رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قرأت قبل أيام قليلة تقريرا عن قيام مجموعة من طالبات إحدى مدارس قطر الإعدادية الثانوية بزيارة للسودان لافتتاح مدرسة بالعاصمة الخرطوم، تمّ إعادة بنائها بتمويل منهن، بعد أن تهدّمت بسبب السيول والأمطار الغزيرة، وذلك بالتعاون مع مؤسسة إنسانية محلية. الجميل في هذا الموضوع أن تمويل إعادة بناء المدرسة تمّ كثمرة لمشاركة هؤلاء الطالبات في النسخة الرابعة الحملة الوطنية لتعزيز القيم «سنافي وهبة ريح» التي تنظّمها إحدى الجمعيات الخيرية، ضمن برامجها داخل دولة قطر سنويا بالتعاون مع المدارس، وتمّ التمويل في إطار التنافس في أحد مجالات الحملة وهو «الإبداع الاجتماعي». وأعتقد أن هذا العمل مهم في إطار التنشئة على التطوع، وغرس قيم العمل الإنساني منذ نعومة الأظفار لاعتبارات متعددة: ـ أن الحملة القيمية حاولت تغطية العمل الخيري من أهم زواياه والمساهمة في دورته الكاملة، ونقصد هنا التنافس في تسويق المشروع ومن ثم إكمال تمويله، ثم متابعته وتدشينه ميدانيا.أيّ أنّ الحملة لم تكتف بتشجيع الطالبات والطلاب ممن شاركوا فيها على الإسهام بجمع التبرعات بطريقة إبداعية فحسب، بل حددت لهم سلفا أن تبرعاتهم ستدعم بعض المشاريع التعليمية التي تحتاج إلى بناء أو صيانة في عدة دول كالسودان، نيجيريا، بنغلادش والمغرب، وكان من بينها «مدرسة رابعة العدوية» بالسودان التي تم إعادة بنائها فعليا (حملة تنموية متكاملة). رؤية الميدان عن قرب ومقاربته، تنطوي على معانٍ تربوية عميقة، ففيها ترجمة عملية للقيم الإنسانية النظرية بأبهى تجلياتها كمساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف وخدمة الناس..إلخ، التي تلامس هموم الفئات ذات الحاجة، وترقّق القلوب، وتعرّف بمقدار النعم مقارنة بمن حرموا منها، والتعرف على المكابدة الخاصة بممارسة هذا العمل والممزوجة بلذّة خاصة، خصوصا في أوقات النكبات والكوارث أو لحظات البرد والثلوج، وكما قيل «ليس راء كمن سمع». ـ رؤية ثمرة العمل الخيري، وأعتقد أن هذه الرؤية تترك ارتياحا عند كل من يباشر العمل الإنساني سواء كان متبرعا أو منفِّذا أو متطوعا.. وتنطوي على سعادة غامرة خاصة عندما يشاهدون فرحة المستفيدين من المشروع، والآثار التي يحدثها والفرق في حياة المنتفعين به.قبل يومين حدّثني أحد المشاركين في فريق طبي أجرى عمليات للاجئين السوريين عن غبطته بعد أن كان يشاهد الابتسامة على وجوه المرضى المصابين عقب تخلصهم من معاناة وآلام مرض ظل يلازمهم لأشهر أو سنوات، إثر خروجهم من غرفة العمليات. التأكيد على دور الشراكات في العمل الإنساني، وهي بين المؤسسات الخيرية والمؤسسات التربوية والتعليمية تحمل دلالات خاصة، لأنها على تماسّ بقطاع حيوي للعمل التطوعي ألا وهو الناشئة والشباب، باعتبارهم الأكثر فراغا من غيرهم، والأكثر نشاطا وتحملا وعطاء، وقدرة على التعاطي مع المستجدات كالتقنيات الاتصالية على سبيل المثال لا الحصر. مازال التطوع بشكل عام ولدى الشباب بشكل خاص محدودا في عالمنا العربي، لذا فإن على المؤسسات الإنسانية والتربوية والرياضية والشبابية واجبا مهما في التوعية بأهمية ذلك من خلال الحملات، ودمج الشباب في مشاريع عملية على غرار «سنافي وهبة ريح». إبراز هذه التجربة في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بطريقة مميزة ومشوقة سيشجع شرائح جديدة في المدارس للمساهمة في النسخ القادمة للحملة الوطنية لتعزيز القيم وغيرها من الحملات المشابهة، وهو مكسب للمنظمات الخيرية والتربوية بآن واحد. والمجال يتسع لإطلاق المزيد من الأفكار الإبداعية التي توسّع من دائرة دمج الناشئة والشباب في العمل الإنساني.
680
| 02 ديسمبر 2015
وسط أعاصير مدمِّرة ، من الحروب والاقتتال، والعنف والدمار ، والهمّوم والأحزان ، المحيطة بنا من كل حدب صوب، وأمواج عاتية من الظلم والقهر ، والألم والمعاناة ، واليأس والإحباط التي تجتاح روح الأمة ، وتحاول كسر إرادتها وإضعاف عزيمتها، وزلزلة ثقتها بنفسها ، وثني قدرتها على النهوض في جديد، من أجل البناء والتنمية وإعمار الأرض، والاستمتاع بخيراتها وجمالها، وصياغة مستقبل أكثر إشراقا وازدهارا للأجيال ..وسط هذه الأجواء المؤلمة نحتاج إلى زراعة الفرح وضخ الأمل والتفاؤل، وتعزيز الإيجابية لنستعيد التوازن من جديد. الصوت الأكثر ارتفاعا والمشاهد الأكثر حضورا في نشرات الأخبار ، والصور الفوتوغرافية ، ومقاطع الفيديو ، ومواقع التواصل الاجتماعي ، هي لطبول الحرب ، وللون الدماء ، والأشلاء والجثث، والصراخ والعويل والخراب، والنازحين واللاجئين، وقوارب الموت، والقصف والجنائز، ومناظر الفزع والخوف ..وقلَّ أن نسمع عن أخبار إيجابية سارّة، أو نجد مساحة ذات بال لقصص النجاح، أو خدمة تنفع الناس، وتمكث في الأرض. وبدلا من البقاء في العتمة ولعن الظلام ، والاستمرار في دوامة العجز والاستسلام للمحن والنكبات ، علينا أن نشجع أخذ زمام المبادرة، والبحث عن حلول إبداعية، والخروج من عنق زجاجة النكبات والأزمات، وتقديم الدعم لكل من يحتاجه، وبكل ما أوتينا من قوة، علينا أن نمسك بأيدي بعضنا البعض، لننهض سويا من جديد مثل طائر العنقاء، بكل ثقة وشموخ وكرامة. أفرحُ من أعماق قلبي كلما استعاد طفل موجوع أو مذعور ابتسامته، أوتهلّل وجه شيخ بِشرا بقضاء حاجته، أو شفى الله صدرا بخزي ظالم متجبر ، وعودة الحق لأهله. يبحث السوريون في أزمتهم الراهنة الممتدة عن لحظة فرح تنتشلهم ولو بعض الوقت من علمهم المؤلم ، قبل أيام فرحوا بتتويج شاب منهم ( يمان أبو جيب ) بالمركز الأول في الموسم السابع لمسابقة نجوم العلوم، الذي تنظّمه مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، ويبثّ على قناة MBC4، وعقب فوزه سألتُ المخترع يمان عن شعوره بهذا الفوز فحدّثني عن إحساس بسعادة لا توصف لفرحة والديه .. ليس هذا فحسب؛ بل لأنّه استطاع كما أخبرني «رسم البسمة على وجوه شعبه المشبع بالحزن» واعتبر أنّ ذلك عنده « لا يقدّر بثمن، خصوصا عندما قرأ التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي»، والتي أجمعت على فخرها به . في نفس الاتجاه حدثتني كاتبة الأطفال سماح أبو بكر عزت عن تجربتها الشخصية الجميلة التي خاضتها مؤخرا في محاربة المرض والألم من خلال الفن، باعتبار أنه « لا أروع من القصة و الحدوتة في تحريك خيال الطفل والتأثير في سلوكه»، والتي تحمس لها ونفذها قسم التوعية بمستشفي سرطان الأطفال 57357 بمصر.
1909
| 25 نوفمبر 2015
قد يستغرب المتابع لإعلام الطفولة أن تصدر عشر مجلات أطفال سوريّة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بالرغم من أنّها سنون حرب ودمار ومرارة ونزوح وتشرد، والأغرب أن هذه المجلات تصدر عن منظمات مجتمع مدني ومؤسسات خيرية وإنسانية، بإمكانات متواضعة وجهود تطوعية أو شبه تطوعية من كتاب ومحررين ورسامين ومخرجين، في ظل ظروف صعبة تحيط بهم، في حين أن جهود سوريا الدولة ممثلة بوزارة الثقافة والجهات المعنية بالإعلام والثقافة والطفولة لم تقم خلال 45 عاما إلا بإصدار مجلتين للأطفال وللطفولة المبكرة هما «أسامة» و»شامة»، ولعلهما في الأعوام الأخيرة تعانيان من مصاعب وتحديات مختلفة، فيما لم نر برنامجا تلفزيونيا مميزا أو قناة فضائية أو إذاعية أو دار نشر خاصة بهذه الشريحة، علما أن سوريا من الدول المميزة التي تحظى بوفرة في كتاب وشعراء ورسامي الأطفال، وبأسماء لامعة وخبرات مميّزة في هذا المجال. وعودة إلى المجلات العشر فقد لاحظت من متابعتي لها أمورا تستدعي الإعجاب، ومنها أن نصفها تصدر بانتظام على الأقل، بنسخ ورقية وإلكترونية متاحة لمن يريد متابعتها، ومنها ما يطبع من النسخ الورقية 10.000 نسخة، وأن اثنتين على الأقل تصدران بصفة نصف شهرية، فيما توجد أكثر من مجلة منها تصدر بصفة شهرية، وأن لبعضها مواقع إلكترونية جذّابة، وأن لنصفها على الأقل صفحات فاعلة على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا الفيسبوك، يتم تحديثها يوميا، كما لاحظت أن عدد المعجبين بواحدة منها تجاوز 10.000 شخص، فيما تجاوزت صحيفة أخرى 7000 إعجاب، وأن أقدمهن صدورا أصدرت 70 عددا حتى الآن، كما أن بينها ما ينحو باتجاه التخصص، وتحديدا لفئة اليافعين، أو ما هو موجه للطفولة المبكّرة حصرا. ولعل هذا الإعجاب يزداد عندما تعلم أن بعض مجلات الأطفال العربية العريقة والمشهورة لا مواقع إلكترونية لها، أو أنها تحت التطوير منذ مدة طويلة، أو أن هذه المواقع في حال وجودها لا تعكس حضور المجلة الورقية، لأن درجة التحديث فيها ضعيفة، وبعضها لم يقم بذلك منذ أشهر (مثلا لا توجد نسخ إلكترونية لأعداد المجلات التي تكون قد صدرت ورقيا)، كما أنّ هذه المجلات العربية لا يوجد لبعضها صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي، أو أنّ هذه الصفحات مهملة منذ أشهر وسنوات، وفي حال وجودها لا تستثمر لتعزيز وتفعيل صلتها بجماهيرها المستهدفة بأساليب مبتكرة، وبصفة يومية. لا شك أن صدور هذه المجلات السورية مفرح لأنها تسد ثغرة كبيرة في مجال التربية والترفيه والتوعية والدعم النفسي وبثّ روح الأمل في ظل أزمة مزلزلة تركت تأثيرها الكبير على المجتمع السوري وخصوصا الأطفال الذين يعدّون أكبر المتضررين منها، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر أن هناك ثلاثة ملايين طفل سوري لا يذهبون للمدارس حالياً، وأن أكثر من 40% من الأطفال اللاجئين ليسوا على مقعد الدراسة، فضلا عن تفاقم عمالة الأطفال السوريين التي بلغت مستويات خطيرة. وتعدّ هذه المجلات ورقيا وإلكترونيا وسيلة مساعِدة بيد المعلمين في مدارس اللاجئين والنازحين والمخيمات وبيد الأسر لملء فراغ الأطفال والترفيه عنهم وتزويدهم بالمعارف والإسهام في توعيتهم في الجوانب المختلفة. عدد المجلات قد يعكس تنوعا مفيدا، ويكشف بنفس الوقت عن فعالية منظمات المجتمع المدني وحيويتها، ومحاولتها أخذ زمام المبادرة للتدخل من أجل خدمة الطفولة في سوريا عمليا.لاشك أن هذه التجربة النشطة تسترعي التأمل عربيا، وتقدم نموذجا عمليا في استنهاض الهمم، وعدم قبول الأعذار لجهة التقصير الكبير في خدمة إعلام وثقافة الطفل سواء من قبل الأنظمة أو منظمات المجتمع المدني.
345
| 13 نوفمبر 2015
قبل أيام بدأ نزول المطر في بلاد الشام ومن ضمنها سوريا، قد يكون هذا حدثا طبيعيا في الحالات الاعتيادية، بل ربما يفرح الناس بهذه المناسبة ويباركون لبعضهم بالغيث، ويغمرهم نوع من الارتياح والسرور، استبشارا بخيرات السماء وبالبركة والنفع، وربما يثير في نفوسهم كبارا وصغارا ذكريات جميلة عن فصل الشتاء كالاستماع إلى موسيقى هطل الأمطار واللعب بالثلج. لكن هذه الحال بالنسبة للسوريين ولكل المشتغلين في الهمّ الإنساني في السنوات الأخيرة غالبا ما هي مختلفة، فقدوم الشتاء يعني خوفا وتوجسا، ومزيدا من المعاناة بسبب البرد وزمهرير العواصف وما يصاحب ذلك، وانتشار الأمراض والخشية من تكرار صور موت الأطفال والشيوخ، بسبب التجمد ونقص التدفئة خصوصا لدى النازحين واللاجئين.الشتاء على الأبواب إذن.. ويجتمع على السوريين في هذا الموسم أكثر من أمر في آن واحد، الأول: فقدان الأمل بحلّ وشيك ينهي معاناتهم، لتقاعس المجتمع الدولي عن القيام بواجبه الأخلاقي، والثاني: الغزو العسكري الروسي المباشر، وبالتالي ارتفاع معدلات النزوح واللجوء، واتجاه الأوضاع لمزيد من التعقيد والصعوبات، ومضاعفة عدد المتضررين، وتفاقم الأوضاع الإنسانية، والآثار السلبية المترتبة عليها، والثالث: موسم الشتاء الوشيك، والذي يتوقع أن يكون أشد برودة وقسوة من سابقه بحسب توقعات الأرصاد الجوية. وإزاء هذا الواقع المأساوي المؤلم لم يعد كافيا أن يبقى العالم متفرجا على هذه الأزمة التي اعتبرت أسوا أزمة في عصرنا الحديث، أو يتأثر وينشط آنيا وقت العواصف والثلوج ثم يغمض عينيه طوال العام.. لابد أن يتحمل مسؤولياته الأخلاقية ويبحث عن معالجات شاملة وجذرية على مستويين: الأول البحث عن حل سياسي لهذه الأزمة، وإلا فإن شرر نارها سيصل إلى أوربا وأبعد من أوربا، والآخر: وضع رؤية متكاملة لمواجهة متطلبات الاستجابة الإنسانية للأزمة، من خلال تبني نهج يعزز التعاون والتنسيق، وتوحيد الرؤى وتبادل المعلومات، خصوصا بين المنظمات الإنسانية الدولية والعربية والإقليمية والمحلية والسورية. لقد سرني أن تتبنى إحدى المنظمات الإنسانية القطرية مؤتمرا يعقد في الدوحة حول الأزمة الإنسانية السورية بمشاركة مجموعة مهمّة من الفاعلين في هذا الشأن عبر العالم، بهدف الإسهام في صياغة رؤية موحدة للتدخل الإنساني الموجه للنازحين واللاجئين السوريين، والعمل على مزيد من التنسيق والشراكة والتشبيك فيما بينها، والتركيز على المشاريع التنموية، وتوفير فرص تمكين اقتصادي، للمتضررين بقدر المستطاع، ليكون بمقدورهم التعايش مع الأزمة. ولعل هذا ليس مستغربا على دولة قطر التي عرفت عربيا ودوليا بمبادراتها الدبلوماسية الرامية إلى حل النزاعات وإقرار السلم الاجتماعي والوقوف إلى جانب الشعوب التي تعاني من الظلم والفقر، وسرعة إغاثة المتضررين بسبب الكوارث الطبيعية والحروب، كما حصل في دارفور بالسودان وغزة ولبنان وإندونيسيا والصومال واليمن.. وهذا الأمر لا يقتصر على الجانب الحكومي، فقط بل يتكامل ويتناغم معه الجهد غير الحكومي من خلال جهود المؤسسات الإنسانية والخيرية التي قدمت ولا تزال الكثير للشعب السوري، ويكفي أن نشير إلى أن إحدى هذه المنظمات (جمعية قطر الخيرية) احتلت المركز الأول عالميا، على مستوى المنظمات الإنسانية غير الحكومية NGOs، في إغاثة السوريين، وفقا لتقرير التتبع المالي للمساعدات الإغاثية الدولية، "FTS" ، التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، "أوتشا" عام 2014.استعداد المنظمات الإنسانية لفصل الشتاء خصوصا إن كان قبل حلوله بفترة كافية مهم وضروري دونما شك، لأنه يسهم في تخفيف من المعاناة التي يواجهها المتضررون من أبناء الشعب السوري، ومواجهة الآثار المتوقعة .
304
| 29 أكتوبر 2015
من الأمور التي تركت ارتياحا في نفسي أن يكون رجل الأعمال السعودي "سليمان الراجحي" في المركز السادس بين قائمة الأثرياء الأكثر تبرعا في العالم، وفقا لموقع "بيزنس إنسيدر" الذي أصدر قائمة الـ20 شخصية الأكثر سخاء في العالم بالتعاون مع مركز أبحاث "إكس ولث" المتخصص بتقييم الثروات، وقد بلغت حصيلة تبرعات الراجحي 5.7 مليار دولار.ولهذا الارتياح أسباب كثيرة: ـ هذا الأمر يعكس صورة من صور الترجمة العملية لخيريّة هذه الأمة، على مستوى أثريائها، خصوصا أن قرآننا الكريم يحوي 120 آية كريمة تحثّ على الإنفاق والتصدق. وأولى الناس بالإنفاق هم الأكثر مالاً، لأنهم الأقدر على ذلككانت هذه القائمة خالية من المسلمين من قبل، وأذكر أنني كتبت من قبل متمنيا أن أرى فيها أسماء من أثرياء العرب والمسلمين، وقد حصل ولله الحمد، وإن كان اسما واحدا حتى الآن، لكن مع ذلك فإنّها فاتحة خير، ولعلّ أول الغيث قطرة كما يقال.ـ لعل نموذج الراجحي يكون قدوة لغيره من الأثرياء العرب، لكي يتأسوا به، ومحرِّضا لأقرانه من أجل أن يخطوا مثل هذه الخطوات الشجاعة، فثمة من ينتظر أن يفتح الباب وقليلا من الدفع، والتحرك في هذا المجال يندرج في باب "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"، وما أجملها من منافسة. ـ يقدّم لنا الراجحي أيضا أنموذجا للفهم الحقيقي للسعادة والتعامل الرشيد مع الثروة، فلديه قناعة بأن السعادة الحقيقية هي أن تسهم بثروتك في إدخال السعادة والرضا على قلوب المحتاجين، ولعل هذا ما دفعه وهو على قيد الحياة لترك نصف ثروته لأولاده وورثته، بينما خصص النصف الآخر للأعمال الخيرية، وهو لا يشعر كما يقول بالندم لتضاؤل ثروته وخروجه من نادي المليارديرات العالمي. قرارات شجاعة ولكنها تنمّ في ذات الوقت عن فهم حقيقي وحكمة في التعامل مع الغنى وتحقيق السعادة بمعناها الحقيقي والواسع. كثيرون يجلب لهم المال التعاسة، ويحولهم الحرص عليه إلى أنانيين، وعبيد للثروة، بدلا من أن تكون هي عبدة لهم، ويجلب لهم الكراهية بسبب بخلهم وتكالبهم عليه هذا المتاع.العمر سيزول والثروة ستترك للغير عند الموت شئنا أم أبينا.. أليس الأولى أن يَسعد بها الورثة من الأبناء والأرحام في حياتهم، بالإنفاق عليهم وتوزيع جزء منها عليهم من جهة، فيما يدخر شطر منها للإنفاق من جهة أخرى ..والمُنفَق هو ما سيبقى، وأجره سعادة الآخرة، فكيف لا يتأسى الناس بالمنفقين لكي يحظوا بسعادة الدارين.ـ تغيير الصورة النمطية عن أثرياء العرب واهتماماتهم، وطريقتهم في صرفهم لثرواتهم، هم وذووهم، وطريقة الإسراف والتبذير التي ترافق ذلك، وعدم احتفالهم بتخصيص جزء معتبر من أموالهم في خدمة مجتمعاتهم المحلية والعربية والإسلامية، والتعاطف مع القضايا الإنسانية لأمتهم بالشكل الذي يتناسب مع حجم ما يملكون. ـ لأنّ بلادنا العربية والإسلامية والعالم الثالث هي أحوج من غيرها إلى المشاريع الإنسانية في المجالين الإغاثي والتنموي، بحكم الأزمات التي تمرّ بها قديما وحديثا .وكما تحرص المؤسسات الخيرية على ابتكار الوسائل المختلفة لاجتذاب الدعم لمشاريعها والترويج لها بما في ذلك استثمار نجومية أشخاص معينين ضمن المجتمع كالإعلاميين والرياضيين، فإنني أكرر دعوتي لها من أجل التركيز على الحملات التي تغرس القيم الإنسانية لدى الناشئة، وتنشر ثقافة العمل التطوعي لدى الشباب واستثمار الطاقات الجمعية لذلك، لأهميته المادية والمعنوية، وأضيف إلى ذلك وضع إستراتيجية وبرامج خاصة لاجتذاب الشرائح النوعية كأصحاب الأموال والثروات، والتخصصات والخبرات المتميزة والقدرات الإبداعية، لأن النجاح في هذا الأمر من شأنه أن يحدث فرقا مهما لصالح العمل الإنساني.
356
| 21 أكتوبر 2015
أكثر من أيّ وقت مضى يشعر السوريون أنهم قد تركوا وحيدين في مواجهة غير متكافئة، فقد باتوا بصورة رئيسة في مواجهة مباشرة مع أعتى قوتين، الأولى دولية (روسيا) والأخرى إقليمية (إيران)، بعد أن دخلا في احتلال مباشر للأراضي السورية، وعدوان سافر عليها بصورة منسقة جوّا وبّرا، فيما يغيب أشقاؤهم وأصدقاؤهم غيابا كاملا في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة، بكل ما يترتب عليها من تداعيات خطيرة. ومايضاعف من ألمهم وربما إحباطهم أن ماوصل حال بلادهم إليه هو بسبب مماطلة وعجز وهوان هؤلاء الأشقاء والأصدقاء عن نصرتهم، فلاهم استجابوا إلى مطالبهم المتعلقة بدعم ثورتهم وفصائلهم المقاومة بالسلاح النوعي لإسقاط النظام الذي واجه ثورتهم السلمية بالرصاص، ثم بالقصف من الجو، خصوصا أن مثل الدعم كان بإمكانه أن يحدث أثرا واضحا ويقلب الموازين في البدايات، ولاهم أخذوا زمام المبادرة فقاموا بإنشاء تحالف عربي كما حدث لإنقاذ اليمن من الحوثيين، أو تحالف كان الإمكان أن يتشكل بين السعودية وتركيا، على اعتبار أنّهما يجتمعان على وجوب رحيل الأسد، خصوصا أن تركيا دولة مجاورة لسوريا، ولا هم عملوا وتمكّنوا من التخفيف من معاناة الشعب السوري، من خلال إقامة منطقة عازلة كان بإمكانها أن تقلل من حجم الضحايا المدنيين وموجات اللجوء خارج البلاد. يتذكر الشعب السوري كيف تراجع الأصدقاء والأشقاء عن وعود حاسمة وقاطعة أطلقوها بمهاجمة الأسد ووضع حد لجرائمه، لكن سرعان ما انسحبوا من وعودهم، فأوباما لم يفعل شيئا بعد إدانة النظام السوري باستخدام السلاح الكيماوي، باعتباره خطا أحمر، رغم وتيرة تهديداته المرتفعة، وأردوغان لم بفعل شيئا بعد ضرب مدينة حماة، رغم أنه اعتبرها خطا أحمر أيضا. في المقابل كان النظام السوري طيلة السنوات الأربع الماضية يواصل جرائمه ويوغل فيها، ويتواصل الدعم الإيراني وتدفق المليشيات الشيعية التابعة له في المنطقة كحزب الله ومليشيات العباس العراقية للقتال إلى جانب قوات الجيش النظامي، دون أن يقوم الأشقاء والأصدقاء بأي فعل مواز أو مقارب لنصرة الشعب السوري. الوقاية خير من العلاج ما من شك..ولكن لن نتوقّف كثيرا عند الماضي، فما فات مات، ولكن عودا على بدء..هل يمكن التحرك الآن لعمل شيء لإنقاذ سوريا التي باتت تحت قبضة المعتدين والمحتلين؟، وهل يمكن إنقاذ ما تبقى من الشعب السوري قبل أن يفوت الأوان؟ على طريقة أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي، أم أن المواقف ستبقى كما هي، ويترك الروس والإيرانيون لمواصلة تنفيذ مخططاتهم دون فرملة أو إعاقة. مما يساعد على التحرك أن الأمور باتت واضحة لا لبس فيها، وأن نوايا الروس والتعاون المشترك مع الإيرانيين ليس هدفه داعش بقدر ماهو ضرب المعارضة المسلحة كلها، وإنقاذ راس النظام السوري، وتقاسم الأدوار في هذه المهمة بين الجو (للروس) والبر للإيرانيين وحلفائهم من حزب الله (أعلن الأخير عن قرب حملة يشنها في شمال سوريا مؤخرا)، والتفاهمات الدول الأخرى بمافي ذلك الكيان إسرائيل. أمران لابد من استيعابهما قبل فوات الأوان الأول أن الأطماع التوسعية للمشروعين الإيراني والروسي إذا لم يواجها بحاجز صد، لن يتوقفا عند سوريا بل سيطالان دولا أخرى في المنطقة على طريقة القضم المتدرج، والآخر أن الشعب السوري لايقاتل دفاعا عن ذاته فقط بل نيابة عن الأمة، لأنه قَدَره أن يكون في خط المواجهة الأولى في مواجهة الاستبداد والمشاريع العدوانية القذرة، ولأن أمن الأمة كل لايمكن تجزئته. نعرف أن السعودية منشغلة بمواجهة مشروع الحوثيين المدعوم إيرانيا في الدولة المجاورة لها، ونعرف أن تركيا تواجهة حملة شرسة ومؤمرات تريد إضعافها وإضعاف دورها، لكن مع ذلك ينبغي أن لا يشغلهما عن خطر محدق، لأنه وصلنا لمرحلة "نكون أو لا نكون ".لا يشترط المواجهة المباشرة مع الروس والإيرانيين في الميدان وجها لوجه، كما في اليمن، ولكن يكفي دعم الثوار على الأرض دعما حقيقيا، كي يستطيعوا على الأقل فرملة وإعاقة هذين المشروعين واستنزاف قوتهما، وهذا الدعم له صور وطرائق متنوعة ليست بخافية..فهل ستتحرك السعودية وتركيا ـ ولن أقول أمريكا والدول الغربية ـ قبل فوات الأوان؟ وهل ستقوم الشعوب العربية والإسلامية بالمؤازرة المطلوبة ضمن هذه الرؤية؟.نأمل ذلك.
607
| 09 أكتوبر 2015
من خلاصة تجربة في إعلام الطفولة والناشئة تصل إلى حوالي خمس سنوات بشكل متواصل وعلى تماسّ مباشر، وتزيد عن ذلك إذا أضيفت لفترات متقطعة أخرى قبل ذلك، يمكن تسجيل عدّة ملاحظات مهمة وسريعة في هذا الجانب:1ـ انعدام أو ضعف الاهتمام بالجانب الإخباري في وسائل الإعلام الموجّهة لهذه الشريحة العمرية (الأطفال واليافعون) سواء أكانت مجلات أو مواقع إلكترونية أو قنوات فضائية أو برامج إذاعية وتلفزيونية. واقع الحال يشير إلى غلبة الجانب الأدبي (قصص سردية ومصورة وأشعار) أو الجانب المعلوماتي (أبواب علمية وثقافية وفنية) والترفيهي (تسالي وألعاب..). ومن الغريب عدم الاعتناء بهذا الجانب؛ رغم أن حاجة هذه المرحلة العمرية لاتقلّ عن حاجة الكبار لها، على اعتبار أن من أهداف الأخبار الصحفيه التعليم والتثقيف والترفيه. وهنا لابد من التنبيه إلى أمرين اثنين:ـ وفيما يخص تنمية المهارات وتطوير قدرات هذه الشريحة فالمفترض أن يكون الأطفال جزءا من عملية الخبر تقصيا وصياغة ونشرا، إذ من المهم أن يشرك الأطفال ويندمجوا في نتاج الوسيلة الإعلامية التي يتابعونها، وهو ما يضمن تفاعلا بشكل أكبر معها، واستمتاعا بصورة أفضل مع مخرجاتها. 2ـ صياغة وتقديم وعرض هذه الأخبار لايراعي خصوصية الأطفال، فالتحرير إما إما أنه يعاني من ارتجالية لأنه لايلتزم أيا من القوالب الصحفية المعروفة أو شكلا جديدا مولّفا منها، أو أنه يلتزم قوالب جافة صارمة كالهرم المقلوب، كما لا تحظى هذه الأخبار بعناية فيما يتصل بالمواد المصاحبة كالصور والأشكال التوضيحية والرسوم العادية والرسوم البيانية والأنفوغرافيك وغيرها، وهو ما يجعل من هذه الأخبار والتقارير جذابة مشوقة.3 ـ ما يتابعه إعلام الطفولة واليافعين يهمّ الجهات المبدعة والمنتجة كالكتّاب والمختصين والرسامين والمجلات ودورالنشر والفضائيات ومنتجي الأفلام، كما يهمّ الشرائح المستهدفة (الأطفال واليافعون وأرباب الأسر والمربون والمختصون)، ذلك أن هذا الإعلام يعنى بمتابعة المشاريع والمبادرات والفعاليات التي تهتمّ بالأطفال واليافعين وتعنى بهم، ورصد جديد الإصدارات من كتب ومجلات وبرامج وتطبيقات ومعارض ومهرجانات ومسابقات وجوائز تقديرية ورسائل علمية، وتقديم أصحاب المواهب المتميزة من الأطفال واليافعين وتوثيق نجاحاتهم، والسياحة في تجارب كتاب وفناني الطفولة والمختصين في هذا المجال، وتلخيص التقارير الخاصة بالإحصاءات والأرقام المتعلقة بالناشئة، وتسليط الضوء على صور المعاناة الإنسانية للأطفال وانتهاك حقوقهم، والتعريف بالمناسبات والأيام الخاصة بالطفولة، وغيرها من الأمور والموضوعات. من المهم في كل ماسبق أن يكون موجّها للطفل بصورة أساسية من خلال التقارير الصحفية والقصص الخبرية والحوارات والبرامج والمواد الإعلامية الأخرى، وإن كان الاهتمام بهذا الجانب يمكّن المهتمين والمختصين بالكتابة عن الطفل، من خلال البحوث والدراسات واستطلاعات الرأي. إعلام الطفولة واليافعين جانب بِكر ويشكو من نقص كبير سواء لجهة الدراسات النظرية أو التطبيقية، أو المنتجات والإصدارات.. ولأن الطفولة بكل جوانبها عنوان المستقبل، فإنها تستحق منا بذل الوقت واستفراغ الجهد بصورة أكبر وأكثر إتقانا.. فهل نحن فاعلون!
472
| 17 سبتمبر 2015
ها هو عام دراسي جديد يبدأ، قد يعني للكثيرين من الآباء والأمهات فرحة بدخول أطفالهم الصغار عالم التعلم والمعرفة لأول مرة، أو بمواصلة أبنائهم لهذه الرحلة التي يرون أنها معبرا لابد من اجتيازه لرسم مستقبل زاهر لهم، وقد يمثل لآخرين الاستعداد لتوفير المستلزمات المطلوبة وتهيئة الظروف المناسبة والأجواء الملائمة للعملية التعليمية، والاستيقاظ المبكر لتوصيل أبنائهم والعودة بهم ظهرا.لكن بداية هذا العام قد تحمل لدى الكثيرين من الآباء والمربين والمنظمات المعنية بالطفولة معاني أخرى مُفزِعَة ومؤلمة بآن واحد، وتحتاج من أمتنا والخيرين فيها إلى مراجعة حقيقية، وإجراءات فاعلة وحلول جديّة لمعالجتها، والتخفيف من وطأتها على حاضر ومستقبل مجتمعاتنا وأمتنا.أخطر هذه الأمور التحذير أو منبه الخطر الذي أطلقته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من أن 13.4 مليون طفل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يرتادون المدرسة، نتيجة الأزمات الحاصلة في غير بلد عربي، من أصل 34 مليونا هم عدد الأطفال في سن الدراسة، وهو ما يمثل نسبة %40 من عدد أطفال المنطقة. وبحسب التقرير؛ فإن: 2.4 مليون طفل في سوريا و3 ملايين طفل في العراق ومليوني طفل في ليبيا و3.1 مليون طفل في السودان إضافة إلى 2.9 مليون طفل في اليمن لا يرتادون المدارس. وأن " 8850 مدرسة في العراق وسوريا واليمن وليبيا دمرت أو تضررت بحيث لا يمكن استخدامها".هذه الأرقام تنذر بكارثة حقيقية، وتهدد جيلا كاملا في المنطقة، وتجعل النظام التربوي والتعليمي يدفع ثمنا باهظا. لن أتكلم عن واجب الأنظمة العربية إزاء هذا الموضوع لأنني لست متفائلا حيالها وهذا ينطبق على غالبيتها الكبيرة منها، وإنما سأكتفي بالإشارة إلى واجب المؤسسات الإنسانية والتربوية والأسر على النحو التالي: - وضع الجانب التربوي والتعليمي في صدارة اهتمامات الجمعيات الخيرية وخططها، بمعنى أن لا تستنزف جهودها وما يصلها من تبرعات في المشاريع الإغاثية المتمثلة بالطعام والشراب والطرود الغذائية أو المساعدات والأنشطة الموسمية فحسب، كما لا ينبغي أن تركّز على مشاريع تعليمية جزئية صغيرة كالحقيبة المدرسية على سبيل المثال لا الحصر ـ على أهميتها ـ، وإنّما على المشروعات الاستراتيجية التي تتصل بتوفير المناهج التعليمية والكتب المدرسية الورقية والإلكترونية، وتوفير مقاعد الدراسة وتسيير وتشغيل المدارس، بما في ذلك تكاليف المعلمين وتدريبهم وتطوير قدراتهم، والتوسع في كفالة طلاب العلم وتوفير المنح الخاصة بهم، لأن كثيرا من الآباء لا يملكون توفير المصاريف المدرسية لهم، والعمل على تخصيص حافلات تعليمية مجهّزة، يمكن من خلالها الوصول إلى المجاميع الطلابية الذين لا يتوفر لها مدرسة أو معلمون، وقناة تلفزيونية تعليمية، يمكن عبرها التعلّم عن بعد، في ظل تدمير المدارس ونزوج المعلمين بسبب الظروف الأمنية والمعيشية. ـ تبني المدارس والمعاهد لاسيَّما في الدول الخليجية لحملات تبرعات وأنشطة ومبادرات داعمة للعمل الإنساني لصالح الدول العربية التي تشهد ظروفا استثنائية كالحروب والحصار والفقر الشديد، بالتعاون مع مؤسسات خيرية، بحيث تقوم كل مدرسة بإنجاز مشروع مهم كبناء مدرسة أو تشغيلها، أو كفالة مجموعة من المعلمين أو الطلبة، وفائدة هذا التوجه أنه أولا تربوي ليستشعر الأطفال ما هم فيه من نِعَم، وليتعلّموا كيفية شكرها، وثانيا سلوكي بحيث يجسدوا الشعور الإيماني بالتكافل مع إخوانهم العرب والمسلمين عمليا، وثالثا تطوعي يعلم الأطفال منذ نعومة أظفارهم كيف يقتطعون أجزاء من مصروفهم ووقتهم لمثل هذه الأعمال الجليلة التي ترفع مقام من يسعى فيها في الدنيا والآخرة، ويمكن أن يشارك أطفال المدرسة في وضع حجر الأساس أو تدشين وافتتاح المدارس وغيرها من المشاريع عند بدء العمل فيها أو بعد الانتهاء منها، حتى يتحسسوا عن قرب مدى الحاجة إلى ما قدّموه، وليتذوقوا حلاوة العمل الإنساني، ويقدموا الدعم المعنوي لأقرانهم أيضا. أعرف أن مثل هذه المبادرات والحملات تمت بالفعل على مستوى بعض المدارس، ولكن نريد لها أن تتوسع كميا ونوعيا، نظرا لتزايد الحاجة الميدانية لها، والتفكير في الإبداع في هذا المجال، على مستوى اختيار المشاريع أو تسويقها على مستوى المدرسة والبيئة المجتمعية المحيطة بها. ونفس التحرك يفترض أن يتم مستوى الأسر الصغيرة والممتده، كأن تتبنى كل واحدة تمويل مشروع أو مشاريع بحسب مقدرتها وعدد أفرادها، وتعمل على التنافس بين أفرادها لإنجازه أو إنجازها بأزمنة قياسية ( التسويق والتنفيذ). ثمة أمور كثيرة يقرع بدء العام الدراسي ناقوس خطرها على مستوى مدخلات ومخرجات التعليم في دولنا العربية، ولكن ربما انشغلنا بالأهم عن المهم، ويكفي أن أقول أنه عندما يترقّب الطلبة اليوم الدراسي الأول بلهفة وشوق وفرح، وعندما تحين ساعة الانصراف دون أن يسارعوا إلى الخروج من أسوار المدرسة، وعندما ينتهي وقت الحصة ويصرّ الطلبة على معلميهم أن يواصلوا الإعطاء، دون أن يأبهوا لقرع جرس الراحة أو الانصراف، عندها ستكون الأمة على عتبة تغيير حقيقي في مسارها، لأنها بدأت تتلذذ بمذاق المعرفة، وهذا لن يتحقق إلا إذا أصلحنا أنظمتنا التربوية على مستوى المناهج وطرق التعليم وإعادة الاعتبار للمعلم، والحديث في هذا الجانب ذو شجون.
379
| 10 سبتمبر 2015
تعرّضت السلطات المجرية لانتقادات من حكومات دول أوروبية كفرنسا وألمانيا بسبب إساءتها معامله اللاجئين والاستهتار بحياتهم، وخرج أكثر من عشرين ألف متظاهر في بودابست منتصف هذا الأسبوع للاحتجاج هذه السلوكيات المشينة، وعمل متطوعون مجريون ومؤسسات خيرية غربية لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة لهؤلاء اللاجئين ـ وأغلبهم من السوريين ـ في ظل ظروف إنسانية صعبة جدا، كما تواصلت مظاهرات في محطات القطار القادم من المجر بفيينا، تعبيرا عن تضامنهم مع هؤلاء اللاجئين، مصحوبة بتقديم الماء والغذاء والدواء لهم، فيما غابت بالمقابل ردود أفعال الجهات الرسمية العربية والإسلامية، وتحركات الجهات الشعبية والفعاليات الحزبية العربية والإسلامية فيها إزاء ما يتعرض له إخوانهم اللاجئون، والوقوف إلى جانبهم والتوعية بحقوقهم ومعاناتهم والاحتجاج على الممارسات السلبية التي يتعرضون لها، يضاف إلى ما سبق غياب للمنظمات الخيرية العربية والإسلامية عن أداء دورها في الوصول إلى هذه الشرائح التي تقطّعت بها السبل، وكأن الأمر لا يعنيها مطلقا من قريب أو بعيد. تتحمل الدول العربية والإسلامية ـ حكومات وشعوباً قسطاً لا يستهان به من المسؤولية إزاء ما آل إليه حال السوريين، واستمرار تدفقهم لأوروبا رغم ما يتعرضون له من مخاطر ومصاعب جمّة كالجوع والغرق والخنق، لأن تدفق اللاجئين المتصاعد والمتواصل إلى أوروبا خصوصا في الشهور الأخيرة تقف وراءه جملة عوامل لعل من أهمها: التضييق الذي يعاني من اللاجئون السوريون في أغلب دول الجوار التي اضطروا للإقامة فيها، سواء في مجال العمل لتوفير دخل معقول يسدّ رمقهم، أو توفير الدراسة لأبنائهم والرعاية الصحية لأسرهم، كما يعانون من تقييد حرّية تحركهم، يضاف إلى ذلك فقدان الأمل لديهم بحل وشيك للأزمة في بلادهم، وعدم وجود ضوء في آخر النفق الذي ولجت قضيتهم فيه. ولأن تدفّق اللاجئين سيتواصل في الفترات القادمة كما تشير التقارير للأسباب التي أشرنا إليها أو لغيرها من الأسباب رغم صعوبة الطريق ومخاطرها، والإجراءات المشددة والمعوّقات التي تتخذها الدول الأوروبية بعضها أو كلها، فإنّ الواجب الأخوي والأخلاقي للدول العربية تجاه إخوانهم أبناء الشعب السوري حكومات وشعوبا ومنظمات مجتمع مدني، ومؤسسات خيرية توجب عليهم ما يلي: ـ النظر إلى المأساة الإنسانية السورية بمنظار مختلف، فلم يسبق لأزمة أو كارثة بشرية أن اضطرت أكثر من 4 ملايين شخص لترك بلادهم واللجوء لدول أخرى قريبة أو بعيدة، وأكثر من 7 ملايين شخص للنزوح عن ديارهم، فضلا عن هذا الكمّ من الضحايا الذين قتلوا أو أصيبوا أو غيّبوا، وهو ما يشكل أكثر من نصف عدد الشعب السوري يضاف إلى ما سبق ظروف انعدام الأمن والخدمات الرئيسية وصعوبة الظروف المعيشية، وهو ما يقتضي دعما ماديا ومعنويا على المستويات الرسمية والشعبية يكون على مستوى وحجم الكارثة. ومن هذه الأمور على سبيل المثال لا الحصر: 1ـ فسح المجال، بل وإعطاء الأولوية لأصحاب التخصصات والكفاءات العلمية والمهنية للعمل في الدول العربية التي تحتاج للعمالة في المهن الطبية والهندسية والتربوية والتجارية وغيرها، على اعتبار أنّ هذه الدول أولى بهذه الكفاءات المتمرّسة أو الشابّة من أوروبا. 2ـ زيادة المخصصات الحكومية وغير الحكومية للاجئين السوريين، والتي من شأنها دعم العمل الإغاثي الطارئ أو التنموي المستدام، ومن الأمور التي ينبغي التركيز عليها هو إيجاد مصادر دخل للأسر اللاجئة من خلال تمويل المشاريع الصغيرة المدرّة للدخل ومشاريع التمكين الاقتصادي، وما يلزمها من تدريب وتطوير للإمكانات البشرية، وتوفير المدارس والمنح الدراسية على المستويين الجامعي والمهني. 3 ـ تحسين ظروف المخيمات، والتخفيف من التضييق الذي يعاني منه اللاجئون كما في لبنان مثلا، وتقديم الدعم المالي للمنظمات الإنسانية الدولية والإقليمية، وللجمعيات الخيرية العربية من أجل زيادة مشروعاتها، فضلا عن عدم تقليصها كما حصل مؤخرا من قبل منظمات أممية. 4ـ تشكيل فرق إغاثية طارئة أو التعاون مع منظمات محلية هناك لتقديم المساعدات العاجلة للاجئين في اليونان وغيرها من الدول الأوروبية، تخفيفا من معاناتهم كالماء والغذاء والإيواء، ما أمكن ذلك. ـ إصدار بيانات رسمية تتضمن إدانات واحتجاجات على التصرفات غير اللائقة إنسانيا والحملات العنصرية والعراقيل الكبيرة في التعامل مع اللاجئين الذين يتوجّهون لأوروبا من قبل بعض الدول والأحزاب الأوروبية، على اعتبار أن اللجوء لدول أخرى حقّ كفلته كافّة الأديان والقوانين الدوليّة في ظل الظروف الاستثنائية. ـ تنظيم حملات تأييد ومناصرة على شبكات التواصل الاجتماعي باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، وأخذ زمام المبادرة من قبل وسائل الإعلام العربية خصوصا المرئية، لإظهار حجم معاناة اللاجئين السوريين ومخاطر رحلات الموت من جهة، وتنظيم حملات ووقفات احتجاجية على الممارسات اللاإنسانية لبعض الدول الأوروبية في تعاملها معهم من جهة أخرى، وتشكيل رأي عام أوروبي ودولي ضاغط عليهم لتعديل هذه المواقف وتسهيل عملية اللجوء. لعلّ هذه بعض المقترحات قياما بالواجب الأخوي والأخلاقي والإنساني تجاه شعب يواجه أقسى النكبات والأزمات، وكان قبل أزمته يستقبل بترحاب وكرم كل من لجأ إليه أو قصده، عربا وعجما، مسلمين وغير مسلمين، بغض النظر عن الدين والمذهب واللون والعرق والاثنية.
415
| 03 سبتمبر 2015
لفتت حادثة ألفي لاجئ معظمهم من السوريين علقوا تحت المطر على الحدود بين مقدونيا إلى اليونان بكل ما اكتنفها من معاناة إنسانية قاسية، الأنظار إلى مشكلة تواصل تدفق اللاجئين السوريين بصفة خاصة واللاجئين بصفة عامة إلى أوروبا، وبنسب مرتفعة عن معدلات العام الماضي، إلى درجة أنّ ما وصل منهم خلال شهر يوليو الماضي لليونان فقط تجاوز ما وصل لأوروبا في عام 2014 وبزيادة تصل إلى عدة آلاف شخص، مع استمرار واتساع نطاق المخاطر المحدقة بها. وفي الحقيقة يكشف هذا التدفق وطريقة التعامل معه عن الخلل البيّن في التعاطي الأخلاقي الدولي والقصور الفاضح مع ملف اللاجئين السوريين خصوصا، واللاجئين عبر العالم عموما. فلا يمكن أن يعرّض أشخاص بهذه الأعداد التي تتضاعف رغم الأهوال التي تكتنفها، وفيهم أطفال ونساء وشيوخ، إلا لأسباب أساسية ووجيهة وضاغطة بقوة. هذه التدفّقات محفوفة بالمصاعب والمكاره والتحديات، باعتبارها هجرة غير شرعية لا تتم من خلال المعابر والمنافذ والطرق الاعتيادية، ابتداء من ابتزاز المهرّبين وجشعهم وعدم توفر القوارب ووسائل النقل المناسبة، وليس انتهاء بالتعرض للسرقة والنصب والأذى من قبل قطاع الطرق والأدلاء، والمرض والجوع، والضرب والإهانات والمنع من قبل شرطة الحدود، أو الموت في عرض البحر وتحول الأجساد إلى طعام للأسماك. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فمنذ بداية هذا العام قضى غرقا أو فقد 2200 لاجئ في البحر الأبيض المتوسط، في إطار التدفقات المتجهة من الشمال الإفريقي إلى إيطاليا، وثمة من فقد أبناءه أو زوجته أمام عينيه غرقا، ومن القصص التي نقلتها وسائل الإعلام العالمية مؤخرا قصة الشاب السوري (هشام معظماني) الذي اضطر للسباحة مدة ست ساعات ليلا، في البحر الأبيض المتوسط في أجواء شديدة البرودة، ليحقق حلمه في الوصول لأوروبا وليكون أول لاجئ يسبح في الممر المائي الضيق الواصل بين تركيا والجزر اليونانية، وثمة قصص كثيرة من المعاناة يمكن رصدها وتوثيقها من أفواه اللاجئين السوريين الآخرين. وللأسف الشديد فإن الاتحاد الأوروبي بدلا من أن يخجل من نفسه لفشله في معالجة ملف اللاجئين السوريين الذين وصل عددهم إلى حوالي 4 ملايين لاجئ في غضون ما يزيد على أربع سنوات (ومثلهم أكثر من 7 ملايين نازح سوري) وإدارة هذه الأزمة بعقلانية وواقعية، وتقديم معالجات إنسانية جذرية وحلول شاملة لمأساتهم، أو على الأقل الإسهام في تخفيف معاناتهم بقدر معقول، فإن أقصى ما يفعله هو التفكير بأنانية شديدة، تتمثّل في تحصين حدوده من أجل منع تدفقهم إلى دوله، أو الحدّ من وصول المزيد منهم إلى أراضيه. وفي هذا الصدد انتقدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فضلاً عن العديد من منظمات الدفاع عن اللاجئين وحقوق الإنسان الأخرى، التحركات التي قامت بها العديد من الدول الأعضاء للاستثمار في زيادة الرقابة على الحدود وبناء الحواجز، بدلاً من تحسين ظروف استقبال اللاجئين وأنظمة البتّ في طلبات اللجوء، ومن ذلك اللقاء الذي جمع كلا من وزيرة الداخلية البريطانية مع نظيرها الفرنسي مؤخرا للتوقيع على اتفاق يشمل إجراءات أمنية إضافية لمنع ما يقرب من 3.000 مهاجر يخيمون في كاليه من الوصول إلى بريطانيا، وقيام المجر ببناء سياج على حدودها مع صربيا تم تصميمه لمنع دخول الآلاف من المهاجرين الذين يصلون عن طريق البلقان. والولايات المتحدة والدول الأوروبية لم تقم بجهود جديّة وفاعلة للضغط على النظام السوري لوقف مجازره المتواصلة وقصفه للمدنيين من الجو، وآخرها في ريف دمشق وحلب وريفها (الباب خصوصا) وإدلب وريفها، ولم تقم بتوفير أو دعم توفير مناطق أو ممرات آمنة لهم، ولم تقم بفرض عقوبات في مجلس الأمن تحت البند السابع أو غيره ضده، ولم تضغط بما فيه الكفاية لفرض حلّ سياسيّ للأزمة، ثم لا تريد هي بعد ذلك من الشعب السوري أن يضطر للنزوح أو اللجوء بسبب انعدام الأمن والحياة الكريمة.. وقد قالت غوري فان غوليك، نائب مدير برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة العفو الدولية، في بيان لها مؤخرا: إن "تركيز أوروبا على عدم السماح للناس بالدخول، بدلاً من إدارة أزمة اللاجئين العالمية المتزايدة هو نوع من الفشل"، وذكرت أنّ "الطريقة الوحيدة لإدارة هذه التدفقات هي تحقيق الاستقرار في بلدان المنشأ". ليس هذا فحسب، بل إن الظروف المعيشية الصعبة والتضييقات التي يتعرض لها اللاجئون في عدد من الدول المجاورة لسوريا، ونقص أو عجز تمويل المنظمات الإنسانية الدولية العاملة هناك بسبب قلة دعمهم لها، وانسداد أفق حلّ الأزمة في بلادهم، يدفعهم للتحرك للدول الأوروبية دفعا، رغم كل ما سمعوا عنه أو شاهدوه من أهوال.. وقد قال وليام سبيندلر، المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مؤخرا لوكالة (إيرين): "تقديم المزيد من الدعم للبلدان النامية التي تستضيف غالبية اللاجئين، كتلك المجاورة لسوريا، يمكن أن يقطع أيضاً شوطاً طويلاً نحو الحد من التحركات الثانوية نحو أوروبا". على الاتحاد الأوروبي إدارة أزمة اللاجئين بطريقة مختلفة، وإلا فإنّ مزيداً من الانتقادات الحادّة ستوجّه إليه بسبب فشله الأخلاقي أولاً، وفشله في منع تدفق اللاجئين من الوصول لأراضيه وتحمل وزر كل ما يتعرضون له من معاناة ومخاطر ثانياً.
209
| 26 أغسطس 2015
من الأدوار الرئيسية لأدباء الأطفال والمهتمين بالطفولة والتربية والتعليم غرس حبّ اللغة العربية الفصحى في نفوس الناشئة منذ نعومة أظفارهم، ومساعدتهم على إجادة التحدث والكتابة بها، والتعبير من خلالها، والتفاعل معها وتذوّق جمالياتها، والإسهام في ردم الهّوة الحاصلة بينهم وبين لغتهم الخالدة، لأنّ اللغة الأمّ هي جزء من الهويّة الثقافية للأمم. وللعلم فإن اكتساب الطفل للفصحى في الصغر أسهل وأيسر، وهو مبني على نظريات اكتساب اللغات، كما يذكر الدكتور عبد الله الدنان صاحب نظرية "تعليم اللغة العربية الفصحى بالفطرة والممارسة"، ومن المسلّم به في النظرية الفطرية وهي إحدى النظريات العلمية المفسِّرة لاكتساب الطفل لغته الأولى (First Language Acquisition) أن لدى الأطفال استعدادًا لمهارة لغوية فطرية تسمى جهاز اكتساب اللغةLanguage Acquisition Device) (LAD، وهذا الجهاز يكون في أفضل حالاته في الفترة العمرية من الثالثة إلى التاسعة، ثم يبدأ بالضمور والضعف، والطفل في هذه الفترة يكون قادراً على تلقي تراكيب اللغة دون معرفة قواعد نظامها النحوي. ومن عجب أن أقرأ لبعض كتّاب وناشري كتب الأطفال ما يمكن أن يعدّ "شرعنة" لاستخدام العامية الدارجة واللهجات العربية المحلية في كتابة قصص الأطفال أو نظم دواوين الشعر للأطفال، بصورة جزئية أو كلية، بحجة "عزوف الأطفال واليافعين عن القراءة باللغة العربية"، أو لأن "استخدام بعض الجمل بالعاميّة دون إقحام، يجعل الكتاب أكثر قربا من الطفل ويخاطبه بحميمية أكثر". وأخطر من ذلك تصريح وزيرة التربية في الجزائر بأن "استخدام اللغة الجزائرية الدارجة في التعليم يسمح بتنمية أجزاء مهمة من المخّ" مستندة إلى دراسات قام بها علماء أعصاب!. التحدث العامية ـ على الأقل ـ مُستَخدم بكثرة في المدارس والجامعات لدى كثير من المدرسين والتربويين والأكاديميين، وفي وسائل الإعلام المسموعة والمرئية كالإذاعة والتلفزة، بكل ما لذلك من تأثير عن انفصال العربيّ عن جمال لغته والقدرة على إجادة التحدث بها وكتابتها بصورة صحيحة فضلا عن تذوقها والتفاعل معها، وكذلك التأثير على وحدة العوامل التي تجمع الشعوب العربية من محيطها إلى خليجيها (اللغة المشتركة والهوية الثقافية) ما هو أسوأ من ذلك الحديث بالعامية في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية حيث يخاطب المعلم تلاميذه بالعامية، ويشرح دروس المنهج بالعامية الدارجة رغم أن المنهج مكتوب بالعربية الفصحى، وما تقوم به بعض وسائط الإعلام الموجهة للأطفال من إنتاج وبث أناشيد بالدارجة لتصبح لدينا أناشيد للأطفال باللهجات المصرية والشامية والخليجية وهكذا، أو ما تقوم به دور نشر مصرية ولبنانية من طباعة دواوين أطفال بالدارجة المحلية بكل ما لذلك من تأثير في إفساد الذوق اللغوي عند هذه الشريحة العمرية. لكنّ ما أنظر إليه بخطورة أكبر في تقديري هي الدعوات التي تحثّ على تبني العاميّة في أوساط الأطفال أو تجعل الأطفال هدفا لها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، جزئية أو كلية، بحسن نية أو سوء نية، خصوصا إذا جاءت على لسان كتّاب الأطفال أو ناشري كتب الأطفال أو التربويين أو المسؤولين في سلك التعليم والإعلام والطفولة لأنها تتعلق بالأساس والمستقبل، وبدلا من أن نعتبر سن الطفولة أهم وأنسب مرحلة للارتباط باللغة العربية الفصحى (اللغة الأم) والاعتزاز بها، نجعله ـ مع الأسف ـ المعول الأوّل لهدم جدار الفصحى، وهو ما يجعل العربية الفصحى بغيضة إلى نفوس أبنائها بدلا من أن تكون محبّبة إلى قلوبهم وقريبة إلى وجدانهم. إن لم نكن جزءا من حلّ المشكلة فلا أقلّ من أن ننأى بأنفسنا عن المساهمة في تكريس الواقع المؤلم لاستخدام العامية أو القيام بشرعنتها بسبب ضعفنا أو تخاذلنا عن مواجهة غربة أجيالنا عن لغتهم الأم، والآثار السلبية الناتجة عن"الثنائية اللغوية/ العامية والفصحى". ولو أننا بدأنا بالعربية الفصحى مع الطفل في سن مبكّرة من البيت ثم من رياض الأطفال ثم في المرحلة الابتدائية، وهكذا في حلقات متوالية يشد بعضها بعضا، فعندها تكون العربية الفصحى مألوفة لدى العربيّ دون صعوبة في الاستخدام، محبوبة لديه، يتذوقها دون أن يجد أي صعوبة في التواصل من خلالها والتفاعل بها، وبالتالي فإن على كتّاب الطفل والمعنيين بالطفولة والتربية والتعليم دعم هذا التوجه، وليس تبرير العامية تحت مبررات صعوبة استخدام الفصحى من قبل الأطفال وغربتهم عنها.
2669
| 12 أغسطس 2015
يعاني الشرق الأوسط من موجة حرّ غير مسبوقة، وهي تأتي متزامنة مع تغيّرات مناخية تجتاح العالم هذا الصيف أدت إلى عدد من الكوارث، كان بعضها من نصيب دول فقيرة منهكة، يعاني جزء من أهلها أصلا من الاستهداف والتمييز والإقصاء والمجازر، كما هو حال في مسلمي الروهينجا ببورما (ميانمار). أمطار غزيرة وانهيارات أرضية شمال شرق الهند، وفيضانات وانزلاقات تربة وعواصف في بورما، وحرائق غابات في بولاية كاليفورنيا بسبب الجفاف الشديد الذي أدى إلى اشتعال النيران في الأعشاب، وارتفاع حرارة تصل درجتها في إيران إلى 72، وارتفاع درجة الحرارة وعواصف غبار في الأردن، فضلا عن ارتفاع جنوني في الحرارة بالعراق وفي سوريا وبلاد الشام بما في ذلك غزة ودول الخليج. وإذا كانت الكوارث تخلِّف آثاراً مزعجة على الشعوب المستقرّة فإن تأثيراتها على الشعوب التي تعاني من الفقر الشديد والبنى التحتية الهشّة، ومن الأوضاع الاستثنائية كالنزوح واللجوء والحروب تكون أكبر بكثير، وهذا ما بدا من استغاثات مسلمي أقلية الروهينجا بسبب الفيضانات الأخيرة، الناتجة عن إعصار كومين، لأنّ من بين المناطق المتضررة ولايتي "تشين" و"أراكان"، فبعد حملة تطهير ممنهجة لوجودهم في البلاد تأتي الفيضانات لتقضي على ما تبقى من أشباه منازل تساعدهم على البقاء في أرضهم، وقد أفادت التقارير بتضرر 2500 شخص في شرق ولاية أراكان، كما توفي 52 طفلا من النازحين العراقيين خلال الأسابيع الماضية بسبب ارتفاع درجات الحرارة، فيما تحدثت الأنباء عن وفاة طفلين وحالات اختناق بين اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري بالأردن جراء العاصفة الرملية التي لم تشهد المنطقة لها مثيلا منذ عقود. وإذا كانت عمليات الإغاثة من وجهة نظر الأديان السماوية والقوانين الدولية الإنسانية ينبغي ألا تعاني من التمييز على أساس الدين أو اللون أو العرق، فإنّ من المؤلم أن يحدث هذا لمسلمي الروهينجا، وقد عبّر عن ذلك نشطاء من هذه الأقلية بحسب تقرير نشره موقع "الجزيرة نت" ومن هذه التغريدات على موقع تويتر ما ورد في حساب (أمونة الأركانية) أن هناك سؤالا يسأل قبل إنقاذ الإنسان والحيوان "هل أنت بوذي؟ سؤال يطرح عليك قبل إنقاذك، أنت في دائرة إنقاذنا ما دمت على ملتنا"، في إشارة إلى عنصرية وطائفية البوذيين وحكومة ميانمار، وتتابع في تغريدة ثانية "الحكومة البورمية تقدّم مساعداتها للمتضررين البوذيين دونا عن الروهينجا"، وهذا الأمر قد يتعرض له لاجئون في مناطق أخرى بحكم تنامي النزعة الطائفية والمذهبية في منطقتنا مع الأسف الشديد. كنّا نظن أنّ فصل الشتاء ببرده القارس وأمطاره الغزيرة هو التحدي الذي يجب الانتباه إليه فيما يخص اللاجئين والنازحين السوريين ومن هم على شاكلتهم في منطقتنا، نظرا لما يتسبب به من موت بعض الأشخاص خصوصا الأطفال والشيوخ، وكانت الحملات الإغاثية لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية تركز عليه، أما الآن ومع تواصل التغيرات المناخية وازدياد وتيرتها فإن عيونهم ينبغي أن تكون مفتوحة على غضب الطبيعة في كل الفصول وبخاصة الشتاء والصيف، توقعا لحدوث كوارث طبيعية بسبب ارتفاع الحرارة والجفاف والفيضانات وغيرها، حتى لا تتكالب المصائب من كل حدب وصوب على الفئات الضعيفة وتلك التي تعاني أساسا من أوضاع استثنائية. وإذا كان من طبيعية الإنسان أن يتضجر من موجات الحرّ ومن عواصف الغبار، فإن على الذين يعيشون ظروفا طبيعية في بيوتهم وبين أهليهم أن يتذكروا أن هناك من هم أسوء حالا منهم في مثل هذه الظروف، لكي يصبّروا أنفسهم على أقدار الله وإفرازات التغيّرات المناخية، أما الذين عافاهم الله تماما من وطأة هذه التغيرات فإنّ عليهم أن يشكروا على ذلك، وشكر النعمة يكون بتذكر حال إخوانهم، خصوصا ممن اجتمعت عليهم همّوم الكوارث ومصائب الحروب والتمييز والتهجير أو اللجوء والنزوح وانعدام الأمن وغياب المسكن، ومن ثمّ تقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، والتطوع لصالحهم، والمسارعة لإغاثتهم بقدر الإمكان. أما بخصوص الغالبية من الأنظمة العربية وأنظمة العالم المتحضر والموزعين بين غير مبالٍ بتواصل أزمات المنطقة أو مؤثر لمصالحه الخاصة على واجباته الإنسانية، فعليهم أن يقفوا أمام مسؤولياتهم الأخلاقية وهم يرون اجتماع المصائب على شعوب وفئات تعاني أصلا من الظلم والقهر والاستبداد والفقر والتخلف والحروب والاقتتال، وأن يعملوا بإخلاص لإيجاد حلول لهذه الأزمات التي طال أمدها.
457
| 05 أغسطس 2015
مساحة إعلانية
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس...
5718
| 11 نوفمبر 2025
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...
4062
| 04 نوفمبر 2025
ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو...
3987
| 11 نوفمبر 2025
تستضيف ملاعب أكاديمية أسباير بطولة كأس العالم تحت...
2379
| 11 نوفمبر 2025
في السودان الجريح، لا تشتعل النيران في أطراف...
2355
| 05 نوفمبر 2025
8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...
2193
| 04 نوفمبر 2025
تشهد الصالات الرياضية إقبالا متزايدا من الجمهور نظرا...
1629
| 10 نوفمبر 2025
من الطرائف العجيبة أن تجد اسمك يتصدر أجندة...
1344
| 04 نوفمبر 2025
تحليل نفسي لخطاب سمو الأمير الشيخ تميم بن...
1149
| 11 نوفمبر 2025
عندما صنّف المفكر خالد محمد خالد كتابه المثير...
1080
| 09 نوفمبر 2025
تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...
1023
| 04 نوفمبر 2025
أصدر مصرف قطر المركزي في التاسع والعشرين من...
1005
| 05 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية