رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كنت سعيداً هذا الأسبوع بصدور باكورة مجموعة قصصية للأطفال بعنوان "لا شيء يعيقني" عن دار نشر عربية عريقة مختصة بأدب الطفولة (دار أصالة)، واسم القصة الأولى منها "عكّازة في العيد". مصدر هذه السعادة جملة أمور: ـ ندرة العناية في أمور تخص أصحاب الإعاقة والاهتمام في موضوعات ذوي الاحتياجات الخاصة من الأطفال، فإذا كان الاهتمام الأدبي بالطفل العربي ضعيفا، فكيف بالاهتمام بشرائح ذوي الإعاقة بصنوفها المختلفة، إنه نادر جدا، وربما الأعمال التي قدّمت عربيا حتى الآن قد لا تصل إلى العشرات، وبالتالي تأتي هذه المجموعة لتسد جزءا من الفراغ الكبير في هذا المجال. ـ كثير من هذه الأعمال تعاني من أمرين اثنين، الأول عدم وضوح الرؤية التربوية فيما يخص التعاطي مع هذه الشريحة، أو كيفية تعاطي الآخرين معها، بسبب الخوض في هذه الموضوعات مع قلّة الخبرة والدراية العلمية والواقعية، أو بسبب التناول السطحي للقضايا الشائكة التي تمس حياة ووجدان هذه الشريحة، وعدم الغوص إلى أعماقها، فهي بالتالي تقدّم نتاجا بائسا، وربما يؤدي إلى نتائج معكوسة. ـ قيمة هذه الأعمال في حال توّفر الجودة تتمثل في تحقيق هدف مزدوج، فهي تقدّم دعما إيجابيا غير مباشر للأطفال ذوي الإعاقة لدمجهم في المجتمع، وتدريبهم على الاستقلالية، ودفعهم لخوض تجاربهم الخاصة بمفردهم، وفي الوقت نفسه تعدّ دليلا للأطفال والناشئة والفتيان للتعاطي مع هذه الشرائح، سواء كانوا إخوة في الأسرة الصغيرة أو زملاء في المدرسة أو جيرانا في الحيّ وهكذا. ـ على المستوى الخاص فإن المؤلفة (كاتبة القصة التي صدرت والقصص التي تليها ضمن السلسلة)، ألا وهي الدكتورة سنا الحاج، تمتلك مفاتيح النجاح في هذه المهمة لأكثر من سبب، فهي من الذين يمتلكون الدراية بأوضاع هذه الشريحة بحكم أنها أصيبت منذ أن كانت في عامها الأول بالشلل وعاشت التجربة حتى الآن بكل تفاصليها ومراحلها العمرية وكتبت مذكراتها عن ذلك (سيرة ذاتية)، وهي في الوقت نفسه تعتزّ بوالدها وأسرتها الذين عرفوا كيفية غزل طفولة مميزة وسعيدة لها، كانت أساساً قوياً ومتيناً ودافعاً لانخراطها في المجتمع، والقدرة على مواجهة كل الظروف الصعبة التي يمكن أن يتعرّض لها أي معوّق. لذلك أرادت أن تشارك الجميع، وتنقل لهم كل تلك التجارب في حياتها منذ الطفولة من خلال القصص والكتابة التي تمتلك ناصيتها. أهمية سلسلة "لا شيء يعيقني"، كما أرى، تتمثل في أنها تؤسس لرؤية جديدة في النظرة إلى هذه الفئة من الأطفال، وتمثل قصصاً واقعية لشخصية واحدة وهي طفلة ذات إعاقة، تعبّر فيها عن مشاعرها بالفرحة في عيش مغامراتها في بعض المواقف (لم نعتد على مغامرات أطفال الإعاقة)، وانزعاجها من النظرة السلبية تجاه المعوقين في مواقف أخرى. وتهدف إلى لفت نظر الأهل في كيفية تعاملهم مع أطفالهم من ذوي الإعاقة، من أجل أن تكون المبادرة أولا من قبلهم لدفع أطفالهم ودمجهم في المجتمع، وتدريبهم على الاستقلالية عبر خوض تجاربهم الخاصة بمفردهم، كونهم قادرين على ذلك. ومن خلال خلاصة حوارين أجريتهما مع كاتبة السلسلة في فترات سابقة، فإنّ من المهم الإشارة إلى أن المؤلفة مع ذلك لا تؤمن بالحاجة إلى تخصيص أدب طفل خاص بالإعاقة تفادياً للتمييز، وتطبيقاً لمبدأ الدمج الذي يمكن تحقيقه بطريقة تلقائية من خلال الأعمال الأدبية كافّة، قصصية ومسرحية وشعرية وكلها أساليب تمتاز بما فيها من جمال وتشويق وخيال وتصحيح مفاهيم وربط للأحداث يمكن تقديمها للأطفال عامة وذوي الإعاقة خاصة. مع الإشارة إلى الأعمال الخاصة بالأطفال ذوي الإعاقة يمكن تصنيفها موضوعياً، وإدراج موضوع الإعاقة في سلم تصنيفاتها فقط. لا تزال قضايا فئات الاحتياجات الخاصة مهمَّشة في مجتمعاتنا العربية بكل إشكالاتها الإنسانية، وهي تحتاج منا الاهتمام بها لتنسجم معنا ولتواكب المتغيرات الحاصلة حولنا، ويجب أن نتوقف عن النظرة التقليدية لها، وهي نظرة العطف والشفقة والضعف، وبالوقت نفسه لا ينبغي أن نجمِّل أوضاعها أو نصنع من أفرادها أبطالا خارقين دوماً، على مذهب المثل القائل: (كلّ ذي عاهة جبار)... الواقعية مهمة، والأهم دمجهم في مجتمعاتنا وتدريبهم على الاستقلالية وتشجيعهم على خوض تجاربهم الخاصة، كما جرى التنويه لذلك آنفاً.
365
| 29 يوليو 2015
في الأيام الأخيرة لرمضان وفي أيام عيد الفطر الذي مرّ بنا مؤخرا، استرعاني أكثر من موقف بين ما يدعو للألم وما يدعو للأمل، وحياتنا على الصعيد الشخصي وعلى صعيد الشعوب تراوح بين هاتين المسافتين، لاسيَّما في العقود والسنوات الأخيرة.ولعل مما آلمني ما يلي:ـ صَبغ وجه العيد الجميل بلون الدم القاني سواء من قبل النظام السوري الذي قتل المصلين في مدينة الباب أثناء خروجهم من صلاة العيد، وغيرها من المدن والمناطق خلال أيام العيد، أو من قبل داعش حينما فجّر سوقا شعبيا في مدينة ديالى العراقية فقتل من بسطاء الناس وفقرائهم ممن يسعون للحصول على الثلج لتبريد الماء أكثر من مائة شخص من الأبرياء العزّل.وإذا كان قتل المدنيين في الحالات العادية إجراما فما بالك في أيام العيد التي يفترض أن تكون فرصة للترويح وإدخال السرور على قلوب العباد والتوسعة عليهم، فلاشك أن الإجرام يكون أكثر إيلاما ووحشية. ـ أن تكون تهنئة العيد التي يتم تبادلها بين السوريين، وبين أبناء الشعوب العربية التي تمر بظروف مماثلة كما في العراق واليمن، هي الدعاء بالفرج القريب ولمّ الشمل، فلا يعرف قيمة الوطن إلا من فقد حضنه الدافئ بين نازح ولاجئ، ولا يقدّر قيمة الأمن إلا من عايش الخوف ورأى مناظر الموت والهلع في الوجوه بسبب القصف، وقيمة المسكن والمأوى إلا من تهدّم بيته أو تضرر فاضطر لتركه أو خاف على نفسه من القصف فابتعد عنه مضطرا بحثا عن ملاذ آمن، ومعروف أن آخر التقديرات تشير إلى وجود حوالي 12 مليون لاجئ ونازح سوري، أي ما يعادل نصف تعداد السكان في أقل تقدير. ـ ومما آلمني وأسعدني بالوقت نفسه قيام مجموعة تطوعية في الغوطة المحاصرة التابعة لمدينة دمشق بتنفيذ حلاقة شعر لـ 3000 طفل سوري في الفترة الواقعة بين العاشر من رمضان وحتى نهاية الشهر الكريم، وذلك في إطار مشروع أسمته بهجة العيد، ما آلمني أن تصبح حلاقة الشعر نشاطا خيريا رغم ضآلة قيمة الحلاقة، ما يعني ضيق ذات يد الأسر المحاصرة وعدم تمكّنها عن حلاقة شعر أبنائها، ومعلوم أن من الاستعدادات التي يحرص عليها الآباء قبيل العيد، حلاقة شعر أبنائهم وتحميمهم وتنظيفهم، ليبدوا مع اللباس الجديد بأبهى صورة وأجمل زينة، ولكن عزّيت نفسي أنّ الأمة الإسلامية في أوج عزّها ورخائها خصصت أوقافا لتوفير منشدين للمرضى الذين يؤرقهم ألم المرض، وأوقافا خاصة بالأواني التي تُكسر لتعويض من كسرها كالعبد حتى لا يتعرض لتعنيف من سيده، وما أسعدني هي الروح التكافلية والمبادرات الإيجابية لسد الخلل وإدخال السعادة على القلوب وبخاصة الأطفال في مثل هذه المناسبات، إذ ينبغي أن يعيشوا ونعيش فرح العيد بغض النظر عن الهموم والمنغصات. وخارج المأساة السورية ومأساة الشعوب التي تعيش ظروفا مماثلة لفت انتباهي أمران اثنان خلال المدة التي أشرت إليها، الأول برنامج "خواطر" للإعلامي أحمد الشقيري حيث أظهرت حلقاته الأخيرة كيف استطاع أن يحوّل الخواطر (الأفكار) إلى أعمال ومشاريع تُرجمت على أرض الواقع، أي أنه تجاوز صفة البرنامج الإعلامي أو التوعوي إلى المشروع النهضوي التغييري المهتم بشريحة الشباب أهم شرائح المجتمعات، وفي انفوغرافيك وضع على صفحة الشقيري يتضح أن البرنامج استطاع من خلال مشاريعه التي نفِّذت خلال 11 عاما تحقيق منجزات عملية متعددة من أهمها على سبيل المثال لا الحصر: حفر 400 بئر، تعليم 3180 طفلا، إقامة 1050 مشروعا صغيرا من مشاريع التمكين الاقتصادي، كفالة 2727 أسرة لاجئة، وبناء مدرسة لـ1900 طالب وطالبة، وعلاج حوالي 2300 مريض. لكن ما آلمني توقف البرنامج دون التصريح عن بديل له.. وعسى أن يكون التوقف مرحلة لتخمير وطرح برنامج آخر يصبّ في التوجه العام الذي تبناه الشقيري، وإن برؤية جديدة، لأن التجديد والتطوير من طبيعة الأشياء. أما الأمر الآخر الذي أثلج الصدر فهو حملة "مخالفات معايدة" لإدارة المرور في قطر، والتي استمرت طيلة الأيام الثلاثة للعيد، حيث كان رجال المرور يحررون المخالفات للسيارات التي يوقفها أصحابها في الأماكن العامة والأسواق ووسط التجمعات الجماهيرية، ولكن هذه المخالفات كانت عبارة عن تنبيه للمخالف بما ارتكبه من مخالفة فقط من أجل عدم تكرار ذلك مرة أخرى، بهدف رفع الوعي المروري لديه، دون تكدير خاطره بدفع مقابل مادي في فترة العيد، وللتأكيد على أن إدارة المرور لا تهدف من وراء المخالفات إلى جمع الأموال، وإنما لكبح جماح المخالفين الذين قد يتسببون بإيذاء أنفسهم وقد يتعدى الضرر لغيرهم أيضا، وهذه الحملة بلا شك حملة توعوية راقية وغير مسبوقة، وقد ترك تطبيقها ارتياحا كبيرا، ولعل القائمين عليها يسعون لتطويرها والتفكير بمبادرات تؤكد على نفس المعاني على مدار العام.
950
| 22 يوليو 2015
ليست المرة الأولى التي أتابعُ فيها عن كثب قصص النجاح وخصوصا في مجال الأطفال والشباب المتميزين من أصحاب المواهب والقدرات، أو تجارب العمل التطوعي والإنساني المتميزة وذات الأثر، فهي من الأمور التي استمتع بقراءتها وتقديمها للقراء، باعتبار أنها تمثل نماذج للتأسي والاقتداء، وحفز الهمم والانطلاق نحو الأفضل على مستوى الأفراد والمجتمعات.والحقيقة أن الاهتمام بهذا الجانب ما يزال دون مستوى الطموح عربيا، سواء على مستوى مجلات ومواقع الأطفال أو في صحف ومجلات ووسائل إعلام الكبار، وهو لا يأخذ الحيز المطلوب في النشرات والصفحات الإخبارية رغم أهميته الكبيرة .أهمية هذا الجانب تنبع من تشجيع الموهوبين وأصحاب القدرات والتميز والاجتهاد والعطاء والمبادرات المجتمعية الإيجابية، لضمان تواصل عطائهم وتميزهم، ولتسليط الضوء على تجاربهم من أجل أن تحظى بالدعم والاهتمام، ولتعريف الآخرين بها عسى أن تمثّل لهم الحافز والقدوة الحسنة.أعجبني الإعلامي السعودي أحمد الشقيري أنه قدّم كثيرا من هذه التجارب المتميزة عربيا وإسلاميا ودوليا وشجع الشباب على خوض غمار المبادرات وقدم هذه التجارب للجمهور ومتابعي برنامجه الرمضاني المعروف "خواطر" ، بل وأكثر من ذلك قام بتكريمهم، خصوصا في هذا الشهر الكريم (النسخة الحادية عشرة والأخيرة) مع الإشادة بجهودهم واستدامة عطاء بعضهم .أصحاب العطاء بشر ، وعندما يشعرون بالاهتمام والتكريم من الجهات المختلفة فلاشك أنّ هذا يترك أثرا إيجابيا عليهم والعكس صحيح، وما أعنيه أن كثيرا من أصحاب القدرات والمبادرات والتميز قد لا يواصلون مشوارهم لأنهم لم يجدوا التقدير والدعم المادي والمعنوي، وبالتالي تفقد أوطاننا طاقات مهمة يمكن أن تسهم في بنائها وتنميتها لهذا السبب.أعرف أستاذا لي من الشعراء المتميزين حصل عندما اقترب من الستين من عمره على جائزة أدبية رفيعة فاشترى بها بيتا، فكان يقول لمن هم حوله متندرا: هل ستظلون تقولون لي إن الشعر لا يطعم خبزا، أو حسب لهجة أهل مصر ( ما يأكلش عيش)! .وفي هذا الشهر الكريم أيضا قرأت في صفحة أحد شعراء الأطفال المتميزين على الفيسبوك متندرا أيضا وهو يوضح كيف أن صديقه وهو صاحب مكتب لبيع العقارات نهر ابنه ومنعه من مواصلة كتابة الخواطر الأدبية وقراءة الكتب قائلا له باللهجة الشامية الدارجة: ( والله إذا بعد هذه المرة شفتك عمبتخربش من هالشغلات لأملص رقبتك )، كل ذلك بعد أن علم من صديقه ( كاتب وشاعر الأطفال الذي يقترب من الستين من عمره) أنه لا يملك قيمة شقة صغيرة عرضها عليه، رغم أن ثمنها لا يساوي أكثر من 25.000 دولار ، ورغم كل دواوينه المطبوعة وأعماله المنشورة وهي كثيرة، وبالتالي هو يشفق على ابنه من مصير مشابه لمصير أديب الأطفال المرموق.وقبل أن ينقضي هذا الشهر الكريم قدّمتُ للأطفال في أحد المواقع الإلكترونية المهتمة بإعلام الطفل ، تطورا جديدا ولافتا في حياة طفلة باكستانية اسمها آسية ( 10 سنوات ) تحبّ العربية وبفضل والدها تعلمتها، وحصلت على دبلومين جامعيين في المحادثة بالعربية، وألفت كتابين بالعربية لغير الناطقين بها وذلك قبل بلوغها التاسعة من عمرها، ومع ذلك لم تكتف بذلك فها هي تحوّل بيتها لفصل دراسي، وتقيم فيه دورة طيلة شهر رمضان لكي تعلِّم فتيات في مثل سنها العربية، ليس هذا فحسب بل ستختتم الدورة بحفل توزيع الشهادات على الفتيات المشاركات، في نهاية هذا الشهر الكريم، وبحضور أولياء أمور الطالبات ومعلماتها كما ستقوم بتكريم طالباتها بجائزة وتقديم عيدية لكل منهنّ، وهذا العمل تقوم به للعام الثاني على التوالي، بتشجيع ودعم من والدها الكريم ..أليس حريّا بنا أن نتعلم من هذه المعلمة الصغيرة ( التي أطلقتُ عليها أصغر معلمة للغة العربية ) معاني العطاء وتشجيع الآخرين ودعم التجارب الناجحة ؟! الاحتفاء بالمتميزين وأصحاب التجارب الناجحة والمبادرين بحر واسع وله أشكال وأساليب متنوعة وهو مهم في البدايات للتشجيع والرعاية ، ومهم أيضا في المراحل التالية لضمان الاستدامة والشعور بالتقدير، ولتكريم العظماء في الحياة قبل الممات، وهو ما من شأنه دعم عمليات تنمية المجتمعات، والأخذ بيدها إلى معارج النهوض والرقي والتقدم. ولأننا مازلنا في شهر الجود والعطاء فإن التذكرة بالواجب تجاه أصحاب الطاقات المتميزة والمبادرات المعطاءة لابدّ منها، عسى أن تجد آذانا صاغية.
375
| 15 يوليو 2015
لم تعد التغريبة مقتصرة على الفلسطينيين، فقد دهانا ما هو أشد وأنكى وأكبر منها منذ عدة سنوات، ونقصد بتلك التغريبة السورية التي هي في الصدارة، وثمة تغريبة عراقية ويمنية، بسبب إصرار الأنظمة المستبدة على التصدي بالحديد والنار لمطالبات الشعوب لها بحقها في الحرية واستعادة كرامتها، أو الانقلاب على ثوراتها والمؤسسات الديمقراطية الشرعية التي انبثقت عنها، وإعادة البلاد للحكم العسكري الديكتاتوري. وتبرز مأساة اللاجئين في المنطقة العربية، على اعتبار أن الأزمات التي شهدتها المنطقة خلال الأعوام الأخيرة، كانت مسؤولة عن العدد الأكبر من اللاجئين في العالم، وقد بدا ذلك واضحا في تصدر أزمة اللاجئين السوريين للفعاليات التي نظمتها المفوضية العليا للاجئين في مناطق مختلفة من العالم، حيث وصفها البعض بأنها أسوأ أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية (حوالي 4 ملايين شخص في مدة أربع سنوات). في مثل هذه الظروف وبسبب حجم الكارثة وتفاوت قدرة اللاجئين على تلبية الاحتياجات الأساسية الخاصة بهم وبأسرهم من مسكن ومأكل وتعليم ورعاية صحية وتفاوت القدرة على احتمال شدة وطأة المصاب، وصمت العالم عن هذه المأساة الإنسانية الكبيرة، تتفشى مشاعر الإحباط واليأس في أوساط شرائح من اللاجئين، وتهيمن السلبية والسخط على حياتهم، في مواجهة ظروف الغربة التي فرضت عليهم قسرا، بدلا من التكيف مع البيئة الجديدة واستثمار إيجابياتها في حاضرهم ومستقبلهم. أعجبني في هذا الصدد الفيلم القصير:"هاجر" الذي لقي ومازال تفاعلا واسعا على شبكات التواصل الاجتماعي، باعتبار أنه يعرض مفهوما مختلفا للهجرة، ويعطي نظرة جديدة لمفهوم الوطن والغربة، حيث يقارن بين ما فعله الرسول الكريم عندما هاجر من مكة إلى المدينة، وما قد يفعله بعض من يهاجر اليوم تاركا وطنه وأرضه حاليا، ويحرص الفيلم الذي أنتجته وأخرجته كوادر سورية فرض عليها البعد عن وطنها في السنوات الأخيرة، على تذكير المغترب بضرورة السعي للاستفادة من مكاسب البلد المحتضِن، بدل البكاء على أطلال الوطن وحلم العودة، رغم أهميته، طالما أن الابتعاد جاء لأسباب قسرية. لا شك أن الغربة فصل طارئ في حياة الناس، والأصل هو العيش في الأوطان وإسهام أبنائها في بنائها وتنميتها، والتطلع للعودة إليها مهما شطّ المزار وبعدت المسافات، وبلغ حجم التحديات التي تمنع من ذلك لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، باعتبار أن ذلك غريزة إنسانية فطر الله الإنسان عليها، ولكن بالإمكان تحويل المحنة التي تفرض على البشر إلى منحة، واستثمار الفرص لصالح الإنسان اللاجئ أو المهاجر حتى تحين ساعة العودة، ونقصد تطوير القدرات والمهارات والإفادة من خبرات الدول المستضيفة والفرص المتاحة فيها والمزايا النسبية التي تتمتع بها، وتقديم نماذج مشرِّفة على مستوى الأفراد والمجموعات من خلال التفاعل مع بيئات الدول التي استقبلتهم. وهو ما سينعكس على مستقبلهم الشخصي وعلى مستقبل بلادهم الذي يفترض أن يسهموا في صياغته. وقد كشفت الأيام والشهور الماضية عن العديد من النماذج المشرفة قدّمها اللاجئون السوريون في الدول التي اضطروا للجوء إليها، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، فقد حصل طفل سوري لاجئ في ألمانيا على جائزة إمبراطور القراءة في مسابقة نظّمتها مكتبة بلدة هارتزبيرغ بولاية ساكسونيا، رغم مضي ثمانية أشهر على وصوله للأراضي الألمانية، كما حصلت طالبة سورية (نور ياسين) على العلامة التامة في الثانوية ببلدة شفيدت بولاية براندنبرغ الألمانية رغم أنها أتت لألمانيا لاجئة قبل ثلاث سنوات، وحدث مثل ذلك مع الطالب السوري فراس مصري في بريطانيا الذي تم تعيينه مدرسا مساعدا في جامعة مانشستر لإدارة الأعمال عام 2013، لتفوقه خلال دراسته، وتم تكريمه مؤخرا كأفضل مدرس مساعد.وقد رصدتُ مؤخرا فوز ثلاثة من أدباء ورسامي الطفل السوريين بثلاث جوائز من أصل تسع جوائز منحت هذا العام من قبل جائزة الدولة لأدب الطفل بدولة قطر، وأعرف على الأقل واحدا منهم كان يعاني من ظروف غير مستقرة بسبب الأزمة. وحتى لا يُحمَل المقال على غير ما أريد له، فإنه لا يمثّل بحال من الأحوال دعوة للتخلي عن الأوطان وثوراتها وقضاياها الأساسية، أو للذوبان في محيط الدول التي تستقبل اللاجئين والبقاء فيها إلى مالا نهاية، بل هو دعوة للاعتماد على الذات باقتدار والتميز والتفوق في الغربة، والتكيف مع الواقع واغتنام واستثمار الفرص المتاحة طالما أنّ ظروف اللجوء مفروضة على من اضطر لمغادرة دياره.
305
| 08 يوليو 2015
شهدت الأيام القليلة عددا من حوادث العنف والقتل في كل من الكويت وتونس ومصر، وهو عنف مرفوض دونما شك، ولاقى إدانة وشجبا واسعين من قوى محلية ودولية، لكنّ ما يؤلم ويحزن أمران، الأول أن كثيرا ممن يدينون هذا العنف ـ من أنظمة وأحزاب وجماعات وشخصيات.. لا يدينون عنفا مشابها لأنظمة ديكتاتورية دموية، أو جماعات وميليشيات تدور في فلكها رغم أنها ـ الأنظمة وهذه الجماعات معا ـ تمارس نفس الأدوار بل أكثر من ذلك بكثير منذ سنوات وعقود، أيّ أن في الأمر نفاقا بيّنا وازدواجية مقيتة، والأمر الآخر هو عدم البحث عن مسببات العنف الكامنة وراء العمليات الانتحارية والعنفية الأخرى، رغم أن الوقاية دوما خير من العلاج، وأنّ التغلب على المشاكل لا يتحقق من إلا بإزالة مسبباتها. كثير من الشخصيات الحزبية والإعلامية التي تحدثت بألم عن جريمة تنظيم الدولة "داعش" ضد أحد مساجد إخواننا الشيعة، سبق أن أنكروا جرائم النظام السوري بحق شعبه من المدنيين العزّل، أو حاولوا تبرير أعماله أو المخادعة بشأن حقيقتها، كما دافعوا بشراسة عن مساندة النظام الإيراني والميليشيات التي تدور في فلكه وفي مقدمتها حزب الله لنظام الأسد، تحت مبرر مفضوح ألا وهو الممانعة والتصدي لمخططات الكيان الصهيوني، رغم أنهم يعرفون أن النسبة الضخمة من ضحايا النظام مدنيون من الأطفال والشيوخ والنساء الذين لاحول لهم ولا قوة ، وأن ما يحدث يتمّ بسبب قصف المناطق الآهلة بالسكان المدنيين ببراميل الموت وبالكيماوي والغازات المحرمة دوليا، كما أن استهداف مدن ومناطق بالعراق تتم تحت لافتات مذهبية معروفة.سلوك هذه الشرائح المشار إليها أعلاه في إطار اصطفافات سياسية ومذهبية خلق حالة من الكراهية الشديدة لدى الشعب السوري وشعوب عربية مظلومة أخرى إزاء سياسات النظام الإيراني الداعمة لنظام الأسد الديكتاتوري وضد الجماعات والميليشيات والشخصيات التي تدور في فلكه، وإزاء الظلم والتعذيب والتنكيل الذي تعرض له الكثيرون على يد الأنظمة الدموية كما في سجون نظام الأسد والنظامين العراقي والمصري، كما أنّ انقلاب أنظمة جديدة على الشرعية الدستورية والانتخابات الديمقراطية، جعل كثيرا من الشباب يكفرون بالعملية الديمقراطية وجدواها، وربما أدت ببعضهم للتطرف بقصد أو بدون قصد، والإيمان بطروحات الجماعات التكفيرية والعنفية.أسباب كثيرة تقف وراء العنف منها ديكتاتورية وعنف الأنظمة، وغياب آليات التعبير عن الرأي أو لنقل منع أو كبت أيّ صوت حر ورفض الإصلاحات التي طالب بها الشعب، والانقلاب على العملية الديمقراطية، وكلنا يتذكر أن الثورة السورية التي انطلقت بصورة عفوية كانت سلمية وبقيت كذلك من خلال المظاهرات التي شارك فيها مئات الآلاف لمدة ستة أشهر على الأقل، ولم تلجأ لحمل السلاح إلا عندما جابهها النظام بالرصاص والسحق والقصف، ورفض الاستجابة لمطالبها العادلة. وما يحدث في مصر من اغتيالات وتفجيرات خلال السنة الماضية والحالية، وإن كانت محدودة فهي ليست إلا تعبيرا عن حالة الاحتقان واليأس بعد تم الانقلاب على الاعتصامات السلمية والعملية الديمقراطية. وللنظام الإيراني والجهات التي تتبع له دور كبير في شحن الأجواء وتوتيرها وتسميمها وتشجيع العنف والتطرف نظرا لتدخله في الشؤون العربية سواء من خلال نشاطه المذهبي التبشيري في دول عربية متعددة منذ سنوات، أو لجهة دعمه السياسي والعسكري لكيانات ميليشياوية تعد أذرعه في المنطقة كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وجماعات مماثلة في العراق، أو لجهة دعمه السياسي والعسكري الواضح لأنظمة تقتل شعوبها كما في سوريا والعراق، وتوريطه لجزء من الشيعة العرب في أتون مطامعه التوسعية في المنطقة، وكل ما سبق من شأنه يؤجج النزعات الطائفية ويغذي نزعات الانتقام والعنف. ومن الأسباب المهمة فيما يحدث صمت ما يسمى بالعالم الغربي المتحضر عن إجرام الأنظمة العربية الظالمة وعدم اتخاذ مواقف من شأنها الأخذ على يدهم بما في ذلك إقامة مناطق حظر جوي أو تنظيم مناطق وممرات آمنة للمدنيين، وموافقتهم ضمنا على عودة ديكتاتورية العسكر والانقلاب على العملية الديمقراطية، كما حصل في مصر والصمت عن جرائمهم المتواصلة، والسكوت عن دعم النظام الإيراني للنظام السوري والحوثيين المنقلبين على الحوار الوطني وشرعية الحكومة والدولة اليمنية. أكرر أنا ضد العنف بحق المدنيين والقتل العشوائي وأدين بشدة عمليات العنف الأخيرة، ولكني بنفس الوقت أدين كل إجرام الجهات التي أشرت إليها آنفا وأعتبر أن عنفها قاد لعنف مماثل وعليها أن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية تجاه ما يحدث. علينا أن نزيل أسباب الاحتقان والتأزم والكبت والقهر والتسلط والتوغل حتى نعيش جميعا بسلام وأمن وأمان.
284
| 02 يوليو 2015
لا يكتفي الطغاة بإلحاق الأذى والضرر والعنت بالشعوب التي يحكمونها وهي تحت قبضتهم، بل يتجاوز الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك، أي إرغامهم على ترك ديارهم وأوطانهم، ثم مطاردة المعارضين لهم في كل أرض وتحت كل سماء، وتشويه صورتهم والانتقام منهم، ومحاولة اغتيالهم، أو محاولة إعادتهم للتنكيل بهم، أو السعي لإسكات أصواتهم الحرّة.أقول هذا الكلام بمناسبة محاولة نظام الانقلاب في مصر الفاشلة لتوقيف الإعلامي المعروف أحمد منصور في ألمانيا ومن ثم ترحيله للقاهرة.ولأنّ منصور صحفي يعمل في شبكة إعلامية ضخمة، تسعى للدفاع بقوة عن العاملين فيها عند تعرضهم للمكروه، ولأنه يتمتع بشهرة واسعة عربيا بحكم البرامج الناجحة التي يقدمها منذ سنوات، ولارتباط الموضوع ببعد سياسي بيّن يتعلق بالموقف المعادي للسلطات المصرية من قناة الجزيرة ومن السماح لها بالعمل داخل بلادها منذ الانقلاب، واعتقال عدد من كوادرها.. فإنّ اعتقال منصور الذي غدا طليقا منذ الاثنين الماضي قد نال حظه من الاهتمام وتم تسليط الضوء عليه وربما أسهم ذلك في تسريع الإفراج عنه، لكنّ كثيرين تعرضوا لمثل ما تعرض له منصور وربما أكثر من ذلك، أو يمكن أن يتعرضوا لمثل ذلك خلال هذه الفترة الحالية والمستقبلية لم تسلط الأضواء على معاناتهم أو معاناة أضرابهم. قامت كثير من الأنظمة الديكتاتورية العربية خلال العقود باغتيال وتصفية العديد من المعارضين لها في الدول التي لجأوا إليها أو تم اختطافهم أو استدراجهم بطرق مخابراتية قذرة ومن ثم إعادتهم لدولهم ومن ثم اعتقالهم وتصفيتهم، وما تزال هذه اللعبة تمارس حتى اليوم.وكأن الطغاة وكل من يعاونوهم لا يكفيهم ما يفعلون بالشرفاء من شعوبهم سواء تعلق الأمر بالسجون الكبيرة وما تتضمنه من إذلال وتعذيب يمتهن الكرامة الإنسانية، أو عقاب جماعي من خلال القصف بالأسلحة المختلفة بما فيها المحرّمة دوليا، والملاحقة واضطرارهم للنزوح واللجوء والتشرد في بلاد الله الواسعة بأعداد تصل للملايين، ليواصلوا عمليات الإيذاء لهم حتى وهم بعيدون عن سلطانهم بأساليب شتى منها على سبيل المثال لا الحصر توجيه الاتهامات الكاذبة لهم، وقد كشف إعلامي كبير آخر في الجزيرة كيف تمّ اتهامه من قبل النظام السوري بتحويل بيته لمركز لإيواء وتدريب الإرهابيين وتصنيع الأسلحة الثقيلة وحفر الأنفاق، فضلا عن إيذاء أرحام وأقارب المعارضين واعتقالهم للضغط عليهم، وإصدار أحكام قضائية مسيسة عليهم غيابيا، ومنع الوثائق عنهم والتي تعد حقا أصيلا لهم كجواز السفر، وصولا إلى إسقاط الجنسية عنهم. نفهم أن كثيرا من جرأة هذه الأنظمة المستبدة في تعاملها المشين مع شعوبها التي ترفض تكميم أفواهها يتم بسبب صمت ما يسمى بالعالم الغربي المتحضر الذي يوصف بالديمقراطية عن جرائم هذه الأنظمة وتواطؤها معها، بسبب حفاظها على مصالح هذه الدول ومصالح حلفائها في المنطقة، أو لخشيتهم من سيطرة تيار الإسلام السياسي فيما لو سقطت هذه الأنظمة، ولكن أنّ يتمّ عقد اتفاقات وتفاهمات سريّة بينها وبين هذه الأنظمة المستبدة لتمرير صفقة على مستوى تسليم صحفي مطلوب لنظام بلاده على خلفية سياسية وتجاوز كل القوانين والأعراف، فذلك شيء يدعو للاستغراب الشديد، ويدل على الحضيض الذي وصلت إليه هذه الدول الغربية، التي تتشدق بتبني الحريات والدفاع عن الحقوق والحريات. وإذا كان واقع الأنظمة الاستبدادية والانقلابية في عالمنا العربي يؤكد أنها خارج سياق التاريخ وفهم المتغيرات المتسارعة من حولها، والتطورات التي عرفتها المنطقة مؤخرا، وإصرارها على منطق القوة والحديد والنار في التعامل مع خصومها السياسيين، فإن ما ينبغي أن يفهمه الغرب أن تحالفه مع الأنظمة المستبدة وعقد صفقات سيئة معه سيؤدي إلى انفجار عاجل قريب أو بعيد، وسيحول هؤلاء المعارضين شيئا فشيئا إلى خانة التطرف، وبالتالي تخرج الأمور في المنطقة عن نطاق السيطرة، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى الإخلال بالأمن الإقليمي والدولي، ولن يقتصر شرره على المنطقة بل سيتسع إلى دوائر أوسع، فالقطّ إذا ما حوصر في زاوية ضيقة يصبح كالنمر الجريح، ينقض بشراسة على كل مّن هم حوله. سيكون لما لحق بالصحفي المصري أحمد منصور تداعيات قريبة أو بعيدة الأجل على حكومة المستشارة الألمانية ميركل، كما أكد منصور نقلا عن صحف وشخصيات ألمانية... فهل آن للغرب أن يستوعب الدرس الحالي ويتخلى عن دعم الأنظمة الاستبدادية والانقلابية، ويبتعد عن سياسة إبرام الصفقات المشبوهة معها؟!، وعليه أن يتذّكر أن العلاقة مع الشعوب دوما هي الأبقى والأقوى من العلاقة مع الحكام.
260
| 24 يونيو 2015
يحلو للبعض أن يعزو ما حدث ولا يزال يحدث في عدد من الدول العربية التي تشهد سخونة في الأحداث وتواصلا للأزمات من حرب واقتتال ونشوء دويلات داخل هذه الدول واحتمالات واردة بالتشظي.. يحلو لهم أن يعزوا وزر ذلك لثورات الربيع العربي في إطار المغالطات والمماحكات أو النظرة السحطية، إلى حد اعتبارها مؤامرة مُحكمة ضد الأمة العربية. لكنّ نظرة استقصائية متعمقة للأمور تشير إلى أسباب أخرى يتحمل وزرها من تسبّب بها أو دفع باتجاهها وليس ثورات الربيع العربي.ربما يكون تواصل الربيع العربي ومواجهاته مع من يقفون في وجه تطلعاته إلى الحرية والكرامة حتى الآن قد أفرز بعض الأمور، ولكن هذا لا يعني أن الربيع هو المسؤول عنها بحال من الأحوال. ومن هذه الأمور التي يمكن رصدها على سبيل المثال لا الحصر النزوع إلى العنف والمواجهة المسلحة وازدياد دور المليشيات المسلحة على حساب الجيوش النظامية، وارتفاع وتيرة الاقتتال الداخلي، ونشوء تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وتمدد دويلاته ونمو روح التطرف والغلو لدى الشباب، وتعاظم شأن النزعات الطائفية والمذهبية والقومية الشوفينية بشكل واضح على حساب التعايش والسلم المجتمعي، وانقسام المنطقة إلى محاور وأحلاف بناء على ذلك. لعل من أهم هذه الأسباب التي تقف وراء ذلك:1ـ الاستبداد والظلم والفساد الكبير والمزمن للأنظمة الحاكمة ورفضها القيام بإصلاحات جديّة حقيقية وتفهم مطالب المعارضات، ومواجهة الثورات والاحتجاجات السلمية بالقوة والرصاص الحيّ وهو ما أدى إلى: ـ التحول إلى المواجهة المسلحة مع بعض الأنظمة وظهور فصائل مقاتلة لمواجهة عدوان وعنف هذه الأنظمة، لأنها وصلت إلى قناعة مؤداها بأنّه لا يفلّ الحديد إلا الحديد. ـ انعدام الأمن والاستقرار، واضطرار الملايين من المدنيين للنزوح واللجوء.2ـ النظام الإيراني وأهدافه التوسعية ذات الطابع القومي (الفارسي) والمذهبي (الشيعي) في المنطقة، وقد اتضح ذلك من خلال: ـ التدخل السافر في الشأن العراقي بعد غزو أمريكا للعراق والمرحلة التي تلتها ودعم المليشيات الشيعية.ـ دعم الأنظمة الموالية لها، ومشاركة قوات الحرس الثوري بريّا إلى جانب مليشيات الحشد الشعبي والجيش العراقي ضد المناوئين لهم. ـ دعم النظام السوري عسكريا بالسلاح والخبراء والعناصر بما في ذلك المرتزقة ودعمه اقتصاديا بقوة أيضا. ـ تحريك ودعم المليشيات التابعة في المنطقة لها لخدمة أهدافها التوسعية، كدعم جماعة الحوثي في اليمن الذي كان يهدف للسيطرة على مقدرات اليمن بالقوة، وقبلها كحزب الله والمليشيات الطائفية العراقية للقتال إلى جانب هذا نظام الأسد. وقد أدى ذلك: ـ تزايد الانقسامات المذهبية والنعرات الطائفية والكراهية على مستوى الشعوب.ـ نشوء تنظيم الدولة "داعش" في سوريا في ظل التجييش الطائفي الإيراني وتمدده جغرافيا على مساحات واسعة .3ـ السياسات الأمريكية الخاطئة في المنطقة الجهات الثلاث هي المسؤول الأساسي عن تواصل الأزمات في المنطقة وعن الإفرازات الناتجة عنها، والقفز على الحقائق مغالطات مفضوحة.
238
| 03 يونيو 2015
لي صديق كاتب أطفال مرموق يعتبر أن "ربيع الثورات العربية" أكبر مؤمرات التاريخ على العرب ( بهذا النصّ) ، ليس هذا فحسب، بل هو في غاية السخط على هذا الربيع لأنّه كما يزعم هدّد الطفولة في بلادنا العربية. شعور بالحزن والأسى انتابني لحالة صديقي المبدع لأسباب كثيرة أهمها أنه : ـ تغاضى عن شتاء عربي طويل وبئيس هو أولى بالسخط لأنه على مدار عقود لم يسرق ابتسامات وأحلام الأطفال فحسب، بل سرق حاضرهم ومستقبلهم، ولأنه قتل فيهم روح الحرية، التي تعدّ عنوان النهوض والإبداع لأي أمة ، بسبب استبداده وعقليته الفردية ( الحزب القائد، والقائد الرمز الذي ينبغي أن يحكم للأبد، وتوريث الحكم في مهزلة مضحكة مبكية لنظام يعتبر أنه جمهوري ) ..عقلية أقل مايقال فيها أنها تتبنى تماما قاعدة الديكتاتوريين " ما أريكم إلاّ ما أرى" . ـ حتى في ظل الربيع ـ الذي لم يعجب صديقي وله رأيه ـ لم يميّز بين من يهدّد الأطفال بحق ..أهو هذا الربيع أم مَن وقف في وجه أزهار الربيع ، هل يتذكر صديقي من اعتقل أطفال درعا بسوريا الذين كانت أعمارهم 15 عاما أو أقل لأشهر ـ وأزهار ربيع الثورة السورية ما تزال تتبرعم حينها 2011عام ـ لا لشيء إلا لأنّهم كانوا يعبّرون عن رأيهم بطريقة حضارية، أم أنّه يعتبر أن كتابة العبارات الناقدة التي خطّتها أناملهم على جدران مدارسهم " إرهابا" وليست حقا أصيلا من حقوقهم ( حق الإنسان في التعبير عن رأيه). ـ كما لم يأتِ صديقي ـ لا الآن ولا من قبل ـ على ذكر من يهدد الأطفال بحق ، لم أسمعه تحدّث مثلا عن براميل الموت التي صبّت حممم متفجراتها البشعة من علٍ على عشرات المدارس ـ نعم على المدارس ـ والبيوت الآمنة في حلب وإدلب ومعرة النعمان وغيرها فتناثرت الدماء الزكية لطلبتها على أوراق دفاترهم واختلطت مع ألوان محابرهم. ولا الأطفال الذين اختلطت لحوم جثثهم الغضة بأرغفة الخبز أثناء استهداف النظام " الممانع" لهم وهم ينتظرون دورهم في طابور الانتظار على أبواب الأفران، ولم ينوّه بملايين الأطفال الذين هربوا من الموت فتشردوا في بلادهم أو توزّعوا على المنافي القريبة والبعيدة نازحين ولاجئين، وحرم مئات الآلاف منهم من حقهم في التعليم والمأوى الآمن اللائق، وصار كثير منهم مضطرين للعمل في سن مبكّرة.الإحصائيات الموثّقة لمنظمات الأمم المتحدة تشير إلى أن أعداد الأطفال السوريين اللاجئين يشكلون نصف عدد اللاجئين السوريين لدول الجوار أي ما يزيد على مليون ونصف المليون طفل، وعدد الأطفال السوريين النازحين عن ديارهم (في الداخل السوري) يشكلون أيضا نصف إجمالي عدد السوريين النازحين أي ما يزيد على ثلاثة ملايين طفل، وبالتالي فإن العدد الإجمالي للنازحين واللاجئين من الأطفال السوريين يصل لخمسة ملايين طفل تقريبا أي حوالي 20 بالمائة من إجمالي عدد الشعب السوري وثمة من يرفع العدد إلى سبعة ملايين..ببساطة شديدة من المسؤول عن تشريدهم ؟ ..هل الربيع العربي أم من يناهضونه بالحديد والنار ، إضافة لتنظيم "داعش" الذي يعدّ النظام السوري مسؤولا عن وجوده في سوريا وتمدده السرطاني، لأن النظام هو من عمل على عسكرة الثورة بعد أن واجه سلميتها بالرصاص الحيّ. وهل الملايين الخمسة يا صديقي إرهابيون؟! وماذا عن أكثر من 1.300.000 طفل سوري حرموا من حقهم الطبيعي في التعليم ؟!الطفولة بأفقها الإنساني الواسع تحتاج منا يا صديقي أن نكون متحيزين لها ولها فقط، دونما تمييز أو انتقائية ، ندين كل من يهددها بحق وصدق في مدينة " اشتبرق" وغيرها من مدن وقرى سوريا، ونلصق به صفة " الإرهاب" كائنا من كان . أتمنى لو أنت فاعل يا صديقي أن تفرِّغ ذاكرات جميع أطفال سوريا وأطفال العرب دونما استثناء أو انتقاء، وبعيدا عن أي توجهات فكرية أو خلفيات تؤمن بها، لتحوّل ألمهم إلى أمل بحق، وأجزم أنك لوفعلت ذلك لأدركت وقتها من هو الأكثر تهديدا لأحلام ومستقبل أطفالنا. وهي ـ بالمناسبة ـ مسألة أخلاقية قبل أن تكون إبداعية. أتمنى أن تكتب عن كل طفل قتل مظلوما في أقبية السجون بعد أن سرقت أعضاؤه، أو سفك دمه الزكيّ إلى جانب ألعابه وكتبه وأقلامه ، وعن أطفال المخيمات وعذاباتهم، وعن الرعب الذي علق في ذاكرتهم البريئة، عن وعن .. فما أكثر ما انتهكت هذه الطفولة قبل الربيع الذي تمقته، في ظل حكم المستبدين وخلال خمس سنوات خلت من عمر الربيع العربي على يد الأنظمة المستبدة التي تسبح ضد التيار ، ومن قبل " داعش" هذه النبتة الغريبة عن بيئتنا ووسطيتنا.
253
| 21 مايو 2015
أبدى ناشط إعلامي يمني تعاطفه مع الثورة السورية وتمنى في منشور كتبه مؤخرا على صفحته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي أن تحقق فصائل مقاومتها نصرا على مقاتلي حزب الله في مواجهات القلمون، فما كان من أحد متابعيه إلا أن علّق عليه بالقول: "دعك في اليمن"، في تنبيه له إلى ضرورة أن يحصر اهتمامه باليمن دون الالتفات إلى قضايا الثورات في دول أخرى. رَدُّ الناشط كان قويا ومُفحِما: "اليمن ليس معزولا عن محيطه وما يحدث في بلدك له تأثير في الشام وفي العراق وفي كل قُطْر عربي، وبالمثل فما يجري في الأقطار الأخرى له انعكاس وتأثير مباشر على مسار أحداث بلدك"، وتساءل في ختام ردّه: "متى نخرج من أسْر عقلياتنا الانعزالية التي أَردتنا موارد الهلاك!". لا مشكلة في ترتيب الأولويات، بحيث يكون تركيز بؤرة اهتمام كل دولة بثورتها أكبر، باعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها، وأن "الأقربون أولى بالمعروف"، ولكنّ هذا لا ينبغي أن يستدعي انكفاء أصحاب كل ثورة على أنفسهم، بحيث يصبحون كجزر منفصلة، لأن ذلك مضرّ بهم وبثوراتهم جميعا لأسباب عديدة: ـ إن أيّ انتصار أو تقدّم في مسار أي ثورة يفترض أن ينعكس عمليا ومعنويا على مسارات الثورات والعكس صحيح.ـ إنّ ثمّة واجبا أخلاقيا وواقعيا يفرض التعاون بين الثورات وإفادة كل ثورة من خبرات الأخرى والسعي لكي تتكامل الجهود وتتلاقح التجارب، وإذا كان التعاون في الظروف الطبيعية مطلوبا، فإنه يكون أكثر إلحاحا في الظروف الاستثنائية كما قال الشاعر: لمّتِ الآلام منّا شملنا.. ونمت ما بيننا من نسب. فيما قال آخر: إنّ المصائب يجمعنَ المصابينا. ـ كثير من هذه الثورات تواجه عدوا مشتركا أو أعداء مشتركين، وأن هؤلاء الأعداء يقوى خطرهم أو يضمحل بناء على حجم المواجهة التي يواجهونها من خصومهم ومدى وجود رؤية موحدة أو تنسيق مشترك فيما بينهم.ـ البيئة المحيطة والفرص المتاحة إذا أحسن استثمارها وتنسيق الجهود حيالها تنعكس بصورة إيجابية على الجميع، وتفتح أبوابا أوسع للفرج والنجاح والخلاص. في مساري الثورتين السورية واليمنية ثمة تشابه في أكثر من أمر، الأول في الدعم الإيراني الواضح لحليفهم (النظام السوري) ضد ثورة مباركة نادت بالحرية ضد نظام ظالم مستبد جرى توريثه، حيث شمل هذا الدعم كافة الصنوف، بما فيه التدخل العسكري المباشر المليشياتي (خبراء وعناصر مقاتلة من الحرس الثوري الإيراني وأذرعهم كحزب الله اللبناني ومليشيات طائفية أخرى من العراق)، ودعمهم العسكري والسياسي لحركة الحوثيين الانقلابية التي تدين بالولاء لهم، ضد الشرعية الدستورية وثورة الشعب اليمني على المخلوع علي عبد الله صالح، والأمر الآخر هو بدء ثورتي الشعب بشكل سلمي واضطرار ثورة الشعبين بعد ذلك إلى اعتماد المقاومة المسلحة، نتيجة مجابهة النظام السوري للثورة السورية بالرصاص الحيّ والاعتقالات والقتل ورفض إجراء أي إصلاحات جدية، وقيام الحوثيين بالانقلاب على مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية واجتياح صنعاء ومدن أخرى والسيطرة على مؤسسات الدولة ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع بقوة السلاح.ونتيجة لما جرى في اليمن اضطرت دول الخليج وقوات التحالف لتنفيذ عاصفة الحزم للجم تهديدات الحوثيين ـ ومن ورائهم مخططات النظام الإيراني ـ ليس في اليمن وإنما على مستوى المنطقة، ولمواجهة هذا الخطر جرت إعادة تحالفات دول عدة في المنطقة، خصوصا بين المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر، إضافة لدول الخليج، وتجاوز الأمر هذا الحد للتنسيق بشأن النظام السوري والترتيب لمرحلة ما بعد بشار الأسد.ولا يخفى أن الشعب السوري المظلوم الذي كان ولا يزال يشكو من براميل النظام وقصفه من الجو.. كان يتمنى على مدار السنوات الماضية أن تكون له حماية دولية من ذلك، من خلال تخصيص مناطق آمنة أو فرض عقوبات دولية على نظام دمشق، ولكن هذا لم يتمّ، لذا فإنه صار ينادي ويطالب بشكل عفوي بضرورة تنفيذ عاصفة حزم مماثلة في سوريا عبر تركيا، وانتقل هذا الحديث إلى الصحافة الدولية ورصدت لقاءات زعيم جيش الإسلام زهران علوش الأخيرة مع النظام التركي، كما رحبت المعارضة السورية بمخرجات القمة الخليجية الأخيرة بما فيها تنظيم لقاء يجمع فصائلها من أجل ترتيبات ما بعد بشار الأسد، وربما هذا لم يكن ليثار سورياً لولا التطورات الأخيرة التي ارتبطت بعزم المملكة العربية السعودية على التصدي للمخططات الإيرانية التوسعية وتهديدها للأمن الخليجي والعربي، وأهمية استثمار أجوائها ضد نظام آخر (النظام السوري) الذي يعد حليفا قديما ورئيسا للنظام الإيراني وخصما لدودا لأغلب دول التحالف. وعلى نحو متصل فإن اللقاء الأخير بين وزيري الخارجية القطري والتركي بحث الأزمتين السورية واليمنية واتضح أن ثمة تطابقا في وجهات النظر إزاءهما. ختاما.. لابد لممثلي المعارضة وقيادات ربيع الثورات العربية من أن يوثّقوا عرى التعاون فيما بينهم، وأن يسعوا لتكامل جهودهم وأن يتبنى كل منهم قضايا الثورات الأخرى، لأنها تنبع جميعا من منبع واحد هو رفض الظلم والاستبداد بكافة صوره وتصبّ في نفس المصبّ، ألا وهو السعي لاسترداد الكرامة الإنسانية وضمان الحقوق الأساسية للشعوب، بما فيها حقها التعبير عن رأيها وتوفير الحياة الكريمة لها، ولاشك أن هذا التعاون والتآزر والتكامل فيما بينها، ونصرة كل منها للأخرى يصبّ في مصلحتها الأخلاقية والواقعية على الأرض.
474
| 13 مايو 2015
قرين أي حرب من الحروب أو نزاع من النزاعات ثمة خسائر بشرية وأخرى في البنية التحتية وتدهور لابدّ منه في الأوضاع الإنسانية والأمنية. تابعتُ خلال الأيام القليلة الماضية عددا من التقارير المُفزِعة عن حالة بلدين يشهدان مثل هذه الأوضاع وهما سوريا واليمن.في سوريا مزيد من القتلى في صفوف المدنيين خصوصا النساء والأطفال بسبب المجازر التي يرتكبها النظام السوري، ومنها تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان وثّقت فيه حدوث خمسين مجزرة على يد القوات الحكومية، وذلك اعتمادا على تعريفه للمجزرة بأنها “الحدث الذي يُقتل فيه خمسة أشخاص مسالمين دفعة واحدة”، وأدت تلك المجازر إلى مقتل ما لا يقل عن 499 شخصا، بينهم 110 أطفال و79 سيدة، أي أنّ 38% من الضحايا كانوا نساء وأطفالا. ـ أن ثمن الحرية غال سواء من أجل الانعتاق من المحتلين أو الظلمة والفاسدين ومصاصي دماء الشعوب، والقاعدة تقول إنه كلما طال أمد السكوت على الظلم كان ثمن الحرية أكبر، وبالتالي فإن الثمن الباهظ الذي نراه في سوريا وغيرها من مردّه إلى السكوت عن الديكتاتورية والفساد اللذين امتدا لحوالي نصف قرن.ـ إن مواصلة القبول بالخنوع أكثر تكلفة من كلفة الثورات بالنظر إلى مستقبل الأمة وأجيالها على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وبحسبة بسيطة على المستوى الاقتصادي على سبيل المثال لا الحصر فإنه يكفي أن نطلع على حجم المنهوب من ثروات الأمة ومن خزائن دولها لحسابات جيوب الفاسدين الخاصة، والخسائر المترتبة على عدم تنمية اقتصاداتها على مدار عقود مضت من دون أمل منظور للتغيير.. يكفي ذلك لنعرف حجم تكلفة الخنوع وقبول البعض باستمراره مقارنة بالأمل المعقود على النهوض المرتبط بالحرية والازدهار المتوقع نتيجة له. ـ إن من يتحمل جزءا كبيرا من هذه تكلفة المآسي هم المناهضون لرغبة الشعوب في التغيير والخلاص من الاستبداد، وذلك بإصرارهم على مواجهة شعوبهم بالحديد والنار والقصف ببراميل الطائرات وغيرها واحتلال المدن، فمثلا في سوريا يتحمل نظام الأسد المسؤولية الكاملة لأثمان نزوح الشعب السوري وتشرده إلى دول الجوار، بسبب خوفه من جرائم ومجازر النظام والخشية من معتقلاته أو اختطافاته وغياب الأمن والأمان، فيما يتحمل الحوثيون وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح كل ما ترتب على احتلالهم لمدن البلاد بالقوة على غير رغبة من سكانها. ـ ومن يتحمل جزءا رئيسا من تواصل هذه المآسي هو ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي لم يأخذ جديا أو فعليا على يد الأنظمة التي تواصل إجرامها على مرأى العالم ومسمعه رغم انتهاكاتهم الجسيمة لحقوق الإنسان واستخدام أسلحة وغازات محرَّمة، كما أنه لم يطبق مبدأ “حماية المدنيين” للتخفيف من معاناة الشعوب المغلوبة على أمرها والتقليل من خسائرها كواجب أخلاقي وإنساني قبل أي شيء. كما يتحمل ما يسمى المجتمع الدولي المسؤولية أيضا لأنه لم يف بتعهدات دوله لمساعدة الشعوب المنكوبة كالشعب السوري، كما لم تقم المنظمات الدولية بواجبها الإنساني وتقديم المساعدات المطلوبة لهم كما ينبغي، بل إنه ضنّ على من اضطرتهم الظروف لركوب المخاطر عبر البحر في توفير السبل الكافية لإنقاذهم من جشع أصحاب قوارب الموت.
303
| 10 مايو 2015
هل يعود ملف الأزمة السورية إلى واجهة الأحداث مرة أخرى، وتفرض على واشنطن والقوى الكبرى إعادة النظر في أولوياتها، وحملها على الضغط الفاعل على النظام السوري الحالي، وإجباره على الرحيل من خلال حلّ سياسي جديّ أو ضربة عسكرية تخلخل آخر ما تبقى من عرشه المتهاوي، أو تفسح المجال لعملية عسكرية من القوى الإقليمية المناهضة له بالتعاون مع المعارضة المسلحة السورية على الأرض على غرار عملية عاصفة الحزم في اليمن. وللتذكير فإن موقف الولايات المتحدة في عهد الرئيس أوباما كان متخاذلا تجاه النظام السوري لاعتبارات كثيرة، فلم يوجه ضربة جوية له ، رغم تهديداته بضربة عسكرية ضده حبس العالم أنفاسه لها، حينها بعد اعتبر الأسلحة الكيميائية خطا أحمر وتأكده من استخدام الأسد لها ضد المدنيين السوريين ، ولم يقدّم أو يسمح لغيره بتقديم صواريخ مضادة للطائرات للمعارضة المسلحة أو يضمن للمدنيين منطقة آمنة، يحظر سلاح الجو السوري من التحليق في أجوائها منعا لحمم براميله المتفجرة التي تفتك بالمدنيين العزل ، وآثر التركيز بدلا من ذلك على إنجاز توقيع اتفاق مع النظام الإيراني حول سلاحه النووي، والتحالف معه ومع القوى التي تدور في فلكه من أجل مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية " داعش" في العراق. وقد ترك الشعب السوري في العامين الماضيين ـ على الأقل ـ يدفع ضريبة كبيرة على مستوى التنكيل به وإجباره على النزوح واللجوء بأعداد فاقت التصور، جراء سكوت العالم وغضّ طرفه عن فظائع قوات الأسد والمليشيات التي تدور في فلكه وفي مقدمتها عناصر حزب الله اللبناني وأبو فضل العباس العراقية. ولاشك أن أي تحول نوعي مرتقب في الملف السوري وراءه عدة أسباب، ولكن أقوى وأهم سبب على الإطلاق هو توحد قوى الثوار والمجاهدين في سوريا في إطار جيش الفتح وتكتلات أخرى بدأت تظهر في حلب وغيرها ، وتمكّنهم من إحراز انتصارات قوية ومتلاحقة خلال الشهرين الحالي والماضي، وتتمثل هذه الانتصارات التي حققها في تحرير مدينتي إدلب وجسر الشغور بزمن قياسي ، فيما يتقدمون في الجنوب، ويندفعون نحو حمص وحماة، وباتوا يشكلون تهديدا لمدينة اللاذقية الساحلية. وبالتوازي مع جيش الفتح هناك جبهة أخرى في الجنوب تحقق تقدما ضد النظام، وتخوض معارك في محافظة درعا، وقد سيطرت على آخر معبر يربط دمشق مع الأردن، وهو معبر نصيب.وتأتي هذه الانتصارات لتؤشر على تهاوي قوات الأسد وضعف روحها المعنوية، وانهيار الحملة التي قام بها النظام في الجنوب، وخاصة بصرى الشام، وفي مدينة حلب بدعم قوي وواسع من حزب الله والمليشيات الإيرانية قبل أشهر ، والتدخل السافر للحرس الثوري الإيراني فيهما.ومعروف أنه لولا تدخل هذه القوات والدعم العسكري والاقتصادي واللوجستي للنظام الإيراني، لسقط النظام السوري منذ العام الأول للثورة السورية، لأن طهران اعتبرت سوريا خط الدفاع الأول عن أمنها القومي والمرتكز الأقوى لتمددها الإستراتيجي في المنطقة. ولأن بقاء النظام السوري مرتبط بالمساندة الدائمة من النظام الإيراني كما أشرنا، فإنّ الأخير يشهد تراجعا في الصورة التي حاول أن يقدم فيها نفسه للغرب، كدولة إقليمية قوية تدافع عن حلفائها وتغير موازين القوى لصالحها وصالحهم، وأن بإمكانها أن تكون شريكة للغرب في مكافحة ما يسمى بالإرهاب. فما هي النتيجة الآن؟! في سوريا يشهد حليفها خسائر متوالية رغم مساندتها له بالحرس الثوري ومليشيات حزب الله وأبو الفضل العباس والمرتزقة الذين يتم تجنيدهم من أفغانستان وغيرها، وفي العراق لا يستطيع حلفاؤها رغم "الحشد الشعبي" بصبغته الطائفية مع الحكومة إحراز تقدم يذكر ضد تنظيم الدولة الإسلامية ، رغم القصف الجوي المساند لقوات التحالف، فما إن يكسبون جولة حتى يحرز تنظيم الدولة نصرا مقابلا آخر. وفي اليمن وبفعل عاصفة الحزم وتشكل المقاومة الشعبية من أبناء اليمن، فإن حلفاءهم يواجهون ورطة حقيقية. ورغم تهديدات طهران للسعودية بالردّ على عاصفة الحزم التي تتواصل، فإنها عمليا لم تستطع فعل شيء، ويبدو أن زمن التهديدات الإيرانية قد ولّى عقب هذه العملية، بل إن هناك توقعات بعملية حزم أخرى في سوريا، بحسب مراقبين، خصوصا بعد أن انكسر حاجز الخوف العربي ضد البلطجة الإيرانية التي طغت بشكل واضح منذ أكثر من عشر سنوات.ولاشك أنّ عاصفة الحزم وتأثيراتها التي بدأت بالظهور، واهتزاز صورة إيران التي حاولت طهران تسويقها كشرطي في المنطقة، سيكون له أثران، الأول معنوي على المقاومة المسلحة في سوريا، وآخر على الغرب الذي يبدو أنه قد بدأ يعيد حساباته فيما يخص الأزمة السورية وموقفه من الأسد ونظامه. ويضاف إلى السببين السابقين سبب ثالث يتمثل في التقارب السعودي التركي الذي تم في الشهور الأخيرة بوجود دولة قطر، وهذا التقارب غير مريح للنظامين الإيراني والسوري وهو ما من شأنه تنسيق الجهود لدعم الثورة السورية، خصوصا مع الأنباء المتزايدة عن اعتماد السعودية وقطر وتركيا على "جيش الإسلام"، أحد أكبر الفصائل الإسلامية المسلحة في سوريا، لاسيما بعد زيارة قائده زهران علوش الأخيرة إلى تركيا، والتقائه بمسؤولين أتراك بحسب مصادر إخبارية مطّلعة.قد لا تعدّل هذه الأمور الكفة لصالح المعارضة السورية، كما أنها قد لا تؤدي إلى سقوط نظام الأسد بين عشية وضحاها، ولكنها، ما من شك، لن تترك له الأمور تسير كما كان يحلم ويتبجح، هو والنظام الإيراني. التوقعات بأن تسهم هذه الأمور في وضع بداية النهاية لسقوط نظام الأسد (الدخول في مرحلة الترنح)، وأن تسهم في تعديل الموقف الدولي لصالح الشعب السوري وثورته ضد جلاديه وداعميهم في المنطقة.
266
| 30 أبريل 2015
لا يزال نزيف الموت غرقا يتواصل في عرض البحر الأبيض المتوسط عبر ما يسمى بقوارب اللاجئين السرّيين أو غير الشرعيين، محدثا مزيدا من الكوارث والفواجع الإنسانية غير المسبوقة دون أن يتحرك الضمير الإنساني العالمي. في مطلع الأسبوع الحالي ثمة خشية أعربت عنها المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة من أن يكون 700 شخص لقوا مصرعهم في غرق قارب مكتظ بالمهاجرين، قبالة الشواطئ الليبية، في كارثة تعد الأسوأ حتى الآن في البحر المتوسط، فيما تحدثت السلطات في إيطاليا ومالطا بعد هذه الفاجعة بيوم عن أنها تعمل من أجل إنقاذ قاربين على الأقل أرسلا نداءات استغاثة. ويبدو أن الوضع مرشح لمزيد من هذه الكوارث الإنسانية التي يبدو أن غالبية ضحاياها هم من العرب الذين تعاني بلادهم من ويلات الحروب والاقتتال وفي مقدمة هذه الدول سوريا، والعراق، خصوصا مع قدوم فصل الصيف من جهة وتواصل أزمة البلدين ،وارتفاع موجات النزوح واللجوء منهما دون أن تلوح بارقة أمل في الأفق من جهة أخرى. تَواصلُ رحلات القوارب غير الشرعية التي تحمل على متنها أسرا وأطفالا صغارا ونساء من ليبيا وغيرها رغم ما يحفّها من مخاطر ومآس متوقعة تأتي تعبيرا عن حالة الإحباط الشديد التي وصل إليها الأفراد المهاجرون والتحديات والمصاعب التي تواجه حياتهم في ظل فقدان الأمن والمأوى وفرص التعليم والرزق بنسب متفاوتة، رغم توقعهم المُسبَق لحجم الأهوال التي يرجح أن يتعرضوا لها بما في ذلك الموت، فيما يدير العالم ظهره لمأساتهم الإنسانية التي دخلت عامها الخامس.مشكلة المجتمع الدولي بحقّ هؤلاء اللاجئين مركَّبة ومُضَاعفة، فهو من جهة لم يضع حدا لمعاناة شعوب الدول المشار إليها، ولم يتخذ إجراءات وقائية تحد من تفاقمها وازدياد وتيرتها خصوصا في البدايات، فقد طالبت هذه الشعوب بمنطقة عازلة يمكنها أن تقيهم شر القصف والبراميل المتفجرة أو تدخلا لوقف المجرم عن إجرامه، ولكن دون جدوى، وهو من جهة أخرى لا يبدي اكتراثا ملحوظا لموت الآلاف من هؤلاء المهاجرين سنويا وهي متجهة نحو أوربا ، بل ربما اتخذ إجراءات تفضي بشكل أو بآخر بمزيد من أعدادهم للموت غرقا. ولعل هذا مادفع رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي للتصريح بعد أن طمى الخطب إلى أن وصل حد الفضيحة بأن "مصداقية" أوروبا على المحك وأنه حان الوقت كي "تتحرك". مشددا على أنه "ينبغي أن يأتي الرد من أوروبا، والكلام لم يعد كافيا. عليها أن تتحرك. نحن الأوروبيين نجازف بفقدان مصداقيتنا إن عجزنا عن تجنب أوضاع مأساوية تجري يوميا".في العام الماضي كان السجل المفجع للمهاجرين الذين لقوا حتفهم عبر قوارب الموت المتوجهة لأوربا 3500 شخص، فيما يتوقع أن يكون العام الحالي أسوأ خصوصا بعد أن تمّ تعليق عملية البحث والإنقاذ التي كانت تقوم بها القوات البحرية الإيطالية، التي تعرف باسم "بحرنا"، في نوفمبر 2014 والتي ساهمت في إنقاذ حياة أكثر من 150.000 شخص ولم يتم استبدالها بعملية بذات القدر من الإمكانيات والنطاق الجغرافي. ورغم ما حدث فإن المفوضية الأوروبية لم تقدّم أيّ إشارات على أنها تعتزم إدراج مهمة البحث والإنقاذ الممولة من الاتحاد الأوروبي في سياستها الجديدة المتعلقة بالهجرة، والمتوقعة في مطلع شهر مايو المقبل بحسب شبكة (إيرين)، كما أنها لم تقدّم بدائل أخرى بعد توقفها عن ممارسة مهمة الإنقاذ ، فضلا عن أنّها لم تعدّل من سياساتها في قبول طالبي اللجوء السياسي والإنساني وإعادة توطينهم ومنحهم الجنسية ( تقبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي تسعة بالمائة فقط من اللاجئين الذين يعاد توطينهم على الصعيد العالمي وهي نسبة متدنية)، كما أنها ماتزال تمارس سياسة إقامة بناء الأسوار على الحدود البرّية، ولم يخفف حرس هذه الحدود من إجراءاتهم المشددة التي تقضي بردّ المهاجرين مرة أخرى وحرمانهم من الحصول على اللجوء، لذا يبقى ركوب البحر هو المنفذ الوحيد والمتاح للذين أجبرتهم ظروفهم للجوء. وبحسب منظمات حقوقية دولية ومنها "هيومن رايتس ووتش" فإنّ تقليص عمليات مراقبة الحدود وليس تعزيزها، وإنشاء قنوات آمنة وقانونية للوصول إلى الاتحاد الأوروبي هي الحلول الدائمة فقط إلى الأزمة المتفاقمة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.الضمير الإنساني الدوليّ على المحكّ اليوم خصوصا أنّ قوارب اللاجئين رغم مخاطر الموت ستتواصل نظرا لتواصل أزمات البلاد التي يتدفق منها هؤلاء اللاجئون وبخاصة سوريا ..فهل سيصحو هذا الضمير أم سيظل في سباته كماهو متوقع؟!
306
| 23 أبريل 2015
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6606
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6483
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
3237
| 23 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2451
| 28 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1887
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1683
| 26 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1464
| 27 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...
1422
| 30 أكتوبر 2025
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
1047
| 24 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
999
| 24 أكتوبر 2025
لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...
987
| 27 أكتوبر 2025
“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...
921
| 27 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية