح على نحو كبير للغاية أن يكون ترامب منافس الحزب الديمقراطى في سباق 2024 وغالبا سيكون بايدن. وربما سيحقق انتصارا كبيرا. لكن الشاهد في الأمر، أن نجاح ترامب في الوصول لاستحقاق 2024 حتى في حال خسارته يشير بجلاء إلى أزمة حادة تعانى منها الديمقراطية الأمريكية والتي تتجلى في توسع قاعدة الرجل الأبيض التي تعادي الديمقراطية، وزيادة حدة الاستقطاب المجتمعي والحزبي، وتنامي روح الكراهية والعنصرية.

1005

| 07 مارس 2024

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4326

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

2160

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

1944

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1797

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1455

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1173

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

975

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

723

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

672

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

651

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
أنصاف مثقفين!

حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...

627

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

570

| 07 ديسمبر 2025

أخبار محلية