رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

رحيل مبارك ودولة ميدان التحرير

دولة ميدان التحرير احتفلت أمس بانتصارها على الفساد واجبرت النظام المصري ورئيسه على التنحي بعد 18 يوما من النضال السلمي المتواصل لملايين المصريين المطالبين برحيل النظام وخلال أيام الثورة واصل المتظاهرون في مصر إقامة دولة لهم في ميدان التحرير في قلب القاهرة. ميدان التحرير لم يعد لأحد أن يقيم سلطة دولة مصر فيه على أي نحو، إذ هو مقر لا يدخله أحد من الخاضعين للسلطة في دولة مصر مبارك إلا بعد المرور والتفتيش عبر لجان أمنية شعبية شكلها أفراد دولة ميدان التحرير، كما هو ميدان يخضع لقانون الحرية الكاملة غير القائمة في أي مكان آخر في دولة مصر التي تحيط بميدان التحرير من كل جانب، فهناك يجري القول والاجتماع والتظاهر والاعتصام بحرية مطلقة. وهي دولة لا تعترف بالبناء الحديث من الطوب والأسمنت والحديد والزجاج إذ كل سكانها يعيشون في خيام. تلك الدولة التي أعلنت استقلالها في يوم 25 يناير الماضي، تمارس صراعا في داخل دولة مصر وكل يوم يمر على بقائها، يوسع المتظاهرون فيها دورهم في الحكم والتحكم في مختلف أنحاء الدولة المصرية، فالتعديلات الدستورية والقانونية والتشريعية الجارية في دولة مصر تجري تحت ضغطهم، الحوار الذي يجري بين نظام الحكم في دولة مصر والمعارضة تستهدف استرضاء سكان دولة ميدان التحرير. كل شيء يتحرك أو يجري في مصر لا يجري إلا والعين مركزة على رأي دولة ميدان التحرير طمعا في استرضائها. وفي تلك الدولة، لا أحد يحكم وحده، فالحكم هناك للجميع، والحرية هناك للجميع كل حسب ما يرى ويعتقد وحسب ما يفهم تلك الحرية. وهي دولة جاذبة للأفراد والمجموعات الأخرى من دولة مصر المجاورة، إذ أصبحت موقعا ومنطقة ومجتمعا يزوره كل أفراد الدولة المجاورة، في كل يوم يعلن فيه أبناء دولة ميدان التحرير عن دعوة للتظاهر أو للتضامن، إذ يحضر مواطنو الدولة المجاورة بمئات الآلاف لمساندة تلك الدولة الوليدة، التي تفتح بواباتها لاستقبال كل الحاضرين إلا من قصد الإخلال بأمن تلك الدولة المستقلة، المحاطة حدودها بكل ما أمكن من الطوب والحجارة ومخلفات الإعلانات وأدوات تمهيد الطرق، وهي دولة يحمي سكانها أنفسهم بأجسادهم وبالوسائل الأشد بدائية، وإن كان من يحمي استقلالها وبقاءها حتى الآن هو الجيش المصري. هكذا تعيش مصر منذ يوم 25 يناير وحتى كتابة هذا المقال في حالة الدولتين، الأولى الناشئة وتلك القديمة. والإشكالية التي وصلت الأوضاع الآن، ناتجة عن أن الثورة التي نتج عنها بناء دولة ميدان التحرير، لم تتمكن حتى الآن من توسيع حدودها لتشمل القاهرة وبقية المحافظات في دولة مصر، رغم وجود مناصرين لها دائمي الحركة من أجل تحقيق هذا الهدف. كما أن عدم تحقيق الثورة لمهامها الثورية دفعة واحدة بالسيطرة على السلطة السياسية في دولة مصر، قد أوجد حالة عجيبة غريبة، من تبادل أدوار “القوة” بين دولة ميدان التحرير والدولة المصرية خلال أيام الأسبوع فكل يوم يمر تكون فيه أوضاع توازنات القوة بين الدولتين مختلفة عن الأوضاع في اليوم التالي. في هذا الأسبوع كان يعلو صوت وتأثير دولة ميدان التحرير في أيام الأحد والثلاثاء والجمعة، بينما كانت دولة مصر ترفع أسهمها خلال أيام السبت والاثنين والأربعاء والخميس. وواقع الحال، أن تبادل أدوار القوة، لا يجري فقط من خلال أيام الأسبوع -أي باعتماد عامل “الزمن”- بل إن كلا من دولة ميدان التحرير ودولة مصر، تحاول من جانبها تطوير عوامل قوتها تجاه الأخرى في كل يوم يمر، حتى يمكن القول بأن كلا منهما صار يجدد نفسه بمضي الوقت أو مع مرور كل يوم جديد على تلك الحالة الفريدة بين ثورات الأمم. الدولة المصرية جددت نفسها ما بعد 25 يناير على نحو لافت وربما كبير ومؤثر. كان التجديد الأول – وهو إجباري- أن أطيح بوزارة د.أحمد نظيف ورجال أعماله الذين نهبوا وسلبوا أموال المواطنين والأراضي، ليكلف رئيس الوزراء الجديد أحمد شفيق بخلفيته العسكرية ولسابق إنجازاته في وزارة الطيران المدني. بهذا التغيير سقطت “دولة عصابات المال العام” وانتهت عملية اختطافهم لجهاز الدولة الذي استعادته الكتلة الصلبة في هذا الجهاز، التي كان لجمال مبارك أخطر الأدوار في تحجيم وإضعاف دورها في الحكم وإدارة الدولة. وفي التجديد الثاني خطى مبارك خطوة تعيين نائب له، ليصبح عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية في موقع القيادة. كان مبارك قد امتنع سنين طوالا عن أن يكون سليمان نائبا له فجاءت الأحداث ليجد نفسه في موضع الموافق على هذا التعيين تحت ضغط الحركة الشعبية التي اختصمته هو وطالبت برحيله. وفي التجديد الثالث، جرت عملية تطهير في الحزب الحاكم، وفي ذلك كان اللافت، أن الرجل الذي اختير ليحل محل كل من الأمين العام السابق صفوت الشريف وأمين لجنة السياسات السابق جمال مبارك الطامح – سابقا- في الحلول محل والده في رئاسة الدولة، هو الدكتور حسام بدراوي الذي كان مهمشا ومحاربا في داخل الحزب الوطني إلى درجة التآمر عليه وإسقاطه في انتخابات مجلس الشعب. وفي التجديد الرابع، بدأت “حملة” لملاحقة الفاسدين وعلى رأسهم وجبة أولى من وزراء في حكومة د.أحمد نظيف المقال بعد بداية الأحداث إضافة إلى أمين تنظيم الحزب الوطني، بما حمل دلالات على أن مواجهة الفساد جاءت في حدود وضمن إطار تجديد السلطة لذاتها ولم ترتق بعد إلى حملة شاملة على الفساد المستشري في أروقة الدولة وأجهزتها، إذ لم يذهب النظام نحو تحريك الدعوى الجنائية أو التحقيق وربما إعادة التحقيق في بلاغات وملفات سبق للصحافة المصرية وللأجهزة الرقابية كشفها خلال السنوات الماضية ومنها ملفات فساد أدت إلى تدمير صحة المواطنين من خلال إدخال مبيدات مسرطنة للأسواق المصرية. أما دولة ميدان التحرير، فقد سعت إلى تجديد نفسها هي الأخرى ضمن حالة شعبية متطورة. من جانب، فقد شعرت تلك الدولة أنها لا تستطيع الاحتفاظ بكامل مجتمعها التظاهري منفصلا عن دولة مصر، إذ لا تكفي مساحتها الجغرافية لمبيت كل هذه الآلاف، فصارت تهيئ أوضاعها وفق حالة فريدة إذ يعود المتظاهرون القادمون إلى داخل حدودها إلى حدود دولة مصر بعد انتهاء ساعات التظاهر، ولذلك شددت مطالبتها وضغطها على عدم ملاحقة السكان القادمين إليها أو الخارجين منها. وهي شعرت أنها دخلت في مواجهة تحتاج إلى طول النفس حتى تتمكن من تحقيق أهدافها، فقررت إعطاء المتظاهرين راحة بعد يوم التظاهر لتعود المظاهرات في اليوم التالي ليوم الراحة. قررت تلك الدولة التحول من حالة التظاهر اليومي إلى حالة أسبوع للصمود تجري المظاهرات فيه ثلاثة أيام فقط يحصل المتظاهرون على يوم إجازة بعد كل يوم تظاهر، حتى لا يتعرض المتظاهرون للإنهاك. وكان اللافت أن وافدين جددا صاروا يحضرون إلى الميدان، من فئات اجتماعية أخرى لم تكن ممثلة ضمن مواطني الدولة وفق تشكيلها في يوم 25 يناير الماضي. صارت الدولة الجديدة تستقبل الموظفين المتضررين من الظلم وفئات سكانية لها مطالب تتعلق بالإسكان، كما صارت تستقبل كل من يريد التعبير بحرية عن رأيه وفنه وشعره من مواطني دولة مصر. في المشهد الراهن خلال أسبوع الصمود، حدث توازن قلق بين دولة ميدان التحرير ودولة مصر بقيادة مبارك. ظهر أن دولة مصر تسير في خطة تستهدف تحويل دولة ميدان التحرير إلى هايدبارك مصر، ومجرد حالة تعبير عن الرأي العام لا قوة ضغط تجبر النظام على تحقيق تغيير حقيقي، فردت دولة ميدان التحرير بتوسيع نفوذها ودورها داخل حدود الدولة الأخرى، مهددة مراكزها الحيوية. يوم الثلاثاء حدث تطور مختلف عما كانت عليه الحال يومي الجمعة والأحد السابقين، إذ تحدث أبناء دولة ميدان التحرير عن تحرك يعتزمونه باتجاه الإذاعة والتلفزيون الرسمي في دولة مصر، وهم إن لم ينفذوا ذاك التهديد، فإنهم تحركوا بشكل رمزي باتجاه مجلسي الشعب والشورى بل وإلى مقر مجلس الوزراء، في استعراض للقوة –لاشك أنه أوصل رسالة هامة إلى الدولة الأخرى- الأهم فيه أنه مثل إعلانا عمليا على عدم القبول بالتعديلات الدستورية وإصرارا على تحقيق مطلب حل مجلسي الشعب والشورى. وظهر أن دولة مصر صارت تواصل تعزيز الحياة العادية في شوارعها، فافتتحت البنوك وأعادت الشرطة للشوارع والموظفين والعمال إلى أعمالهم، في إدارة لعجلة الدولة، كما صارت تقوي دورها وسط مجتمعها والرأي العام عبر إجراءات رفع المرتبات للموظفين وافتتاح محطات الوقود وتوفير السلع التموينية. وفي المقابل استفاد مواطنو دولة ميدان التحرير من كل تلك الميزات –بالنظر لازدواج المجتمعين- لكنهم في المقابل زادوا من حشدهم وتعبئتهم لمواطني دولتهم المقيمين والمتعاطفين معهم من مواطني الدولة الأخرى، استعدادا ليوم الضغط الأكبر، أي يوم الجمعة. وكان أن تحركت دولة مصر مبارك، باتجاه استعادة بعض مواطني دولتها عبر الحوار مع الأحزاب السياسية وجماعة الإخوان المسلمين وبعض ممثلي الشباب، وهم من سكان وقادة دولة ميدان التحرير. لقد جرت تحركات كثيرة في هذا الاتجاه، انتهت إلى جلسة حوارية جرى الاتفاق فيها على صدور بيان بتعديلات الدستور، وغيرها من المطالب التي شملها من بعد قرار رئاسي وتشكيل لجنة لتعديل الدستور..إلخ. لكن دولة ميدان التحرير ردت بتصعيد مطالبها والإعلان المتكرر بأن قادتها الأصليين لم يشاركوا في الحوار، وأن مواطني الدولة مستمرون وصامدون في الدفاع عن مطالبهم وأن عربون التفاوض المطلوب هو مغادرة الرئيس مبارك مقر الرئاسة وتنحيه عن السلطة. وهنا بدا لافتا أن نائب الرئيس مبارك أشار إلى فكرة حدوث انقلاب، ومن بعده عاد وزير الخارجية ليعيد طرح هذا الخطر، بما أظهر كم التوازن قلق وكم تتطور الأمور على أرض الواقع. منذ بداية اتضاح أن الأمور تندفع نحو حدوث أزمة حقيقية وهناك من يحاول منع تحولها إلى حد المأزق، في مواجهة مع من يدفع بها إلى هذا المأزق دفعا. مرت الأزمة بعدة مراحل، لكنها تكاد تدخل الآن حيز ووضعية المأزق، الذي ينزلق بالأوضاع نحو الفوضى، التي إما أن يتحقق النجاح في إعادة بناء دولة مصر من خلال دولة ميدان التحرير وإما أن تذهب الأمور إلى حالة من سيطرة الجيش وفق حالة غامضة ليس لأحد أن يعرفها، وإن كان المعلن عنها أنها ستكون بمثابة انقلاب عند نائب الرئيس، أو بمثابة حماية للشرعية الدستورية حسب قول وزير الخارجية المصري. الحوار الذي بدأ بين قادة سكان ميدان التحرير وقادة دولة مصر، ما وصل إلى نتائج ودارت دورة تنفيذه، حتى صعد سكان مجتمع دولة ميدان التحرير من مطالبهم وضغوطهم، فصارت نتائج الحوار مجرد خطوة محاصرة بين بطء الاستجابة وتصعيد المطالب. وكان الأخطر أن سكان ميدان التحرير قد أعلنوا مواقف رافضة كليا لهذا المنهج الحواري ونتائجه وشددوا مطالبتهم برحيل مبارك أولا، وبسقوط كل رمزيات السلطة وإعادة البناء من جديد. والإصلاح السياسي المختلف عليه هذا لم يعد وحده المطروح، إذ دخلت على خط الاحتجاج قوى فئوية واجتماعية مطلبية وجدت فيما يجري في ميدان التحرير فرصة لطرح مظالمها التي طالما نامت تؤرقها، فوجد من يطلب مسكنا ومن يشكو من فساد في توزيع المساكن ومن لا يجد عملا ويعاني من البطالة ومن عانى من عدوان الشرطة أو الشرطي، ومن يطالب بزيادة الرواتب، في ميدان التحرير ملاذا آمنا. والأهم أن كل هؤلاء الجدد صاروا يشعرون باهتزاز جهاز الشرطة وارتخاء قبضة الدولة ويجدونها فرصة لفرض مطالبة. بل إن بعض المطالبين تحول بالفعل لدخول بعض المساكن الجاهزة للتسليم وتملكها بوضع اليد، كما بعضهم ذهب حد إحراق مقار حكومية، في تجدد لمظاهر التوتر الاجتماعي. والوضع الدولي الذي كان عاد عن إلهابه المشاعر وبدأ يطرح ضرورات ومبررات الانتقال التدريجي والسلمي للسلطة عاد ليتشدد في مواقفه هو الآخر، متناغما مع نمط التشدد الحادث والمتوسع بين الرأي العام من سكان ميدان التحرير. وهكذا صارت الأمور تتحدد مرة أخرى أخرى، على نحو يعيد الانقسام إلى معسكرين متصارعين، ويشد حبل الصراع بينهما في ظرف تبدو الأمور فيه مرشحة للانفلات على نحو خطر. وهو ما يدفع للقول بأن الفوضى لاشك متنامية، وأن السيناريوهات المطروحة الآن تدور حول ما إذا كانت الفوضى ستؤدي إلى إنهاك النظام السياسي القديم، باتجاه إعادة بناء نظام سياسي شعبي، أم أن الأمور ستدفع بالجيش المصري للتدخل وحسم الأمر وفق رؤية حماية الشرعية القائمة أو الشرعية الدستورية.

536

| 12 فبراير 2012

التغيير الداخلي أقل كلفة من الاستعانة بالخارج

وجه آخر للاحداث فى تونس ينبغي التنبه له واعطاؤه كل الاهتمام باعتباره الاساس فى النظر الى جوهر فكرة التغيير واهدافها ونتائجها لا فى طريقتها فقط او نمطها. الاحداث التى جرت فى تونس اعادت ارساء رؤية جديدة، اذا قورنت بالاحداث التى شهدها ويشهدها العراق وافغانستان والسودان وغيرها.التغيير فى تونس جرى وفق نموذج الاعتماد على الحركة الشعبية الواسعة من تظاهرات واضرابات واعتصامات — التى وصلت حد اقصاء الرئيس التونسى السابق زين العابدين بن على — وهى عملية تغيير جاءت مختلفة عن نمط التغيير الذى جرى فى العراق اذ اطيح بالرئيس العراقى السابق صدام حسين عبر الاستعانة بقوات اجنبية وكذلك الحال بالنسبة لحركة طالبان..الخ. الاختلاف الاساسي ليس فى مسألة إطاحة الرئيس او سقوط النظام، بل فى طبيعة القوى والطريقة التى جرت بها عملية التغيير ومن ثم فى النتائج التى حدثت ما بعد التغيير، وتحديدا فى الكلفة البشرية التى دفعها الشعب خلال عملية التغيير، وعلى صعيد الوطن كله،اذ تغير نظام صدام وحل محله الاحتلال الامريكى والحكم الطائفى وتفكيك المجتمع..الخ. فى تونس — وان لم تنته عملية التغيير كليا — فان الاعتماد كان على قوة الحركة الشعبية، ولذلك لم ينتج التغيير احتلالا لهذا البلد ولم يسقط ضحايا بمئات الآلاف، ولم ينتج تفكيكا للدولة ولا للمجتمع، بل جرت وتجرى عملية التغيير بعدد محدود للضحايا، فى ظل محافظة هذا البلد على استقلاله، وكذلك ان كانت بعض اعمال التخريب قد طالت بعض المؤسسات والممتلكات، فان الامر جاء مختلفا كليا عما جرى فى العراق من عملية شاملة لإنهاء كل منجزات ذاك البلد. لقد جرت عملية التغيير فى تونس بأقل قدر من الخسائر، فجاءت النتائج ايجابية وفاتحة الطريق امام الشعب التونسى لبناء المستقبل، اما ما جرى فى العراق، فجاء بنتائج عكسية فى كل المجالات الآن ومستقبلا. لقد سقط ما يزيد على المليون انسان وحدثت اخطر عملية تهجير للسكان، فذهب من ذهب لاجئا فى الخارج وتشرد من تشرد فى داخل الوطن، وجرت اكبر عملية تخريب عبر التاريخ، لكل المنجزات الحضارية والاقتصادية والمجتمعية والانسانية، وانهارت كل مؤسسات الدولة او لنقل تحطمت،كما انتهى المجتمع الى حالات تفكيك الى مكوناته الاولية من طوائف وتكوينات عائلية وقبلية وعرقية، وحدثت اخطر حالات الاحتراب والاقتتال وتشكلت آلاف المجالات للثأر، فصرنا امام عراق محطم كليا، فضلا عن انه صار بلدا محتلا من اقوى قوة كونية بما فتح مساحة زمنية ما بعد انهاء النظام السابق للذهاب الى حالة جديدة من القتال والاقتتال. نحن اذن امام نمطين مختلفين من التغيير. الاول فى العراق وانتج تخريبا ومثله ما جرى فى افغانستان، وبطريقة او بأخرى ما جرى فى السودان ممثلا فى عملية فصل الجنوب، والثانى ما جرى فى تونس وانتج حضورا جماهيريا ضاغطا وتطويرا للنظام السياسى مع المحافظة على كل مقدرات البلد وعلى استقلالها. المفارقة الأخطر وهنا تبدو مفارقة هى الاعمق فى النظر للاختلاف بين النمطين. ففى الحالة العراقية كان "قائد "لعبة التغيير هو القوى السياسية وجاءت العملية كما رأيناها مرتبطة بالاجنبى ولمصلحته وعلى حساب ارواح الشعب ومصالح الوطن واستقلاله واستقراره، بينما حركة التغيير فى تونس كانت حركة عفوية مرتبطة بالشعب والشارع، تدخلت فيها النخب السياسية من بعد اشتعالها وصمودها فجاءت مرتبطة بمصالح الشعب وبأيديه. هذا امر يلفت النظر بحدة فى كلتا الحالتين. فاذ يتصور البعض ان النخب الفكرية والسياسية هى الاكثر وعيا والاعلى قدرة على قراءة المصالح العليا للوطن والامة على اساس انهم الاعلى وعيا وفكرا والاصلح فى القدرة على تمثيل مصالح الامة وتحديد آفاق مستقبلها، فقد جاءت تحركات تلك النخب مدمرة للعراق واهله، بينما كان الحال مختلفا فى تونس، حين تصدرت الحركة الشعبية العفوية مشهد التغيير وحددت مجراه ومحتواه واسسه واتجاهاته المستقبلية، وجاءت النتائج لمصلحة ثوابت مصالح الشعب والاستقرار بما فتح الطريق امام المستقبل. وذلك يتطلب إعادة التفكير فى الرؤية المستقرة لدى الكثيرين بشأن دور النخب السياسية والفكرية فى المرحلة الراهنة، اذ يمكن القول بان النخب السياسية والفكرية، فى مرحلة التحول العولمي الحضاري الراهن صارت فى كثير من مكوناتها ادوات خطرة للهدم لا عناصر طليعية تحقق الوعى عند التغيير وترشد حركة الجمهور العام وتطور حركته باتجاهات اكثر ايجابية خلال عمليات التغيير. النخب الفكرية والسياسية فى العالم العربى لم تعد تنطبق عليها الافكار القديمة،اذ صار بعضها اشد وبالا على الامة واكثر خطرا خلال عمليات التغيير، بينما الشعوب لا تزال هى الحافظة والمحافظة على الرصيد الاستراتيجى الحضارى والمكنون الثقافى والمصالح الثابتة للاوطان. لقد اسقط ما جرى فى العراق وفى افغانستان وفى السودان الدور الطليعى للنخب ووضعها خلف الشعوب لا امامها بل جعل بعضها فى صف اعداء الشعوب والاوطان. وفى تونس وضعت الشعوب تلك النخب خلف ظهرها، وتحركت هى، معتمدة على قدراتها وافكارها، فكنا امام نموذج من الوعى الشعبى هو الاعلى من وعى النخب. دور النخب قد سقط فى الحالتين التونسية والعراقية وان بنسب واتجاهات مختلفة. فى الحالة العراقية سقط دور كثير من النخب فى مستنقع الولاء للمستعمر تحت ستار وشعار التغيير. وفى تونس تراجع دور النخب الى ما خلف حركة الجمهور. الموجة والنموذج الموجة التونسية ادت الى تعبئة الجمهور العربى للاتجاه للتغيير وفق ذات النموذج، وفى ذلك ايجابية اخرى لهذا النمط من التغيير اذ صار نمط التغيير التونسى ملهما لجمهور البلدان العربية الاخرى، فكانت المظاهرات فى مختلف البلدان العربية، بينما الحالة العراقية كان تأثيرها سلبيا على حركة الجمهور العربى فى محاولته القيام بالتغيير الداخلى، اذ هى حملت مخاوف من التغيير، بعدما شاهدت الشعوب العربية ما ادى اليه رفع شعارات الاستعانة بالاجنبى لتحقيق التغيير، وكان لما نتج عن تلك العملية العدوانية الاستعمارية اثار خطيرة على حركة الجمهور، الذى وجد اغلبه ان العيش فى ظل الديكتاتورية ارحم من الموت تحت قصف طيران وصواريخ المحرر الاجنبى. والموجة التونسية قامت على وحدة المجتمع فى مواجهة الحاكم الظالم، بل هى وحدت المجتمع اكثر مما كان عليه الحال قبل التظاهر والاعتصام — توحد الشعب الذى كان متفرقا فى الشوارع خلال سعيه الى الرزق والحياة المكدودة — فأعادت للشعوب كياناتها الاجتماعية ووحدتها الثقافية وتوحدها خلف شعارات وطنية تمكنت خلالها من عزل الظالمين والمرتشين القلة، وذلك نموذج يستهوى الشعوب ويرتبط بطبيعتها ويحقق مصالحها بطبيعة الحال، بينما الحالة العراقية،مثلت نموذجا مخيفا ونمطا منفرا من التغيير، اذ قامت على تفكيك المجتمع بين مؤيد لقصف المحتل وقتله لأبناء بلده الآخرين ومتسامح مع من جاء لاحتلال بلده — وقد كان هذا هو الاساس لانقسام المجتمع — ومن يقاتل الاحتلال ويدافع عن الوطن. ومن بعد نتج عن عملية التغيير فى العراق حدوث المحاصصات الطائفية وتقسيم المجتمع عرقيا بما جعل اتجاه التغيير سلبيا على وحدة الشعب وعلى التماسك الوطنى. قام النموذج العراقى للتغيير على استبعاد مشاركة الناس وعلى احتلال الوطن وافقاده استقلاله بل كان التغيير هو حالة صناعه لعراق معاد لأبنائه ولمصالح الشعب. ولذا خافت الشعوب العربية من مثل هذا التغيير، بل هى تحولت من بعد للدخول فى مواجهة معه، اذ اكتشفت انه ليس تغييرا لمصلحتها بل هو عملية عدائية ضد الشعب تحت عنوان ازاحة الحكم، وصارت تخشى من وقوع التغيير. لكن الموجة التونسية صارت نموذجا محفزا للشعوب الاخرى لولوج طريق التغيير، او هى حسمت التردد فى ولوج هذا الطريق، اذ قدمت نموذجا ايجابيا فى الاتجاه والرؤية والنتائج، وصارت نموذجا ملهما وقابلا للتطبيق، كما هى ثبطت محاولات بعض النظم الادعاء بوطنيتها وان التغيير القادم من الخارج ناتج عن رفضها هى التفريط فى حقوق الشعوب، وان ما يجرى لإحداث التغيير من خلال الحركات الجديدة، ليس الا عمليات تركيع لتلك النظم. جديد الفكرة الآن حسم امر التغيير فى المنطقة، وسقط الكثير من المقولات. انتهت مقولة ان الشعوب العربية خاملة مستكينة والا امل فى التغيير، ومعها سقطت نظريات واعمال تنظير طالما رددها المتخاذلون او التبريريون لبقاء النظم المتسلطة. وانتهت فرضية الا امل الا فى دور خارجى للتغيير وانتهى التطلع الى الولايات المتحدة والغرب، اذ كانت كثرة المثقفين تراقب المواقف الامريكية وتعتبرها الاساس فى تحركاتها، فاذا صعدت مواقفها علت اصواتهم واذا خفتت مواقفها ناموا واستكانوا مع نقد لعدم تدخلها فى الشؤون الداخلية العربية. لم يعد لاحد الآن ان يتطلع الى دور امريكى او اوروبى منقذ للشعوب العربية او مساهم فى صياغة الاوضاع الداخلية او لنقل مساعد فى اسقاط النظم المتسلطة، ومن يقول بهذا وفق اية "تخريجة" نظرية ليس الا عاملا لمصلحة تلك الدول الاستعمارية لا لمصلحة الشعوب. وسقطت نظرية تفكيك المجتمعات تحت غطاء تغيير النظم. الآن لم يعد للتفكيك مكان اذ الموجة التونسية حققت الوحدة الوطنية او جمعت شتات الوطن وحافظت عليه وجعلته هدفا من اهداف احداث التغيير، وبذلك تهزم الآن نظرية وحالة التفكيك العرقى والاثنى والطائفى الجارى اعمالها فى اليمن وتلك الجارية فى العراق ولبنان والاهم ان ما جرى اذا امتد بموجته الى الجزائر يصبح امر تقسيم الناس الجارى على اساس عرقى واثنى وثقافى عملا من بقايا التاريخ مرة اخرى. ذلك امر مهم بل اهم ما فى نظرية التغيير التونسية،اذ لم ترفع لا شعارات فئوية ولا جهوية بل توحد الشعب كله فى الشارع لمنافحة المتسلط على الجميع. والآن سقطت نظرية عدم تأثير الشعوب على بعضها البعض، ولذا قلنا انها الموجة التونسية للتغيير ولم نقل الحدث التونسى. ومن الآن فصاعدا ومع تحول الحركة التونسية الى ثورة كاملة الاركان والنتائج، يمكن القول باننا امام المرحلة الجديدة او المرحلة الثالثة من التغيير فى العالم العربى. مرت دول امتنا بثلاث مراحل سابقة خلال الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وهى الآن تدخل مرحلتها الرابعه.كانت المرحلة الاولى هى مرحلة التحرر الوطنى وفق صيغة مواجهة الاستعمار ومقاومته وخلالها كانت الانقلابات العسكرية وحركات المقاومة التى كان هدفها الرئيسى اجلاء المحتل وتشكيل دولة حديثة بمؤسسات قادرة على بناء دولة وطنية. وفى المرحلة الثانية التى جرت فى السبعينيات والثمانينيات حدث انكسار فى حركة التحرير العربية وجرى النكوص عن مختلف الاهداف المعلنة عند بداية حركة التحرير خاصة افكار وشعارات بناء دولة تحافظ على الاستقلال وتطوير الاقتصاد لخدمة القضايا الاجتماعية، وصارت التمردات ذات الطابع الاجتماعى هى المسيطرة على المشهد، وهو ما ظهر فى احداث عنف اجتماعى عديدة فى تلك المرحلة مترافقا مع تحول نظم الحكم الى نمط من التسلط والفساد. وتلتها الموجة الثالثة التى سيطرت عليها حالة من الاضطراب فى وجه المثقفين والحركة الشعبية، اذ ظهرت نزعات تفكيكية وتفتيتية، وسادت حالات اليأس التى دفعت ببعض المثقفين الى الذهاب للاجنبى والطلب منه اعادة احتلاله للدول العربية، بل سرت مقولات شعبية تتحدث عن ان العيش تحت الاحتلال كان افضل من العيش تحت حكم الثوار. والآن تبدأ تونس المرحلة الرابعة بإعادة كل الامور الى نصابها واعادة الاعتبار لحركة الشعوب وارائها ومصالحها ومخزونها الحضارى الكامل، وتربط بين الديمقراطية والحقوق الاجتماعية.. وبين الوطنية والديمقراطية..الخ. جديد التغيير فى جديد التغيير، فان الاهم هو ان فئة جديدة من النخب قد ظهرت واصبحت فى موقع قيادة التمرد الشعبى وصارت قادرة على حشد آلاف المواطنين فى الشوارع. هى نخبة جديدة كليا لم تتشكل داخل بوتقة الاحزاب والتيارات التقليدية، بل هى تؤسس لنمط جديد فى التفكير الديمقراطى باعتبارها فئات نشأت فى ظل ما اتاحته الحياة الآن من اوسع حالة من الاطلاع على تجارب العالم فى الحكم الديموقراطى. وهى فئة تربط الديمقراطى بالاجتماعى والعكس فى تشكيلة جديدة صحيحة لإعادة بناء الوطن وتقدمه. وهى فئة جديدة فى وسائلها المستخدمة فى التواصل وتنمية الارتباطات، اذ يلعب تواصلها عبر وسائط الاتصال والاعلام الحديثة الدور الاكبر فى تطوير حركتها واجتذاب الآخرين وترتيب المظاهرات على نحو يفاجىء الحكم والتيارات الفكرية والسياسية السائدة فى المجتمع. هى حالة تجديد كاملة للمجتمعات والحكم والتيارات الفكرية والسياسية، وليست فئة تستهدف احلال شخص محل شخص ولا طيف من النخب القديمة بنخبة اخرى، واذا كان المراقبون لاحظوا كيف ان الثورة التونسية افلتت من كل محاولة لتأطير حركة الجمهور فى داخل الاطارات التقليدية القديمة فظلت الثورة مستمرة، فذلك امر مهم، اذ حركة الجمهور تفشل كل محاولات تعويق تغيير المجتمعات لنفسها وللنخب مستقبليا، وبهذا المعنى هى ثورة، اذ هى لا تغير الحاكم.. ولكن الحكم.. وطريقة الحكم.. والنخب.. والمجتمع كله.

698

| 29 يناير 2011

وكأن وراء الفوضى.. تنظيم يديرها!

عادت دوامة الفوضى إلى شوارع مصر مرة أخرى. كانت البلاد قد شهدت حالة ارتياح أو استرداد الأنفاس بعد انتهاء معركة قصر الرئاسة بإقرار الدستور. شهد الأسبوع الماضي موجة متواصلة من محاولات اقتحام أقسام الشرطة والهجمات على المحاكم وقطع طرق ومنع انعقاد مؤتمرات حزبية سياسية إضافة إلى استمرار منع مرور السيارات عبر ميدان التحرير وأمام قصر الرئاسة وإحداث التجمهر في كثير من الأماكن والمؤسسات. هذه الموجه جاءت مفاجئة وواسعة وموزعة في مختلف مناطق الجمهورية من مرسى مطروح إلى الإسكندرية إلى البحيرة إلى الغربية إلى القاهرة إلى دمياط إضافة إلى محافظات أخرى في جنوب البلاد. وقبلها عاشت مصر وقائع أحداث يومية دامية على قضبان السكك الحديدية. في كل يوم أعلن خبر عن اصطدام قطار بآخر أو بسيارة تمر عبر مزلقان، حتى صار البعض يحصي الأحداث والضحايا ويقارن بين ما جرى على مدار الشهر وما جرى في سنوات سابقة. والآن تنتظر البلاد أحداثا أخرى خلال الاحتفال بيوم ثورة يناير، ونتيجة لردود الأفعال المتوقعة للنطق بالحكم في مجزرة بورسعيد التي راح ضحيتها أكثر من 70 شابا مصريا. الآن عاد المصريون يسألون بعضهم البعض: هية البلد رايحه على فين؟ تلك الفوضى الجارية.. والأحداث المتوقعة.. لم تأت وحدها في المشهد بل جاءت مصحوبة بنمط آخر من الفوضى الاقتصادية. فمع استمرار الفوضى أمام محطات التزود بوقود السيارات وأزمة ارتفاع سعر الدولار وفوضى زيادة الأسعار المصاحبة لها، فوجئ المصريون برفع أسعار خدمة الهاتف الجوال بحجة زيادة الحكومة لضريبة المبيعات، واستمر الحال حتى كشفت الحكومة أن شيئا من ذلك لم يحدث فعادت الأسعار إلى ما كانت عليه. تلك الموجات المتتالية من وقائع الفوضى لم تصب المواطنين بالقلق والتوتر والتساؤل مجددا عن مصير البلاد فقط،بل دفعت الكثيرين للحديث عن وجود أطراف تقف خلف تلك الأحداث، ووصل الحال أن صار يقال إن هناك من السياسيين من يطلق تصريحات لتوفير غطاء سياسي لتلك الفوضى وأن حملة السيل المدرار من الهجوم الإعلامي المكثف على النظام والحكم واستخدام ألفاظ حربية الطابع، ليست فعلا عفويا أو حالة من حالات الشطط الإعلامي بل هي إحدى أدوات إثارة الفوضى والإرباك المتعمد. باختصار هناك من يرى أن مختلف صنوف الفوضى هي حالة منظمة ومخططة يقف وراءها من يدير ويدبر – في الداخل والخارج - وأن ما يزيدها خطرا أن الشرطة قالت إنها في إجازة لمدة أربعة سنوات هي فترة حكم الرئيس محمد مرسي! لكن العقل يقول إن ما يجري ناتج أيضا عن عدم التفرقة بين الحرية والفوضى، وناتج عن تصورات جرى إطلاقها بلا ضوابط عن كيف ستحدث الثورة تغييرا جذريا وفوريا في كل أوضاع البلاد، فجاءت المرحلة الانتقالية طويلة متثاقلة وتركزت حول بناء النظام السياسي وصراعات النخبة الفكرية والسياسية وحقوق القوى السياسية لا المواطنين فطال أمد انتظار التغيير الاقتصادي والاجتماعي وضعفت عمليات مواجهة ومطاردة الفساد فلم يتحقق ما تصوره الناس. وأن الدولة فقدت هيبة أجهزتها في أعين الناس وفي القدرة على تحديد توجهاتها وأن الجمهور العام في البلاد لم يكاشفه أحد حتى الآن بحقائق الأوضاع الاقتصادية والأمنية بما تركه نهبا للآخرين. لكن جديدا حملته موجة الأحداث الراهنة هو أن قطاعا متزايدا من الجمهور العام صار يرفض الفوضى ويرى الحكم بديلا قادرا على تطوير الأوضاع المصرية نحو الأفضل بعدما رأى نتائج الفوضى ومخاطرها والفارق الكبير بين أيامها والأوضاع الهادئة.

442

| 25 يناير 2011

العرب الجدد!!

هي واقعة 11 سبتمبر العربية،لكنها للأسف بلا رد من العرب المعتدى على وحدة بلادهم واستقلالها،إذ لا يتوقع أن تقوم دورة النظام الرسمي العربي ولو بمجرد رد فعل احتجاجي ولا نقول برد فعل هجومي أو حتى مقاوم.الآن يقسم السودان عيني عينك،بغطاء من الضعف العربي لا من الاستفتاء وبتواطؤ وضغط غربي بلا مواربة لتبدأ دورة تقسيم الدول العربية الأخرى،وفي ذلك لم يأت أي رد فعل من أي نوع أو فعل. وهي في مأساتها أشد وطأة من حالة انهيار روسيا ما بعد الحرب الباردة،إذ انهار الجسد المحيط بروسيا وظلت روسيا دون تفكك،وهي أن خرجت ضعيفة بحكم اعتمادها على الدول الأخرى التي كانت تسيطر عليها داخل منظومة الاتحاد السوفيتي السابق،فلأنها لم تتفكك أو تقتطع أجزاء من جسد جغرافيتها ومجتمعها،فقد عادت لتقف على أقدامها لتصارع على مناطق النفوذ في المحيط وعلى الصعيد الدولي،أما حالة تقسيم السودان فهي حالة تفرض ردود فعل قوية باعتبارها مهددا لوجود واستمرار واستقرار الدول والمجتمعات،لكنها بلا رد. وهي مأساة تظهر كيف تتراجع منظومة أمننا القومي العربي،إذا وضعنا في الاعتبار أن محمد علي وأبنائه كانوا هناك وكانت بداية تشكيل الدولة السودانية في ذاك الزمن بحزم وقوة،فإذا بنا الآن في هذا الزمن نعود إلى ما قبل ما كان الحال عليه في مطلع القرن التاسع عشر،ولعل إضافة ما يجري في الصومال إلى ما جرى في السودان إشارة قوية على حجم التراجع والانهيار الذي صرنا عليه الآن. وهي بداية لصناعة مستقبل جديد..عفوا لتغيير اتجاهات صناعة المستقبل العربي،ليعيش وضعية التقسيم الأشد من كل تقسيم والهدم الأشد من كل هدم،أو لنقل إننا أمام بداية لدورة عكسية نتندم فيها على الأيام السوداء التي نعيشها الآن،حيث من يأتي بعدنا سيجد نفسه يقول إن أيام العرب صارت حالكة السواد وأنها كانت من قبل سوداء وبين الوضعين اختلاف. الآن تغير العالم العربي.الآن اكتملت مرحلة من عمر هذا البنيان،حضاريا وسياسيا وتكوينيا،وصار للمؤرخين أن ينطلقوا من يوم هذا الحدث ليقولوا من هنا بدأت الحكاية الجديدة والأوضاع الجديدة.الآن ومن الآن فصاعدا تعود أمتنا إلى ما قبل تشكيل الدولة الحديثة،والآن نشطب كليا على فكرة الوحدة العربية،عفوا فقد شطبت،وإنما ما سيشطب هو تشكيل الدول الحديثة التي تشكلت خلال تنامي حركة التحرر العربية،التي نتج عنها تشكيل الدول التي نعيش ضمن حدودها الآن. ويبدو أن كثرة الأقوال السخيفة التي تواجه من يكشف ما يجري من تخطيط استراتيجي غربي،كاتهامه بإتباع نظريات المؤامرة والتشنيع عليه بإتباع مناهج وشعارات خشبية مضى زمنها،قد أعمت بعض العيون وأرهبت بعضا آخر،وكل ذلك لتمر المؤامرات وتتحقق الأهداف المرتبطة بخطط جرى ويجري العمل عليها منذ سنوات طوال.التقسيم صار واقعا في السودان.لا ليس في السودان وحده بل هو واقع في الصومال،إذ تجري تهيئة الأجواء الآن لإعلان اعتراف آخر بجمهورية أرض الصومال وربما غيرها في الصومال.لا ليس في السودان والصومال وحدهما،بل إن اليمن صارت الأمور تجري فيها بهذا الاتجاه وما أن تنتهي الأمور في السودان حتى يطل أمر انقسام اليمن مرة أخرى بين جنوب وشمال.لا ليس أمر اليمن وحده هو الجاهز بعد الصومال،بل العراق هو الآخر في حالة شبيهة الآن فيما تتعلق بقضية شماله الكردي.ألم نسمع أقوال القيادة الكردية بأنها ستطالب بحق تقرير المصير؟ أليس هو ذاته الشعار الذي على أساسه جرى تقسيم السودان.هي دورة بدأت دوامتها في الحركة،والأمم المتحدة جاهزة بالفعل لتخصيص كراسي جديدة في الجمعية العمومية لاستقبال الكيانات المسخ الجديدة،التي تجعل بانضمامها الكيانات القديمة بأسوأ حال مما كانت عليه. تجري الآن صياغة عالم عربي جديد.لا.نحن نواجه محاولة إنهاء كل الروابط التي توحد العرب من ثقافة وتاريخ وحضارة ودول ومنظومة عربية،ومن ثم فنحن أمام صياغة جديدة للمنطقة تنفي ثوابتها القديمة.لا.بل نحن أمام تفكيك الكيانات التي طالما حافظت على التفرقة والانقسام لإنتاج دويلات تحارب بعضها بعضا،تنشأ أولا داخل الدول أو تولد في أحشائها وتتغذى على دماء الدول وتولد معادية لها،ليصبح كل ميلاد جديد هو ميلاد لحرب وحروب جديدة.لسنا أمام ميلاد لدول مستقلة بل نواجه اقتطاع أجزاء هشة ضعيفة لتكون قواعد مجانية لانطلاق الخطط الغربية على نحو أشد فعالية في مواجهة ما تبقى.وكل ذلك يلزم أن يكون هناك عرب من طراز جديد.عرب جدد.ليسوا بعرب وإن تحدثوا العربية.ليسوا بحاضين على التوحد وإنماء كل علاقات الوحدة بل عاملين من أجل التقسيم والتفتيت.عرب ينفذون المخططات الغربية والصهيونية.عرب ليسوا بعرب ولا بعربيين ولا منتمين لأوطانهم ولا مجتمعاتهم ولا شعوبهم ولا ثقافتها وثوابتها. الآن تجري صناعة غربية جديدة وتدخل الخدمة منتجات من خطوط إنتاج هي الأغرب وهي الأخطر في تشكيل مستقبل الأمة هي صناعة للبشر على ذات طريقة صناعة السلع والبضائع وتعليبها.الآن تجري صياغة قادة في مصانع الغرب،كل بطريقة القوالب المجهزة سلفا،ليكون دوره محددا وفق طريقة تصنيعه وعلى أساس البرامج التي يجري تخزينها في عقله والتي تقتضيها مصالحه هو ومن أنتج على نفس الطريقة التي أنتج بها. البعض يصنع ويجهز ويعد ويقدم باعتباره قائدا لطائفة أو قائدا طائفيا ليغرق الأمة في جحيم الفتنة الطائفية،وها هم القادة من هذا النوع أو الصنف المصنع خارج إطار دائرة الحضارة ينتشرون ويتم توزيعهم في أجهزة الإعلام وفي مختلف المناطق ويمنحون المال والجاه والسطوة لينشروا الصراع ويجيشوا المواطنين لتغرق الأوطان في بالوعات التآكل الداخلي ولا يعود أحد منتبه إلى مصالح الوطن ككل ولا الأمة كمكون. والبعض يجري تجهيزه في مصانع الانتماء العرقي ليزرع الفتن ويضرب أسس الفكر الإسلامي والقومي،وها هي المصانع الغربية تأخذ مادتها من كل ما هو متخلف في أرجاء الأمة لتحوله إلى منتجات جديدة براقة تعبث بالضمائر وتلعب على غرائز الانتماء الضيق والأضيق لتنتهي فكرة الوطن ويحل محلها العرق،وهم قد دربوا جيدا على تحويل أخطاء النظم الحاكمة إلى وقود يدفع المجتمعات إلى الخلف أو التخلف لا فرق. هذه الأنواع من المنتجات –وغيرها من أصناف وأنواع كثيرة لعل أخطرها هو أصناف المدعين بالدفاع عن حقوق الإنسان مع التلاعب في طبيعة تلك الحقوق واتجاهات حلها -مثلها مثل المنتجات الغربية من السلع المادية التي غزت مجتمعاتنا،وإن كانت منتجات من بشر قادرين على إحداث التغيير الغربي المطلوب.هو تغيير للإنسان..وتغيير الإنسان هو الأخطر تأثيرا.الآن يجري صياغة منظومة جديدة كاملة تتحدد فيها أطر جديدة للمفاهيم والقيم والعادات والتقاليد والأفكار والأحزاب والمجموعات ولنمط القيادات،والأهم أن صياغة كاملة تجري لجيل جديد هو الجيل الصاعد.ثمة قطع للعلاقة بين الأمة وتاريخها.ثمة إقصاء لجيل يمثل حلقة وصل بين الماضي والحاضر،بما يضمن إنتاج جيل جديد من عرب جدد،ليسوا بعرب بل هم ضد العروبة وضد الوحدة ومع الانقسام والتقسيم..الخ،وهؤلاء هم المستهدفون.فإذا كان المقصود الآن هو إقصاء الجيل الحالي وثوابته فالمستهدف هو إنتاج جيل عربي جديد عقله وثقافته وعاداته أرض صحراء جرداء،لا ثابت فيها،فيسهل زرع كل المنتجات الغربية فيها بشكل طبيعي للغاية. المشكلة في مواجهة كل ما يجري، أن حالة من الصمت تعم الأجواء وكان الاستسلام أصبح هو سيد الموقف على الصعيد الرسمي بشكل حاسم وعلى صعيد معظم النخب بشكل واضح وللأسف على صعيد التحركات الشعبية.العرب الرسميون صامتون في الأغلب.والصمت متعدد.فهناك الصامتون الذين يجدون أنفسهم في خوف مما يجري،لكن حفاظهم على مصالحهم في استقرار كراسي الحكم تمنعهم من التحرك.وهناك صمت من تصور البعض أن التحاقهم بالمخطط الغربي يخرجهم من دائرة الاستهداف وأن فعالية جهدهم في خدمة المخططات تلك أو غيرها، قد يجعل منهم سادة في الوضع الجديد.حالة النظام الرسمي العربي في المحصلة العامة حالة مشاركة أن بالضعف وأن بالصمت وأن بالمشاركة تحت وهم إنقاذ الذات،الذي طالما جلب الكوارث والمصائب على الأمة.والأمر لا يمنع من القول،بأن أجهزة الدول الوطنية قد نفذ إلى داخلها من هم مشاركون في المخطط علما أو جهلا أو بقصر النظر. هناك نخب صارت تجد لها مكانا في عالم الدويلات الجديدة.لا نقول إنها تبحث وتلهث –إذ جرى التقدم لها بعروض مغرية –بل هي الآن فاعلة في إنجاز المخططات.ألا نرى كثرة من النخب في العراق وقد اعوجت لسانها وفهمها ونطقها وانحرفت من الوطنية إلى الطائفية؟ أو لا نرى من كانوا اشتراكيين في اليمن وقد صاروا انفصاليين وهم من بشروا من قبل بوحدة عمال العالم ووحدة حركات التحرر الوطني..إلخ.أو لم نرى كيف وصلت نخب في شمال السودان إلى فكرة هدم الكيان والقول بالتخلص من هموم الوحدة تحت شعارات وأقوال مرعبة؟.أو لا نرى لبنان؟.ألا نشاهد كيف أصبحت نخب الصومال؟.ألا نرى كيف يعيش ويتحدث بعض من نخب أفغانستان وباكستان؟. وهناك من النخب من انكفأ وصار يبرر صمته لنفسه والآخرين،بأنه أصيب بالإحباط واليأس والقرف،وكأن جهاد الكلم حالة تأتي وتذهب أو أمر يتطلب رؤية الإنجاز على الأرض كلما تكلم المثقف،أو كان الكلام هو الحل وليس التخطيط وإدارة الصراع.هذا الصنف من المثقفين هو الآخر لا يختلف كثيرا ما ينتجه أو ما ينتج عن دوره كثيرا عن دور السابقين إلا على صعيد الفرق بين ارتكاب الجريمة باليد والعلم بها ورؤيتها دون التحرك لإنقاذ الضحية. وهناك صنف اكتفى بنفسه بالمشاركة والاندماج أو لنقل بصراحة بالعمل في خدمة الحكومات وغطى نفسه بوهم أو بهالة الظروف التي تمر بها المجتمعات.هؤلاء اختاروا المساهمة في ارتكاب الجريمة مقابل ما يحصلون عليه من امتيازات تحت غطاء أنهم ليسوا المسؤولين عن ما يجري وأنهم ليسوا أصحاب القرار وأنهم يحاولون المساعدة ما استطاعوا. أما حال الجمهور فهو متعدد ومتنوع الاتجاهات.فهناك قسم لم يعد هناك ما يغريه لا بالكلام ولا بالحركة واختار الصمت والانكباب على حاله محاولا مداواة جراحه وإطعام أولاده وأسرته وعلاجهم ولو أدى ذلك إلى ترك الأوطان تلاقي مصيرها،سواء كان بالذهاب للخارج للعمل أو بالانطواء في الداخل على العمل.وهناك قسم لم يعد يرى أملا في شيء فصار وقودا لكل شيء حتى ولو كان إشعال الحريق وإشعاله مجددا إذا انطفأ.وهناك قسم يتلفت حوله فلا يرى الطريق، وهو إذ يرفض السير في الطريق المعادي لمصالحه ووطنه وأمته ولكل ما يفهم أو يدرك وحتى لما في داخل نفسه،فهو لا يعرف كيف ينفذ إلى الحقيقة التي صارت مشوشة أمامه،خاصة وهو يرى النخب التي تعلق بها صارت تدفعه في اتجاهات عدة ملاحظا البحث عن المصالح والتناقض بين القول والفعل في سلوكها،بما أسقطها من نظره وحساباته.وهكذا وجد قسم وإن كان أقل أن التقسيم الطائفي والمذهبي والعرقي هو ما يوفر له الحماية في مجتمعات غابت عنها سلطة الدولة بسبب اختراق القانون وسيادة مناخات الفساد. لكن كل تلك المكونات للصورة ليس كل شيء.وإذا كان كل هذا يجري،فإن الصورة تشمل أيضاً تحولات حقيقية في الدفاع عن العروبة ووحدة واستقلال الأوطان،فإذا تخلى النظام الرسمي أو يكاد وإذا سقطت كثرة من النخب،فثمة من صاروا يحملون كل المهام على أكتافهم حتى الشهادة.وذلك ما يبشر بخير حين الحديث عن مستقبل تلك المنطقة وشعوبها وهويتها واستقلالها.لقد عشنا من قبل وسط مثل تلك الأجواء وتحولت شعوبنا إلى مجموعات متشرزمة ومفككة تحت ضربات الغزاة والاحتلال الغربي،وجرى احتلال مناطق واسعة من أراضينا وخلالها تحول الكثير من أمراء الممالك إلى ذات الوضع الذي يعيش فيه معظم حكام الدول..إلخ،لكن الأمور عادت لتنطلق من جديد باتجاه الوحدة والتساند ومواجهة الغزاة والمحتلين ومن معهم من الطابور الخامس من النخب المتعاونة مع المحتل. الآن يتشكل جيل جديد من مثل هؤلاء الذين حملوا اللواء وقدموا النموذج وانتصروا في نهاية المطاف.لنأخذ المثال الفلسطيني.لقد مر على الصراع نحو القرن وسجلت إسرائيل حالة دولية غير مسبوقة إذ حماها ويحميها كل الدول الكبرى في العالم بلا استثناء كما طال عمر القضية ومع كل ذلك ورغم كل ما يقال فإن ثلاثة من قادة إسرائيل قالوا خلال الأعوام الأخيرة إن دولتهم تنهار وآخرهم تسيبي ليفني منذ أيام.وفي العراق ورغم كل الجبروت الأمريكي والضعف الرسمي العربي وانتقال قدر من النخب إلى كل صنوف الطائفية والعرقية،فإن هناك من قاوموا ومازالوا حتى تكاد أمريكا تعترف بالهزيمة الكاملة.وهكذا كان المشهد في لبنان مأساويا حين وصل الحال إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان كله وقبلها من الأردن.الآن لبنان لا تستطيع إسرائيل التلفظ بالعدوان عليه.

598

| 15 يناير 2011

اتجاهات بناء الجيش العراقي الجديد!

أعلن في الآونة الأخيرة عن إبرام صفقة تسلح بين الولايات المتحدة (التي تحتل العراق)، والحكومة العراقية (التي يتواصل بقاؤها ببقاء القوات التي تحتل العراق)، لتسليح الجيش العراقي، الذي أعيد تشكيله تحت إشراف قادة الاحتلال الأمريكي، بعد حل الجيش الوطني العراقي الذي قاتل القوات الأمريكية خلال عملية احتلال العراق. في هذه الصفقة، ثمة جوانب كثيرة مهمة. فهناك نوعية السلاح، وفي ذلك أشير إلى توريد طائرات هليكوبتر واتفاق أولى على توريد أخرى من طراز اف 16، ودبابات من طراز أبرامز ومدفعية ميدان. وهناك قيمة الصفقة التي أشير إلى أنها تبلغ نحو 18 مليار دولار ستدفعها الخزينة العراقية للولايات المتحدة التي سبق أن حطمت كل أسلحة الجيش العراقي الوطني خلال معركة احتلال العراق، بما يدفع للتساؤل حول خسائر التدمير وأموال إعادة التسليح. وهناك أن الصفقة لا تتضمن توريد أسلحة فقط، بل تتضمن جوانب تتعلق بالصيانة والتدريب أيضا، وفي ذلك جرت إشارة إلى مساحة طويلة من الوقت تجرى خلالها تلك الأعمال، بما يعني أن الاتفاق والصفقة يمثلان تجاوزا على الصعيد الزمني للاتفاقية الأمنية أو للاتفاقية الإستراتيجية التي يجري على أساسها انسحاب القوات الأمريكية وعدم بقائها في العراق. وقد لاحظ المتابعون أن وقت الإعلان عن الصفقة جاء مرتبطا بإشارات وتأكيدات على أن ثمة صفقات تسليح أخرى جرى عقدها بين العراق وكل من فرنسا وروسيا وكوريا الجنوبية ودول أخرى عديدة من أوروبا وآسيا، في تصوير وتوضيح بأن العراق ليس خاضعا للولايات المتحدة وأن ثمة اتجاها لتنويع مصادر السلاح، بما يطرح دلالتين، أولهما أن حكم العراق يكافئ دولا أخرى معظمها شاركت في الحرب على العراق واحتلاله وتغيير نظامه، وثانيهما، أن الولايات المتحدة المتحكمة في العراق سمحت بإبرام صفقات أخرى ضمن تسويات سياسية تقوم بها حول العراق. وبمراجعة اتجاهات الصفقة الأساسية وما أعلن بشأنها، يجد المتابع نفسه في مواجهة أول حديث مؤكد حول نمط تسليح الجيش العراقي، الذي كانت سلطة وقوات الاحتلال حريصة منذ بداية الاحتلال وحل الجيش الوطني، على عدم تسليح الجيش الجديد بأنواع معينة من الأسلحة أهمها الطيران خاصة ثابت الجناح، إذ جرى ميلاد هذا الجيش دون سلاح الطيران، وذات الأمر ينطبق على مختلف أنواع التسليح الأخرى المهمة- مثل الدبابات ومدفعية الميدان -حتى جرى الحديث عن أن الجيش العراقي الجديد ليس إلا حالة من حالات قوى الأمن الداخلي لكن ذات قدرات أوسع، وأن ثمة حرصا أمريكيا على ألا يكون جيشا بالمعنى المعروف للجيوش. والمعنى أننا أمام قرار أمريكي بتطوير قدرات الجيش العراقي على نحو مختلف عن ما كان سائدا منذ بداية الاحتلال وحتى بدء الحديث عن تلك الصفقة، وأن هذا التطور مرتبط بمقدار انسحاب القوات الأمريكية من العراق. لكن القضية في الأصل في تسليح الجيوش لا ترتبط في الأساس بنوع السلاح من الزاوية التقنية البحتة، ولكن أن كل تسليح لأي جيش هو "فكرة سياسية" أو كما يقال إن لا انفصال بين الأسلحة والتقنيات من جهة "وأهداف استخدام السلاح"، إذ العقيدة القتالية لكل جيش هي الإطار العام الذي يحدد العدو المحتمل وطبيعة التحديات الإستراتيجية التي يواجهها هذا الجيش من هذا العدو وفي إطارها تجرى عملية تسليح الجيش. في الصراع الهندي الباكستاني تتمحور العقائد القتالية حول مواجهة الجيش كل جيش للآخر، وتتحدد حالة تسليحه ونمط إستراتيجيته وتكتيكاته على هذا الأساس. وفي الصراع العربي الإسرائيلي تظهر خصيصة أخرى، فإذا كان طبيعيا أن تكون العقائد القتالية للجيش الإسرائيلي والجيوش العربية هي عقائد متقاتلة متعادية تعتبر كل منهما الآخر عدوا، فرغم السلام والمعاهدات، لا تزال العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي تعتبر جيوش الدول العربية (وعلى رأسها جيوش الدول التي وقعت معها اتفاقات) هي جيوش معادية، فتتحدد نوعية السلاح وتطويراته على أساس قدرات الجيوش المعادية وكذلك الأمر بالنسبة للجيوش العربية. وهنا يأتي التساؤل حول العقيدة القتالية للجيش العراقي الجديد من زاوية التعامل مع ثلاث دول بشكل خاص هي إيران التي سبق أن اعتبرها العراق أحد أبرز مهدديه على الصعيد الإستراتيجي ودخل معها حربا مدمرة، وإسرائيل التي طالما اعتبرت أحد مهددات وجود العراق كدولة ومجتمع، وهو ما ظهر في حالات صراعية عدة، وثالثها الولايات المتحدة التي دخلت حربا ضد الجيش العراقي كانت بمثابة حرب إبادة له وكل قدراته. واقع الحال أن الجيوش العربية هي ظاهرة جديرة بالفهم من زاوية كينونتها ودورها في المجتمعات العربية وربما يجب مد النظر إلى علاقتها بالسلطة السياسية من زاوية المقارنة بينها وبين جيوش الدول الأخرى. وذلك مفتاح مهم للنظر في حالة الجيش العراقي الجديد. الجيوش العربية الحديثة، هي جيوش تشكلت في ظل وجود احتلال غربي للبلاد العربية. هذا القول مفهوم من خلال قراءة وقائع التاريخ، إذ المستعمر الغربي كان مسيطرا على كل الدول العربية بلا استثناء خلال حقبة التحديث التي جرت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. والمعنى أن الجيوش العربية – وتلك وقائع يرويها التاريخ أيضا- كانت تتشكل وتدار وترسم عقائدها القتالية وتتحدد أسلحتها وفق ما يراه المستعمر، الذي حافظ على جعلها قوة قتالية تحت طلب قواته وأبقاها قوات ضعيفة العدد والتسليح والقدرات، بل إن الطفرة التي حدثت في قدرات تلك القوات ما بعد الحرب العالمية الأولى لم تجر في واقع الحال إلا وفق مخططات المستعمر، ولخدمة أهدافه في إدارة المجتمعات المستعمرة، وفي مواجهة المستعمرين الآخرين، على خلفية الصراع الذي كان محتدما بين الدول على استعمار الدول الأضعف وإعادة تقسيم النفوذ في العالم. لقد اضطر المستعمرون لتطوير قدرات الجيوش العربية في تلك الفترة لتحقيق هدفين خاصين به، الأول هو رفع كفاءة تلك القوات في مواجهة حركة الشعوب التي تصاعدت بعد الحرب مطالبة بجلاء المستعمر، الذي كانت قواته قد تعرضت إلى حالات إنهاك حقيقية خلال الحرب العالمية، بما اضطره إلى التوسع في الاستعانة بقدرات جيوش الدول المستعمرة للمساعدة في قمع حركة الشعوب. وثانيها أن تلك الفترة كانت تحمل إرهاصات احتمالات وقوع حرب عالمية ثانية، بما دفع الدول المستعمرة إلى تعظيم قدرات جيوش المستعمرات لصد محاولات الدول الاستعمارية الأخرى التي كان متوقعا أن تنقل معاركها إلى المستعمرات أو لتقوم بدور تأمين حالة بقاء الشعوب تحت سطوة الاستعمار خلال انشغال جيوش الدول المستعمرة بالحرب ضد جيوش الدول الاستعمارية الأخرى. وهكذا إذ حلت الحرب العالمية الثانية، فقد حملت في طياتها عدة تغيرات فيما يتعلق ببناء جيوش المستعمرات وعلى صعيد توازنات القوة داخل المجتمعات المستعمرة، والأهم أن ترابطا جديدا جرى بين جيوش المستعمرات وطموحات شعوب المستعمرات عبر بوابة إحساس الجيوش بدورها الوطني كجزء من نسيج الشعوب والأمم. لقد كانت الحرب العالمية الثانية طاحنة بما أنتج تغييرا في التوازنات الدولية. باختصار ذهبت الهيبة والسطوة الاستعمارية عن الدولة الأكثر استعمارا للدول عبر التاريخ، وهي بريطانيا، وكذا تراجعت القوة الاستعمارية الثانية على الصعيد الدولي وهي فرنسا. وكان الأهم أن دولا أخرى صعدت على المسرح الدولي وصارت تعمل لإضعاف الدول الاستعمارية القديمة وتدفع الأوضاع في الدول المستعمرة لتتخلص من الاستعمار القديم لتحل هي محلها. وفي الجانب الآخر، كان أن تعمقت قدرات الجيوش في دول المستعمرات وزاد عددها وصارت تشعر أكثر بارتباطها بشعوب بلادها لا بالمستعمر وتغيرت نوعيات المنتمين إليها مع توسع أعدادها، فصارت أكثر تأثرا بحالات فوران الشعوب ضد المستعمر. تعمقت قوة وقدرة جيوش المستعمرات وصارت مرتبطة بشعوبها أكثر من ارتباطها بالأهداف الاستعمارية فصارت جيوشا وطنية، وهنا بسبب أنها القوة الأكثر تنظيما في المجتمعات والأكثر قدرة على الفعل السياسي، صارت تلعب دورا سياسيا أتاحه لها فراغ القوة في الحالة الاستعمارية وفراغ القوة في داخل مجتمعاتها. وفي ذلك أصبح ممكنا القول بأننا أمام نمط جديد من دور الجيوش والمؤسسة العسكرية، نمط صار يشكل عقائد جديدة مختلفة ليس فقط عن بداية تشكل تلك الجيوش بل عن مختلف الجيوش في العالم أو عن النظرة الكلاسيكية لفكرة ودور الجيوش في البناء الوطني والنظم السياسية وقواعد إدارة الحكم.. إلخ في الفهم الكلاسيكي لدور الجيوش في النظام السياسي أو في إدارة الحكم، فقد تشكلت نظرات ورؤى تكاد تكون واحدة رغم المظهر الخادع للخلافات والصراعات الأيديولوجية. لقد حددت الرأسمالية في طورها الليبرالي دورا للجيوش تابعا للقرار السياسي ومنفذا له، واعتبرها منفذا للقرارات الإستراتيجية والسياسية التي تحددها النخب السياسية الحاكمة، وفي ذلك جرى الاستقرار على حرفية ومهنية الجيوش لا سياستها، وعلى ألا تتدخل في السياسة ولا في إدارة الحكم ولا في تحديد من يصل إلى الحكم. وفي المقابل وإذ نعتت الاشتراكية دور الجيوش في النظم الليبرالية بالديكتاتورية المقنعة وأنها جيوش تدير دفة الحكم في الخفاء، واعتبرتها أداة طبقية تخضع لهيمنة الطغمة الرأسمالية وأنها تحميها من ثورات الجهور المستغل من قبل أصحاب رؤوس الأموال.. إلخ، فهي لم تقدم نموذجا آخر، باعتبارها رفعت شعارات ديكتاتورية الفئات الأدنى ضد الأعلى في المجتمع وأنها جيوش تفرض ديكتاتورية البروليتاريا، فثبتت بذلك مقولة وفكرة أن الجيوش أداة في يد الطبقات الحاكمة، بغض النظر عن الطبيعة الاجتماعية للفئات التي تقمعها. غير أن الجيوش في العالم الثالث قدمت نموذجا آخر في علاقتها بلعبة الحكم في العديد من الاتجاهات. فهناك أن تلك الجيوش صارت هي من "يحكم مباشرة"، إذ شهدت الكثير من دول العالم الثالث، قيام العسكر بانقلابات عسكرية أطاحت بالحكومات ونظم الحكم، ليحكم قادتها العسكريون مباشرة. هنا صار العسكر هم الحكام والساسة ولم تعد هناك نخب أخرى مسموح لها بالوصول إلى الحكم، إذ لم ينقلب العسكر على الساسة فقط، بل شكلوا نظم حكم تجعلهم في سدة الحكم مدى الحياة، حيث كانت هناك انقلابات عسكرية جرت ضد "نظم تشكلت عبر صناديق الانتخابات" وأخرى ضد نظم أوتوقراطية قديمة فحلت محلها نظم ديكتاتورية حديثة. وهناك أن الجيوش لم تنقلب وتصل للحكم كتعبير عن حالة صراع داخلي فقط، بل جر العديد من الانقلابات العسكرية بأفق صراعي ومضاد لسلطات وأدوات استعمارية حكمت بعض البلدان. والمهم في ظاهرة جيوش العالم الثالث، أن نمت وسادت الظاهرة والفكرة الوطنية داخل الجيوش وتشكلت عقائد قتالية مختلفة عن العقائد القتالية التي كان يفرضها على الجيوش القادة السياسيون الموالون للاحتلال، وأن الطابع المؤسسي في تلك الجيوش كان أعلى من الوضع المؤسسي في الحياة الاقتصادية وفي التبلور الفئوي الاجتماعي وفي إدارة السياسة وفق قواعد مختلفة عما كان سائدا في المجتمعات، فصارت هي النموذج الأرقى للتنظيم. وهنا ظهر بعد آخر حضاري في بناء الجيوش في المنطقة العربية الإسلامية، إذ العقائد القتالية ليست فكرا عسكريا في تحديد العدو ونمط التسليح فقط، بل في المفاهيم والرؤى العليا الحاكمة لبناء الإنسان وفكره أيضا. لم يكن الجيش العراقي فريدا في ما جرت الحال عليه بالنسبة لجيوش العالم الثالث ولا في الخصائص المكونة لنظيره من الجيوش في العالم العربي الإسلامي، لكنه حمل ميزات أساسية أخرى، إذ صار نمطا رائدا في بناء الوحدة الوطنية في العراق، وهو ظل كذلك حتى جرى حله على أيدي قوات الاحتلال، بل جرى حله لإنهاء الحالة الوطنية الموحدة. لقد مثل الجيش العراقي العنصر الأهم في بناء الوطنية العراقية والوحدة الوطنية الثابتة في مجتمع جرت فيه ضغوط مكثفة من الخارج والداخل لتحويله إلى حالة طائفية مفككة وكان عاملا أساسيا في بلورة الهوية الوطنية العراقية. والآن حين يجري بناء وتسليح الجيش العراقي المشكل ما بعد الاحتلال، فإن الأسئلة المحورية في اتجاهات بناء هذا الجيش تتعلق، بالرأي والرؤية في علاقته بظاهرة الاحتلال والدولة المحتلة أولا، وهي تدور حول دوره في ظل وجود بناء سياسي أو نظام سياسي قائم على الطائفية والمحاصصة لا على الوحدة الوطنية، وكيف سيواجه تلك الظاهرة ثانيا، وهي ترتبط ثالثا بفكرة الهوية الوطنية العربية الإسلامية في مواجهة محاولات تغيير هوية العراق وتحويله إلى "دولة شرق أوسطية" وفق الرؤية الأمريكية أو دولة تابعة للفكر والفهم الإيراني المذهبي حسب رؤية الموالين لإيران، أو أن يعود بالعراق إلى سابق هويته. وبمعنى آخر، فإن ما جرى في تشكيل الجيش العراقي الحالي ما بعد الاحتلال وحتى الآن ليس إلا إعادة لبناء جيش في دولة مستعمرة، كما جرت الحال خلال حقبة الاستعمار القديمة –لا أكثر ولا أقل-ليكون هو القوة والسند الدائم على الأرض لإبقاء الشعب العراقي تحت سطوة الاحتلال ولمساندة القوى السياسية المتعاونة مع الاحتلال، وأن تسليح الجيش العراقي لا يجري إلا ضمن هذا الإطار، أي لبناء جهاز دولة أشد قدرة وسطوة، بهدف قمع طموح الشعب العراقي للحرية والتحرر، ولمواجهة المقاومة الوطنية العراقية الشريفة.

661

| 08 يناير 2011

عام الاعتراف بالصين دولة عظمى

انتهت موجة التحذير من صعود الصين وإثارة المخاوف حول نتائج هذا التطور في موازين القوى الدولية، وحل محلها وضع آخر يقوم على الاعتراف التدرجي بالصين كدولة عظمى ومحاولة جرها للتصرف على هذا النحو، سواء بتحميلها جانبا من المساهمة الاقتصادية في شؤون العالم أو بجرها لمشكلات ومعضلات تنهكها على الصعيد الدولي. لقد شهد العام الذي انتهت آخر أيامه من حياة البشرية ومن أعمار الناس، العديد من التغيرات والتبدلات والأحداث على الصعد العربية والإقليمية والدولية، بما لا يعد ولا يحصى، لكن التطور الأكثر تأثيرا على مصير البشرية قد جرى وسيتصاعد في العام المقبل من خلال الاعتراف بالصين كدولة عظمى، إذ هو العامل الحاسم بين كل التطورات والأكثر تأثيرا عليها وعلى مصير البشرية لعقود قادمة، حيث التوازنات الدولية تظل هي الحاكمة لمصير تطور البشرية ولكل الصراعات الجارية في مختلف أنحاء العالم. (1) على الصعيد العربي، شهدنا وعشنا تطورات مهمة وقوية، لكنها لم تكن حاسمة على نحو يبدل أوضاع الأمة. في العراق شهد العام المنصرم إنفاذ انسحاب قدر كبير من قوات الاحتلال الأمريكية، وهو لم يجر مرتبطا بإعلان بانتهاء حالة الاحتلال وعودة العراق إلى تحقيق استقلاله، لكنه كان مؤشرا على ما أصاب قوة وفكرة وجنود الاحتلال من ضربات على أيدي المقاومة العراقية، كما مثل إشارة على هزيمة مشروع الاحتلال بالقوة العسكرية. لم ينتج عن الانسحاب حالة استقلال للعراق، إذ بقي عدد كاف لإحكام القبضة على العراق على نحو أو آخر، لكن انسحابا بهذا القدر من جنود الاحتلال في ظرف لم تستطع الحكومة التي شكلت بأيدٍ أمريكية إحكام السيطرة على الحركة الوطنية العراقية وتطويع إرادتها، كان تأكيدا على هزيمة المشروع الأمريكي وليس فقط عنوانا لاستمرار الصراع على العراق، وهو ما ظهر جليا في تعثر تشكيل حكومة الاحتلال لنحو 8 أشهر، فضلا عن استمرار المقاومة. وفي لبنان، تحول الوضع خلال العام المنصرم إلى الانتكاس عن ما سبق الاتفاق عليه في الدوحة وعلى أساسه جرى تشكيل الحكومة اللبنانية وانتخاب الرئيس، إذ يدخل لبنان العام الجديد بأول أيامه والحكومة اللبنانية معطلة ومتوقفة عن كل قدرة على تسيير أوضاع البلاد بسبب الاختلاف بين الفرقاء اللبنانيين على شهود الزور وطريقة التعامل القضائي معهم، والأخطر في الحالة اللبنانية أن العام القادم يحمل مخاطر حقيقية، ثمة تهديد بوقوع انقلاب أو بحدوث فتنة أهلية أو بحرب أهلية، بعد صدور القرار الظني من المحكمة الدولية لقتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. لبنان يدخل العام الجديد بمخاطر على استقراره أعلى من كل ظرف جرى خلال العام الماضي، ويبدو أن الجهود والزيارات التي جرت لهذا البلد لم تفلح حتى الآن في إنهاء حالة التمترس الصراعي التي يعيشها أو يندفع إليها هذا البلد. وفي فلسطين، تبدو أهم معالم العام المنصرم، هي توقف حركة المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس، عند حالة الإصرار على الاختلاف والصراع وأعمال سجن الكوادر المتبادلة بين غزة والضفة، بل تحولت عمليات التفاوض من أجل المصالحة، إلى عملية من عمليات كسب الأوراق من كل طرف على حساب الآخر، بما صار يربك خطوط التوافق في داخل الحركة الوطنية الفلسطينية ويربك إنجازاتها وانتصاراتها العربية والدولية. كما شهد العام المنصرم تطورا مهما على صعيد مواقف السلطة ورئيسها محمود عباس تجاه المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي، بوضع شرط وقف الاستيطان الإسرائيلي في مقابل استمرار التفاوض، كما كسبت السلطة حالات اعتراف دولية متنامية بالدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 67، بما يقوي موقف المفاوض والمقاوم الفلسطيني معا، ويطرح احتمالات فرض الاعتراف في مجلس الأمن الدولي بالدولة الفلسطينية -على إسرائيل من قبل الأمم المتحدة -وتحويل إسرائيل من دولة محتلة للضفة وغزة إلى دولة معتدية على دولة فلسطين، وقد وصل الحال هنا أن قال أحد قادة إسرائيل إنه لن يفاجأ إذا وجد الولايات المتحدة تعترف بالدولة الفلسطينية، وهو ما يبدو مدهشا للمتابعين، إذ يعرف الجميع أن التطور البارز في العام الماضي هو ذاك التراجع المهين لإدارة أوباما أمام الضغوط الإسرائيلية. وفي السودان، شهد العام المنصرم أخطر الانتخابات البرلمانية والتشريعية في داخل هذا البلد، هي انتخابات فاز فيها الرئيس البشير وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، لكن سيلفا كير رئيس الحركة الشعبية فاز أيضاً برئاسة جنوب البلاد هو وحركته، وبذلك صارت الانتخابات هي الأساس الأخطر لانفصال الجنوب لا لاستقرار البلاد والحفاظ على وحدتها.. الاستفتاء على انفصال جنوب السودان أساسه ما جرى وما نتج عن الانتخابات وليس فقط اتفاق نيفاشا الذي أقر حكاية الاستفتاء، إذ ما مكن عملية الاستفتاء من الجريان هو حالة الانفصال التي أرستها الانتخابات. في مطلع العام تجرى عملية الاستفتاء فيصير السودان سودانيين وتتحرك كل عوامل الفتنة في كافة أرجاء هذا البلد وربما تتحرك الفتنة بين الجنوب والشمال لتعود الحرب الأهلية إلى سابق سيرتها وإن وفق صيغة أخطر، ولذا يبدو العام القادم هو أخطر الأعوام التي مرت على السودان منذ استقلاله وحتى الآن. وفي اليمن، كان العام الماضي عام توقف وانتهاء الحرب بين الدولة وحركة الحوثيين أو لنقل أن ذاك العام قد شهد نهاية الحرب السادسة بين الحكم والحوثيين، دون قطع دابر الفتنة ودون توافر دلائل توحي بعدم اشتعال الحرب السابعة، كما شهد ذاك العام ظهور القاعدة أو هو كان عام تحول القاعدة إلى حالة القوة في اليمن. لقد برزت دعايات كثيرة حول القاعدة وأنور العولقي الذي يبدو أنه سيكون نجم العام المقبل في وسائل الإعلام الغربية التي اختتمت هذا العام بالحديث عن أنه صار يوازي في دوره ونشاطه الزعيم الروحي لتنظيم القاعدة، بن لادن. كما كان ذاك العام هو عام الحراك الجنوبي في هذا البلد أو عام تطور قوة الحراك الجنوبي وتحولها إلى حركة انفصالية شديدة الوضوح. وهكذا بالإجمال لم يكن العام الماضي إلا تكرار وتطويرا لمشكلات العالم العربي ودفعا لها نحو ما هو أخطر، دون حسم أيا منها لمصلحة الاستقرار والتطور والتقدم أو القوة. (2) إذا كان الوضع العربي قد شهد تحولات باتجاه ما هو أسوأ على صعيد الاستقرار والعلاقات الداخلية.. إلخ، فان الإقليم شهد تبلورا للظاهرة الأردوغانية ولميلاد قوة تركيا وتصاعد دورها في الإقليم وتصعيد قدرتها في التأثير على الوضع العربي، منضمة بذلك إلى إيران التي تصاعدت عوامل قوتها وتأثيرها في العالم العربي وعلى الصعيد الدولي، لنصبح أمام مفارقة إستراتيجية بين قوة دول الإقليم وتراجع القوة العربية تركيا صارت الرقم الأقوى في المنطقة في الإقليم حتى صارت أحد أهم القوى التي تعيد رسم عوامل قوة الإقليم وعلاقاته الداخلية، وإذا كانت إيران تحيطها المشكلات والصراعات من كل جانب في الإقليم وعلى الصعيد الدولي، فان تركيا على العكس تسعى لتحقيق دورها وتعميق نفوذها في الإقليم من خلال أعمال المصالحة والتنمية وتطوير علاقاتها الدولية مع مختلف الأطراف الدولية الفاعلة مع استمرار السعي لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي. تركيا تلقى قبولا في الإقليم ويحمل مشروعها السياسي الداخلي والإقليمي والإستراتيجي بريقا حضاريا، بما يجعل الفئات الوسطى في الإقليم تقف إلى جوارها والنظم لا تخشاها، وهو ما يجنبها حالات الإنهاك التي تتعرض لها إيران، ويبدو العاملان الأساسيان في التطور التركي في هذا العام، هما عاملا التصعيد الحاصل في العلاقات مع إسرائيل، وعامل حسم العركة الداخلية لمصلحة حزب العدالة والتنمية بما يغير تركيا من الداخل على نحو لم يكن متوقعا من قبل، إذ نحن نشهد حقبة نهاية الأتاتوركية وإعادة تأسيس تركيا من جديد. ونشهد كيف تنال تركيا حظوة ونفوذ متنامٍ على صعيد علاقاتها العربية دون معوق أو قلق، وتطوير مواقف معادية لإسرائيل دون فقد أطراف العلاقة مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة. إيران في المقابل صارت قوة إقليمية ودولية، بل صارت الدولة التي تنغمس في كل مشكلات الإقليم والساعية إلى فرض نفوذها بالقوة، حتى صار لها نفوذها وتمددها الفعلي والحركي داخل الدول العربية إلى درجة قلب وتغيير هوية بعض الدول ونمط توازناتها الداخلية، حتى أصبحت الدولة القادرة على تهديد استقرار كل دول الجوار، أينما امتد نفوذها. إيران في العراق ولبنان وأفغانستان واليمن على الأقل، هي هناك من خلال جماعات مسلحه ترتبط بها وتخوض صراعا عسكريا ضمن إطار إستراتيجيتها، إيران تؤثر على نحو حاسم في الأوضاع الداخلية اللبنانية، وهي في العام الماضي سجلت حضورا جديدا في نمطه من خلال زيارة أحمدي واستقباله الشعبي، والأهم أن إيران في تماس في لبنان وبشكل ضاغط على إسرائيل وأمريكا من خلال دور حزب الله في المواجهة المباشرة، وإيران في العراق على نحو جعل المراقبين يتحدثون في العام الماضي عن أنها هي من شكلت الحكومة هناك وليس الولايات المتحدة صاحبة قوة الاحتلال، وهناك في اليمن ضغطت إيران على كل الأطراف من خلال جماعة الحوثيين، الذين هم جماعة ترتبط بإيران مذهبيا وتسليحيا، وقد وصلت قوتهم حد الحرب ضد السعودية- من خلال الحدود- ومع الجيش اليمني في وقت واحد. وإذا كان بالإمكان القول، إن العام الماضي كان عام تمكين الدور والنفوذ الإيراني في المنطقة العربية، فقد كان هذا العام هو عام هزيمة المخططات الغربية ضد إيران أيضا، إذ يكاد سيناريو الحرب عليها ينتهي. العام الماضي شهد نهاية سيناريو قصف إيران أو شن الحرب الجوية والصاروخية عليها، إذ باتت التصريحات الغربية الصادرة في آخر العام، تتحدث عن القبول بإيران نووية ولو من باب الاعتراف بحقوقها في البرنامج النووي السلمي، والكل يعلم ما هو ضمني في مثل تلك التصريحات، وهنا يمكن القول إن العام القادم ليس إلا عام حسم القضية الإيرانية بكل جوانبها في الإقليم وعلى الصعيد الدولي. (3) في الوضع الدولي –وهنا بيت القصيد- يبدو العالم قد تغير بالفعل، وسر هذا التغيير هو هناك في الصين في الجانب الأول من التغير في الوضع الدولي، تبدو أوروبا قد تعرضت لضربة هائلة القوة على رأسها، بما أصاب دولا عديدة في القارة من أزمات اقتصادية وصلت بها حد الإفلاس –كما هو حال اليونان والحبل على الجرار- كما وصل الأمر حد إصابة اليورو بمرض فقر الدم المزمن. هي أزمة أوروبية تجري متصاعدة لتضعف قدرة أوروبا على الصعيد الدولي ولتجعل منها قارة منهمكة في حل إشكاليتها الداخلية، كما صارت القارة الأكثر اضطرابا على المستوى الاجتماعي، إذ لم تعد تخلو دولة من مظاهرات حاشدة لأسباب تتعلق بخطط التقشف الاقتصادي التي أقرتها الحكومات. والأخطر أن أوروبا صارت مصدرا للتطرف من داخل مجتمعاتها. فإذا كانت الحكومات والنخب قد ركزت الأنظار على معركة وهمية ضد الإسلام والمسلمين والتطرف الإسلامي والحجاب، فقد انشقت الأرض ليظهر النبت الأوروبي المتعود ظهوره في مراحل الأزمات الاجتماعية، أي التطرف المسلح الذي أصبح يستخدم وسائل الطرود المفخخة وأعمال التفجير كما جرى في إيطاليا مؤخرا، فضلا عن تصاعد المد اليميني الفاشي على نحو خطير للغاية في داخل النخب والمجتمعات. ولقد بدأت أوروبا بالاعتراف بالصين كقوة عظمى على صعيد العلاقات الدولية وعلى صعيد القروض التي صارت المنقذ لبعض اقتصادات الدول الأوروبية. ومن أوروبا إلى روسيا وتطوراتها، روسيا كانت سجلت في سجلها العسكري القيام بعمل عسكري ضد جورجيا، فبدت روسيا وكأنها قد بدأت مخططا لاستعادة دورها العالمي على نحو أو آخر، إذ لم تصمت مدافعها ضد جورجيا إلا وهي تعلن عن العودة إلى تسيير خطوط الطيران الإستراتيجي الذي كان قد توقف منذ نهاية الحرب الباردة كما أجرت روسيا تطويرا لقواتها المسلحة، وكان الأهم أنها أقدمت على تغيير في العقيدة القتالية لجيشها، بما يعود به إلى التدخلات الخارجية والضربات الاستباقية.. إلخ. وفي الجانب الثالث من تطورات العام المنصرم على الصعيد الدولي، تبدو الولايات المتحدة باتت تدرك مدى تراجعها وأكثر استعدادا للاعتراف بهذا التراجع لحساب أقطاب دولية أخرى. كان العام المنصرم عام إدارة أزمة تراجع مكانة وقدرة الولايات المتحدة التي كانت عليها طوال القرون الماضية خلال الحرب الباردة ولا خلال مرحلة الانفراد بالعالم أحادي القطبية، في ظل وهم أو تطلع إلى العودة بطريقة أو بأخرى لاحتلال تلك المكانة. والعام القادم هو عام اعتراف الولايات المتحدة بالأمر الواقع، وبأن عقودا قادمة لن تكون فيها هي الدولة الوحيدة المسيطرة.

539

| 01 يناير 2011

اسرائيل بدات معركة انهاء سلطة عباس

لم يعد هناك مصدر للاخبار فى هذه الايام ،الا وثائق ويكليكس ،التى اصبحت بديلا لوقائع الاحداث التى هى مادة الاخبار والمتابعات الاصلية .كل وسائل صارت وثائق هذا الموقع الاليكترونى بندا اساسيا فى نشراتها وبرامجها وتحليلاتها .ويمكن القول ،بان الولايات المتحدة نجحت فى تقديم ما يجرى فى العالم ،من خلال وجهات نظرها عبر موقع ويكيليكس الذى ينشر رؤية الديبلوماسية الامريكية للوقائع الجارية فى العالم ،ويروجها على اوسع نطاق ،حتى اصبحت الرواية الامريكية بديلا لكل الرايات وصارت تبدو هى الواقع ،بحكم عدم وجود روايات اخرى لما هو وارد فى الوثائق . وفى الايام الاخيرة ،دخلت الوثائق ، الى ساحة القضية الفلسطينية بعدما كانت الوثائق الاولى والثانية قد انحصرت فى وقائع احداث افغانستان والعراق .وهذا الدخول على مساحة القضية الفلسطينية لاشك ينذر بمخاطر شديدة .لقد ظلت المواقف الامريكية من تلك القضية بلا تصديق وبلا صدقية فى اعين الراى العام العربى وربما العالمى ،ويبدو دور ويكيلكس الان هو اعادة رواية الاحداث من خلال وجهات النظر الامريكية لتجميل المواقف الامريكية وتغيير الرواية العربية للاحداث وفى ذلك محاولة لتغيير الوقائع وتثبيت رواية امريكية لها لا شك ستكون بمثابة دعاية للمواقف الامريكية والاسرائيلية فى الخلاصة النهائية .وفى اول الوثائق حول القضية فان المخاطر لم تصل الى منتهاها بل نحن هنا امام اول العينة ،وكما يقال العينة بينة . العينة جاءت هذه المرة عبر كشف احدى البرقيات الدبلوماسية الأميركية التى تقول أن مسؤولاً كبيراً بوزارة الدفاع الإسرائيلية توقع ألاّ يصمد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سياسياً حتى نهاية عام 2011.والبرقية عبارة عن سرد لمحضر اجتماع بين السفير الأميركي ألكسندر فيرشبو مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية ومسؤولين إسرائيليين على رأسهم رئيس القسم السياسي والأمني بوزارة الدفاع عاموس جلعاد.وتتحدث عن قلق اسرائيلى حول مستقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس ،وكانها تريد القول بانها حريصة على بقاء سلطة عباس ،بما يعنى ان الرجل ووجوده وسلطنه هى فى نهاية المطاف امر تحرص عليه اسرائيل . وللوهلة الاولى ،يبدو ما هو منشور فى الوثيقة ليس الا مجرد كشف لما هو مخفى فى اقبية الدبلوماسية ،كما يبدو فى الظاهر ايضا ،وكانه عمل بطولى فى سبيل السعى لكشف الحقائق ،وهذا وذاك ياتى ضمن الهالة التى يجرى احاطة موقع ويكيلكس بها .غير ان الحقيقة مختلفة عن كل ذلك بل هى حقيقة مرة ،فهذا النشر لا يجرى الا خدمة للمخطط الاسرائيلى ،بل هو ياتى فى لحظة ومرحلة محسوبة بدقة ،وليس مجرد نشاط اعلامى لتحرى الحقيقة وكشف المستور كما يروج فى هذه الايام لكل ما ينشر على موقع ويكيلكس.ويمكن الزعم باننا امام طلقة بداية لتنفيذ مخطط اسرائيلى لاطاحة سلطة عباس وليس تهديدها فقط . البعض قد تصيبه الدهشة من مثل هذا القول ،خاصة اولئك الذين يتحدثون بان سلطة عباس تمثل الوضع النموذجى لحالة الاحتلال بلا تكلفة ولوضع فلسطينى ضعيف ومنقسم ،يسمح لاسرائيل لانفاذ كل مخططاتها بلا مقاومة خاصة فى ظل التنسيق الامنى بين اجهزة السلطة الامنية والاجهزة الامنية والجيش الاسرائيلى ،الذى يؤدى الى اعمال اغتيال وقتل وحصار للمقاومة الفلسطينية للاتحتلال الاسرائيلى .ويزيد من هذا الشعور بالدهشة ان الوثيقة تتحدث بالفعل بلغة قلق اسرائيلى على بقاء واستمرار سلطة الرئيس عباس ،فكيف يقال ان نشر هذا التخوف هو طلقة البداية لمخطط انهاء تلك السلطة ! واقع الحال ،ان المخطط الاسرائيلى الحقيقى لا تمثل فيه السلطة الفلسطينية بكل دورها المشار اليه ،الا حالة مؤقتة طال بقاؤها او قصر ،واذا كان بالامكان القول بان رؤية عرفات لبناء السلطة وفق اتفاقات اوسلوا جرت وفق نظرة ورؤية لها باعتبارها حالة مؤقتة باتجاه وفى طريق بناء الدولة الفلسطينية ،فان اسرائيل من الاصل لم تنظر بدورها لتلك السلطة الا باعتبارها مؤقتة هى الاخرى ،وانها جاءت فى مرحلة زمنية تنتهى بنهايتها او بتحقيق اهدافها. تبدو اسرائيل الان وقد شارفت على استنزاف اغراضها من السلطة الفلسطينية –بل عن كل اتفاقات اوسلو -ولم تعد تعمل على اضعاف تلك السلطة وشل قدراتها وانهاء احتمال تحولها الى سلطة دولة مستقلة ،بل صارت قاب قوسين او ادنى من انهاء وجود تلك السلطة وكيانيتها ،والاغلب ان ذلك سيجرى وفق مخطط لاثارة الفتنة من نوع اخر او وفق طريقة وسيناريو اخر فى داخل الضفة الغربية ،وربما يمتد الامر ليشمل غزة فى ذات الوقت ايضا. وهذا هو جوهر ما ورد فى الوثيقة التى نشرها موقع ويكيلكس وجوهر اختيار توقيت النشر. منذ بداية اوسلو والصراع الاستراتيجى بين الحركة الوطنية الفلسطينية وامتدادها العربى الاسلامى من جهة واسرائيل والولايات المتحدة وامتداهما الغربى من جهة اخرى ،قد اخذ منحى جديد اذ بات يدور فى ملخصه العام ،حول دور ومكانة ومستقبل السلطة الفلسطينية التى كانت راس تاج مرحلة ولعبة ونتائج التفاوض وتوقيع اتفاق اوسلو . الحركة الوطنية الفلسطينية من بعد نطبيق اتفاق اوسلوا دار ملخص نشاطها وحدثت التباينات فى داخلها حول افق السلطة التى اصبحت هى الواقع الجديد فى ساحة الوضع الفلسطينى وعلى ساحة الصراع بين اسرائيل والشعب الفلسطينى وعلى الصعيد الدولى هى صارت بديلا حتى لمنظمة التحرير الفلسطينية ،وقد زاد من اهميتها دخول حركة المقاومة الاسلامية حماس الى داخل السلطة ورئاسة حوكمتها ما بعد الانتخابات الفلسطينية التى اعقبت رحيل عرفات .انقسمت الحركة الوطنية الفلسطينية بشان مستقبل هذه السلطة بين تيارين ،الاول راى ان افق السلطة هو افق بناء الدولة المستقلة وانها تمثل نهاية مطاف الصراع واعتمد فى ذلك اسلوب الضغط السياسى والديبلوماسى وقدر محدد من الاستعانة بالعنف الحركى الفلسطينى وهو قد تمثل اساسا فى تيار حركة فتح .والتياار الثانى نظر للسلطة كمحطة انتقالية ونقطة ارتكاز وغطاء لفكرة المقاومة وسعى لتطويرها باتجاه تحقيق الهدق الاستراتيجى الفلسطينى فى تحرير فلسطين كل فلسطين . غير ان تيارا اخر او جديدا قد ،ولد فى الساحه الفلسطينية ،كان خلفه نشاط اسرائيلى وامريكى ،هذا التيار –اذا جاز الوصف-نظر الى المقاومة الفلسطينية كقوة تخريب لجهوده السياسية والديبلوماسية واعتبر السلطة وحركتها اتجاه اخر لا يمت للعنف بصلة ويرفض المقاومة ،وهو ما احدث الشقاق فى داخل الحركة الوطنية الفلسطينية على نحو حاد .لقد كان عرفات صاحب رؤية جامعة للسلطة والمقاومة بطريقة او باخرى ،غير انه واجه فى اخر ايامه فى السلطة والحياة ظهور هذا التيار الذى طرح رؤية للسلطة تحتلف عن رؤيته وتطالبه باعتماد خط سلمى والتخلى عن كل مظاهر العنف ومطاردة الكقاومة ووصفها بالارهاب . وفى الاتجاه الاخر ،نظرت اسرائيل والولايات المتحدة والغرب عموما لتلك السلطة باعتبارها اداة وظيئفية تصب فى خدمة المشروع الاسرائيلى وتؤدى دورا فى خدمة الخطط الاستراتيجية الفلسطينية لا اكثر ولا اقل .لقد كانت هناك اتجاهات عدة فى داخل الدول الغربية لمشروع بناء السلطة .بعض الغربيين راها وسيلة لحل النزاع وفق افضل الشروط لاسرائيل ،وفى ذلك كانت اوروبا صاحبة الراى ،اذ نظرت للسلطة كاداة تطويع للارادة الفلسطينية وتشكيل من نخبة يمكن التعاطى معها للوصول الى حل يحافظ على بقاء اسرائيل وحمايتها ،وبذلك يتحقق قدر من الاستقرار يحقق المصالح الاوروبية فى منطقة الشرق الاوسط. هذا الراى والرؤية الاوروبية ،تعارضت مع الرؤية الامريكية والاسرائيلية -من الاساس -التى رات ان السلطة ليست الا غطاء مرحلى يحقق السيطرة الاسرائيلية على كل الاراضى الفلسطينية ويخلص اسرائيل من تبعات الاحتلال العسكرية والسياية والاقتصادية ،وان المهمة الرئيسة لها هى القضاء على حركة المقاومة الفلسطينية حتى تصل اسرائيل الى حالة سيطرتها على الارض الفلسطينية بالاستيطان والتهويد ،وعندها يتم الاستغناء على السلطة سواء بخنقها النهائى او باظهار زعامات محلية قبلية وجهوية ،تجهض قوة السلطة وتكون بديلا لها ضمن اطار فكرة ومشروع الكانتونات الصغيرة فى الضفة . وبين هذا وذلك جرت تطورات كثيرة ،اذ حدث خلاف امريكى اسرائيلى ،بسبب التدهور الحاصل فى اوضاع الولايات المتحدة فى الشرق الاوسط فى ظل انغماس جيشها مباشرة فى اعمال عسكرية ،بما جعل الولايات المتحدة تميل الى النظرة الاوروبية الداعية الى تشكيل دولتين باعتبار ذلك هو افضل الحلول لبقاء اسرائيل ،وان السلطة الفلسطينية هى الاساس الذى يمكنه تحقيق معادلة بناء دويلة فلسطينية هزيلة فى ظل بقاء وقوة وهنا يبدو ان هذا التغيير فى الممواقف الاوروبية والامريكية صار احد اسباب التعجيل الاسرائيلى بانهاء وجود السلطة . هنا يمكن القول بان الحركة الوطنية الفلسطينية ورغم تمايزاتها وصراعاتها –العنيف منها والسياسى والشعبى-قد نجحت على نحو او اخر وفى المحصلة العامة ،فى تغيير الفكر والرؤى والاستراتيجيات الغربية ،غير انه يمكن القول ايضا ،بان الطرف الاخر نجح فى زلزلة اوضاع السلطة وجعلها تعيش مازقا خطيرا .من جهة يرى البعض ان محصلة جهود ونشاط السلطة على صعيد المواجهة على الارض الفلسطينية كانت سلبية وضارة بمصالح الشعب الفلسطينى ،ويعتبرها ستارا لاستمرار خطة التهويد والاستيطان وان هذا هو الفعل الاخطر،اذ تمكن الطرف الاخر من استغلال لعبة التفاوض لانجاز مشروعه على الارض بفرض الوقائع .ومن جهة ثانية يقول هؤلاء بان السلطة تحولت الان الى واجهة صدام فى وجه المقاومة الفلسطينية وحائط صد فى مواجهتها وانها بذلك تحولت من اداة فلسطينية الى اداة اسرائيلية خاصة وان الاحتلال لم يعد مكلفا لاسرائيل ،اذ صارت اوروبا من يدفع لبقاء السلطة ولاداء دورها . غير ان هناك من يرى ان الحاصل الان من تعدد حالات الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية على حدود عام 67 ليس الا نتيجة لجهود السلطة سياسيا وديبلوماسيا ،وان بعض اشكال المقاومة التى جرت هى من اضر بدور السلطة ونشاطها وادائها بما سبب لها من احرج ،وبما ادى الى تغييرات فى مواقف بعض المتعاطفيين دوليا وعربيا مع القضية الفلسطينية . وهنا تاتى خطورة ما نشره موقع ويكليكس من عدة زوايا .اولها ،ان الموقف الاسرائيلى الوارد فى الوثيقة الامريكية يشير الى احتمال حدوث انهيار فى السلطة فى وقت بدا الاعتراف بالدولة الفلسطينية يتوسع ويتعمق ،وهو ما يعنى ان الاعتراف بالدولة الفلسطينية سياتى مترافقا مع عدم وجود سلطة يعترف بها رسميا ،اذ الاعتراف بدولة ما يشترط وجود سلطة تمثل الشعب والدولة التى يجرى الاعتراف بها . وثانيها ،ان ما نشر يؤكد بطريقة او باخرى على ان اسرائيل تفتح الباب امام صراع فلسطينى-فلسطينى وتدفع باتجاهه ،اذ البعض سيجد فى مثل تلك الفكرة المشار اليها ،اعلان اسرائيلى بعدم قوة وقدرة السلطة وبعدم التمسك بها ومساندتها ،بما قد يدفعه للتحرك ضدها لاسقاطها ،وكم من مواقف عربية جرى اتخاذها وفقا لمنطق اخلاء الطريق امامها من قبل الاعداء ،فلما جرت تحولت مواقف الاعداء من اخلاء الطريق امام احد الاطراف الى اصطياده (واقعة دخول القوات العراقية للكويت ) . وثالثها ،اننا امام مخطط اسرائيلى كبير قد يكون عنوانه الاولى ،فتح الطريق امام قوى فلسطينية لانهاء وجود السلطة فى الضفة ،لكن عنوانه الاكبر سيكون ادخال الضفة الغربية فى حالة احتراب كاملة ،تساهم هى فيها بالتحريض وتهيئة الارض للصراع فى البداية وتنتهى الى اعمال ابادة وقتل وتطهير عرقى للشعب الفلسطينى وفرض حصار شامل وبدء اعمال طرد الفلسطينيين من عام 48 الى الضفة ومن الاراضى المحتلة عام 67 الى الاردن ،وربما يكون واردا هنا الاقدام على الخطوة المتوقعه بهدم المسجد الاقصى وسط دوامة الاحداث ،اذ لم تكن مصادفة ان يتحدث قادة امنيين اسرائيليين منذ وقت قريب مضى عن احتمال انهيار المصلى المروانى بسبب كثافة اعداد المصلين . والخلاصة هى ان انهاء السلطة ودورها قد اصبح هدفا اسرائيليا فى الطريق للتحقيق الان ،بغض النظر عن طبيعة الاحداث الداخلية الفلسطينية وبغض النظر عن دور السلطة السابق ،اذ ان عدم وجودها الان هو ما يحقق اهداف المرحلة الراهنة من الخطة الاسرائيلية .وان ما نشره موقع ويكليكس لا يخرج عن تحقيق الاهداف الاسرائيلية بل هو فى صميم تلك الاهداف ،اذ هو ترويج ودفع للصراع الفلسطينى –الفلسطينى ،الى افاق اخرى تجعله فى صلب المصلحه الاسرائيلية على الصعيد المباشر الان –وهنا يبدو من المناسب الاشارة الى بدء تحرك العقيد محمد دحلان ضد سلطة عباس بنفس الطريقة التى تحرك بها ضد سلطة عرفات -وان هذا النشر هو مقدمة اختبارية لاحداث كبرى ستجرى على ارض الضفة الغربية .وان واجب الحركة الوطنية الفلسطينية ان تتنبه الى تلك الاهوال المقبلة كل من موقعه .حركة المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها مطالبة الان باليقظة وبالتفرقة بين مواقفها ورؤاها للسلطة ومراراتها منها ، وبين المخطط الاسرائيلى الذى سيجرى تنفيذه فى الوقت الراهن .

708

| 25 ديسمبر 2010

الأكراد إلى طريق جنوب السودان

الآن لم يعد جائزا لأحد أن يرفض ما قيل ويقال حول خطة أو مخطط غربي، لتقسيم البلاد العربية والإسلامية وتفتيتها وإنهاء كياناتها القائمة، إذ الحقائق من إندونيسيا إلى السودان مرورا بالعراق باتت تفرض التصديق الكامل على مثل تلك الأقوال. من قبل انتهت إندونيسيا إلى الانقسام إلى دولتين هما، إندونيسيا وتيمور الشرقية، إذ الأخيرة أصبحت عضوا في الأمم المتحدة من جهة وتحت السطوة والسيطرة الأسترالية الأمريكية المشتركة، ولأن الوضع الراهن يعلن أننا قاب قوسين أو أدنى من تقسيم دولة السودان بفصل جنوب السودان عن جسد المجتمع والجغرافيا وإعلان دولة منفصلة، كمقدمة أساسية وخطوة كبرى في الطريق لاندلاع حروب أوسع وأشد خطرا لتفكيك شامل لهذا البلد. ولأن الكلام صار صريحا حول ولوج القيادة الكردية المتعصبة إلى مرحلة إنفاذ مخطط تقسيم العراق، بما أعلنه رئيس إقليم كردستان عن بدء إنفاذ حق تقرير مصير أكراد العراق، وهو ما يشير إلى سلوك نفس طريق جنوب السودان. وكل ذلك وغيره هو ما يؤكد أن قطار مخطط التقسيم قد انطلق بالفعل ليمر بكل الدول والكيانات العربية والإسلامية، إذ تتناثر حالات الصراع العرقي والطائفي في كل الأرجاء، في حالة وظاهرة لم تعرفها المنطقة على هذا النحو في العصر الحديث. والملاحظة البارزة هنا، هي أن حق تقرير المصير هو الشعار الذي صار معتمدا في كل أعمال التفكيك، وأنه الشعار الذي صار يتحول الآن في العالم العربي والإسلامي من قيمة إيجابية حققت الاستقلال سابقا، إلى قيمة مضادة وسلبية لكل ما أنجزته بلدان تلك الأمة، بما يمثل حالة تدير الرأس وتحرك كل علامات التعجب والاستفهام. لقد كان شعار حق تقرير المصير قيمة إيجابية كبرى في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تحت ظلاله جرت أعمال استقلال الدول العربية واحدة تلو الأخرى، لتسقط الظاهرة الاستعمارية وتنتهي وتحصل الشعوب على حق تقرير مصيرها في بناء دولها المستقلة عن المستعمر. والآن يتحول هذا الشعار إلى قيمة بالغة السلبية، إذ يجري استخدام هذا الشعار لتفكيك الدول التي سبق أن توحدت واستقلت على أساسه، ويتحول إلى أداة هدم لمنجزات الشعوب وأساسا لتهيئة الظروف لإعادة احتلالها مجددا، إذ كل الدول التي تتشكل الآن وفق هذا الشعار، يجري تشكيلها على أنقاض الدول التي تشكلت ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية على أساس نفس، كما هي دول تتشكل الآن لتحقيق هدف أساسي هو العمل كنقاط ارتكاز للاستعمار، إذ كلها دول لا تستطيع الاعتماد على نفسها، بل هي دول تتشكل من خلال فعل المستعمر ولتحقيق أهدافه، حتى يكاد المرء يقول إنها دول لا وظيفة لها إلا العمل كمناطق لإقامة قواعد عسكرية أجنبية، وأنها دول تجرى صناعتها أو هندستها كنقاط انطلاق إستراتيجية للمستعمر في المنطقة أو الإقليم الذي تولد به، فضلا عن أنها أداة للسيطرة الدائمة على الدولة التي يجري تقسيمها. في اللحظة الراهنة يبدو حق تقرير مصير الأكراد هو شعار المرحلة، والتوجه البديل لشعارات الحكم الذاتي ولأعمال المطالبة التي جرت من قبل حين كان التوجه الأساس هو توجه الانفصال الصريح والمباشر عن الجسد والكيان العراقي. رئيس إقليم كردستان العراق، أعلن أن حق تقرير المصير هو شعار المرحلة الراهنة، بما يعني دخول مخطط تشكيل الدولة الكردية الانفصالية مرحلة جديدة، لاشك أنها ستمثل تغييرا في خارطة معظم دول الإقليم المحيط بالعراق. كانت الحالة الكردية قد رفعت في البداية شعارات الحكم الذاتي وحصلت عليه من قبل نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بعد صراعات عسكرية معقدة، صار معلوما للقاصي والداني أن إسرائيل وإيران كان لها دور أساسي فيها. ومع ضعف هذا النظام بفعل تلقيه ضربات عسكرية وسياسية واقتصادية أمريكية وصلت حد منع وصول السيطرة المركزية إلى شمال العراق، تحولت الحالة الكردية إلى نمط من التخارج أو الانفصال العملي لكن غير الرسمي، عن الدولة المركزية العراقية، وكان قرار الحظر الجوي هو ما هيا حدوث تلك الحالة. وبعد الإطاحة بالنظام والدولة المركزية العراقية وأجهزتها إثر غزو واحتلال العراق، تحولت الحالة الكردية إلى نمط معقد من الانفصال، إذ صارت عمليا في وضع الدولة المستقلة، لكنها في الواقع النظري بقيت داخل حدود العراق. وهو ما يظهر الآن كمرحلة انتقالية ليس إلا، إذ إعلان مسعود البرزاني عن سعي لإنفاذ حق تقرير المصير للأكراد، يعني أننا دخلنا -تحت ظلال تلك المقولة– إنفاذ مخطط الانفصال عن العراق، على ذات الطريقة التي جرى اعتمادها بشان السودان وجنوبه، ومن قبل بشأن إقليم تيمور الشرقية عن إندونيسيا. الآن، يمكن القول، إننا أمام تغيير إستراتيجي في اتجاه الحركة الكردية، ويجب على كل دول الإقليم التعامل مع تصريحات البرزاني على هذا النحو. كانت الحركة الكردية الانفصالية تتحدث خلال مرحلة النظام العراقي السابق، عن تعرضها للظلم والاضطهاد، وطرحت ضرورة الحكم الذاتي ولم تعلن عن عزمها الانفصال عن العراق بل كانت تنفي وجود ميول انفصالية لديها، لكنها الآن تعلن عن حق تقرير المصير عن دولة رئيسها هو رئيس كردي ووزير خارجيتها هو وزير كردي –وكلاهما من مناصب التمثيل السياسي والدبلوماسي للعراق تجاه الخارج –والمفارقة الأشد هو أن رئيس إقليمها –المطلوب انفصاله -هو من جمع القيادات السياسية العراقية على طاولة حل مشاكل العراق كله، بما يثير إرباكا في عقول الناس، إذ كيف لمن أصبحوا في وضع المهيمن والمتنفذ في دولة العراق ما بعد الاحتلال، أن يطلبوا حق تقرير المصير؟ التساؤل مشروع ومهم وأساسي، إذ الكل في العراق بات يشكو من تحول الحالة الكردية من النقيض إلى النقيض في النفوذ والسيطرة في العراق الراهن. البعض قال، إنها محاولة للضغط على الفرقاء الآخرين، على اعتبار أننا ما زلنا نعيش أجواء تقاسم السلطة وتوزيع المناصب وعلى اعتبار أن المطالب الكردية التي جرى رفعها في مذكرات قد وصلت آفاقا لا يستطيع الكثيرون قبولها، بما دفع البرزاني للتلويح بتلك الورقة رغم مخاطر التلويح على استقرار الإقليم وعلى علاقاته بدول الجوار. لكن الحقيقة هي أننا أمام خطوة انفصالية بالفعل وإن مخطط تقسيم العراق يدخل مرحلة التنفيذ، وإن طرح حق تقرير المصير لا معنى له سوى إنفاذ خطوة كبرى في الاتجاه نحو انفصال الكيان الكردي، خاصة أن استفتاء جرى بالفعل في مرحلة ما بعد الاحتلال حول الانفصال. نحن في مواجهة خطة واضحة لتفكيك العراق كله، وما يجري الآن هو أن قادة الأحزاب الكردية المتعصبين، ولجوا المرحلة الثالثة من مخطط التفكيك، إذ تولت القوة العسكرية الأمريكية إنهاء قوة الدولة المركزية العراقية كخطوة أولى تسمح بالانطلاق للمرحلة الثانية التي جرى خلالها إشاعة مناخ التفتيت الذي ارتبط بفكرة الانقسام والمحاصصة الداخلية في تشكيل كل مؤسسات الحكم -بل وكل نمط الحياة في العراق– فيما سمى بالفيدرالية. إن الإعلان الآن عن حق تقرير المصير هو إعلان بانطلاق المرحلة الثالثة في مخطط تفكيك العراق. وفي ذلك يمكن القول بثقة، إن سيناريو تفكيك العراق لا يعود إلى حالة الحرب والاحتلال الأمريكي للعراق، بل يعود إلى ما قبل ذلك بكثير، إذ كانت الحركة الكردية الانفصالية من بدايتها، مخلب قط للغرب والحركة الصهيونية في إنفاذ مخططاتها، ولذا يبدو ضروريا أن نتعلم ولو لمرة واحدة، كيف نثق فيما يقال حول المخطط الغربي لتقسيم كل بلدان المنطقة. يعود الحديث عن حق تقرير مصير الشعوب إلى مرحلة الحرب العالمية الأولى، إذ كانت الظاهرة الاستعمارية البريطانية والفرنسية قد بدأت مرحلة انحدارها، ولم تعد تتوافر لها القوة والقدرة على استمرار قهر الشعوب المحتلة. كما يعود طرح حق تقرير المصير إلى بدء ظهور قوة غربية جديدة هي الولايات المتحدة على صعيد السيطرة والسطوة على الدول، كان من مصلحتها إنهاء الظاهرة الاستعمارية القديمة أو إقصاء الدول القديمة للحلول محلها في استعمار الدول. في الحالة السودانية يجري تفتيت هذا البلد من خلال أحاديث عن حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم، وكانت الحكومة السودانية بمثابة قوة احتلال في جنوب السودان، إذ كان شعار حق تقرير المصير هو ذاته الذي على أساسه استقل السودان. وإذ يجري الآن للاستعداد لإجراء استفتاء في جنوب السودان حول حق تقرير المصير، فكل المتابعين يرون أن السودان لن يشهد فقط استفتاء أو انفصالا للجنوب، بل هو أصبح على أبواب دخول لبوابة من الانقسامات والحرب الأهلية والتفتت لكل أقاليمه، وأن هذا البلد يدخل إلى مرحلة تعادي بين أقاليمه انطلاقا من جنوب السودان في حال انفصاله سلما أو في حالة اندلاع حرب بينه والدولة السودانية.. إلخ. والآن يحدث ذات الأمر في الحالة العراقية وبكل التفاصيل، لكن هذه المرة بيد الدولة المستعمرة مباشرة وتحت إشرافها وتوجيهها. لا يمكن عدم الربط بين المقترح الكردي الراهن وتفكيك الولايات المتحدة لجهاز الدولة المركزي في العراق بل لكل المؤسسات التي شكلت الضمانة لبقاء العراق موحدا. ولا يمكن فصل كلام البرزاني حول حق تقرير المصير ونمط المحاصصة الطائفية والعرقية التي وضعها المحتل الأمريكي أساسا لبناء الدولة العراقية ما بعد الاحتلال. ولا يمكن فصل كلام البرزاني عن مشروع القرار الذي سبق أن تقدم به جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي الحالي للكونجرس الأمريكي –وجرى إقراره- بتفكيك العراق إلى ثلاث دول إحداها كردية والثانية شيعية والثالثة كردية، ولا عن مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي اعتمدته الولايات المتحدة في المنطقة والمعلوم أنه يقوم تحديدا على فكرة جوهرية هي تفكيك الدول وإنهاء الوجود المستقل وصناعة كيانات قزمية لا حول لها ولا قوة تتلهف في صراعها مع بعضها البعض إلى طلب النجدة والسعي نحو مصالح نخبها من خلال الارتباط بالمصالح والوجود الغربي، ولا عن المخطط الأمريكي لإثارة الاضطرابات الطائفية والعرقية والطائفية في كل الدول، ولا عن الفهم المغلوط والمقلوب للولايات المتحدة بشأن حق تقرير المصير، الذي تحول الآن إلى أداة لتحقيق المصالح والخطط الاستعمارية بدلا من حالته السابقة كأداة لتحقيق استقلال الشعوب وتحقيق الحرية والسيادة والاستقلال. والمعنى أن ما طرحه مسعود البرزاني مؤخرا ليس إلا خطوة جارية ضمن المخطط الأمريكي، وتطوير له وضمن إطار المفهوم المغلوط الذي تعتمده الولايات المتحدة لحق تقرير المصير، والذي يمثل انقلابا على معناه وأهدافه القديمة.

833

| 18 ديسمبر 2010

المفاوضات على الطريقة الإيرانية

تبدو الجولة الراهنة من المفاوضات الإيرانية الغربية (مع دول 5+1) مختلفة إلى حد كبير عن الجولات السابقة، حتى لدى المتعاطين مع شؤون الملف النووي ومتابعته الذين يرون أن النتيجة لن تأتي مختلفة كثيرا عما جرى في الجولات السابقة، وإذ تتعدد أنماط الاختلاف بين المفاوضات الراهنة وسابقاتها، فإن ثمة اختلافات أساسية تعطي هذه الجولة من المفاوضات طابعا خاصا مختلفا. هذه الجولة تأتي بعد انقطاع طويل لعملية التفاوض، ومن ثم هي تأتي لتمثل محصلة لأوضاع جديدة جرى ترسيخها على أرض الواقع خلال مرحلة ما بعد الجولة السابقة، من خلال عمليات استعراض عوامل قوة الضغط والضغط المقابل بما أحدث تغييرا وتعديلا للتوازنات بين كلا الطرفين، فمن ناحية، جرى إقرار حزمة عقوبات غربية جديدة على إيران صارت تتطور باتجاه تصاعدي ضدها، حتى طالت عمليات تموين الطائرات الإيرانية وخطوط طيرانها في الأجواء الأوروبية، إذ إن العقوبات التي جرى فرضها من قبل مجلس الأمن الدولي، وجدت فيها الدول الغربية فرصة فصارت تفرض عقوبات خاصة بها مضافة وربما خارج نطاق العقوبات المفروضة من مجلس الأمن. ومن ناحية مقابلة، صارت إيران بالمقابل صارت تضغط بأوراقها في الإقليم بطريقة أشد فعالية مما كان يجري خلال الفترات الفاصلة بين جولات المفاوضات السابقة ولعلها ليست مصادفة أن جرى ضغط إيراني في العراق من خلال الإصرار على المالكي والضغط في لبنان عبر لإنهاء مترتبات المحكمة الدولية وبالأحرى لإضعاف جبهة المرتبطين بالغرب، خلال المرحلة الماضية بما غير موازين القوى على نحو أو آخر بين الأطراف المحلية المرتبطة بالغرب وإيران. وكانت هناك تحركات إيرانية باتجاهات الإقليم أو في محيطها، لإفشال تأثيرات العقوبات الدولية علبيها عبر تعزيز الدور والنفوذ في الإقليم. لقد كان الشغل الشاغل لإيران في المرحلة الماضية، هو تكثيف كل الجهود من أجل أن تدخل جولة المفاوضات الحالية في وضع يقول تشكيله العام أن لا فائدة من فرض العقوبات عليها، وأن لا بديل أمام الغرب بالتسليم لإيران بحقوقها النووية ونفوذها في الإقليم، بجعل هذا وذاك أمر واقع بالفعل. وجولة المفاوضات الراهنة تأتي بعد تغييرات مهمة وكبيرة في علاقات إيران الدولية أو في الوضع الدولي لإيران على صعيد التأثير في صناعة القرار الدولي بشأن برنامجها، فمن ناحية بدا أن إيران تعرضت لضربة مؤلمة في ما كانت تستند إليه في قدر من قوة موقفها التفاوضي دوليا، حين وافقت كل من الصين وروسيا على فرض حزمة العقوبات الأخيرة، وهو ما أظهر تغيرا وتحولا في مواقف الدولتين إذ كانا يرفضان من قبل فرض تلك الحزمة من العقوبات، كما أن روسيا تحولت بموقفها من إيران على نحو مؤثر على إستراتيجية الدفاع الإيرانية، حين أخلت باتفاقها مع طهران بشأن صفقة تسليحها بصواريخ إس 300 المتطورة للغاية والقادرة على توفير الحماية الكاملة لمؤسسات المشروع النووي الإيراني، بما سمح باستمرار تهديد إسرائيل والولايات المتحدة لهذا البرنامج، وهو لا شك يضعف قدرة إيران على تحدي الغرب على الأقل في المرحلة الراهنة، ويجعلها في موقع الحرص على عدم انزلاق الأمر نحو الحرب. والمفاوضات تأتي بعد حدوث تغييرات مقابلة في علاقات إيران الدولية، لكن هذه المرة في علاقات إيران مع أقرانها من الدول "الإقليمية" الصاعدة في العالم. لقد تحركت إيران بهدف موازنة خسائرها بعد تغيير مواقف روسيا والصين، من خلال توسيع وتعميق علاقاتها السياسية مع كل من تركيا والبرازيل، حين انعقد اجتماع ثلاثي، وجرى القرار اقتراح بتبادل اليورانيوم ورفض العقوبات.. إلخ. لقد دخلت تركيا والبرازيل على خطوط حل مشكلة الملف النووي الإيراني، وجاء تدخلهما ليوسع ظاهرة نمو وتأثير ووزن الدول الإقليمية على الصعيد الدولي عامة وفيما يتعلق بشأن الملف النووي الإيراني خاصة، وكان الأهم هنا هو أن تركيا والبرازيل كانتا تدافعان عن تطورهما المستقبلي أيضا. والمفاوضات الراهنة تأتي بعد حدوث تطورات مهمة على صعيد المشروع النووي الإيراني نفسه. لقد كانت خطوة تخصيب اليورانيوم واحتمالات مبادلة الوقود النووي هي التي سيطرت على الحركة الدبلوماسية خلال المفاوضات السابقة، والآن يبدو أن تلك القضايا قد تراجعت إلى الوراء على نحو أو آخر، إذ اختارت إيران توقيت ما قبل المفاوضات لتعلن عن بدء إنتاج ما يسمى بالكعكة النووية التي تحقق تطورا أعلى في القدرات الإيرانية، وبمثابة إعلان عن امتلاك الدورة النووية كاملة –المعنى أن إيران صارت قادرة على تخصيب اليورانيوم بأي نسبة تريدها -فضلا عن أنها قد بدأت بالفعل امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية بافتتاح أو بدء حقن الوقود في محطة بوشهر، وذلك كله ما يطرح للبحث والتفكير نمط التفاوض الإيراني مع الغرب وغيره، إذ تسبق إيران كل جولة من المفاوضات بالتقدم خطوات للأمام بما يجعل المفاوض المقابل مرتبكا ومطروحا عليه قضايا جديدة ويجد نفسه في موقع الدفاع. الطاولة الإيرانية أهم ما يميز "معركة الملف النووي الإيراني" هو نمط الإستراتيجية التي عملت من خلالها إيران في التعامل مع الضغوط والاحتمالات المتعددة للمواجهة مع الغرب وتلك القواعد المعقدة لإدارة المفاوضات، وتلك القدرة المتنوعة في استخدام الأوراق الإيرانية في الإقليم.. إلخ. الإستراتيجية الإيرانية في التفاوض هي إستراتيجية معقدة إن لم نقل إنها إستراتيجية بالغة التعقيد. هي إستراتيجية ترتكن إلى قوة الإرادة، وذلك أمر مهم للغاية، إذ نحن لسنا فقط أمام خطط محكمة للتفاوض فقط، بل نحن أمام نظام حكم يمتلك قوة الإرادة والتصميم على تحقيق أهدافه، وذلك أمر مهم في إنفاذ أي خطة إستراتيجية. وهي إستراتيجية مرسومة بدقة على صعيد الأهداف وتطورها وإمكانية تغيرها بشكل تدريجي مرن وفجائي حاد في ذات الوقت، إذا تطلب تطور الأوضاع مثل هذا التحول أو ذاك، وهي قادرة على المزج بين ما هو سياسي وعسكري واقتصادي وحركي في مجالات متعددة في ذات الوقت. هي تعتمد على حزمات متعددة من أوراق الصراع تستثمر كل ورقة من أوراق القوة لديها وتحول العمل على استثمار عوامل الضعف لدى خصومها، وتلك قاعدة أساسية في التخطيط الإستراتيجي، لكن الأهم هو توافر القدرة لدى الكوادر التي تشرف على الإدارة الإستراتيجية لمعركة ملف هذا الصراع، وهنا يبدو أن إيران تمتلك بالفعل هذا النمط من الكوادر. ففي الجانب العسكري تحاول الإستراتيجية الإيرانية تعظيم عوامل قوة إيران الذاتية عبر الإنتاج المتطور لوسائل الدفاع والهجوم، وفتح آفاق المعركة المحتملة على مساحة واسعة من الأرض بما يضعف قدرة الخصم على الهجوم بحكم توسع المعركة وشدة وتعدد وتنوع تداعياتها وعدم قدرة الخصم على تحديد تأثيراتها وتداعياتها، كما لا يجري التلويح بالقوة العسكرية لإحداث خسائر عسكرية بل بالتركيز كذلك على الخسائر الاقتصادية للخصوم وإلى درجة قد تطيح بقدرات دول كبرى على الصعيد الاقتصادي، وهو ما يوفر قدرا هائلا من الضغوط الدولية على الخصم المباشر. وهي إستراتيجية تتمتع باتساع كبير في المحيط الذي تمارس فيه، إذ صارت أوراق القوة الإيرانية ممتدة من باكستان وأفغانستان إلى منطقة الخليج إلى المشرق العربي إلى دول آسيا الوسطى. إيران لديها قدرة الآن ليس على زعزعة أوضاع لبنان بل على تحويلها إلى مساحة قوة لمصلحة الإستراتيجية الإيرانية على حساب القوى المرتبطة بالغرب من خلال أفعال حاسمة تجعل الغرب يخشى من خسارة ما بقي من نفوذه إذا اشتعلت معركة ضد إيران. وهي تستطيع قلب الأوضاع في العراق بما يجعل القوات الأمريكية هناك بمثابة رهائن والأمر على نحو أو آخر، وكل المراقبين يلمحون أن الولايات المتحدة تخشى من انقلاب المكونات السياسية العراقية الموالية لإيران إلى حالة عداء للاحتلال وقواته بما ينتج هزيمة قاسية للولايات المتحدة. والأمر نفسه يمكن أن يحدث في أفغانستان وفي بعض الدول التي تتواجد بها قواعد أمريكية في آسيا الوسطى. وفي الخليج يبدو أن إيران صارت تتحدث بلغة القادر على إنهاء التطور الحضاري ومصادر الطاقة في العصر الحديث.. إلخ. وهي إستراتيجية تعتمد على فتح آفاق الصراع بطرق متعددة ومتنوعة إلى أماكن أخرى في العالم، إذ يخشى الغرب من نقل المعركة إلى داخله وإلى مناطق مصالحه في مناطق عديدة من العالم، وهنا أثارت العلاقات الإيرانية مع دول في إفريقيا وفي أمريكا اللاتينية وآسيا قلقا غربيا حقيقيا. فضلا عن إيران صار تهديدها أو تخطيطها بإشعال معركة حاسمة في الإقليم كله ووفق قدرة على تغيير خارطة الشرق الأوسط كليا، أمرا يجعل الغرب في وضع القلق وربما الرعب على مصالحه الثابتة والمستقرة في الشرق الأوسط. ووفقا لمعالم القوة لأوراق الضغط، تعتمد إيران على قوة التهديد وحالات الحركة الميدانية في كل هذا الإطار الواسع، حين تشرع في الإعداد لجولات تفاوض وحين تهدد باحتمالات الرد الحاسم إذا جرى تعرضها لقصف عسكري، في الإعداد للجولات تستعرض إيران أوراق الضغط السياسي في المناطق التي تملك بها أوراق ضغط وتندفع في تكوير برنامجها النووي أو بالإعلان عن تطورات جديدة، بما يجعل المفاوض الغربي واقعا تحت ضغط إستراتيجي، كما تعتمد إيران إستراتيجية التقدم وتطوير الهجوم، ومن ثم تربك إيران خطط خصومها باستمرار وتفرض هي أجندتها على المفاوضات بطريقة أو بأخرى. وهي حين تلمح أن الغرب يميل إلى تصعيد لهجة التهديد العسكري تسارع إلى الإعلان عن تقنيات عسكرية جديدة موجهة بالدقة إلى عوامل التفوق الغربي والإسرائيلي (الطيران– والقصف الصاروخي-والقصف من البحر)، وكل ذلك هو ما يجعل الغرب بلا قدرة على اتخاذ القرار. وهنا فإن خطط التفاوض الإيراني ذاتها هي خطط محكمة ومدققة، إذ كل جولة من الجولات يجري التخطيط لها بدقه، فهناك حرص إيراني على إبداء عدم التصلب الأحمق، كما هناك قدرة على التعامل بمنطق المفاوضات لإحداث أعمق شروخ بين مواقف الدول الغربية ودول العالم المتعددة، فضلا عن التحضير الإعلامي والسياسي والعسكري لكل جولة من الجولات حسب المستهدف منها. الجولة الراهنة في الجولة الراهنة تبدو عوامل القوة لدى طرفي الصراع قد تحددت على نحو كبير وأصبحت في وضع مستقر يقلل من احتمالات وقوع مفاجآت وهو ما يجعل الطرفين أقرب إلى الاستقرار على وضعية الإمساك بالحبل دون محاولة جذب الطرف الآخر وإسقاطه أرضا. من ناحية، يكاد الغرب يكون قد سلم بحق إيران النووي السلمي وصار متراجعا ومتخليا عن حالة العنجهية التي بدا بها مشوار الضغط على إيران، بل يبدو الغرب أكثر استعدادا للاعتراف بالدور الإيراني في الإقليم، كما يبدو الغرب على غير يقين باحتمالات نجاح محاولات سقوط أو تغيير النظام من الداخل كما كان يأمل، ويمكن القول أيضا، إن حالة الضعف الاقتصادي والسياسي والعسكري التي صارت عليها الدول الغربية صارت تجعل الغرب في موضع غير القادر على الاستمرار في خطته بإعطاء أولوية لمسألة البرنامج النووي الإيراني. المؤشرات على ذلك كثيرة، منها الإقبال والإسراع الغربي لبناء المنظومة الصاروخية المضادة للصواريخ المسماة بالدرع الصاروخية وإبداء استعداده لتقديم تنازلات لروسيا في هذا الصدد. ومنها أن الغرب صار قابلا بدرجة أو بأخرى للضغط على إسرائيل من جهة وتكثيف أنماط حمايتها من جهة أخرى. ومنها ما صار يقال صراحة عن الاعتراف بحق إيران في امتلاك برنامج نووي سلمي... وقبل هذا وبعده فإن الغرب يبدو قد خفض درجة اهتمامه بالملف النووي الإيراني وصار أكثر استعدادا للقبول بالتعايش مع إيران والاعتراف لها بمصالح في الإقليم. من ناحية أخرى تبدو إيران، قد صارت في وضع الواثق من قدراته دون رغبة في استفزاز الطرف الآخر، وهو ما يبدو ظاهرا في تقليل التصريحات المهددة والمتوعدة لإسرائيل ودول الخليج، وفي إبداء إيران قدرا متزايدا من الاستعداد للتعاون مع الغرب على أساس اقتسام المصالح، كما الأمر باد في الممارسات الإيرانية في مناطق الصراع الملتهبة في الإقليم (العراق وأفغانستان ولبنان واليمن)، إذ لا تتحرك القوى الموالية لإيران بطرق حادة كما كان جاريا من قبل، وهكذا تبدو أن إيران وكأنها انتهت من إستراتيجية قضم الوقت وصارت تطور أوضاعها على أسس أهدأ من السابق. ذلك لا يأتي فقط جراء تحقيق إيران لنجاحات مهمة هيأت أوضاعا إيجابية، بل هو ناتج أيضاً عن أن إيران لم تعد راغبة في تطوير العقوبات الغربية والدولية ضدها. والقصد أن الجولة الراهنة من المفاوضات تبدو وكأنها جولة إقرار بالأمر الواقع من كلا الطرفين وإعلان بأن كليهما لم يعد راغبا في ممارسة الصراع على الطريقة القديمة. لقد جاءت المفاوضات الحالية بعد نحو 14 شهرا من التوقف. وفي ختامها أعلن عن عقد جولة جديدة هذه المرة في إسطنبول التركية في إشارة للقبول الأوروبي والأمريكي -ولو من حيث الشكل– بدخول أطراف تطمئن لها إيران، وأيضا يحمل الأمر تلميحا بقبول المقترح البرازيلي التركي. لقد اتفقت الدول الكبرى (5+1) وإيران في ختام محادثاتهم على عقد جولة جديدة في مدينة إسطنبول التركية، بما يمثل تغييرا كبيرا في أسس التفاوض لا في مكان التفاوض، كما إيران بالمقابل لم تعد تعتمد لغتها القديمة في التعامل مع الغرب أو التفاوض. هي مرحلة جديدة في التوازن بين طرفي الصراع، فماذا عن المستقبل؟

1089

| 11 ديسمبر 2010

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4317

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

2112

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1797

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

1710

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1455

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1173

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

972

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

708

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

672

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

651

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
أنصاف مثقفين!

حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...

627

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

567

| 07 ديسمبر 2025

أخبار محلية