رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
سيرة ذاتية تُعرّف بصاحبها.. لا من خلاله، بل من خلال الآخرين الذين كرّس مسيرة حياته في خدمتهم بما استطاع، وفوق ما استطاع في بعض الأحيان!.هنا يتحدّث (بيترو بارتولو).. طبيب من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، الذي جعل منها نقطة تجمّع للاجئين عقدوا الأمل على حياة خلف البحر فركبوه، حتى لَفَظَهم على شاطئه ولم يبتلعهم غدراً كما غدرت بهم أوطانهم وابتزّهم المهربون.. فتوّلى مهمة استقبالهم منذ تأسيس عيادة الجزيرة عام 1991 كحالات طارئة ينبغي إسعافهم فور وصولهم، حتى استحق وبجدارة لقب (طبيب المهاجرين). لم يكن توفير طائرة إسعاف للجزيرة ابتداءً بالأمر الهيّن، فقد حارب خلال السنوات التي تولّى فيها منصب مستشار للصحة في بلاده، من أجل الحصول على ميزانية العيادة الضخمة، ما يسّر عملية تدشين الخدمة بعد ذلك وخفف وطأة العزلة على الجزيرة بساكنيها. يحصد د. بارتولو الأوسمة والجوائز العالمية نظير أعماله الطبية والإنسانية تجاه اللاجئين، ويُرّشح فيلم (حريق في البحر) الذي خصّ الجزيرة وأعماله فيها بجائزة الأوسكار عن أحسن فيلم وثائقي لعام 2017. وعن مراجعة سيرة (دموع الملح)، فتعتمد على الطبعة الأولى الصادرة عام 2020 عن (منشورات تكوين للنشر والتوزيع)، والتي عني بترجمتها المترجم والروائي المصري (محمد أ. جمال)، وهي تعرض متفرقات عن صاحبها مهنياً وشخصياً، معززة ببعض الاقتباسات بما يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر): ليس صحيحاً أن اعتياد تشريح الجثث يولّد شعوراً اعتيادياً نحوها، فالمهمة شاقة والألم المصاحب يستعصي على قدرة التحمّل في كثير من الأحيان! فيوجّه د. بارتولو في موضوع (أمور لا تعتاد عليها) نوعاً من التوبيخ إلى من يظن بـ (روتينية) الفعل لا سيما من قِبل زملائه الأطباء، قائلاً: «أنت لا تعتاد أبداً على رؤية أطفال موتى أو نساء لقين حتفهنّ أثناء الولادة على مركب يغرق، أطفالهن الصغار متدلين منهنّ بالحبال السرّية. لا تعتاد أبداً على مهانة قصّ إصبع أو أذن جثة لتحليل شفرتها الجينية، حتى يصير للضحية اسم وهوية وليس مجرد رقم». وفي موضوع (خيار لا رجعة فيه) وبينما تقلّ طائرة مروحية لاجئين بدت بهم العيادة «كمستشفى ميداني ساعة حرب»، يعاين د. بارتولو رجل سوري ممدد «يتدلى من وريده محقن» وتعكس عيناه نظرة خواء ما لها من قرار، وإلى جانبه زوجته تشاطره النظرة وبحضنها طفلهما الرضيع ذي التسعة أشهر! لم يكن سر تلك النظرة سوى عذاب الضمير الذي نشب في صدره بعد أن قرر -وهم يصارعون الموج إثر تحطّم القارب- إفلات يد ابنه ذي الثلاثة أعوام والذي كان متمسّكاً به، في تضحية من أجل إنقاذ طفله الرضيع المتعلق بصدره وزوجته معه، حيث الغرق لأربعتهم سيكون مصيرهم لا محالة لو استمر في خوض البحر ومعاندة أمواجه في محاولة لإنقاذ الجميع.. «فتح يده اليمنى وأطلق سراح ابنه وشاهده يختفي أمام عينيه تحت الأمواج»، وما هي إلا دقائق حتى وصلت مروحيّات الإنقاذ.. فلو تمسّك به للحظات لكان لا يزال بينهم! ثم يستمر د. بارتولو يروي قصة الجثث السبع التي حملها قارب لميناء الجزيرة مرة، بمعيّة جثث أطفال أربع بدوا وكأنهم نائمون.. لم تكن الجثث سوى طبيب سوري وزوجته وأطفاله وستة من زملائه العاملين في عيادته الخاصة قبل فرارهم من وطنهم، وقد انقلب بهم القارب بعد إشرافهم على ولادة امرأة فاجأها المخاض في عرض البحر، حين تدافع الراكبون نحو المولود لرؤيته، ما أفقد القارب توازنه وغرق بمن عليه!.ختاماً.. ما هي (دموع الملح) التي خصّها الطبيب لتصف سيرته كاملة والتي ما ارتبطت سوى بدموع الآخرين؟ كانت تلك دموع والده الذي غلبه السرطان آخر عمره، والذي ربّى وأمه سبعة أطفال بمدخولهما المتواضع من مهنة الصيد، وأوصلا أحدهم إلى الجامعة حتى تخرّج طبيباً وحققا به رهانهما الوحيد! يتذكره ابنه عندما كان يهرع لمساعدته كلما عاد بقاربه إلى الميناء محمّلاً بالوفير من الأسماك، فيقول عنه في موضوع (أبناء البحر ذاته): «عندما يعود للميناء بغنيمته، يكون وجهه عادة أبيض يغطيه الملح، تتناثر مياه البحر على الوجه الذي تحرقه الشمس وتترك خلفها قناعاً من الملح.. قناعاً ينبئ ولا يخبئ، قناعاً يُظهر أصالة الوجود ولا يترك مجالاً للتزييف». وهو الآن يرى نفس القناع الملحيّ يغطي وجوه من رموا أنفسهم في دوامة البحر، جبراً لا اختياراً.. فيقول: »أرى القناع نفسه على وجوه المهاجرين اليائسين، الذين قضوا أياماً طوالاً في البحر، تتقاذفهم الأمواج.. كلما رأيتهم بهذا الحال، أفكر في أبي.. كلهم أبناء البحر ذاته».. كانوا كأبيه، يصلون متعبين لكن غير مهزومين، فقد قرروا العيش مهما كان.. فيقول: «كان أبي يعود للبيت كل مرة متعباً، لكنه لم يعد مهزوماً قط.. الآلام التي يشعر بها تزداد سوءاً، والدموع التي تجد لها مساراً أحياناً على وجنتيه، تتحلّل ويبقى ملحها على بشرته.. كانت تلك هي دموع الملح».
1380
| 17 أغسطس 2023
كتاب على قدر وافٍ من الحيادية يدور محوره حول أمة العرب، سُطّر بقلم مستعرب ياباني أمضى ما يقارب الأربعين عاماً من عمره بين أبنائها وعشائرها، ويرى أن (عشرته) الطويلة تلك تعطيه نصيبا من الحق في التحدث وبصدق عن قوم ألفهم وألفوه، كما كان يقول: «أنني أعطيت القضية العربية عمري كله، فمن حقي -ربما- أن أقول شيئاً». لا يتحدث المستعرب نوبوأكي نوتوهارا (1940) في مقدمة كتابه عن نفسه كثيراً، فيكتفي بعرض مسيرته مع اللغة العربية، والتي ابتدأها عام 1961 حين افتتحت جامعة طوكيو للدراسات الأجنبية قسماً للدراسات العربية فيها، فالتحق به وتخرج بعد أربع سنوات. عمل بعد تخرجه كأستاذ مساعد في الجامعة ليحصل بعد عدة أعوام على منحة خاصة من الحكومة المصرية للالتحاق بجامعة القاهرة كطالب مستمع، حيث استهل هناك ابداعه الحقيقي من خلال الانكباب على القراءة والكتابة والترجمة، بالإضافة إلى انخراطه مع الفلاحين في الدلتا. يتوّج مسيرته بعد ذلك بالارتحال إلى بادية الشام ومعاشرة البدو ردحاً من الزمان، في تجربة غنية لم يعايشها من قبل كياباني تخلو أرض آبائه من بادية. يسترجع نوتوهارا في خاتمة كتابه وبحميمية ذكرياته مع أصدقاء مسيرته الذين يكنّ لهم الكثير من الاعتزاز في مصر واليمن وسوريا والمغرب، وتجمعه بهم روابط مشتركة وذكريات دافئة رغم بون ثقافة مختلفة لا تشبهه في شيء!.تعتمد هذه المراجعة لكتاب (العرب: وجهة نظر يابانية) على طبعته الأولى الصادرة من منشورات الجمل عام 2003، والتي يتطرق فيها الكاتب إلى سبعة مواضيع رئيسية في بلاد العرب. فيُثني على جمال الأدب العربي الذي تعلّمه وعلّمه ويطري عدد من الأدباء العرب، ويتحدث بإسهاب عن ثقافة البدو وكيف أن البادية هي الموطن الأصلي للعرب وأنها الأرض الخصبة للتأمل والفلسفة ونشوء العقيدة، ويتفاعل ويتعاطف كذلك مع القضية الفلسطينية ويؤازرها بصدق حيث يرى أن الإعلام العالمي مضلل فيما يتعلق بها، كما يزكّي الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، ويمنحه لقب «الأديب الشهيد». وفي الأسطر القادمة، أعرض أبرز ما جاء في الكتاب من قول صريح، وباقتباس يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر): بينما ينتقد المستعرب عدداً من الأوضاع السلبية التي تعاني منها المجتمعات العربية، كالحاكم المعمّر، هدر حقوق الإنسان، السجناء السياسيين، غياب الشعور بالمسئولية، عدم توظيف الدين الإسلامي بشكل صحيح.......، فإنه -وفي منأى عن العاطفة التي تتملّكه نحو أصدقائه العرب- يعزز قيمة الموضوعية التي حرص عليها في كتابه ويعرض لهم «تجربة صعبة ومريرة» واجهها كياباني مع قومه أجمعين! فعندما سيطر العسكر على مقاليد البلاد وزجّوا بها في حروب طاحنة، آلت إلى دمار شامل عقب الحرب العالمية الثانية، ما دفع بالشعب الياباني لاحقاً أن يعترف بالخطأ ويستفيد من الدرس، فأبعد العسكر عن السلطة، وبنى ما دمّره القمع السياسي، واستغرق الإصلاح أكثر من عشرين عاماً. فمن الدروس التي لا ينساها الشعب الياباني «أن القمع يؤدي إلى تدمير الثروة الوطنية وقتل الأبرياء، ويؤدي إلى انحراف السلطة عن الطريق الصحيح والدخول في الممارسات الخاطئة باستمرار». وفي خضم الحديث عن الجيل العربي، يتحدث المستعرب عن التعليم الذي يجده ذا شجن، حيث ينتهي المطاف بالفتيان والفتيات النوابغ في البادية إلى حال الأفراد العاديين تحت غياب الاهتمام والرعاية الاجتماعية. فيتحدث عن ابن صديقه السوري، جاسم الهادئ الصامت، الذي «يشع من عينيه ذكاء خاص وشرود يشبه شرود المتأمل. كان دائماً يراقبني بهدوء ويتحدث معي بالطريقة نفسها. كل شيء في ذلك الطفل كان يوحي بأنه سيصبح كاتباً أو شاعراً لو كان طفلاً في اليابان. بعد عشر سنوات رمى جاسم موهبته كلها وأصبح راعياً نموذجياً كما يتوقع منه المجتمع». وفي فطنة يابانية، يستغل المستعرب ثقافة (الحلال والحرام) ليواجه بها احتيال بعض العمّال أثناء إقامته الطويلة في مصر مقابل إصلاحات منزلية، فيتوعد الواحد منهم قائلاً: «ألا تخاف الله؟ أنا سأطالبك بالنقود الزائدة التي أخذتها مني يوم القيامة». ليخلص أن «الجميع كانوا يخافون فعلاً ويأخذون أجرهم في حدود ما كانوا يسمونه الحلال». ومن حافة بعيدة، كان البيت المتهالك على أطراف مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق يقطنه رجل خمسيني، وقد برّر تهالكه للمستعرب قائلاً: «هذا بيت مؤقت. بيتي الحقيقي هناك في فلسطين. نحن نسكن هنا بصورة مؤقتة وسنعود إلى ديارنا عاجلاً أم آجلاً، وإذا وضعنا سقفاً بشكل كامل فهذا يعني أننا نتنازل عن العودة». استأذن العجوز ثم عاد يحمل معه مفتاح بيته في فلسطين وقد اعتبره شيئاً نفيساً، واستطرد قائلاً: «كلنا نحتفظ بمفاتيح بيوتنا.. نحن هنا بصورة مؤقتة». وأختم بجملة من التساؤلات «البسيطة والصعبة» التي انعكست مع صورة العرب في مرآة المستعرب اليابانية: «لماذا لا يستفيد العرب من تجاربهم؟ لماذا لا ينتقد العرب أخطاءهم؟ لماذا يكرر العرب الأخطاء نفسها؟ وكم يحتاج العرب من الوقت لكي يستفيدوا من تجاربهم ويصححوا أخطاءهم ويضعوا أنفسهم على الطريق السليم؟».. وشهد شاهد من غير أهلها!
1494
| 10 أغسطس 2023
كتاب يُبحر بقارئه في رحلة روحانية متعمقة نحو أديان العالم الكبرى، ليكشف عن روح كل دين وجوهر الحكمة وراء تعاليمه، في لغة تخالف التقليد العلمي السائد القائم في الأساس على عرض كل دين في قالب أكاديمي صرف، بكتبه المقدسة ومعلميه ومعتنقيه ومذاهبه وتعاليمه الرئيسية ومدى انتشاره!. لا تأتي هذه اللغة المختلفة عن هوى، إنما هي عصارة ممارسات إيمانية لتعاليم تلك الأديان، انهمك فيها المؤلف نحو خمسين عاماً فوق أراضي معتنقيها، وأخلص لها إخلاص المؤمن الحق! بهذا النهج المتفرد، لا يعرض المؤلف شيئا من آرائه كباحث أو انطباعاته كمعتنق، بل جاء عرضه حيادياً، وهو لا يعمد إلى التجريح مهما حمل أي دين من معتقدات أو ممارسات غير مألوفة قد تدعو لذلك، بل عمد في بعض الأحيان للتصدي ضد ما يحوم حولها من شبهات وتصحيحها منطقياً وفلسفياً. إنه الناسك الروحي البروفيسور د. هوستن سميث (1919-2016)، وُلد ونشأ في الصين لأبوين أمريكيين مسيحيين يعملان في التبشير، حيث تفتحت مداركه الصغيرة على تنوع الأديان وفلسفاتها، ما دعاه لدراسة الفلسفة بعد عودته لوطنه حتى حصوله على درجة الدكتوراه ومن ثم الانخراط في سلك التدريس. استمر في اعتناق المسيحية رغم إعجابه الشديد بالحكمة الشرقية، وقد تتلمذ على أيدي رهبان الهندوسية، ومارس الزن من خلال معلمي البوذية، وصرح في إحدى المقابلات بأنه يديم الصلاة خمس مرات يومياً باللغة العربية منذ ستة وعشرين عاماً. عمل على إنتاج سلسلة من الوثائقيات خلال ستينيات القرن الماضي، وله العديد من المؤلفات في نفس المجال، أشهرها الكتاب الذي بين أيدينا والذي لا يزال يصنف عالمياً بالمرجع العلمي الأول في الأديان، وقد وصلت مبيعاته إلى المليون ونصف المليون نسخة كما تشير هذه الطبعة. تعتمد هذه المراجعة على الطبعة الثالثة لكتاب «أديان العالم» الصادرة عام 2007 عن (دار الجسور الثقافية)، والتي عني بها المترجم د. سعد رستم، وهو أكاديمي وباحث سوري حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية بعد تحوله إليها من كلية الطب. يعرض فهرس الكتاب عشرة مواضيع رئيسية، يبدو أهمها على الإطلاق: (الهندوسية، البوذية، الكونفوشية، الطاوية، اليهودية، المسيحية، الإسلام، الأديان البدائية) والتي أبث من عبق روحانياتها نفحات، وبشيء من الاقتباس بما يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) فيما يلي: يحفل الأدب الهندي بالاستعارات والتشبيهات والصور البيانية التي توجه أنظار الإنسان نحو «الوجود المطلق اللانهائي» في الكون الفسيح، والكامن عميقاً بين ثنايا وجدانه. على هذا، ينتقد د. سميث ربط التماثيل الهندوسية بمعاني الوثنية أو الشرك أو تعدد الآلهة، فإنما هي كما يعتقد مسارات تتنقل خلالها الحواس البشرية نحو «الأحد» أو «تطير من الأحد نحو الأحد». أما في الطاوية، فتتوالد أبعاد الوحدانية الإلهية من خلال ترانيم الطاوي وهو يقول: «هناك كائن رائع وكامل.. وُجد قبل السماء والأرض»، والذي تنساب وصيته عذبة تحلق بعيداً عن ميدان رياضة اليوغا وتتقاطع مع العشق الرومي في لغة صوفية، قائلاً: «كل ما يجب علينا فعله في هذه اليوغا أن نحب الله حباً جما، لا مجرد أن نقول بلساننا أننا نحب الله، بل نحبه حقاً، ونحبه وحده، ولا نحب شيئاً غيره إلا لأجله، ونحبه لذاته لا لغرض آخر أو هدف أبعد، حتى ولا انطلاقاً من الرغبة بالخلاص والتحرر، بل نحبه للحب فقط». تتجلى معاني الصيام الإسلامي في الانضباط الذاتي وكبح الشهوات، وفي تذكير الإنسان بضعفه وحاجته الدائمة إلى الله، كما يولد لديه الشعور بالشفقة والإحساس بالآخرين، إذ لا يشعر بالجوع إلا من جاع فقط، ومن راض نفسه على الصيام تسعة وعشرين يوماً يكون أكثر تسامحاً وتفاعلاً مع من يقصده من الجائعين. وفي استنباط لافت للنظر، يشير د. سميث إلى كلمة (القراءة) كمعنى مشتق لكلمة (القرآن)، وبأنه الكتاب الأكثر تلاوة وحفظاً وتأثيراً على مستوى العالم. فلا عجب أن يكون (معجزاً) كما سماه نبيه وأتباعه من بعده! وفي الحديث عن اللغة العربية، يقول د. سميث مقتبساً عن أحد المفكرين: «لا يوجد شعب في العالم تحركه الكلمات، سواء المقولة شفهياً أو المكتوبة، كالعرب! من النادر أن يكون لأي لغة في العالم تلك القدرة على التأثير على عقول مستخدميها كالتأثير الذي لا يقاوم للغة العربية». ثم يُعقب بدوره قائلاً: «يمكن للجماهير في القاهرة أو دمشق أو بغداد أن تُلهب مشاعرها وتثار إلى أعلى درجات الإثارة العاطفية ببيانات، إذا ما تمت ترجمتها تبدو عادية». وفي الختام.. عجباً كيف تختلف الأديان برمتها لتنتهي بعبادة الله وحده ونيل السكينة الروحية كمطمح أزلي! إنه ليس كتابا ترويجيا ولا تبشيريا ولا مقارنا ولا نقديا، بل روحاني بالدرجة الأولى، يقدم للقارئ خلاصة ما اكتسبه مؤلفه من معرفة وجدانية وتجارب روحية تجود عليه بأنوار من فكر وحكمة وتصور جديد للحياة بما يحيطها من مصاعب وطرق مواجهتها من زوايا دينية أكثر اتساعاً. لتصب جميعها انتهاءً في فضاء الحقيقة المطلقة: (الله أحد).
1497
| 03 أغسطس 2023
يولد الإنسان عادة وقد حباه الله بنعمة الصحة التي قد يُغبن فيها ما لم يوفِ حقها بالحمد وحسن الاستغلال! بيد أن قدر الإنسان يفرض مواجهة تحديات الحياة التي قد يوقف عجلتها المرض بما يخلّفه من آثار صحية ونفسية واجتماعية، تتطلب إحاطتها برعاية وحب ونبل يمنحها أبطال مهنة الطب ويتقبّلها المريض .. في تحدٍ يعيد للجسد عافيته وللنفس جمالها وللحياة الانتصار. يوجّه كتاب (قصة الطب ودور الطبيب: إظهار لجمال النفس وانتصار للحياة) حديثه في المقام الأول للمهنيين في المجال الطبي، وللإداريين كمساهمين فاعلين في تلك المنظومة، ويقدّم إهداءه «إلى المريض.. المعلم الأول للطبيب» والذي يدين له المؤلف بالفضل قائلاً: «لولاه ما تعلمنا». يأتي الكتاب عصارة (علم وعمل) انخرط فيهما المؤلف منذ سن مبكّرة حتى تقاعده! إنه د. جاسم الدوري، الذي تخرّج في كلية الطب من جامعة بغداد عام 1974 وعمل في المستشفيات العراقية حتى غادرها إلى المملكة المتحدة وعمل استشارياً للطب الباطني في مستشفياتها بعد حصوله على عضوية كلية الأطباء الملكية. تعتمد هذه المراجعة على طبعة الكتاب الأولى الصادرة عام 2016 عن (دار الشروق للنشر والتوزيع)، والتي تشتمل على بعض الاقتباسات بما يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر). وعلى الرغم من مادة الكتاب العلمية فقد جاءت بلغة رجل الشارع، حيث يعرض فهرسه أربعة فصول رئيسية يتفرّع عنها مواضيع عدة، فيبدأ د. الدوري حديثه في (الفصل الأول: قصة الطب وفنه) عن الإسلام كدين يحضّ على الاخذ بالأسباب، فـ «الإسلام دين الوقاية»، والحفاظ على الجسد نظيفاً وتجنيبه المحرمّات من شرب للدخان وتعاطٍ للخمور وممارسة علاقات غير شرعية، تقيه أمراض القلب والرئة وأنواع السرطان المختلفة. يستشهد في هذا بحديث النبي الأكرم ﷺ: «إِن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداوَوْا، ولا تداووا بِمحرم». يشير من ثم إلى بناء علوم الطب الحديث القائم على أسس العلماء السابقين، ففي «دولة العلم والثقافة» قام العباسيون بوضع أنظمة دقيقة لممارسة مهنة الطب والحفاظ على الصحة العامة، وهم «أول من قام بالتلقيح ضد الجدري بوضع قشور بثور المرض في جروح صغيرة في جلد الصحيح». يستمر د. الدوري بإطراء علماء الإسلام الأوائل، كالنطاسي والبيروني والرازي وابن النفيس وابن سينا، ويخص «جرّاح قرطبة الشهير أبو القاسم الزهراوي» «المكنى (شيخ الجراحين) و(أبو علم الجراحة الحديثة)، مؤلف (التصريف لمن عجز عن التأليف) ذي الثلاثين مجلداً الذي ضمنه خبرته وإبداعاته في طرق الجراحة المختلفة وآلاتها المتعددة، ولا يزال بيته قائماً في قرطبة الأندلس يزوره السائحون». أما في (الفصل الثاني: الطبيب خادم الفن) فيتطرق د. الدوري إلى الجراحة كذوق ورسم وإلى الطب كفنّ وإلى الطبيب كخادم له، يصفه فيلسوف الطب الأول أبو قراط بأن: «له ثلاثة أضلاع: المرض والمريض والطبيب! فالطبيب خادم الفن، وتعاون المريض مع الطبيب كفيل بالقضاء على المرض». ثم يخصّ حديثه عن الممرضة كركيزة أساسية في مهنة الطب، وما يجمعها مع المريض من علاقة وشيجة لا يحظى بها الطبيب المعالج عادة! فيقول في عذوبة: «إنها حقاً نعمة ربانية أن تختص المرأة بالتمريض لرقة طبعها وحنوها، وهي لا تقل عن الطبيب شأناً إذ إن هدفيهما رعاية المريض». ثم ينتقد النظرة الدونية التي قد يوجهها البعض «لهذه المهنة الإنسانية الراقية» قائلاً: «المرأة شقيقة الرجل التي جعل الله من خلقها الرعاية والحنان والحب غير المشروط، وجعل من أهم مسئولياتها رعاية الأسرة وإدارة البيت، فحيث حلّت المرأة حل النظام والنظافة والسلوك المهذب، وهذه لعمرك هي موجبات الطب حقاً». يختتم الفصل بالحديث عن أخلاقيات مهنة الطب وفضائل الطبيب التي حددها بعشرة خصال، هي: «الرعاية والاهتمام، الرأفة والرحمة، الاتصال الفعال، التعاون والتنسيق مع فريقه الطبي، الكفاءة في العلم والمهارة، التحليل النقدي والتحليلي، الجمع بين الثقة والتواضع، ذو خصال قيادية، الاستمرار بالحصول على آخر العلوم والمهارات، حصر ممارسته بخبرته واختصاصه». وبناءً على هذه الخصال، ينأى د. الدوري بمهنة الطب أن تزاول الاتجار من خلال شركات التأمين ومندوبي الأدوية وموردي الأجهزة والمعدات، إذ «لا يحق للطبيب تسخير هذه المهنة المقدسة للكنز والطمع وتحويلها من مهنة علاج العلة ومعرفة الأسباب إلى حرفة لجمع المال والاكتساب». وفي (الفصل الثالث: معلم الطبيب الأول.. المريض)، يتحدث د. الدوري بلغة وجدانية عن بعض قصص النجاح الطبية التي تشكّل في حد ذاتها أعظم متع الطبيب، وينتهي مع (الفصل الرابع: علاقة الطبيب بالمريض) بجملة من الاقتراحات العملية للتطبيق في القطاع الصحي.. وبمأثور الدعاء: «اللهم رب الناس أذهب الباس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما».
2844
| 26 يوليو 2023
مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...
1236
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...
801
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...
693
| 11 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...
615
| 12 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...
585
| 14 ديسمبر 2025
نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...
552
| 11 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها...
543
| 15 ديسمبر 2025
• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...
531
| 11 ديسمبر 2025
يوم الوطن ذكرى تجدد كل عام .. معها...
510
| 10 ديسمبر 2025
مع دخول شهر ديسمبر، تبدأ الدوحة وكل مدن...
501
| 10 ديسمبر 2025
في قلب الخليج العربي، وتحديدًا في العاصمة القطرية...
468
| 09 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل