رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
فساد الإعلام يعني فساد المجتمع، فالإعلام هو منبر الحقيقة ومنبر الآراء والأفكار والوسيلة التي تطرح قضايا ومشاكل الأمة بكل شفافية وجرأة من أجل استقصاء الواقع وتصحيح الأخطاء والتجاوزات لمصلحة المجتمع بأسره. ففساد الإعلام يعني شلل أو فساد قطاع استراتيجي في المجتمع، قطاع هو ركيزة الديمقراطية والحكم الراشد. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، لماذا فساد النظام الإعلامي في الوطن العربي؟ وما هي أسباب عدم فعاليته ومصداقيته؟ لماذا ثقافة التنظير للسلطة وثقافة التملق وثقافة التبرير و"كل شيء على أحسن ما يرام" بدلا من الاستقصاء والنقد والكشف عن الحقائق والمساهمة في إرساء ثقافة الرأي والرأي الآخر والسوق الحرة للأفكار. هناك من يرى كذلك أنه إذا فسد المجتمع فسد الإعلام. فالعلاقة بين الإعلام والمجتمع علاقة جدلية وعلاقة تأثير وتأثر. فالإعلام القوي بحاجة إلى مجتمع مدني قوي وإلى الفصل بين السلطات وإلى قضاء مستقل وديمقراطية. من جهة أخرى يجب على المنظومة الإعلامية في المجتمع أن تناضل من أجل كسب المزيد من الحرية والاستقلالية والحرفية والمهنية وبذلك المصداقية واحترام الجميع. فالحرية تؤخذ ولا تعطى والإعلام هو نضال يومي مستمر من أجل الكشف عن الحقيقة وإرساء الديمقراطية، فلا ديمقراطية بدون إعلام حر ومستقل وفعال. الإشكال المطروح هو أن الجميع يلوم وينتقد الإعلام العربي وكأن القطاعات الأخرى في المجتمع العربي بألف خير وعلى أحسن ما يرام. الحقيقة هي العكس تماما حيث إن معظم القطاعات في المجتمع العربي تعاني من مشاكل وتناقضات عدة. فالإعلام ما هو إلا نظام فرعي من النظام وبذلك فهو جزء لا يتجزأ من هذا النظام. فالدول العربية بحاجة إلى إصلاح النظام وإلى تحرير الفرد في المجتمع وإلى توفير مستلزمات وشروط السوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني والمؤسسات المستقلة الديمقراطية التي تؤمن بالحرية وبالشفافية وبالنقد والنقد الذاتي. أسباب عقم الإعلام العربي متعددة ومختلفة فمنها ما يتعلق بالمحيط التي تعمل فيه، ومنها ما يتعلق بالحرفية والمهنية ومنها ما يتعلق بالمصداقية ومنها كذلك ما يتعلق بالعلاقة مع السلطة والعلاقة مع الممول والإعلان ومنها ما يتعلق بالعوامل الخارجية كالتبعية والقيم الدخيلة. فهناك من يطالب هذه الأيام بإلغاء وزارات الإعلام وأن نهاية الإعلام الحكومي أصبحت أمرا يفرض نفسه في عصر العولمة والمجتمع المعلوماتي والرقمي وعصر الانترنت. لكن هل إلغاء وزارات الإعلام سيحل مشاكل الإعلام العربي؟ ويجعل منه إعلاما فعالا وقويا، إعلاما مستقلا قادرا على النقد والاستقصاء وكشف العيوب وإشراك الجماهير في صناعة القرارات وتحديد مصيرها؟ الإعلام العربي مسؤول على تشكيل الرأي العام وتنشيط السوق الحرة للأفكار وتزويد المجتمع المدني بالأخبار والمعلومات والتقارير والتحليلات وغير ذلك. لكن دعنا نتوقف عن هذه الأسئلة حتى نفهم جيدا لماذا يوجد الإعلام العربي في الحالة التي هو عليها اليوم؟ هل المؤسسة الإعلامية هي أداة سلطة أم أداة المجتمع بأسره وبمختلف الشرائح الاجتماعية التي تشكله؟ هل عملية التواصل بين السلطة والجماهير عملية عمودية أم أفقية؟ هل الممّول هو المحدد الرئيسي لمخرجات وسائل الإعلام؟ هل أدت أو ستؤدي العولمة إلى دمقرطة الإعلام في الوطن العربي؟ هل ستؤدي الثورة التكنولوجية والمعلوماتية إلى التأثير في علاقة السلطة بوسائل الإعلام وفي طرق العمل الإعلامي وآلياته ومنهجيته في الوطن العربي؟ هل تتوفر مستلزمات الصحافة الحرة في الوطن العربي؟ وهل هذه الصحافة قادرة على أن تصبح واحدة من السلطات الفاعلة في المجتمع؟ الملاحظ والمطّلع على مخرجات الإعلام العربي يدرك المشاكل والتناقضات الكبيرة والمتعددة التي يعاني منها هذا الإعلام، فالمؤسسة الإعلامية العربية مازالت في الكثير من الدول العربية لم ترق إلى المؤسسة الإعلامية بالمعنى الكامل للكلمة سواء من حيث الإدارة أو التسيير أو التنظيم أو الهيكلة أو الوسائل أو الكادر البشري. ففي الكثير من الحالات نلاحظ المساومات والتجاوزات والمتاجرة بالمهنة على حساب مبادئ المهنة وشرفها وأخلاقها، وغالبا ما تُستعمل المؤسسة الإعلامية لأغراض ومصالح ضيقة جدا تكون في صالح فئة معينة أو حزب معين أو تيار معين على حساب الغالبية العظمى من أفراد المجتمع. في هذه الظروف تنعدم الإستراتيجية وتكون السياسة الإعلامية غير واضحة المعالم، هلامية تركز على التعبئة السياسية والتنظير للسلطة والمدح والتسبيح وكذلك الترفيه والتسطيح وإفراغ القضايا من محتواها الحقيقي. تعاني الصحافة العربية من جملة من المعوقات والمشاكل المهنية والتنظيمية والنقابية جعلتها تفشل في تحقيق الكثير من مهامها الإستراتيجية في المجتمع. وبما أن الصحافة العربية في أي مجتمع عربي لا تستطيع أن تكون فوق النظام والأطر التي يسير وفقها المجتمع ككل بحيثياته وعناصره ونظمه فإنها باعتبارها جزءا فرعيا من النظام التي تعمل فيه وتتعاطى معه تتأثر بالمناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد. فالسلطة في العالم العربي مازالت تنظر للصحافة كأداة لتثبيت شرعيتها ووسيلة لتعبئة الجماهير وتجنيدها. وحتى دور الصحفي في المجتمع يُنظر إليه على أنه مكمل لدور السلطة وأجهزتها المختلفة فهو مطالب بالتغطية والمدح والتسبيح لكنه إذا استقصى وبحث وانتقد فيصبح من المغضوب عليهم. فمعظم قوانين النشر والمطبوعات في العالم العربي جاءت مجحفة ومقصرة في حق المؤسسة الإعلامية وفي حق الصحفي الأمر الذي أفرز ثقافة الرقابة والرقابة الذاتية ومن ثمة قتل ثقافة صحافة الاستقصاء والبحث عن الحقيقة وقتل روح المسؤولية والالتزام والنزاهة والموضوعية عند الصحفي. التحدي الأكبر الذي يواجه الدول العربية في مجال الإعلام هو تحريره وتحرير الطاقات والمهارات والإبداعات. التحدي يتمثل في الاستثمار الأمثل في القدرات والطاقات والإمكانات المادية والبشرية لإرساء قواعد ومستلزمات صناعة إعلامية متطورة رشيدة وفعالة وقوية تستطيع أن تشكل الرأي العام والسوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني الذي يؤسس للديمقراطية وللالتزام والشفافية والحوار الصريح والبناء من أجل مصلحة الجميع. كل هذه الأمور تتطلب الدراسة والبحث وإقامة علاقة متينة وتفاعل وتبادل وحوار صريح بين السلطة والمؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال والجمهور من أجل إعلام فاعل يؤمن بالمسؤولية والديمقراطية.
3319
| 30 أغسطس 2014
يتساءل الكثيرون عن مهنية وموضوعية مخرجات وسائل الإعلام وإلى أي مدى تعكس هذه الرسائل الواقع كما هو، أم أنها تشكله وتبنيه و"تفبركه" وفق أطر ومرجعيات واتفاقيات محددة. ففي بعض الأحيان يقدم الحدث من زوايا مختلفة وبرؤى متناقضة وكأن الأمر يتعلق بحدثين مختلفين تماما. تعامل وسائل الإعلام مع الحروب يثير عدة تساؤلات وملاحظات، من أهمها أن الإعلام بصفة عامة والصورة بصفة خاصة، أصبحا جزءا لا يتجزأ من الحرب نفسها. ما قدمته وسائل الإعلام أثناء الحرب على غزة لا يخرج عن هذه القاعدة. أي إعلام يتلقاه المشاهد والقارئ والمستمع حول ما يجري في غزة وسوريا والعراق وبؤر التوتر في العالم هذه الأيام؟ وهل من موضوعية وحرية في نقل أحداث ووقائع ما يجري في أرض الميدان، وهل من استقلالية في معالجة القضايا والمسائل التي تحيط بالأزمات والصراعات. صناعات الثقافية أصبحت مرادفة للتلاعب بأذواق الأفراد وحسهم، كما أصبحت نموذجا للتعليب والتنميط والتسطيح وإفراغ الثقافة من محتواها الحقيقي ومن بعدها الجمالي والإنساني. حسب ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر، أصبحت الثقافة في القرن العشرين صناعة مثلها مثل الصناعات الأخرى، تخضع لقوانين العرض والطلب وبذلك قوانين السوق. فالمنتجات الثقافية أصبحت منتجات معلبة تُصنع وفق معايير الإنتاج المتسلسل ووفق أنماط معينة تؤدي في النهاية إلى أحادية الأسلوب والمحتوى. وبذلك اختُصِرت الثقافة في التسلية والاستهلاك العابر، الذي يعمر لفترة زمنية محدودة ثم يزول للأبد. أفرزت العولمة الليبرالية تداعيات وانعكاسات كبيرة على المؤسسات الإعلامية في جميع أنحاء العالم وأفرغتها من دور الرقابة والسلطة الرابعة والدفاع عن مصالح المحرومين والضعفاء والمساكين في المجتمع، من خلال إبراز الحقيقة والبحث عنها دون هوادة. فالسلطة الحقيقية في المجتمع أصبحت في أيدي حفنة من المجموعات الاقتصادية العالمية وهذه الشركات الكونية يزيد حجمها الاقتصادي أحيانا على ميزانيات بعض الدول والحكومات، بل مجموعة من الدول والحكومات. فالتطور الجيواقتصادي الذي شهده العالم خلال العقود الأخيرة أدى إلى تغييرات وتطورات حاسمة في الصناعات الإعلامية والثقافية على المستوى العالمي. وبذلك أصبحت وسائل الإعلام ذائعة الانتشار، كالصحف والمجلات ومحطات الإذاعة والشبكات التلفزيونية والإنترنت، تتمركز أكثر فأكثر في يد شركات عملاقة مثل "فياكوم" و"نيوزكورب" و"مايكروسوفت" و"برتلسمان" و"يونايتد غلوبال كوم" و"ديزني" و"تلفونيكا" و"آ أو أل تايم وارنر"، وجنيرال إلكتريك، وغيرها. هذه الشركات العملاقة أصبحت تملك، وبفضل التوسع الهائل والسريع في مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات والمعرفة، إمكانات وقدرات هائلة. فالثورة الرقمية قضت على الحدود الكلاسيكية لأشكال الاتصال التقليدية، الكتابة، الصوت، والصورة، وفتحت المجال أمام الإنترنت والوسائط المتعددة والثورة الرقمية التي جسدت مفهوم القرية العالمية في أرض الواقع. وبهذا أصبحت الاحتكارات الإعلامية العملاقة أو المجموعات الإعلامية تهتم بمختلف أشكال المكتوب والمرئي والمسموع، ومستعملة لبث ونشر ذلك، قنوات متعددة ومتنوعة من صحف ومجلات وإذاعات ومحطات تلفزيونية وكوابل وبث فضائي وشبكات البث الرقمي عبر الألياف البصرية والإنترنت. كما تتميز هذه المجموعات ببعدها الكوني العالمي، حيث إنها تتخطى الحدود والدول والجنسيات والثقافات، فهي كونية وعالمية الطابع. وبذلك أصبحت هذه الشركات العملاقة ومن خلال آليات الهيمنة والتمركز، تسيطر على مختلف القطاعات الإعلامية في العديد من الدول والقارات وتصبح بذلك الرافد الفكري والأيديولوجي للعولمة الليبرالية. فلا عولمة دون عولمة وسائل الإعلام الجماهيرية وعولمة الصناعات الإعلامية والثقافية. ويرى إغناسيو راموني، رئيس تحرير "لو موند ديبلوماتيك" أن العولمة هي أيضا وسائل الإعلام الجماهيرية ووسائل الاتصال والأخبار. وفي سياق اهتمامها بتضخيم حجمها واضطرارها لمغازلة السلطات الأخرى، فإن هذه الشركات الكبيرة لا تضع نصب أعينها هدفا مدنيا يجعل منها "السلطة الرابعة" المعنية بتصحيح التجاوزات على القانون واختلال العمل بالنظام الديمقراطي، سعيا إلى تحسين النظام السياسي وتلميعه. فلا رغبة لهذه الشركات في التحول إلى "سلطة رابعة" أو التصرف كسلطة مضادة. والحالة الفنزويلية نموذجية على هذا الصعيد للوضعية الدولية الجديدة التي تشهد مجموعات إعلامية غاضبة تنبطح جهارا للقيام بوظيفة كلاب الحراسة الجديدة لدى النظام الاقتصادي القائم وممارسة دورها كسلطة معادية للشعوب والمواطنين. وهي لا تخوض فقط في سلطتها الإعلامية، بل تمثل الذراع الأيديولوجية للعولمة ووظيفتها احتواء المطالب الشعبية وصولا إلى محاولة الاستيلاء على السلطة السياسية (كما توصل إلى ذلك ديمقراطيا في إيطاليا السيد سيلفيو برلوسكوني، صاحب أكبر مجموعة إعلامية ما وراء جبال الألب)... هكذا تضاف السلطات الإعلامية إلى السلطات الأوليغارشية التقليدية والرجعية الكلاسيكية. وتقوم معا، وباسم حرية التعبير، بمهاجمة البرامج التي تدافع عن حقوق الأكثرية من السكان. تلك هي الواجهة الإعلامية للعولمة وهي تكشف بأكثر الصور وضوحا وبداهة وكاريكاتورية عن أيديولوجية العولمة الليبرالية. نلاحظ من جهة أخرى أن الكثيرين تفاءلوا خيرا وظنوا أن ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال ستردم الهوة بين الشمال والجنوب وبين الأغنياء والفقراء وستؤدي إلى الديمقراطية وانتشار حرية التعبير وحرية الصحافة وبذلك مشاركة الجماهير في السوق الحرة للأفكار وفي الممارسة السياسية وفي صناعة القرار. لكن الواقع يقول عكس ذلك تماما، حيث إن ظاهرة الاغتراب والتهميش وانتشار ثقافة الاستلاب والاستهلاك أصبحت من مميزات الألفية الثالثة، سواء في الشمال أو الجنوب. فيما يخص الشرق الأوسط يرى "جون ألترمان" أن بعقدهم آمالا كبيرة على التطور التكنولوجي العالي; الإنترنت، والتفاعلية والربط الشبكي، يتوقع المتحمسون وأنصار التواصل الرقمي عالما تتوسع فيه سلطة الجماهير، الأمر الذي يؤدي إلى كبح جماح الجبابرة، ورفع رايات الديمقراطية في أرجاء المعمورة. هذه الرؤية لم يتم تحقيقها في الشرق الأوسط ومن غير المحتمل أن تتحقق في الوقت القريب. وفي حقيقة الأمر فإن التطورات التكنولوجية، على المدى القصير، من شأنها عادة زيادة الفوارق في النفوذ والسلطة بين الأغنياء والفقراء. فالفوائد التي تجنى من الابتكارات العصرية تزيد من نفوذ أصحاب المال وذوي الدخل العالي وأصحاب الفرص والشهادات والتدريب الجيد، بينما يحرم الفقر والعزلة الغالبية العظمى من سكان الشرق الأوسط من الاستفادة بشكل مباشر من ابتكارات التكنولوجية العالية.
1125
| 23 أغسطس 2014
يتساءل الكثيرون عن مهنية وموضوعية مخرجات وسائل الإعلام، وإلى أي مدى تعكس هذه الرسائل الواقع كما هو أم أنها تشكله وتبنيه و"تفبركه" وفق أطر ومرجعيات واتفاقيات محددة. ففي بعض الأحيان يقدم الحدث من زوايا مختلفة وبرؤى متناقضة وكأن الأمر يتعلق بحدثين مختلفين تماما.. تعامل وسائل الإعلام مع الحروب يثير عدة تساؤلات وملاحظات من أهمها أن الإعلام بصفة عامة والصورة بصفة خاصة أصبحا جزءا لا يتجزأ من الحرب نفسها. ما قدمته وسائل الإعلام أثناء الحرب على غزة لا يخرج عن هذه القاعدة، أي إعلام يتلقاه المشاهد والقارئ والمستمع حول ما يجري في غزة وسوريا والعراق وبؤر التوتر في العالم هذه الأيام؟ وهل من موضوعية وحرية في نقل أحداث ووقائع ما يجري في أرض الميدان وهل من استقلالية في معالجة القضايا والمسائل التي تحيط بالأزمات والصراعات. ففي هذه الأيام يجد الجمهور نفسه أمام سيل من الأخبار والمعلومات محشوة بالتناقضات وتضارب في الأخبار والبيانات والإحصائيات والمعطيات ووجهات النظر.. فالحرب النفسية تفرض نفسها على منطق الموضوعية والحياد ويصبح كل طرف متورط أو غير متورط في الحرب يعمل جاهدا لكشف ما يخدمه ويخدم مصالحه وأهدافه وقوته وتفوقه من أجل رفع معنويات الجيش والشعب وكل من يتعاطف معه وضرب معنويات الخصم. من جهة أخرى، نلاحظ أن الطرف الآخر في الحرب يخفي خسائره وضحاياه ويركز على النجاح والنتائج التي حققها.. بطبيعة الحال ما دام أن الحرب خداع فإن الغاية تبرر الوسيلة للنيل من العدو ولو تطلب ذلك الكذب وممارسة الحرب النفسية والدعاية والتضليل والتعتيم ومختلف سبل والتلاعب. حسب إدوارد سعيد فإن التشويه والتضليل والانحياز في تغطية العرب من قبل وسائل الإعلام الغربية يعود بالدرجة الأولى إلى الصراع الحضاري والثقافي بين الغرب والإسلام. وقد ظهر هذا الصراع جليا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار القطبية الثنائية حيث ظهر النظام الدولي الجديد وتحديه للثقافات المختلفة في العالم وخاصة الإسلام. وجاء مصطلح "الإسلاموفوبيا" للتعبير عن الهستيريا التي أصيب بها الغرب ضد الإسلام بعد انهيار الشيوعية، حيث أصبح هذا الأخير يتصدر قائمة أعداء أوروبا وأمريكا.. وأكدت دراسات تحليل المضمون أن كتب التاريخ المدرسية وكتب الاجتماعيات في المدارس الأمريكية أسهمت هي بدورها في إيجاد فكر باطني معاد لكل ما هو إسلام وعرب، وكانت النتيجة أن الأمريكي يتعرض منذ نعومة أظافره إلى جملة من الصور النمطية ومن الأفكار المضللة والمزيفة ضد كل ما هو عربي ومسلم. في ظل هذا التزييف والتشويه والتغطية السلبية للعرب من قبل الإعلام الغربي نلاحظ أزمة في الإعلام العربي في عملية تسويق صورة إيجابية وصورة تصّحح هذا الخلل. فالإعلام العربي لم يحدد إستراتيجية يستطيع من خلالها تقويم هذا الخطأ وتقديم البديل أو البدائل للرأي العام الغربي والدولي.. فالصناعات الثقافية العربية مازالت ضعيفة جدا لم ترق إلى العالمية ولم تعرف كيف توّظف اللغات العالمية للوصول إلى الآخرين.. والإعلام العربي كما لا يخفى على أحد يتخبط في دوامة من المشاكل والضغوط قد لا تؤهله للقيام بدور فعّال على الصعيد الدولي، أضف إلى ذلك أن الأنظمة العربية ركّزت جهودها في استخدام الإعلام كوسيلة للسلطة وتثبيت الشرعية والتحكم والمراقبة، ولم تول أي اهتمام للبعد الخارجي أو الدولي الذي من المفروض أن يكون من المهام الإستراتيجية للنظام الإعلامي في كل دولة عربية. شهدت الساحة العربية والعالمية خلال السنوات القليلة الماضية أحداثا مهمة تفاعلت معها وسائل الإعلام من مختلف أنحاء العالم بطرق مختلفة وفي بعض الأحيان يتبادر للقارئ أو المشاهد أن الحدث مختلف رغم أنه نفسه، لكن عملية النظر إلى الحدث ومعالجته وتحليله وتقديمه للجمهور هي التي اختلفت، وبذلك يكاد الحدث نفسه يختلف رغم أنه واحد. وسائل الإعلام في القرن الحادي والعشرين أصبحت "تفبرك" الواقع أكثر مما تقدمه للجمهور كما هو. وفي الصناعة الإعلامية الكلام عن الموضوعية والبراءة وتقديم الأشياء والأحداث والحروب والأزمات كما هي يعتبر ضرب من الخيال.. وسائل الإعلام وبفضل المكانة الإستراتيجية التي تحتلها في المجتمع وبفضل قوتها في تشكيل الرأي العام، وفي إعلام وإخبار الجماهير بما يحدث ويجري من حولهم وفي العالم بأسره أصبحت مؤسسات تستقطب اهتمام القوى الفاعلة – السياسية، الاقتصادية، الدينية، جماعات الضغط، المجتمع المدني- في المجتمع سواء محليا أو دوليا. فوسائل الإعلام في أي مجتمع لا يحركها المال فحسب بل هناك قوى أخرى تتنافس فيما بينها للاستحواذ والسيطرة عليها من أجل إعلاء كلمتها ووجهة نظرها وإيصالها للرأي العام، لأن في نهاية المطاف السلطة الحقيقة في أي مجتمع يؤمن بالديمقراطية والشفافية هي سلطة الشعب أي الرأي العام. والقوى الإستراتيجية التي تشكل الرأي العام في أي مجتمع هي وسائل الإعلام، حيث أكدت معظم الدراسات أن وسائل الإعلام هي التي تحدد لنا ماذا نقرأ وماذا نشاهد وكيف نرى ونقرأ البيئة التي تحيط بنا والمجتمع من حولنا.. حسب ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر، أصبحت الثقافة في القرن العشرين صناعة مثلها مثل الصناعات الأخرى تخضع لقوانين العرض والطلب وبذلك قوانين السوق.. فالمنتجات الثقافية أصبحت منتجات معلبة تُصنع وفق معايير الإنتاج المتسلسل ووفق أنماط معينة تؤدي في النهاية إلى أحادية الأسلوب والمحتوى.. وبذلك اٌختصرت الثقافة في التسلية والاستهلاك العابر- الذي يعمر لفترة زمنية محدودة ثم يزول للأبد.. فالصناعات الثقافية أصبحت مرادفة للتلاعب بأذواق الأفراد وحسهم، كما أصبحت نموذجا للتعليب والتنميط والتسطيح وإفراغ الثقافة من محتواها الحقيقي ومن بعدها الجمالي والإنساني.. تلعب وسائل الإعلام دورا رئيسيا في رؤيتنا وتصورنا للآخرين وهذا وفق ما تقدمه لنا من صور وأفكار عنهم، وما يقال عن الأفراد يقال عن الدول والمجتمعات.. فما نشاهده في الأفلام وما نتصفحه في الجرائد و المجلات وما نشاهده في التليفزيون وما نسمعه في الراديو عن المجتمعات الأخرى وعن شعوبها يحدد إلى حد كبير موقفنا من هذه الثقافات ومن هذه الدول وشعوبها، وهذا نظرا لاعتبارات عديدة من أهمها أن معظمنا يعتمد على وسائل الإعلام لتكوين مخزون معرفي معين وصور ذهنية ورأي وموقف.. وفي الكثير من الأحيان لا يستطيع الفرد أن يصمد أمام ما يقدم له وإنما في غالب الأحيان يقف مستسلما ولا يقاوم وإنما يتبنى ويتقبل خاصة في الأمور التي تخرج عن اختصاصه ومعارفه.
3790
| 16 أغسطس 2014
استنكر مركز الدوحة لحرية الصحافة في بيان صحفي، الثلاثاء الماضي، الانتهاكات التي تستهدف بشكل مقصود وممنهج، ناقلي الخبر والحقائق إلى العالم، لما يجري من جرائم ومجازر يقترفها الاحتلال الإسرائيلي في حق الصحفيين والإعلاميين، مشيراً إلى مواصلة جيش الاحتلال عدوانه الشرس على القطاع واستمرار سقوط الشهداء بالآلاف، ومن بينهم 13 صحفيا.المعروف عن الكيان الصهيوني أنه قوي إعلاميا ودعائيا والمعروف كذلك عن الأيديولوجية الصهيونية تمسكها الكبير ببرتوكولات حكماء فيما يتعلق بكيفية الاستثمار في وسائل الإعلام واستغلالها واستعمالها في كسب الرأي العام الدولي، فلا غرابة إذا وجدنا أن اليهود يسيطرون بطريقة أو بأخرى على وكالات الأنباء العالمية وعلى الصحافة الفاعلة في الدول العظمى في العالم (أمريكا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا…)، وكذلك سيطرة اليهود على صناعة السينما العالمية وشبكات التلفزيون وعلى صناعة الإعلان والصناعات الثقافية العالمية. إلى جانب كل هذا نجد الكيان الصهيوني يمارس سياسة إرهابية خطيرة داخل الأراضي المحتلة على كل من يبحث عن الحدث والصورة والحقيقة، سواء تعلق الأمر بالصحفي الفلسطيني أو بالمراسلين الأجانب من مختلف بقاع العالم. يوم بعد يوم يكتشف العالم من خلال النضال اليومي للشعب الفلسطيني ومن خلال حرب غزة الأخيرة تناقضات الكيان الصهيوني وادعاءاته الباطلة وأساطيره المضللة. فالكيان الصهيوني اشتهر في الأدبيات الغربية أنه تلك الدولة الديمقراطية الصغيرة المتواجدة في الشرق الأوسط والمحاطة بدول دكتاتورية مستبدة تريد بكل الوسائل والطرق التخلص من يهود إسرائيل وإبادتهم والرمي بهم في البحر. لكن بفضل شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد بدأت الصور تخترق الأكاذيب والأساطير وتقدم الاعتداءات العديدة والمختلفة ضد الأطفال الأبرياء والفلسطينيين العزل، لكن الوجه الخفي وغير المعلن للإرهاب الصهيوني يتمثل في الإرهاب الإعلامي والفكري المفروض على الصحفيين الفلسطينيين وعلى المراسلين الأجانب المعتمدين لدى الكيان الصهيوني. فإذا بدأنا بالصحفي الفلسطيني نجد أن حياته معرضة للموت يوميا، حيث الممارسات التعسفية والقمعية ضده من قبل سلطات الاحتلال.هذه الممارسات هي في جوهرها تناقض صارخ مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتناقض فاضح مع مبدأ الاتصال والحق في المعلومة والحق في المعرفة. ونلاحظ هنا أن الكيان الصهيوني يضرب عرض الحائط باتفاقية جنيف وكل الأعراف والقوانين الدولية التي تحمي الصحفي في زمن الحرب، ونلاحظ أن الكيان الصهيوني الذي ابتزّ واستغل وضلّل الرأي العام الدولي ووسائل الإعلام العالمية يبذل قصارى جهوده في إسكات صوت الحق وتقديم وجهة النظر الفلسطينية للرأي العام الدولي. فالإحصاءات تقول إنه منذ اندلاع الانتفاضة الثانية نفذ العدو الإسرائيلي 300 اعتداء على الإعلاميين، بين قصف وضرب وتعذيب وتهديد. وفي اليوم الذي اعتدى فيه شارون على القدس الشريف أطلق الكيان الصهيوني الرصاص على عدد من المحررين والمصورين الصحفيين أثناء القيام بعملهم، فقتل البعض وأصاب آخرين بجراح. وفي 12 أكتوبر من سنة 2000 أي العام الأول للانتفاضة الثانية، قصف الكيان الصهيوني مراكز البث والتقوية للإذاعة الفلسطينية في رم الله فدمرها. وتكررت نفس العملية قبل أسابيع من أجل إسكات صوت الحق ومن أجل التضليل والتعتيم. إسرائيل الدولة التي تدعي الديمقراطية واحترام الحريات الفردية وحقوق الإنسان تمارس الإرهاب الإعلامي يوميا على الصحفي الفلسطيني وتعرضه لشتى أنواع المخاطر والمشاكل، في زمن يظن البعض أن عهد الرقابة قد ولى مع مجيء عصر شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد والفضائيات وعصر الصورة.رغم كل ذلك يبقى الكفاح اليومي للصحفي الفلسطيني وسام شرف كبيرا، لأنه يكافح على عدة جبهات وبقلمه من أجل إيصال الحق إلى العالم ومن أجل اختراق الإمبراطوريات الإعلامية العالمية التي يحركها اللوبي الصهيوني في الاتجاه الذي يريده والذي يخدم مصالحه وأهدافه. السجل إذن مليء بالتجاوزات وبالاعتداءات السافرة على الممارسة اليومية للصحافة وللإعلام، ومع الأسف الشديد نجد أن الاهتمام بهذا النوع من الإرهاب الصهيوني، وهو إرهاب خطير، لأنه يمس العقل والفكر والحقيقة، ضئيل جدا، فالكل يرّكز على التصفيات الجسدية والقتل والبطش والجرائم الوحشية وهدم البيوت والاستيلاء على الأراضي، لكن الكل ينسى أن الفلسطيني كذلك محروم من الحريات الأساسية وعلى رأسها حرية الرأي والفكر وحرية الصحافة. أما بالنسبة للصحفيين والمراسلين الأجانب، فالأمر لا يختلف كثيرا، حيث إن الممارسات الإرهابية وإسكات الأصوات التي تخرج عن الإرادة الصهيونية أمر لا مفر منه. ومن بين الصحفيين الأجانب الذين راحوا ضحية الإرهاب الصهيوني، الصحفي الإيطالي الذي تمت تصفيته وهو يبحث عن الكشف عن الحقيقة لتقديمها للرأي العام العالمي. فالمؤسسات الإعلامية بمكاتبها ومراسليها والتي تسير في الخط الإسرائيلي تنعم بكل التسهيلات وكرم العلاقات العامة، أما كل من يخرج عن الإطار الصهيوني فإنه يحارب بكل الوسائل والطرق. فالمراسل الأجنبي الذي يغطي المقاومة الفلسطينية –أي الطرف الآخر- يتعرض لمختلف المضايقات من قبل أجهزة المخابرات والجيش الإسرائيلي الذي لا يتردد في إطلاق النار على الصحفيين والمصورين عندما يتعلق الأمر بكشف الوقائع والأحداث والصور التي تكشف همجية وجرائم الكيان الصهيوني. ومن ضحايا المضايقات وإطلاق النار مصور وكالة الأسوشيتد برس يولا موناكوف ومسؤول مكتب شبكة "سي إن إن" التلفزيونية الإخبارية بن ويدمان والصحفي الفرنسي بيرتراند جوير مراسل التلفزيون الفرنسي. أما رد الكيان الصهيوني على برنامج بانوراما لهيئة الإذاعة البريطانية، فكان عنيفا وتجاوز كل التوقعات، حيث أثيرت ضجة إعلامية حول الموضوع وتعالت احتجاجات رسمية وغير رسمية وجندت الجماهير الصهيونية لإرسال عشرات المئات من الرسائل عبر البريد الإلكتروني لفرض حصار إرهابي جهنمي على المؤسسة البريطانية وصاحب البرنامج. وفي واقع الأمر فإن برنامج بانوراما ما هو إلا فيلم وثائقي مبني على الأدلة والحجج والبراهين يفضح فيه صاحبه تورط شارون في مذابح صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت عام 1982. فاللوبي الصهيوني معروف بتنظيمه وخبرته في الإرهاب الفكري والإعلامي ويستوقفنا هنا مسلسل إرهابيات الذي بثته قناة أبو ظبي الفضائية قبل سنوات وموقف اليهود منه والتهديدات العديدة التي قاموا بها والضغوط المختلفة التي مورست على المعلنين والرعاة لسحب إعلاناتهم وأموالهم من القناة. هذه الممارسات الصهيونية ليست جديدة وتذكرنا بمحاكمة المفكر الإسلامي رجاء جارودي عندما ألف كتابه "الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل"، حيث حاكمه القضاء الفرنسي وفق القانون المعمول به في فرنسا والذي استطاع اللوبي الصهيوني أن يمرره في البرلمان الفرنسي وهو قانون " فابيوس-غيسو" الذي يحاكم بموجبه كل شخص يشكك في الهولوكست. يبقى أن نقول إن الأداء الإعلامي، سواء كان فلسطينيا أم عربيا أم دوليا، لم يرق إلى مستوى تضحيات الانتفاضة والمقاومة إلى مستوى القضية النبيلة والشريفة التي يستشهد من أجلها شباب في مقتبل العمر وفي زهرته. تناقضات الكيان الصهيوني وممارساته الإرهابية والإجرامية وتصرفاته الدكتاتورية والاستبدادية وغير الديمقراطية لم يستطع الإعلام العربي بمختلف مشاربه تسويقها، لا محليا ولا دوليا، رغم أن النظام الصهيوني يحمل بذور فنائه وزواله، لأنه مبني أساسا على قواعد واهية.
941
| 09 أغسطس 2014
يُقال إن الحرب دون تلفزيون ليست حربا والحرب دون تلفزيون حدث مجرد، لكن الحرب على الشاشة تعتبر تجربة حية منقولة للملايين في مجالسهم. ففي حرب أمريكا على العراق بدأت الحرب الإعلامية قبل العسكرية وشنت الولايات المتحدة الأمريكية حربا إعلامية واسعة عبر مختلف الوسائل الإعلامية، من صحف ومجلات وإذاعات وقنوات فضائية وصحافة إلكترونية وإنترنت، ضد النظام العراقي. كما نلاحظ من جهة أخرى أن غالبية الدراسات التي تطرقت إلى إشكالية تغطية النزاعات والحروب خلصت إلى أن التغطية اتسمت بالانحياز والتعتيم والتشويه والتخلي عن مبادئ العمل الإعلامي النزيه والملتزم والمتمثل في الموضوعية والحرية. كسابقاتها من الحروب كشفت الحرب على العراق عدة أساطير وأكاذيب رددها الكثير من منظري الديمقراطية وحرية الصحافة وحقوق الإنسان. فكان من أهم وأوائل ضحايا الحرب حرية الصحافة وحياة الصحفيين أنفسهم، حيث خلفّت الحرب مقتل 13 صحفيا ومصورا دفعوا حياتهم ثمنا للكشف عن الحقيقة وتقديم وقائع الحرب كما هي للمشاهدين في جميع أنحاء العالم. الإجراءات والطرق التي استعملتها أمريكا في تعاملها مع الصحفيين والمراسلين ضربت عرض الحائط الأخلاق ومعايير المهنية والحرفية والحرية والاستقلالية الإعلامية. وبكل بساطة طبقت أمريكا مبدأ "من لا ينضم إلينا فهو ضدنا"، أي أنه من لا يلتحق بمجمع الصحفيين بالبنتاجون فهو معرض لمخاطر الحرب، أي بعبارة أخرى قد يموت برصاص الأمريكيين أنفسهم إذا كشف عن بعض الحقائق وبعض الصور التي من شأنها أن تبرز المجازر التي كانت ترتكب في حق الأطفال والمدنيين العزل. نظرية حرية الصحافة التي تتغنى بها أمريكا في كل مناسبة سقطت خلال العدوان على العراق كما سقطت من قبل أثناء النزاعات والصراعات الدولية، وأصبحت الآلة الإعلامية الأمريكية لا تختلف في تبعيتها للسلطة وفي التضليل والتعتيم عن مثيلاتها في أعتق الديكتاتوريات في العالم. وهكذا أصبح التعديل الأول في الدستور الأمريكي والذي يقدس ويؤكد على مبدأ حماية الصحافة والصحفيين من جبروت السلطة وتعسفها واستبدادها من أجل الاستقلالية والموضوعية والحرية أصبح من مصنفات الماضي والأرشيف. فأمريكا حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن تسكت كل الأصوات المعارضة للحرب وحاولت كذلك القضاء على كل من يقدم وجهة نظر مغايرة للحرب. هكذا إذن سقطت أسطورة الموضوعية وأسطورة استعراض مختلف وجهات النظر وسيطرت أحادية الرؤية وأن الكلمة الأخيرة عادت لمن يملك القوة والسلطة. فباسم الأمن القومي والمصالح الوطنية الأمريكية ضربت عرض الحائط حرية الصحافة ومبادئ الموضوعية والنزاهة والالتزام والحياد وانتهكت كل الأعراف والقيم والمبادئ التي من شأنها أن تصون حرية الكلمة والصورة والرأي ومبدأ السوق الحرة للأفكار. ففي زمن الحروب والأزمات تفتح معظم المؤسسات الإعلامية أبوابها للممارسات الدعائية وآليات التضليل والتلاعب. فتاريخيا تميز الإعلام بعدم موضوعيته وحياده وكانت حجج الوطنية والمصالح القومية هي مبررات الخروج عن قواعد الممارسة الإعلامية النزيهة والأخلاقية. فمن حرب الفيتنام إلى حرب الجزائر إلى الفوكلاند أيلاند إلى حروب الخليج الثلاث إلى الانتفاضات والحروب العديدة ضد الكيان الصهيوني إلى حرب أفغانستان، تفننت وسائل الإعلام المختلفة في فبركة الواقع بدلا من تغطيته وتقديمه كما هو للرأي العام. ولم يختلف في هذه الممارسة الإعلام الغربي الديمقراطي المتطور عن إعلام الديكتاتوريات والأنظمة السلطوية واستسلم الجميع لإرادة السياسيين وتجار الحروب والأسلحة، ضاربين عرض الحائط بمبادئ الموضوعية وحرية الصحافة والنزاهة والحياد والبحث عن الحقيقة. وما حدث في ميدان الحرب وبؤر التوتر والأزمات هو تحالف صارخ بين السلطة والإعلام. يمكن القول إن المنظرين لممارسة الإعلام في المجتمعات المختلفة وكذلك الدارسين لعلاقة الإعلام بالسلطة والمؤسسات السياسية والاقتصادية فشلوا فشلا كبيرا في وضع معايير ومقومات لشرح سلوك المؤسسات الإعلامية والصحفيين أثناء تغطية الحروب والأزمات. وما يمكن قوله في هذا الإطار هو أن الممارسة الإعلامية في زمن الحروب والأزمات لا تختلف من نظام إعلامي إلى آخر ولا من نظام سياسي إلى آخر وتصبح متشابهة، حيث يتحول الإعلام إلى مزيج من الإعلام والعلاقات العامة والحرب النفسية والدعاية والتلاعب والتضليل والتشويه، سواء تعلق الأمر بالدول الديمقراطية أو الدول الديكتاتورية أو الدول المتقدمة أو الدول النامية أو غيرها من الأنظمة السياسية المتواجدة في هذا الكون. من جهة أخرى نلاحظ أن الممارسة الإعلامية في زمن السلم والظروف العادية تختلف عن زمن الحروب والأزمات، خاصة إذا تعلق الأمر بالدول الديمقراطية والتي لها تقاليد في حرية الصحافة. الالتزام باحترام المهنة والدفاع عنها وحمايتها من كل من يحاول المتاجرة بها أو استعمالها لأغراض غير المصلحة العامة وأغراض المجتمع هي التحديات الكبرى التي تواجه الصحفيين في جميع أنحاء العالم وعندما نقول هنا المصلحة العامة قد نقصد مصلحة الإنسانية جمعاء والبشرية في جميع أنحاء العالم. فالإعلام بإمكانه أن يكون وسيلة سلم وحوار وتقارب بين الشعوب وبإمكانه أن يكون وسيلة دمار ودعاية وتضليل وتشويه يهدّم ويخرّب أكثر مما يبني ويخدم الإنسانية والبشرية جمعاء. ومع الأسف الشديد ما زلنا في بداية القرن الحادي والعشرين نعاني من التضليل والتعتيم والتشويه ومن الصور النمطية والدعاية والحرب النفسية، وأصبح الجمهور يتعرض لرسائل إعلامية ومنتجات ثقافية تجعل من الضحية والمظلوم ظالما وإرهابيا وتجعل من الجلاد مسالما وديمقراطيا ومحبا للأمن والسلام في العالم. وهكذا تدهورت القيم والمبادئ وانحطت الأخلاق وأصبح الجمهور يشاهد صور الأطفال الأبرياء في العديد من دول العالم وهم يتعرضون للقتل والبطش والاستغلال والضمير الإنساني غائب أو مغيّب والآلات والأنظمة الإعلامية التي تحولت إلى أبواق ووسائل دعاية تبرّر التصرفات والسلوكيات الوحشية والهمجية لتجار الحروب والأسلحة. نخلص إلى القول إنه في زمن الحروب والأزمات يحدث تحالف - قد يكون خفيا وقد يكون ظاهرا- بين وسائل الإعلام والسلطة وهذا ما من شأنه أن يجعلنا نقترح نظرية بديلة لنظريات الإعلام الكلاسيكية، تفسر سلوك وممارسات وسائل الإعلام أثناء الحروب والأزمات تحت مسمى نظرية تحالف وسائل الإعلام والحكومة Press Government Coalition Theory، فبغض النظر عن مالك الوسيلة وممولها وبغض النظر عن النظام السياسي والاقتصادي ودرجة الديمقراطية والحرية في المجتمع نجد وسائل الإعلام حسب هذه النظرية، تنحاز كليا لحكومتها في أوقات الحروب والأزمات، سواء تعلق الأمر بالدول الغربية الديمقراطية أو الدول النامية أو الدول الدكتاتورية والأنظمة السلطوية. حيث نلاحظ استسلام وسائل الإعلام استسلاما كاملا للسلطة في عملية صناعة الأخبار وتجميعها وتوزيعها من أجل فبركة وتشكيل وتكييف رأي عام محلي ودولي وفق مصالح وأهداف السلطة. وهذا ما نلاحظه هذه الأيام في تغطية ما يحدث من مجازر في حق الشعب الفلسطيني من قبل الكيان الصهيوني الغاشم، وكأن التاريخ يعيد نفسه وأن التضليل والتشويه والتلاعب أصبحت جزءا لا يتجزأ من العمل الإعلامي.
1840
| 02 أغسطس 2014
تتمثل الازدواجية في سياق هذا المقال في أن الإرهاب الأول هو إرهاب الدولة، إرهاب الكيان الصهيوني، أما الإرهاب الثاني فهو الإرهاب الإعلامي والفكري الذي تمارسه الآلة الإعلامية الغربية – مع بعض الاستثناءات-على عقول البشر في جميع أنحاء المعمورة. فأقل ما كان ينتظره المراقب والمشاهد والمتابع لحرب الكيان الصهيوني على غزة هو تقديم الواقع مثل ما هو من قبل وسائل الإعلام العالمية التي عادة ما تشكل الرأي العام الدولي. فالصور كانت غنية عن كل تعليق وأطفال أبرياء قتلوا أمام الملأ وهم يلعبون في شواطئ غزة. ما قدمته وسائل الإعلام الغربية مع الأسف الشديد هو خروج عن الموضوعية وحرية التعبير والصحافة وخروج عن عمل إعلامي وإخباري محترف ومسؤول وملتزم، كما افتقر الإعلام الغربي للضمير المهني وعجز عن تقديم وجهات النظر المختلفة عن ما يجري بين شعب اغتصبت أرضه بالقوة، شعب شُرد وطُرد من أرضه وشعب اغتصب أرض غيره وشرد أهلها. جرت العادة أن معظم الأخبار في القنوات الإعلامية الغربية الفاعلة في الفضاء الإعلامي الدولي لا تقدم سياق وخلفية تضع فيها الخبر في سياقه الصحيح؛ بل نلاحظ التركيز على "التأطير" framing ووضع القصة الخبرية في إطار أيديولوجي سياسي يتماشى مع أجندة المؤسسة الإعلامية السياسية والاقتصادية والتجارية. أين هي الموضوعية؟ وأين هو الضمير المهني؟ وأين هي أخلاقيات المهنة والالتزام بالبحث عن الحقيقة وتقديمها للجمهور؟ كلها مصطلحات ومفاهيم تتبخر عندما يتعلق الأمر بفلسطين والكيان الصهيوني والصراع العربي الإسرائيلي. الوسائل الإعلامية الأوروبية والأمريكية، معظمه وليس كلها- تفننت في "فبركة" واقع الحرب على غزة، الحرب العنصرية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني بما يتماشى مع الموقف الرسمي لحكوماتها ودولها - وهذا أمر ليس بجديد- بحيث أن تعامل الغرب مع العرب والمسلمين كان دائما جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وموقف لا يخرج عن الإطار الذي حددته الآلة الدعائية الصهيونية ولا يخرج عن إطار السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وسياسة الاتحاد الأوروبي والتي عادة ما يرسمها صهاينة في الكونغرس والبيت الأبيض وأروقة وكواليس برلمانات الدول الأوروبية البرلمان الأوروبي. وانطلاقا من هذا الواقع المضلل والمزيّف و "المفبرك" أصبح الجانب الفلسطيني هو المعتدي بينما الجانب الإسرائيلي هو الطرف الحريص على الديمقراطية والسلام والوئام والأمن والآمان وهو الضحية والمعتدى عليه. ونتيجة للتغطية المضللة فإن الرأي العام الغربي مقتنع تمام الاقتناع أن الفلسطينيين هم الذين اغتصبوا أرض إسرائيل وأن الضحية هي الكيان الصهيوني والمعتدي والجلاد والمغتصب هم الفلسطينيون. هذه هي قمة الإرهاب الإعلامي والإرهاب الفكري الذي تتعرض له البشرية جمعاء عندما يتعلق الأمر بفلسطين وإسرائيل. هكذا إذن أفرزت وتفرز وسائل الإعلام الغربية في تغطيتها للانتفاضة العداء والكراهية للفلسطينيين والعرب والمسلمين حيث إنها قلبت الحقائق وعكست المنطق حيث أظهرت أن الإسرائيليين هم الضحايا والمقاومة الفلسطينية والعرب والمسلمين هم عصابة من المتوحشين والمجرمين وقطاع الطرق. إن عملية الضليل والانحياز للكيان الصهيوني ليست جديدة وإنما هي ممارسة إعلامية وإرهاب فكري منذ وعد بلفور. والتاريخ مع الأسف الشديد يعيد نفسه. صور استشهاد الطفل البريء محمد الدرة قبل سنوات على سبيل المثال قرأتها وسائل الإعلام الأمريكية بطريقتها الخاصة وفق ما صرحت بها مادلين أولبرايت – وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك- عندما قالت بكل سخافة ووقاحة أن الطفل قُتل خلال عملية اشتباك وتبادل إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والواقع والصورة يقولان غير ذلك تماما. تقر أولبرايت ووسائل الإعلام الأمريكية بطبيعة الحال أن موت محمد الدرة كان بالخطأ وغير مقصود وكان نتيجة عملية الدفاع عن النفس. هذه المرة تفاجئنا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ومثل ما فعلت من قبلها مادلين أولبرايت، تقول أن إسرائيل في حربها على غزة تقوم بالدفاع عن النفس، الدفاع الشرعي ضد الإرهابيين وهي بذلك تقوم بعمل مشروع وليس اعتداءً على أبرياء ومدنيين عزل. من المفارقات العجيبة كذلك في تغطية الإعلام الغربي للحرب على غزة هو المساواة بين دولة الإرهاب وإرهاب الدولة والمقاومة الفلسطينية من حيث الأسلحة والعتاد الحربي واللوجيستي كما أنها لا تتكلم بتاتا عن الضحايا وهم في معظمهم أطفال ونساء وشيوخ وأبرياء عزل. فالضحايا الفلسطينيين هم من المدنيين العزل وثلثهم من الأطفال، أما الضحايا الإسرائيليين الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة فهم جنود مدججون بالسلاح وليسوا من المدنيين.من جهة أخرى نلاحظ في التغطية المنحازة لوسائل الإعلام الغربية للحرب على غزة تجاهل الأعمال الوحشية التي قام بها المستوطنون الإسرائيليون ضد المدنيين الفلسطينيين وهذا شيء ليس بجديد على الإطلاق في تاريخ تغطية الوسائل الإعلامية الأمريكية والغربية للصراع العربي الإسرائيلي. فالكيان الصهيوني يعتز بوجود وسائل إعلام أمريكية وغربية تشد على أياديه وتؤازره في كل الأعمال الإرهابية والوحشية التي يقوم بها. وسائل الإعلام الغربية تتعمد عدم إبراز عدم التكافؤ الموجود بين جيش مدجج ومدنيين عزل فالكاميرات الأميركية ترّكز دائما على غضب وعصيان الأطفال الفلسطينيين وتصفهم بالهمجية والوحشية وكل الصفات السلبية ولا تظهر الدبابات والأنواع المختلفة من الأسلحة التي تستعملها إسرائيل ضد أطفال لا يملكون سواء الحجارة وإيمانهم الراسخ باسترجاع أرضهم المغتصبة إلا نادرا، فالعنف الإسرائيلي هنا يبرر بأنه الدفاع الشرعي عن النفس. مختصون وملاحظون عبروا عن استيائهم بشأن أخطاء مهنية تسببت فيها بعض وسائل الإعلام العالمية في تغطيتها للحرب على غزة مما أدى إلى نقل صورة مشوهة للرأي العام العالمي عن الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. الانحياز الكبير للإعلام الغربي من قنوات إعلامية مختلفة ووكالات أنباء أدى إلى تزييف الحقائق وفبركة الوقائع وفق أجندة محددة وأطر مرسومة مسبقا. وتفاوتت فداحة تلك الأخطاء التي ارتكبتها وسائل الإعلام تلك، بين بث معلومات خاطئة مثل تنسيب مشاهد من الدمار الذي لحق بالمواطنين العزل في غزة جراء القصف الإسرائيلي لبيوتهم وتقديمه للمشاهد على أنه لضحايا إسرائيليين طالتهم صواريخ المقاومة الفلسطينية، وبين المساواة بين الضحية والجلاد، من خلال تصوير ما يجري على أنه حرب بين قوتين متكافئتين.فقد نقلت قناة "أي بي سي" الأمريكية خلال نشرة أخبار رئيسة الثلاثاء 8 يوليو الماضي معلومات مضللة، تمثلت في عرض مشاهد من الدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، وقدمته على أنه اعتداء وعدوان همجي من قبل المقاومة الفلسطينية أو حسب تعريفهم " المنظمة الإرهابية حماس".وعلقت المذيعة بالقناة، ديان ساويير خلال بث حي لنشرة الأخبار على صور لعائلة فلسطينية، تحاول جمع بعض ممتلكاتها من بين حطام بيتها المهدم إثر غارة إسرائيلية قائلة "إنها لأسرة إسرائيلية تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه". وتابعت المذيعة مخاطبة المشاهدين بينما كانت القناة تعرض صورا للدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي على قطاع غزة: "نأخذكم إلى الخارج الآن، حيث الصواريخ تمطر إسرائيل اليوم، بينما تحاول إسرائيل التصدي لها". وفي نفس الإطار أخطأت المذيعة في تقديم سيدة فلسطينية تقف وسط حطام بيت مهدم قائلة "سيدة تقف عاجزة عن الكلام وسط الركام"، مما يوحي للمشاهد بأن السيدة ضحية إسرائيلية لقصف المقاومة الفلسطينية. واضطرت القناة للاعتذار لمشاهديها لاحقا عن هذا الخطأ بعد أن تم تداوله في وسائط التواصل الاجتماعي.كما عنونت وسائل إعلام عالمية مختلفة تقاريرها وأخبارها عما يجري بطريقة توحي للقارئ بتكافئ القوى بين طرفي الصراع، ف "وول ستريت جورنال" مثلا استخدمت العناوين التالية "صواريخ غزة تصل العمق الإسرائيلي"، و "الغارات الجوية تهدف إلى إضعاف ترسانة حماس"، متجاهلة الأعداد المتزايدة للقتلى المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وعجزة في قطاع غزة. في 8 يوليو الفائت مثلا عنونت صحيفة "نيويورك تايمز" تغطيتها للصراع "إسرائيل وحماس يتبادلان الهجمات في ظل تزايد التوتر"، و "إسرائيل وحماس تتبادلان إطلاق النار". هذه الممارسات هي في واقع الأمر أخطر أنواع الإرهاب والذي يتمثل في تضليل وتشويه صارخ لما يجري في أرض الواقع وهذا ما يؤدي إلى تضليل ومغالطة الرأي العام.
1325
| 26 يوليو 2014
ما هي الفرص المتوفرة أمام المسلمين لاستغلال الإعلام الجديد وخاصة الانترنيت للقيام بالدعوة والتعريف بالإسلام والرد على الصور النمطية والتشويه والتضليل والحملات الدعائية المغرضة؟ هل وظف المسلمون الإمكانيات والوسائل التي يوفرها الإعلام الجديد لنشر الثقافة الإسلامية. فللشبكة العنكبوتية ميزات عديدة تؤهلها للعب أدوار محورية للتحاور مع الآخر ونقل التراث الثقافي والحضاري للعرب والمسلمين للآخر. ما هو وضع الثقافة الإسلامية في ظل العولمة وما هي خصائص المجتمع الرقمي؟ إلى أي مدى عولمت تكنولوجيا الاتصال الجديدة الثقافة وجعلتها أحادية البعد؟ ما هي الفرص المتوفرة لنشر الثقافة الإسلامية في العصر الرقمي وما هي التحديات التي تواجهها هذه العملية في عصر تحكمه القوى العظمى وتسيطر على صناعة الصورة فيه الشركات الإعلامية والثقافية المتعددة الجنسيات. وأخيرا تناقش الورقة آليات وسبل نشر الثقافة الإسلامية في العصر الرقمي حيث ضرورة اعتماد لغة العصر وثقافة الحوار والتواصل بين الحضارات وتوفير الإمكانيات والموازنات الضرورية بالإضافة إلى التنسيق بين الجهات المختلفة لإيصال الثقافة الإسلامية إلى المنابر العالمية. والمشكل هنا يطرح على مستويين، المستوى الأول وهو الصورة الباهتة و الضعيفة للإسلام داخل الدول الإسلامية نفسها حيث أن وسائل الإعلام العربية و قادة الرأي لم ينجحوا في احتواء الصور النمطية والآراء المشوهة والمضللة للإسلام والمسلمين، كما أن الإسلام السياسي وما أفرزه من تضارب الآراء والأطروحات ترك الشارع العربي والإسلامي في مفترق الطرق. في ظل هذه التناقضات الحادة غاب العمل الإعلامي الهادف و غابت إستراتيجية توّجه القنوات الفضائية العربية للتركيز على الإنتاج وتقديم المادة الإعلامية الهادفة و تزويد الجمهور المستقبل بالرصيد المعرفي والثقافي والديني والحضاري حتى لا يضيع في وسط التدفق الإعلامي العالمي الذي لا يعرف حدود ولا قيم و لا دين. و في خضم العولمة والثورة المعلوماتية جاءت غالبية الفضائيات العربية لتكرس التبعية و تذوب في الثقافة العالمية وفي الآخر وتنجرف مع التيار في غياب الانتاج والمادة الإعلامية الهادفة وفي التركيز على الربح وتحقيق أكبر قدر من المردود المادي على حساب القيم والمبادئ ، وأصبح هدفها هو البث فقط و بث أي شيء بغض النظر عن من هو المنتج و ما هي هويته و ماذا يحمل من قيم في هذه المادة المعلبة. فالعمل الإستراتيجي على المستوى العربي في ميدان الإعلام يكاد ينعدم تماما واللجنة المنبثقة عن جامعة الدول العربية لم تستطع أن تواجه التحديات خاصة و أن على مستوى كل دولة نلاحظ غياب وضوح الرؤية وغياب بوادر وإرهاصات إستراتيجية ترقى إلى الدور الإستراتيجي للإعلام سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي.وفي ظل غياب إستراتيجية واضحة لا يستطيع الإعلام العربي مواجهة التدفق الإعلامي الغربي والثقافة العالمية والثورة المعلوماتية والغزو الثقافي. فهذه الأمور كلها بحاجة إلى عمل و تخطيط وتدبير مسبق يعتمد على الدراسة والبحث العلمي وعلى ميزانيات معتبرة وإنتاج في مستوى المنافسة والجودة العالمية. فأي عمل وأي قرار لا يعتمد على مدخلات صحيحة و معلومات وافية يكون مآله الفشل وعدم القدرة على منافسة الآخر. فالإعلام الذي تنقصه الحرية لا يستطيع أن يتوفر على المصداقية ولا يستطيع أن يواجه التحديات المختلفة في عصر العولمة والصناعات الثقافية العالمية. لقد خسر العرب والمسلمون المعركة الإعلامية منذ عقود من الزمن ولم يبق أمامهم سوى التخطيط العلمي و الإستراتيجي لخوض هذه المعركة التي تؤهلهم لعولمة الإسلام وعولمة ثقافتهم وتاريخهم وحضارتهم وأن يجدوا موقعا لهم على الخريطة العالمية وإلا سيكون مصيرهم التهميش والتضليل والتشويه.يواجه الإعلام العربي تحديات مهمة حيث أنه مطالب بحماية المشاهد العربي من التدفق الإعلامي الغربي ومن التشويه والنمطية وفبركة الواقع حسب أهواء ومصالح القوى الفاعلة في النظام العالمي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهو مطالب بإبراز الهوية العربية الإسلامية والثقافة والحضارة والوجود العربي الإسلامي عبر ما يبثه من برامج و إنتاج فكري وأدبي. فهناك إذن تحد حضاري وتحد اجتماعي قيمي. فإلى أي مدى سينجح الإعلام العربي في تحقيق مهمة الدفاع عن الهوية الإسلامية والتاريخ والحضارة العربية الإسلامية ؟ وهل اجتمعت وتوفرت الشروط والمستلزمات لإعطاء البديل ولتقديم ما من شأنه أن يصحح الصور النمطية والتضليل والتشويه ويجيب على الأسئلة العديدة التي تخطر ببال المشاهد الغربي والعربي والمشاهد المسلم في مختلف بقاع العام. هل يستطيع الإعلام العربي أن يتحدى الواقع ويقدم رسالة إعلامية هادفة و جيّدة في قالب يكون بعيدا عن الرتابة والركاكة والروتين. هل يستطيع الحد و إيقاف ذوبان التراكم القيمي والمعرفي والاجتماعي للمسلم في الثقافة العالمية؟ هل يستطيع الإعلام العربي مواجهة الغزو الثقافي والرد على مظاهر الاغتراب والذوبان في الغير؟ نجاح الإعلام العربي والإسلامي الموجه للآخر يعتمد على التخطيط الإستراتيجي وتحديد الأهداف والوسائل الضرورية لتحقيق هذه الأهداف، وكذلك تسخير كل الإمكانيات والطاقات للإنتاج الجيد والهادف. ومن أهم السبل للنجاح وتحقيق الأهداف المرجوة التركيز على البحث العلمي وتكوين وتدريب الإطارات والكوادر وتخصيص الموازنات الضرورية للإنتاج وتشجيع اشتراك القطاع الخاص في الإنتاج الإعلامي والصناعات الثقافية. الكرة إذن في معسكر العرب والمسلمين لتسويق صورتهم وتقديمها للعالم كما هي و ليس كما "يفبركها" الغرب و تجار الحروب والأسلحة.غيرت أحداث 11 سبتمبر ومن قبلها انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية اهتمامات الغرب، من الأيديولوجية الشيوعية إلى الإسلام، هذا الدين الذي ينتشر في 55 دولة ويعتنقه أكثر من مليار ونصف المليار نسمة إضافة أنه ينتشر بسرعة كبيرة في معظم دول العالم. الإشكالية تحتاج إلى إجراءين اثنين الأول يتمثل في مواجهة حملات التشويه والتضليل والدعاية والحرب النفسية وهذا يحتاج إلى عمل إستراتيجي علمي ومنهجي يقوم على هندسة الإقناع ولغة الأدلة والحجج والبراهين والمنطق. أما الإجراء الثاني فيتمثل في الاستغلال الأمثل للمكانة التي تحتلها البلاد الإسلامية في الخريطة الاقتصادية العالمية فمن بين تسعة بلدان تشكل دول المحور هناك خمس دول إسلامية، وهي الجزائر وتركيا وباكستان واندونيسيا و مصر، تحسب لها أمريكا حسابات كبيرة في سياستها الخارجية. لقد زادت أحداث 11 سبتمبر من حدة صراع الحضارات لكنها في نفس الوقت دفعت بعشرات الآلاف في الغرب لاعتناق الدين الحنيف بعد دراسته وفهمه والتعرف على قيمه ومبادئه السمحاء. فالعالم اليوم شرقه وغربه أمام تحديات كبيرة جدا تتمثل في الحوار والتفاهم من أجل الأمن والاستقرار وإيجاد نظام عالمي عادل ومتكافئ ينعم فيه الجميع بالاحترام المتبادل والتعايش السلمي والأمن والأمان والطمأنينة.
2226
| 20 يوليو 2014
ما هي الفرص المتوفرة أمام المسلمين لاستغلال الإعلام الجديد وخاصة الانترنيت للقيام بالدعوة والتعريف بالإسلام والرد على الصور النمطية والتشويه والتضليل والحملات الدعائية المغرضة؟ هل وظف المسلمون الإمكانيات والوسائل التي يوفرها الإعلام الجديد لنشر الثقافة الإسلامية. فللشبكة العنكبوتية ميزات عديدة تؤهلها للعب أدوار محورية للتحاور مع الآخر ونقل التراث الثقافي والحضاري للعرب والمسلمين للآخر. ما هو وضع الثقافة الإسلامية في ظل العولمة وما هي خصائص المجتمع الرقمي؟ إلى أي مدى عولمت تكنولوجيا الاتصال الجديدة الثقافة وجعلتها أحادية البعد؟ ما هي الفرص المتوفرة لنشر الثقافة الإسلامية في العصر الرقمي وما هي التحديات التي تواجهها هذه العملية في عصر تحكمه القوى العظمى وتسيطر على صناعة الصورة فيه الشركات الإعلامية والثقافية المتعددة الجنسيات. وأخيرا تناقش الورقة آليات وسبل نشر الثقافة الإسلامية في العصر الرقمي حيث ضرورة اعتماد لغة العصر وثقافة الحوار والتواصل بين الحضارات وتوفير الإمكانيات والموازنات الضرورية بالإضافة إلى التنسيق بين الجهات المختلفة لإيصال الثقافة الإسلامية إلى المنابر العالمية. هل حان الوقت للتفكير ولاتخاذ اللازم لتسويق الصورة الحقيقية للعرب وللمسلمين للعالم بلغة العصر و بتكنولوجية الألفية الثالثة؟ لقد اهتزت صورة الإسلام و العرب في السنوات الأخيرة في الرأي العام الدولي بصورة خطرة جدا ساهمت في العديد من المرات في اتخاذ مواقف معادية وسلبية ضد الشعوب العربية والإسلامية. و المشكل هنا يطرح على مستويين، المستوى الأول و هو الصورة الباهتة و الضعيفة للإسلام داخل الدول الإسلامية نفسها حيث أن وسائل الإعلام العربية وقادة الرأي لم ينجحوا في احتواء الصور النمطية والآراء المشوهة و المضللة للإسلام و المسلمين، كما أن الإسلام السياسي وما أفرزه من تضارب الآراء و الأطروحات ترك الشارع العربي و الإسلامي في مفترق الطرق. ما يحدث في إيران و السودان و أفغانستان و الجزائر و اليمن قضايا و مسائل يكتنفها الكثير من الالتباس والغموض بالنسبة للغالبية العظمى من الشارع العربي والإسلامي فما بالك بالنسبة للرأي العام الدولي.العالم الإسلامي أمام تحديات كبيرة لنشر ثقافته وتقديمها للآخر، حيث أن وسائل الاتصال الحديثة وخاصة الانترنيت تشكل وسيلة محورية و استراتيجية للذي يعرف كيف يوظفها بعقلانية ومهنية وحرفية للوصول إلى الآخر ومحاورته والتواصل معه. فالثقافة الإسلامية اليوم لم تأخذ نصيبها الذي تستحقه من التواجد في المنابر والمحافل الثقافية الدولية. فحضورها ضحل ومحتشم وفي الكثير من الأحيان نجدها تعاني التهميش والتضليل والتشويه والتنميط، حتى أصبحت الثقافة الإسلامية تنحصر في الإرهاب والجرائم و إقصاء الآخر، في عالم تسيطر عليه الثقافة الرأسمالية الغربية. فالعالم اليوم يعيش العصر الرقمي الذي يتميز بسرعة فائقة في تبادل المعلومات وكذلك غزارتها كما يتميز بعولمة الثقافة وبـ "اللازمان" و"اللامكان" وانهيار الحدود والرقابة. ففي عالم اليوم تعيش الشعوب والأمم في صراع محتدم على صناعة الصورة و تشكيل الرأي العام والسيطرة عليه. فمن خلال البث الفضائي المباشر والشركات الثقافية والإعلامية العابرة للقارات والشبكة العنكبوتية العالمية أصبح العالم قرية صغيرة يتحكم في ثقافتها من يتحكم في تكنولوجية وسائل الاتصال الحديثة وفي المصادر المالية الضخمة التي توظف في المنتجات الثقافية المختلفة من أخبار وترفيه وأفلام ومسلسلات وإعلانات...الخ. إن إشكالية نشر الثقافة الإسلامية في العصر الرقمي تتمحور حول الاستغلال الأمثل للوسائل والإمكانيات المتاحة من تكنولوجيات حديثة لوسائل الاتصال ومن وسائط متعددة. فالحضور الثقافي على المستوى الدولي بحاجة إلى جهود كبيرة منسقة و منظمة تخاطب الآخر بلغة العصر وبمنهجية وبعلمية وبمنطق حتى تحقق المبتغى منها. إن المشاركة في التراث الثقافي العالمي تحتاج إلى إنتاج فكري وعلمي وتحتاج إلى جودة ونوعية تستطيع أن تنافس ما هو موجود على الساحة العالمية، مما يعني أن هناك تحديات جسيمة و كبيرة جدا تنتظر العالم الإسلامي في مسعاه لنشر الثقافة الإسلامية. ومن بين أهم هذه التحديات سيطرة "الذين يملكون" على صناعة الثقافة العالمية وكذلك أحادية الثقافة العالمية وهيمنة الشمال على الجنوب. من جهة أخرى يجب الحذر والاحتياط عند الكلام عن الانترنيت وتكنولوجيات وسائل الاتصال حيث أن هناك جوانب سلبية ومشكلات عديدة تشوب هذه الوسائل التي تعتبر سلاحا ذا حدين. فالشباب المسلم في جميع أنحاء العالم مثله مثل الشباب الموجود فوق هذه المعمورة يعاني من التسطيح والتهميش والإقصاء والاغتراب وانفصام الشخصية. فهناك مواقع عديدة على الانترنيت تشوه الإسلام وتسيء للدين الحنيف باسم الإسلام، وهناك مادة إعلامية وثقافية نجدها حبلى بقيم دخيلة غريبة وعجيبة لا علاقة لها بالقيم الإسلامية السمحاء وبالقيم الانسانية الكونية. بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 و إعلان الحرب على الإرهاب زادت الحملات المعادية للإسلام واغتنمت جهات عديدة الفرصة لتأكيد الصور النمطية ولتمرير الرسائل والصور والأفكار التي تشّوه الإسلام وتفّرغه من قيمه السامية ومن مبادئه الإنسانية الراقية. وفي ظل العولمة انتشرت ثقافة الأقوى والأعظم على حساب الذي لا يملك والذي يستهلك ويستقبل فقط وبذلك انتشر مصطلح صراع الحضارات على يد منظرين أمثال توينبي و برنارد لويس و صامويل هنتغتون وفرنسيس فوكوياما و غيرهم بالرغم من محاولات عديدة من مفكرين ينادون ويدعون لحوار الحضارات والديانات . فهناك من يرى ويرّوج لفكرة أن الإسلام عبر التاريخ والحضارات كان وما يزال تهديدا قائما و خطرا دائما على الحضارات المغايرة له و أنه معاد للهويات والثقافات والديانات الأخرى. وفي ظل هذا التشويه والحرب النفسية اهتمت ماكينات صناعة الرأي العام الغربية بتشكيل الوعي وقولبته وفق ما تمليه الأيديولوجية السائدة والتي ترى في الإسلام عدوا للإنسانية وعدوا للحضارة ودين الإرهاب وإقصاء الآخر. هل حان الوقت للرد على الافتراءات و على الإساءات العديدة الموجهة ضد الإسلام والمسلمين وتقديم الصورة الحقيقية للعرب وللمسلمين للعالم بلغة العصر وبتكنولوجية الألفية الثالثة؟ ماذا أعد العرب والمسلمون للآخر لمحاورته وإعطائه الصورة الحقيقية للإسلام و لتاريخ الحضارة الإسلامية ولماذا قدمه هذا الدين السميح للبشرية جمعاء من قيم وأخلاق ومبادئ وعلوم. لقد اهتزت صورة الإسلام والعرب في السنوات الأخيرة في الرأي العام الدولي بصورة خطرة جدا ساهمت في العديد من المرات في اتخاذ مواقف معادية و سلبية ضد الشعوب العربية والإسلامية ناهيك عن المضايقات والاعتقالات وسجن وإيقاف مئات الأبرياء في العديد من المطارات والعواصم العالمية بدون سابق إنذار وبدون محاكمة وفق القوانين والأعراف المعمول بها دوليا.
5596
| 12 يوليو 2014
إنه شهر الساحرة المستديرة، شهر كرة القدم، شهر شد أنظار العالم في مختلف أنحاء المعمورة، شباب وكهول، نساء ورجال من مختلف الأعمار والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. رؤساء دول، سياسيون، مشاهير، نجوم وفنانون الجميع يشاهد ويراهن ويشجع ويفرح ويبكي، إنها كرة القدم اللعبة الأشهر على الإطلاق في العالم. حفل افتتاح المونديال في البرازيل يوم 12 يونيو الفائت شاهده 4 مليارات نسمة والنهائي يوم 13 يوليو مرشح لأن يُشاهد من قبل أزيد من هذا الرقم. فالعرس الكروي العالمي في البرازيل جلب مئات الآلاف من جميع أنحاء العالم إلى بلد السامبا. مئات الآلاف بألوان أعلام بلدانها مرسومة على وجوهها جاءت لتشجع وتستمتع وتظهر ولاءها وحبها لبلدها وكيف لا وأن البلد تأهل ضمن أحسن 32 دولة في العالم لمونديال كرة القدم. على مدى العقود الماضية أصبحت كرة القدم أكثر من مجرد لعبة، بل بالنسبة للعديد من الدول والشعوب أصبحت رمزا للتفوق والتميز. إن استقبال المنتخب الوطني الجزائري لكرة القدم بعد عودته من البرازيل بعد تأهله لدور الستة عشر لأول مرة في تاريخه من قبل رئيس الدولة ورئيس الوزراء والحكومة والشعب لخير دليل على الزواج السعيد بين الرياضة والسياسة. افتتاح المونديال تم بحضور شخصيات سياسية بارزة من رؤساء وملوك ومسؤولين سياسيين كبار من عدة دول من جميع أنحاء المعمورة. الحضور في مدرجات الملعب في مراسم الافتتاح فاق ال70 ألف متفرج وأمام شاشات التلفزيون عبر القارات الخمس فاق 4 مليارات نسمة. هذا الحضور وهذا الاهتمام العالمي يعتبر فرصة ذهبية للساسة وللحكام وللدول لإبراز العضلات والقوة ولاستغلال الاهتمام الجماهيري لتمرير الرسائل السياسية التي يريدها هذا الرئيس أو ذاك الزعيم. نهائيات كأس العالم لكرة القدم لم تعد لعبة ورياضة فحسب وإنما تخطت هذا البعد الرياضي لأبعاد أخرى مثل الاقتصاد والسياسة.الرياضة إذن في القرن الحادي والعشرين ليست بريئة، مجرد رياضة بل هي تجارة ورعاية وإعلانات وسياسة…إلخ. وصدق "هتلر" يوما عندما قال " إن ملايين الناس المدربين على الرياضة الشغوفين بحب الوطن، المتشبعين بالروح الهجومية يمكن أن يتحولوا في رمشة عين إلى جيش". فالمنتخب البرازيلي الفائز بكأس العالم لكرة القدم سنة 2002 جعل 170 مليون برازيلي آنذاك ينسون هموم الفقر والمشاكل اليومية وسوء الإدارة والتسيير من قبل الحكومة البرازيلية، واستطاع أن يجعل هذه الملايين من البشر ترقص السامبا في عرس واحد وحفل واحد، الأمر الذي تعجز عن تحقيقه أية مؤسسة أخرى داخل البرازيل بما فيها مؤسسة رئاسة الدولة. ومن خلال الفوز بكأس العالم أدرك الرأي العام البرازيلي أنه بألف خير وأنه الأحسن والأقوى عالميا في ميدان كرة القدم وهذا إنجاز عظيم يجب أن تشكر علية وزارة الرياضة والشباب والاتحادية البرازيلية لكرة القدم والحكومة والرئيس البرازيلي. أكثر من هذا شعوب في دول عديدة رقصت السامبا وساندت الفريق البرازيلي وهنأت الرئيس البرازيلي والشعب البرازيلي بالإنجاز العظيم. هذه هي إذن الرياضة التي تخترق الهموم والمشاكل وتبرز الإنجازات والنجاحات. من جهة أخرى نلاحظ أن المونديال العشرين لكرة القدم في البرازيل جلب ويجلب الكثير من المتاعب للحكومة البرازيلية حيث أن المعارضة السياسية والنشطاء من مختلف أطياف المجتمع المدني تظاهروا ويتظاهرون ونظموا وينظمون مسيرات ضخمة لاستغلال الحدث العالمي والوصول للرأي العام المحلي والدولي للتعبير عن استيائهم من سياسة الدولة ومن استثمارها 11 مليارات دولار في بناء الملاعب على حساب أولويات أخرى كالمرافق الصحية والبنية التحتية وتوفير فرص العمل للبطالين.في القرن التاسع عشر ربطت القوى الاستعمارية التطور والتفوق الرياضي بحركة الاستعمار وتفوق النظام الرأسمالي الغربي، وأصبح المتفوق في الرياضة هو المتفوق في الاقتصاد وفي السياسة وفي الحضارة وأصبح المنتصر في الرياضة هو المنتصر في الحرب. وهكذا دخلت الرياضة السياسة وكيف لا وهناك دول استثمرت مليارات الدولارات لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم أو لاستضافة الألعاب الأولمبية أو الألعاب الأسيوية أو الإفريقية أو ألعاب البحر الأبيض المتوسط إلى غير ذلك. وبذلك تم توظيف الرياضة في خدمة السياسة وأصبحت السياسة الرياضية جزءا لا يتجزأ من سياسة الدولة؛ وأصبح الأبطال في مختلف الألعاب والرياضات وخاصة الألعاب الأكثر شعبية ككرة القدم يقلّدون الأوسمة ويستقبلون استقبال المحررين المنتصرين من رئيس الدولة وتقدم لهم التهاني والتبريكات من قبل كبار السياسيين.مع مطلع القرن العشرين تحوّلت الملاعب إلى فضاءات للدعاية السياسية وللتجنيد ولغسل الأدمغة وحتى للانقلابات العسكرية. فعبرت الشعوب المستعمرة (بفتح الميم) عن حقها في تقرير مصيرها من خلال مشاركاتها المختلفة في المحافل الرياضية الدولية وكان فريق جبهة التحرير الوطني الجزائري إبان استعمار فرنسا للجزائر خير سفير للقضية الجزائرية، ونلاحظ اليوم المنتخبات الفلسطينية ودورها الريادي والاستراتيجي بالتعريف بالقضية الفلسطينية وإسماع صوت أطفال الحجارة للعالم. كما عبّرت الأقليات والأعراق عن حقوقها من خلال الرياضة وخير دليل على ذلك الزنوج الأمريكيين ابتداء من العداء المشهور "جيسي أوينس" إلى الملاكم العالمي محمد علي الذي رفض أن يلتحق بالجيش الأمريكي في فيتنام. وهكذا بلغ استغلال الرياضة سياسيا ذروته مع صعود الأنظمة الشمولية في ألمانيا الهتليرية النازية وإيطاليا الموسولينية الفاشية والاتحاد السوفيتي من لينين إلى ستالين إلى كروتشف و بريجنيف…الخ. ففي سنة 1934 استضافت إيطاليا بطولة العالم لكرة القدم واستغل موسوليني والفاشيون الحدث وحوّلوا ملاعب كرة القدم إلى حلبات للدعاية وغسل الأدمغة وتجنيد الجماهير واستغلال حماسهم وروحهم الوطنية ومشاعرهم القومية. وفي سنة 1936 استضافت ألمانيا النازية الألعاب الأولمبية وجمعت برلين الرياضيين من جميع أنحاء العالم لكن بشرط أن يعلم الجميع أن العرق الآري هو أحسن عرق فوق الأرض وأنه وُلد ليتفوق وليحكم العالم. وهكذا زحفت ألمانيا من الملاعب المختلفة للرياضات الأولمبية إلى غزو جيرانها وإعلان الحرب على العالم. كما لا ننسى أن "هيتلر" رفض أن يسلم الميدالية الذهبية للعداء الأمريكي الأسود " جيسي أوينز" لا لشيء إلا لأنه أسود وحسب منطق "هتلر" لا يمكن للأسود أن يتفوق على الأبيض الألماني الآري.الأيديولوجية الاشتراكية والشيوعية هي بدورها استغلت الرياضة لتأكيد تفوقها وقوتها. الاتحاد السوفيتي ومن كان يدور في فلكه وخاصة ألمانيا الديمقراطية ورومانيا وبلغاريا والمجر وتشيكوسلوفاكيا كانت هذه الدول كلها تستثمر استثمارا لا حدود له في مجال الرياضة وكانت تنفق مئات الملايين من الدولارات على رياضييها كما كانت تستعمل المنشطات وكل الوسائل للتفوق على المعسكر الرأسمالي. وكان الصراع يشتد دائما بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي في المحافل الرياضية الدولية وكانت دولة مثل ألمانيا الديمقراطية بحجمها الصغير وإمكانياتها المحدودة آنذاك تهزم في المسابقات الرياضية العالمية دولا عريقة مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وبريطانيا واليابان…الخ.وابتداء من السبعينات من القرن الماضي ظهرت الحروب الخفية في المجال الرياضي باستعمال المقاطعة الرياضية، ففي سنة 1976 قاطعت معظم الدول الإفريقية الألعاب الأولمبية احتجاجا على مشاركة نيو زيلا ندا التي كانت تقيم علاقات سياسية واقتصادية مع الأبارتيد بجنوب إفريقيا. وفي سنة 1980 قاطعت أكثر من 60 دولة الألعاب الأولمبية بموسكو احتجاجا على غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان. وفي الألعاب الموالية في سنة 1984 ردّ المعسكر الاشتراكي الصاع صاعين وتعامل بالمثل وقاطعت 18 دولة الألعاب الأولمبية التي احتضنتها الولايات المتحدة الأمريكية في لوس أنجلوس متعذرة في ذلك بانعدام الأمن.المونديال والألعاب الأولمبية والرياضة بصفة عامة ليست فقط كما نظّر لها "بيير دي كوبرتان" وغيره، مبادئ ومثل عليا وترقية المنافسة الشريفة وتربية الشباب بواسطة الرياضة وروح التفاهم المتبادل والصداقة من أجل بناء عالم أفضل وأكثر سلما، عالم تسوده القيم الإنسانية العليا، تسوده الأخلاق والمحبة والوئام، وإنما هي كذلك مظهر من مظاهر الصراع السياسي بين دول تتنافس وتتصارع كلها من أجل إثبات أنها هي الأقوى وهي الأحسن والأجدر بالفوز. فالخوف كبير على رئيسة البرازيل أن تتبخر أحلامها في الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة إذا لم تفز البرازيل بكأس العالم وهذا أمر وارد جدا نظرا للأداء الباهت لفريق السامبا إلى حد الآن.
884
| 04 يوليو 2014
"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (النحل:125). في ظل انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا والتشويه المنهجي للإسلام والمسلمين والعرب، وأزمة الإعلام العربي وغياب مشروع إعلامي عربي لمواجهة الصور النمطية والتشويه والتضليل نتساءل عما هي الحلول والسبل والإجراءات العملية لتصحيح الوضع وبناء جسور الحوار والتفاهم مع الآخر. فالدول العربية والإسلامية مطالبة بالقيام بسلسلة من الإجراءات العملية لبناء حوار فعال لمواجهة الوضع غير السوي ولتقديم الصورة الحقيقة للإسلام والمسلمين وللرد على الأساطير والأكاذيب والحملات الدعائية للنيل من الإسلام والمسلمين. ومن أهم هذه السبل تحرير الإعلام العربي من القيود ومن القوانين البالية: وهذا يعني تحرير القائم بالاتصال والمثقف العربي من كابوس الرقابة الذاتية حتى ينتج رسالة إعلامية قادرة على المنافسة والتأثير في الرأي العام سواء على الصعيد المحلي أو الدولي. وكذلك جعل المؤسسة الإعلامية وسيلة للإبداع والإنتاج الفكري ومنبرا للحوار والنقاش البناء. كما يتطلب الأمر توفير الإمكانات والوسائل وشروط النجاح للقائم بالاتصال حتى يؤدي رسالته على أحسن وجه، والعمل على تطوير مهاراته وإمكاناته من خلال دورات تعليمية وتدريبية بصفة دورية ومستمرة. من جهة أخرى يحتاج الخطاب الإعلامي الإسلامي والعربي إلى تطوير وإلى منهج جديد في الشكل وفي المضمون وفي المنهجية. حيث ضرورة تحريره وإعطائه الحرية الكاملة لطرح القضايا الرئيسية التي تهم الشارع والرأي العام سواء محليا أو دوليا حتى يستجيب لمتطلبات العصر واحتياجاته، وكذلك الخروج من النمطية والرتابة والتبعية إلى الإبداع والابتكار والتميز. العرب بحاجة كذلك إلى مرصد لوسائل الإعلام الغربية لمتابعة التجاوزات في حق الإسلام والمسلمين والعرب والرد عليها بالسرعة الفائقة وتفنيد كل الأساطير والأكاذيب والحملات الدعائية. هذا الرصد يجب أن يكون منهجيا وبطريقة منظمة لمتابعة أولا بأول كل ما يسيء للإسلام والمسلمين والعرب في مختلف وسائل الإعلام العالمية وفي مختلف المنتجات الثقافية. ومن الحلول الناجعة كذلك إنشاء مركز للدراسات والأبحاث يقوم بتزويد صانع القرار بالمعلومات والإحصاءات الضرورية لاستخدامها في تصحيح صورة العرب والمسلمين وفي إقامة حوار منهجي وبناء مع الآخر. كما يتطلب الأمر الاستثمار في الصناعات الإعلامية والثقافية وهذا يعني ضرورة الاهتمام بالصناعات الثقافية والإعلامية في الوطن العربي والإسلامي وزيادة المنتج الثقافي والإعلامي العربي والإسلامي الذي يعنى بتصحيح الصورة. كما يجب استخدام وسائل الإعلام الجديدة واستغلال التكنولوجيات الحديثة للإعلام والمعلومات للوصول إلى الآخر ومخاطبته سواء من خلال الانترنيت أو "المدونات" أو البريد الإلكتروني.. إلخ. ومن الإجراءات العملية كذلك تجديد الخطاب الديني لمواكبة منطق العصر ولغة العصر ووسيلة العصر والابتعاد عن الركاكة والرتابة والروتين والتكرار والارتجال، مع الحرص على تقديم الرسالة الدينية بأسلوب المنطق وهندسة الإقناع وعرض وتقديم المادة الإعلامية بعدة لغات سواء عن طريق الفضائيات أو الانترنت أو الصحف والمجلات العالمية.. وغير ذلك من الوسائل والقنوات. كما يجب على العلماء والفقهاء ورجال الدين تقديم خطاب ديني عصري يتماشى مع التحديات التي تعيشها البشرية في القرن الحادي والعشرين من أجل بناء جسور الحوار والتفاهم بين شعوب العالم. من الإجراءات العملية كذلك إنشاء بنك معلومات عن إنجازات العرب والمسلمين وإسهاماتهم في الحضارة العالمية وكل ما يساعد في بناء رسالة إعلامية قوية تساعد في الرد على التشويه والتضليل والصور النمطية. وإنشاء مركز دراسات مستقبلية يعنى باستشراف واقع ومستقبل العرب والمسلمين ويرسم سيناريوهات بديلة لسبل التفاهم والحوار بين العرب والغرب. كما يجب الاستثمار كذلك في العلاقات العامة والدبلوماسية العامة: فالمؤسسات الدينية والمراكز الإسلامية والجامعات الإسلامية كلها بحاجة إلى جهاز علاقات عامة للوصول إلى إدراك الآخر وإقناعه بالبينة بماهية الإسلام وعظمته وعالميته. كما يجب تفعيل دور الدبلوماسية العربية في محاورة الآخر وبناء جسور العلاقات الطيبة معه وتخليصه من الأفكار المسبقة والصور النمطية والأكاذيب والأساطير التي رسخها في ذهنه الإعلام الدولي. كما يجب كذلك تفعيل الحوار مع المجتمع المدني في الدول الغربية (جمعيات، أحزاب، نقابات، منظمات غير حكومية، أندية...إلخ) حيث توجد قطاعات عديدة في المجتمع الغربي لو عرف العرب والمسلمون كيف يتعاملون معها لاستطاعوا الحصول على تأييدها ودعمها لهم في خدمة القضايا العربية والإسلامية. فهناك هيئات عديدة في المجتمع المدني في الغرب تقف ضد التضليل والتشويه والتلاعب وضد الحرب الأمريكية البريطانية في العراق وضد جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين وضد العنصرية والتمييز والتفرقة ضد العرب والمسلمين. فالعرب والمسلمون مطالبون بالتعاون وإقامة علاقات مع هذه التنظيمات لخدمة قضاياهم وللوصول للرأي العام العالمي والتأثير فيه. كما يجب كذلك تفعيل الحضور الثقافي العربي الإسلامي في الغرب (المعارض، الندوات، المحاضرات، المؤتمرات)، حيث إن بناء الحوار مع الآخر والوصول إليه والتأثير فيه يتطلب استثمار منهجي ومستمر ودائم لتأكيد الحضور الإعلامي وبناء الصورة. كما يجب إنشاء قنوات فضائية تبث باللغات العالمية. الملاحظ أن هناك غيابا شبه تام للفضائيات العربية والإسلامية التي تبث بلغات أجنبية للآخر وهذا يعني وجود فراغ كبير يستغله الآخر وخاصة أعداء الإسلام لتمرير ما يريدون من أكاذيب وأساطير وحملات دعائية حيث إن الآخر يتمتع بوجود كبير جدا في البث الفضائي الدولي، في حين يبقى الحضور الإعلامي الإسلامي والعربي محدودا جدا. وكذلك استئجار أوقات بث في وسائل الإعلام العالمية وخاصة من خلال وسائل الإعلام الدولية التي تتمتع بانتشار عالمي واسع، وإنشاء إذاعات موّجهة بلغات غربية من أجل فتح قنوات تواصل وحوار مع جماهير واسعة وفي دول مختلفة عبر العالم. كما يتطلب الوضع تفعيل عمل الأقليات المسلمة في الغرب والتعاون معها في إيصال الرسالة إلى الآخر؛ توجد أقليات مسلمة في دول عديدة في العالم. فهناك خمسة ملايين مسلم في فرنسا، ونفس العدد في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك أعداد معتبرة كذلك في بريطانيا ودول أوروبية أخرى كبلجيكا وهولندا والدانمرك وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا...إلخ. هذه الأقليات بإمكانها أن تلعب دورا كبيرا في إنشاء قنوات حوار وتفاهم مع الآخر وبإمكانها كذلك أن تعطي الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين من خلال الرد على الحملات الدعائية والصور النمطية والتغطيات الإعلامية المسيئة والمشوهة للإسلام والمسلمين. فعمل الأقليات الإسلامية في الغرب يحتاج إلى التخطيط والبرمجة والتنسيق حتى تنجح في القيام بواجبها وأداء رسالتها على أحسن وجه وحتى لا تُسّيس وتُستغل من جهات قد تسيء للإسلام والمسلمين أكثر مما تخدم حوار الإسلام مع الغرب. كما يجب إنشاء وتمويل ودعم أقسام وكليات ومعاهد للدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في كبريات الجامعات الغربية وتمويل البحث العلمي فيها وتوفير المنح الدراسية والبحثية لطلاب الدراسات العليا وللباحثين في قضايا الإسلام والشرق الأوسط، وكذلك تنظيم جوائز ومسابقات عالمية للدراسات والبحوث الإسلامية والشرق أوسطية. وتأهيل وتطوير الكادر الإعلامي لمواكبة التطورات في مجال تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والتحكم في اللغات العالمية والمهارات اللازمة لإنتاج الرسالة الإعلامية الفعالة والناجحة. يعتبر الحوار مع الغرب تحديا كبيرا يواجهه كل مسلم في القرن الحادي والعشرين. ونجاح الحوار يتوقف على استعداد الطرفين للتحاور والتفاهم. والمقصود بالاستعداد هنا هو نية الحوار وإرادة فهم الآخر ومحاولة التعرف عليه واحترامه. كما يقوم الحوار على الاحترام المتبادل والإنصاف والعدل ونبذ التعصب والكراهية. وحتى يكون الحوار ناجحا يجب أن يكون متكافئا ومتوازيا بين الطرفين.
1259
| 27 يونيو 2014
تغنى ومازال الكثير من المختصين والباحثين والمنظرين في شؤون الصحافة والإعلام أن الصحافة هي السلطة الرابعة التي تراقب السلطات الثلاث في المجتمع: السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية. ومنهم من رأى أن الصحافة هي بارومتر الديمقراطية وهي منبر الفقراء والمساكين والضعفاء ومن لا حول ولا قوة لهم، وهي الوسيلة الإستراتيجية للكشف عن الحقيقة واستقصاء الواقع حتى سماها الأمريكيون بـ" كلب الحراسة"، لكن واقع القرن الحادي والعشرين وواقع الحرب على الإرهاب يقولان إن الصحافة تحوّلت من السلطة الرابعة إلى وسيلة لتزييف الواقع وتضليل الوعي وفبركة الأحداث والوقائع وفق ما تمليه عليها قوى المال والأعمال والسياسة. فوسائل الإعلام اليوم، في عصر الفضائيات والانترنيت والمجتمع الرقمي، أصبحت تكيّف الأحداث والوقائع وفق القوى التي تتحكم في النظام، سواء كان ذلك النظام محليا أو عالميا. لقد كشفت الحرب على العراق الأخطاء والهفوات والتجاوزات الخطيرة التي وقعت فيها وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم حيث إنها انساقت وراء أقوال وآراء أباطرة السياسة وتجار الأسلحة والحروب دون أن تتجرأ وتستقصي الواقع وتحاول أن تكشف عن الأساطير والأكاذيب وغيرها من آليات التضليل والتزييف التي تستعملها كبريات وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية. فإذا أخذنا أحداث 11 سبتمبر كمثال نلاحظ التزييف والتضليل والتسييس للأحداث بآليات وتقنيات مختلفة ليس من أجل تقديم الحقيقة وإنما بهدف استغلال الحدث لتوجيه الرأي العام في الاتجاه الذي يخدم السلطة السياسية والمالية للنظام. تمر الممارسة الإعلامية في أيامنا هذه بأسوأ مراحلها حيث نلاحظ اختراقات بالجملة للموضوعية والحيادية والنزاهة وأخلاقيات المهنة والحرفية. فالآلة الإعلامية أصبحت تركز على جوانب الحدث التي تخدم أجندتها وتتجاهل تماما كل ما يناقض أهدافها وسياساتها. فالأمر أصبح تضليلا وتشويها وتحريفا منهجيا ومنظما للواقع. فتعاطي الإعلام مع أزمة سوريا وما يجري في مصر وفي أنحاء عديدة من العالم يشير إلى أن مهنة الصحافة في العالم تعاني من انفصام الشخصية ومن ازدواجية المعايير ومن أزمة أخلاقية عويصة. الحملة الأخيرة للصحافة البريطانية على استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022 لخير دليل على ذلك عندما لاحظنا تجاوزات بالجملة على معايير وقيم ومبادئ مهنة اسمها الصحافة ومن بلد كان من الأوائل الذين أسسوا ونظروا لحرية الصحافة ونزاهتها ومسؤوليتها الاجتماعية. حروب ونزاعات وأزمات عديدة تحدث في مناطق مختلفة من العالم والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تتعامل وسائل الإعلام مع هذه الأحداث والثورات وهل يحصل القارئ والمشاهد والمستمع على الحقيقة وعلى أسباب وتداعيات وانعكاسات تلك الحروب والنزاعات؟ هل تصله المعلومة التي يحتاجها لفهم الخلفيات والأبعاد والمضامين، أم أن الأمر يبقى عبارة عن فبركة وصناعة متقنة من أجل التضليل والتزييف لتشكيل رأيا عاما وفق ما يريده الساسة وأباطرة المال والأعمال وتجار الحروب. تعامل وسائل الإعلام المختلفة مع الربيع العربي ومؤخرا مع ما يحدث في سوريا والعراق يثير عدة تساؤلات ويطرح عدة قضايا جوهرية تتعلق بتسييس الأحداث والقضايا وقراءتها وفق معطيات تصب في أجندة وأيديولوجية المؤسسة الإعلامية على حساب الحقيقة والرسالة النبيلة لمهنة الصحافة. فالتغطية المختلفة والمتضاربة والمتناقضة لنفس الحدث من قبل مؤسسات إعلامية مختلفة في الرؤية والاتجاه والأيديولوجية توحي للجمهور وكأن الأمر يتعلق بأزمات وأحداث مختلفة وليس بنفس الأزمة ونفس الحدث. تركت أحداث 11 سبتمبر والحرب على العراق انعكاساتها وبصماتها على جميع مجالات الحياة ليس في الولايات المتحدة فقط وإنما في جميع أنحاء العالم. فبعد مرور أكثر من عشر سنوات على ضرب رمز القوة الأمريكية في نيويورك وواشنطن وضرب أكبر قوة في العالم في عقر دارها وبعد عشرات الآلاف من المقالات والتقارير والدراسات والبرامج الحوارية والسياسية في المؤسسات الإعلامية المختلفة وعبر جميع أنحاء العالم، نتساءل عن الثمن الغالي الذي دفعته الصحافة والمضايقات والتجاوزات التي تعرضت لها من جهة، ومن جهة أخرى الانحرافات التي ارتكبت في حق الكلمة الصادقة والأداء الإعلامي الموضوعي والهادف من أجل تزويد الرأي العام بالحقائق والمعلومات والمعطيات. فالخاسر الأول من أحداث 11 سبتمبر والنزاعات الدولية والحروب هي الكلمة الصادقة والممارسة الإعلامية وحرية لصحافة خاصة في الدول التي اشتهرت بتقاليد حرية الفكر والرأي والتعبير، تلك الدول التي بنت الديمقراطية على أكتاف الصحافة الحرة، القوية والفعالة. لكن ما يحدث هذه الأيام في التعامل مع النزاعات والصراعات الدولية وفي شن حملات إعلامية مليئة بالمغالطات والتضليل والتزييف يكشف يوما بعد يوم أن وسائل الإعلام خانت رسالتها ولم تفلح في أن تنصف جمهورها وأن تنصف الرأي العام سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي لمعرفة حقيقة الحدث وخلفياته وأبعاده، وأهدافه؟ هل استطاعت وسائل الإعلام أن تزيح الالتباس والغموض والتضليل والتشويه والصور النمطية وتقدم الواقع كما هو؟ أم أنها تسارعت وتفننت في فبركة الواقع كما تريده أن يكون وفق أطرها وأيديولوجيتها وسياستها وما يخدم أجندتها وفق أهوائها وأهدافها ومصالحها ضاربة عرض الحائط أدبيات الموضوعية والالتزام والنزاهة وتقديم الحقائق كما هي لا غير. الصحفي تيسير علوني سُجن في إسبانيا دون محاكمة نزيهة ودون أدلة تذكر، وهناك المئات من الصحفيين قُتلوا بحثا عن الحقيقة والمبرر هو محاربة الإرهاب والأمن القومي وإلى غير ذلك من أدبيات أباطرة الرقابة والتسلط والتفنن في التعتيم والتكميم. هكذا إذن، لم تصبح هناك فروق بين الدول السلطوية والدول التي تدعي الديمقراطية وحرية الفكر والرأي والتعبير وحقوق الإنسان. فأمريكا صاحبة "التعديل الأول" والبلد الذي يقدس حرية الصحافة ضربت عرض الحائط ما بنته خلال ما يقارب ثلاثة قرون وأصبحت توّجه الأوامر لرؤساء التحرير وتتدخل في افتتاحيات المؤسسات الإعلامية مثلها مثل أي دولة سلطوية أو دكتاتورية في العالم الثالث. أصبح الإعلام في القرن الحادي والعشرين صناعة تفبرك الواقع أكثر مما تشرحه وتفسره وتقدمه كما هو للرأي العام. الإعلام في عصر المجتمع الرقمي أصبح قوة تقرأ الواقع وتفسره وفق القوى المالية والسياسية التي تتحكم فيه. تعتبر عملية إخفاء الحقيقة الدرجة العليا من الجريمة ومن الإرهاب وأن تزوير الواقع وتشويهه والتلاعب بعقول الجماهير لإرضاء حفنة صغيرة جدا من تجار الأسلحة والحروب يفوق في خطورته أكبر الأعمال الإجرامية والإرهابية، فالضمير المهني الإعلامي مطالب باستعمال المهنية والحرفية والأخلاق والالتزام من أجل التفاهم والتواصل والمحبة والوئام والتكامل بين الأجناس والأعراق والشعوب والأمم وحتى يصبح الإعلام مصدرا لنشر القيم الإنسانية والمحبة والأمن والآمان والرفاهية والرخاء في جميع أنحاء العالم، وليس مصدرا ومنبرا لإشعال الفتن والحروب والجرائم والحقد والكراهية والبغضاء والعنصرية لحساب حفنة من أباطرة السياسة والمال وتجار الحروب. ماذا تجني الصحافة البريطانية عندما تشن حملات إعلامية مليئة بالحقد والضغينة والاستعلاء والاستخفاف بعقول الناس، حملات إعلامية على قول ساب بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، مليئة بالعنصرية ومنافية لأخلاقيات المهنة ولاحترام المبادئ والقيم الإنسانية.
4240
| 20 يونيو 2014
ما زالت الحملة الإعلامية الغربية بصفة عامة والبريطانية بصفة خاصة ضد استضافة دولة قطر لكأس العالم 2022 تثير الكثير من الجدل والنقاش حول انحراف الممارسة الإعلامية عن رسالتها النبيلة عندما تتدخل في أجندتها حسابات ومعايير أخرى غير البحث عن الحقيقة وكشف المستور. فبدلا من التركيز على الفساد المنتشر في الفيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) راحت الصحافة الغربية من دون حق وبدون أدلة دامغة تتهم وتنال من سمعة قطر بعيدة كل البعد عن الحرفية وأخلاقيات المهنة. في منتصف القرن الماضي تجاوزت الصحافة الأمريكية حدودها مما أدى بالساهرين على تطبيق التعديل الأول الأمريكي بإنشاء "هوتشينس" التي نظرت في الهفوات والأخطاء والممارسات التي خرجت عن العرف والتقاليد العامة لأخلاقيات الصحافة. ونتيجة لتقرير اللجنة ظهر مفهوما جديدا في قاموس الصحافة وهو مصطلح المسؤولية الاجتماعية للصحافة وكان هذا سنة 1947، وبعد خمسين سنة بالضبط وجدت الصحافة البريطانية نفسها أمام أزمة أخلاقية حادة أدت إلى نقاش جاد وصريح بين محترفي المهنة وبين النقاد والمشرفين على الصحف والمجلات وكذلك المختصين في شؤون قانون الصحافة وأخلاقياتها. والأمر هذه المرة كان خطير حيث إنه مسّ الأميرة ديانا والعائلة المالكة. وآخر ضجة عرفها المجتمع البريطاني هو ظهور كتاب "الملكيون" للكاتبة كيتي كيلي حيث جاء ليكمل ما تركته صحافة الإثارة وليكشف للعام والخاص عورة العائلة المالكة بكاملها والأميرة ديانا على وجه الخصوص. تتميز الصحافة الغربية وعلى وجه الخصوص الصحافة الجادة بالتنقيب والاستقصاء والتحري Investigative Reporting لتلبية فضول القراء لمعرفة حيثيات الأمور وما يجري في المجتمع من تجاوزات وتناقضات وكذلك لمراقبة رجال السياسة وأصحاب السلطة والنفوذ والجاه والمال على التجاوزات واستغلال مناصبهم ونفوذهم لتحقيق أهدافهم الخاصة على حساب المصلحة العامة. من حيث المبدأ تظهر الأهداف نبيلة وشريفة، حيث استطاعت الصحافة الغربية أن توظف هذه الأهداف النبيلة في أرض الواقع. والأمثلة كثيرة على ذلك مثل استقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وانسحاب "غاري هارت" من الانتخابات الأمريكية وهذا غداة كشفه أمام الرأي العام الأمريكي أنه قضى عطلة نهاية الأسبوع مع عشيقته "دونا رايس"، والأمثلة كثيرة ومتشعبة. وبطبيعة الحال ومن خلال هذين المثالين نلاحظ أن الصحافة الأمريكية خدمت المصلحة الوطنية قبل كل شيء من وراء هاتين القضيتين. فمن يخون زوجته بإمكانه أن يخون الأمة بكاملها، ومن يتجسس على غيره فإنه لا يصلح لرئاسة الدولة. فنلاحظ هنا أن حرية الصحافة وضرورة توفير المعلومة للرأي العام ومراقبة المجتمع تمثل أحد نقاط القوة في المجتمعات التي تؤمن بالديمقراطية وبحرية الصحافة كمستلزم رئيس لهذه الديمقراطية. السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا يحدث إذا تلاعبنا بهذه المبادئ وهذه الحرية لتحقيق أهداف ليست هي بالضرورة أهداف الغالبية العظمى من المجتمع وليست هي الأهداف النبيلة للصحافة والإعلام. فالإشكال المطروح هنا هو أن الصحافة الصفراء وصحافة الإثارة استغلت مركزها في المجتمع ونفوذها لتحقيق أهدافها بالدرجة الأولى وهذه الأهداف تتمثل في المبيعات وبذلك الإعلانات وبذلك الربح. فتدخل صحافة الإثارة والتابلويد في خصوصية المشاهير ورجال السياسة والأعمال أثار ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية والسياسية البريطانية بصفة خاصة، والغربية بصفة عامة. وجاء رد الفعل عنيف حيث إن الجهات المختصة في المملكة المتحدة اتخذت إجراءات صارمة لتنظيم وتقنين العملية الإعلامية من دون المساس بطبيعة الحال بحرية الصحافة وبحرية الرأي والنقد. ففي مؤتمر صحفي أعلن اللورد "جون وايكهام" رئيس اللجنة الصحافية البريطانية للشكاوي ورئيس لجنة مراقبة الصحافة عن الإجراءات الجديدة التي أخذتها اللجنة لتضع حدا لتجاوزات الصحافة وتكرار مأساة ديانا. وشملت هذه الإجراءات حماية الحياة الخاصة للعائلة المالكة وللمشاهير ورجال الأعمال والسياسة،و الأطفال وضرورة القضاء على سوق صور البابراتزي التي تلتقط بطرق لا تمت بأية صلة لأخلاقيات الصحافة والسلوك الإعلامي المسؤول. وهكذا جاءت مأساة ديانا وبعد فوات الأوان بنتائج تحمي أولادها وتحمي غيرها من الاستغلال البشع لصور تُباع بمئات الآلاف من الدولارات، بل في بعض الأحيان بالملايين. وهكذا جاءت لجنة مراقبة الصحافة مثلها مثل لجنة "الهوشتينس" في الولايات المتحدة سنة 1947 بقانون جديد للممارسة والسلوك الإعلامي. وكان رد فعل الناشرين وأصحاب الجرائد وكبار المحررين البريطانيين جد إيجابي حيث رحب الجميع باقتراح اللورد "وايكهام". لكن كيف سيكون التطبيق في أرض الواقع خاصة وأن الصحافة الصفراء تقوم أساسا على أخبار المشاهير وخصوصيتهم وأخبار الإثارة والجنس والمال. يرى الخبراء والمختصون في شؤون قانون الإعلام وحرية الصحافة، أنه ليس بالأمر الهين تحديد أين ينتهي حق الفرد في الخصوصية وأين تبدأ حرية الصحافة. ففي بعض الأحيان يأخذ الأمر وقتا طويلا ودراسة ومناقشة مستفيضتين لتحديد هل يجب علينا كصحافيين أن نكتب خبر حول المسألة الفلانية أم لا؟ وفي هذه الحالة قد يضيع الصحافي فرصة تغطية خبر يكون ذا أهمية للمجتمع ولحق الفرد في المعرفة. والإشكال الرئيس الذي يواجه المهنة هو أن هذا القانون الذي وضعه المسؤولون في بريطانيا تقل أهميته ووزنه إذا لم تعمل به دول أخرى عبر العالم. فصور البابراتزي لها سوق عالمي وتباع في أهم عواصم العالم فإذا منعت في لندن وبيعت في روما فما الفائدة، وأين هي الفائدة كذلك إذا لم يشمل هذا القانون الإنترنت والإعلام الإلكتروني بجوانبه المتعددة والمتشعبة - البث الفضائي-التلفزيون الكابلي والمشفر...الخ. فبين حق الجمهور في المعرفة وحق الفرد كذلك في حرمته الخصوصية يوجد تناقضا كبيرا من الناحية العملية. ومنهم من يرى أن أي قوانين أو إجراءات تنظيمية لممارسة المهنة الصحافية ستحد من حرية الصحافة وسيستغل أصحاب النفوذ والجاه والمال مثل هذه الإجراءات للتهرب من التحقيقات والاستقصاءات حتى لا تكشف الصحافة عن أعمالهم التي قد تناقض القانون والأخلاق والصالح العام. والملاحظ هنا أن معظم مواثيق الشرف ومجالس الصحافة عبر العالم قد ركزت على مسؤولية الصحافة أمام الجمهور، ومسؤوليتها أمام المصادر، والدولة والموظفين كما ركزت كذلك على دورها الرائد في حماية النزاهة والالتزام المهني وكذلك العمل على حماية مكانة المهنة ووحدتها في المجتمع. والمقصود هنا بحرية الصحافة أمام الجمهور هو واجبها نحو هذا الجمهور بتزويده بالمعلومات الضرورية سواء لتشكيل الرأي العام أو لمعرفة ما يدور حوله سواء محليا أو إقليميا أو دوليا، وهذا يعني أن الكلام لم يكن موجها نحو موضوع الخصوصية وحرمة الحياة الشخصية لكل فرد في المجتمع سواء كان شخصية عمومية أو من عامة الناس. لكن بين ما تسنه وتسطره مواثيق الشرف ومجالس الصحافة وبين الممارسة في الواقع هوة تكبر أحيانا وقد لا تكاد تذكر أحيانا أخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي الخدمة التي تقدمها الصحافة عندما تغطي خصوصية الآخرين، خاصة إذا كانت الأمور تتعلق بالروتين والحياة العادية للنجم السينمائي أو للسياسي أو لرجل الأعمال. فإذا كانت التغطية لا تكشف عن عملية فساد أو رشوة أو تجسس أو استغلال نفوذ، أي بمعنى أخر التصرفات التي تضر بالصالح العام، وإنما هي تغطية تافهة تستغل من قبل صحافة الإثارة لزيادة المبيعات وزيادة القراء والمشتركين وبذلك زيادة حجم وسعر الإعلانات، ففي هذه الحالة نلاحظ أن الصحافة ابتعدت - بمختلف المقاييس والمعايير- عن مهمتها النبيلة في المجتمع. ومن هذا المنطلق يجب على مواثيق الأخلاق ولجان الصحافة عبر العالم أن تقنن وتنظم تعامل الصحافة مع الحياة الخصوصية للناس وهذا من دون المساس بحرية الصحافة في الكشف عن الحقيقة والدفاع من خلال عملها على الصالح العام. فقياس الغرض وتحديده في هذه الحالة يعني أن الغائية والهدف والقصد من وراء تغطية خصوصية الناس هو خدمة الصالح العام أم خدمة الإثارة وزيادة المبيعات والأرباح.
1472
| 14 يونيو 2014
مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور...
13176
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به...
1782
| 21 نوفمبر 2025
شخصيا كنت أتمنى أن تلقى شكاوى كثير من...
1383
| 18 نوفمبر 2025
في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17...
1164
| 20 نوفمبر 2025
القادة العظام يبقون في أذهان شعوبهم عبر الأزمنة...
1134
| 18 نوفمبر 2025
كنت في زيارة لإحدى المدارس الثانوية للبنين في...
969
| 20 نوفمبر 2025
في عالم يتسارع كل يوم، يصبح الوقوف للحظة...
912
| 20 نوفمبر 2025
نعيش في عالم متناقض به أناس يعكسونه. وسأحكي...
804
| 18 نوفمبر 2025
يُعد البيتومين (Bitumen) المكون الأساس في صناعة الأسفلت...
705
| 17 نوفمبر 2025
أقرأ كثيرا عن مواعيد أيام عالمية اعتمدتها منظمة...
645
| 20 نوفمبر 2025
المترجم مسموح له استخدام الكثير من الوسائل المساعدة،...
621
| 17 نوفمبر 2025
مع إعلان شعار اليوم الوطني لدولة قطر لعام...
615
| 19 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية