رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الطريق الثالث..كرها أو وعيا

لم يعد أمام أحد إلا الذهاب إلى الطريق الثالث.فكرة وحالة الانضباط عند حدود الولايات المتحدة في سوريا، أو حتى السماح بأن تبدو في موقع الراعي أو المتحدث باسم الطرف المواجه لروسيا وإيران – أيا كانت وجاهة المبررات - انتهت بنا إلى مشهد التدمير الشامل للمدن السورية وأعمال الحصار والتجويع القاتل والتهجير الطائفي والإعدادات للتقسيم. وكذا الحال في فلسطين، إذ انتهى اعتبار الولايات المتحدة الطرف الراعي والمهيمن على المفاوضات وملف الصراع - وفق نظرية 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا - ، إلى تهويد القدس وعظم جرم الاستيطان في الضفة واعتداءات وحروب وتدمير في غزة. وفي العراق حدث نفسك بما ترى. انتهى بنا أمر هيمنة الولايات المتحدة على الملفات إلى تقاسم مصالح وتخادم أدوار بينها وإسرائيل وإيران..ومؤخرا روسيا، على حساب وجودنا لا مصالحنا فقط.وفكرة وحالة وتصور إمكانية تحول روسيا إلى نمط سياسي أقل عدوانية، من خلال إقامة علاقات مصالح تعتمد تقديم التنازلات بهدف لجم تحالفها الاستراتيجي مع إيران وبشار والميليشيات الإيرانية – دون أن نكون نحن في موقع قوة مؤثرة عليها فعليا - انتهى بنا إلى المشهد الحلبي الدامي والمبكي والمميت، وإلى بدء تشكيل دول طائفية - بديلا للدول الوطنية - تحت الحماية العسكرية الروسية. كما أن الإشارات المتكاثرة عن دخول روسيا على كل خطوط الثورات المضادة دعما وتسليحا –وآخرها حالة حفتر في ليبيا - لن ينتج عنه إلا ذهاب نظم الثورات المضادة – نفسها - كما ذهب من قبل كل من تعاون مع روسيا خلال مرحلة الحرب الباردة، إلى الهزيمة، والسقوط.ولذا، لم يعد أمامنا إلا السير في الطريق الثالث. لقد انتهت ملامح سياسات مرحلة الحرب الباردة في العالم إلا في سياسات كثير من دولنا التي لا تزال تفضل العيش تحت حماية هذا أو ذاك. والطريق الثالث، جوهره أن نبحث في قدراتنا نحن وأن نحشد قوانا نحن، على المستويات الرسمية والشعبية، وأن نعتمد استرتيجيات متنامية للدفاع عن وجودنا أو لتحقيق وجودنا نحن، وأن تتشكل سياساتنا الخارجية على فكرة البناء الجامع لدولنا أو ما تبقى، دون خطب دعائية وشعارات ودون الحركة الساذجة التي تصنع العداوات، كما حدث من قبل. ولعل نموذج التحالف العربي (والإسلامي) الجامع لدعم الشرعية في اليمن عنوان مهم في رؤية نتائج الاقتراب من استرتيجيات الطريق الثالث، والأهم في التجربة أننا نأخذ قرارنا بيدنا – مرة أخرى دون صناعة عداوات – وها هي مواقف الخصوم المتلاعبة والضاغطة والمعوقة لإعلان النصر النهائي على الانقلابيين، نموذجا ومعيارا أهم لصحة مثل هذا الطريق - وليس العكس - وهي مؤشر على تحدياته في الوقت ذاته.والطريق الثالث أساسه اعتماد الرؤى الوطنية لا الطائفية التفكيكية، وألا نكون في الموضع الذي يمكن الخصوم والأعداء من إنفاذ إستراتيجيات الاختراق، وأن نعتمد أطروحات الحوار الصادق والعميق والصبور، بين كل القوى والتيارات مهما اختلفت مشاربها وأفكارها، لتشكيل سبيكة مجتمعية ولترميم الجراح التاريخية والحاضرة. فالغربان لا تعيش في المناطق العامرة بل في الخربة. وأهم وأمضى سلاح بيد إيران هو اللعب على فكرة المظلومية التاريخية، لتأجيج الصراعات وتفكيك الدول وإشعال للحروب الأهلية وصولا لتعميم نموذج الدولة الطائفية في عموم الإقليم.

1174

| 30 سبتمبر 2016

من يدفع بترامب رئيسًا لأمريكا؟

لا يجوز طرح السؤال نفسه بشأن هيلاري كلينتون، باعتبارها مرشحة مؤسسة الحزب الديمقراطي. وإن كان هناك أسئلة بشأنها فهي تتعلق بالنظام الانتخابي والسياسي الأمريكي، الذي بات ينتج "عائلات رئاسية"، إذ هي رئيسة زوجة رئيس، ووصولها لمقعد الرئاسة، يأتي تكرارا لوصول جورج بوش إلى رئاسة أمريكا بعد أبيه، وهو ما أغرى ابنا ثانيا شقيقا لجورج بوش الابن، للتفكير، في تجربة حظه هو الآخر. أما السؤال عن هوية من يمثلهم ترامب، أو عمن يدفع به رئيسا للولايات المتحدة، فهو سؤال مشروع ومهم وجوهري في فهم ظاهرة سياسية تتشكل أمام العالم أجمع وسيكون لها تأثير حاسم على مصير الحياة الإنسانية. فترامب ليس ابنا للمؤسسة السياسية أو للحزب الجمهوري الأمريكي، حتى إن الكثيرين من قادته، أعلنوا بوضوح، النأي بأنفسهم عن ترشيح وانتخاب الرجل القادم من خارج دورة الحياة السياسية المؤسسية للحزب. وكذا لأن الرجل جديد كليا على عالم السياسة بقدر ما هو "جديد" على عالم المعرفة والمتابعة للتطورات والتغييرات في الوضع الدولي. وهو ما ظهر جليا في شعاراته وسقطاته التي باتت توحي بأن شيئا غامضا خلف ترشيح مثل هذا الرجل لرئاسة أقوى دولة في العالم أو للدولة التي لا تزال تعتبر نفسها في موقع إدارة العالم.هل هو مرشح شعبوي، يأتي في مشهد تكراري للمشهد الشعبوي الذي عاشته بريطانيا، حين جاءت نتائج انتخابات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي بشخصيات شعبوية ديماجوجية تفوقت على المؤسستين الحزبيتين العمالية والمحافظة وأحدثت بهما جراحات وآلاما وتفاعلات لم تنته بعد؟ وهل نقول إن ترشيح ترامب هو إعلان بتجديد لوضعية وحالة الحزبيين المهيمنين على الحياة السياسية في الولايات المتحدة؟ أو هل وصل تأثير الإعلام الشعبي أو المجتمعي، إلى درجة تقويض السطوة والسيطرة السياسية الإعلامية والتأثيرية للإعلام التقليدي، على المجتمع والحياة السياسية الأمريكية وأن ترامب هو عنوان لتلك الحالة المستجدة؟ أم أن هناك من يدعم وصول ترامب لرئاسة أمريكا من داخل مؤسسات صناعة القرار أو صناعة الرؤساء أو من الدولة العميقة في الولايات المتحدة؟وفي ظل مثل هذا الاحتمال، هل يمكن القول بأن التعبئة "ضد الآخر" التي بدأت منذ تبني البنتاجون لدراسات وإستراتيجيات صدام الحضارات، وشهدت قفزة هائلة خلال حكم جورج بوش الابن، صارت الآن في عنفوان تأثيرها، خاصة بعدما ظهر أن خطة أوباما لإدارة أزمة تراجع الولايات المتحدة - دوليا - قد أنتجت تراجعا من غير الممكن احتمال تأثيراته في رأى مؤسسات الدولة الأمريكية التي عبرت عن عدم رضاها تكرارا!! ألم تقم حملات جورج بوش وأعمال احتلاله للدول على فكرة الصراع مع الإسلام والمسلمين والحرب على الإسلام، وهكذا يأتي ترامب ليحقق قفزة جديدة في تلك الخطط؟ بل يصل الأمر حد التساؤل عن أن هناك من يمهد الأرض لقدوم ترامب! أليس التشريع الأخير للكونجرس بشأن مقاضاة الدول وطلب تعويضات منها، أمرا قريب الصلة "كليا" بما يطرحه ترامب بشأن أموال واقتصادات الدول الأخرى؟ ثم أليس الاتفاق بين بوتين وأوباما حول سوريا، قريب الصلة كليا بما يطرحه ترامب حول العلاقات مع روسيا والتحالف مع بوتين؟ثم ألا يعلم الجميع أن صناعة الرئيس، هي أمر معمول به في الغرب ومرتبط بإستراتيجيات وخطط بعيدة الأمد؟ ألم يحدث هذا حين جرى استحضار توني بلير وإعداده حيث كان هناك دور يبحث عمن يؤديه؟ ألم يجر الأمر نفسه مع أوباما بطريقه أو بأخرى؟ ثم ألا يعلم الجميع مدى تأثيرات مصالح الشركات الكبرى العملاقة في صناعة السياسات الخارجية والرؤساء في الغرب، حتى قيل إن الرئيس هو محصلة صراعات المصالح بين المؤسسات الصناعية العسكرية والمعلوماتية والدوائية والبترولية، ومؤسسات الدولة الأمريكية بأجهزة استخباراتها وجيشها، والكنائس واللوبيات المهيمنة والمسيطرة؟يبدو أمر ترامب حالة خاصة للغاية، سيكون لها ما بعدها إن نجح ترامب أو حتى إن نجحت هيلاري، إذ نحن أمام إعادة تشكيل فكر الدولة والمجتمع في الولايات المتحدة!

1133

| 16 سبتمبر 2016

للأسف..الاتفاقات ليست فى المصلحة الآن!

تسيل الدماء يوميا منذ سنوات. وإذ سجل العراق وأفغانستان ما زاد على العشرية الجزائرية السوداء، فقد سجلت سوريا وليبيا واليمن ومصر ما يزيد على السنوات الخمس، أما عدد السنون فلم يعد واردا إخضاعها للعدد في الصومال، فما بالنا بالضحايا. وإذ تتحدث أطراف هنا وهناك في الوقت الراهن، عن اتفاقات وتوافقات وحوارات ومباحثات ومصالحات لحل المشكلات، فللأسف ورغم شلال الدماء المتدفق لسنوات لن يصب ما ينتج عن تلك الاتفاقات، في مصلحة المستقبل ولا في خانة الوفاء للدماء. وللأسف، علينا تقبل هذا التقدير بموضوعية، إذ توازنات القوى الدولية والإقليمية والداخلية لا تزال لمصلحة الثورات المضادة، بما يجعل الحلول التفاوضية لغير مصلحة ثورات الربيع والقوى الحية في الأمة في الوقت الراهن. هذا القول يبدو تحذيريا عند بعض المحللين والقادة السياسيين أنفسهم، بأكثر منه توقعا بوقوع اتفاقات، باعتبار أن الاتفاقات غير ممكنة وربما مستبعدة في هذه المرحلة، بحكم تضارب مصالح الأطراف الاستعمارية المتدخلة بفعالية وبالقوة العسكرية في مختلف الصراعات الجارية، وبحكم أن أعمال المقاومة لا تزال – بمختلف صورها ومصادرها الشعبية والرسمية - في وضعية قادرة على تعويق ومواجهة المشروعات الاستعمارية، وإن لم تبلغ القدرة على تحقيق الانتصار.وإذ يمكن القول بأن كثيرا مما يعرض الآن من اتفاقات وتوافقات عبر أشكال المفاوضات لا يزال عند حدود اختبارات لمدى الوعي والصمود لدى الأطراف الرافضة للمشروعات الاستعمارية والانقلابية بأوجهها الأمريكية والروسية والإيرانية، وأن المباحثات والمفاوضات لا تزال في مرحلة اختبارات القوى بين القوى الاستعمارية وبعضها البعض، فالأهم أن كل ما هو مطروح ويجرى الحوار والنقاش والدعاية بشأنه لا يخرج في الجوهر عن حالة من حالات التوافق على تقسيم المصالح والنفوذ بين القوى الاستعمارية داخل دولنا، من جهة، ولا يخرج من الجهة الأخرى عن الممارسات المعتادة التي تستهدف تطويع إرادة المقاومة وتهدئة ثورات التحرر الجارية – بعد حرف مسارات بعضها إلى صراعات جهوية وطائفية - وفق برامج خداعية إعلامية وسياسية، يفترض أن أمتنا صارت في موقع الوعي بها، بعدما انكشفت أوراق الخطط وباتت الأهداف واضحة وسافرة لا تستطيع الدعايات طمسها أو تغييبها.باختصار، لم تتمكن قوى ثورات الربيع بعد، من تعديل التوازنات لمصلحتها حتى اللحظة بحكم استثمار القوى الاستعمارية وضعية الضعف "الطبيعية" الناتجة عن فترات التحول في الدول والمجتمعات، للاندفاع للتأثير داخل بلادنا، وكما المياه تشق طريقها عبر الأودية المنخفضة، فالدول القوية تنزاح بحركتها نحو مناطق فراغ القوة أو أن القوة الفائضة لدى الدول تصب حركتها باتجاه الدول الأضعف. الآن تقوم الدول الاستعمارية بالاستثمار في الثورات المضادة بأقصى قدر من فائض قوتها، ولذا تأتي التوافقات والمفاوضات لمصلحة القوى الاستعمارية والثورات المضادة.ففي ليبيا، اتضح الأمر جليا، إذ نتج عن اتفاق الصخيرات بقاء حفتر وشراذمه وتثبيت برلمان طبرق وتعميق هوة الانقسام بين الشرق والغرب وتثبيت حكومة موالية للغرب "في الغرب" حتى يمكن القول بأن ما جرى قد اقتصر على إنهاء دور المؤتمر الوطني وحكومة الثورة. وفي اليمن يبدو الأمر جليا هو الآخر، إذ كل المفاوضات والتفاهمات والاتفاقات لم ينتج عنها سوى إطالة زمن الحرب والسماح للثورة المضادة بتعميق وجودها ومنح فرصة الوقت للمستعمر الإيراني لشرعنة دوره ووجوده في اليمن وفتح الباب للتدخل الاستعماري الغربي والروسي. وفي سوريا كما نرى، لم ينتج عن كل المفاوضات سوى اتساع دائرة إسالة الدماء وتفعيل سلاح الحصار والتجويع وتوفير الوقت والفرص لتعويم بشار..إلخ.للأسف، لن تأتي المفاوضات والاتفاقات في الوقت الراهن بأية مصلحه للشعوب، ولن توقف سيل الدماء، وهي ليست إلا حالة من حالات التوافق على تقسيم المصالح بين المستعمرين لا أكثر ولا أقل.

603

| 15 سبتمبر 2016

سوريا: صورة العراق تكتمل!

احتلت الولايات المتحدة وإيران العراق، وسوريا باتت بلدا تحتله الولايات المتحدة والحلف الروسي الإيراني. وخلال وبعد احتلال العراق، دفعت إيران بميليشياتها إلى أرض العراق لتساند المشروع الإستراتيجي الأمريكي ولتحقق – بشكل موازٍ- مشروعها الاستعماري هناك، وفي مواجهة الثورة السورية دفعت إيران بميليشياتها وأتبعتها بقواتها وجاءت روسيا بقوتها العسكرية، تحت عين وبصر وبموافقة ودعم الولايات المتحدة، التي صنعت لنفسها - هي الأخرى - ميليشيات كردية وسلحتها ودفعت بعناصر عسكرية واستخبارية أمريكية. وفي العراق جرت المعركة باتجاه إنهاك المجتمع السني وتحطيم معالم قدرته وإحداث أعمق وأخطر عملية تهجير وطرد وإبادة للسنة، وفي سوريا، ها هي أنباء أعمال التطهير تتوالى من مضايا إلى داريا إلى معظمية الشام وحى الوعر بحمص، لتكتمل عملية إبادة وسحق السنة وتطهيرهم من مدنهم وقراهم. وعقب الاحتلال الأمريكي للعراق جرت أعمق وأخطر عملية إجرامية لتغيير هوية الدولة والمجتمع، وإعادة بنائها على أسس طائفية تحقق سيطرة المتعاونين مع مشروعي الاحتلال الأمريكي منها والإيراني، وفي سوريا، تحالفت الولايات المتحدة وروسيا وإيران لإبقاء ودعم وتعظيم القدرة الإجرامية لنظام الأسد الطائفي. وفي العراق جاء الاحتلال الأمريكي الإيراني المشترك بمشروع تقسيم العراق وتفكيكه، وفي سوريا إذ خرجت الثورة السورية تحت شعار "واحد واحد واحد..الشعب السوري واحد"، فقد سعى مشروع الاحتلال بكل أطياف دوله وعلى تعددها، إلى تقسيم سوريا، ليحصل الأسد وإيران وروسيا على سوريا المفيدة وتحصل أمريكا عبر قيادتها للأكراد على مناطق تسعى لتكون دويلة - في انتظار ما يجري في تركيا والعراق - على أن ينحصر السنة في مناطق تضيق يوما بعد يوم ويبقى المهجرون والمشردون قسريا في الشتات ولو تحت عنوان "أين تعودون وقد بات كل شيء خرب ومدمر؟". وفي العراق جرت مواجهة الثورة السلمية الديمقراطية بالقتل والإرهاب واستخدام المدفعية والدبابات والطائرات في زمن المالكي، وفي سوريا قام بشار بأوسع مجزرة شهدتها البشرية داخل نطاق بلد واحد، إذ فعل بشار وإيران وروسيا - والولايات المتحدة وحلفاؤها - بسوريا، نفس ما فعلته الولايات المتحدة بالشعب العراقي خلال عملية احتلالها وخلال مواجهتها للمقاومة الوطنية العراقية. قام بشار وإيران وروسيا بما قامت به أمريكا في العراق. وفي العراق كان تكثيف الهجوم وإبدال صورة العراق المقاوم بصورة داعش هو الغطاء لأخطر مراحل الحرب والتفكيك وأعمال الإبادة، وكذلك كان الحال في سوريا، إذ جرى التغطي بداعش لارتكاب أبشع المذابح وأعمال التدمير والإبادة وجرائم القصف بكل الأسلحة المحرمة دوليا. وهكذا تطابقت الصورة بين ما جرى للعراق. أو تطابقت الأهداف الإستراتيجية ضد شعبي العراق وسوريا أو ضد السنة في كلا البلدين، وتطابقت النتائج الأخيرة للفعل الاستعماري على الأرض. وهكذا، أصبح واضحا وجليا أو مفضوحا مدى التوافق الأمريكي الروسي الإيراني، على مثل تلك الأهداف وإن اختلفت المصالح والمطامح الاستعمارية. في مواجهة السنة، الكل حلفاء. وهكذا يمكن القول، بأن إستراتيجية الولايات المتحدة لصناعة شرق أوسط الجديد، هي ما جرى تطبيقه منذ احتلالها للعراق، وأن الولايات المتحدة قد استعانت بالشيطان أو بكل الشياطين لتحقق تغييرا في مسار ثورة الشعب السوري لتغيرها من ثورة سلمية ديموقرطية وطنية إلى حروب داخلية طافية وإلى أعمال إبادة وتفكيك. وهكذا يجب التحذير مما يجري هذه الأيام في اليمن وحولها وبشأنها. كل المؤشرات تؤكد على محاولة نقل صورة العراق التي انتقلت لسوريا ومنها إلى اليمن.

979

| 02 سبتمبر 2016

الربيع: الخطأ أن تصور البعض غير ذلك!

يتألم الكثيرون بسبب ما آل إليه مصير المجتمعات والدول التي اجتاحها الربيع العربي، ووصل البعض حد اليأس لشدة المآسى. وانقلب البعض على عقله ونفسه ومواقفه وتوجهاته. والبعض، عاد يحن إلى حكم الجلادين القدامى الذين خلعوا بفعاليات الربيع. وقدر من الجمهور عاد للقبول بأسوأ مما كان يعيش فيه. قبل بأوضاع كارثية تدفع مستقبل البلاد إلى جحيم لا يبقى مستقبلا، تحت عنوان عش اللحظة ولو تحت الإذلال. تلك الحالة يبدو المسؤول الأول عنها، كثير من النخب التي تصدرت مشاهد الربيع، إذ قادت تحركات الجمهور العام الرافض للإذلال والتجويع والتبعية، دون أن تعي حجم التحديات والمعضلات ودون أن تمتلك رؤية لمواجهة مترتبات خلع الطغاة ومن قبل ومن بعد كان الخطأ الأكبر أن سرت نظرة محلية ضيقه لمثل تلك الأحداث، دون إدراك أنها بمثابة زلزال على صعيد المصالح والعلاقات والتوازنات الإقليمية الدولية وأن تطورها سيغير طبيعة الحكم والتوجهات في الإقليم كله. هي نخب افتقدت الإدراك بطبيعة ما تقوم أو ما هي مقبلة عليه بما سهل مهمة الثورات المضادة. لقد فاجأت الشعوب نخبها بهذا الاحتشاد وبحجم الاستعداد للتضحية – إذ لا سوابق حدثت خلال تجربة الجيل الحالي - كما هي نخب لم يكن لديها تصورات إستراتيجية لا لطبيعة المعركة التي انغمست في قيادتها، ولا لكيفية التعامل مع طموحات الجمهور العام. وبطبيعة الحال لم يكن في حساباتها كيف تمنع وتحبط نشاطات وتتصدى لخطط الثورات المضادة. وهنا كان لافتا الطابع الرومانسي الذي طغى على رؤية أحداث الربيع عند بداياتها، حتى أن البعض تصور فعلا، أن دول العالم كافة سعيدة بتلك الثورات وأن لا مشكلة لتلك الثورات مع الخارج وأن مهمتها وهمومها تتلخص في التصدي لأتباع المخلوعين من الحكم لا أكثر ولا أقل. هنا فوجىء هؤلاء النخبويون باحتشاد عشرات الدول خلف الثورات المضادة، بل كانت الطامة الكبرى لديهم أن علموا بعد فوات الأوان أن دولا إقليمية ودولية كانت المحفز والراعي والمخطط والداعم لتلك الثورات بالمال والسلاح والإعلام. فوجىء الكثيرون بالموقف الأمريكي المتآمر (وكان البعض هلل لزيارات المسؤولين وإطرائهم على الثورات السلمية) وبالموقف الروسي والإيراني المضاد بالسلاح (وكان البعض قد تحدث بنشوة عن ثورات عربية توأم لثورة إيران الرائدة!) وبمواقف كثير من النظم العربية المعادي للربيع والمستعد لتحطيم الدول والمجتمعات الأخرى. لم يكن الخطأ الرئيسي – كما يروج - أن تصورت النخب أن خلع حاكم يكفي - فذلك جزء يسير من الخطأ الاستراتيجي - بل في تصور أن معارك الربيع وخلع الطغاة، هي مجرد معارك داخلية تجرى داخل الأطر الوطنية وأن العامل الخارجي ينتفي وتشل يده حين يحتشد الجمهور العام. تلك النظرة المحلية الضيقة، كانت دوما هي "الدواء القاتل" لكل الثورات ولأعمال التغيير في أي منطقة من العالم. وهذا هو أخطر أخطاء النخبة التي تصدت لقيادة الحراك الشعبي في ثورات الربيع. وتلك الزاوية من الرؤية، هي ما يجب فهم أبعادها ووضع الخطط للتعامل معها، في اللحظة الراهنة بشكل خاص، إذ تشهد بلدان الربيع تحولات مهمة باتجاه هزيمة الثورات المضادة، إذ ما جرى في حلب وفك حصارها والإعلان عن تحولات لاندماج حركات الثوار وخوض معركة شاملة لتحرير حلب، وما جرى في فك حصار تعز جزئيا والتوجه لفك حصارها كليا وإطلاق طاقاتها لرفد الشرعية بقوة هائلة وما يحدث في ليبيا ضد حفتر..إلخ، هي مؤشرات على موجة جديدة تتطلب وعيا وإدراكا بالطابع الإقليمي والدولي لمعارك الربيع. الخطأ أن تصور البعض غير ذلك.

617

| 26 أغسطس 2016

اندفاعة خطرة للحلف العسكري الروسي الإيراني

لم يأت انطلاق القاذفات الإستراتيجية الروسية الأضخم في العالم (توبولوف 22) من قاعدة همدان الإيرانية تلبية لحاجة عسكرية مباشرة فقط، بل هو إعلان بتطوير إستراتيجي للحلف العسكري الروسي مع إيران والحكومات، أو هياكل الحكومات التابعة لها في العراق وسوريا. جاء تصدير فكرة الحاجة العسكرية لهذا التطور الذي أدخل سلاحا إستراتيجيا روسيا للعمل في المنطقة تحت عنوان عدم قدرة قاعدة حميميم الروسية على الأرض السورية على استقبالها، وليس عدم كفاية قصف الطيران الروسي الجاري حاليا. وجاء التركيز على فكرة أن القصف استهدف تنظيم الدولة تحديدا لامتصاص ردود الفعل على هذه الاندفاعة الخطرة في تطوير هذا التحالف على نحو يمتد لأراضى البلدان الأربعة، وعلى الإعلان بدخول الحلف العسكري الروسي الإيراني مرحلة جديدة. وليس خافيا على أحد أن القصف الذي جرى الآن ضد تنظيم الدولة، سيمتد غدا أو بعد غد إلى الأراضي السورية الأخرى ضد كل المعارضة العسكرية لنظام بشار، تحت عنوان قصف "فتح الشام". جاءت الطلعات من إيران بالطيران الإستراتيجي الروسي إعلانا إستراتيجيا بتعمق هذا الحلف العسكري بأكثر مما جاءت كتطوير للهجوم العسكري الروسي في سوريا. وهذا ما أشار إليه علي أكبر ولاياتي (مستشار خامنئى)، حين قال إن التعاون الدفاعي الإيراني الروسي استراتيجي وليس مستبعدا. وهو انتقال للحلف الروسي الإيراني (وحكومتي العبادي وبشار) وليس مجرد انطلاق من قاعدة إيرانية، ولذا تحدث رئيس وزراء العملية السياسية في العراق حيدر العبادي عن أن مرور القاذفات الروسية جاء بناءا على قرار عراقي بالسماح لها بعبور الأجواء العراقية، وهو نفس ما حدث حين مرت الصواريخ الروسية المنطلقة من بحر قزوين بالأراضى العراقية. كما تحدث وزير الخارجية الروسي لافروف بلسان الأسد، إذ أعلن أن الدور العسكري الروسي يجرى بطلب من الحكومة السورية المتعاونة مع إيران أيضا. وبذلك تخطى فكرة انطلاق توبولوف من إيران إلى فكرة وحالة الحاجة العسكرية المباشرة، ودفع بالأمر إلى حالة الحلف العسكري. هي مرحلة جديدة لهذا الحلف العسكري، الذي أعلن في البداية تحت عنوان تشكيل مركز معلوماتي استخباري في بغداد يضم ممثلين لهيئة أركان القوات الروسية والإيرانية والعراقية والسورية. وقد لاحظ الجميع كيف اختارت روسيا بعدها إطلاق الصواريخ من بحر قزوين عبر أراضي دول الحلف، دون حاجة عسكرية معلومة ومحددة، وهو ما كان تدشينا لهذا الحلف عند بدايته. وقد تطور دور هذا المركز من بعد حين شكلت القوات الجوية الروسية غطاء لحركة جيش بشار والقوات الإيرانية والميلشيات العراقية واللبنانية التابعة لها. والآن وصلنا مرحلة استخدام روسيا لقواعد عسكرية إيرانية. وتلك اندفاعة قوية وخطرة على الدول العربية، وهى جرت بناء على قراءة لتطورات الأوضاع الدولية والإقليمية لا لمجرد حاجة القاذفات لمطار أكثر إعدادا. وإذ يمكن القول بأن معارك حلب وما كشفته من قدرة قوات المعارضة على هزيمة التدخل الروسي الإيراني –خاصة بعدما أسقطت طائرة هليكوبتر روسية في إدلب- قد شكلت عامل تحفيز لتطوير القدرة الروسية في الإقليم، فيمكن القول أيضا بأن التغيير الحاصل في المواقف التركية تجاه روسيا وإيران وما ترافق معها من توتر في العلاقات التركية مع الولايات المتحدة وأوروبا، قد حقق الفرصة المطلوبة لهذا الاندفاع الذي جرى مشفوعا بإعلان صيني عن تدريب وتسليح جيش بشار. غير أن أشد ما يلفت النظر هو أن تلك الاندفاعة جرت بعد يومين من إعلان وزير الدفاع الروسي عن عمليات عسكرية أمريكية روسية مشتركة في سوريا!

1005

| 19 أغسطس 2016

هل هو ذهاب لتحرير صنعاء ؟

عادت الحالة اليمنية إلى التصعيد الحربي الواسع من جديد، أو أن اليمن بات أمام قرار بحسم الصراع بالقوة المسلحة. وهي حالة يختلف هدف العمل العسكري فيها عما جرى خلال فترة مفاوضات الكويت، إذ انحصرت أهداف الطرفين في ممارسة الضغط لتعزيز الوضع التفاوضي وإظهار مدى الجاهزية وتأكيد جدية التهديد بالحرب الشاملة. الآن ستكون الحرب أعنف مما كان عليه الحال في المعارك التي جرت خلال المفاوضات، بل ستكون الأشد عنفا وضراوة من الحالة الحربية التي جرت حين بدأت قوات الشرعية مسنودة بالتحالف العربي معركة تحرير اليمن انطلاقا من العاصمة المؤقتة عدن. المعارك الجارية الآن، ستترجم فيها نتائج عامل الوقت، الذي أتاحته مفاوضات الكويت، إذ استثمرته الأطراف المتحاربة في الإعداد والاستعداد لمعركة ما بعد فشل المفاوضات. الحوثيون وصالح استفادوا من الوقت لترميم قدراتهم التي تضررت تحت القصف الجوى لطيران التحالف، لكن الوقت لم يكن فعالا في تطوير قدراتهم، إذ وصلوا من قبل إلى أعلى سقفهم الاستراتيجي وباتت أوضاعهم تتحرك هبوطا بسبب الحصار العسكري والانفضاض المجتمعي والنخبوي من حولهم..إلخ. الأكثر استفادة من عامل الوقت خلال المفاوضات هي السلطة الشرعية والجيش الوطني والمقاومة. هؤلاء كانوا بحاجة لعامل الوقت أكثر من الحوثيين وصالح، لتطوير القدرات وتوسعتها –لا لترميمها- بحكم جدة تشكيل السلطة الشرعية والجيش الوطني والمقاومة مقارنة بقوات ميلشيا الحوثي التي تشكلت منذ سنين وخاضت ستة حروب وبميليشيات صالح بطبيعة الحال، وبحكم تشكل السلطة والجيش والمقاومة تحت الضغط العسكري للحرب التي شنها الانقلابيين، وفى ذلك يمكن القول بأن الجيش والمقاومة سيكون أداؤهم أقوى وأشد فعالية مما سبق. ويتوقع أن تكون المعارك أشد عنفا وضراوة بفعل طبيعة الأوضاع العسكرية لكلا الطرفين في هذه المرحلة، إذ ستخوض قوات الشرعية معاركها في مناطق ذات دفاعات أقوى، كما أنها مختلفة على نحو آخر في طبيعة مكونها السكاني، وبالأحرى فهي حرب كسر عظم للانقلابيين، إذ تجرى للسيطرة على مراكز وجودهم العسكري والسياسي، وهم سيستميتون في الاحتفاظ بها بعد أن تقهقرت قواتهم خلال مرحلة عاصفة الحزم من مناطق الجنوب ومناطق في تعز ومأرب وغيرها. والأهم في فهم المعارك الجارية في اليمن هو إدراك الطبيعة السياسية لأهداف الطرفين، إذ لا حرب دون أهداف سياسية محددة، وهنا يبدو واضحا أن طرف الشرعية قد خرج بمكاسب كبيرة على الصعيدين الإعلامي والسياسي، وبات بإمكانه أن يطرح مروحة واسعة وأشد جذرية من الأهداف السياسية، فيما الحوثيين وصالح لا تخرج أهدافهم عن فكرة الحفاظ على ما حققوه من قبل. نحن إذن أمام معركة هجومية من قبل قوات الشرعية، ودفاعية من قبل الانقلابيين، على المستويين العسكري والسياسي. ونحن أمام معركة تميل فيها التوازنات السياسية والإعلامية والعسكرية لمصلحة الشرعية على حساب الانقلابيين. فالشرعية -والجيش والمقاومة- تذهب للهجوم الآن، بعد أن أظهرت للمجتمع اليمنى –جماهير ونخبا وقوى سياسية- وللعالم مدى حرصها على التسوية السياسية وكيف أنها قدمت كل التنازلات التي طلبت منها دوليا وذهبت إلى حد التوقيع من طرف واحد على الاتفاق الذي قدمه المبعوث الأممي. لقد أصبح ممكنا القول -رغم كل التلاعبات والمناورات الروسية والغربية- إن المجتمع الدولي صار وجها لوجه مع الحوثيين، إذ قوات الشرعية تخوض حربها الآن لتحقيق القرارات الدولية وخطة المندوب الأممي. لكن السؤال الأهم يظل مشرعا ويطلب الإجابة: هل وضعت الشرعية خطتها على أساس حسم المعركة في صنعاء وصعدة في هذه الجولة؟ أم أن هناك من لا يزال يتصور أن الهدف هو تحقيق مكاسب على الأرض لإجبار الانقلابيين على تقديم تنازلات في جولة تفاوضية قادمة؟

927

| 12 أغسطس 2016

الغرب يدعم انقلابات تركيا منذ 100 عام!

لا يقتصر الأمر على الانقلاب الأخير الذي فشل، ولا على ما قام به الغرب من أعمال تمهيدية إعلامية وسياسية ودبلوماسية للتهيئة لهذا الانقلاب، إذ الغرب منخرط في لعبة الانقلابات في تركيا، بل هو منخرط في حرب ناعمة عليها منذ وقت طويل. الغرب منخرط في لعبة الحكم والنظام السياسي وفي تحديد السياسة الخارجية لتركيا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وفق خطة محددة تستهدف الحفاظ على الدور الوظيفي المحدد لتركيا - بعد الحرب - ضمن الإستراتيجيات العليا للغرب الذي انتصر على تركيا. لقد انتهت الحرب العالمية الأولى بإزالة "خطر" الدولة العثمانية أو بالأحرى دولة الخلافة العثمانية على أوروبا - هكذا يرى الغرب - إذ جرى تفكيك كيانها الخارجي الإمبراطوري الضخم، والأهم أنه جرى الانقلاب الاتاتوركي في داخلها لضمان عدم عودتها إلى ما كانت عليه. وبصراحة ووضوح فالغرب منخرط في لعبة الانقلابات داخل تركيا منذ نحو 100 عام، أو منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى الآن، وما الانقلاب الأخير، إلا أحد تجليات حالة صراعية تاريخية طويلة ممتدة، حتى يمكن القول إن المعركة التي تخوضها تركيا ضد الانقلاب الفاشل الحالي – ولمواجهة احتمالات وقوع انقلاب آخر - ليست إلا حالة من حالات الصراع مع الغرب لا أكثر ولا أقل، وليست إلا صراعا يدور حول نتائج الحرب العالمية الأولى التي ما تزال تحكم مصائر الأمور في عالمنا الإسلامي – سايكس بيكو – وتركيا ليست استثناء بل هي الحالة الأعمق والأشد تأثرا وتأثيرا. لم تكن الأتاتوركية إلا انقلابا غربي الملامح والفكر والأهداف الحضارية والإستراتيجية، وهو انقلاب جرى على خلفية استكمال وتطوير نتائج الانتصار الغربي على تركيا، لضمان منع عودة تركيا إلى ما كانت عليه قبل الحرب الأولى التي كان الأصل فيها إنهاء دور تركيا واستعمار الدول التي كانت خاضعة لسيطرتها. ومن وقتها وحتى الآن والغرب يصنع ويدعم هذا الانقلاب وكل انقلاب بعده على من يحاول تغيير مسار تركيا. وإذ جاءت الحرب العالمية الثانية لتؤكد على سير تركيا على خط دورها الوظيفي المحدد بعد الحرب الأولى، بل جرى تعميق الحالة الغربية في تركيا عبر ضم تركيا لحلف الأطلنطي لتصبح ضمن دورة الحرب الباردة - بما شكل إقرارا بانتهاء دورها الدولي عامة والأوروبي خاصة – فالأخطر أنه جرى تثبيت دور الجيش التركي أو قيادته كحارس لتلك الوضعية الإستراتيجية (داخليا وخارجيا)، إذ صار يواجه أو يقمع كل تحرك خارج إطار تلك الحالة. الغرب في الأصل داعم للانقلاب العام في حياة تركيا الداخلية وللانقلاب الحاصل في دورها الاستراتيجي. والغرب منخرط في حرب سيطرة ناعمة دائمة – وخشنة حين يتطلب الأمر - ضد كل من حاول الإفلات بتركيا عن نتائج الحرب المثبتة عبر الانقلابات العسكرية. لقد حاول عدنان مندريس الخروج على تلك الثوابت الغربية فأقصى وأعدم – بدعم غربي كامل - وجرى من بعد إقصاء نجم الدين أربكان بنفس الطريقة، ومنذ مجىء أردوغان للسلطة، وبشكل أدق، منذ بدأ مرحلة إظهار أفكاره الباحثة عن الاستقلال والهوية الحضارية والمطامح الإستراتيجية لتركيا، والغرب متربص به وبتجربته عبر أدوات كثيرة من بينها الانقلاب العسكري. لقد احتضنت عواصم أوروبية القيادات والنشاط الإعلامي والسياسي لحزب العمال الكردستاني، للإمساك بأوراق الضغط والتفكيك التي تهيء الأجواء للانقلابات، كما أشعل الغرب حربا على امتدادات الدور بين الجاليات الإسلامية في أوروبا، إذ أقر البرلمان النمساوي قانونا - في عام 2014 - بقطع التمويل التركي للأنشطة الدينية في أوروبا وتسريح العاملين فيها، وكذلك فعلت بلجيكا، ووصل الأمر في ألمانيا حد الدعوة المباشرة لإنهاء التدخل التركي في الإسلام الأوروبي، وعلى صعيد الاتحاد الأوروبي فقد كان الأمر شديد الفجاجة، إذ جرى إعلان بتمويل مشروع صحفي تحت عنوان كشف ما وصف "بالدمى التركية في داخل أوروبا" التي اتهمت بالسعي لنشر ما وصف بالأيديولوجية الأردوغانية. الغرب داعم للانقلاب الحاصل على تركيا من داخلها منذ نحو 100 عام، وهو في حرب على دورها الاستراتيجي من داخلها وفي خارجها.

845

| 05 أغسطس 2016

لِم تقلق أمريكا من تركيا أكثر من غيرها؟

لا تتلقى تركيا معونات عسكرية أو مالية من الولايات المتحدة، وذلك سبب كاف للقلق الأمريكي من تركيا، إذ لا تملك الولايات المتحدة أوراقا للضغط -تجيدها- على السياسة التركية، وذلك أحد الدوافع في السعي الأمريكي الدائم عن وسائل اختراق للوضع الداخلي والسيطرة على السلطة السياسية في تركيا، باعتبارها لا تملك وسائل الضغط والاختراق من الخارج. كما تقلق الولايات المتحدة من تركيا وتسعى للسيطرة على القرار الإستراتيجي لها، بسبب المؤهلات التي تمتلكها تركيا للتحول إلى قطب دولي يربك المعادلات والتوازنات التي تشيدها الولايات المتحدة وتديرها لتحقيق استمرار سيطرتها على العالم والدول الإسلامية بصفة خاصة. وإذ باتت سطوة وسيطرة الولايات المتحدة تواجه خطرا كليا بنهوض أوروبا وروسيا، وهو ما يعقد عوامل سيطرتها على العالم وإدارته. وإذا أضيفت الصين والهند إلى عوامل تهديد السطوة والسيطرة الأمريكية على النظام الدولي، فإن عودة تركيا للظهور كقوة إقليمية ودولية محتملة، يزيد القلق الأمريكي ويدفعه خطوات نحو محاولات اختراق الوضع التركي أو السعي للسيطرة على معالم قوتها الإستراتيجية الطموحة، إذ الجيش التركي هو العاشر في الترتيب العالمي والثاني في ترتيب جيوش حلف الأطلنطي، وبالنظر لما تلقاه من عوامل قبول في العالم الإسلامي -المتطلعة شعوبه لإعادة بناء قوة إسلامية- وبحكم تنامي عوامل قوتها الاقتصادية ولوصولها حد الاكتفاء التسليحي -خلال عامين على الأكثر- بما يعزز طموحها الإستراتيجي في بناء عوامل قوة وخطط إستراتيجية مستقلة لها على الصعيد الدولي.تقلق الولايات المتحدة من تركيا بأكثر مما تقلق من إيران، بل يمكن القول إن أحد الدوافع للوصول لاتفاق حول الملف النووي الإيراني يتمثل في إعادة توظيف القوة الإيرانية في مواجهة تركيا في الإقليم -وهي ذات الإستراتيجية المعتمدة في حصار الصين بحزام ناري في محيطها- فضلا عن توظيف هذا الدور في إحداث عمليات التفكيك والتخريب للعالم العربي. والأخطر الذي تراه أمريكا في تركيا، أنها تعتمد إستراتيجية التطوير والتنمية الاقتصادية والديمقراطية في داخلها، ولا تعتمد إستراتيجيات التدخل العسكري بقواتها في الخارج، بما ينهك قدراتها ويسهل مهمة صناعة الأعداء في مواجهتها، كما حال إيران التي تنتج إستراتيجيتها حالة مكافئة مضادة لها في محيطها. وأن تركيا تمارس اقترابا وتطويرا لعلاقاتها الدولية وفق إستراتيجية الصين وألمانيا -مع الفارق هنا وهناك- التي تجري وفق نمط التنمية المتبادلة وتوسيع رقعة التعاون الاقتصادي والتنمية المشتركة، بما يحقق لتركيا قبولا واسعا، ويساعد في تنمية تركيا بشكل مستقل عن الوصاية الأمريكية والغربية.وفي ذلك يبدو أن الولايات المتحدة قلقة وتعيش وضعا مضطربا في محاولتها التأثير على القرار التركي، بحكم مراهنة تركيا على الشعوب والديمقراطية والمستقبل، فيما تقوم الرؤية الإستراتيجية الأمريكية على استمرار الماضي ودعم الديكتاتوريات. وإذ تلعب الولايات المتحدة بالديمقراطية لعبة دعائية فتركيا على العكس ترى الديمقراطية أداة التغيير وتحقيق إرادة الشعوب في التغيير الحقيقي، نحو الاستقلال عن الوصاية والضغوط الأمريكية.وهنا يبدو واضحا ما يثير القلق الأمريكي من تركيا مهما مقارنة بروسيا، التي لا تحمل مشروعا للخارج يختلف عن مشروعها الداخلي القائم على سيطرة الدولة وتكميم الأفواه -فضلا عن اعتماد خط التدخلات العسكرية الاستعمارية في الخارج - بما يصنع عداوات واسعة لروسيا في الخارج ولنظام الحكم في داخلها.والأخطر الذي يواجه أمريكا الآن في التو واللحظة، أن تركيا متدخلة بالفعل في قضايا إقليمية واسعة من سوريا والعراق، إلى محاربة تنظيم الدولة... إلخ، لا تستطيع الولايات المتحدة التغاضي عن دورها في التو واللحظة، وهو ما يمنح تركيا وقتا هي في أشد الحاجة إليه لتحقيق مشروعها المستقل.

1152

| 29 يوليو 2016

إعادة تأسيس الحالة التركية.. مجددًا

يثبت التصدي الجماهيري الواسع والمنظم للانقلاب العسكري وإفشاله في تركيا، وما تكشف من معلومات وبعضها من المعلوم بالضرورة حول الإرادة الدولية الوافرة في دعم الانقلاب، كيف دخلت تركيا مرحلة إعادة التأسيس وأنها بدأت خوض معركة الاستقلال الحقيقية، التي فشلت في إنجازها الكثير من الدول العربية والإسلامية، إذ انتهت التجارب التنموية المستقلة في الستينيات إلى وضع الاحتلال الصريح لبعض من الدول أو غير الصريح في أخرى. جاء الانقلاب فعلا دمويا يستهدف قطع الطريق على تركيا المسرعة الخطى لتحقيق الاستقلال الحقيقي وجرت مجابهة شعبية باتت أساسا لانطلاق أسرع وأعمق. ومعركة مواجهة الانقلاب على الديمقراطية التركية وعلى إرادة الشعب وعلى حكم العدالة والتنمية ليست معركة سياسية فقط، ولا تعود لخلافات في الرؤى فقط بين العسكر الذين يحاولون فرض وجودهم في هرم السلطة بقوة الدبابة، بل هي معركة فكرية وحضارية، إذ يمكن القول بأن الانقلابات العسكرية في تركيا –وكثير من الدول العربية والإسلامية - تتميز عن مثيلاتها في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، بأنها انقلابات ذات طبيعة أيديولوجية، لا مصلحية أو سياسية فقط.والأهم في فهم ما يجري في تركيا ما بعد الانقلاب الفاشل، هو إدراك طبيعة معارك الاستقلال الحالية في العالم الإسلامي، والنظر إلى المعارك والصراعات الداخلية باعتبارها معارك تحقيق الاستقلال الحقيقي، إذ لم تعد معارك الاستقلال في كثير من الحالات معارك تحرر وطني من نير جنود وحكم المستعمر الخارجي، فتلك الحالة قد أخلت مكانها –إلا في العراق وسوريا وفلسطين- لتتحول إلى معركة داخلية بحكم الغزو الثقافي والحضاري وأعمال السيطرة الواسعة التي تقوم بها الشركات العولمية وبفعل تشكل نخب مجتمعية عبر عشرات السنين مرتبطة فكريا ومصلحيا بالغرب.والحالة التركية هي أشد الحالات تبيانا لطبيعة معارك الاستقلال "الجديدة"، إذ قامت التجربة الأتاتوركية على بناء جهاز دولة معادٍ لنمط المنظومة الحضارية والثقافية والقيمية للمجتمع التركي، وأوكلت للقوات المسلحة التركية استخدام أدوات القمع ضد الشعب، إذا أراد العودة إلى منظومته القيمية الأصلية والأصيلة، ولذا جرت أربعة انقلابات عسكرية لمنع أي تحولات عن الخط الأتاتوركى، الذي عاشت تركيا تحت سطوته حالة من الحيرة والانفصام لتصبح النموذج الأشد وضوحا للدولة الحائرة، بين المنظومة القيمية للمجتمع والمنظومة القيمية لجهاز الدولة –والأخيرة دخيلة على ثقافة وفكر المجتمع بل هي امتداد لحضارات ومفاهيم ومصالح دول أخرى مستعمرة- وهو ما أدخل تركيا في نمط متمادي من الحرب الأهلية الثقافية أو الحضارية الدائمة بين جهاز الدولة من جهة والمجتمع وقواه الحية من جهة أخرى.والآن وإذ جرى الانقلاب وجرت هبة شعبية واسعة أفشلته، فلم تعد فكرة الديمقراطية حالة تتعلق بتداول السلطة بالمعنى النظري أو العام، بل صارت الأداة الأهم في أدوات تحقيق الاستقلال، باعتبارها الطريق لاختبار وفرض إرادة الشعب وهويته –في الدول التي تعيش حالة انفصام بين فكر دولتها وفكر مجتمعها- وقد رأينا تجارب كثيرة رسخت الإدراك بأن الغرب يقف بالمرصاد لكل تجربة ديمقراطية، باعتبارها وسيلة تفرض إرادة الشعوب.وهنا تبدو أهم تجليات تجربة أردوغان، إنها أنتجت ما رأيناه من قوة وعى وحركة ومبادرة الشعب التركي في مواجهة الانقلاب العسكري وحققت القدرة على حركة الحشود المنظمة حتى التمكن من إفشاله، إذ لم يصل الرجل للحكم عبر ثورة في الشارع بل عبر صناديق ومع ذلك ظل ممسكا بالعصا السحرية للارتباط بالناس عبر أدوات الديمقراطية والتنمية..إلخ. تركيا تعود إلى نفسها الآن. وأمر ما سيجري سيستغرق وقتا (لا شك في ذلك) حتى تصل تركيا إلى وضعية التماهي والتناغم الطبيعي بين هوية الشعب وهوية الدولة، ولا بديل لحدوث ذلك سوى بالارتكان إلى أدوات الديمقراطية، إذ هي وحدها القادرة على حشد الناس سلميا، إلى درجة القدرة على إفشال الانقلابات العسكرية.

818

| 22 يوليو 2016

تركيا.. فك الارتباط مع السياسة الأمريكية

بدا أن الحصار الروسي قد أحكم -إلا قليلا- حول تركيا، وأن نظرية "المشاكل صفر" قد انتهت إلى الضد، وأن حلف الأطلنطي وأوروبا قد حددوا نطاق حركتهم باتجاه الضغط الروسي على تركيا عند حدود الرد الدفاعي الإستراتيجي، وهو ما يسمح بإضعاف تركيا تدريجيا (قلقا من مشروعها الإستراتيجي بقيادة حزب العدالة والتنمية) دون إسقاطها باعتبارها عضو بالحلف. وصارت الدعاية المضادة لتركيا تمني النفس بل تروج لقرب نجاح ثورة مضادة في داخل تركيا. وجاءت استقالة رئيس الوزراء التركي السابق داوود أوغلو، لتزيد التكهنات بتحول الرئيس التركي نحو سياسة خارجية أكثر حدة -لكون أوغلو المنظر والمهندس لنظرية المشاكل صفر مع المحيط- بما يفتح مساحات أوسع لتشديد الحصار الخارجي وزيادة التوترات الداخلية وتحولها إلى تمردات واسعة تسقط النظام أو أردوغان على الأقل. وكانت المفاجأة، أن قام أردوغان بحركة إستراتيجية مباغتة، لا بتحركات تكتيكية في هذا الاتجاه أو ذاك. والفارق، أن الأولى (الحركة الإستراتيجية) تعيد ترتيب التحالفات وتغير اتجاهات وملامح الحركة وتفتح مجالات أوسع في اتجاهات جديدة مختلفة داخل تحالفات الخصوم، فيما الثانية يقتصر دورها على فتح ثغرات والقيام بهجمات أو تراجعات جزئية هنا أو هناك. وتتعدد أوصاف الحركة التركية، فيمكن القول بأنها خطوة إجهاضية للحصار الذي كان في طريقه للإحكام حول الجغرافيا والدور الإستراتيجي التركي، إذ إن إعادة العلاقات السياسية والاقتصادية مع روسيا لا يزيح الصراع مع روسيا عن كاهل الدور التركي، بل يحقق تغييرا في معادلات الحركة باتجاه "الأصدقاء" أيضا. وهي خطوة تقطع الطريق على توفير الخصوم الخارجيين الدعم لعناصر المنظمات الإرهابية في داخل تركيا وتفتح مساحة أكبر أمام إستراتيجية إنهاء الفعل العسكري لحزب العمال الكردستاني. فضلا عن أنها حركة، تعيد إدخال تركيا إلى حلبة المنافسة كلاعب إقليمي، وتمنع انفراد إيران بدور اللاعب الإقليمي المهيمن. وهي حركة إستراتيجية تعيد رسم العلاقات بين تركيا وأوروبا والولايات المتحدة، بناء على المعطيات الإستراتيجية التي تكشفت في فترة الصراع مع روسيا، حتى يمكن القول بأننا أمام قرار تركي بفك الارتباط مع الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وهنا تبدو تعبيرات الساسة الأمريكيين عن اندهاشهم من التحرك التركي ذات دلالات مهمة. كما هي تعيد لتركيا القدرة على إعادة التموضع الدولي والإقليمي وتفعيل قدرتها على المساهمة النشطة والفاعلة في الحراك وإعادة الترتيب الجارية في الإقليم. واللافت أن أردوغان لم يقدم تنازلات حقيقية في سبيل إحداث تلك التحولات، وأنه اقتصر في تغيير حركته الإستراتيجية على الانتقال من المجابهة إلى فكرة توازن المصالح، فيما هو حقق لبلاده تطويرا لأوضاعها السياسية والاقتصادية ودبلوماسية وإعلامية، فروسيا لم تحصل على تنازلات من تركيا إلا بضع كلمات أسى على مقتل الطيار الروسي، وإسرائيل هي من قدم الاعتذار. وبعيدا عن التفاصيل، فقد ثبتت تركيا قدرتها الإقليمية من خلال الصراع السابق بإظهار مدى امتلاكها إرادة المواجهة ومن خلال التغيير الحالي بالذهاب نحو توازن المصالح. وفي ذلك تثبت تركيا قدرتها على المناورة المدروسة والمخططة والمتغيرة وفقا للمصالح والموازنات وتؤكد امتلاكها أوراقا تفرض بها نفسها لاعبا إقليميا ودوليا. لم ترتكب تركيا لعبة المواقف العنترية ولم تضع ما هو فكري في مواجهة ما هو إستراتيجي يرتبط بالمصالح والتطوير الاقتصادي والسياسي البعيد. وذلك درس مهم في إدارة الصراعات، على الأقل بالنسبة إلينا نحن العرب.وأخيرا، فقد أثبتت تركيا قدرتها على اتخاذ القرار الإستراتيجي المستقل في توقيت دقيق، وأنها قادرة على الحركة الإستراتيجية دون تغيير تحالفاتها العربية.

1133

| 15 يوليو 2016

حلفان:ألماني فرنسي ..وبريطاني أمريكي !

يتغير العالم بخطوات سريعه،وإذ شهدت طبيعة المصالح تغييرات تدريجية مهمه تراكمت عبر فترة زمنية ،فقد آن أوان انعكاسها وتحولها إلى علاقات وتحالفات سياسية وربما استراتيجية أيضا.وكنا توقعنا أن تشهد العلاقات الدولية والإقليمية تغييرا كبيرا في التحالفات في المقال المنشور على صفحات الشرق الغراء، تحت عنوان "أمواج تغييرات في التحالفات الدولية بالشرق الأوسط" (نشر بتاريخ 17-6-2016 )وقلنا فيه نصا (قد نرى روسيا ،تعود لتركيا في وقت ليس ببعيد ،على حساب إيران والنظم الطائفية في العراق وسوريا ،ونحن نتابع الآن روسيا وهي ترفع نفسها تدريجيا من مأزق التحالف والارتباط بهذا التحالف (الطائفي) الذي أدخلها في ورطة عداءاته على صعيد الرأى العام العربي والإسلامي،بما يفتح الطريق مجددا لعلاقات غير عدائية مع تركيا)كما أشرنا في المقال إلى تغييرات تتعلق بدور إسرائيل في إعادة ترتيب الإقليم ..الخ.وقد شهدنا حدوث تحولات كبيرة خلال الأسابيع الماضية،إذ جرت تسوية للملفات الخلافية والصراعية بين تركيا وإسرائيل ،كما دارت عجلة العلاقات الروسية التركية في اتجاه التهدئة وإعادة العلاقات ووقف التوتر المتصاعد بين البلدين .وهكذا ،جاءت أحداث الطلاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبى –الذي جرى عبر استفتاء شعبي كان أشبه بانتظار وقوع حدث عالمي كبير -لتشتعل العقول بالتحليلات حول حجم هذا التغيير الجاري ومدى تاثيراته.وواقع الحال أن الحدث البريطاني ليس حدثا تقليديا وليس مجرد حالة انفصال عن كيان أوروبا ،ولن تقتصر تأثيراته – كما يتصور الكثيرون-على بنية الاتحاد الأوروبي ومؤسساته ومستقبله فقط ،بل نحن أمام حدث سيؤثر على التوازنات والعلاقات الدولية بامتياز ،إذ هو ليس ببعيد عن التغيير الحاصل في معالم قوة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أو هناك على أسوار الصين ،ولا ببعيد عن التطور في أوضاع الممارسات الروسية تجاه أوروبا ،ولا عن عودة ألمانيا للعب دور القطب الدولي ،ولا عن إحياء الظاهرة الاستعمارية وتفعيل أدواتها مجددا.وفي الأصل يجب إدراك أن أوروبا تعود إلى دورها القديم ،حين كانت صانعة التحولات والتغييرات في العالم ،وأن أوروبا لم تعد في نفس الوضعية التي عاشتها تحت الحماية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية ،بما أخضعها لأنماط محددة في العلاقات الدولية .كما لا يجب نسيان أن الخلافات والصراعات التاريخية بين الدول قد تتغير أشكالها ،غير أن جوهر أسبابها الجيواستراتيجية لا يتغير –إلا بقرارات تاريخية تعكس مصالح جديدة ثابتة-وفي ذلك ينبغي الإشارة إلى طبيعة الصراع البريطاني الألماني خلال حقبة الحربين العالميتين الأولى والثانية ،والدرس الألماني الفرنسي الذي اعتبر أن كل الصراعات التاريخية بين البلدين انتهت لمصلحة الدول الأخرى المنافسه لكليهما.ويمكن القول باختصار أننا أمام إعادة إحياء حالة الصراع التاريخي في القارة الأوروبية من جهة ،وامام تحولات في التحالفات الدولية من جهة أخرى .وإننا سنشهد عودة للصراع الألماني البريطاني مرة أخرى .ويمكن القول بأن بريطانيا ذاهبة إلى تحالف عميق مع الولايات المتحدة –يستثمر ضعف أمريكا كما استثمرت أمريكا ضعف بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية-فى مواجهة تحالف عميق آخر تشكل بين ألمانيا وفرنسا ،وأننا سنرى نمطا متغيرا في العلاقات الألمانية الأمريكية والألمانية الروسية في الاتجاه الآخر والبريطانية الروسية في اتجاه ثالث،وأننا قد نعيش عالما يتناغم فيه اليمينون الفاشيون ،الأمريكي والبريطاني ،في مقابل مواقف دولية قلقة ومضطربة من تأثيرات تلك الحالة التي ستمثل التهديد الدولى الاخطر.لقد كان الاقتراب البريطانى البطىء من الاتحاد الأوروبي أحد المؤشرات على القلق البريطانى من الهيمنة الألمانية الفرنسية على أوروبا ،كما تابع الكثيرون كيف وقفت ألمانيا ضد تصعيد الصراع مع روسيا على خلاف بريطانيا وكيف وقفت ضد الموقف البريطاني الداعم لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ،وهى وقائع ستترجم بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى خلافات أعمق وذات طبيعه دولية.وليعذرنا الجميع ،إننا عشنا وقائع استفتاء شعبي بريطاني بطعم صراع داخل أروقة صنع القرار البريطاني ،ولذا أقدم كاميرون على طرح القضية للاستفتاء الشعبي.

478

| 08 يوليو 2016

alsharq
جريمة صامتة.. الاتّجار بالمعرفة

نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...

6621

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6483

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

3252

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
طيورٌ من حديد

المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...

2595

| 28 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1890

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
المدرجات تبكي فراق الجماهير

كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...

1788

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1698

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة الرياضة العالمية

على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...

1500

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...

1059

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

1005

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
التوظيف السياسي للتصوف

لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...

996

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
حين يوقظك الموت قبل أن تموت

في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...

963

| 29 أكتوبر 2025

أخبار محلية