رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

"فيروس" الاستقالات في الأحزاب التونسية

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لا يكاد يمر أسبوع حتى يكون الرأي العام في تونس على موعد مع خبر استقالة، أو بوادر انقسام أو تصدّع أو خصومة صلب هذا الحزب أو ذاك..لم يسلم من هذه الظاهرة أي حزب، في اليمين أو اليسار أو الوسط، الجميع اكتوى بنارها، فمن الأحزاب من قضت نحبها، ومنها من تفكك وانقسم إلى شلل ولعل الوضع الذي يمر به حزب نداء تونس (الحزب الأغلبي في البرلمان والحكومة)، أكبر دليل على ذلك.. فمباشرة بعد صعوده إلى الحكم، دخل في متاهة الخلافات والتباينات حول تقسيم "كعكة" السلطة، واضطر، تبعا لذلك، إلى الخضوع إلى جملة من الإكراهات الحزبية والإيديولوجية، وجد نفسه في الأخير حبيسا لها إلى حدّ الاختناق.. وحتى عندما أراد قياديوه الخروج من عنق الزجاجة عبر عقد المؤتمر التأسيسي، دخل الحزب في دوامة جديدة من الصراعات بلغت حدّ استعمال العنف فيما بين أعضائه وقيادييه، ما يؤشر إلى انقسام متوقع للحزب خلال المرحلة القليلة القادمة. وإذا كان حزب حركة النهضة، ثاني الرباعي الحاكم، والحزب الثاني من حيث الأغلبية البرلمانية، قد نأى بنفسه عن هذا المآل، بحيث لم يعرف حالة الشدّ والجذب صلبه على النحو الذي تعيشه أحزاب كثيرة، إلا أن الأنباء الواردة من داخل الحزب، تشير إلى فرضية انقسامه إلى شقين، على خلفية تحوله إلى حزب مدني عصري، بعيدا عن سياقات الأحزاب التي توصف بـ"الإسلامية" في تجارب الأحزاب العربية.. واستطاعت حركة النهضة، رغم كل الجدل، وحتى الصراعات الدائرة صلبها، أن تحافظ على وحدتها التنظيمية والحزبية، مستفيدة من إرثها الثقافي، الذي يمنع تصدير الخلافات أو الإعلان عنها أمام الرأي العام، وكذلك من الدهاء السياسي لشيخها، راشد الغنوشي، وقدرته على صناعة وفاقات داخلية بكاريزما لافتة.. أما "الجبهة الشعبية"، التي لعبت دورا مهما في المشهد السياسي وفي اتجاهات الأمور في البلاد، فإن تحالف الأحزاب الستة الذي تتشكل منه، يمرّ بقدر من الخلافات والتباينات، وربما الصراع داخلها، على خلفية الوجهة السياسية للجبهة، وطريقة تعاطيها مع الشأن الوطني، بالإضافة إلى الجانب التنظيمي الذي قد يتحول إلى معضلة ربما فجرت الجبهة من الداخل، إذا لم تحسن الأطراف المكونة لها إدارة هذا الملف المعقّد. بقية الأحزاب الأخرى على غرار الحزب الجمهوري والتكتل الديمقراطي والمؤتمر من أجل الجمهورية وغيرها، ممن توصف بـ"الأحزاب الصغيرة"، عاشت العديد من الاستقالات، وهي تجتهد اليوم من أجل التموقع في المشهد الحزبي بكيفية مؤثرة، رغم صعوبة ذلك، خصوصا بعد أن خسرت الانتخابات وتراجعت مكانتها في نظر الرأي العام. لا شك أن المشهد الحزبي في تونس، يمر بمخاض معقّد، وبنيته لم تتبلور بعد نهائيا، لذلك قد يفرز مكونات جديدة، لكن هذا الأمر لن يطول كثيرا في تقدير عديد المراقبين، فالحياة السياسية وتطورات المشهد، تشي بالكثير من التحولات المرتبطة بأفق الحكم، ومستقبل السلطة في تونس، التي بات "اللاعب" الإقليمي والدولي طرف فيها أكثر من أي وقت مضى.

608

| 09 نوفمبر 2015

"نوبل" التونسية

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ربما هي المرة الأولى منذ ثورة يناير 2011، التي تبدو فيها النخبة التونسية والرأي العام متوحدين حول تقييم حدث محدد، بعد أن أضحى الجدل، ذلك العجين اليومي الذي يضع فيه الجميع أيديهم قبل أن يقولوا كلمتهم الأخيرة..هكذا تم التعامل مع جائزة نوبل للسلام لعام 2015 التي منحتها الأكاديمية النرويجية للرباعي الراعي للحوار في تونس، فقد تقلصت مساحات الجدل إلى حدّ يشبه التوافق والإجماع.. ورغم أن الإعلان عن الجائزة تزامن مع محاولة اغتيال فاشلة وجبانة لعضو البرلمان ورجل الأعمال، رضا شرف الدين، فإن ذلك لم يفسد على التونسيين ولا على طبقتهم السياسية، فرحتهم بهذه الجائزة التي كانت بمثابة الرافعة لعدّة معان ومدلولات في السياق التونسي الراهن.. أول هذه المدلولات، ما عبرت عنه الأكاديمية النرويجية في تبرير اختيارها لرباعي المنظمات التونسية (اتحاد العمال، واتحاد الصناعة والتجارة، وهيئة المحامين، ورابطة حقوق الإنسان)، من أن "مساهمة هذا الرباعي الحاسمة في بناء ديمقراطية متعددة بعد ثورة الياسمين"، هي السبب الجوهري وراء إسناد هذه الجائزة التي تنافس عليها أكثر من مائتي مرشح من مختلف دول العالم، وهذا يعني أن تونس، دخلت ما يمكن أن نسميه بـ "نادي الدول الديمقراطية" من بوابة الثورة، وهو ما يمثل ردّا على المشككين في الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه تونس، ورسالة مضمونة الوصول إلى الذين أصابهم اليأس من نجاح الثورة واستحقاقاتها الأساسية، وفي مقدمتها، الحريات التي تمثل الديمقراطية رافعتها الرئيسية. لكن الرسالة الأهم من وراء هذه الجائزة، هي قطع الطريق على المغامرين، والراغبين في الالتفاف على الثورة، والحريصين على العودة القهقري إلى المرحلة الاستبدادية بكل عناوينها ومفرداتها وآلياتها، رسالة مضمونها أن الانخراط في الشأن التونسي، ينبغي أن يكون على قاعدة التنافس الديمقراطي والحوار والتوافق، هذه الكلمة السحرية التونسية، بعيدا عن العنف وخيارات الانقلاب مهما كان لونه الإيديولوجي أو شكل تحالفاته الخارجية.. جائزة نوبل للسلام هذه، تعني كذلك أن الديمقراطية في العالم العربي ممكنة رغم كل الصعوبات والعراقيل وأشكال "الفوضى الخلاقة"، التي يحاول البعض إدخالها إلى المشهد العربي بكل ما أوتي من شجاعة وإمكانيات.. لكن نكهة هذه الديمقراطية أنها لم تأت بقرار سياسي فوقي، إنما كانت حصيلة نضالات شعبية قدم خلالها عدد من الشهداء، وكان للمجتمع المدني بمنظماته العريقة الدور الحاسم في التقاط اللحظة المناسبة لمنع أي التفاف على ثورة الياسمين، ولإعلان مرحلة التأسيس الديمقراطي من خلال تداول سلمي غير مسبوق على السلطة في العالم العربي.. والحقيقة، أن رباعي الحوار الوطني، ما كان له أن ينجح ويحقق هذه المكاسب، لولا التنازلات الموجعة التي قدمها السياسيون، وبخاصة حركة النهضة التي قبلت أن تخرج من الحكم، وهي الحركة المنتخبة شعبيا، وكان اجتماع باريس بين رمز المعارضة التونسية آنذاك، الباجي قايد السبسي، وزعيم حركة النهضة، الشيخ راشد الغنوشي، الممهد الرئيسي للحوار الوطني، وأحد ضمانات نجاحه ومخرجاته السياسية.. إن التكريم الذي حظي به رباعي الحوار الوطني في تونس، هو في الواقع، تكريم للطبقة السياسية في تونس، وكذلك للنخبة في العالم العربي، التي تكاد تعلن يأسها من المآلات الراهنة للوضع العربي، نخبة كانت بحاجة إلى أن تستعيد الثقة في المشروع الديمقراطي، وفي دورها ضمن سياقات التحول التي يشهدها العالم العربي منذ نحو أربع سنوات..

698

| 18 أكتوبر 2015

تونس.. ورقعة الشطرنج الجديدة

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لم تقدر الدبلوماسية التونسية منذ ثورة 14 يناير 2011، على بناء سياسة خارجية جديدة تتماهى مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وتستعيد الفرص الضائعة التي فوتها النظام السابق على الدولة التونسية طوال ربع قرن تقريبا.صحيح أن حكم "الترويكا" خلال عامي 2012 و2013، حاول أن يتعاطى بشكل ما مع هذه المتغيرات، حيث حافظ على العلاقات مع الرباط، وربط خيوط علاقة مع حكم الإخوان في مصر، وقطع العلاقات مع سورية، واندمج في العلاقة مع ليبيا، رغم حساسية الوضع الليبي وتقلباته، وحاول أن يبقى على علاقات تونس التاريخية والتقليدية مع دول الخليج، لا بل إن دبلوماسية حزبي "النهضة ـ المؤتمر"، اتجهت نحو تحالف موضوعي عميق مع قطر وتركيا، رغم كل الانتقادات التي وجهت لهما، والحملات المستعرة التي تعرضتا لها من قبل خصومهما السياسيين..هل نجح الائتلاف الحاكم حاليا في هذه العملية "التصحيحية" المزعومة ؟ في الحقيقة، تبدو الدبلوماسية التونسية أكثر تأزما مما كانت عليه زمن "الترويكا". وفي مستوى العلاقة مع الجار الليبي، تمر الدبلوماسية التونسية بنوع من القطيعة مع طرابلس، نتيجة تذبذب الموقف التونسي الذي بلغ حدّ الإعلان عن رأسين (سفارتين) واحدة في طبرق، والثانية في طرابلس، فيما توترت العلاقة مع الجزائر على خلفية توقيع تونس اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، أثارت حنق الجزائريين، وأدت إلى ما يشبه القطيعة التي يحاول الطرف التونسي التقليل من شأنها ومن مآلاتها.. حتى سوريا لم يتزحزح الوضع العلائقي معها بالشكل المطلوب الذي يعكس مضمون الحملات الانتخابية للفريق الأغلبي في الحكم، حيث ما تزال القطيعة الدبلوماسية مستمرة رغم كل محاولات رأب الصدع من الجانب التونسي.. أما بخصوص مصر، فقد توجت الرسائل السياسية والإعلامية بين البلدين بالزيارة الأخيرة لرئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، لكنها زيارة ساهمت في إخراج النظام المصري من عزلته، أكثر من كونها أدت إلى تحقيق "فتح" دبلوماسي جديد للنظام التونسي..بل إن العلاقات مع أوروبا لم تستعد بعد الحيوية التي كانت عليها في الزمن الثوري. هكذا، وبعد أكثر من خمس سنوات من ثورة يناير 2011، تبدو الدبلوماسية التونسية بلا بوصلة واضحة، تحكمها النظرة الحزبية، وسياسة ردّ الفعل، ومنطق الثأر، و"الإدارة اليومية" للملفات، في ظل غياب ـ أو تغييب ـ واضح للعقول الإستراتيجية في الفكر الدبلوماسي التونسي، وتشبث غير مبرر لتقاليد قديمة من صناعة حقبة الاستبداد، فيما المشهد الإقليمي والدولي منفتح على احتمالات كثيرة من المتوقع ـ حسب عديد من المراقبين ـ أن تعيد تركيب رقعة الشطرنج من جديد..ولا يبدو في الأفق التونسي الراهن، أن تتمكن الدبلوماسية التونسية من التموقع مجددا ضمن رقعة الشطرنج الجديدة هذه، رغم دهاء الرئيس التونسي الراهن، لكن السياسة ليست دهاء فحسب، إنما هي شجاعة وإستراتيجيا وقدرة على المبادرة، وهي شروط لا يبدو أن مخططي السياسة الخارجية التونسية قادرون حاليا على التقاطها.

603

| 06 أكتوبر 2015

المعارضة التونسية في مأزق ..

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تبدو المعارضة التونسية اليوم في وضع لا تحسد عليه، وسط مشهد سياسي متفلب، وتشكيلات حزبية تغيرت معادلاتها وعلاقاتها.. فقد عجزت النسخة الحالية من المعارضة اليوم على فهم هذه التطورات، فضلا عن مجاراة السياق الراهن والتموقع صلبه..والمفارقة الغريبة في هذا السياق، أن كل ما كسبته المعارضة خلال السنوات الأربع الماضية، خصوصا خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة، تلاشى وبات نسيا منسيّا. فشل ذريعتراجعت بشكل ملحوظ قدرتها على تحشيد الشارع، وتقلصت فعاليتها في قلب الطاولة أو تغيير معادلات سياسية، وفشلت منذ انتخابات أكتوبر 2014، في فرض أجندتها وخياراتها، بما يجبر الحكومة على التراجع أو التنازل، مثلما كان يحصل مع حكومتي حمادي الجبالي أو علي العريّض، وفقدت قوتها صلب البرلمان، بل حتى الإعلام الذي استخدمت جزءا كبيرا من مكوناته، في صراعها السياسي، لم يعد يلعب دور الناطق الرسمي باسمها، ما أدى إلى دخولها نفق العجز وفقدان القدرة على المبادرة..اللافت للنظر في هذا السياق، أنه حتى عندما التقت المعارضة مؤخرا على موقف موحد إزاء مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية الذي طرحته رئاسة الجمهورية لتطبيع الوضع مع رجال الأعمال الموصوفين بالفساد، اختلفت حول تنظيم مسيرة موحدة، فظهرت تبايناتها بخصوص التوقيت وأسماء الأحزاب المشاركة وهويتها، ودخلت في حرب كلامية واتهامات مجانية مع بعضها البعض، فضيعت فرصة كان يمكن أن تشكل منعرجا في مسارها ومستقبلها ووحدتها، والنتيجة عجزها عن تحشيد ألف مشارك في المسيرة، الأمر الذي اعتبره مراقبين، علامة واضحة لفشل ذريع، ودليل جديد على تآكل المعارضة، ما يعني ضعفا هيكليا وفكريا وتكتيكيا، يجعل منها جزءا من المشكل وليست طرفا أساسيا في الحلّ، وبالتالي في صنع القرار السياسي، في بلد يحتاج إلى كل أبنائه ونخبه لبناء سياسات وقوانين وخيارات جديدة، تترجم الدستور التوافقي، وتساهم في إرساء نموذج مجتمعي جديد بكل معنى الكلمة..لكن لماذا اتخذت المعارضة هذا المسلك الفاشل ؟أسباب أساسيةبالتأكيد ثمة أسباب عديدة يمكن اختزالها في نقاط أساسية أهمها :** أن المعارضة أو جزءا واسعا منها على الأقل، لم تقتنع بأن المعادلة السياسية تغيرت، وأن الائتلاف الحاكم، رغم كل ما يمكن أن يقال عنه، يتوفر على خيوط اللعبة، في مقدمتها الأغلبية البرلمانية، وخيار التوافق بين أبرز رموزه، خصوصا "الشيخان"، رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، وزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي..** أن الوضع السياسي تتحكم فيه خيوط وعلاقات وتحالفات داخلية وخارجية، باتت محددة لاتجاهات الأمور في البلاد، ولا يبدو أن أحزاب المعارضة، خصوصا الراديكالية منها في اليمين كما في اليسار، استوعبت هذا المعطى، أو هي قادرة على التعامل معه بمرونة وبراغماتية..** لا يميّز الطيف الواسع من المعارضة، بين ما هو تكتيكي وما هو استراتيجي، والخلط بين الجانبين، أوقعها في عدم فهم التحولات الجارية في الشأن التونسي، وبالتالي فقدت قدرتها على التأثير في الوضع، وخسرت مجالات واسعة للمشاركة في صنع القرار السياسي الوطني..** ما تزال المعارضة تفكر في المشهد السياسي بخلفية فترة حكم الترويكا، بحيث لم تعد النظر في سياستها وخياراتها وأسلوب عملها وتحالفاتها، وظلت رهينة المحبسين : الراديكالية في التفكير والتخطيط، والتفكير في الوضع التونسي بعقل مرحلة الاستبداد..** ولعل أهم عائق يحول دون تطور هذه المعارضة وتحولها إلى قوة سياسية فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي التونسي، هو غرقها في الإيديولوجيا، وعدم تخلصها من عديد الدوغمائيات التي تجاوزها التاريخ وعفت عنها الجغرافيا..بالطبع لا يعني ذلك، أن المعارضة في سلة واحدة، فثمة من الأحزاب من قرأ التحولات بشكل جيّد، وفهمت اتجاهات البوصلة التونسية، لكنها تعاني من أزمة خطاب وقيادات وربما سياسات اتصالية أيضا، وهي تحتاج إلى بعض الوقت لكي تتحول إلى أحزاب منتجة..لكن هل معنى هذا أن الحكم في أحسن أحواله بهذا الائتلاف الحاكم الهشّ ؟ المشكل، أن ضعف الحكم لا تستغله المعارضة بشكل جيّد، لأنها سجينة رؤى ومقاربات من خارج السياق السياسي والتاريخي التونسي الراهن..

910

| 22 سبتمبر 2015

العدالة الانتقالية في الإنعاش

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تواجه هيئة الحقيقة والكرامة (الهيئة الدستورية المكلفة بالمحاسبة والمصالحة)، معركة "كسر عظام" مع جزء هام من الحاكمين الجدد في تونس، ومع قسم من الفاعلين السياسيين. المعركة انطلقت منذ اللحظات الأولى لإنشاء هذه الهيئة من قبل المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان السابق)، عندما طعن بعض السياسيين في استقلالية الهيئة ثم في تركيبتها، وصولاً إلى النيل من رئيستها المناضلة سهام بن سدرين، التي كان صوتها مرتفعا زمن الاستبداد، بينما كان منتقدوها اليوم، بالكاد يعبرون عن رأيهم في الحكم السابق، وانتهت هذه الموجة من التشكيك باستقالة عضوين في محاولة لهزّ الثقة في الهيئة، لكن بن سدرين واصلت عملها بثبات. عملية الهرسلة هذه لم تتوقف البتّة، بل ازدادت وتيرتها التصعيدية على خلفية مطالبة الهيئة بأرشيف رئاسة الجمهورية للبتّ فيه باعتباره جزءا من مادة بحثها وتمحيصها في "تراث الاستبداد والفساد"، حيث تم منعها من الحصول على الأرشيف، وشنّت ضدها حملة شرسة كادت أن تطيح بالهيئة لولا يقظة المجتمع المدني والبعض من أحزاب المعارضة.. ومع الإعلان عن مشروع قانون للمصالحة مع رموز الفساد والاستبداد، عادت المواجهة مع الهيئة ورئيستها التي رفضت هذا القانون، واعتبرته تجاوزا لأعمال هيئة الحقيقة والكرامة، وقفزا على مهمتها التي بعثت من أجلها، وهي المصالحة، وهنا بدأت تبرز مؤشرات انقلاب السحر على الساحر.. حراك متصاعد إذ تحركت أحزاب ونواب في البرلمان ومنظمات المجتمع المدني ومواطنون ومؤسسات إعلامية، للتعبير عن الرفض المطلق لهذه المصالحة التي ترغب في تمكين أقل من عشرين رجل أعمال يعدّون من "الحيتان الضخمة"، من استئناف نشاطهم مقابل فتات من الخطايا التي يقدمونها باليد اليمنى ليتلقوا أضعافها باليد اليسرى، في تسوية مجحفة في حق من عذّبوا وشردوا وافتكت أرزاقهم ومصالحهم وأموالهم من قبل هؤلاء الذين يراد اليوم مصالحتهم دون أي محاسبة لهم.. هكذا انتفض قسم واسع من الرأي العام الوطني للتعبير عن رفضه لهذا الشكل من المصالحة، وتشكلت من أجل ذلك فعاليات وهيئات للدفاع ومساندة هيئة الحقيقة والكرامة، باعتبارها الضامنة للعدالة الانتقالية، ولإنصاف ضحايا العهدين البورقيبي والبنعلي، وسط تجاذب سياسي حادّ، طرفاه رئاسة الجمهورية وبعض الأحزاب من الائتلاف الحاكم، ومن خارجه بالإضافة إلى رجال أعمال، في مقابل معارضة بدأت تستعيد زمام المبادرة وإن لم تتشكل في كتلة واحدة، ومنظمات ترفع صوتها عاليا منددة بهذا المسار الذي تعتبره التفافا على الثورة وأهم استحقاقاتها، ونعني هنا العدالة الانتقالية. ومع إصرار رئيسة الهيئة الوطنية للحقيقة والكرامة على حشد الرأي العام الوطني والدولي من أجل إنجاز مصالحة وفقا للقانون، وقادرة على تجنيب تونس التداين من المؤسسات الدولية، والتقاط أنفاسها اقتصاديا وماليا، كما تقول السيدة سهام بن سدرين، تحركت بعض الأطراف السياسية مستفيدة من المحاصصة الحزبية صلب الهيئة لتفجير الوضع داخلها، من خلال اتهام رئيسة الهيئة بالاستعانة بالخارج لتغيير الحكومة، في مشهد يذكرنا بذات التهم التي كان النظام السابق يوجهها لمعارضيه ومن ليسوا في صفه، وهنا "مربط الفرس"، كما يقال.. الصراع الحقيقي فالموضوع المهيمن، هو هذه المناكفات حول كيفية المصالحة الوطنية، وتوقيتها والمعنيين بها، ومن يتولى إنجازها، ولكنّ المشهد أوسع من هذا بكثير.. إنه الصراع حول التطبيع مع المنظومة القديمة، وخاصة مع الجانب المورط فيها بالفساد والاستبداد.. الصراع بخصوص استئناف استحقاقات الثورة أم الارتداد عليها.. الصراع بين استعادة الاستبداد في أبشع صوره، وتنشيط شرايين البناء الديمقراطي. ويبدو أن الناس ضاق ذرعهم بعد خمس سنوات من ثورة يناير 2011، وباتوا ينظرون إلى الوضع نظرة يأس وقنوط.. فلا التنمية زارتهم في المحافظات الشمالية التي ازدادت غرقا في وحل الفقر والخصاصة، ولا فرص العمل توفرت للشباب ولو بالقدر الأدنى، ولا الدولة غيرت من تقاليدها في المحسوبية وانعدام الشفافية والمحاباة، لا بل إن ممارسات القمع والتعذيب عادت لتطل برأسها من جديد، والحريات باتت مهددة في كينونتها، ورموز العهد البائد عادت لتحتل مكانا لها صلب مفاصل الدولة، ثم يضاف إلى كل ذلك، استهداف المربع الأخير للثورة، وهي العدالة الانتقالية، ومحاسبة ما يوصفون بـ"المجرمين".. لذلك تبدو هيئة الحقيقة والكرامة اليوم في واجهة المعركة: فإما استمرار السياق الثوري ضمن أفق البناء الديمقراطي الذي ضحّت أجيال عديدة من أجله، وإما النكوص على مرحلة وسياق وفرصة تاريخية، هي اليوم على مرمى انفلات جديد باتجاه الفوضى، أو ثورة جديدة، يسميها البعض "ثورة الجياع" ومن لم يستردوا حقوقهم.. هذا ما يعتمل في تعاليق الفيسبوكيين وكواليس السياسيين والأي العام أيضاً.. فهل ترى تونس قادرة اليوم على مواجهة مصير من هذا القبيل؟.

737

| 27 أغسطس 2015

خمسة وسادسهم.. جهاز التعذيب

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); يتداول الرأي العام في تونس بكثير من الاستهجان والغضب، موضوع الشبان الخمسة الذين نالت منهم أيادي التعذيب في أقبية ما يسمى بـ "الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب" بالعاصمة، بتهمة التورط في الإرهاب.. لم يكن تعذيب هؤلاء بسيطا، فقد كشفت تقارير طبية جدية، أن الخمسة عذّبوا عذابا شديدا، بلغ حدّ إطفاء السجائر في جسم أحدهم (بحجم 25 جرحا في مختلف أنحاء جسمه..)، وحصول جروح وخدوش في ساق الثاني وآثار انتفاخ في مستوى الكاحل السفلي للرجل، وتوقفت التقارير الطبية عند التواء في ركبة أحدهم مع زرقة في اللحم تحت تأثير التعذيب الشديد، ويتحدث المحامون عن استخدام الآليات القديمة في التعذيب زمن الاستبداد، خاصة الغطس في المياه الآسنة، والتعليق على نمط الدجاجة المصلية، والحرمان من النوم إلى حدّ التأثير على نظام القلب والشرايين فضلا عن نفسية الموقوفين.. لم يراع الجلادون المناخ السياسي والحقوقي الجديد في البلاد، ولا الثورة التي قامت على أنقاض آلة الاستبداد والتعذيب والتنكيل بالتونسيين، ولا حتى أصوات المسؤولين الأمنيين الذين نادوا بـ "الأمن الجمهوري"، ولا كذلك دعوات السياسيين لجعل الأمن حاميا للمواطنين وليس آلة لتعذيبهم والتفنن في ذلك.. صحيح أن التعذيب لم يتوقف منذ الثورة إلى الآن، لكن هذا المستوى من البشاعة في النيل من الموقوفين والمتهمين، غير مسبوق كما تقول تقارير الحقوقيين.. القضاء وانكشاف الجريمة لقد استغل الجلادون التوتر الحاصل في الخطاب الإعلامي والسياسي والأمني المتعلق بقضايا الإرهاب، وسارعوا إلى استئناف الطرق القديمة في التعذيب الممنهج، ظنا منهم أن الملف سيغلق بمجرد مرور هؤلاء على القضاء الذي سيضعهم في السجن فتموت معهم جريمة التعذيب، غير أن القضاة الذين عاينوا تلك الأجسام الزرقاء المنتفخة والمجروحة والدامية، أيقنوا تحت تأكيد المتهمين الخمسة، أن التهم الموجهة إليهم من قبل الجهات الأمنية، انتزعت منهم تحت التعذيب، فأخلوا سبيلهم لانتفاء الأدلة والقرائن التي يمكن أن تؤكد مثل هذه التهم.. ورغم أن جهات أمنية اختطفت هؤلاء من أمام المحكمة وحاولت إلصاق تهم جديدة بهم، من أجل أن تمر قضية التعذيب بمرور آثارها مع الزمن، إلا أن القضاء برأهم مرة أخرى وأخلى سبيلهم، ما جعل قضية التعذيب تطفو مجددا على سطح الأحداث السياسية والحقوقية، خصوصا في القنوات التلفزية وعلى شبكة التواصل الاجتماعي، أين تم نشر التقارير الطبية بكامل التفاصيل، أمام محاولة السلط الأمنية نفي عمليات التعذيب والتقليل من شأنه.. شكلت هذه الحادثة مصدر تخوف إضافيا للتونسيين على عودة جهاز التعذيب إلى سطوته السابقة زمن النظام القديم، الذي زجّ خلاله بآلاف التونسيين في السجون بتهم كيدية تلفق للموقوفين، وتنتزع توقيعاتهم تحت التعذيب عنوة، ما أدى إلى خراب بيوت وعائلات، وضياع كفاءات وطنية لم تستفد منها البلاد ولا المجموعة الوطنية التي أنفقت على تعليمهم الشيء الكثير.. اللافت للنظر في هذا السياق، صمت الكثير من السياسيين ممن كانوا عرضة لمثل هذه الممارسات طوال عقود من الزمن، سواء في الحكم أو في هذه "المعارضة الناعمة" التي لم يعد لها حول ولا قوة سوى إصدار البيانات وقليل من التصريحات النقدية الباردة.. طوق النجاة تعذيب هؤلاء الموقوفين لا يطرح أسئلة حول التعذيب وسنواته المرّة في تونس منذ بداية تشكّل "الدولة الوطنية" في ستينيات القرن المنقضي فحسب، ولا يجعل المنظومة الأمنية محل مساءلة قانونية فقط، بل إنه يطرح موضوع مكافحة الإرهاب على محكّ النقد والتساؤل : فهل التعذيب هو المدخل لمكافحة الإرهاب؟ وهل يمكن لمواجهة الإرهابيين أن تتم بمثل هذه السطوة الأمنية بما تعنيه من اختلاق أبحاث وتوقيعات مفبركة وتهم ملفقة سرعان ما يتبيّن تهافتها أمام القضاء؟ وهل ستدع الدولة الجلادين يفلتون من العقاب مثلما أفلتوا منه طيلة ستة عقود من "دولة الاستقلال"؟ وإلى أي مدى سيتواصل صمت النخبة والطبقة السياسية والحقوقيين، رغم هبّة البعض القليل منهم؟ هل يمكن لتونس اليوم أن ترضى بعودة التعذيب بعد ثورة اجتماعية وسياسية كان شعارها ومادتها الأساسية، كرامة المواطن التونسي؟ وأخيرا وليس آخر، أية مصداقية للسلطة الحاكمة في مكافحتها للإرهاب، أمام تهافت التهم الملفقة، واعترافات التعذيب لمتهمين لا علاقة لهم بهذا "الإرهاب"؟ الخمسة المعذّبون هؤلاء، يمثّلون اليوم طوق نجاة التونسيين من آفة التعذيب، ولكن أيضا وأساسا من استمرار المقاربة الأمنية السلطوية، وبقاء المؤسسة الأمنية من دون إصلاح يحوّلها إلى أفق الأمن الجمهوري، الذي يدافع عن الوطن ومواطنيه بمنطق القانون، وكرامة المواطن وفلسفة حقوق الإنسان.. المسؤولية ملقاة اليوم على عاتق السياسيين في الحكم قبل المعارضة، وعلى المجتمع المدني بجميع مكوناته، فعودة التعذيب إلى مخافر الشرطة، ضوء أحمر، يعني فيما يعنيه أن ثورة يناير 2011، قد دفنت ولم يبق سوى تلاوة فاتحة القرآن الكريم عليها.. فالدولة التي لا تحمي مواطنيها من أجهزتها، تكون معرضة لأي انفلات حتى وإن كان ثورة اجتماعية قاعدتها هذه المرة ليسو الجياع فحسب، إنما المضطهدون والمعذّبون في الدوائر الأمنية...

753

| 14 أغسطس 2015

المصالحة أم محاكمة الثورة؟؟

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لم يكد الرأي العام في تونس يهضم "حبّة" حالة الطوارئ التي قررتها الحكومة قبل بضعة أسابيع، حتى قدمت لهم رئاسة الجمهورية "مضادّاً حيوياً" من النوع القويّ، لهضم قرار "العفو والمصالحة"، الذي قدمه رئيس الجمهورية، السيد الباجي قايد السبسي إلى البرلمان في شكل مشروع قانون أساسي (أي من نوع خاص)، بغاية تطبيع وضع رجال الأعمال الفاسدين. يهدف نص القانون المقترح، إلى تمكين رجال الأعمال الفاسدين من استئناف نشاطهم مقابل "فتات" يقدمونه لخزينة الدولة في شكل ضريبة لا تتجاوز 5 بالمائة، ليس من حجم الأموال الموجودة، وإنما مما يمكن أن يصرح به المعنيون بهذا القانون من رجال أعمال مورطين في نهب المال العام على عهد النظام السابق.. أي إن نهب الأموال العامة على مقاس الفاسدين، واسترجاعها سيكون على هواهم (!). في غرفة الإنعاش الأخطر من كل ذلك، أن مادة هذا النص، لا تضعف هيئة الحقيقة والكرامة التي أنشئت لمحاسبة المفسدين والمورطين في التعذيب والاستبداد فحسب، إنما هي تلتف على قانون العدالة الانتقالية وعلى نصّ الدستور الذي تضمن خطوط المسار الكامل لهذه العدالة، بحيث تضع الهيئة بين قوسين، وتجعل العدالة الانتقالية مجرد تسويات حقوقية، ليس فيها محاسبة ولا تعويض للضحايا ولا للدولة، وتكون الأموال التي نهبت وهربت إلى بنوك غربية كثيرة، قد أعطيت "فيزا" للعودة إلى تونس من بوابة العفو والمصالحة، بجرّة قانون، يتضارب مبنى ومعنى مع الدستور.. والنتيجة الطبيعية لكل ذلك هي، أن الثورة التونسية التي قامت ضدّ الفساد والاستبداد، قد دخلت غرفة الإنعاش مع فرصة حياة لا تتجاوز 1% على أقصى درجات التفاؤل الممكنة. والحقيقة، أنه منذ صعود الحكومة الراهنة في نوفمبر 2014 بأغلبية حزب نداء تونس الذي ينتمي معظمه إلى المنظومة السياسية والمالية القديمة، اتخذت إجراءات وقرارات كثيرة تصبّ في خانة الانقلاب على الثورة والارتداد على استحقاقاتها، والتطبيع أو تمهيد الأجواء لعودة النظام القديم، بما يجعل كل التسريبات التي تحدثت عن اتفاق بين رجال ذلك النظام، والرئيس الحالي، على مساندته للوصول للحكم، مقابل تطبيع وضعهم الاجتماعي والسياسي والقانوني، أمرا دقيقا لم يعد ثمة شك فيه مطلقا. فقد كانت أول تصريحات رموز "العهد الجديد" من حزب نداء تونس، تؤشر إلى كمّ من المخاوف، في مقدمتها، ضرورة مراجعة قانون العدالة الانتقالية، وتركيبة هيئة الحقيقة والكرامة، ورفض رئاسة الجمهورية تمكين الهيئة من أرشيف المؤسسة الرئاسية، الذي هو من مشمولات الهيئة ومن صميم عملها، ونص قانون العفو والمصالحة على تشكيل هيئة موازية للمصالحة، في خطوة التفافية واضحة على الهيئة ومهمتها التي أقضت مضجع الحزب الأغلبي في الحكم، ويعدّ حلّها أحد شروط بعض الدول الراغبة في منح الدعم المالي لتونس، من فئة تلك التي ساندت الحزب الأغلبي (نداء تونس).. بالإضافة إلى محاصرة الحريات، والتضييق على المساجد، وغلق قنوات وإذاعات لا تتماهى مع هذا الحزب ورجاله. محاكمة مرحلة رئاسة الجمهورية، وفي تبرير لمشروع القانون الجديد، تتحدث عن ضرورته لتنشيط الاقتصاد واستعادة الاستثمار الداخلي والخارجي، وهو ما اعتبره المراقبون وأحزاب عديدة وجزء واسع من المجتمع المدني، أمرا مردودا على أصحابه.. ليس لأن الموضوع يتعلق بنكوص على الثورة ومآلاتها، والبناء الديمقراطي واستحقاقاته فقط، إنما لأن من الشروط التي طرحتها الدول الثماني الكبرى خلال اجتماعها بالرئيس الباجي قايد السبسي، هي محاربة الفساد والفاسدين الذين ثار الشعب التونسي ضدهم، لأن ذلك شرط أساسي لتوفير مناخ للاستثمار الخارجي، وبالتالي فأطروحة المصالحة من أجل الاستثمار وتفعيل الاقتصاد التونسي المتهاوي، لا تبدو مقنعة، وليست وجيهة بالقدر القادر على إقناع الرأي العام التونسي. فليس غريبا والحال تلك، أن "ينتفض" أحد أبرز رجالات الفقه الدستوري، الأستاذ قيس سعيّد، ليشير إلى أن "قانون العفو والمصالحة، لن ينسف مسار الانتقال الديمقراطي والثورة التونسية فحسب، إنما سيكون مدخلا لمحاكمة رجال الثورة وشبابها ومرحلة ما بعد 14 يناير 2011 برمتها". وهذا هو قلب الرحى في جميع ما يجري في تونس اليوم.. إذ لا يتعلق الأمر بتنشيط الاقتصاد أو بمجرد "التنفيس" على رجال أعمال فاسدين، ولكن بمسعى جدّي لـ"قلب الطاولة" على الجميع، بشكل يسمح باستئناف مرحلة اعتقد التونسيون أنها ولّت وانقضت وباتت جزءاً من التاريخ. المعركة اليوم في تونس، بين حلم العودة لنظام قديم بعناوين ديمقراطية وحقوقية مزخرفة لغويا، وبين رغبة المضي في بناء ديمقراطي تزداد القناعة يوما بعد يوم، أنه عملية قيصرية ومعقدة، يدرك رجال النظام القديم أنها ستنجح ولو بعد حين، لكنهم يحرصون على أن يكون نجاحها بمغصّات في الأمعاء والقلب والشرايين.

744

| 29 يوليو 2015

تونس في حالة طوارئ

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); القرار الذي اتخذه الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي منذ بضعة أيام، بإعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة 30 يوما قابلة للتجديد، أثار فزع الكثير من المواطنين التونسيين، فضلا عن النخب السياسية. صحيح أن حالة الطوارئ، كان سيعلن عنها، وفق بعض التسريبات السياسية، مباشرة إثر "عملية سوسة الإرهابية"، غير أن السيد الباجي قائد السبسي، رفض ذلك، فيما تحدثت تسريبات أخرى عن رفض المؤسسة العسكرية لهذا القرار، بذريعة صعوبة الوضع، وعدم استعدادها التورط في حالة طوارئ، لا تعرف متى تنتهي، وضمن أي سياق سيتم التراجع عنها. لكن القرار الذي أعلنه السبسي في الآونة الأخيرة حسم الموضوع، وأكد أن السلطات السياسية والأمنية والعسكرية، متجانسة وغير متناقضة أو متباينة..رسائل عديدةثمة رسائل وجّهها الرئيس التونسي في خطابه القصير والمثير للجدل، لأطراف عديدة، تبدو ـ حقيقة ـ عناوين المرحلة: ++ النقابات التي تشنّ العديد منها إضرابات تقول الحكومة، إن معظمها غير قانوني، وتسبب شلّ الاقتصاد الوطني، المنهار أصلا. ++ المحتجون والمعتصمون في ولايات مختلفة من البلاد، الذين عطلوا آلات الإنتاج (الفسفاط)، ووسائل النقل (قطارات)، وبعض المنشآت البترولية، وفق التقديرات الرسمية. ++ السيد المنصف المرزوقي، رئيس الجمهورية السابق، الذي يقود حراك شعب المواطنين، الحراك الذي تعتقد السلطة أنه المسؤول عن الاحتجاجات في جنوب البلاد، تلك التي تسببت في انزعاج حقيقي للسلطة. ++ "حزب التحرير"، الذي باتت تحركاته وربما شعبيته وصوته المرتفع عاليا بالنقد، يسبب وجعا في رأس الحكومة، بحيث لم تعد قادرة على تحمله. ++ أما الرسالة الأخيرة، فكانت للإعلام.. فمع أن الباجي قائد السبسي أكد أن الدولة ستضمن حرية الصحافة، إلا أنه أشار إلى أن المخاطر الأمنية والتهديدات الإرهابية التي "قد تؤدي إلى انهيار الدولة"، تدفع باتجاه أن يكون الإعلام، داخل خندق المواجهة وليس منفصلا عنه.. إعلام يقتفي أثر خطاب السلطة، فلا يعاديه ولا ينتقده ولا يكون مشاكسا له. تساؤلات أساسية من الناحية السياسية، أصدرت العديد من الأحزاب، في اليمين كما في اليسار، مواقف نقدية لقرار إعلان الطوارئ، واعتبرته "تهديدا للحريات"، ومن شأنه "استهداف المسار الانتقالي الديمقراطي"، و"ارتداد عن الثورة التونسية"، و"محاولة للعودة إلى مرحلة الاستبداد" التي طلقها التونسيون بالثلاث. الموقف الوحيد الذي بدا خارج هذا السرب، ذاك الذي أعلنته حركة النهضة في بيان مقتضب، حيث أبدت "تفهمها لخيار الطوارئ، بالنظر إلى التهديدات الإرهابية التي تواجه البلاد". لكن لماذا لم يستشر الرئيس التونسي الأحزاب والفعاليات السياسية، بما في ذلك أحزاب الائتلاف الحاكم، إذا استثنينا زعيم حركة النهضة، الشيخ راشد الغنوشي، الذي لم تتسرب معلومات حول طبيعة الموقف الذي أفصح عنه للسبسي؟؟ ولماذا يقرر رئيس الجمهورية حالة الطوارئ بعد نحو أسبوع من "عملية سوسة الإرهابية"؟ وكيف يتم اتخاذ مثل هذا القرار بعد حزمة الإجراءات غير المسبوقة التي أعلنها رئيس الحكومة لمكافحة الإرهاب، بينها استدعاء "جيش الاحتياط "؟. هنا تتحدث مصادر متطابقة، عن معلومات حقيقية لدى الحكومة بشأن عمليات إرهابية متوقعة في غضون الأيام القليلة القادمة، وعن تخطيط لاغتيال شخصية سياسية مرموقة في البلاد، كما يجري الحديث عن أعمال "داعشية" قد تطال المناطق الحدودية المتاخمة لليبيا. وتتحدث بعض الأوساط السياسية من جهتها، عن معلومات تخص احتجاجات متوقعة في كامل الشريط الجنوبي للبلاد للمطالبة بالتنمية، بما يجعل الحكومة أمام "حصار احتجاجي" قابل للتوسع، خصوصا في ظل وجود أسباب موضوعية وحقيقية لاندلاعه.صعوبة المرحلةالذين يعرفون الباجي قائد السبسي مذ كان وزيرا خلال الحقبة البورقيبية، يدرك أن للرجل مقاربته وأسلوبه في الحكم، وفي إدارة الدولة، وفي كيفية التحكم في أجهزتها، وضبط "المارقين" عليها.. وبالإضافة إلى كونه حاسما في قراراته وغير متردد، يرفض استشارة من هم خارج الحكم (المعارضون)، وكان قد صرح بوضوح إبان الثورة بأنه من النوع "الذي يحكم بنفسه"، في إشارة إلى عدم قبوله أي تنازع على سلطاته المخولة له قانونيا ودستوريا.. وهو ــ علاوة على كل ذلك ــ شخصية لا تأبه كثيرا بالرأي غير المتماهي مع خطاب السلطة وأجندتها.. وهذا بالضبط ما سبب ذلك الفزع في نفوس السياسيين والحقوقيين والقسم الأوسع من التونسيين الذين يطرحون السؤال الأكثر حساسية: هل أن حالة الطوارئ هذه، قرار أملته معطيات أمنية لم يفصح عنها رئيس الجمهورية، أم هو قرار سياسي، يراد من خلاله التخلص من بعض الخصوم السياسيين، وإعادة ترتيب الوضع التونسي على نحو جديد، أم هو تمهيد للسماح بدخول المارينز إلى تونس، وربما الترخيص بإنشاء قاعدة عسكرية أطلسية أو أمريكية في الجنوب التونسي؟ وزادت المداهمات الليلية للعديد من البيوت من دون إذن قضائي، وفصل بعض الولاة وعدة مسؤولين أمنيين، وعزل أئمة مساجد رغم اعتدال خطابهم ومناهضتهم للإرهاب، والإعلان عن قرارات لإغلاق مؤسسات إعلامية خاصة، زاد كل ذلك في تضخيم حجم المخاوف من هذا "المسار الجديد".. هل يمكن أن يذهب الباجي قائد السبسي باتجاه خيارات يصفها البعض بـ "الاستبدادية"، مستفيدا مما يجري في مصر؟. التخوف يبقى سيّد الموقف، سياسيا وشعبيا، في انتظار مآلات حالة الطوارئ هذه: فإما استقرار وعودة إلى مربع الانتقال الديمقراطي، أو دخول تونس في نفق حالة مستعصية، رغم أنها الشمعة الوحيدة في ربيع عربي، يحرص البعض على أن يجعله خريفا دائما..

482

| 09 يوليو 2015

بين خيار الاستبداد أو الإرهاب

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ما يزال قوس الحدث الإرهابي الذي جدّ الأسبوع الماضي في سوسة (130 كلم جنوب العاصمة التونسية)، مفتوحا على سيناريوهات عديدة، وردود فعل قد لا تهدأ قريبا بين مكونات الطبقة السياسية.. الحكومة تحركت بشكل ماراثوني حثيث، وفي وقت قياسي غير مسبوق.. فأعلنت جملة من الإجراءات والخطوات السياسية والأمنية، في نوع من الحسم الواضح، الذي لم يألفه التونسيون على عهد الحكومات التي تشكلت بعد ثورة يناير 2011..سيناريو المواجهة فقد قررت إغلاق 80 مسجدا وصفت بـ "المنفلتة"، وشرعت في تعديل القانون المنظم للجمعيات باتجاه محاصرة عملية تمويلها وسط شكوك في وجود "مال جمعياتي فاسد" يدعمها، كما قررت اتخاذ إجراءات قانونية ضدّ الأحزاب والجمعيات "المخالفة لمقتضيات الدستور"، ربما انتهت إلى حلّها، وفي مقدمة هذه المكونات، "حزب التحرير"، الذي أشير إليه بالتصريح قبل التلميح في تصريحات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.. وبالإضافة إلى تكثيف الحملات والمداهمات لما سمي بـ "الخلايا النائمة للإرهابيين"، ورصد مكافآت مالية لكل من يدلي بمعلومات عن عناصر إرهابية، أعلنت الحكومة عن دعوة "جيش الاحتياط لتعزيز تواجده العسكري في المناطق الحساسة"، وهذه أول مرّة منذ استقلال البلاد في العام 1956، تستدعي الدولة "جيش الاحتياط"، بما يؤشر على درجة الاستنفار الذي باتت عليه في مواجهة عمليات "إرهابية" من الحجم الذي حصل في سوسة مؤخرا.. غير أن سيناريو المواجهة الذي اختارته الحكومة على النحو الذي أوضحنا، لم يلق الإجماع السياسي والوطني الذي كانت تتوقعه.. وإذا استثنينا بعض التيارات الشيوعية واليسارية، وجزء من أحزاب الائتلاف الحاكم، التي ساندت الحكومة فيما اعتبر "حربا ضدّ الإرهاب"، اختارت أحزاب أخرى عريقة (التكتل والمؤتمر على سبيل المثال)، الصمت إلى حدّ الآن، ومراقبة مآلات الوضع..الحريات أو الحريات لكن أصواتا أخرى مؤثرة في المشهد السياسي، كان لها موقف نقدي واضح.. فالحزب الجمهوري لم يتردد في وصف بعض هذه الإجراءات والتصريحات التي رافقتها، بكونها "لا تنتمي إلى المرحلة الراهنة"، وأنها "تستعيد أسلوب الاستبداد في التعاطي مع قضايا وطنية شديدة الحساسية".. رئيس الحكومة الأسبق، حمادي الجبالي من جهته، اعتبر معالجة الحكومة لعملية سوسة، وخيارها في مكافحة الإرهاب، "تدشين للاستبداد"، بل إن الرجل الذي خبر الحكم في أعقد مراحله (زمن الترويكا)، أعرب عن خشيته من محاولة توظيف العملية الإرهابية للقيام بانقلاب على الدستور وعلى مسار الانتقال الديمقراطي، عبر استدعاء الجيش لإدارة الدولة، وهو ما شكّل مضمون دعوات عديدة معلنة وصريحة صدرت عن سياسيين وإعلاميين، قريبين من المنظومة القديمة، أو ما يسميه البعض بـ "الثورة المضادّة"، خصوصا بعد الحدث الإرهابي.. وإذا أضفنا إلى كل هذا، تحذير الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (أعرق منظمة حقوقية مناضلة في البلاد)، من مغبّة عدم "احترام حقوق الإنسان التي تضمنتها المواثيق الدولية والدستور التونسي"، خلال الحرب على الإرهاب، ندرك أن سيناريو المواجهة الذي ضبطته الحكومة، لم يرق إلى مستوى تحقيق إجماع وطني كانت تتوقعه وترغب فيه.. ثمة طيف واسع من المكونات السياسية والحقوقية ومن الشخصيات الوطنية، التي ترى أن موضوع الحريات وحقوق الإنسان، خطّ أحمر لا يمكن السماح بتجاوزه، وتعتبر أن الخطوات الأخيرة للحكومة، مؤشر على الالتفاف على هذه الحريات بجميع أنواعها، خصوصا حرية التعبير والتنظم والتديّن، التي باتت مهددة ـ في رأيها ـ بهذا الخطاب "الأحادي" من قبل السلطة، وبهذه الإجراءات التي تذكّر بأسلوب دولة ما قبل الثورة..تحدّ جديد هناك عناوين بارزة في الخطاب السياسي التونسي اليوم، قوامه الحريات، وعموده الفقري، الشراكة في صنع القرار السياسي الوطني، ومرجعيته الدستور الجديد، ولذلك، يرفض الساسة بتنوع مشاربهم وتوجهاتهم، وضع التونسيين بين خيارين : الاستبداد أو الإرهاب.. ويرون أن أي مساس بالحريات، سيكون خطأ استراتيجيا، قد يضيّع فرصة التأسيس الديمقراطي في تونس أصلا.. ولعل ما زاد في تأجيج الرفض، وعجّل بصيحات الفزع هذه، ما يتردد من سيناريوهات تتحدث عن "تحالفات" سياسية، ليست نتاج المخاض الداخلي، وسط مخاوف من إمكانية اقتسام كعكة الحكم بين بعض الحساسيات والأحزاب، بعيدا عن أي وفاقات وطنية تحتاجها المرحلة، ويقتضيها المسار الديمقراطي الناشئ في البلاد.. هل يقع اختزال التجربة الديمقراطية في تونس في هكذا سياقات ومآلات ؟ وإلى أي مدى يمكن لرجال المنظومة القديمة، أن يعيدوا الجدل السياسي إلى مربع ما قبل الثورة، حيث الحريات المنعدمة، وفتات "الوهم الديمقراطي" الزائف ؟ من المؤكد، أن الطبقة السياسية التونسية باتت تمتلك مناعة ضدّ فيروس العودة إلى المرحلة القديمة، لكن هل ترى هذه المناعة كافية لصدّ "طبخات" إقليمية ودولية تريد أن تفسد مذاق "النموذج التونسي" في المنطقة ؟ هنا يراهن قسم من التونسيين على بعض الأحزاب القوية ذات الثقل السياسي والشعبي، لكي تلعب دورها في منع أي انزلاق باتجاه عودة محتملة إلى المرحلة القديمة، حتى وإن كان عنوانها مكافحة الإرهاب.. إنه تحدّ جديد يواجه النخبة التونسية، وقد يتوقف عليه مستقبل المسار الانتقالي برمته.. فهل ترفع هذه النخبة التحدّي أم تضيّع الفرصة التاريخية التي ضيّعتها فيما مضى؟

596

| 02 يوليو 2015

الصراع على الحكم في تونس..

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); للمرة الثالثة في غضون السنوات الأربع الماضية، تتعالى بعض الأصوات للمطالبة بتدخل المؤسسة العسكرية في الحكم، وتوليها السلطة وقيادتها لدواليب الدولة.. حصل ذلك خلال قمة الاستقطاب الثنائي بين "الترويكا" التي كانت تقودها حركة النهضة الإسلامية، والمعارضة بشتى أطيافها (2012 ـ 2013) .. وكان المبرّر عندئذ، وقف الاحتراب السياسي والفوضى، وما قيل إنه محاولة من الترويكا للنكوص على الدولة المدنية وعلى قيم الجمهورية.. وتكررت الدعوة لاحقا، قبيل الانتخابات الماضية، عندما كانت اتجاهات الرأي تميل نسبيا لصالح الدكتور المنصف المرزوقي، المرشح لرئاسية 2014، واعتبرت الدعوة في تلك الفترة، جزءا من هجمة الثورة المضادة ورموزها، المتخوفين من المحاسبة والقصاص السياسي والقانوني..الحياد خيار استراتيجي وإذا كان لهاتين الدعويين ما يبررهما سياسيا ـ في نظر أصحابهما ـ فإن تجديد الطلب قبل نحو أسبوع من قبل شخصية إعلامية / سياسية، عرفت بحدّية مواقفها في العلاقة بالإسلام السياسي، طرح أكثر من تساؤل صلب الطبقة السياسية وفي أوساط المراقبين.. إذ كيف تدعو شخصيات تزعم دفاعها عن الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، إلى إقحام المؤسسة العسكرية في الصراع السياسي، بل في إدارة الدولة؟ هل هو استدعاء للحكم العسكري كبديل عن حكم المدنيين ؟ وماذا بوسع المؤسسة العسكرية أن تضيف لمقاربات الأحزاب الحاكمة التي جمعت بين اليمين واليسار ولفيف من الليبراليين الجدد ؟ الأخطر من هذه التساؤلات كلها، أن استدعاء الجيش لتولي السلطة، يعني ـ في نظر عديد المراقبين ـ انقلابا على مسار خيار استراتيجي، قرره بناة الدولة الوطنية، بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة ورفاقه منذ منتصف خمسينات القرن المنقضي (الجيش التونسي أسس في 24 يونيو 1956)، عندما اختاروا تحييد المؤسسة العسكرية عن حلبة الصراعات السياسية، في مسعى لتجنيب البلاد مصير عديد من الدول الإفريقية والمشرقية التي كانت تعاني من ويلات الانقلابات العسكرية.. كان رموز "دولة الاستقلال" آنذاك، يفكرون في ترسيخ حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي، تسمح بإعادة بناء دولة أنهكها الاستعمار والتخلف وأضناها الفقر والجهل والأمية، وعدم توفر ثروات طبيعية.. ولم يكن ذلك ممكنا في ظل مخاوف من دور سياسي للمؤسسة العسكرية، يمكن أن يربك إرادة البناء الجديد، وكانت الأوضاع في مصر وسوريا والعراق، على وجه التحديد، تقدّم المثال على حالة الإنهاك التي تسببت فيها الانقلابات العسكرية وانعكاساتها على الدولة والمجتمع على حدّ السواء ؟ لذلك كان الحرص شديدا على إبعاد أصحاب "البزّة العسكرية"، عن الشأن السياسي... وهكذا انحصر دور الجيش التونسي منذ مرحلة التأسيس إلى الآن، في حماية الحدود والتنمية الداخلية، بل حتى عندما تمّ الزّج به في الاضطرابات الاجتماعية التي حصلت نهاية السبعينيات (الصراع بين الحكومة واتحاد العمال)، ومنتصف ثمانينات القرن الماضي (ثورة الخبز)، لم يلبث أن عاد إلى ثكناته ليستأنف دوره المعتاد..انحياز لحكم العسكر والحقيقة، أن ثمة أطرافا عديدة، تنظّر لحكم العسكر في تونس.. ويتحدّث هؤلاء عن حاجة البلاد إلى استقرار يقوده الجيش ويفرضه، أمام عجز السياسيين عن تحقيق ذلك منذ 4 سنوات أو تزيد.. ويرى هؤلاء أن المؤسسة الأمنية، التي تعلمت كيف تحمي الحكم وليس الدولة، تمرّ حاليا بمرحلة هشاشة بعد الضربات الكثيرة التي تلقتها من داخلها ومن خارجها، يضاف إلى ذلك، المخاطر الأمنية المتأتية من جهة الجار الليبي، وحركة الإرهاب التي تتحرك على التماس مع جميع مداخل البلاد، إلى جانب ضعف القوى السياسية في الحكم كما في المعارضة، إذا استثنينا الإسلاميين (حركة النهضة تحديدا)، التي باتت رقما يصعب إسقاطه سياسيا، والخيار الوحيد ـ وفق هذه المقاربة ـ هو حكم العسكر، الذي بإمكانه أن ينهي مسار السياسيين الموصوف بـ "الفاشل"، ويمهّد لمرحلة جديدة، شعارها "الديمقراطية التي تأتي على ظهور الدبابات" !! لا شك أن مثل هذه المقاربة، تقتات من الاستبداد السياسي، وغياب أفق على مستوى الحلول الاقتصادية والاجتماعية، لكن السؤال المطروح هو : هل المؤسسة العسكرية تمتلك "خاتم سليمان" السحري، بحيث ستجري على يديها الديمقراطية والتنمية والعدالة وفرص العمل ؟ وهل بوسع الجيش الذي لا يمتلك تقاليد في إدارة الدولة، أو في التعاطي مع الشأن السياسي، أو حتى على مستوى العلاقات الدولية، أن يكون البديل عن ديمقراطية ناشئة، يبنيها المجتمع ونخبه بصراعات، ولكن كذلك بحوارات وتفاهمات وتوافقات، مهما كانت درجة التحفظ على مسارها وسياقها وأفقها ؟دور النخب التونسية وقبل ذلك وبعده، تبدو المؤسسة العسكرية، ـ في نظر عديد الأطراف ـ محلّ غموض كبير، حول دورها ليس زمن الاستبداد فحسب، إنما كذلك خلال أيام الثورة، ومدى علاقتها بقنص الشبان الثائرين وملف الشهداء، وما يتردد عن رغبة بعض قيادييها الآن، وضع خطوط حمراء أمام أي عملية نقد أو مساءلة بشأن دورها ومسؤوليتها في كثير من الأحداث والوقائع، فضلا عن المخاوف التي تحاصر قسما كبيرا من الطبقة السياسية بخصوص أي دور سياسي يمكن للمؤسسة العسكرية أن تلعبه في البلاد خلال المرحلة المقبلة.. يظل حياد العسكر إزاء الشأن السياسي، الهوية الحقيقية لمؤسسة الجيش في تونس، فهذا العنوان الذي تمسكت به قياداتها طوال عقود عديدة، ورددته رموز من المؤسسة إبان الثورة، في إصرار شديد على فلسفة "الحياد الإيجابي"، هو الذي يعطي لهذه المؤسسة رمزيتها وثقلها، ويجعل منها مؤشرا لاستقرار البلاد.. أما عكس ذلك، فمعناه إقحام الدولة في أتون من الانقلابات والصراع الدموي على السلطة، وهذا ما سوف يجعل الثورة "في خبر كان"، ويفتح البلاد على مرحلة "دم... يوقراطية"، قد لا تنتهي إلا بانتهاء ما تبقى من الدولة التونسية.. فهل تنزلق النخبة التونسية بهذا الاتجاه في المستقبل ؟؟

800

| 26 يونيو 2015

حركة النهضة.. أي أفق للمرحلة المقبلة؟

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ثمة قناعة لدى عموم التونسيين اليوم، بأن "حركة النهضة" في تونس، حزب قوي ومنظم، قياسا ببقية الأحزاب، سواء التي في الحكم أو تلك المتموقعة في المعارضة.. ولا تشذّ مكونات الطبقة السياسية في البلاد ـ بما في ذلك خصوم الحركة ـ عن هذا الرأي، الذي يقال علنا، ويتداول في الكواليس.بيد أن وجهة النظر هذه لا تخلو من تساؤلات عديدة، ترتقي أحيانا إلى مستوى المخاوف الحقيقية:هل الديمقراطية التي تتحدث عنها وتدعو إليها، جزء من فكرها السياسي، أم هي "تكتيك" مرحلي ستنقلب عليه بمجرد وصولها للحكم؟ كيف استفادت من فترة قيادتها للبلاد خلال ما عرف بـ"حكم الترويكا"؟ هل باتت جزءا من البيئة السياسية التونسية، أم لا تزال إخوانية الطابع والأفق؟ منذ الإعلان عن تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة حاليا) في العام 1981، مع الهزيع الأخير من حكم الرئيس الراحل، الحبيب بورقيبة، كان واضحا تبني الحركة (التي كانت تسمى الجماعة الإسلامية)، لفكرتين أساسيتين: الأولى، هي أنها لا تقدم نفسها ناطقة باسم الإسلام، وهذا يعني نسبية فكرها واجتهاداتها في الحقل الديني والسياسي، والثانية قناعتها بالخيار الشعبي، المتمثل في صندوق الاقتراع والتداول السلمي على السلطة. لكن دخول الحركة في علاقة شدّ وجذب مع نظام الحكم في عهد بورقيبة، ثم في مرحلة ابن علي، تخللته محاولات للانقضاض على الحكم، وتغيير الوضع في البلاد من خارج صندوق الاقتراع، ما أثمر مخاوف لدى النظام الذي أجهز عليها أمنيا ووجوديا، فيما يعرف بـ"محنة العشرين عاما" (1990 ـ 2010)، التي وضعت الحركة "رهن المحبسين": السجون والمهاجر، بالإضافة إلى سيف "المراقبة الأمنية" لسنوات طويلة.ومع قيام الثورة التونسية في يناير من العام 2011، استعادت الحركة بكيفية سريعة موقعها في المشهد السياسي كطرف، بدا الأقوى، بزخم نضالاته، ومعاناة أسره، ما جعل التونسيين، يمنحون الإسلاميين فرصة قيادة الدولة.الفرصة المهدرة لم تستثمر حركة النهضة هذه الفرصة بالشكل المطلوب، رغم تحالفها مع أطراف علمانية، وزادت أخطاؤها التقديرية والسياسية وعوائقها الاتصالية في تسريع نسق "عدم نجاحها" في الحكم، أمام تلك الموجة المعارضة، التي استخدمت فيها كل الأدوات والوسائل والعلاقات والتحالفات، ما أدخل البلاد في أزمة سياسية عميقة، اختارت حركة النهضة في أعقابها، الخروج من الحكم في نهاية 2013، مكرهة، خصوصا مع بروز حدث الانقلاب في مصر، الذي ذكّرها بـ"سنوات الجمر" وعذاباتها. كان خروج الحركة من الحكم، فرصة لالتقاط أنفاسها المختنقة، ورؤية الوضع بكيفية مختلفة، خصوصا أمام صعود "حزب نداء تونس"، بقيادة السياسي المحنّك، الباجي قايد السبسي، الذي نجح في أن يضع النهضة في الزاوية.غير أن الحركة التي تعودت الانفلات من "الزوايا"، استطاعت في بضعة أشهر، أن تلملم جراحها، وتستعدّ لانتخابات صعبة، جاءت فيها الثانية ترتيبيا، لتدخل الحكومة بوزير ووكيل وزارة، وبكتلة برلمانية هي الثانية بعد كتلة الحزب الحاكم. لكن صدى حركة النهضة في الحكم كما في البرلمان، أقوى من حزب النداء ومن بقية الأطراف.. لقد استفادت الحركة من فترة حكمها، على مستوى الخطاب والأداء والتنظيم واستيعاب (منطق الدولة)، بل بات رموز خصومها بالأمس، يعتبرونها "الملح الذي لابد منه في طعام الحكم"، لتتحول حركة النهضة إلى رقم يصعب إسقاطه من حسابات السياسة والحكم في تونس.. هل يبدو هذا "الرقم" واضحا من حيث الأفق الذي يقود مواقفها وتحركاتها؟ زعيم الحركة، الشيخ راشد الغنوشي، وصل في ندوة قبل يومين، بمناسبة الذكرى 34 لتأسيس الحركة (6 يونيو 1981)، للسياقات التي يتحرك فيها الحزب، بالتأكيد على أنها "حركة مؤسسات وليست حركة أشخاص"، وبأنها متجذّرة في الفكر الإصلاحي التونسي، وأن "الديمقراطية ليست تكتيكا، بقدر ما هي جزء من ثقافة الحركة وأسلوب عملها"، موضحا أن مسألتي الهوية والحرية، اللتين كانتا محور صراعات النهضة مع الحكم منذ تأسيسها، باتا التحصيل الحاصل، فـ"الهوية مكرسة في الدستور"، و"الحرية واقع نعيشه في بلادنا"، ولم يبق من مشاغل النهضة سوى "الهمّ الوطني" الرئيسي: التنمية والتوازن بين الجهات، "فذاك الذي تدندن الحركة وتونس حوله الآن"، وفق تعبير الغنوشي.أهداف المرحلة ثلاثة أهداف أساسية لحركة النهضة في المرحلة المقبلة، تعكس جوهر علاقتها بالحكم، وسياق الدور الذي ستلعبه وستراهن عليه: 1 ــ حماية الدولة من مشاريع التفكيك المحلية والخارجية، فــ"لا شيء خارج الدولة إلا الفوضى والحرب الأهلية".2 ــ القطع مع "مركزية الدولة"، عبر توسيع نطاق السلطة المحلية/البلدية.3 ــ إشاعة ثقافة التعايش ونبذ الإقصاء والتنافي في تونس وسط خشية النهضويين من إمكانية استهدافهم مرة أخرى.. ويعتبر الغنوشي في هذا السياق، أنه بقدر ما تنجح تونس في التوافق والتعايش، بقدر ما تحقق الانتقال من "مرحلة الثقب الأسود"، إلى مرحلة الحرية والديمقراطية على حدّ تعبيره. لكن، في مقابل هذه النزعة المطمئنة والإيجابية، لا تجيب النهضة عن مخاوف جديدة من قبيل: كيف ستتصرف مع سيناريو إسقاط الحكومة الراهنة؟ وماذا تعدّ لمرحلة ما بعد الباجي قايد السبسي؟ وهل تبدو في مأمن من "خصوم الأمس"؟ وهل تكون المصالحة مع رموز المنظومة القديمة وذراعها المالي (رجال الأعمال)، البوابة نحو "تفكيك الألغام" من حولها، وضمان استمرارها في المشهد السياسي الوطني؟ أسئلة تقضي مضجع النهضويين.. وأحسب أنها تطرد النعاس من جفون التونسيين أيضا.. فالبلاد على "كفّ عفريت".. والعفاريت في كل مكان.

1206

| 12 يونيو 2015

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

4878

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3618

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

2886

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...

2736

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2667

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2178

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1485

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
ملف إنساني على مكتب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة

في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...

1407

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1053

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

978

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

837

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

822

| 21 أكتوبر 2025

أخبار محلية