رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مع حلول الذكرى الخامسة لثورة يناير التي خلع فيها المصريون حسني مبارك من السلطة، تستمر الثورة رغم القمع والتعتيم الإعلامي الكبير، ولكن من قال إن الإعلام وحده يصنع مصائر الشعوب، فالإعلام لم يكن مفجرا للثورة في مصر ولا في تونس من قبلها، فالشعب التونسي هو الذي صنع ثورة فجرها الشهيد محمد البوعزيزي، وفي مصر فجر الشعب المصري الثورة من أجل تحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. ولان حركة التاريخ تكون أحيانا مثل الموج الذي ينحسر قليلا ليثور ثانية، فإن ثورة يناير تعرضت لهجمة مرتدة من القوى المضادة للثورة، توجت بانقلاب 3 يوليو 2013، اشترك فيه العسكر والدولة العميقة ومنها الإعلام والقضاء الفاسد ورجال الأعمال والكنسية ودول "الرز" الخليجية، والولايات المتحدة الأمريكية، كما اعترف بذلك وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاك هاجل.هذا الانقلاب الأسود يحاول إعادة مصر والمصريين إلى "الحظيرة" لأن العسكر لا يؤمنون بالحرية والشعب الحر القادر على إدارة نفسه، فالجيش هو الشعب، وأجهزة الأمن القمعية هي الشعب، وباقي الناس ليسوا إلا خدما للجيش والأجهزة الأمنية، وهي عقيدة تربى عليها الجنرالات المصريون لأنهم يعلنون وبدون مواربة "نحن الشعب" أما الآخرون فهم "الشعب الآخر"، وهذا ما عبرت عنه الأغنية الشهيرة "إحنا شعب وانتو شعب.. الكو رب والنا رب"، ولذلك يستمر الانقلابيون في انتهاكاتهم وعدوانهم على "الشعب الآخر" يقتلون ويغتالون ويعتقلون ويشردون، والإنجاز الوحيد الذي حققه هؤلاء الانقلابيون من انقلابهم المشؤوم هو زيادة عدد السجون من 40 سجنا إلى 51 سجنا، بعد أن وصل عدد المعتقلين إلى 50 ألف معتقل، وتجاوز عدد المطلوبين على ذمة قضايا تتعلق بمعارضة الانقلاب إلى 65 ألف مطلوب، يتعرضون للضرب والتعذيب والتجويع والإخصاء والاغتصاب والتعليق من الأطراف وإدخال آلات حادة في أماكن حساسة من الجسم والإهمال الطبي وعدم النظافة، فقد تحولت هذه السجون وأماكن الاعتقال إلى مراكز لتصفية الإنسان جسديا ومعنويا، كما يقول كتاب السجل الأسود الذي أصدره المركز المصري للإعلام، فالسجون تحولت إلى "مقابر للأحياء" كما قالت منظمات حقوق الإنسان الدولية، فيه منشآت غير آدمية يضاف إليها أماكن الاحتجاز غير الرسمية.واعتقلت سلطة الانقلاب الغاشمة 2170 طفلا، منهم 147 طفلا خلال فض اعتصامي رابعة والنهضة، فيما يقبع 370 طفلا في أماكن احتجاز، بعضهم تم إخفاؤه قسريا، كما قتل 217 طفلا، ويوثق الكتاب وجود 948 حالة تعذيب ضد الأطفال، و78 حالة عنف جنسي ضدهم.، وهذا اعتداء سافر على الطفولة.هل وقفت جرائم الانقلابيين عند هذا الحد، بالطبع لا.. ف"السجل الأسود" يوثق أكثر من 1000 حالة اعتداء جسدي على نساء أغلبهن طالبات، و67 حالة احتجاز لسيدات وفتيات، وإخفاء بعض النساء قسريا، وإحالة فتيات قاصرات إلى محاكم عسكرية، إضافة إلى صدور أحكام بالإعدام لعدد من النساء في جرائم ملفقة، ووقوع حالات اغتصاب داخل أماكن الاحتجاز.فهل وقفت جرائم انقلاب السيسي وجنرالاته ودولته العميقة عند هذا الحد؟ بالطبع لا، فالسجل الأسود طويل ومتشعب، وكل يوم هناك جرائم تضاف إلى هذا السجل الأسود، آخرها اغتيال 3 معارضين يوم أمس، وقتلهم بدم بارد، مما يجعل هذا السجل الأسود مفتوحا على الشر، وهو شر لن يتوقف حتى إسقاط الانقلابيين وتقديمهم إلى المحاكمة العادلة.
605
| 26 يناير 2016
لم يجلب انقلاب السيسي على مصر والمصريين والعرب إلا الشؤم والتعاسة والخراب.. وهي حقيقة أثبتها المركز المصري للإعلام في الكتاب الذي أصدره مؤخرا بعنوان "السجل الأسود لحكم العسكر"، الذي يوثق الحصاد المر لحكم العصابة الانقلابية التي تجثم فوق صدر مصر والمصريين.منذ وقوع الانقلاب الغاشم ضد ثورة يناير والرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي في 3 يوليو 2013 وحتى الآن، ارتكب الانقلابيون الكثير من الجرائم، من قتل بدم بارد وحرق للجثث وتعذيب وتهجير واغتيالات وتصفيات واغتصاب وإطلاق يد البلطجية وأجهزة الأمن القمعية للفتك بمعارضي الانقلاب.حصيلة الجرائم التي وثقها الكتاب قتل 7000 مصري وسجن 50 ألفا من الأبرياء، وبلغ المعدل اليومي لقتلى السيسي وجنرالاته وعصابته الانقلابية 17 إنسانا وجرح 72 واعتقال 60 موطنا كل يوم في المعدل.أما في سيناء وهي الجرح المفتوح فإن الجرائم التي يرتكبها السيسي وجنوده هناك بلغت حدا لا يمكن السكوت عليها، ويشير الكتاب إلى إقدام الطغمة العسكرية الحاكمة على قتل 1447 مصريا سيناويا خارج إطار القانون، واعتقال 11906 سيناويا تعسفيا، واعتقال 2833 آخرين تحت بند الاشتباه، وحرق 1853 عشة للبدو، وتدمير وحرق 600 سيارة لمواطنين سيناويين، وتدمير وحرق 1367 دراجة بخارية، وهدم 2577 منزلا في رفح المصرية، وتهجير 3856 أسرة، تضم 27 ألف فرد. وهذا يعني أن أهالي سيناء يتعرضون لحرب إبادة حقيقية وعملية تهجير قسري وتطهير عرقي مما يمكن أن يصنف في خانة "جرائم ضد الإنسانية".أما عن أحكام الإعدام فأشار "السجل الأسود للسيسي" أن 1728 معارضا مصريا قد أحيلوا إلى المفتي في 33 قضية، وأن 704 أحكام بالإعدام صدرت بحق معارضين في 24 قضية، تم تنفيذ 7 أحكام بالإعدام. وبالطبع فإن نجم الإعدامات هو "قاضي الإعدامات" ناجي شحاتة، الذي أصدر حكمين بالإعدام على أكثر من 500 مصري في جلستين لم تستغرق أي منهما أكثر من 20 دقيقة.ولا تتوقف الأمور عند حدود أحكام الإعدامات بل تحولت سجون السيسي إلى "مقابر للأحياء" كما وصفتها التقارير الدولية فقد توفي 269 شخصا داخل أماكن الاحتجاز، منها 102 وفاة داخل السجون، و150 وفاة في أقسام الشرطة، و6 وفيات داخل المحاكم والنيابات، ووفاتان في السجون العسكرية، ووفاتان داخل دور الرعاية، و7 وفيات في أماكن غير معروفة، وقد توفي 304 سجناء نتيجة تعمد الإهمال الطبي ما يعد قتلا متعمدا، إلى جانب وجود 250 سجينا يحتاجون لرعاية خاصة داخل السجون وهم لا يتلقون أي شكل من أشكال الرعاية.القتل الذي يمارسه السيسي وجنرالاته وعصابته وبلطجيته وأجهزة أمنه لا يقف عند حد، فهناك أكثر من 2000 حالة قتل خارج نطاق القانون، و 80 حالة تصفية جسدية، كما تم توثيق 984 حالة تعذيب، أفضى 72 منها إلى وفيات، و78 حالة اعتداء جنسي موثقة، ونحو 1000 حالة إخفاء قسري، فهذه السلطة الانقلابية الغاشمة تعتمد كل وسائل العصابات الإجرامية من خطف وإخفاء للتخلص من معارضيها.جميع هذه الجرائم موثقة، وهي جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وكما حوسب المجرمون الانقلابيون السابقون على جرائمهم فإن السيسي وجنرالاته سوف يحاسبون على هذه الجرائم ولن يفلتوا من العقاب مهما طال الزمن أم قصر.
1667
| 24 يناير 2016
لا يمكن إلقاء اللوم على الإخوان المسلمين في كل ما حدث لهم، فهم تعرضوا لمؤامرات وحرب شعواء من غالبية القوى على الأرض، بما فيها ما يسمى بالقوى السلفية الإسلامية، التي ثبت أنها كانت تعمل ضمن سياقات مختلفة عن الشعار، وأنها كانت جزءا من "الدولة العميقة" التي يديرها جهاز المخابرات والجنرالات العسكريين، وهذه قصة تحتاج إلى بحث، فملف حزب النور السلفي يجب أن يفتح على مصراعيه، لكشف الحالة العميقة لهذا الحزب الذي أدى دورا خطيرا في الإطاحة بثورة يناير التي لم يكن جزءا منها، بل ركبها فيما بعد، وكيف استطاع أن يحرف البوصلة خلال السنة التي قضاها الدكتور محمد مرسي في الحكم قبل الإطاحة به في انقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي.لكن الإخوان المسلمين وضعوا السكين على أعناقهم عندما فشلوا في التعامل مع هذه الحالة العميقة ومع الدولة العميقة ككل، وأعتقد أن هذا الفشل كان منطقيا، فالإخوان المسلمون ليسوا ثوارا ولن يكونوا، لأن الثورة تعني التغيير الشامل، وهم ليسوا من أصحاب فكر التغيير الشامل بل "الإصلاح الترقيعي"، وهذا ما جعل منهم هدفا لكل القوى الأخرى التي اتهمتهم بـ"أخونة الدولة"، وهو المصطلح الذي صكه الإعلام المعادي للإخوان وأركان الدولة العميقة، ما وضع الإخوان والرئيس مرسي في حالة دفاع دائمة لإثبات أنهم لا يقومون بأخونة الدولة، الأمر الذي استنزف الإخوان المسلمين في معارك جانبية، واستنزف الرئيس مرسي وحكومته في نزاعات وخصومات أكلت من رصيده الشعبي وعرقلت قدرته على العمل أو التغيير.هذه الحالة من العجز أو الشلل الإخواني تعكس حالة "العقم" السياسي لدى هذه الجماعة التي يمكن القول إنها تكلست وأن مفاصلها أصيبت بالخشونة وعدم القدرة على الحركة، لأنها لم تقدم فكرا جديدا وعاشت على الماضي، وتحولت إلى تنظيم ذاتي بهرمية بيروقراطية غير قادر على إنتاج فكر جديد أو نظريات جديدة، ما جعل منها تنظيما مماثلا للتنظيمات الأخرى على الساحة. ولولا الصبغة الدينية والعمل الاجتماعي لكانت الجماعة قد وصلت إلى مصيرها المحتوم قبل عقود، فقد حبست الجماعة نفسها في "شرنقة" العمل التنظيمي غير المثمر، ولم تستطع أن تخرج من هذا الشرنقة، وتحكم بها "قيادات تاريخية" تتماهى في الشكل والمضمون السياسي مع نظام مبارك، ولم تجدد شبابها، ولم تفتح الآفاق لجيل جديد وعصر جديد من الأفكار، والمشكلة أن عددا كبيرا من شباب الإخوان مصابون بأمراض "الشيوخ" الفكرية والسياسة نفسها. هل يمكن القول إن جماعة الإخوان المسلمين قد انتهى "عمرها الافتراضي"؟ يمكن الإجابة بنعم، لقد وصلت إلى نهاية العمر الافتراضي بعد 80 عاما من الحياة، ولا يمكن لها أن تستمر بوضعها الحالي، والحل الوحيد لضمان استمرارية وجودها كتيار إسلامي هو حل الجماعة، والانتقال إلى تشكيل جديد على أسس جديدة، تماما كما حدث في تركيا، عندما اكتشف رجب طيب أردوغان أن الطريق الذي يسير فيه المعلم "نجم الدين أربكان" وصل إلى نهايته، وأنه لا بد من التغيير.المهمة صعبة ودقيقة لكنها ضرورية، وحتى لو رفضت جماعة الإخوان المسلمين الانتقال إلى مرحلة أخرى مغايرة فإنها ستنتهي أيضا على أي حال، ولكن من دون خلق أي بديل.هناك الكثير مما يقال ويكتب حول هذه الحركة الكبيرة والتاريخية، وهناك الكثير من التفاصيل التي ينبغي تسليط الإضاءة عليها، ولكني سأكتفي بهذا القدر، على أمل أن أطور ذلك في دراسة عملية أو كتاب في المستقبل بإذن الله تعالى.
989
| 22 يناير 2016
مع فوز الدكتور محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية المصرية، دخلت جماعة الإخوان المسلمين مربع الحكم، مع أن مرسي لم يكن هو المرشح الأساسي للجماعة في الانتخابات، فقد تم ترشيحه بديلا للقيادي الإخواني خيرت الشاطر بعد تعذر ترشحه، وقد كانت لحظة فارقة، فلأول مرة يصل إلى سدة الرئاسة رئيس مدني شرعي منتخب شعبيا عبر صناديق الاقتراع.للأسف الشديد فإن الدكتور مرسي تعامل مع الأمر بطريقة غير مقنعة، فلم يتصرف بطريقة ثورية رغم أنه يمثل الثورة التي حملته إلى أرفع منصف في الدولة، وبدلا من إسراعه في "تطهير" الدولة وأجهزتها من عناصر الدولة العميقة والعسكر والإعلام الفاسد والقضاء الأفسد ورجال الأعمال المرتبطين بالفساد، تصرف بعقلية "الإخوان الترقيعية" التي تقوم على المسالمة والمهادنة وأنصاف الحلول، وهي تصرفات غريبة وسلوك غير مقبول من رئيس حمله الشعب إلى الحكم، وبدأ بانتهاج سياسة غير منطقية بالتصالح مع "الواقع الأعوج"، وتصرف وكأنه يقود "دولة ناجزة مستقرة" بمؤسساتها وأجهزتها وجهازها البيروقراطي الضخم، وأخذ يتحدث عن برنامج المائة يوم، وهي مدة زمنية لا تكفي لتنظيف شوارع القاهرة من النفايات، فكيف بتنظيف "النفايات السياسية" التي تراكمت خلال عقود، وأخذ يتحدث عن المؤسسة العسكرية وأجهزتها على أنهم "رجالة دهب"، وأخذ يتصرف وكأنه رئيس لإحدى الديمقراطيات العريقة، وهنا بدأت تتراكم الأخطاء التي ساعدت في النهاية على قلب الأمور رأسا على عقب والعودة إلى المربع الأول.صحيح أن الأخطاء التي ارتكبها الدكتور مرسي لا يمكن تبريرها أو الدفاع عنها، ولكنها كانت تأتي في السياق الطبيعي لحركة المجتمع وتطوره وانتقاله من مرحلة إلى مرحلة أخرى، والإخوان المسلمون لم ينزلوا من السماء إلى مصر، فهم أبناء المجتمع المصري مثلهم مثل كل القوى الأخرى، ويعانون من الأمراض نفسها التي يعاني منها المجتمع، ولذلك فهم ليسوا "ملائكة"، والرئيس الذي ينتمي إليهم هو ابن هذا المجتمع بكل تناقضاته ومشاكله وعوراته، ولو كان الرئيس يساريا أو قوميا أو ليبراليا، ربما كان سيقع في نفس الأخطاء أو ما هو أكثر منها.هذه الأخطاء التي ارتكبها الرئيس مرسي "الإصلاحي التوافقي" تحتاج إلى بحث خاص، لكننا نجافي الحقيقة ونظلم الرجل إذا اعتبرنا أن هذه الأخطاء كانت هي السبب الوحيد لانهيار التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر، وللأمانة فإن الرئيس مرسي تعرض لمؤامرات كثيرة، ودُفعت أموال طائلة للإطاحة به وبثورة يناير وبجماعة الإخوان المسلمين، فقد كانت الدولة العميقة نشطة جدا تحت الأرض، وعملت الكنيسة المسيحية القبطية بجد من أجل إنهاء هذه التجربة، أما العسكر من الجنرالات وقيادات الجيش، الذين تربوا على العداء للإخوان المسلمين والديمقراطية، ويعتبرون أنفسهم الشعب والهوية، فقد قرروا أنهم لن يسلموا الجيش لـ"راجل منعرفوش" كما قال أحد جنرالاتهم، وبدأ الإعلام الممول من بعض دول الخليج داخل مصر وخارجها ببث السموم لتلويث الأجواء السياسية والاجتماعية في مصر، ودفعت كثيرا من "الرز" للإطاحة بالثورة والرئيس والإخوان المسلمين مرة واحدة.
461
| 19 يناير 2016
حاول المجلس العسكري الذي تسلم دفة إدارة البلاد بعد خلع حسني مبارك أن يتحكم بقواعد اللعبة في مصر، إلا أن سخونة المد الثوري وعدم ثقة الشعب بالعسكر عرقلت هذه المساعي، فقد كانت "النشوة الثورية" في أوجها، وكانت العواطف جياشة، ولم يقبل المتظاهرون بأي حل أو صفقة تضمن بقاء الجيش في السلطة، بل ذهب البعض إلى اتهام الإخوان المسلمين بإبرام صفقة مع قادة الجيش لإفراغ ثورة يناير من مضمونها، وهذا ما زاد "الطين بلة" ومنع أي إمكانية للجنرالات للسيطرة على الوضع، فكان لا بد من تنظيم انتخابات رئاسية تكون نتيجتها الحتمية فوز مرشح الثورة وإلا فإن المظاهرات سوف تستمر في الشوارع، فالناس غير مستعدين لقبول أي مرشح لا يعكس الشعور الثوري، ما أجبر المجلس العسكري على تنظيم عملية انتخابية نزيهة بالكامل، رغم تأييد المجلس أو تفضيله للمرشح العسكري الفريق أحمد شفيق في مواجهة مرشح الإخوان وثورة يناير الدكتور محمد مرسي.الحقيقة أن المجلس العسكري والجنرالات والدولة العميقة والكنيسة القبطية لم يقفوا مكتوفي الأيدي، فقد دعموا أحمد شفيق بكل قوة وحاولوا إنجاحه بكل الطرق، لكن الجو العام المفعم بالحماس والعاطفة الثورية لم يكن ليسمح لشفيق بالفوز، حتى لو فاز فعلا، فقد كان فوزه يعتبر كارثة على الحالة الشعبية الثائرة.هذه الأجواء المحمومة بين القوى التي ترتبط بالثورة ومن بينها الإخوان المسلمين وبين القوى المضادة للثورة المتمثلة بالعسكر والدولة العميقة أرخت بظلالها على المشهد، وأدت بالتالي إلى فوز مرشح ثورة يناير الدكتور محمد مرسي بنسبة 52% مقابل 48% لمنافسه أحمد شفيق، وعندما تأخر إعلان النتائج تصاعد الغضب الشعبي واتهم المجلس العسكري بمحاولة التلاعب بنتائج الانتخابات وتزويرها، ما وضع ضغطا إضافيا على الجنرالات، وعندما أعلنت النتيجة تنفس الجميع الصعداء بما في ذلك قادة الجيش، الذين كانوا يخشون أن تفلت الأمور لو لم يعلن عن فوز الدكتور مرسي.لا شك أن فوز مرشح ثورة يناير جاء طبيعيا وفي سياقه الطبيعي، فالثورة اندلعت لكي تنتصر، وشكل هذا الفوز انتصارا أوليا للثورة، ولا ريب على الجهة الأخرى أن المجلس العسكري كان يرغب بفوز عسكري بمنصب الرئيس حتى لا تخرج الرئاسة من بين يديه، وهم أعدوا العدة لذلك، إلا أن الرياح لم تكن مواتية لإنجاح مرشحهم، مع أنني أميل إلى الاعتقاد إنهم كانوا قادرين على ذلك لو أرادوا فهم "معلمين بالتزوير"، ولديهم خبرة طويلة في هذا المجال. إلا أن الحقيقة الأخرى هي أن الانتخابات كانت نزيهة وأن نصف الأصوات تقريبا التي حصل عليها الفريق أحمد شفيق كانت حقيقية وكانت تعكس حجم التعبئة والتجييش الذي لعبته الدولة العميقة والإعلام والكنيسة ورجال الأعمال الذي تحالفوا سرا وعلانية من أجل إسقاط مرشح الإخوان والثورة، وهذا يكشف قدرتهم الكبيرة والهائلة على التلاعب بالوعي المصري، عبر إشاعة الخوف من المجهول والرهبة من الانتقال إلى مرحلة غير معروفة الملامح، وقد نجح هذا التلاعب بغسل عقول نصف المصريين على الأقل.
905
| 17 يناير 2016
مع انتقال جماعة الإخوان المسلمين من مربع المعارضة إلى مربع الحكم بدأت مرحلة جديدة من حياة الجماعة والتيار الإسلامي بشكل عام، فرغم عدم مشاركة الجماعة بشكل مؤسسي في الثورة، وترك المجال لأعضاء الجماعة للانخراط في المظاهرات الشعبية، فقد لعبت الجماعة على "الحبلين"، فهي من جهة تستطيع أن تقول أنها لم تشارك في الثورة إذا ما هزمت أمام النظام، وفي الوقت نفسه تستطيع أن تقول أنها جزء من الثورة بمشاركة أعضائها بشكل فردي، وهو ما جعل من الجماعة هدفا لانتقادات شديدة من قبل كثير من المعارضين، فقادة الحركة كانوا يجتمعون مع مدير المخابرات المصرية عمر سليمان، بل وتوصلوا إلى اتفاق معه بالاشتراك مع الأحزاب التقليدية الأخرى، في الوقت نفسه الذي كان أعضاء من الجماعة يشاركون بفاعلية في المظاهرات الشعبية.تمكن شباب جماعة الإخوان المسلمين من السيطرة على الحراك الشعبي، رغم الدخول غير المؤسسي والمرتبك، والتأخر في النزول إلى الميدان، ظهرت الخبرة الكبيرة في العمل الميداني التي اكتسبها الإخوان من العمل الاجتماعي والخيري، وسرعان ما تحولوا إلى قيادات ميدانية لغالبية النشاطات، فهم الجهة الأكثر تنظيما وانضباطا وحيوية وسرعة، ولهم امتدادات على كامل التراب المصري، ويتمتعون بتعاطف قطاع كبير من الشعب، وهذا ما دفع بهم إلى المقدمة.مما لا شك فيه أن ثورة يناير في مصر لم تكن لتنتصر بهذه السرعة لولا نزول الإخوان المسلمين إلى الشوارع والميادين، فهم الجهة الوحيدة التي كانت تستطيع أن تواجه النظام الحاكم وآلته العسكرية والإعلامية، وبنزولهم إلى الشوارع تحولت المظاهرات إلى "مليونيات" حاشدة، اجتاحت كل المدن المصرية، وعندها وجد نظام مبارك نفسه محاصرا، وكان لا بد من التضحية برأس النظام، فتم خلع مبارك من الحكم أو "تخليه" عنه، وتم تفويض السلطة للمجلس العسكري، أي أن مصر أصبحت تحت سيطرة وقيادة جنرالات الجيش، طنطاوي وسامي عنان، واستمرت المظاهرات الشعبية التي يقودها الإخوان للضغط على الجنرالات ومنعهم من الطمع في البقاء والسلطة، ولم تنتهج قيادة جماعة الإخوان المسلمين نهجها عدوانيا ضد المجلس العسكري، بل كانت المواجهة معه سلمية، فالجماعة كانت تتحكم بمفاتيح المظاهرات في الميادين والشوارع، وكانت تصنع قواعد اللعبة مع كل القوى السياسة الفاعلة بالإضافة إلى المجلس العسكري، وارتأت أن تنضج الثمرة لإسقاطها وعدم أخدها قبل أوانها، وانتهجوا سياسة مزدوجة تضمنت التلويح بممارسة القوة في الشارع أو التوصل إلى حل سلمي، وقد كانوا على حق في ذلك، فقد كانت الجماعة متأكدة أن ثمرة الثورة ستسقط في حضنها في النهاية، وهي السياسة التي انتقدها معارضو الجماعة، بل ذهب البعض إلى الحديث عن وجود "مؤامرة" بين الإخوان والمجلس العسكري لتقاسم السلطة وتقاسم المصالح، ولم يكن هذا صحيحا، فالإخوان كانوا ينتهجون سياسة الانتظار إلى حين وقوع المجلس العسكري وتسليمه السلطة طواعية دون الدخول في صراع يؤدي إلى إراقة الدماء.
767
| 15 يناير 2016
مع اندلاع ثورة 25 يناير لعبت جماعة الإخوان المسلمين على الحبلين، فقد نأت بنفسها عن الثورة رسميا ومؤسسيا لكنها سمحت لأفرادها بالمشاركة في الثورة فرديا، ولأن الأحداث كانت أسرع من قدرة الجماعة على التلكؤ، والثورة أخذت بالاتساع خلال فترة قصيرة، فقد انضم عدد كبير من شباب الإخوان إلى المظاهرات حتى لا يتركوا الساحة للآخرين، مما أثر كثيرا في تمدد الثورة، لأن شباب الإخوان المسلمين هم الأفضل تنظيميا، فالجماعة هي الجهة الوحيدة المنظمة والتي تملك رصيدا في الشارع، مما دفع شباب الإخوان إلى المقدمة على الرغم من عدم حصولهم على مساندة مؤسسة من قيادة التنظيم التي كانت تلعب على الطاولة السياسية مع نظام مبارك.أدت سرعة الأحداث والتفجر الكبير للمظاهرات في مختلف المحافظات والمدن والقرى والنجوع إلى تخلي الإخوان المسلمين عن تحفظاتهم التقليدية، والتخلي مرحليا عن سياسة "الإصلاحات الترقيعية" التي ترضى بالنظام القائم مقابل بعض الإصلاحات، والانتقال مرغمة إلى "المربع الثوري" للتظاهرات السلمية، وسرعان ما أصبح شباب الإخوان جزءا من قيادة الحراك الشعبي في ثورة يناير، بل استطاعوا أن يكونوا الجزء الأكثر فاعلية رغم الرفع المتأخر لتحفظات القيادات على المشاركة في التظاهرات، ولأنهم الجهة الوحيدة المنظمة والأكثر خبرة تسلم شباب الإخوان راية ثورة يناير بمشاركة نشطاء وفاعلين من الشباب المستقل وبعض القوى حديثة التكوين وقلة من القوى الحزبية التقليدية، وكان لدخول الإخوان بقوة على خط التظاهر إلى تضييق الخناق على نظام حسني مبارك ودفعه إلى التخلي عن الرئاسة وتسليم الحكم إلى المجلس العسكري.. وهنا بدأت المرحلة الثانية من ثورة يناير، التي كانت تحاصر المجلس العسكري بالمظاهرات من أجل الحيلولة دون نقل الحكم من مبارك إلى قيادة الجيش، ولعبت جماعة الإخوان المسلمين دورا مهما في محاصرة المجلس العسكري في الشارع، رغم أن الجماعة انتهجت سياسة غير صدامية مع المجلس العسكري إلى درجة اتهامها من القوى الأخرى بالتواطؤ مع المجلس، الأمر الذي لم يعد صحيحا، فقيادة الإخوان التقليدية وغير الثورية لا تؤمن بالصدام، وتريد انتقالا سلميا للسلطة وليس إراقة الدماء.نجحت الإستراتيجية الإخوانية والمظاهرات الشعبية والتكتل الجماهيري والنشطاء الشباب والقوى الجديدة في إجبار المجلس العسكري على عدم التفكير نهائيا بالاستيلاء على السلطة وتنظيم انتخابات كانت شفافة ونزيهة أدت إلى فوز المرشح الإخواني، ومرشح غالبية قوى ثورة يناير الدكتور محمد مرسي إلى الفوز بالانتخابات الرئاسية بفارق بسيط عن منافسه مرشح المجلس العسكري والدولة العميقة الفريق أحمد شفيق بفارق ضئيل لا يتجاوز 4%.. وهي نسبة كانت كافية لتسلم قيادي من جماعة الإخوان المسلمين منصب رئيس جمهورية مصر العربية لأول مرة في التاريخ، كأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر عبر العصور، وهنا بدأت المرحلة الثالثة من ثورة يناير ومن المسيرة "الثورية الخجولة" لجماعة الإخوان المسلمين، ولأول مرة انتقلت الجماعة من مربع المعارضة إلى مربع الحكم في مصر.
451
| 12 يناير 2016
فجأة وبدون مقدمات وجد الإخوان المسلمون أنفسهم في مواجهة العاصفة، أو فلنقل في قلب العاصفة، فقد اندلعت ثورة شعبية في تونس عقب إقدام الشاب محمد البوعزيزي على إحراق نفسه بعد أن أقدمت الشرطية فادية حمدي بصفعه في 17 ديسمبر 2010، وهي الصفعة التي دفعت البوعزيزي إلى صب البنزين على جسده وإشعال النار فيه، مما أشعل الثورة وفجر الغضب في كل أنحاء تونس، ولم يستغرق الأمر أكثر من 28 يوما حتى يركب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الطائرة ويولي هاربا، هائما على وجهه، بعد أن رفضت فرنسا استقباله، وأمهلته إيطاليا ساعة حتى يغادر جزيرة سردينيا التي هبطت فيها طائرته للتزود بالوقود بعد أن عاد أدراجه قبل الدخول في الأجواء الفرنسية، ليولي وجهه نحو السعودية التي اختارها منفى له. لم يستغرق الأمر أكثر من أسبوعين حتى تصل الثورة التونسية إلى مصر، فقد اندلع الغضب المصري في 25 يناير 2011، وتفجرت المظاهرات المطالبة برحيل النظام، وهي المظاهرات التي فاجأت جماعة الإخوان المسلمين وكل القوى السياسية التقليدية التي ثبت أنها عاجزة عن تحريك الشارع، بل وعاجزة عن مجاراته في غضبه، فلم تكن هناك القوى السياسية والحزبية المصرية أكثر من "ديكور سياسي لزوم الشغل الديمقراطي". لقد وصل الشعب المصري إلى "النقطة الحرجة" لتفعيل الغضب الكامن، ولم يكن ينقصه إلا الشرارة التي وفرتها الثورة في تونس، بعد أن عجز الإخوان المسلمون ومعهم كل القوى السياسية عن توفير الشرارة اللازمة لاندلاع ثورة شعبية، وكان شعار المتظاهرين الغاضبين "عيش.. حرية.. كرامة اجتماعية"، بعد أن طحنهم الجوع والفقر والبطالة وتردي الأوضاع المعيشية وانتشار الفساد والرشوة والإهانة، وانقسام البلد إلى أقلية تحكم وتملك السلطة والثورة وأغلبية مسحوقة لا تلوي على شيء، وقد ساهمت هذه الأوضاع مجتمعة بوصول المصريين إلى لحظة الانفجار التي حدثت فعلا، مما أوقع قيادة جماعة الإخوان المسلمين في حيرة وبلبلة داخلية بين تيار يرفض المشاركة في الثورة وتيار يتبنى الانخراط فيها، وفي الوقت الذي كان يجلس فيه قيادات من الإخوان المسلمين مع مدير المخابرات، عمر سليمان، للتوصل إلى "حل ما" كانت المظاهرات تجتاح الشوارع، وقد توصلت هذه القيادات إلى اتفاق فعلي مع عمر سليمان، بالاشتراك مع القوى السياسية التقليدية، وهو الاتفاق الذي رفضته الجماهير الغاضبة، مما زاد من أزمة الإخوان المسلمين في التعامل مع الحراك الثوري، فاستقر رأي الجماعة على السماح لأعضائها للاشتراك في المظاهرات بشكل فردي، دون أن تنخرط الجماعة في الثورة كتنظيم أو مؤسسة، مما زاد "الطين بلة"، فقيادات الجماعة يريدون الحفاظ على الطابع الإصلاحي للتنظيم، وشباب الإخوان يرون "الثورية" هي الحل، وأن عدم المشاركة في الثورة تعني خسارة الشارع، مما خلق حالة من التباين بين تيارين داخل جماعة الإخوان المسلمين، مكونا بذلك عنصرا جديدا من العناصر التي ستتحول فيما بعد إلى أزمة داخلية كبيرة.
610
| 10 يناير 2016
أزمة الإخوان المسلمين الحالية ناجمة عن عدم تحديد التخصص، فهم لم يحددوا لأنفسهم تخصصا دعويا أو سياسيا، فمؤسس الجماعة اعتبرها "عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف، ودعوة سلفية، وطريقة سُنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية". وهذا يجعل من فكرة الإخوان المسلمين أقرب إلى فكرة الدولة الشاملة، مما صعب على الجماعة إمكانية حل مشاكل المجتمع، فالجماعة تعتبر نفسها "دولة" دون أن تملك إمكانيات الدولة، وليس لديها سلطة لإنفاذ ما تريد إنفاذه في المجتمع، وبذلك حملت نفسها ما لا تطيق، فالدولة التي تملك الإمكانيات تصنع المشكلات والأزمات بدلا من حلها، فيما يطرح الإخوان المسلمون أنفسهم البديل لهذه السلطة أو حتى الدولة، لحل مشكلات الإنسان والمجتمع.المؤكد أن الإخوان المسلمين تمكنوا من تحقيق بعض النجاحات المحدودة خاصة على صعيد العمل الاجتماعي، رغم الصعوبات والتضييق والاعتقالات لأعضاء الجماعة، وقد تركز هذا النجاح في تقديم المساعدات الاجتماعية والإغاثة للفقراء والمساكين، ويبدو أن هذا النجاح كان مرسوما بدقة من قبل النظام الحاكم في مصر، وبعض الدول العربية أيضا، فالمساعدات التي يقدمها الإخوان المسلمون للفقراء خففت الاحتقان ضد النظام الحاكم، وهو دور لم تستطع أن تلعبه أجهزة الدولة الفاسدة، وقد أدت هذه السياسة إلى استنزاف مقدرات الإخوان المسلمين في معالجة أخطاء النظام، بدل استخدام المال من أجل الإطاحة به، وبالتالي فإن "السياسة الإصلاحية الترقيعية" للإخوان المسلمين صبت في مصلحة النظام الحاكم، بدل بناء القاعدة الثورية التي يمكن أن تشكل خطرا عليه، وكأن الإخوان المسلمين كانوا يجمعون التبرعات من أجل مساعدة النظام الفاسد. وفي المقابل سمح النظام الحاكم للإخوان المسلمين ببعض الحركة والتمثيل في البرلمان والنقابات والاتحادات تحت الرقابة الأمنية المشددة، وقد كان هذا ثمنا بخسا مقابل الفوائد الكبيرة التي يجنيها النظام الحاكم من "الإصلاحات الترقيعية" للإخوان المسلمين، كما استخدمهم أيضاً "معارضة منضبطة" لزوم الديكور "الديمقراطي الزائف" وتنفيس الاحتقانات الاجتماعية، وإيجاد المبررات لزيادة تمويل الجيش والأجهزة الأمنية والشرطية والأمن المركزي، وإقناع القوى الخارجية، الإقليمية والدولية، بتقديم مساعدات مالية مجزية، للحيلولة دون وقوع الدولة في أيدي الإخوان المسلمين، كما وفر ذلك مبررا من أجل إعلان حالة الطوارئ وسن قوانين الإرهاب والتضييق على الحريات العامة، وتوفير عدو "معقول" للتيارات اليسارية والليبرالية العلمانية، وفزاعة لإخافة المنتفعين إذا ما فكروا بالخروج عن النص.بالتأكيد إن الإخوان المسلمين استفادوا بدورهم من هامش الحركة الذي أتاحه النظام الحاكم، وتحولوا إلى قوة سياسية معتبرة، تمكنت من الحصول على 88 مقعدا في آخر انتخابات برلمانية قبل الثورة، وهو عدد كبير بلا شك، وتمكنوا من الهيمنة على بعض النقابات والاتحادات، واستطاعوا التمدد اجتماعيا عبر المؤسسات الخيرية والطبية والتعليمية والخدمية التي يديرونها، مما جعلهم قوة لا يستهان بها، لكنها قوة داخل الإطار العام للمشهد السياسي العام، وهو موقع لم يمكن الإخوان المسلمين من لعب أي دور للتغيير، لأنهم محكومون بقواعد اللعبة مع النظام الحاكم رغم العداوة العلنية بينهما، الأمر الذي وضع الجماعة في مأزق عدم القدرة على الحركة المؤدية للتغيير الشامل.
570
| 08 يناير 2016
وقعت قيادات جماعة الإخوان المسلمين في نفس المطب الذي وقعت فيه الأنظمة العربية الحاكمة والقوى والتيارات والأحزاب على الساحة، فقد كانت تعتبر نفسها البديل الأمثل عن هذه القوى والأحزاب والنظم، وأنها تملك بديلا جاهزا شعاره "الإسلام هو الحل"، ومع أن هذا الشعار يدغدغ مشاعر الغالبية في عالمنا العربي، إلا أنه تعرض لهزات عنيفة عندما وضع اختبارا حقيقيا، فهذا الشعار مغر وجذاب وقادر على اكتساب العاطفة والوجدان لارتباطه بالإيمان والتاريخ الإسلامي المجيد والسيرة العطرة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو شعار مكن الإخوان المسلمين من التقدم درجات في مع المنافسين على الساحة السياسية في مصر والعالم العربي، فهو مرتبط بالحالة الروحية للناس من جهة، وهي مسألة يصعب اختراقها، لكنها مرتبطة أيضاً بالمساعدات التي كان يقدمها الإخوان، خاصة "الحقائب الرمضانية" والإغاثة الدائمة والمستمرة للفئات المسحوقة والفقيرة والمعدمة، فقد جعلت هذه المساعدات والحقائب وهذا العطف الذي كانت تفتقر إليه الجماهير والناس، أفرادا وجماعات، ترجمة ممتازة وعملية لشعار "الإسلام هو الحل"، فالنظام الحاكم هو الذي يقود ويصنع السياسات التي تفقر الناس وتقهرهم، والإخوان المسلمون هم "المنقذ" وهم "الكائن العطوف" الذي يقدم حلولا، ولو في حدها الأدنى، في مواجهة هذا الغول الحاكم الفاسد المستبد الذي حول غالبية الشعب إلى طبقة محرومة في مواجهة قلة غنية متمكنة.استفاد الإخوان المسلمون من هذه الحالة المتردية للسياسات الحكومية الاقتصادية والاجتماعية، ما مكنهم من التمدد في المجتمع، لأنهم البديل الأمثل للوضع القائم، فهم لو يستلموا الحكم ولم يتلوثوا بالفساد والرشوة، وكانت غالبية قيادات الجماعة تقدم نموذجا على نظافة اليد، وعدم التورط في الفساد الذي يجتاح المجتمع، وهم كانوا كذلك فعلا، ثم إن صورة الضحية الدائمة كانت تخدمهم بشكل كبير ودائم، فالقيادي أو الناشط الإخواني، يخرج من السجن ليدخل إليه مرة أخرى، دون ارتكاب أي جريمة، إلا صدوعهم بقول كلمة الحق، وهي كلمة كانت تكلفهم الكثير من الثمن من أعمارهم وأرزاقهم، وكان الناس يرون في أعضاء الإخوان المسلمين أبطالا في مواجهة النظام الحاكم.الحقيقة أن الإخوان المسلمين لم يكونوا وحدهم في مواجهة النظام الحاكم المستبد، أو الأنظمة الفاسدة، فقد كانت هناك نماذج من أفراد يساريين، قدموا كما قدم الإخوان المسلمون، فقد كانت سجون عبد الناصر تغص بالشيوعيين إلى جانب الإخوان المسلمين، وقد أتاحت "أخوة السجن للطرفين" إجراء الكثير من الحوارات والنقاشات أسهمت بإنتاج ما يسمى بـ"أدب السجون"، إلا أن هذه القوى اليسارية كانت "نخبوية" ولم تكن قادرة على اختراق الشارع، لأنها تبنت ثقافة غريبة على المجتمع العربي المسلم، بينما كان الإخوان المسلمون يعومون في بحر من التعاطف الجماهيري الشعبي، والتاريخ المجيد الممتد منذ بدء الرسالة الإسلامية، وتبنوا خطابا تعدديا متشعبا بسيطا ترجم في وصف جماعة الإخوان المسلمين كما عرفها مؤسسها الشهيد حسن البنا، كما ذكر في رسالة المؤتمر الخامس تحت عنوان "إسلام الإخوان المسلمين": "أن الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف"، وأن فكرة الإخوان المسلمين تأتي نتيجة الفهم العام الشامل للإسلام، فهي "دعوة سلفية، وطريقة سُنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية"، وهو تعريف يجعل من الجماعة "حالة في كل حالة"، وجزءا من كل تفصيلة في المجتمع، باختصار أنها "دولة" أو بالأحرى "الدولة" بكل تفاصيلها.
1970
| 06 يناير 2016
لم يكن الشهيد سيد قطب حالة عابرة في حياة جماعة الإخوان المسلمين أو مصر على وجه التحديد، فقد كان مفكرا كبيرا ومؤثرا إلى درجة جعلت أفكاره محركا للرياح التي توجه سفينة الإخوان المسلمين، وهي الأفكار التي عارضها قيادات في الإخوان مثل المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي، وهي رياح كانت تنطلق من محركات قيمية وأخلاقية مبدئية تتسم بالحزم والحسم، ولذلك كان التخلص منه "ضرورة وجودية" لنظام جمال عبد الناصر، فهذا الرجل عبارة عن آلة كبرى للحركة التي تتحرك بوقود من المفاهيم والمصطلحات والقيم غير القابلة للتفاوض، وبالتالي فإن التفاهم مع هذه "الحالة الثقافية أمر غير ممكن من حيث المبدأ، وقد عبر سيد قطب عن ذلك صراحة بقوله "إن مشكلتي في عقلي، أنا مفكر وكاتب إسلامي كبير والحكومة تريد القضاء على الإسلام عبر قتلي"، كما ذكر الضابط فؤاد علام الذي كان يرفقه إلى حبل المشنقة في مذكراته "الإخوان وأنا"، وقد رقي هذا الضابط إلى رتبة لواء فيما بعد، فلم يكن سيد قطب إلا كاتبا وأديبا ومنظرا إسلاميا، كانت تحيط مفارقات كثيرة منها أنه كان ضعيف البنية قوي القلب، تبدو عليه مظاهر المسالمة فقد كان مرهف الإحساس، قوي الحجة واللسان، وهي صفات لا تنسجم من هذه الثورية الطاغية التي كانت تسكنه.يمكن اعتبار 29 أغسطس 1966 علامة فارقة في مسيرة الإخوان المسلمين، ففي هذا اليوم أعدم سيد قطب، وفقدت الجماعة عمودها الفكري والثقافي الأبرز، وبدأت بعدها رحلة التيه والضياع التي أوصلت الجماعة إلى ما وصلت إليه حاليا، فهذه الجماعة لم تكن ثورية على الإطلاق، ولم تفكر إطلاقا بتغيير الواقع من منطلق ثوري عام، لأنها جماعة مبنية على أسس سلمية، فيما عدا الشهيد سيد قطب، الذي لم يكن يرى مثل هذا السلمية، رغم عدم دعوته للعنف إطلاقا، واستمرت الجماعة في رؤيتها التي تقوم على أساس إصلاح الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع، أي أنها كانت تعتمد سياسة "القضم التدريجي" للمجتمع، فردا فردا من أجل الوصول إلى الهدف النهائي وهو "صلاح المجتمع كله" بما يؤدي تلقائيا إلى صلاح الدولة ونظامها، وهي نظرة "طوباوية"، ربما كان فيها شيء من الافتراض أن "الآخر"، حكومات وأحزاب سياسية وقوى اجتماعية ودينية واقتصادية محلية وإقليمية ودولية، سيقف على الحياد، بينما تقوم جماعة الإخوان المسلمين بقضم المجتمع أو إصلاحه، وهي نظرة كانت خاطئة تماما، فلقد أثبت هذا "الآخر" أنه عنيد وعنيف وشرس أو جاهل ورافض أو متردد ومتشكك"، وبين هذا وذاك وجدت الجماعة نفسها أمام حالة معقدة من الإرباكات والاختلافات، لم تستطع أن تتعامل معها كما ينبغي، واستمرت بالسير في نفس الاتجاه التقليدي غير المجدي من الناحية العملية، ما أوصلها إلى طريق مسدود.لا شك أن جماعة الإخوان المسلمين استفادت من الفراغ الذي كان يعاني منه المجتمع، ومن ضعف البنى السياسية والحزبية والتنظيمية لكل القوى الأخرى، بما في ذلك النظام الحاكم، مما أتاح لها المجال للتمدد، خاصة وأنها كانت الصوت الإسلامي الوحيد في مواجهة النظام الحاكم والأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية، وهذا أعطاها أفضلية في الشارع الذي يجنح نحو الخطاب الإسلامي، إلا أن هذه الأفضلية لم تستثمر جيدا ولم تستمر طويلا أيضاً وهنا بدأت سلسلة المحن التي مرت بها جماعة الإخوان المسلمين.
545
| 03 يناير 2016
بدأت رحلة الانتحار الذاتي للإخوان المسلمين من منتصف الستينيات، وتحديدا بعد إعدام الشهيد سيد قطب رحمه الله، فقد كان سيد قطب مفكرا من طراز رفيع، واستطاع أن يسحب جماعة الإخوان المسلمين في الاتجاه الذي يريده، فقد كان منظرا كبيرا ومدافعا صلبا عن آرائه، وكان نموذجا للمثقف الجذري الذي يرفض المصالحة مع "الواقع الأعوج"، وكان موقفه من المؤسسة العسكرية حادا وغير قابل للمساومة، فهو يرى أن المكان الوحيد المناسب للجيش هو "الثكنات" وليس أروقة السياسة، وأصر على أن الشريعة الإسلامية يجب أن تطبق كما هي بدون أن "تخلط أو تمزج" مع غيرها من الأفكار العلمانية الرأسمالية الليبرالية أو الاشتراكية المادية، ورأى أن الشريعة الإسلامية لا تقبل القسمة على اثنين، ولا يمكن للمسننات الإسلامية أن تركب مع المسننات العلمانية الرأسمالية والاشتراكية.هذه القناعات الجذرية لدى الشهيد سيد قطب قادته إلى حبل المشنقة، وأصر جمال عبد الناصر ونظامه العسكري على إعدامه لأنه كان يرى فيه رجلا غير قابل للمساومة العقائدية، وقناعاته تشكل خطرا على جنرالات الانقلاب "ثورة يوليو"، على الرغم من الوساطات الإسلامية الكثيرة لإنقاذ المفكر سيد قطب.وبمقدار ما كان الشهيد سيد قطر مقلقا لنظام جمال عبد الناصر، كان أيضا مقلقا لجماعة الإخوان المسلمين، لأن قيادات في الجماعة كانت ترى أنه أكبر من الجماعة ذاتها وأنه أكثر تأثيرا من مؤسسها الشهيد حسن البنا، فالمؤسس كان متأثرا بالصوفية المسالمة، ولذلك فإن دعوته كانت على الإصلاح، وهذا ما يفسر "السلمية" التي تحولت إلى عقيدة لجماعة الإخوان المسلمين، لأنها لم تكن يوما جماعة ثورية ولن تكون، في المقابل فإن الشهيد سيد قطر كان ثوريا بكل ما في الكلمة من معنى، وهو نظر لمفهوم "المفاصلة" الاجتماعية التي تعني في النهاية الصدام مع الواقع والنخب الحاكمة، ما يعني اللجوء إلى العمل الثوري لتغيير واقع بما في ذلك، اللجوء إلى العمل المسلح، رغم أن الشهيد سيد قطب لم يدع أبدا للعمل المسلح بشكل صريح، لكن كتاباته وخاصة كتابه الأكثر شهرة "معالم في الطريق" يقود في النهاية إلى الصدام المسلح مع القوى المسلحة التي تتحكم بالمجتمع والتي تنحصر في الجيش والأجهزة الأمنية، وهذا ما كان يقلق جماعة الإخوان المسلمين التي كانت ترفض تماما وبشكل كامل الثورة والثورية والعمل الثوري والمفاهيم الثورية، إلى درجة أن بعض قيادات الجماعة وصفوا ما كتبه الشهيد سيد قطب بأنه "فكر سجون"، لأن هذه الأفكار كانت مؤثرة جدا في الأجيال الشابة، التي لم تكن قيادات الجماعة ومفكروها التقليديون يرغبون برؤيتها "أجيالا ثورية".ولا أبالغ إذا قلت إن إعدام سيد قطب نزل بردا وسلاما على قلوب الخط التقليدي للجماعة بنفس قدر فرحة نظام عبد الناصر، لأنهم تخلصوا من شخصية مفكرة أكبر من التنظيم وفكره بل وفكر مؤسسة الشهيد حسن البنا، ما خلق "فصاما نكدا" بين قيادات الإخوان المسلمين التقليديين من دعاة "الإصلاحية الترقعية" وسيد قطب الذي يتبنى " الثورية التغييرية" وهو الأمر الذي أثر على مجمل جماعة الإخوان المسلمين بعد ذلك.
1537
| 01 يناير 2016
مساحة إعلانية
ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو...
16314
| 11 نوفمبر 2025
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس...
7449
| 11 نوفمبر 2025
العلاقة العضوية بين الحلم الإسرائيلي والحلم الأمريكي تجعل...
3798
| 10 نوفمبر 2025
تستضيف ملاعب أكاديمية أسباير بطولة كأس العالم تحت...
2958
| 11 نوفمبر 2025
على مدى أكثر من ستة عقود، تستثمر الدولة...
2091
| 11 نوفمبر 2025
تشهد الصالات الرياضية إقبالا متزايدا من الجمهور نظرا...
1887
| 10 نوفمبر 2025
تحليل نفسي لخطاب سمو الأمير الشيخ تميم بن...
1533
| 11 نوفمبر 2025
عندما صنّف المفكر خالد محمد خالد كتابه المثير...
1119
| 09 نوفمبر 2025
يبدو أن البحر المتوسط على موعد جديد مع...
1038
| 12 نوفمبر 2025
شكّلت استضافة دولة قطر المؤتمر العالمي الثاني للتنمية...
978
| 09 نوفمبر 2025
يشهد العالم اليوم تحولاً جذريًا في أساليب الحوكمة...
891
| 10 نوفمبر 2025
ليس مطلوباً منا نحن المسلمين المبالغة في مسألة...
885
| 06 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية